رواية ضروب العشق الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم ندى محمود توفيق
رواية ضروب العشق الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم ندى محمود توفيق
رواية ضروب العشق البارت الثاني والعشرون
رواية ضروب العشق الجزء الثاني والعشرون
رواية ضروب العشق الحلقة الثانية والعشرون
نطقها !! ، لم يخذلها حين توقعت بأنه سيمثل أمامها التمسك والاهتمام وبمجرد ما أن ضغطت عليه نطقها بسهولة من بين شفتيه ! .. جلست على فراشها بعد رحيله تحدق في اللاشيء أمامها وهي تبدأ في استيعاب أنها لم تعد زوجته ، تمنع نفسها بصعوبة وتمسك على محابس عيونها حتى لا ينفجروا .. فتحت أمها الباب ودخلت لتقترب منها وتجلس بجوارها هاتفة :
_ ليه يايسر .. ليه يابنتي
نظرت لأمها وصاحت بصوت يغلبه البكاء :
_ عمره ماحبني .. والدليل إنه محاولش يصالحني حتى لقيني بطلب منه يطلقني وطلقني من غير تفكير ولا حتى يحاول معايا مرة واتنين وتلاتة يثبتلي إنه فعلًا زي مابيقول ندمان
احست أمها بأنها ترغب في البكاء وتكتمه في نفسها فيخنقها أكثر .. لفت ذراعها حول كتفيها وضمتها لصدرها متمتمة بألم على نفس ابنتها الموجوعة وهي توافقها الرأى :
_ عندك حق أنا برضوا كنت متوقعة إنه هيتمسك بيكي اكتر من كدا .. متزعليش نفسك ياحبيبتي هو ميستاهلكيش إنتي تستاهلي واحد احسن منه يحبك ويحافظ عليكي
انخرطت في نوبة بكاء عنيفة وهي متشبثة بملابس أمها وتهتف من بين بكائها بصدق حقيقي :
_ لسا بحبه ياماما مش عارفة اكرهوا للأسف
أخذت أمها تملس على شعرها بلطف في محاولة منها لتهدئتها وقد بدأت دموعها تسقط هي الأخرى على وجنتيها حزنًا على ابنتها ! ……
أما بالأسفل كان حسن مندفعًا نحو الخارج ليستقل بسيارته محاولًا الهرب من كل شيء حتى من حديثه مع عمه ولكنه سمعه يصيح مناديًا عليه ، فتوقف مكانه وأخذ نفسًا عميقًا ثم التفت بجسده له ليجده يقترب منه ويهتف في حدة وصرامة :
_ طلقتها !!
_ مقدرتش ياعمي اشوف نظرات الاستحقار والكره في عينها اكتر ، يسر فعلًا كرهتني ومبقتش عايزاني خلاص
طاهر بنبرة رجولية خشنة وهو يقف بهيئته الخمسينية التي كلها وقار :
_ أنا اديتك فرصة عشان تصلح غلطك معاها وتعتذر منها .. بس من الواضح إن إنت اللي مش باقي على مراتك .. أنت ابن أخويا وابني بس هي كمان بنتي ومش هقبل اشوفها حزينة ومهمومة بالشكل ده ، بما إنك رميت يمين الطلاق عليها خلاص ابدأ في اجراءات الطلاق النهائية من النهردا
اجفل نظره أرضًا وهتف بموافقة وخضوع لأوامر عمه :
_ حاضر
ظل طاهر بمكانه صامدًا يتابعه وهو يبعتد عنه ويستقل بسيارته ثم ينطلق بها كالبرق !! ……..
***
سمعت صوت الباب وهو يدور المفتاح في القفل فاعتدلت في جلستها فورًا وهي تستعد لأي مقابلة من أي شخص حتى لو كان ” علاء ” ولكن حين انفتح ظهرت من خلفه رفيف وهي تحمل على يديها الطعام واغلقت الباب خلفها بقدمها ، ثم قادت خطواتها نحوها ووضعت الصينية على الفراش أمامها .. جلست على الحافة في مقابلتها تمامًا وطالعتها بإشفاق ، عيناها متورمة من كثرة البكاء ووجهها منطفيء وبائس .
رفيف برفق :
_ كلي ياميار
هزت رأسها بالنفي وقالت في صوت يكاد لا يسمع :
_ مليش نفس يارفيف
زفرت رفيف بشيء من الخنق على فعلتها الشنيعة والقبيحة وقالت معاتبة إياها بقسوة امتزجت ببعض اللين :
_ عملتي في نفسك كدا ليه ؟! .. إنتي جميلة جدًا وألف من يتمناكي ، ليه رخصتي نفسك بالشكل ده
_ الموضوع مش زي ما انتوا فاهمين يارفيف .. صدقيني أنا مظلومة ومعرفش الصور دي وصلت ازاي اصلا
_ مش مشكلتنا دلوقتي الصور وصلت إزاي أنا بتكلم علي اللي في الصور ياميار .. احمدي ربك إن ربنا سترها ومحصلش حمل
قالتها رفيف باندفاع بسيط لتجدها تهتف مسرعة مصححة معتقداتها :
_ Nein ( لا ) .. محصلتش حاجة بينا غير اللي في الصور بس
ضيقت عيناها بذهول وقالت تستوضح كلامها أكثر بشيء من الحياء في أن تتكلم بشيء كهذا :
_ قصدك يعني أن محصلش و…. يعني هو ملمسكيش أكتر من اللي في الصور
اماءت له بالإيجاب وقد انسابت دموعها على وجنتها فقالت رفيف بحيرة :
_ ومقولتيش ياعمو وتيتا ليه الكلام ده
_ قولتلها ومصدقتنيش يارفيف وقالتلي كلام قاسي جدًا أول مرة اسمعه من نينا ، وقالتلي هتجوز علاء غصب عني .. أنا مش عايزة اتجوزه ساعديني يارفيف
ضمت كف يدها بين كفها وقالت بنظرات دافئة :
_ صدقيني علاء مش وحش .. بالعكس هو طيب وحنين أوي ، هو بس ماخد صفة العصبية زي بقية العيلة
_ أنا ميهمنيش إذا كان طيب أو لا أنا مش عايزاه ، ليه يجبروني !!
