رواية كواسر أخضعها العشق الفصل الثامن 8 بقلم نورهان آل عشري
رواية كواسر أخضعها العشق الفصل الثامن 8 بقلم نورهان آل عشري
رواية كواسر أخضعها العشق البارت الثامن
رواية كواسر أخضعها العشق الجزء الثامن
رواية كواسر أخضعها العشق الحلقة الثامنة
علينا أن ندرك جيدًا بأن هُناك لحظات فاصلة في حياتنا لا يعود بعدها كل شيء كما كان .. لحظات أحيانًا من فرط مرارتها تشعر أنها النهاية ولكنها لم تكن سوى البداية .. أو لنقل أنها ولادة روح جديدة بداخلك خُلِقت من رحِم المعاناة و قساوة الخذلان الذي حتى و أن استطعت تجاوزه ستظل مرارته عالقة بجوفك لتذكرك بأن لا تغفر أبدًا ..
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
” تدمير فراس و الأخذ بثأر والدك .. لقد أعددت خطة للقيام بذلك بصورة مُرضية لذا عليك الشفاء بأسرع وقت حتى تشرفين على نهاية ذلك الشيطان بنفسك ”
هالها ذلك الحقد الذي يقطُر من كلمات والدتها ناهيك عن تلك الشراسة التي تطلُ من عينيها و قد كانت تلك أشياء جديدة كليًا عليها ! و هكذا لاح إستفهام مُلح على خاطرها وهو أن كل هذا البغض و الحقد على فراس سببه ما فعله بوالدها إذن لما لم يظهر عليها أي شيء من هذا في السابق فلطالما كانت تتملق فراس و تتودد إليه !
كيف يمكنها أن تجيد التظاهر بعكس ما تشعر به بتلك الطريقة ؟
أضاء عقلها بإجابة تحتمل الكثير من الصواب بأنه ربما حدث شيء جعلها تُعلِن الحرب عليه هكذا والتي بدأت مُنذ أن عاد من الموت أو أن عودته هي السبب !
كانت غارقة في تساؤلاتها فلم تلحظ دخول فراس إلى الغرفة و تلك النظرات القاتمة المتبادلة بينه و بين والدتها التي تحمحمت وهي تقول بجفاء :
سأنزل للأسفل حبيبتي .. و أن أردتي شيء ابلغيني .
لم تكن وحدها من خيمت الدهشة على ملامحها من حديث فريال كان هو أيضًا و لكنه كان بارعًا في إخفاء ما يجول بداخله لذا لم يعلق بل اكتفى بأن ينزل جاكت بذلته في تؤده وكأنه يخبرها بأنه ينتظر خروجها فتعاظم حنقها منه أكثر و تجلى ذلك في إغلاقها باب الغرفة بعنف جعل إبتسامة ساخرة تتراقص على شفتيه .
في تلك اللحظة شعرت بأن هناك الكثير مما يجب عليها معرفته فلم تستطيع منع الكلمات من المرور من بين شفتيها حين قالت بترقب :
هل تحب والدتي ؟
بسطت الدهشة خيوطها علي ملامحه للحظات فقد توقع أن ترتاب في طبيعة العلاقة بينه و بين والدتها ولكن أن تسأله عن مشاعره نحوها كان أكثر من صادم له :
ألا تلاحظين أن سؤالك غريب بعض الشئ ؟
ما أن اتتها كلماته الساخرة حتى شعرت بغبائها و حاولت تصحيح الأمر قائلة بتوتر:
قصدت أن أعلم .. هل تكن لها مشاعر . يعني أقصد .. أشعر أن علاقتكما …
انتهى من خلع “جاكت” بدلته و قام بوضعه على أحد المقاعد ثم تخلص من رابطة عنقه ثم توجه إليها وهو يقاطع حديثها الغير مُرتب مُجيبًا علي سؤالها بفظاظة:
أُحِبُها بقدر ما تُحِبُك هي …
ناظرته بضياع من إجابته التي تحمل الكثير من الاحتمالات والتي كانت جميعها سيئة ولكنها حاولت أن تُجاريه حين قالت ساخرة:
إذن أنت تُحبها كثيرًا .
STORY CONTINUES BELOW
” هل تظنين ذلك ؟”
إستفهامه أضفى على الأمر غموضًا من نوع آخر جعل الأفكار تتلاحق بعقلها الذي شعر بالإرهاق من فرط التفكير فحاول التدخل لإنقاذها من تلك الضوضاء التي تحيط بها :
كيف حال كاحلك الآن ؟ هل لازال يؤلمك ؟
هكذا تحدث وهو يتفحص كاحلها باهتمام و يداه تتلمساه بحنو وهما تضعان الدهان فوق إصابتها تنافى مع كفوفه الضخمة التي توحي بمدى قوته الجسدية وعند هذا الحد شعرت بشرارة تندلع في معدتها تأثرًا بقربه فتحشرجت نبرتها حين أجابته:
بخير .. ولا لا يؤلمني كثيرًا ..
