رواية كواسر أخضعها العشق الفصل التاسع 9 بقلم نورهان آل عشري
رواية كواسر أخضعها العشق الفصل التاسع 9 بقلم نورهان آل عشري
رواية كواسر أخضعها العشق البارت التاسع
رواية كواسر أخضعها العشق الجزء التاسع
رواية كواسر أخضعها العشق الحلقة التاسعة
جاء خُذلانك ليهدِم كُل أحلامي الوردية ويلوث كِل أشيائي الثمينة ومن بينهم قلبي، قلبي الذي كان بالود عامرًا، والآن بات البغض والقهر مسكنه، فلا تتساءل أين ذهب غلاك،
فقد تساقط من قلبي كعقدٍ من اللؤلؤ انفرطت حباته مع كل دمعة ذرفتها روحي وهي تنعي جرح رجل أحببته بقدر السماء وقتلني بقدر ما أحببت.
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
_”وليد” هل هذا أنتَ! ما هذه المصادفة.
هكذا استفهمت بينما ملامحها افرجت عن ابتسامة عفوية كانت الشرارة التي أشعلت فتيل غضب “شاهين” الذي كان يشاهد ما يحدُث بعينين جاحظتين، فاقترب منهما تزامنًا مع كلمات “وليد” الذي تحولت دهشته إلى سعادة عارمة:
_أجل إنها مصادفة ولكن رائعة، وأنا ممتن لها كثيرًا، كيف حالك؟!
لون الحزن معالمها فانمحت بسمتها وهي تقول بخفوت:
_بخير أشكُرك.
تنبه لتبدُل حالها وقال باستفهام:
_أعتقد أن تلك الطفلة الجميلة بالداخل هي ابنتك أليس كذلك؟!
“هدى” بلهفة:
_نعم أخبرني ما هي حالتها؟!
“وليد” بطمأنينة:
_هدئي من روعك فالأمور تحت السيطرة، سأطمئِن عليها وأرى مؤشراتها الحيوية وأخبرك.
“هدى” برقة:
_حسنًا أنتظرك.
ابتلع غصة حارقة داخل جوفه وحاول قهر ذلك الغضب الذي تشعب داخله بشراسة فلو أطلق له العنان لوقع ضحيته الجميع وأولهم هي… فقد كانت تستند بثقلها على الجدار المُلاصق لباب الغرفة وكأنها تتوسل بصمت لذلك الطبيب الأحمق بأن يخرُج ويطمئنها على حالة طفلتها، كان مظهرها يوحي بمدى ألمها؛ لذا استمع إلى صوت العقل الذي أمره بأن يُمرر الموقف إلى حين انتهاء هذا الظرف الطارئ.
بعد وقت ليس بكثير خرج “وليد” وهو يخصها بنظراته متجاهلًا أسئلة الجميع ليجيب على توسلها الصامت بلهجة مُراعية:
_اطمئني يا “هدى” فقد زال الخطر ومؤشراتها الحيوية عادت إلى طبيعتها.
تعالت صيحات الحمد من بين شفتيها بينما الجميع كان يراقب هذا المشهد النادر لشاهين الذي لم يستطع السيطرة على نظراته الشرسة لهذا الطبيب الذي لم يرتَح له ولا لنظراته لتلك الغبية كما وصفها داخله والتي كان الامتنان يتساقط من نظراتها ونبرتها حين قالت:
_أشكرك كثيرًا يا “وليد” لقد كاد قلبي أن يتوقف من فرط الخوف.
_رجاءً لا تقولي هذا الكلام مرةً أخرى، فالحمد لله مر الأمر على خير، والطفلة ستكون بخير في غضون أيام.
هكذا تحدث “وليد” بلهفة رجلٍ وقع بالعشق في الماضي واصطدم بصخرة القدر الذي جعل حبيبته لرجلٍ آخرٍ، ومن سوء حظه أن يكُن هذا الرجل خلفه الآن مُباشرةً ينوي الفتك به… لولا تدخُل “زين” الذي كان يُراقب ما يحدُث بصمت ولكن ما إن شعر بأن الأمور على وشك الخروج عن السيطرة حتى تدخل في الحال.
_شكرًا لك أيها الطبيب، هل يمكن أن تدخل “هدى” لتطمئن على الطفلة؟!
“وليد” بلهفة:
_أجل بالطبع يمكنها ذلك، ولكن يجب أن ترتاح هي أيضًا حتى لا تسقط فيبدو أنها تعاني الإرهاق والتعب.
كان هذا أكثر من قدرته على التحمل فحين أوشك على الحديث أوقفته نظرات والده المُحذرة وكلماته التي جعلته يتراجع عن لكمه:
_لا تقلق أيها الطبيب و نشكرك على اهتمامك فنحن لا نفرط بهدى فهي ابنتي وزوجة ابني.
شعر “وليد” بالحرج و قد تغضن وجهه قبل أن يلتفت ليُناظر “شاهين” شذرًا ثم نقل نظراته إلى “هدى” قائلًا:
_حمدًا لله على سلامتها.
كانت ترى ما يحدث واختارت برضا أن تتجاهله وتتجاهلهم وهي تتوجه إلى طفلتها داخل الغرفة مُغلقة الباب خلفها… لتخرج ضحكة ساخرة من فم “ناريمان” التي اتبعتها قائلة بسخرية:
_أتذكر أنني رأيتُ هذا المشهد في فيلم هندي وغالباً انتهى بأن أتى الفارس المغوار لينقذ البطلة من بين براثن الوحش.
كانت تظن أنها مجرد كلمات عابرة ولكنها كانت كالبنزين الذي سكبته على نيران غضبه المشتعل للحد الذي جعل ظلمة عيناه تزداد أكثر… فتراجعت “ناريمان” إلى الخلف ذُعرًا من مظهره وكذلك “زينات” التي حاولت تصحيح الموقف قائلة بتوتر:
_ الحمد لله على سلامتها يا شاهين، سنغادر إلى المنزل ونرسل إلى هدى بعض الثياب فهي لم تبدل فستانها بعد.
وكأنه بحاجةٍ لأن تذكره بهذا الفستان اللعين الذي يُبرز فتنتها بسخاءٍ قادرٍ على إدارة رؤوس الرجال، أطلق زفرةً قويةً وهو يتوجه إلى داخل الغرفة مُغلقًا الباب خلفه بهدوء يتنافى مع جحيم غضبه المُشتعل ليخطو عدة خطوات مُتجاهلاً وجودها وهو يقترب ليضع قبلةٍ دافئةٍ على جبين طفلته وسط أنظارها الجامدة والتي تتحاشى الاصطدام به تتمنى لو يغادر؛ حتى تستطيع استرداد أنفاسها ولو قليلاً… ولكنه أطال الوقوف ممَ ضاعف شعورها بالغضب منه فحاولت أن تكظمه قدر الإمكان وعم الهدوء المكان حولهم إلا من صدى أنفاسهم ورائحة الكبرياء التي تسيطر على الأجواء حولهم.