رفيف ببعض الحزم :
_ عشان انتي غلطتي ياميار وهو ده عقابك .. اقبلي بالعقاب واستحملي الفترة اللي هتتجوزيه فيها
ثم استقامت واقفة وقالت بعجالة من أمرها :
_ أنا همشي عشان ورايا شغل .. وافطري هااا
اكتفت بنظرتها المهمومة فقابلتها رفيف بتنهيدة مغلوبة وتحركت نحو الباب لتنصرف وتتركها حبيسة غرفتها من جديد …….
***
يتحدث في الهاتف بجدية شديدة وشيء من الحدة ولم يلاحظها عندما خرجت من الحمام بعد أن أخذت حمامًا صباحي .. اتجهت هي إلى المرآة وبدأت في تجفيف شعرها بالآلة الكهربائية .. لتراه يشير لها بيده دون أن يتطلع إليها أن تغلق الآلة التي تصدر صوت مرتفع وتشوش على سمعه ، ففعلت امتثالًا لأمره وأخذت تتابعه وهو يتحدث في الهاتف وكان يبدو أن محور حديثه عن شيء خاص بالعمل وحين انتهى من المكالمة الهاتفية عادت هي تعيد تشغيل الآلة وتكمل تجفيف شعرها ! .
مسح زين على وجهه مصدرًا زفيرًا مختنقًا من أمور العمل التي لا تنتهي ، حرك رأسه ناحيتها وأمعن النظر بها بإعجاب امتزج بدهشته .. كانت ترتدي بنطال رياضي مطاطي يصل ألى عضلة الساق وتيشيرت ضيق قليلًا .. لأول مرة يراها ترتدي هكذا أمامه ولكن يجب عليه الاعتراف أنها اعجبته بشدة ! ، استمرت هي في تجفيف شعرها غير منتبهة له وهو يحدق بها بتركيز شديد يتفحصها بتدقيق وكأنه يحفظ تفاصيلها .
حركت رأسها بتلقائية نحوه بشيء من العفوية وتجمدت حين رأت نظرته لها ، وازدردت ريقها باستحياء بسيط وقالت محاولة الثبات :
_ زين !!
أجابها بكامل الهدوء :
_ اممم ، نعم !
ضيقت عيناها باستغراب من رده .. ثم عادت ترسم علامات التساؤل على محياها وهي تسأله بابتسامة مرتبكة :
_ في إيه ؟!
فهم ماتقصده بسؤالها وفكر بأن يتصنع عدم الفهم حيث قطب حاجبه وتمتم يعيد نفس سؤالها ببلاهة :
_ في إيه !!!
ضحكت بخفة وقالت بنعومة باسمة :
_ أنا اللي بسألك على فكرة !!
مالت شفتيه للجانب قليلًا وهتف بمكر لمسته في نبرته بصعوبة بعد أن أشاح بوجهه عنها :
_ أهاا إنتي قصدك على الـ …. ، لا مفيش حاجة بتفرج مش اكتر
ابعدت نظرها عنه مانعة شفتيها من أن تفتر عن ابتسامة خجلة وفكرت بأن تغير مجرى حديثهم حتى تنهي هذه الوضع المحرج .
ملاذ بنبرة مهتمة :
_ ميار هتتجوز علاء النهردا !
اختفت ابتسامته وحل محلها الضجر و
فأجابها بشيء من العصبية :
_ متفكرنيش بيها ، أنا كل ما بفتكر اللي حصل بتعفرت .. العيب مش عليها ، العيب على جدتي اللي سابتلها السايب في السايب .. أنا هروح احضر كتب الكتاب بليل بالعافية عند عمي
تنهدت بأسى وتحركت نحوه حتى جلست بجواره تمامًا وتمتمت بإشفاق :
_ رغم إني مكنتش بطيقها ولا بحبها بس اشفقت عليها بجد ، هي ضيعت نفسها باللي عملته ده .. ربنا يهديها وتعرف غلطها وتتوب
_ ده مش غلط عادي ياملاذ ، ده ذنب عظيم وكبير ربنا يغفرلها وتتوب قبل فوات الآوان
ضمت كفه بين كفيها لتهدأ من روعه وقالت بحنو ونظرة دافئة :
_ عارفة وأنا عشان كدا بدعيلها ربنا يهديها وترجع لربها وتطلب منه المغفرة ، متعصبش نفسك وهي هتتجوز وأنا حاسة إن ابن عمك ده هيعاقبها على غلطها كويس أوي
نزع ابنة عمه من ذهنه حتى لا يعكر صفوه أكثر من ذلك ، هو أساسًا غاضب منذ ليلة أمس ! .. تأفف بنفاذ صبر وهدأت نفسه المستاءة حين نظر ليدها التي تختضن كفه واقترابها الحميمي منه فعصفت في رأسه فورًا آخر مرة اقتربت منه بهذا القدر ماذا حدث .. فقد السيطرة على نفسه وكان سيقبلها ، ولكنه رفض أفكاره التي تدور في عقله الآن فهو لا يريد الاستعجال في شيء كهذا وسيتمهل قليلًا ، وحين تحين اللحظة سيكشف هو عن ضروبه المختلفة من العشق الكامنة في اعماقه !! .
سحب يده من بين يديها بهدوء وقال بنبرة جادة :
_ أنا مسافر بكرا !
ملاذ بدهشة :
_ مسافر فين ؟!!
_ خطوبة واحد من الأصدقاء وهتكون في مرسى مطروح ، أنا مكنتش هروح لإني مبحبش جو الأفراح والاغاني والكلام ده بس هو أصر اروح ولو مروحتش هيزعل مني فأنا مضطر اروح ، هباركله وارجع في نفس اليوم
عقدت ذراعيها في خصرها وقالت بتذمر وغيظ :
_ وعايز تروح مرسى من غيري !!
ابتسم باستنكار غمغم يوضح لها ببساطة أشد :
_ هرجع في نفس اليوم ياملاذ أنا مش رايح اتفسح ، أنا أساسًا معايا شغل
تشدقت بنبرة حماسية وسرعان ما ارتفعت ابتسامتها لشفتيها :
_ لا ماهو أنا هروح معاك وناخد يومين هناك نتفسح ، إيه رأيك ؟!
_ إنتي سمعتي آخر حاجة قولتها !!
لم تهتم لما يقوله ، فلا يهمها لديه عمل أو ماشابه ، الأهم أن تذهب معه في نزهة جميلة لأول مرة ، حيث قالت وهي تنكزه في كتفه بمشاكسة قائلة :
_ متبقاش كئيب بقى يازين ، لو على الشغل فحسن وكرم موجودين مفهاش حاجة لما تريح دماغك شوية من ضغط الشغل ، بليز خدني معاك ومش هتندم صدقني ده أنا هفرفشك آخر فرفشة والله
لمعت في عقله فورًا الأفكار المنحرفة كأغلبية الرجال حيث أجابها مبتسمًا بلؤم :
_ هتفرفشيني إزاي يعني !!
