رواية كواسر أخضعها العشق الفصل العاشر 10 بقلم نورهان آل عشري
رواية كواسر أخضعها العشق الفصل العاشر 10 بقلم نورهان آل عشري
رواية كواسر أخضعها العشق البارت العاشر
رواية كواسر أخضعها العشق الجزء العاشر
رواية كواسر أخضعها العشق الحلقة العاشرة
إلي اين يذهب الإنسان حين تخونه كل الأماكن المُفضلة و تلفظه كل الشوارع و الطرقات المُحببة ، حين يتلفت في جميع الاتجاهات ليجد نفسه وحيدًا بعد أن خسر معركته في هذه الحياة دون أن يعرف بأي ذنب هُزِم !
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
_”نور” أريدك حالًا في غرفتي.
فوجئت “نور” من والدتها التي أرسلت لها رسالة نصية على هاتفها مما جعل الدهشة تُخيم على ملامحها ولكنها بالنهاية لم تجد مفرًا من الذهاب إليها وتجاهل ذلك الثُقل الذي يرثو فوق قلبها مما قد تخبرها به، فهي تشعر بمدى حنقها كلما رأت “فراس” بالقرب منها وقد كانت تحاول أن تتجاهلها قدر الإمكان ولكن الآن لم يعد أمامها شيء سوى المواجهة؛ لذا تركت ما بيدها من أدوات فقد كانت تضع اللمسات الأخيرة على التصميم الذي يخص هذا الفندق فقد أخذ الأمر منها أسبوعًا كما أخبرها وقد اجتهدت كثيرًا وبذلت ما بوسعها حتى تكون النهاية مُرضية وخاصةً حين شعرت أن هذا العمل بمثابة اختبار لها إن كانت جديرة بالعمل معه أم لا،
أخذت نفسًا طويلًا قبل أن تقوم بالطرق على باب غرفة والدتها التي سمحت لها بالدخول فأطلت برأسها من الباب لتجدها تقف أمام الشرفة تنتظر قدومها… فدلفت إلى الداخل مغلقة الباب خلفها… ثم اقتربت من “فريال” بهدوء فباغتتها الأخيرة بالحديث بجفاء:
_جاء وقت تنفيذ ما اتفقنا عليه “نور”، هل أنتِ مستعدة؟!
جلبة قوية اجتاحت صدرها لتشق عليها أمر التنفس مما جعل حلقها يجف وهي لا تعلم بماذا تجيب والدتها التي تابعت باستفهام ساخر:
_هل أكلت القط لسانك يا تُرى؟!
نظفت حلقها قبل أن تقول بتوتر:
_لا ولكني أنتظر أن تُكملي حديثك.
“فريال” بجفاء:
_حسنًا، “فراس” يُخطط لإدخال شحنة كبيرة من السلاح إلى البلاد، أريدك أن تعلمي ميعاد استلام تلك الشحنة ومكان تخزينها.
هوى قلبها رعبًا حين اخترقت مسامعها كلمات والدتها التي كانت تتابع كل انفعالاتها بترقب ومن المؤكد أنها حتمًا لاحظت امتقاع وجهها فما يحدث ليس عادلًا فما تُريد والدتها معرفته موجود بخزانته في الأسفل، وقفت متكتفة أمام هذا المأزق الذي وضعتها به الحياة ولا تملك أي سبيل للهرب منه، سحبت نفسًا قويًا عبأ صدرها قبل أن تقول بجمود وهي تتوارى خلف خداع واهي كان هو مُنقذها من هذا المنعطف الحاد:
_حسنًا.
“فريال” بتهكم:
_من الجيد أنكِ أخيرًا استطعتِ إخراج صوتك.
حاولت الحديث بملامح حيادية لا تعكس شعورها:
_فقط كنت أفكر في كيفيه فعل ذلك.
“فريال” بسخرية:
_ لا تقلقي أنا مُتأكدة من أنكِ ستنجحين بذلك مهما كانت الطريقة.
تفشت علة الفضول بقلبها فاستفهمت قائلة:
_على ماذا تستندين بحديثك هذا؟!
لون المكر ملامحها وهي تقول بفخر زائف:
_ على ما أراه يحدُث بينكما عزيزتي، فأنتِ لستِ ساذجة كما ظننتك.