طرق خافت على باب الغرفة أتبعه دخول الممرضة التي كانت تحمل كوبًا من اللبن بيدها وهي تتقدم بحرج من هدى التي انكمشت ملامحها بدهشة تعاظمت حين سمعت كلماتها:
_ تفضلي أرسله دكتور وليد إليكِ وهو يتمنى أن تتناوليه حتى تتحسن حالتكِ فأنتِ تبدين مرهقة ووو
قاطعها ذلك الوحش الغاضب وهو ينتزع كوب اللبن من يدها ويتوجه إلى إبريق المياه الموضوع بجانب السرير وقام بإفراغ كوب اللبن به ثم توجه بعينين تلونتا بلون الجحيم الذي بث الذُعر إلى قلب الفتاة وخاصةً حين زمجر بشراسة:
_أخبري هذا المُخنث أن شاهين النعماني سيقحم هذا الكوب في مؤخرته إذا أقدم على إرسال شيء آخر إلى زوجتي.
_ما هذا الجنون الذي تتفوه به؟!
هكذا صاحت “هدى” بانفعال حين سمعت كلماته الهوجاء إلى الفتاة التي هرولت إلى الخارج مذعورة… فتفاجأت به يلتفت وهو يُناظرها بعينين أعماهما الغضب الذي تجلى في نبرته وهو يقول بشراسة:
_أقسم لكِ إن تفوهتِ بحرفٍ واحدٍ سأريكِ كيف يكون الجنون وسأقوم بسفك دماء ذلك الوغد أمام عينيكِ الآن.
شهقة مذعورة خرجت من جوفها حين رأت مظهره المُرعِب وكلماته المروعة التي كانت أكثر من كافية لجعل أعصابها تنهار فقد كان يومًا عصيبًا… ولم تعد تحتمل؛ لذا همست بنبرة مختنقة بفعل محاولاتها لقمع انفجارها في البكاء أمامه:
_ارحل من هنا، لم أعد أحتمل وجودك أكثر.
نفذت كلماتها إلى منتصف قلبه الذي ارتج من فرط الألم الذي أتقن تجاهله وهو يرتدي ثوب الغضب الذي تجلى بعروقه التي نفرت بصورة مرعبة لم تؤثر فيها بل احتدت لهجتها أكثر وهي تصيح:
_لا أنا ولا ابنتي بحاجة إليك؛ لذا ليس مسموحًا لك بالتواجد هنا.
كان رجلاً باردًا لا يغضب بسهولة، ولكن اليوم استنفذ مخزون صبره لسنوات قادمة فقد بلغ غضبه الذروة… فقام بجذبها من مرفقها بعنف لم تختبره معه مسبقاً وقام بإلصاقها بالحائط خلفها وهو يزأر بشراسة:
_لا أنتظر الإذن منكِ لأتواجد هنا فهذه هي ابنتي وأنتِ زوجتي وعليكِ تقبل ذلك أو أقحمه في عقلكِ الغبي هذا؟!
قال جملته الأخيرة بصراخ انتفض له جسد الصغيرة التي أفزعها صُراخه، فأخذت تبكي بذُعر، فانتزعت هدى ذراعها من بين يديه بحنق، وهرولت تحتوي الصغيرة بين يديها وهي تهدهدها بحنو يتنافى مع نظراتها المستاءة نحوه، فتجاهله متسلحًا بالجمود في مواجهتها.
*************
_”شاهين” هيا استيقظ فأنتَ نائم منذ ثلاث ساعات.
تململ “شاهين” في نومته حتى فتح عينيه اللتين وقعتا على “هناء” ليجدها ترتدي ملابس سهرة فجعد ما بين حاجبيه وهو يقول:
_ لمَ هذه الثياب الآن؟!
“هناء” بغنج:
_لقد وعدتني أن تعوضني عن شهر عسلي، و هذان اليومان اللذان امضيتهم مع الصغيرة في المشفي وانا هنا وحيدة وأيضًا لقد مللت من الجلوس بالمنزل لنخرج للسهر قليلًا، اه .. و لتجلب لي العقد الخاص بتلك الإسورة فأنا سأموت لأكمل الطقم.
امتعضت ملامحه وزفر حانقًا وهو يقول بجفاء:
_لا يوجد لا عقد ولا خروج، هيا بدلي هذه الثياب فغدًا لدي مُرافعة وأريد أن أنام جيدًا؛ حتى أستطيع الاستيقاظ مُبكرًا.
لم تحتمل جفاءه وذلك القيد الذي يحكمه حولها؛ لذا صاحت دون احتراز:
_”شاهين” لا تفعل ذلك أرجوك… لا خروج ولا دخول ولا نقود ولا مجوهرات لقد مللت.
قالت جملتها الأخيرة بصوت أشبه بالصراخ، فلم يستطع الصمت أكثر خاصةً وهو يحمل كل هذا الغضب بداخله، فهتف بجفاء:
_ألا تملي من طلب النقود ومشاوير السهر هذه؟!
فطنت لفداحة ما تفوهت به وخاصةً بعد أن فوجئت من لهجته وملامحه التي كانت مُمتعضة كثيرًا فحاولت التبرير بلهجة أهدأ:
_وما الذي يغضبك في ذلك؟ أنا أتجمل لأجلك.
هكذا تحدثت وهي تتقدم منه لتلهو بأزرار قميصه العلوية تحاول إغوائه فشعر بنفور كبير من طريقتها تلك؛ لذا تحدث بجفاء:
_عزيزتي “هناء” لمَ بكل مرة نتحدث بها بأمر حيوي تفعلين ذلك وينتهي الأمر بنا في السرير؟!
صاعقة قوية ضربتها فزلزلت ثباتها وخاصةً حين أكمل بقسوة:
_لمعلوماتك لم أتزوجك لأن علاقاتي الخاصة بزوجتي ليست على ما يُرام ولكني تزوجتك لأنني أردت زوجة حقيقية أتشارك معها كل شيء.