لم تلاحظ نظرته اللئيمة من فرط حماسه حيث أكملت مشاكستها وهي تهتف :
_ ليا طرقي وأنا فرفوشة أوي عندما يتطلب الأمر فرفشة وضحك وهزار ببقى عسل أوي هعجبك يعني
استرسلت حديثها تترجاه بإلحاح شديد :
_ بليز وافق هو يومين بس .. بليز !
حدقها بصمت مبتسمًا كدليل على موافقته فأغارت عليه تقبله من وجنته قبلة طويلة وقوية بعض الشيء ، ليمسك هو بكلتا كتفيها ويبعدها عنه بكامل اللطف وهو يبتسم محاولًا إخفاء ما في نفسه التي تلح عليه بعنف لتنفيذ ما يجول بعقله منذ أيام ، ثم نهض وانصرف وتركها تهز كتفيها وجسدها برقص من فرط تشويقها وفرحتها !! .
***
كانت رفيف على إحدى طاولات المطعم في الهواء الطلق تأخذ استراحة صغيرة من العمل وبيدها كوب القهوة خاصتها وتتفحص هاتفها باستمتاع على أحد وسائل التواصل الاجتماعي ( الفيس بوك ) وبين كل دقيقة والأخرى يمر عليها شيء فتضحك بصوت منخفض حتى لا يصل صوتها لأحد العمال ، وبينما هي مندمجة مع هاتفها وجدت إسلام يجلس أمامها وهو أيضًا بيده القهوة خاصته ويقول بكامل اللطف :
_ حمدلله على سلامتك
رفعت نظرها له وتركت الهاتف من يدها لتجيبه بإحراج بسيط :
_ الله يسلمك
_ بقيتي كويسة دلوقتي ؟!
_ آه الحمدلله هو كان دور برد شديد شوية والحمدلله بقيت احسن بكتير دلوقتي
ردد خلفها ” الحمدلله ” في ابتسامة صافية ثم بدأ يرتشف من فنجان القهوة خاصته وهو يتابع حركات العمال وتارة يشير لأحدهم بحدة بأن يقوم بهذا العمل بطريقة معينة وبدقة حتى لا يفسده ، وهي تحاول أن لا تختلس النظر إليها ولكن عيناها ترفض الخضوع ، فهو لديه شعر أسود جميل وناعم بقصة رجالية رائعة وعينان بندقتين مع بشرة قمحية مغرية ولحية حفيفة ، وقسمات وجه تنضج بالقوة والرجولة ، وحاجبيه الكثيفان يعطياه لمسة رجولية كلها جمال ! .
اجفلت نظرها عنه بصعوبة وهي تلعن نفسها الحمقاء وتحاول الانشغال بهاتفها حتى تصرف نظرها عنه ، وبعد دقيقتين بالضبط سمعته يقول بخفوت :
_ ممكن اسألك سؤال ؟!
من فرط توترها لم ترفع نظرها عن الهاتف حتى وقالت بنبرة عادية فبدت له غير مكترثة :
_ اتفضل
سكت لبرهة يحدق بها وبطريقتها التي ردت بها ثم سألها بترقب :
_ هو إنتي كنتي عارفة إن أنا المهندس اللي هشتغل معاكي
” لماذا تصر على إيقاعي في شباكك ، توقف أرجوك فأنا عقدت وعد مع نفسي ومع أخي بأني سألتزم حدودي مع أي رجل ” قالت هكذا لنفسها لتسمع الرد من عقلها وهو يجيب عليها منزعجًا ” ومازالتي عند وعدك هل هو تخطى حدوده لأنه سألك سؤالًا بسيطًا ليس بس أي شيء خطأ ، هو فقط يتحدث معك في حدود العمل !! ” .
انتشلها من صراعها الداخلي صوته وهو يهتف باستغراب :
_ رفــيــف !!
انتفضت وابعدت عيناها عن الهاتف لتثبتها عليه وتقول باعتذار وحياء :
_ آسفة بس سرحت في حاجة في الفون وركزت فيها .. إنت كنت بتقول إيه معلش ؟
حدجها بريبة حقيقة ونظرة كانت قوية بعض الشيء ثم عاد يطرح سؤاله عليها بجدية :
_ كنت بقولك إنتي كنتي عارفة إن أنا المهندش اللي هشتغل معاكي ولا لا ؟
ردت بارتباك ملحوظ وهي تبتسم :
_ الحقيقة لا هو زين فاجئني مرة واحدة أساسًا بموضوع الإدارة تبع المطعم ده ولما عرفت إن إنت المهندس اندهشت جدًا
_ لـيـه ؟!
قالها بنوع من الفضول فتجيب هي بارتباك أشد حين سألها عن السبب ، وتذكرت بأن سبب دهشتها هي أنها ستعمل معه ! ، ولكنها بالطبع لم تخبره بهذا وستخترع سبب ! :
_ أصل الصراحة أنا مكنتش أعرف إن إنت مهندس نهائيًا ولا حتى ملاذ جابتلي سيرة عن كدا .. وإنت كنت تعرف ولا لا إن أنا هكون المديرة ؟
هز رأسه بالإيجاب وقال باسمًا :
_ أكيد .. زين من فترة كنا أنا وهو بنتكلم في موضوع المطعم والتعديلات اللي لازم تتعمل وقالي إنك هتمسكي الإدارة وهتكوني معايا في الشغل
_ آهاا على سيرة الإدارة فكرتني أقولك مبروك .. زين قالي امبارح إنه اداك الإدارة معايا يعني بقينا شركاء
قال ببساطة وهدوء :
_ أنا كنت متفق معاه من البداية إني هعمل التعديلات في المطعم بس لأنه فاتحني في الأول على موضوع يخليني أنا المدير ورفضت ولما رفضت مسكها ليكي ودلوقتي برضوا نفذ اللي في دماغه واجبرني للأسف
ضحكت بخفة وقالت بإيجاب ومرح :
_ أيوة زين عنيد ومحدش بيقدر يعانده .. هو واثق فيك وعارف إنك قدها وهتحافظ على المطعم ، ثم إني عارفة السبب الحقيقي اللي خلاه يعمل كدا !
_ إيه هو ؟!