خيم الذهول على ملامحها وفي نبرتها حين قالت:
_ما الذي تقصدينه؟! أنا لا أفهمك.
_ أخضعتِ الوحش، هنيئًا لكِ.
هكذا أجابتها بسخرية فتجاهلت “نور” مُنحنى الرد فقد نالت من تلك المرأة ما يكفي من الخُذلان الذي جعلها تكتفي فلم يعُد هناك مكان لجرح جديد منها؛ لذا قالت بجفاء:
_هل تُريدين مني شيئًا آخر؟!
“فريال” بحنان زائف:
_لا حبيبتي، يكفي أن تفعلي ما طلبته منكِ.
أومأت “نور” بصمت وهمت بالالتفات تنوي المغادرة فأوقفتها كلمات “فريال” المشبعة بالزيف والخداع:
_تذكري يا “نور” أن ما تفعليه سيجعل والدك يرتاح بقبره ويفخر بامتلاكه ابنة مثلك، لم تنسه وسط فوضى الشعور وفضلت الأخذ بثأره على مصالحها الشخصية،
ودت بأن تلتفت لتصرخ بوجه تلك المرأة المُسماة بوالدتها وتُخبرها أي نوع من الجحيم هذا الذي تُلقيها به ولكنها تعلم أن ذلك لن يلقى صداه داخلها؛ لذا ابتلعت ألمها الحارق وتوجهت إلى باب الغرفة لتغادر هذا الجحيم.
***********
_استمعي إلي يا “هناء”، لن تُفلتي هذا الرجل من يدك أبدًا هل تفهمين؟!
هكذا تحدثت “صابرين” والدة “هناء” بغضب فهبت الأخيرة غاضبة:
_ ماذا عليّ أن أفعل هل أتوسل له كي يأتي؟!
_إن لزم الأمر فستفعلين، فكري جيدًا من أين ستحصلين على رجل مثله مرة أخرى؟! إنه غني ومحامي لامع وعائلته من أغنى أغنياء البلاد، كما أنه شاب وسيم جميع الفتيات تتمنى ولو نظرة واحدة منه.
صاحت مغلولة:
_لا أحتاج منك أن تُذكريني بميزاته فأنا أكثر من يعلمها ولهذا أنا أحترق أمامك الآن.
“صابرين” بحنق:
_ستحترقين أكثر لو أطلقتِ العنان لغبائك ليقودك هكذا.
_ماذا فعلت أنا؟!
“صابرين” بتقريع:
_ فعلتِ المستحيل لتحصلي عليه حتى أنكِ لازمتي المنزل لأكثر من ثلاثة أشهر؛ حتى تظهرين أمامه بمظهر الفتاة الهادئة المحترمة، والآن بكل غباء تظهرين وجهك الحقيقي وتتشاجرين معه لأجل السهر والتسكع مع أولئك الحثالة! وتسألين حقًا ماذا فعلتِ؟!
هدرت بانفعال:
_لقد مللت يا أمي لا أُجيد الجلوس في المنزل هكذا وأيضًا أنا غاضبة منه كثيرًا فمنذ أن عدنا من ما يُسمى بشهر العسل لم أره، ويريد مني الالتزام في البيت كامرأة عانس، لا خروج ولا سهر ولا أي متعة، هذه ليست الحياة التي كنت أظن أنني سأحياها برفقته.
_منذ أن كان عمرك ثمانية عشر عامًا وأنتِ تخرجين وتسهرين كل يوم، ألم تملي من فعل تلك الأشياء اللعينة لمدة عشر سنوات؟!
“هناء” بانفعال:
_هذه هي حياتي ولأجل ذلك تزوجته؛ لكي يوفر لي الإمكانيات لعيشها بطريقة أفضل.
زفرت “صابرين” بتعب قبل أن تصيح:
_إذن سيضيع “شاهين” من يدك وحينها ستخسرين، ولا تظني أنه بإمكانك أن تستندي حقوقك التي لا تساوي قرشين أمام أمواله الطائلة.
داهمتها حوافر القلق فأخذت تشرد أمامها وهي تفكر في حديث والدتها التي قالت بجفاء:
_فكري مليًا واعلمي أن هذا الرجل ذكي جدًا فهو يمهلك الفرصة كي تكوني مثلما يريد وإن تماديتِ أو فكرتِ بخداعه سيُلقي بك عند أول مفترق طرق ولن يتلفت إلى الوراء أبدًا.