جيد .
هكذا تحدث بعد أن اعتدل في جلسته ما أن انهى تفحصه لإصابتها فأصبح أمامها مباشرةً وعينيه تُبحِران على ملامِحها بنظرات مُشتعِلة ألهبت وجنتيها حد الإثارة التي جعلت يده تمتد لتُلامسهما والتنعم بدفئهم قبل أن يقول بخشونة :
أري أن الراحة قد فادتك كثيرًا فقد عاد لونك الشهي إلى وجنتيكِ مرة أخرى .
هل كان ذلك غزلًا؟ طرأ هذا السؤال على عقلها الذي لم يُسعفها بالإجابة فوجدت نفسها تهمس بخفوت :
أجل
تراقصت ابتسامة خافتة على شفتيه قبل أن يقول باستفهام :
هل تناولتِ عشاءك ؟
إجابته بخفوت :
لا.. لم اتناوله بعد .
ضيق عينيه بتخابث بينما فاحت رائحة المكر من بين كلماته حين قال:
لا تقولي أنكِ تنتظريني لنتناوله سويًا..
هبت بإندفاع:
بالطبع لن أقول ذلك .. ولكن لم تكن لدي شهية .
أسقط الذئب فريسته في الفخ بمهارة فانفرجت شفتاه عن ابتسامة ماكرة حين قال بأسف مفتعل:
اممممم .. أمرًا مؤسفًا .. ولكن تعلمين هناك طريقة فعالة تجعلك تستعيدين شهيتك المفقودة .
شهقت بصدمة من كلماته و ذلك المكر الذي يطل من عينيه فقد وقعت بغبائها في شراكة فحاولت أن تصلح الأمراض قائلة بلهفه:
لا اقصد ذلك ولكن …
قاطعتها يداه التي امتدت إلى خصرها وجذبتها بقوة لتشتبك صدورهم حد امتزاج نبضات القلوب بينما تلامست أنوفهم التي كانت أنفاسها محرورة نابعة من إحتراق قوي يكتنف كليهما مما اضفى حشرجة عذبة على نبرته حين قال :
حتي و إن لم تقصدي فهذه فرصة ذهبية سأكون أحمق إن لم اغتنمها .
لم يمهلها الوقت لإسترداد أنفاسها الهاربة من وقع كلماته فقد سطى بقوة على شفتيها يتَمَزَّزَ بخمرِها العذب ويرتشف حلاوة رمقها بتريث و كأنه يملك كل الوقت بالعالم لفعل ذلك بينما كانت هي غارقة بلُجة مشاعر قوية جرفتها كتيار كهربائي أصاب قلبها الذي تعثرت نبضاته بقوة داخله و صار يتخبط بعُنف بين صدرها الذي رفض الإستماع الى إنذارات عقلها بالابتعاد عنه ولكن أي ابتعاد فقد كان يُهيمن حتى على أنفاسها فقد كان يفصل القبلة لثوان يستنشق ما تلفظه رئتيها من ثاني أكسيد الكربون و كأنه يستلذ بكل شيء منها حتى ولو خالف هذا المنطق و الطبيعة ..
غيبتها لمساته عن الواقع و انصاع كل شيء بها خلف سحره الآسر الذي امتزج مع مشاعر هوجاء اجتاحت كليهما من دون هوادة حتى قضا علي المتبقي من حولها لتستند بثقلها فوق صدره الذي عزفت نبضاته الجنونية سيمفونية رائعة زخرفتها كلماته التي غافلته و تسللت من بين شفتيه بنبرة موقدة:
كيف تكونين مُشِعة بتلك الطريقة ؟ تُحيط بكِ هالة من الطاقة تجذبني إليكِ كالمغناطيس و كأنك مركز الحياة على هذه الأرض و موضع نبضها.
كانت كلماته كأول شعاع من النور ابصرته عيني شخص أتى إلى الحياة ضرير .. كأنشودة عذبة تنساب على مسامع شخص أوشكت أذناه على الصمم من فرط الصُراخ
رفعت عينيها تُناظره بإندهاش و على شفتيها الكثير من الاستفهامات الذي لم يكن يملك إجابتها فلأول مرة يترك العنان لقلبه يقوده بتلك الطريقة لذا اجتذب نفسه عنوة عن عينيها و سحرهم الخلاب لينصب عوده قائلًا بفظاظة تتنافى مع رقته معها منذ سويعات :
سأخبرهم أن يجلبوا طعام العشاء إلى هنا .. حتي تتناولين أدويتك و تخلدين إلى النوم .. فقد تأخر الوقت .