_ أنا فاهمة تفكير زين أوي ، هو تلاقيه فكر إني لسا حتى متخرجتش ومعنديش خبرة كفاية وخاف أعمل حاجة غلط وعشان هو مش عايز يشغل دماغه بحاجتين زي ما قولت الشركة والمطعم فخلاك شريك معايا عشان عارف إنك هتفهم اكتر منى
غمغم بابتسامة عذبة ونبرة رخيمة :
_ ممكن يكون فكر كدا فعلًا ، بس أنا موجود أهو وهنظبط كل حاجة بإذن الله ، ومتقلقيش حتى لو معندكيش خبرة دلوقتي مع الوقت هتكتسبي الخبرة أكيد
هزت رأسها توميء على كلامه بالتأييد وهي تطالعه بابتسامة رقيقة ثم اخفضت نظرها لهاتفها مجددًا تعبث به بعشوائية ، وهو عاد يتابع حركات العمال ومن بين آن وآن يلقى نظرة سريعة عليها !! .
***
ترجلت من السيارة مدخل المقابر وانتظرته حتى نزل هو أيضًا والتف ناحيتها ليراها متصلبة تحدق أمامها بأعين تائهة وحزينة لتسمعه يهمس باحتجاج :
_ عرفتي ليه مكنتش عايز أجيبك
نظرت له وقالت بنفس نظرتها التائهة :
_ حلمت بيه امبارح ياكرم هو وماما
تنهد بعمق ثم شبك كفه بكفها وسار معها ناحية غرفة معينة والتي تضم قبر شقيقها وأمها .. صعدوا درجتين من السلالم ثم فتح هو الباب ودخل أولًا وتليه هي .. كانوا القربين بجانب بعضهم وبينهم مسافة تكفى لعبور شخص فوقفت ورفعت يدها تبدأ في قراءة سورة الفاتحة وكذلك هو الذي كان يقف خلفها وحين انتهت مدت يدها في حقيبتها الصغيرة تخرج مصحف صغير نسبيًا وتبدأ في قراءة سورة ( يس ) بصوت مسموع .. مرت دقائق قصيرة وبدأت بحة صوتها ترتفع كإشارة على انفجارها في البكاء ، فتمالكت نفسها بصعوبة حتى انتهت من القراءة ثم وضعت المصحف في حقيبتها من جديد ودفنت وجهها بين كفيها تاركة لدموعها العنان ، فانهارت باكية بنشيج مرتفع وصل لأذنيه ، ليتنهد هو بعدم حيلة ويقترب منها ثم يلف ذراعه حول كتفيها ويضمها لصدره متمتمًا بضيق :
_ خلاص ياشفق متخلنيش اندم إني جبتك
اجهشت في بكاء حار وهي تهتف بصوت متحشرج :
_ آخر مرة جيت هنا .. كان قبر سيف بس اللي موجود دلوقتي بقى هو وماما ، اتحرمت منهم هما الأتنين مرة واحدة وفي لحظة
لم يجيبها فقط كان يستمع لحديثها ويتركها تفرغ مافي نفسها كله له ولكن بكائها لم يهدأ ، فقال بخفوت وحنو :
_ طيب مش كفاية بقى ولا إيه .. يلا بينا
ابتعدت عنه وجففت دموعها وهي توميء له بالإيجاب فسبقها هو للخارج وانتظر حتى خرجت واغلق الباب ثم ساروا عائدين إلى السيارة .
حرك المحرك وقبل أن ينطلق نظر لها وقال بلطف وشيء من الحماسة :
_ إيه رأيك نروح نفطر برا النهردا ؟!
تفهم جيدًا أنه يفعل ذلك حتى يخرجها من حالة كآبتها وحزنها ، هو بالفعل فريد في كل شيء وليس له مثيل في الرقة والحنو ، باتت لا تحتمل لطافته التي تذيب قلبها أكثر وأكثر ! .
كان صمتها بالنسبة له دليل على موافقتها فانطلق بالسيارة قاصدًا أحد المطاعم الفاخرة .
***
توقفت السيارة وترجل هو أولًا ثم هي ، واستحوذ الإعجاب عليها للحظات وهي تحدق بذلك المطعم الفاخر والجميل ثم التقت عيناها بعيناه وحدجته بابتسامة واسعة تعبر عن سعادتها .. أشار لها بيده أن تلتف ناحيته ففعلت على الفور وسارت بجواره وبمجرد دخولهم رأت مالك المطعم يتجه نحوهم ويرحب بهم ترحيبًا حارًا وبالأخص بزوجها وآشار لأحد النادلين بأن يدلهم على طاولتهم .
سحبت المقعد للوراء وجلست أمامه هاتفة بفضول حقيقي :
_ هو إنت بتاجي هنا علطول ولا إيه
_ مش أنا بس دي عيلة العمايري كلها بتاجي هنا .. ده يعتبر مطعم العائلة المفضل
قالت وهي تتجول بنظرها في ارجاء المطعم وتقول بإعجاب شديد :
_ آهااا بس جميل جدًا
_ امممم فعلًا .. اطلبي حاجة يلا من المنيو
مدت قائمة الطعام أمامه على الطاولة واستندت بمرفقها على سطح الطاولة ووضعت كفها أسفل وجنتها هاتفة في نظرة كانت تطلق قلوب صغيرة من خلالها مع ابتسامتها العريضة التي اظهرت عن اسنانها ناصعة البياض :
_ اختارلي إنت على زوقك !
نظرتها الجمت لسانها وقيدته فلم تسفعه الكلمات في ذهنه للرد عليها ، فقط حدق بها مبتسمًا ببساطة شديدة ثم اخفض نظره وأخذ يتفحص قائمة الطعام لدقائق قليلة وهي تارة تنظر له وتارة تتابع الناس وحركاتهم .. رأته يشير للنادل بيده أن يأتي وأشار له على القائمة بأصبعه على عدة أشياء ثم أخذ النادل القائمة وهو يوميء له بالإيجاب وانصرف ، فالقى هو نظرة عليها وقال بترقب :
_ مش عايزة تعرفي طلبتلك إيه ؟!!
قالت نافية بنظرة لا تختلف عن سابقتها :
_ تؤتؤ أكيد هيبقى حلو !
هز رأسه بإماءة خفيفة محاولًا عدم ثتبيت نظره عليها وعلى نظرتها الرائعة له ، وساد الصمت بينهم لدقائق حتى اخترقته هي تسأله بجدية هذه المرة ونبرة لا تحمل المزح :
_ إنت ناوي تعمل فيه إيه تاني ياكرم ؟!