صمت لثوان قبل أن يردف بفظاظة:
_لا تحصري تفكيرك في العلاقة فقط، نعم إنها من أساسيات الزواج ولكن هناك أمور أخرى لها نفس أهميتها أيضًا.
تحدثت بنبرة فاقدة لكل معاني الصبر:
_ما الذي تريده من هذا الحديث؟!
_أريد المشاركة والسكينة، أريد الهدوء يكفي ذلك الصخب الذي يسيطر على حياتنا.
امتقع وجهها وشعرت برغبة قوية في الصراخ بوجهه ولكنها اكتفت قائلة:
_هل مللت مني؟!
لم يتوانَ عن مصارحتها قائلًا باختصار:
_نعم ولهذا أردت تنبيهك.
بدأت بفقدان أعصابها تدريجيًا فتحدثت بانفعال:
_هل تفكر بالزواج علي؟!
لم يستطع تحمل نظرتها السطحية للأمور وأسلوبها الغبي في التفكير.. فصاح مُتأففًا:
_يا إلهي كيف يصل الحديث إلى عقلك؟!
تساقطت عبراتها التي بدت حقيقية فلم يتأثر إنما تحدث بجفاء قائلًا:
_أخبرتك ما افتقدته بزواجي الأول… ولا أريد تكرار نفس الأخطاء بزواجي منك افهمي.
استفهمت بانفعال:
_ إذن أخبرني بصراحة ما الذي تريده؟!
شاهين بخشونة:
_أريد الراحة، أريد زوجة مُحبة تشاركني هواياتي، تنتظرني عندما أعود من العمل، تهدهدني كطفل صغير حين أغضب، أستطيع أن أخبرها بمشادة قمت بها مع سائق تاكسي لعين قام بالكسر علي أثناء القيادة دون أن تمل من حديثي بل تستمع إلي وكأنها تملك كل الوقت لفعل ذلك.
صمت لثوان وصورتها تتبختر أمام عينيه لتزيد من ألمه ولكنه حاول طرد شبحها وتلك النظرات المُعاتبة التي أمطرته بها ودقق النظر في عيني “هناء” قائلًا بتقريع:
_أُريد دفء وسكينة، أن أشعُر أنني مُهم في حياة زوجتي لا حافظة نقود مُتنقلة.
لم يعجبها حديثه فلم يكن يشبهها ولا يشبه تطلعاتها فصاحت بانفعال:
_ألم تخبرني أنك تريد أن تعيش حياتك كما يحلو لك، تفعل كل شيء جنوني بعيد عن قيود عائلتك! لقد كنت تريد ذلك الصخب الذي تشكو منه الآن، ألم تقل هذا نصًا أريد امرأة شغوفة تمتلك روح ثائرة لتجعل حياتي مُبهجة؟!
“شاهين” بندم:
_نعم قلت هذا ولكنني كنت مُخطئًا، فلم يكُن ذلك ما أحتاجه من امرأتي، لقد أردت امرأة حنونة تسكُب بقلبي الطُمأنينة وتروي تربته بحنانها الذي لم أتذوقه مع أقرب الناس لي.
كان يقصد والدته.. بينما هي ظنت أنه يقصد “هدى” فاهتاجت أعصابها وجن جنونها… فصاحت بانفعال:
_لا تأتي على ذكر تلك المرأة أمامي مرة أخرى، فلتذهب إلى الجحيم ونرتاح منها؛ فأنا لم أعد أحتمل.
قطعت جُملتها تلك الضربة القوية التي سقطت فوق وجهها فأدارته للجهة الأخرى تزامُنًا مع صوته القاسي حين قال:
_إياكِ أن تتحدثي عنها بهذا السوء مرة أخرى وإلا اقتلعت لسانك من مكانه.
*************
مر من الزمن سبعة أيام خارجيًا لم يحدث بها ما يُذكر ولكن كان الجميع يحترق بصمت أما “فراس” كان يعاند كبريائه ويحاول قمع مشاعره العاتية نحوها والتي كانت تتفجر ما إن يضع إصبعًا عليها فيضرب بعرض الحائط كل شيء وينخرط معها في مشاعر رائعة وأحاسيس دافئة ما زال يُعاند ويضعها تحت بند الرغبة الحسية فقط.
بينما كانت هي الأخرى تُعاني وكأنها قدمت نفسها كوجبةٍ شهيةٍ لبراثن الذنب الذي لا ينفك يُحاصرها تجاه والدها بكل مرة تكن معه ناهيك عن قلبها الذي لا تعلم كيف ومتى أفلتته من بين يديها ليصبح أسيرًا لذلك الرجل.
فقد وضعتها الحياة أمام مطرقة الاختيار ما بين واجبها تجاه والدها ومشاعرها القوية تجاهه والذي رفضت هي الأخرى تسميتها وتركتها تحت طائلة الرغبة الحسية فقط.
جاء الصباح مُشرقًا كملامحها التي تأسره للحد الذي يجعل عيناه تنتشي برؤيتها وتتملكه رغبة قوية في إخفائها عن جميع الأعين فهي الوحيدة القادرة على إنهاء تلك الصراعات المحتدمة بقلبه وتلك الحيرة التي تلازمه وضجيج تساؤلاته هل يسحبها إلى عالمه المظلم كما فعل هاديس مع برسيفوني ويُخفيها عن الأعيُن؟! أم يترُكها ويترُك نفسه لها تسحبه بنورها إلى عالمها الوردي؟!
أم يخبرها كل شيء ويترُك لها حُرية الاختيار، طافت عيناه على تقاسيم وجهها التي لا يمل من تأمُلها أبدًا وخاصةً عيناها التي كانت كنافذةٍ تُطل على الجنة، جنته التي اشتاقها كثيرًا فتحركت أنامله بخفةٍ على قسماتها لتستيقظ وتشرق بشمسها على عالمه المظلم… فأخذت تتململ بانزعاج جعلها تبدو شهيةّ أكثر فاقترب منها ليسحب أكبر قدر من رائحتها برئتيه ثم هوى بشفاهه يعزف ألحانه العذبة على ملامحها حتى استيقظت تمامًا فتوقف عن أفعاله العابثة حين اخترق قلبه همسها الخافت باسمه:
_فراس.
أشعلت بجوفه لهيبًا لا يطفئه سوى شهدها الذي لا يرتوي منه أبدًا ولا يكتفي، فاقترب هامسًا أمام شفتيها منبع هلاكه:
_همسكِ بتلك الطريقة قد يقودني إلى قتلكِ بالفعل.