كيف فعل هذا ؟ تبدل حاله بلمح البصر من الإحتراق بين ذراعيها إلى ذلك الجليد الذي تجلى في نبرته و ارتسم في نظراته ! أي رجل هذا ؟ و أي حظ عاثر القاها بين هؤلاء البشر اللائي يستبدلون قلوبهم بأحجار صماء …؟
************
مرت الأيام سريعة وأتت نهاية الأسبوع و كان الجميع متأهب لذلك الحفل الصاخب الذي تُقيمه ” جليلة النعماني” احتفالًا برجوع فراس الذي كان دائم الغياب طوال الأيام المُنصرمة يخرُج صباحًا ويأتي في جوف الليل مُتأخرًا ولدهشتها وجدت نفسها حانقة على هذا الوضع كثيرًا على الرغم انها لا تنقاد نحو مشاعر الفقد التي تحتاجها في غيابه ولا تنفك تتجاهلها ولكن هناك شيء آخر ينغز بقلبها حتى بات ألمه لا يُحتمل ألا وهو الشوق !
زفرت بتعب وهي تتوجه إلى غرفة الملابس لترتدي فستانها الذي كانت قد ابتاعته مع هدى في جولة التسوق الأخيرة وقد نال إعجابها كثيرًا حتى أنها حين اشترته لم تكن هُناك مناسبة خاصة لترتديه إلى أن جاء ذلك الحفل ..
انقضت نصف ساعة آخرى وها هي تضع اللمسات الأخيرة لزينتها تزامُنًا مع صوت إغلاق باب الغرفة تخشبت أناملها الممسكة بطلاء الشفاه وهي تشعر باقتراب خطواته من غرفة الملابس و رئتاها التي بدأت تنتشي برائحة عطره النفاذة التي دائمًا ما تسبقه إضافة إلى ضربات قلبها المُتلاحقة تأثرًا بوجوده الذي افتقدته طوال الأيام المُنصرِمة فأغمضت عينيها تُحاول استجداء ثباتها الواهي ليقف معها أمام هذا التخاذل الكبير الذي تستقصيه الآن مع جميع حواسها المُتلهفة إليه بينما كان هو الآخر يُحارب بضراوة لهفة خطواته التي تقوده إليها و كأنها نهرًا عذب وهو اللهبان الذي يتوق لقطرة واحدة من رمقها كي يعود إلى الحياة من جديد .. و الذي لدهشته شعر بأنها غادرته حين غاب عنها في الأيام المُنصرمة..
تشبثت قدماه بمكانها حين هوت عينيه على تلك الحسناء التي بدت وكأنها استأثرت بأكثر من نصف جمال العالم في ملامحها و طلتها البراقة في ذلك الثوب الذي كان باللون الأخضر الداكن يلف جسدها بتملك فيبدو و كأنه جزء منها ليبدع في إبراز منحنياتها دون امتهان فقد كان يغطي قدها و ذراعيها و يتوسطهما بفتحة دائريه لم تصل إلي مقدمة صدرها ولكن تفننت في إظهار قوسي الجمال المُتمثِل في عظمتي الترقوة خاصتها و يضيق بإغواء إلى أن يصل إلى ركبتيها ثم يتسع بطيات تماوجت اقمشتها ما بين الشيفون و الستان لينتهي بذيل طويل خلفها فقد كان رائعًا كروعتها خاصةً بتلك الخصلات الشقراء التي موجتها لتحيط بها كأشعة الشمس الحارقة ليجد نفسه يقترب منها دون وعي ليصبح خلفها مباشرةً فتتشكل في المرآة صورة لفاتنة أخضعت بعشقها الكواسر .
” افتحي عينيكِ..”
قالها فراس بخشونة بينما ترددت أنفاسه الموقدة على أذنيها لتشتعل تلك الشرارة بداخلها مرة أخرى و خاصةً حين شعرت بكفوفه الغليظة تحيط بخصرها فأطاعته بصمت لتصطدم بصورتهما في المرأة فهي تبدو كطير صغير يغوص بين أحضان أسدًا جسور .