فهم المقصود من حديثها وتصنع عدم الفهم وتمتم :
_ مين ده ؟
_ إنت عارف أنا قصدي على مين !
قالتها بشيء من الانزعاج ليصدر زفيرًا متهملًا ويقول ببساطة :
_ أنا لسا مطفيتش ناري ومش هتتطفي إلا لما يموت
تأففت مستغفرة ربها بصوت مسموع وتشدقت باندفاع :
_ كفاية ياكرم .. كفاية انا خايفة يأذيك بجد
هتف بشراسة ونظرة مريبة قليلًا :
_ بعد اللي عملته فيه ممكن ميمشيش على رجله تاني أصلًا ، ومش هيتجرأ لا يقربلك ولا يلعب معايا تاني عشان سعتها هقطع راسه
كلامه ونظرته جعلتها تبتسم بذهول وتقول بعدم تصديق واستيعاب :
_ أنا مش مصدقة إن إنت كرم اللي اعرفه والله ، ده إنت طلعت جــبــــار أوي !!!
بادلها الابتسامة وفي لحظة اختفت نظرته وحلت محلها نظرة هادئة وهو يجيبها بتأكيد على كلامها :
_ للأسف دي حقيقة مؤلمة عني !
افترت عن ابتسامة عريضة وهمهمت بمشاكسة ورقة :
_ بس برضوا هتفضل بنسبالي الكوكو بتاعي !!
_ نعم !!!!!!
قالها باندهاش حقيقي من تلقيبها له بهذا الاسم الغريب ، لتعيد هي عليه الاسم بضحك :
_ الكوكو بتاعي !
اشار لنفسه بذهول متمتمًا بنبرة رجولية خشنة :
_ أنا كوكو !!!!
_ آه .. طاب والله لايق عليك جدًا تعرف كدا !
طالت نظرته المنذهلة إليها ، وإذا بها تجده يضحك باستنكار وسخرية ثم انحني قليلًا للأمام نحوها برأسه وهمس في اغتياظ يحاول اخفائه بابتسامته المزيفة :
_ لا مش لايق ومتقولهوش تاني عشان أنا ماسك نفسي بالعافية !
قربت هي الأخرى رأسها منه وهتفت بتحدي وهي تضحك :
_ هــقــولـه !!
صر على أسنانه كدليل على أن غيظه وصل لذروته فتراجعت هي لوضعها الطبيعي وكتمت ضحكتها التي كادت تنطلق من بين شفتيها بقوة على منظره ، ليرمقها وهو يلوى فمه بقرف !!! .
***
انتهت ميار من ارتداء ملابسها ثم رفعت نظرها إلى ساعة الحائط وكانت الساعة قد تخطت التاسعة مساءًا ، مدت يدها وجففت دموعها بظهر كفها في حرقة وهي تنظر لنفسها في المرآة ولملابسها الجديدة تمامًا عليها ، ترتدي رداء طويل وفضفاض بأكمام طويلة وتلف الحجاب فوق شعرها .. ارغموها على ارتداء الحجاب كما أجبرت على الزواج من رجل لا تريده ، ولكن ليس بوسعها شيء فجميع العائلة تجمعت ضدها واجتمعوا جميعهم على تزويجها من ” علاء” حتى جدتها !! .
سكنت تمامًا على مقعدها وهي تحدق أمامها بفراغ ، تفكر بمصيرها كيف سيكون مع ابن عمها الذي يبدو أنه رجل قاسٍ القلب وسيذيقها العذاب ألوان وأصناف .. وبينما تبحر في عالم احزانها سمعت صوت الباب يفتح فوثبت واقفة ظنًا منها أنه هو وجاء لأخذها حتى ينتهوا من مراسم الزواج ، ولكنه لم يكن هو بل كانت الجدة .. دخلت وحدقتها بأعين غاضبة ومنفرة وهي تقول له بحدة :
_ يلا عشان المآذون تحت والكل مستنى
اسرعت إليها وقبضت على كفها تقبله وهي تتوسلها ببكاء عنيف :
_ يانينا please متخلهمش يجوزوني منه أنا مش عايزاه .. ده هيعذبني !
سحبت الجدة كفها من بين بيديها بنفور وصاحت بها في جفاء :
_ غصب عنك هتتجوزيه .. بعد الفضيحة اللي عملتيها ، بقى هو ده جزاة تربيتي وثقتي فيكي ، تعملي كدا وتخلي راسي في الأرض ، من اللحظة دي انتي لا حفيدتي ولا اعرفك فاهمة ولا لا
عانقتها رغمٌا عنها وهي تتشبث بها ومنخرطة في نوبة بكاء قوية وقالت بصوت متقطع من شدة بكائها :
_ لا يانينا متقوليش كدا ارجوكي أنا مليش غيرك .. Please سامحيني
ابعدتها عنها في قسوة بعد أن احست بأن قلبها بدأ يلين لبكائها وحالتها المزرية .. فهي صغيرتها التي ربتها منذ قدومها على الحياة بعدما توفت والدتها فور ولادتها لها بسبب بعض المشاكل الصحية التي كانت تعاني منها .
صاحت بها بصرامة وعدم شفقة :
_ يلا اطلعي قدامي على تحت خلينا نخلص
وجدت بأن لا فائدة من محاول طلب العفو منها وأن توقف هذه الزيجة التي لا تريدها ، فتحاملت على قلبها الذي ينزف وسارت في المقدمة ناحية الدرج وهي تجفف دموعها وخلفها الجدة تسير على ثقل من ألم قلبها على حفيدتها التي وضعت خطوط قدرها بيدها .. نزلت آخر درجة من الدرج وهي تحدق بوجوه الجميع التي كانت لا تبتسم فقط واجمة باستنثاء علاء الذي كانت عيناه تخرج شرارات مرعبة لها فأجفلت نظرها عنه في خوف وتحركت ناحية الطاولة تتخذ لها مقعدًا بجانب عمها وعلاء لا يكف عن اطلاق النظرات المريبة لها ، وقع نظرها بالأخير على أبناء عمها “محمد ” الثلاثة الذين كانوا يجلسون في أماكن متفرقة وبحثت بعيناها عن زين حتى وقع نظرها عليه فرأته جالسًا على مقعد وثير عاقدًا ذراعيه أمام صدره ويتطلع إلى عمه والباقية بأعين ساخطة كل السخط وكأنه يخبر بهم الجميع في عدم رغبته بالوجود في عقد القرآن هذا !! .