***********
كانت تجلس في شُرفة غرفتها تنظُر بشرود حولها وعقلها يعمل كالآلة تُريد الخلاص ولا تُدرك أين تاه دربه، تقف عند مُفترق طُرق أن خطت قدماها بأيًا مِنهُما لن تستطيع التراجع أبدًا… ناهيك أن خطوتها القادمة ستُحدد مسار حياتها القادمة، إن كانت جنة برفقته أو جحيمًا من دونه وللحظة تمنت أن تراه الآن؛ لتستند بثقلها فوق صدره الذي كان يحتوي جزعها ويمتص طاقتها السوداء حين تحتويها ذراعيه وكأنها تُخبرانها بأن كل شيء يكون على ما يرام ما دامت برفقته.
أخرجها من شرودها رنين هاتفها الذي التقطه لرؤية المتصل فشعرت بقلبها ينتفض كطفل صغير حين وجدت اسمه يضيء شاشة هاتفها وكأنه شعر بها فقد كانت تحتاجه بشدة.
نظفت حلقها قبل أن تجيب بلهجة هادئة:
_”فراس”.
باغتها حين قال بلهجة خشنة:
_كنتِ تُفكرين بي أليس كذلك؟!
عاندت شوقها واحتياجها إليه وهي تحتال عليه قائلة:
_لا من أخبرك ذلك؟!
كان يتوقع إجابتها؛ لذا قال بتخابث:
_إذن لما خداك مُحمران بتلك الطريقة المغوية؟
هبت من مكانها وهي تقول باندفاع:
_هل تراني؟! أين أنتَ؟! هل أتيت؟!
وصلها صوت قهقهاته الرجولية التي أثارت زوبعة من المشاعر داخل قلبها وخاصةً حين قال يُعري شوقها الضاري له:
_هذا يعني أنكِ كنتِ تفكرين بي، لما الكذب إذن؟!
تعاظم الحنق بداخلها كونه فطن إلى كذبها فهدرت بغضب:
_لأنك مغرور لعين.
ابتسم على غضبها وقال محذرًا:
_ لسانك يا فتاة، أعدك بأن ثاني شيء سأفعله ما إن أراكِ هو معاقبة ذلك اللسان السليط.
تراقصت دقات قلبها على أنغام كلماته وهمست بخجل:
_وما هو أول شيء ستفعله إذن؟!
أجابها “فراس” بنبرة موقدة تحمل الشغف واللوعة:
_سأعانقك حتى تئِن عظامك بين ذراعي.
أشعلت كلماته بركانها الثائر بداخلها ولكنها حاولت تجاهل تأثيره عليها وهي تقول بغنج:
_مُفترس.
أجابها صوته الرجولي الخافت:
_لا بل مُشتاق.
تراقصت أضلُعها بداخلها من فرط السعادة فقد كانت تُشبه أرضًا قاحلة تتعطش لقطرات المطر حتى تلتئم صدوعها وشروخ قلبها؛ لذا حاولت أن تغترف من عشقه المزيد… فتظاهرت بأنها لم تسمع حين قالت:
_ لم أسمع جيدًا ماذا قلت؟!
شعر بحاجتها إليه التي كنقطة في بحر احتياجه لها فقال بهمس محترق:
_أقول اشتقت إليكِ للحد الذي سيجعلني أُعانقك حتى تئِن عظامك طالبة للرحمة.
لمعت نجوم الحب في سماء عينيها وتأجج لهيب الشغف بداخلها فهمست بنبرة محرورة:
_ ألم أقل أنك مفترس؟!
باغتها حين قال بلهجة خشنة مُستعِرة بلهيب الصبوة:
_وذلك المفترس يريد رؤيتك الآن.
لم تكد تجيبه حتى فوجئت بسيارته التي دخلت من بوابة القصر فقالت بلهفة:
_هل أتيتَ؟!
_لا بل سيارتي هي من أتت لتجلبك إليّ، فاليوم سأتأخر وهناك بعض الأوراق الهامة التي أريدك أن تجلبيها إليّ.
ما إن أنهى جملته الأخيرة حتى تولد شعورًا بالقلق داخلها أدى إلى ارتجاف صوتها حين قالت:
_أي أوراق؟!