” هل كنتِ تنتظرينني؟”
بدت لهجته خشنة تتناسب مع وهج عينيه التي كانت تشملها بنظرات حارقة في المرآة فأجابته بلهجة خافته تعكس اضطراباتها العظيمة في حضرته:
أجل .. ألا يجب أن ننزل إلى الحفل معًا..؟
ضاقت نظراته وهو يسألها بنبرة جافة :
هل هذا فقط ما يجعلك تنتظريني ؟
صارت ضربات قلبها جنونية حتى دوى طنينها في أذنيها و لم تعد تعرف بماذا تجيبه و تخشى هيمنته القوية عليها فانفرطت الكلمات من بين شفتيها دون أن تملك القدرة على إيقافها لذا آثرت تغيير دفة الحديث قائلة بنبرة متحشرجة:
ما رأيك هل أبدو جميلة في هذا الثوب ؟
لو فكرت لثوانٍ لم تكن لتخرج هذا الاستفهام من بين شفتيها ولكنها كانت تريد الهرب من طلقات الرصاص لتجد نفسها عالقة في حقل ألغام تفجر بصدره حين أعادت انتباهه إلى جمالها الآخاذ و حضورها الطاغي لتجد يده تضغط على خصرها بطريقة جعلت الدماء تندفع إلى خديها ثم توقف نبضها حين سمعت همسه الخشن بجانب أذنيها :
تشبهين شمسًا حارقة تتوسط جبال من الثلوج أن اقتربت منكِ سأموت احتراقًا و أن ابتعدت عنكِ سيقتلني صقيع فراقك !
علقت الأنفاس بصدرها ووقعت عينيها أسيرة لنظراته الشغوفة و لكلماته التواقة التي أضرمت النار في سائر جسدها و من المؤكد أنه شعر بكل ما يحدث بداخلها فحاولت استجداء بعضًا من ثباتها وهي تقول :
إذن هل أصبحت أشبه نساء المجتمع المخملي أم أنك لازلت تعتبرني زوجتك الصغيرة ؟
تراقصت إبتسامة مُتلذذة على ملامحه قبل أن تُديرها يديه لتصبح في مواجهته فازداد الأمر سوءًا بالنسبة إلى كليهما و خاصةً هي فقد كانت أضعف من مقاومته و مقاومة كل تلك المشاعر المُتأججة تجاهُه و التي لا تفلح كلماته في إخمادها أبدًا :
لا يجوز مقارنتك بهؤلاء النساء أبدًا ؟
برقت عينيها تُنذر بهبوب عاصفة غضب هوجاء فهل يجرؤ على التقليل من أنوثتها أمام أولئك النساء بالرغم من أنه كان يتغنى بجمالها منذ لحظات؟ :
ولما لا يجوز المقارنة بيني و بينهم لا أفهم ؟
جاء صوته الخشن كسيمفونية عذبة زخرفتها نظراته الشغوفة حين أجابها:
بإستطاعتي أن أقارنك بالنجوم .. بالمطر ..أو مع شروق الشمس .. تلك الأشياء النادرة هي فقط ما يشبهك نور.
انشرح صدرها بحبور ولم تفلح في إخماد ابتسامتها و التي لا تصف ما يتأجج به قلبها من مشاعر جياشة لغزله الساحر و الغير متوقع فلم تستطيع منع نفسها من إعتراف المزيد منه فهمست قائلة :
أتعني أن المقارنة هكذا ستكون عادلة ؟
التنعم برؤية إبتسامتها التي ضاعفت حُسنها أكثر كان أمرًا يفوق حتى أحلامه التي أصبحت مُؤخرًا لا تدور سوى حولها لذا أجابها بخشونة:
لا.. فبرأيي النتيجة محسومة من البداية وهذا ليس عدلًا .
استفهمت برقة :
كيف ذلك ؟
أجابها بشغف يقطر من عينيه قبل نبرته:
أعتقد أنتِ تفوقين كل شيء خيالي و نادر في الوجود
همست بخجل :
أعتقد أنك تُبالغ قليلًا ..
أظلمت نظراته و شابهها لهجته حين قال ويديه تُلصقانها به:
بإمكاني اقناعك..
حين أوشك على اقتناص جنتها اوقفهما طرق قوى على باب الغرفة و الذي كان للخادمة التي أخبرتهم بأن الجميع في الأسفل بانتظارهم لذا تحمحم بخشونة قبل أن يقول :
ستبدأين بالعمل معي بدءً من الاسبوع القادم
خرجت شهقة خافته من جوفها فيما نالت الصدمة من ملامحها و لهجتها حين قالت:
هل حقاً ما تقول ؟
-” أجل .. سأُخبِرُك بجميع التفاصيل لاحقًا .. هيا لننزل الآن ..”
أوصد أمامها مقاليد الحديث فلم تجد مفر سوى الامتثال لأوامره ملبية ندائه الصامت حين مد يديه لتتأبط ذراعه فأطاعته بصمت لينزلا الدرج سويًا حيث الجميع ينتظرهما.