انتبهت إلى المآذون وهو يبدأ في مراسم عقد القرآن وبعد دقائق طويلة نسبيًا سمعته وهو يهنئهم بانتهاء المراسم واعلانهم زوجة وزوجة على الطريقة الاسلامية والشرعية وعلى سنة الله ورسوله !! ……
***
_ كتبوا الكتاب وجايين دلوقتي !
قالتها أمها في اغتياظ لتجيبها يسر بنظرة مشتعلة :
_ أنا نفسي أفهم بابا بيعمل كدا ليه ، يعني هي الست ميار القذرة تغلط وعلاء يشيل الليلة
اقتربت أمها وجلست بجوارها هامسة بإشفاق وشجن :
_ أخوكي ليه يومين مش طايق أي حد يتكلم معاه بسبب إن ابوكي غاصبه يتجوزها وهو مش طايقها أساسًا
_ وهي ميار دي حد يطيقها أصلًا
قالتها يسر باستهزاء ، فهي تشتعل غيظًا على أخيها الذي أجبر على الزواج من تلك المنحطة وهو يبغضها ولا يريدها ، ولم تنسي محاولاتها للاقتراب من ” حسن ” أيضًا .. أكملت ساخرة :
_ الأول عملت علاقة مع واحد ومكفهاش ده لا وكانت بتلف على زين وعايزة تفرق بينه وبين مراته هي وتيتا وفي النهاية وقعت في علاء
هتفت الأم وهي تقنع نفسها بقصر هذا الزواج :
_ إيه اللي مصبرني إنه جواز مؤقت وبعدين هيطلقها
يسر بضحكة مستهزئة وباستياء :
_ دي حية وهتلف عليه وابنك اهبل وهينخ بسهولة ليها ، أسأليني أنا حفظاه
هزت رأسها بالنفي رافضة إدخال هذه الأفكار لعلقها وتهتف بنفي وضجر :
_ لا لا علاء مش عايزها .. ومستحيل اسمح إني ابني يكمل حياته مع واحدة زي دي
استندت يسر بكلتا كفيها على كتف أمها ووضعت ذقنها فوقهم مهمهمة بنبرة ماكرة :
_ سيبهالي أنا .. بنتك مش ساهلة برضوا
استقرت في عيني أمها ابتسامة تلمع بالخبث المماثل لها ، وقد اجتمعت الأم وابنتها على الكنة الخبيثة !! …..
***
عيناها ثابتة على التلفاز وعقلها بمكان آخر ، باتت الساعة الحادية عشر وهو لم يعد للمنزل حتى الآن ، وقد أخبرها بأنه لم يتأخر ، إلى أين ذهب ؟! .. ظلت الأفكار تتناطح في عقلها بعضها سيء وبعضها عاديًا ، ولم تنتهي تساؤلاتها وحلقة توقعاتها إلا حين بدأت تتثاوب بقوة وبدأ النعاس يصعد لعينها ، قاومته في البداية بشدة هاتفة لنفسها معنفة إياها :
_لا مش هنام أنا هستناه لغاية ما ياجي
ظلت تكرر هذه الجملة على مسامعها كثيرًا حتى لا تنعس ولكن جسدها المتراخي على الأريكة لما يساعدها على المقاومة فسرعان ما أغمضت عيناها مستسلمة لنعاسها .. ولم تفتح عيناها إلا بعد وقت طويل نسبيًا .. وثبت جالسة بفزع وهي تتلفت حولها برعب حين وجدت نفسها بغرفتهم وعلى الفراش والظلام يعم الغرفة كلها ، وسؤال واحد كان يتردد في ذهنها ” كيف أتيت لهنا ؟!! ” ، ظنت أنه جاء وحملها وادخلها الغرفة فصاحت منادية عليه في خوف وهي تمد يدها لتفتح الضوء :
_ كــــــــرم !!
انفتح الضوء وكانت الغرفة فارغة تمامًا منه فانزلت قدماها من على الفراش برعب ثم تحركت باتجاه الباب وفتحته ، وقبل أن تخطو خطوة واحدة خارج الغرفة .. القت نظرة متفحصة وهي تخرج رأسها فقط وعندما تأكدت من عدم وجود شيء خرجت بتردد وتحركت باحثة عنه في المنزل ولكن لا أثر له ، ولكنها تصلبت بأرضها كالصنم حين سمعت أصوات ضجة مختلفة من باب يؤدي إلى غرفة سفلية في المنزل ( البادروم ) ، وبعقلها الطفولي أول شيء اعتقدته أن هناك شبح بالمنزل ، فما تسمعه عن الأفلام الاجنبية التي تعرض دايمًا أن الطابق السفلي من المنزل يسكنه الأشباح ترك أثره فيها بهذه اللحظة ، فتراجعت للخلف بأعين مرتعدة ومرعوبة وصاحت باعلى صوت منادية عليه لعله يكون بأي ركن في المنزل وهي نسيت أن تبحث فيه :
_ كــــــــــــــــرم !!!!
استمع لصوتها الطفيف من الأسفل وهي تصيح منادية عليه ، ليثب واقفًا من على الأرض وقد ظن بأن مكروه أصابها .. هرول راكضًا وصعد درجات السلم الصغيرة وفتح الباب من الداخل وخرج ، وإذا بها تصدر صرخة مرتفعة من أثر هلعها حين رأته وانتفضت في أرضها نفضًا من الرعب !! .
فزع هو الآخر من هلعها العجيب واقترب منها هاتفًا بحيرة :
_ في إيه مالك ياشفق !!!
ضربته على صدره بخفة تعاتبه بنبرة مرتعدة ونظرة طفولية :
_ حرام عليك قلبي كان هيقف والله من الخضة والخوف
اخفت وجهها الصغير بكفها فركز في يدها ورآها ترتجف ليقطب حاجبيه بذهول وابعد كفها عن وجهها ممسكًا به بين كفه الكبير ويسألها باندهاش :
_ إنتي بتترعشي !! .. حصل إيه للخوف ده ؟
_ مش قادرة اوقف على رجلي بجد ياكرم !
اجلسها على أقرب مقعد منهم ثم اتجه للمطبخ وجلب كوب ماء وعاد لها يناولها إياه لتشربه عي دفعة واحدة ويدها الأخرى تضعها على قلبها الذي ينبض بقوة .. انزلت الكوب عن فمها وقالت بخنق :
_ ممكن لما تاجي تاني متأخر وتلاقيني نايمة تصحيني ومتقفلش عليا النور والباب
_ حاضر .. بس فهميني إيه اللي حصل ؟!