سابقاً كانت كلماته تلك تُربكها وتبث الذُعر إلى صدرها ولكن الآن فهي توقد ألسنة الشغف بقلبها وسائر جسدها الذي أسلم راية الهوى أمام جموح مشاعره تجاهها… فهمست ببحة مثيرة:
_إذن هل غيّر هاديس نشاطه الليلي وأصبح يأتي في الصباح الباكر؟!
غمرت ملامحه بسمة جميلة زينتها لهجته الشغوفة حين قال:
_ما رأيكِ لو أسحبكِ إلى عالمي كما فعل هاديس مع بريسفوني؟!
همست تداعبه:
_تتفوق على هاديس بنقطةٍ فهو فقد خدعها أما الآن أنت تُخيرني أم أنني مُخطئة؟!
ظاهريًا كانت تُمازحه ولكن هناك استفهامًا يُطل من عينيها اللتين لا يستطيعا إلا الامتثال أمام طغيانهم وقد كان ذلك هو الخضوع الأول له في الحياة؛ لذا قال بخشونة:
_لم يخدعها هاديس فقد أحبته.
قاطعته مصححة:
_لم يخبرها ماذا ينتظرها في عالمه وإلى أي درجةٍ يمتد ظلامه.
_وإن أخبرها هل كان ليشكل فارقًا في مشاعرها نحوه؟!
هكذا استفهم بغموض وقد شعرت بجسده الذي تصلب بجانبها ولكنها وصلت إلى نقطة اللا تراجع حين قالت بنبرة تحوي التوسل في طياتها:
_على الأقل كانت ستشعُر بأنها ليست مُرغمة على شيء، فإن اختارته فسيكون ذلك بملء إرادتها.
أظلمت نظراته لثوانٍ قبل أن يقترب واضعًا قبلة سطحية فوق جبهتها قبل أن تجده يُغادر السرير ناصبًا عوده مُتجهًا إلى باب الغرفة ولكنه التفت قائلاً بفظاظة:
_سأنتظركِ في المكتب بعد نصف ساعة من أجل العمل.
أومأت بصمت وهي تشاهده يخرج مغلقًا الباب خلفه فشعرت بقلبها الذي كان يئن بداخلها من فرط الخوف ولكنها حاولت طمأنته وهي تتذكر حديثها مع عمها “زين” قبل أربعة أيام.
عودة إلى وقت سابق…
_كيف حالك عمي؟!
هكذا تحدثت بخفوت إلى “زين” الذي كان يجلس في الحديقة يقرأ أحد الكتب وما إن سمع صوتها حتى التفت يناظرها بحنان تجلى في نبرته حين قال:
_أهلا بكِ يا نور، أنا بخير، أنتِ كيف حالك؟!
نور بهدوء:
_بخير، هل أزعجتك؟!
“زين” بلهفة:
_لا أبدًا هيا تعالي لنجلس معًا فالجو جميل اليوم.
أطاعته وهي تجلس على يمينه بينما ترك هو الكتاب من يده وهو يقول باهتمام:
_أخبريني كيف تسير أموركِ مع فراس؟!
فوجئت من السؤال الذي بدا وكأنه يشغل تفكير الجميع، فلم يتبقَ أحد لم يسألها عن أمورها معه.
_لا أقصد التطفُل فقط أردت الاطمئنان أن الأمور بينكما على ما يرام بعد ما حدث.
فطنت إلى ما يرمي إليه فرسمت ابتسامة هادئة على ملامحها وقالت بلهجة شابها التردد:
_آه، أجل، لا تقلق نحن بخير.
شعر بترددها في الإجابة فاحتضن كفوفها التي تبسطها أمامها على الطاولة وهو يناظرها بحنان أبوي:
_رجاءً أخبريني إن كان هناك شيء.
لامست فعلته جدران قلبها وكذلك نبرته الحانية فحاولت التماسك قدر الإمكان قبل أن تقول بتأكيد:
_لا تقلق عمي.
شعر بتأثرها واهتزاز جفونها من فرط ما تحمله من عبراتٍ فحاول صرف انتباهها حين قال مازحًا:
_إن أقدم ذلك الوحش على إغضابك فقط أخبريني وأعدك أنني سأدق عنقه.
فاجأته حين قالت مستفهمة:
_وهل يجرؤ أحد على فعل ذلك؟!
لم يخفي اندهاشه من استفهامها الذي قابله بآخر:
_هل لكِ أن توضحي أكثر؟!
نظفت حلقها قبل أن تقول نبرة مُلحة لمعرفة الإجابة:
_هل يستطيع أحدهم الوقوف بوجه فراس النعماني أو التصدي له؟!
ضيق زين عينيه وقال باندهاش:
_ما هذا الكلام نور؟!
اعتدلت في جلستها وأخذت تفرك كفيها ببعضهما البعض وهي تتلو مخاوفها دون احتراز:
_ إنه فقط… أنا… يعني أقصد منذ أن كنت صغيرة وأنا أجد الجميع يهابه يخشى مواجهته، بعمري لم أرَ أحد يعارضه أو يجرؤ على قول لا أمامه.
زين باستفهام:
_وهل يُزعجكِ الأمر؟!
كيف تخبره بما تشعر به من ضياع؟! كيف تصيغ مخاوفها تجاهه؟! وتخبطاتها برفقته، فهو الشخص الوحيد الذي تشعر بالأمان معه حيث لا أحد سيجرؤ على أذيتها أو المساس بها عداه، هو الشخص الوحيد الذي يمكنه أذيتها دون أن يردعه أحد.
كان وجهها مرآة لما تشعر به؛ لذا اختار زين أن يجيبها على تساؤلاتها ويحد من حيرتها تلك:
_أنتِ مخطئة عزيزتي نور، نحن لا نهاب فراس، نحن فقط نحترمه، كونه شخص جدير بالاحترام فهو يحمل على عاتقه أعباء عائلة بأكملها، وهنا لا أقصد الشركات والمصانع وما شابه ولكن هو يحمل هموم الجميع وإن تأذى أي شخص منا ففراس قد يهدم الدنيا لأجله، فهو تحمل الكثير من أجل سلامة الجميع تمامًا كوالده، فقد كنا جميعًا نحترمه ونقدره؛ لأنه كان يستحق.
بدأ شعور من الراحة يتسرب إلى داخلها شيئًا فشيئًا من حديث عمها ولكن بقى الكثير مما تتوق إلى معرفته كما أن هناك الكثير من الثغرات التي تود إغلاقها إلى الأبد لذا قالت باستفهام:
_لمَ لم تتولى أنت أو أبي إدارة شؤون العائلة بعد وفاة عمي “رفيق”؟! أقصد لمَ فراس؟! فأنت وبابا تكبرانه ومن المؤكد أنكما تتفوقان عليه من ناحية الخبرة بحسب العمر.