*************
أحمق يا عزيزي إن ظننت أن قلب المرأة أن أحب لا يكره . فعلى قدر حُبها يكون وجعها عظيم و انتقامها أعظم . و سلامًا عليك إذا ظننت يومًا أنك تستطيع الإفلات منه ..
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
خطت أقدامها إلى الداخل بثقة لا تعلم من أين واتتها ربما كان خلفها وجع عظيم ولد رغبة هوجاء في الإنتقام الذي جعلها تتفنن في انتقاء كل شيء بدءً من هذا الحذاء الأنثوي ذو الكعب العالي الذي يدُق بإغواء كُلما خطت أقدامها إلى ذلك الثوب العاري الأكتاف بلونه الأسود الذي غير معلوم أن كانت هي من زادت من بهائه أو هو من أضاف إلى حُسنها تُزينه ألماسات براقه تشبه نجوم مُتَلأْلِئة في سماء حالكة السواد ينعكس بريقها على بحرها الأسود اللامع الذي يُظلله سياج كثيف من الرموش الحالكة التي يتماشى سوادها مع سواد حاجباها الكثيفان المرسومان بإحترافيه من صنع الخالق عز وجل يزينان وجهًا وضاحًا دائري كالبدر المنير بوجنتين ممتلئتين يزدهر فوقهم محصول التفاح الشهي يتوسطهما أنف رقيق فوق قوس شفاهًا مُكتنزة بترغيب صبغتهما بلون النبيذ الأحمر المغوي لمن يراه و المسكر لمن يرتشفه .. ثم قامت برفع شعرها إلى الأعلى تاركة بعض الخصل المتمردة تنساب بنعومة حول وجهها الذي كان يعلو رقبه طويلة مُثيرة زينتها بسلسال رقيق على شكل وردة حمراء جميلة كصاحبتها..
شقت طريقها بين المدعوين برأس مرفوع و أنف شامخ متجاهلة تلك النظرات التي تحاوطها من كل الاتجاهات و أيضًا تلك الهمهمات التي منها مُتعجبة و آخرى مُعجبة ولكنها لم تهتم فقد كانت تبحث عن نور التي وجدتها تقف وحدها بعد أن انشغل فراس في الحديث مع أحد رجال الأعمال لتشعر بأحدهم يضع يده فوق كتفها فقامت بالالتفات لتقع عينيها على هدى التي كانت تناظرها بإبتسامة جميلة فصاحت نور بانبهار:
هدى هل هذه أنتِ؟
هدى بسخرية :
لا أنا عفريت.. نعم أنا ماذا أصابكِ نور؟
نور وهي لازالت على حالتها من الإنبهار:
يا إلهي تبدين رائعة .. أين كنتِ تخفين هذا الجمال يا فتاة ؟
انكمشت ملامحها بسخرية تشوبها المرارة التي اوضحتها نبرتها حين قالت:
هل كان مظهري بشعًا إلى هذه الدرجة؟
فطنت نور إلى ما تُشير إليه فحاولت أن تُجمل كلماتها قدر المستطاع حين قالت :
لا .. طبعًا لا اقصد ذلك .. أنتِ دائمًا جميلة .. ولكن الآن أنتِ تفوقين الجمال بمراحل .. تبدين .. ماذا أقول ؟ تبدين مُبهرة .
أثقلت كلمات نور ثقتها بنفسها و عززت من غرورها الذي تفشى في نبرتها وهي تقول :
من الآن فصاعدًا سأكون هكذا .. هدي القديمة لم يعد لها وجود .
ناظرتها نور بخبث ثم قالت تمازحها :
أعترفي أنكِ أردتِ تسديد سهم قاتل في مرمى شاهين ! ولكن اعلمي انكِ هكذا ستتسببين في خسائر فادحة
تجاهلت صخب دقاتها من حديث نور و قالت بجفاء:
فليحترق بنيرانه التي أشعلها ، و أيضًا انا لا أضعه في حساباتي فقد رسمت حياتي بدونه وأنا الآن أفضل بكثير .