أخذت نفسًا عميقًا ولا زالت نبضات قلبها متسارعة وقالت وهي تسرد عليه لحظات خوفها الطفولية :
_ صحيت من النوم ولقيت الأوضة مفهاش منفس نور حتى والباب مقفول وأنا كنت نايمة قدام التلفزيون هنا فاتخضيت إني جيت هنا إزاي وقولت إن إنت جيت ولقيتني نايمة برا فودتني الأوضة ، فضلت انده عليك ومردتش عليا ولما طلعت دورت عليك ملقتكش برضوا بس سمعت اصوات جاية من البادروم وأنا أساسًا بخاف منها الأماكن دي ومن ساعة ما جيت البيت مقربتش منه ولا فكرت افتحه ولما سمعت اصوات منه افتكرت في عفاريت فاترعبت .. لأن دايمًا بسمع في الأفلام الرعب إن الباردوم ده بيبقى مسكون بالأشباح
انطلقت منه ضحكة مرتفعة على أفكارها الساذجة ، لتزم هي شفتيها للامام بتذمر طفولي وتقول غاضبة :
_ بتتريق عليا !!!
كتم ضحكته بصعوبة وقال وهو يحاول التحدث بجدية حتى لا يغضبها :
_ لا مش قصدي بس أشباح إيه دي اللي هتبقى في البيت ياشفق ، وبعدين واحدة زيك بتترعب بالشكل الفظيع ده بتتفرج على أفلام رعب أساسًا ليه ؟!!
اجفلت نظرها عنه وقالت باختناق واحتجاج :
_ بحب اتفرج عليه !
أصدر ضحكة رجولية متأججة مجددًا وسرعان ما كتمها عندما رأى نظرتها النارية والمغتاظة ، وإذا بها تمسك بكفه دون وعي من فرط غضبها وبعفوية شديدة غير مدركة لما تفعله وضعت كفه على قلبها أعلى صدرها تقول بسخط :
_ شايف قلبي بينبض إزاي عشان بتضحك وتتريق عليا !!
تجمد جسده وتلاشت ابتسامته تدريجيًا وازدرد ريقه باضطراب من لمسة يده لمنطقة خاصة كهذه من جسدها ، وسحب يده ببطء وإحراج ملحوظ جعلها تستعيد وعيها وتدرك فعلتها المتسرعة فلعنت نفسها واحمرت وجنتيها واصبحت كلون الدماء ، ولم تقوى على رفع عيناها في عيناه ، وبعد أن كانت نبضات قلبها قد بدأت تهدأ عادت تطرق بعنف أشد من السابق .. استقامت واقفة فجأة وقالت بصوت متلعثم :
_ أناااااا .. أنا رايحة الأوضة
وفي ظرف لحظة فرت من أمامه شبه راكضة إلى غرفتها وهي لا تكف عن توبيخ نفسها الحمقاء وتعنفها تعنيفًا شديدًا .. وبمجرد ما إن خلت بنفسها في الغرفة وأغلقت الباب هتفت بخجل شديد وغيظ :
_ غبية .. أنا مشفتش أغبي مني .. لا بجد مش معقول الغباء والتخلف ده كله ليا لوحدي !!
ارتجف جسدها فزعًا عندما سمعت طرق الباب وصوته وهو يهتف بنبرة بها شيء من الارتباك البسيط :
_ شفق أنا هطلع أجيب حاجة من برا وراجع
كلمة واحدة كان يجب عليها أن تجيبه بها ولكنها فرت من لسانها وتلعثمت كطفل يتعلم التكلم فخرجت الكلمة من بين شفتيها متلقلقة :
_ طـطـ ..طيب
رفع هو كفه لعنقه يفركه كدليل على توتره ثم اطلق زفيرًا حارًا واستدار وانصرف .. فهرولت هي ناحية الفراش والقت نفسها على وجهها وهو تردد :
_ أنا متخلفة ومش محترمة !
***
كان حسن يتحدث بالهاتف في حديقة المنزل وكان حديثه هادئًا تمامًا ليس به أي شيء من ضجر أو خنق وانهي المكالمة بجملته الأخيرة :
_ طيب يامسعد أنا هبقى اقول لكرم .. إنت خلي عينك عليه بس وإياك يفلت منك
_ حاصر ياحسن بيه متقلقش
أنزل الهاتف من على أذنه وهو يثبت نظره على أمه المندفعة نحوه كالسهم وعيناها لا تبشر بخير حتى معالم وجهها ، ولم يبذل جهد ليتساءل ويفكر فيما يغضبها لهذا الحد .. بالطبع علمت بأمر طلاقه وهو ويسر في صباح اليوم .. انتظر حتى وقفت أمامه وافرغت به شحنة غضبها وهي تقول :
_ طلقت يسر ياحسن !!!
أخذ شهيقًا طويلًا وأخرجه زفيرًا متمهلًا وهو يجيبها بعدم حيلة :
_ حاولت اعتذرلها ياماما واخليها ترجع معايا بس كانت مصممة على قرارها
صاحت هدى بعصبية من إهماله وعدم تحمله لمسئولية أي شيء :
_ وهي عشان طلبت منك الطلاق تطلقها فورًا .. طبيعي لما يكون في مشكلة بينكم متوافقش ترجع معاك من أول مرة وأول اعتذار ، أنا مبقتش فهماك !!
حتى هو بات لا يفهم نفسه أهو سعيد لأنه تخلص من بلائه ! ، أم حزين ويشعر بالذنب لما سببه لها من ألم وعلى موت طفله الذي كان هو السبب في قتله .. ولكن هناك مشاعر متضاربة ومختلفة بداخله لا تجعله بخير مطلقًا وتسبب له الإرهاق النفسي ! .
حسن بعصبية مماثلة لها دون أن ترتفع نبرة صوته عليها :
_ والمفروض أعمل إيه اغصبها تعيش معايا مثلًا .. يسر مبقتش طيقاني ياماما ولا بتحبني ومش عايزاني احنا وصلنا لآخر الطريق خلاص
لا تصدقه وقد سكنت شكوكها في الأعماق واصبحت متيقنة أن هناك أمر كانوا يخفونه عنهم جميعًا ومازالوا يخفوه ، فهذا ليس ابنها الذي يتمسك بأي شيء يحبه ولا يتركه حتى لو سيموت وهو متسمك به ، تخليه عنها بهذا السهولة يثبت لها حقيقة واحدة وأنه لم يكن يحبها أو معجب بها حتى كما اخبرهم قبل الزواج !!! …
هتفت هدى بنبرة حازمة وأعين ثاقبة :
_ إنت مش بتحب يسر زي ما قولتلنا قبل ما تتجوزوا صح ؟!