توقع هذا السؤال منها فابتسم قبل أن يجيب ببساطة:
_سأخبركِ أمرًا قد يدهشكِ ولكن لا أنا ولا والدكِ كنا جديرين بهذا الأمر.
تبلور الاندهاش بعينيها… فتابع زين وهو يسرد ماضي يحمل الكثير والكثير:
_نعم نحن نعمل معًا وكلاً منا يفعل ما بوسعه من أجل العائلة ولكن أن تكون القائد أمرًا صعبًا وأيضًا في شبابنا لم نكن بهذا التعقل.
انكمشت ملامحه بحزن دفين قبل أن يتابع بشجن:
_كنا طائشان قليلاً وكثيرًا ما كنا نجلب المشكلات على عكس “رفيق” كان رجلاً مُنضبطًا صالحًا وكذلك “فراس” إنه يشبه أباه في كل شيء فهو رجل شهم ونبيل والأكثر من ذلك أنه ليس أنانيًا،
على عكس ما توقعت لم يستطع حديثه سد ثغرات الماضي المُبهم بالنسبة لها؛ بل فتح أبواب لاستفهامات أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها؛ لذا حاولت أن تحثه على المتابعة حين قالت:
_بالطبع لا يوجد أحد منا كاملاً ولكن “فراس” أيضًا له أخطاء.
زفر “زين” بشجن وفاجأها حين قال بلهجة مشجبه:
_ قد تندهشين من حديثي ولكن في كثير من الأحيان يكن خطأكِ الوحيد أنكِ شخصٌ جيد.
لونت الدهشة ملامحها وتجعد ما بين حاجبيها بحيرة فقام “زين” باحتواء حيرتها بكفوفه التي عانقت كفوفها المتوترة وهو يحاول أن يطمئنها فقال لها:
_ اسمعيني جيدًا نور، أكثر شخص تستطيعين الوثوق به في هذا العالم هو “فراس”، لا تضجرِ رأسكِ بتلك الأسئلة فوالله لو طلب مني أن ألقي بنفسي في البحر لأطعته؛ لأني أعلم أنه لو لم يكن الأمر في مصلحتي لما طلب مني فعل ذلك.
تعاظمت دهشتها أكثر وتجلى ذلك بنبرتها حين قالت:
_لهذه الدرجة؟!
زين بصدق:
_نعم، والأمر لا يقتصر عليّ فقط بل الجميع هنا كذلك.
طرأ استفهام مُلح على عقلها ولم تستطع شفتاها قمعه حين قالت بترقب:
_وهل ينطبق الأمر على والدي أيضًا؟!
“زين” مشددًا على كل حرف يخرج منه:
_والدك كان أكثرنا ثقة به وإلا لمَ كان سيوصيه عليكِ قبل أن يموت؟!
عودة للوقت الحالي…
اخترقت كلمات “زين” عقلها الذي لم يتوقف عن التفكير بها منذ ذلك الحين ولكنها لن تستطيع الإنكار أنها أفسحت لها المجال للتنفس قليلاً وإضفاء بعضٍ من السكينة على قلبها برفقته وإخماد نيران الذنب بصدرها كلما كانت معه.
***************
_نعم هناء، ما الذي تريدينه صرعتي رأسي باتصالاتكِ منذ الصباح ماذا هُناك؟!
هكذا صاح شاهين في الهاتف باستياء فأتاه صوت هناء المُحتقن غضبًا:
_هل هكذا تحادثني بعد ما فعلته بي ذلك اليوم و تركتني بعده اسبوعًا بأكمله لا أعلم عنك شيئًا؟!
تستمر القصة أدناه
تجاهل ما تشير إليه بصفعه لها وصاح باستهجان:
_تركتكِ أسبوعًا! كم عمركِ لتقولي هذا الكلام؟! وأيضًا هل أنا تركتكِ في أحد الشوارع؟! أنتِ تجلسين مُعززة مُكرمة في منزلك.
فاض الكيل بها فصرخت بانفعال:
_منزلي أم تقصد ذلك السجن الذي زججتني فيه محرمٌ عليّ الخروج إلا معك، تمنع عني أبسط الأشياء كرؤية أصدقائي أو الترفيه عن نفسي ولو قليلاً.
شاهين محاولاً قمع غضبه قدر الإمكان فقد ضربت بحديثه عرض الحائط:
_سامحيني كنت أحاول أن أجعلك امرأة مُحترمة يا سيدة هناء.
شهقت بصدمة من حديثه وقالت متألمة:
_هل تراني غير مُحترمة يا شاهين؟!
شاهين بقسوة:
_فلتوجهي هذا السؤال لنفسكِ، ماذا يطلقون على المرأة التي تُريد السهر بالخارج دون زوجها؟ وتتفاخر بمجموعة من الحمقى وتطلق عليهم لقب أصدقائها.
صاحت بانفعال:
_لقد تزوجتني وأنتَ تعلم أن هذه هي حياتي.
قاطعها مصححاً بقسوة:
_لا ليس كذلك، تزوجتكِ بعدما كررتِ مئات المرات عن كونك مللتِ من هذه الحياة وتودين الاستقرار والهدوء والآن اتضح أن كل ذلك كان عبارة عن تمثيلية لم تحتملي دوركِ بها لأكثر من شهر.
ضاقت ذرعًا بتجبره من وجهة نظرها فهدرت بعنف:
_أجل لم أعد أحتمل كما لم أعد أحتمل تسلطك بتلك الطريقة.
شاهين بصوت حاد كنصل السكين:
_حسنًا كما تريدين، لن أُجبركِ على شيء.
قالها وأغلق الهاتف بوجهها وهو يترجل من سيارته ليتوجه إلى داخل القصر
************
_أخبرتني أنك تريدني من أجل العمل.
هكذا تحدثت “نور” بهدوء وهي تجلس على المكتب أمامه، فطالعها بعينين التمعا بهما الشغف والإعجاب للحظات؛ فقد كانت جميلة بقدر بساطة ما ترتديه، لم تُفرط في زينتها ولا تبرجها إنما ارتدت فستانًا صيفيًا بلون الكريمة وتركت شعرها ينساب كستارةٍ حريريةٍ أحاطت ظهرها من الخلف واكتفت بوضع ملمع شفاه أضفى بريقًا رائعًا على مظهرها.