لم يكُن حُبا مستحيلا و لكنه ايضا لم يكُن مُمكنًا. لم تُفرقنا الأقدار بل اختارنا الفُراق بأنفُسنا . اختارته انت و لم اقاومه انا .احتملت من الالم و العذاب و الحزن ما لم يتحمله أحد و كنت كل ليله أُخبِر نفسي بأنه لايزال مكاني بقلبك شاغرًا إلى أن جائتني صدمة انتمائك لغيري . في البداية لم استوعبها و رفضها قلبي للحد الذي أتى بي جرًا اليك لنضحك سويًا علي تلك المزحة السخيفة لآراك تُعلِنها بملء إرادتك دون النظر إلى قلبي الذي تمزق لاشلاء أمام سهام غدرك و الذي لا أعلم أن كُتِب له الحياه بعدك مرة ثانية ام لا ؟ و بالرغم من كل هذا لم اندم علي عشقك يومًا لم يكُن بالعشق المُر أو القاسي و لكنه كان عشق قتلني بقدر ما أحياني …
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
****************
– ” مرحبًا أيها الضخم.. ”
هكذا تحدث شاهين بصخب و هو يضرب كتف فراس بعُنف فالتفت الأخير يُناظره بجمود قبل أن يُجيبه بفظاظة:
لم تأخرت أيها الوغد ألم أخبرك أن تأتي في الموعد ؟
تململ شاهين بضيق تجلى في نبرته حين قال:
بربك هل تحاسبني يا رجل ؟ امتلك زوجتان لا تجرؤ إحداهما على محاسبتي هكذا ؟
لم يجيبه إنما لمعت عينيه بمكر قبل أن يقول بتخابث :
هل استمتعت بوقتك في المالديف إذن ؟
تشدق ساخرًا:
وهل يستمتع من يمتلك صديق مثلك ! لقد أفسدت علي شهر عسلي و تسأل أيضًا ؟
فراس بفظاظة:
يالك من ناكر للجميل لقد أنقذتك ولا يمكنك إنكار ذلك ..
قهقه بصخب قبل أن يقول بسخرية:
أجل .. و تستحق أن أشكرك على انقاذك لي فقد كدت أفقد سمعي من كثرة الحفلات الصاخبة التي تعشقها زوجتي المصون .
كان يتحدث و عينيه تدور في كل مكان بالحفل إلى أن التقمت عينيه نور التي تقف و بجانبها إمرأة تبدو من الخلف جذابة للغاية فوجه حديثه إلى فراس قائلًا باستفهام:
من هذه الفاتنة التي تقف مع نور ؟
فراس بتهكم:
أيعقل أنك لا تعرفها ؟
ضيق عينيه بتفكير بينما نظراته تتفحصانها بدقة و سرعان ما برقت عينيه حين فطن إلى هوية المرأة فأخذت ضربات قلبه تدق كالطبول فصاح بصدمة :
مهلًا .. مهلًا هل هذه هدى زوجتي ؟
ناظره فراس باستخفاف لم يلحظه فقد كان مشغولًا بالنظر إليها و إمارات العجب والإعجاب بادية على وجهه حين قال باستفهام:
ماذا حدث لها يا تُرى ؟ هل أصابتها قُنبلة نووية حطمت دبابيس شعرها اللعينه و بعثرت خصلاتها هكذا؟
تعاظمت صدمته حين التفتت هدى لتسلم على أحدى السيدات فرأي وجهها ليهتف بإندهاش:
لحظة هل تضع مساحيق التجميل ؟ هل ماتت أمي و أنا لا أعرف ؟
ضاق ذرعًا من سخريته وقال بجفاء
كفاك سخرية و لتعلم قيمة ما لديك قبل أن تفقده .
امتعض شاهين من كلماته فقد كان يُجاهد قلبه الذي أخذ ينتفض بداخله تأثرًا برؤيتها هكذا و صاح بإنفعال:
اصمت يا غبي أنت لا تعلم شيئًا فأنا لم أرى خصلات شعرها منذ ولادة طفلنا الأول .
كان يشعر بما يقصده شاهين و ما يخابره معها ولكنه حاول أن يضعه على الطريق الصحيح قائلًا :
شاهين استمع إلي .. أنا أتحدث بجدية زوجتك إمرأة صالحة تمتلك العديد من الصفات الحسنة لا تُضيعها من بين يديك .
لون الامتعاض ملامحه وهتف بلهجة جافة:
هل تُغازل زوجتي أيها الدب ذو الفم الكبير؟
برقت عيني فراس و زمجر بغضب :
لو نعتني مرة ثانية بذو الفم الكبير و خاصةً أمام نور سأدق عنقك أقسم .
رمقه شاهين بمكر قبل أن يُضيق عينيه قائلًا بتخابث:
نور ! اها .. أخبرتني الآن … هل خضع الأسد أخيرًا و أستسلم لمشاعره..؟
لم يعجبه ما يرمي إليه بكلماته فهتف بحدة:
اصمت يا غبي
-” حسنا سأصمت فأنا لا اكترث لك الآن..”