اصابت الهدف بسؤالها حيث تسمر بأرضه ولم يسعفه عقله في إيجاد الكلمات حتى يجيب عليها ، فحدجها بجمود ونظرات باردة للحظات طويلة ثم استدار وابتعد عنها متجهًا إلى سيارته ليرحل ، أما هي فحصلت على اجابتها من صمته المريب !! ……..
***
ترجلت من السيارة أمام ڤيلا عمها ” طاهر العمايري ” .. رفعت نظرها تتفحصها بإمعان بعد التعديلات التي اجروها علي المنزل منذ آخر مرة جاءت لهنا ، وبينما هي منشغلة بالإمعان شعرت بيده الضخمة تقبض على ذراعها بعنف هامسًا بالقرب من أذنها بصوت مخيف :
_ اتحركي ولا تحبي تقضي الليلة هنا في الجنينة وفي البرد لغاية ما تموتي
انكمشت في وقفتها وهي تطالعه بارتيعاد ، ولكنه ترك ذراعها باشمئزاز حين سمع صوت أبيه الغليظ :
_ علاء !!
أشار لها عمها بعيناه في حدة بأن تسبقهم فاتحركت فورًا تفر هاربة من بين براثن ذلك ” العلاء ” .. اقترب طاهر من ابنه وهتف بخشونة :
_ أنا قولتلك ربيها فعلًا بس متزودهاش أوي هاااا
رمق أبيه بنظرة قوية وتمتم بصلابة :
_ وأنا كمان قولتلك يابابا من قبل ما اتجوزها محدش ليه دعوة باللي هعمله فيها ، مش كفاية غصبتني عليها
ثم تحرك باتجاه باب المنزل ليتأفف طاهر بنفاذ صبر من عناده .. لا شك في إنه غاضب بشدة من ابنة أخيه ولا يطيق سماع صوتها ولكنه مازال يضع أخيه المتوفي في الحسبان ولا يتمكن من الحاق أي أذى لها ، فقط سيكتفي بأن يلقنها درسًا لا تنساه حتى تعترف بخطأها وتتضرع لربها طالبة منه العفو والمغفرة ! .
فتح علاء الباب ودخل أولًا وهي خلفه ومن ثم طاهر .. رفعت ميار نظرها لزوجة عمها فرأتها تنظر لها بحدة وكأنها تقول لها من خلال نظراتها أنها لن يكون مرحب بها في هذا المنزل أبدًا ، أما يسر فكانت نظرتها تضمر خلفها كل ماهو سيء .. لوت فمها بابتسامة خفية وشيطانية بعد أن ادركت أن الأم وابنتها تجمعا عليها ، ولكنها أيضًا تكون افعى سامة حين يتطلب الأمر !! ….
القى علاء نظرة طويلة على أمه وشقيقته ثم تنهد بعمق وتحرك باتجاه الدرج حتى يصعد لغرفته وتركها بمفردها بينهم ، تحركت خلفه حيث تلقت الإشارة من عمها بأن تصعد لغرفتها خلفه وبمجرد ما أن توارت عن ناظريهم سمع صوت زوجته تهتف بعصبية :
_ بقى مش حرام عليك ياطاهر تسود على ابنك عيشته وتجوزه من بنت أخوك اللي غلطت مع راجل
_ ده جواز مــــؤقـت .. هتمر فترة صغيرة وهيطلقها ماهي لو اتجوزت واتكشف إنها مش بنت ، عيلة العمايري كلها هتتفضح
لم يعجبها ما قاله ومازالت غاضبة على فعلته أما يسر فكانت تتابع حديثهم بصمت حتى رأت أبيها ينظر لها ويقول بلطف وضيق :
_ اتكلمت مع حسن وقالي هيبدأ في اجراءات الطلاق النهائية
ابتسمت ساخرة بشيء من المرارة ثم استقامت وقالت بثبات وهي تبتعد عنهم :
_ كويس قوله ياريت يستعجل يابابا
تبادل طاهر النظرات الحزينة والمشفقة هو وزوجته على حالة ابنتهما السيئة ، تتظاهر أمامهم بالقوة وهم يعلمون جيدًا أن قلبها ينزف الدماء على فراقها لزوجها وخسارتها لطفلها ! …
***
فتحت ميار جزء صغير من الباب بتردد وارتباك يكفي لإدخال رأسها فقط ونظرت في الغرفة تبحث عنه فلم تجد له وجود وسمعت صوت رذاذ المياه بالحمام الداخلي للغرفة .. ادخلت جسدها كاملًا ثم أغلقت الباب بحذر شديد والتفتت مجددًا تتفحص أجزاء الغرفة الواسعة ، الوانها رجالية حادة بعض الشيء والخزانة متوسطة الحجم ، فراش كبير نسبيًا يتسع لشخصين ، واريكة متوسطة أمام الفراش بجانب الشرفة .. حركت نظرها بحركة دائرية في انحاء الغرفة وانتبهت إلى الخزانة التي بابها عبارة عن مرآة ضخمة تنحدر من اعلاء لأسفله ، فقادها فضولها واقتربت تقف أمامها تتطلع لجسدها الذي يخفيه ذلك الرداء الفضفاض ، ولم يتوقف فضولها عند هذا الحد حيث مدت يدها تسحب باب الخزانة الجرار للخلف تنظر لملابسه المعلقة وكانت على وشك أن تلمسها ، ولكن كفه القوى قبض على رسغها فاطلقت هي شهقة مفزوعة ونظرت له بتوتر من قسمات وجهه التي تقذف الرعب في قلبها .
علاء بصوت رجولي صارم :
_ أي حاجة تخصني متلمسهاش فاهمة ولا لا !!
أماءت له عدة مرات متتالية في أعين خائفة فترك رسغها واغلق الخزانة في عنف واستدار موليًا إياها ظهره وقبل أن يخطو خطوة واحدة استوقفه صوتها وهي تقول :
_ على فكرة محصلتش حاجة بينا أنا لسا عذراء !!
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ضروب العشق)