انتهت عيناه من تقييمها قبل أن تعود عينيه إلى لونهما الطبيعي وهو يتحدث بعمليةٍ تليق برجلِ أعمال مثله:
_نعم هذا صحيح، في الواقع نحن بصدد بناء فندق كبير في أحد المُدن الساحلية ونحتاج إلى فكرة تكُن مُميزة تليق بروعة المكان وتجذب الأنظار إليها من دون الحاجة إلى عمل دعايا أو إعلان.
مازحته قائلة:
_اممم تريد أن توفر أموال الدعايا إذن، يا لك من رجل أعمال ناجح.
تراقصت الابتسامة على شفتيه من مُزاحها وقد راق له تحسن مزاجها بدرجةٍ كبيرةٍ:
_هذه ميزة أخرى يمكنكِ إضافتها بجانب كوني مستفز.
هكذا تحدث ساخرًا، فهبت مستنكرة:
_وهل الاستفزاز بالنسبة إليك ميزة؟!
فراس بخشونة:
_الأمر نسبي.
_بمعنى؟!
أسند ظهره إلى المقعد خلفه ليسترخي أكثر في جلسته قبل أن يقول بكسل:
_يتوقف الأمر على الشخص الذي أمامي، مثلاً إن كانت امرأة فاتنة بعينين تزدهر بهما أشجار الزيتون و كأنهما قطعتي زمرد فالاستفزاز يكون متعة بالنسبة إلي،
كلماته جعلت دماء الخجل تروي خديها فنبت الورد فوقهما مما جعله يقول بنبرة موقدة:
_وأكون ممتنًا له كثيرًا حين يجعل الزهور تنبت فوق وجنتيها هكذا، فيُضاعف فتنتها وعذابي.
تأجج صدرها من فرط التأثر بكلماته ونظراته التي كانت تبثها مشاعر قوية جعلت أنفاسها تتشاجر بداخلها ولم تفلح في إيجاد كلمات تعبر عن ما يجول بخاطرها فأنقذها دخول شاهين بوجهٍ مُغبرٍ ومزاج سوداوي تجلى في كلماته حين قال:
_اجعل الخادمة تجلب لي القهوة وسأكون ممتنًا لو وضعت بعض قطرات السُم بها.
كان يود لو يلكمه بكل قوته حتى تندثر معالمه ذلك اللعين الذي أتى في أكثر الأوقات خطأً على عكسها فقد كانت ممتنة كثيرًا لدخوله في تلك اللحظة فقد احترق الهواء من حولهما ليجعل الأمر يزداد خطورة لولا دخول شاهين الذي أخذ يناظرهما بخُبث جعل حنقها يتضاعف فهمست بامتعاض:
_ليتها تفعل وتُريحنا منك.
ضيق شاهين عينيه وهو يقول باندفاع:
_ما بها هذه هل فعلت لها شيئًا؟!
فراس بفظاظة:
_وهل تجرؤ على ذلك؟!
تعاظم الحنق بداخله فزفر مغلولاً:
_لا طاقة لدي للشجار الآن وأجواء العشاق هذه تجعل معدتي تشمئز؛ لذا سأغادر قبل أن أتقيأ من فرط التأثر.
أمره فراس بغلظة:
_كُف عن التذمر وأخبرني ماذا فعلت؟ هل أمنت الشاحنات التي ستنقل السلاح من الميناء إلى المخازن؟!
برقت عينا شاهين من حديث فراس وكذلك نور التي احتبست الأنفاس بصدرها من حديثه المباشر عن عالمه المظلم أمامها دون احتراز وتعاظم ذهولها حين وجدت شاهين يجيبه بسلاسة:
_نعم والرجال الآن يُفرغون المخازن استعدادًا لاستقبال الشحنة، ولكن أخبرني هل ستشرف حقًا على استلامها بنفسك؟!
_نعم سأفعل.
هكذا أجابه فراس.. فقام شاهين بمد أحد المجلدات إليه وهو يقول:
_كما تُريد، هذه أوراق الشحنة وسيكون رجالنا هُناك ليُمهدون لك الإجراءات.
أخذ فراس المُجلد منه وهو يلتفت ليضعه في الخزنة الضخمة التي على يمينه وعند هذا الحد لم تحتمل نور فقد كشف جميع أوراقه أمامها ولا تعلم لمَ شعرت أنه يقصد ذلك؛ لذا التفتت إليه قائلة بلهجة بدت مهتزة:
_حين تتفرغ أرسل لي المعلومات الكاملة للمشروع وصور للمكان الذي سيقام عليه.
قام فراس بجذب أحد المجلدات من الدرج وناولها إياه وهو يقول بفظاظة:
_ كم تحتاجين من الوقت لإنجازه؟!
شعرت به يتحداها فقابلت تحديه بآخر وهي تقول دون احتراز:
_ ثلاثة أيام.
حاول قمع ابتسامته قدر المستطاع قبل أن يقول بلهجة خشنة:
_أمامكِ أسبوع من الآن لتُنجزيه.
اغتاظت من تخطيه لحديثها وخاصةً حين وصل إلى مسامعها ضحكة شاهين الخافتة فهبت مُعترضة:
_لا أحتاج إلى كل هذا الوقت، باستطاعتي إنجازه في أقل من ثلاثة أيام.
عض على شفتيه السفلية قبل أن يقول بتسلية:
_أوافقكِ الرأي ولكن هذا إن كنتِ مُتفرغة.
_ أنا بالفعل كذلك، حتى أنني أضجر من الجلوس دون فعل شيء طوال اليوم.
هكذا حادثته بعفوية ليتدخل شاهين في الحديث بحُزن مفتعل:
_آه يا فراس، عيب عليك يا رجل أن تُعاني زوجتك الجميلة من الضجر وأنتَ موجود، هذا سيئ بحق سُمعتك.
احتقن وجهها بالدماء وخاصةً حين سمعت ضحكته الخافتة فالتفتت لتجده أحكم قمعها وهو يقول بعينين يتراقص بهما العبث:
_سُمعتي ستسوء بسببك.
هتفت بحنق:
_حقًا؟!
فراس بتسلية:
_أجل، ولكن اطمأني سأحرص على ملء هذا الفراغ بطريقتي الخاصة، فلا يمكنني التهاون في شيء يخص سُمعتي.
طفح الكيل ولم تعُد تحتمل تسلية هذان اللعينان ولكن لن تكون نور النعماني إن لم ترُد الصاع صاعين؛ لذا استبدلت الغضب بالسخرية حين قالت موجهة الحديث لفراس المستمع بمراقبة انفعالاتها:
_عزيزي فراس يؤسفني القول بأن سُمعتك كهاديس لن تتحسن ولو بذرةٍ واحدةٍ حتى لو ملأت فراغ جميع سكان العالم.