لم يكُن يُعيره أي انتباه فقد كان مشغولًا بمراقبتها من بعيد وهي توزع ابتسامتها العذبة على من حولها وقد شعر بالغيرة التي تجاهلها على الفور و حاول قدر الإمكان أن يظهر بمظهر اللامبالي خاصةً أمام نظرات فراس المتفحصة فلجأ إلى سخريته المعتادة حين قال :
يا إلهي لو تعلم كم تمنيت أن تخرج فتوى من دار الإفتاء تُحرِم تلك التسريحة اللعينة .. الحمد لك يا الله فالمعجزات تحققت أخيرًا
أخذ يهز برأسه يمينًا و يسارًا بيأس من عناد صديقه الذي يُحاول قمع شعوره تجاهها و إقناع نفسه و الجميع أنه لا يتأثر بينما هو يحترق من الداخل ..
*********
” انظري هناك من يحترق في الخلف”
هكذا قالت نور بتخابث فشعرت هدى بقلبها الذي تبعثرت نبضاته حين علمت بأنه جاء إلى الحفل ولكنها و بشق الأنفس حاولت الثبات و رسم الجمود على ملامحها و نبرة صوتها حين قالت :
لا أهتم .. و لا أريد حتى أن أضيع وقتي بذكره
كانت صديقتها و تشعر بما يعتمل بداخلها و قد أعطتها الحق في ذلك لذا آثرت الصمت و النظر أمامها و كذلك فعلت هدى التي كانت تشعر بنظراته تخترقان ظهرها و تشعلان جراحها الدامية والتي لا تعرف كم تحتاج من السنوات لمداواتها ..
اهتز الهاتف في حقيبتها فقامت بالتقاطه إذًا مربية الأطفال تتصل بها فتوجهت بخطى مُتلهفة إلى الخارج لتُجيبها و شاركتها خطواته بنفس ذات اللهفة حيث قادته إليها حين وجدها تتوجه إلى الخارج فتبعها كالمُغيب وهو يشق طريقه بين الناس بصعوبة متجاهلًا مجاملاتهم الزائفة التي كان يرد عليها بإبتسامة صفراء إلى أن وصل حيث تقف فوجدها تتحدث على الهاتف بإنفعال فشعر بضربات قلبه تتقافز بداخله وهو يقترب منها ليستمع إلى صوتها المرتعب وهي تقول :
حسنًا سآتي على الفور .
أغلقت المكالمة وهي تلتفت مسرعه ليصطدم جسدها بقوة بآخر شخص تود رؤيته في هذا العالم لترتد إلى الخلف من فرط الصدام حتى كادت أن تقع لولا ذراعيه القويتين التي حاوطت خصرها بلهفة لمنعها من السقوط وياليته لم يفعل فقد كانت تُفضل أن تسقط أرضًا أهون عليها من أن تسقُط بين ذراعيه بتلك الطريقة فيُلامس وقع قربه على جسدها المُرتجف و قلبها الذي يكاد يخرج من بين ضلوعها من فرط قوة دقاته
رفعت عينيها تُناظره فأسرتها نظراته الشغوفة لثوان قبل أن تتدارك الأمر و تجذب نفسها بعُنف من بين يديه تنوي المغادرة لتوقفها قبضته القوية حول رسغها و نبرته التي تشوبها اللهفة حين قال :
ماذا هناك ؟ هل حدث شيء ؟
اهتمامه و لهفة نبرته ولدوا داخلها شعورًا قويًا بالغضب جعلها تقول بجفاء وهي تنزع ذراعها من بين يديه:
ابتعد .
أغضبته نبرتها و طريقتها في الحديث فقسى صوته وهو يقول آمرًا:
أجيبيني ؟
لون الاحتقار ملامحها و أبرزته عينيها بسخاء بينما احتدت نبرتها اكثر وهي تقول:
لا أريد حتى النظر إلى وجهك فلا تحلُم بأن اشكو لك ما يحدث معي .. لذا ابتعد من أمامي
أيقظت وحوشه الكامنة فاشتد طوق أنامله فوق رسغها حتى كاد يطحن عظامها وهو يقول بنبرة قاسية :
هذه هي المرة الأولي و الأخيرة التي سأسمح لكِ بمُحادثتي بتلك الطريقة .. وأن كررتها أقسم أنني لن أتردد في اقتلاع لسانك من فمك هل فهمتي ؟
نجحت في إنتزاع يدها من قبضته الغير رحيمة وهي تُجاهد عبرات الألم بضراوة بينما هسهست بجفاء:
لن أتردد في تكرارها أن اعترضت طريقي مرة اخري .. و تهديدك هذا لا يُخيفني أبدًا..
لم تُتيح له الفرصة للرد فقد أنهت كلماتها وانطلقت إلى داخل الحفل لتتركه كبركان مشتعل من فرط الغضب الذي حول دمائه إلى جمرات جعلته يطلق أسوأ أنواع السباب وهو يغادر الحفل ..
بينما كانت هي تُهرول باحثه عن زين لتخبره بأن طفلتها تُعاني من آثار الحمى فقد هاتفتها المربية لتخبرها بضرورة أخذها إلى المشفى .. وحين سمع زين ذلك توجه معها على الفور إلى المنزل لنقل الطفلة إلى المشفى الذي ما أن وصلوا إليه حتى هرول قسم الطوارئ لاستقبالهم و لنجدة الطفلة التي كانت ترتجف من شدة إرتفاع حرارتها مما جعل هدى تفقد أعصابها وتنهار أمام باب المشفى فالتقطتها يد زين وهو يحاول تهدئتها بشتى الطرق ولكنها كانت ترتعب كلما تذكرت حالة الطفلة.. أخيرًا و بعد عناء نجح في تهدئتها و خاصةً حين جاءت الممرضة لتخبرها بأن الأطباء قاموا باللازم و قد زال الخطر نسبيًا و إن أرادت رؤيتها فقد وضعوها في غرفة مُنفردة :
بالطبع أريد رؤيته ابنتي .. أين هي ؟
أخذتها الممرضة إلى حيث غرفة الطفلة و خلفها زين الذي ما أن أوشكت أن تدلف إلى داخل الغرفة حتى أوقفها سؤاله الذي أثار حنقها كثيرًا :
هل أخبرتي شاهين بما حدث ؟
اكتفت بكلمة واحدة مقتضبة :
لا ..
كان يعلم الإجابة مُسبقا وحتى لو لم تُعجبه فهو لن يُجادلها الآن فهو يعلم أنها فعلت ذلك امتثالًا لأوامر كبريائها و أيضًا لتثبت له و للجميع بأنه خارج نطاق حياتها هي و أطفالها …
بعد أكثر من نصف ساعة خرجت من الغرفة تجر أقدامها التي ثقلت تحت وطأة الحزن الذي يرثو فوق قلبها المرتعب على طفلتها التي تمكن منها الإعياء و لم يحتمل جسدها الهزيل فراحت في سبات عميق لتخرج هي إلى الرواق حتى تدعها ترتاح قليلًا .
” كيف هي ؟ ”
“أخبرينا كيف حالها ؟”
هكذا تعالت الاسئلة فوق أفواه الجميع الذين هرعوا إلى المشفى حين هاتفهم زين وما أن شاهدوها تخرج من الغرفة حتى اندفعوا بلهفة ليطمئنوا على حال الصغيرة و من بينهم هو .. ولكنها أعطته قدره من التجاهل حيث توجهت بحديثها إلى زينات و ناريمان و زين قائلة بصوت مبحوح من فِرط البكاء :
أنها نائمة.
مظهرها وحده كفيل بشرح ما يجيش بداخلها من ألم شعر به ينطبع داخله على الرغم من غضبه منها ولكن مظهرها احزنه فأخذت عينيه تطوف على ملامحها الشاحبة و عينيها التي تغزوها شعيرات حمراء تبدو كلوحة ملونة بالدماء تحكي قصة أمرأة أضناها العذاب و خصلات شعرها التي كانت مُسترسِلة فوق ظهرها تحاوط أكتافها التي تهدلت من فرط التعب فاقترب زين منها وهو يلتقط كفها بين يديه قائلًا بلهجة مطمئنة:
لا عليكِ يا بنيتي .. أن شاء الله ستكون بخير .
رددت بنبرة مرتجفة من بين عبرات لا تفلح في قمعها :
أن شاء الله
سُرعان ما امتدت يد زين تحيط بكتفيها ليجذبها لتجلس على المقعد وهو يردد بخفوت :
اللهم رب الناس أذهب البأس و اشف حفيدتي أنت الشافي المُعافي .
مرت دقائق تبدو ثقيلة عليها خصوصًا في حضوره الذي كانت تمقته على قدر ما كانت تشتهيه سابقًا ولكن لا حيلة لها فمن بالداخل طفلته ولا تستطيع أبعادها عنه أو الصراخ بوجهه بأن يغادر .. بينما هو كان يتآكل من فرط الألم المُطعم بغضب حارق كونه يرى حزنها من بعيد ولا يجرؤ على الإقتراب منها و غرسها بداخل أحضانه لتسكين وجعها ولو قليلًا .
تنبهت حين جاءت الممرضة لتقول بأن الطبيب المُختص بمعالجة الطفلة قادم ليخبرهم بكل شيء عن وضعها فارتفع دبيب قلبها و تناثرت دقاته ترقبًا وخوفًا ولكن سرعان ما اعتلت الدهشة معالمها حين شاهدت هذا الطبيب الذي كان له نصيبًا كبيرًا من دهشتها فصاح بصدمة:
هدى !
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية كواسر أخضعها العشق)