لأول مرة لم يفلح في قمع ضحكته أمامها خاصةً حين التفتت إلى شاهين قائلة بسخرية:
_وأنتَ أيها الظريف لن أضيع وقتي معك؛ لأني على موعد مع زوجتك المصون للاطمئنان عليها خاصةً وأن اليوم هو أول يوم عمل لها.
ما أن سمع شاهين جملتها الأخيرة حتى وثب قائمًا وقد اسودت معالمه وخشنت نبرته حين قال:
_ما هذا الهراء! من التي بدأت بالعمل اليوم؟!
بطريقة مسرحية ضربت نور جبهتها بيدها وهي تقول بحزن مفتعل:
_ أوبس، هل يعقل أنك لا تعلم بأن هدى بدأت بالعمل في السفارة اليوم! أخ يا لهذه المهزلة.
لون التشفي ملامحها وتساقط من بين حروفها حين قالت:
_الآن أنا من يُشفق عليك فقد أصبحت سُمعتك بالوحل.
قهقه فراس بصخب فقد أصبحت قطته مشاكسة كثيرًا للحد الذي يجعله يود الآن التهامها… ولكن شاهين لم يدع له الفرصة فقد اندفع إلى الخارج كالثور الهائج… الذي تتراقص أمامه عباءة حمراء فتزيد من جنونه أكثر ومن يراه الآن يظن بأنه بصدد ارتكاب جريمة قتل… فقد كان يتشاجر مع خطواته وهو يسُب ويلعن ويتوعد لها بالهلاك فلم يلتفت لنداءات “جليلة” التي صدمها رؤيته بهذا الحال خاصةً حين دلف إلى غرفته المشتركة مع “هدى” وهو يغلق الباب خلفه بعنف… جعل جسد تلك الأخيرة ينتفض هلعًا خاصةً حين التفتت لتراه بتلك الهيئة المرعبة… والشرر يتطاير من عينيه ولهجته حين هسهس قائلاً:
_هل حقًا خرجتِ إلى العمل من دون أن تُعلميني؟!
ابتلعت ريقها بصعوبة بعد أن فرت شجاعتها أمامه ولكنها علمت بأن وقت المواجهة قد حان؛ لذا حاولت استعادة جأشها وهي تقول بجمود:
_نعم فعلت.
اشتدت شراسة معالمه وهو يتقدم منها قائلًا بجهامة:
_كيف تجرؤين على فعل ذلك؟!
بالكاد استطاعت السيطرة على قدميها التي تتوسل إليها الهرب من أمامه الآن… فهي لأول مرة بحياتها تراه غاضبًا إلى هذا الحد… ولكنها لا تملك مفر من الثبات أمامه فهي معها كل الحق بتجاوزه:
_ أجرؤ على فعل كل شيء ما دام أنه ليس خطأ وأيضًا هذه هي حياتي لي الحق بأن أُسيرها كيفما أشاء.
تجاهل غصة أصقلت جوفه وقال بسخرية تتنافى مع شراسة معالمه:
_هل برأيكِ أن تذهب الزوجة إلى العمل دون أن تُعلِم زوجها ليس خطأ؟!
هدرت بغضب يمتزج مع ألمها القاتل الذي تبلور بعينيها وهي تقول:
_لقد أخرجتك من حياتي مُنذ ذلك اليوم؛ لذا لا تنتظر مني أن أُعلمك أي شيء يخُصني.
توقعت منه الصراخ وتحطيم كل شيء حولها وحتى صفعها ولكنها أبدًا لم تتوقع هدوئه المباغت ونبرته الجامدة حين قال:
_وهل فكرتِ بتبعيات فعلتك يا تُرى؟!
جاء جوابها مُقتضبًا حين قالت:
_لا يستحق الأمر أن أضيع وقتي بالتفكير فيه.
شيء واحد يمنعه من دق عنقها الآن وهي تلك اللمعة التي تتبلور في عينيها اللتين تهتز جفونهما من فرط ما تحمله من عبرات… فقد كان يعلم أنها تفعل ذلك فقط لتغضبه ولتثأر لكرامتها وقد توقع ذلك بعد رؤيته لها في الحفل بذلك التغيير الهائل في مظهرها:
_إذن وأنا أيضًا لن أُضيع وقتي في الحديث به .. لذا كوني عاقلة ولا تُكرري فعلتكِ هذه مرة أخرى وانسي أمر هذا العمل إلى الأبد.
بدلاً من أن تُثير جنونه فعل هو بلهجته الآمرة وطريقته التي توحي بأنها عبدة عنده خاصةً حين وجدته يلتفت ينوي المغادرة… فلم تتمالك نفسها وأخذت تُدبدب بقدميها على الأرض كالأطفال وهي تصرخ بانفعال:
_كُف عن التدخُل بحياتي وإلقاء الأوامر فسأفعل ما يحلو لي ولتذهب أنت وأوامرك إلى الجحيم.
طرقات حذائها العالي الكعبين على الأرض كان له وقعًا قويًا على أُذنيه فالتفت ينظر إليها وسُرعان ما احتدمت نظراته وهو يرى تلك التنورة القصيرة التي تصل لفوق ركبتها… وذلك القميص الذي يلتصق بجسدها بتلك الفتحة التي تبرز مقدمة صدرها بطريقة أججت نيران رغبته وهو زوجها فكيف إن رآها رجل آخر، لم يحتمل هذا الشعور فزمجر بوحشية:
_من سمح لكِ بارتداء هذه الملابس؟! أن يظهر نصف جسدكِ أمام الرجال ليس خطأ أيضًا!
تجاهلت جملته الأخيرة وقالت بجفاء:
_ومن قال لك أني أنتظر من أحدهم السماح لي بارتداء ما أُريد؟!
يعلم أنها الآن تحاول استفزازه بتلك الطريقة فهي منذ أن علمت بحادثة زواجه لم تتحدث معه وقد كان يتوقع انفجار منها ما أن يحدُث بينهما أي حديث؛ لذا قطع الفرصة عليها وهو يقول بتحذير:
_ انظري إليّ لا تُثيري غضبي الآن ولا تقومي بارتداء هذه الأشياء مرة أخرى.
قاطعته بعنف:
_لست في وضع يُمكنك إلقاء الأوامر عليّ.
تشدق ساخرًا:
_حقًا؟!
_نعم.
تأججت نيرانه أكثر والتي كان يحاول قمعها قدر الإمكان ولكن تحديها وفتنتها بهذه الملابس كان لهما وقعًا قويًا على ثباته؛ لذا اقترب منها قائلاً باستفزاز:
_ مُخطئة فأنا لا يمكنني إلقاء الأوامر فقط… بل وإجباركِ أيضًا على تنفيذها.
كان على الطريق الصحيح فقد هبت عاصفتها الهوجاء حين صاحت مغلولة:
_لا تملِك حق إجباري على شيء.
طافت عيناه بوقاحة عليها وهو يقول بخشونة:
_اسمعيني جيدًا، ما دُمت زوجتي وتعيشين تحت سقفي فأنتِ تحت إمرتي هل هذا واضح؟!
صاحت بقهر منبعه جرح ما زال ينزف بقلبها:
_مُجبرة، أنا هنا مُجبرة، ولهذا لا أستطيع تحمل أي إجبار آخر.
لامس حزنها قلبه فقال بلهجة هادئة:
_هدى صدقًا لا أود أذيتكِ أكثر.
قاطعته ساخرة:
_رجاءً لا تُعطي لنفسك هذا القدر، من أنت لتؤذيني؟! بالنسبة إلي أنت والهواء واحد، فأنا حقًا لا أراك.
يُجيد التلاعب بالكلمات فهذه وظيفته في قضاياه وإلا لما لمع في مهنة المحاماة فقد كان ماهرًا في قلب كل شيء ليصل في كفته؛ لذلك تحدث بلهجة فاحت منها رائحة الكبر:
_ولكنكِ لا تستطيعين العيش من دوني.
صاحت مغلولة:
_مغرور أحمق.
عاندها باستمتاع:
_بل هي حقيقة يُعميكِ الغضب عنها.
لم تلحظ اقترابه إلى هذا الحد حتى بات على بعد خطوةً واحدةً فقد كانت مُنشغلة برد هجماته بأقوى منها؛ لذا تحدثت بجفاء يشوبه السخرية:
_لا هي أحلامك البائسة، إن كنت تظن أن لك مكان بحياتي بعد ما فعلت أو أنك تؤثر فيّ ولو بهذا القدر فأنت مخطئ.
أظلمت عيناه أكثر من حديثها وتغلبت مشاعره القوية إضافة إلى فتنتها التي لم يستطع مقاومتها أكثر فهمس بلهجة موقدة:
_يروق لي هذا التحدي كثيرًا.
لم تكد تستوعب ما يقصد حتى وجدت نفسها أسيرة لذراعيه التي جذبتها لتصطدم بصدره القاسي، بينما اقتنصت شفاهه خاصتها بشغفٍ قاتل تملكه نحوها وعزز ذلك شوقه الضاري لها والذي كان يحاول التبرأ منه… ولكن هيهات أن يستطع الصمود أكثر من ذلك فقد قادته بأفعالها وتحديها إلى الجنون الذي كان يسكُبه بولع على ضفتي شفاهها دون أن يُتيح لها أي فرصة لمقاومته… فقد كان يُكبل جسدها وروحها بأصفاد ساخنة قذفت حممها إلى قلبها وسائر جسدها، الذي تحولت كراته إلى نيران هوجاء فلم تُمانع وهو يتراجع بها ليسندها على الحائط خلفها حتى يُحكِم سيطرته عليها أكثر، فنهمه إليها قاتل للحد الذي جعله يغترف من حسنها بقسوة كانت الشيء الوحيد للارتواء من قربها… ولكنه أشفق على رئتيها اللتين كادتا أن تنفجران طلبًا لبعض الهواء وعلى مضض تركها، بينما ذراعيه لم تفعل المثل مع خصرها وكأنه لم يكتفِ فقام بجذب خصلها للخلف ليتسنى له التنعم بمطالعة حُسنها عن قرب والتمتع برؤية تأثيره بها، بينما همست شفاهه أمام خلصتها بلهجة محرورة:
_ لو تعلمين كم كنت أتوق لفعل هذا مُنذ أن رأيتكِ في الحفل بذلك الثوب اللعين.
همست بخزي من استسلامها المُهين له:
_ابتعد عني.
ارتفعت يده تمسكها بقوة من فكها قائلًا بهمس مُستعر:
_وأيضًا لتعلمي بأن سيطرتي عليكِ مُطلقة وأن انتمائكِ لي لا جدال فيه.
كلماته أشعلت نيران هوجاء بداخلها فباغتته بدفعه قويه جعلته يتراجع للخلف خطوة وهي تقول بقسوة:
إذن أنصحك بألا تفعل هذا مرًة أخرى لألا يُصاب غرورك المريض بصفعة رفض قاسية لن أتردد في توجيها لك ..
يعرف جيداً كيف يلعب بإعداداتها فقد تجاهل تهديدها قائلاً بنبرة شغوفة:
مضى وقتاً طويلاً حتى رأيت عيناكِ تبرقان هكذا .. تقريباً مُنذ آخر لقاء جمعنا.. تري هل تتوقين إلي بتلك الطريقة ؟ و هل هذه دعوة لتكرار هذا اللقاء ؟
أن تركت له المجال ولو قليلًا فسيُصيبها بسكتة قلبية لذا استخدمت نفس حيلته حين حاولت تهدئة انفعالاتها لتقول ساخرة:
بأحلامك.. أي لقاء قد يجمعنا لن يتجاوز حدود الأحلام ..
رفع يده يحك بها فكه وعيناه تُبحران علي جسدها بوقاحة :
أنا بارع بتحقيق أحلامي لذا فأنا مُطمئن أن لقائنا قريب للغاية ..
أوشكت على صفعه ولكن رنين هاتفها أوقفها عن ذلك و ما أن توجهت إلى الطاولة خلفه لتري من المتصل تفاجأت بيديه التي التقطته قبلها و قد تحولت نظراته إلى الجنون وهو يزمجر بشراسة
لماذا يتصل بكِ هذا الرجل؟
تجاهلت توترها و صخب قلبها مما يحدُث وقالت بجفاء:
_ هل يُمكن لأنه الطبيب الذي يُتابع حالة ابنتك
لم تُعجبه إجابتها ولكنه اكتفى بالصمت مع نظرات متوعدة أربكتها ولكنها تصنمت بمكانها حين وجدته يلتفت و يُلقي هاتفها في الحائط بقوة ليتهشم أمام عينيها التي كانت تبرق من شدة الصدمة ..
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية كواسر أخضعها العشق)