“فراس” بعُجالة:
_هل تذكرين الملف الذي أعطاني إياه “شاهين” ذلك اليوم الخاص بشحنة الأسلحة؟!
هوى قلبها بين ضلوعها وتلاحقت الأنفاس بصدرها وهي تجيبه:
_نعم أذكره.
_أحتاج إلى هذا الملف الآن ولا أثق بشخص آخر غيرك حتى يجلبه لي، هل تستطيعين ذلك؟!
لم تعد أقدامها قادرة على حملها فهوت على الأريكة خلفها، فها هو القدر يضعها وجهًا لوجه أمام مطرقة الاختيار، بل ويُجبرها على المواجهة التي كانت تحاول بكل الطرق الهروب منها.
_” نور” هل تسمعينني؟!
هكذا صاح “فراس” بنبرة مرتفعة، فأجابته بارتباك:
_نعم أنا اسمعك، أجل أستطيع.
“فراس” بعجالة:
“حسنًا في غرفة الملابس تحديدًا في الرف الثالث ستجدين مِفتاح الخزانة اجلبيه وقومي بفتحها وجلب الملف ثم اغلقيها جيدًا وأعيدي المفتاح إلى مكانه وسيأتي بكِ السائق إلي.
اكتفت بقول كلمة واحدة:
_حسنا.
أغلقت الهاتف وهي تغمِض عينيها بألم شعرت به يغزو سائر جسدها… فقد وصلت إلى نقطة اللا رجوع وعليها الاختيار الآن على أي الجانبين عليها أن تقف.
تشعُر وكأنها مكبلة من عنقها بأصفاد قويه تجذبها تجاه حق والدها و الأخذ بثأره… علماً بأنه هُناك شيء داخلها يُخبرها بأن الأمر ليس كما تصفه والدتها… وأصفاد أخرى منبعها قلبها الذي يتعلق بعشقه ولا يريد التفريط به بل ويتمسك به بكل ما أوتي من قوة ولا ينفك أن يُردد على مسامعها بأن “فراس” ليس ذلك الشخص السيئ كما تحاول والدتها أن تصفه، وكلما أحكم أحد الطرفين على موقفه تشعر بأنها تختنق حتى كادت أن تصرخ بملء صوتها قائلة:
كفى فلم يعد بمقدورها التحمل أكثر.
توجهت إلى حيث أخبرها عن مكان المفتاح ووجدته في مكانه فأخذته والتقطت حقيبة يدها لتتوجه إلى الأسفل وهي تحاول أن تصُم أذنيها إلى الاستماع لأي من تلك الأصوات التي تزأر بداخلها ونفذت ما أمرها به وحين أمسكت بالملف توقفت للحظات تنظر إليه وإلى الهاتف في يدها الأخرى تُنازع رغبة تحثها على نسخه وأخرى تنهاها عن ذلك وتُذكرها بأنه يثق بها للحد الذي يجعله يضع ملفًا بهذه الخطورة بين يديها… بينما أخذت كلماته تنخر بقلبها وهو يقول:
_ لا أثق بشخص آخر غيرك حتى يجلبه لي.
حسمت أمرها وقامت بمسح عبراتها التي كانت تتدحرج على خديها حتى سقطت على الملف في يدها وتوجهت إلى حيث ينتظرها السائق واستقلت السيارة تحاول أن لا تفكر فيما فعلته وماهي عواقبه، بعد نصف ساعة كانت تترجل من السيارة أمام الشركة لتشق طريقها بين الموظفين قاصدة الطابق التاسع حيث مكتبه الذي ما إن وصلته حتى سحبت نفسًا قويًا بداخلها عله يهدئ من توترها قليلًا قبل أن تقوم بطرق الباب ليأتيها صوته يأمرها بالدخول وما إن أطلت برأسها من الباب حتى وجدته يترُك كل شيء ويتقدم منها ليسحبها إليه بغتة هاويًا على شفتيها بقبلة كاسحة قضت على حيرتها و تخبطها وأشعلت بجسدها نيران الشوق التي كان إضعافها بقلبه فصار يعمق اقترابه أكثر وهو يشدد من عناقها والتهامها بشغف كان أكبر بكثير من أن يُمكنها مجاراته فتركت له الأمر ليقودها عشقه كيفما يشاء حتى انتهى بها الحال مستندة على صدره الذي كان يعلو ويهبط من فرط الانفعال وكذلك جسدها الذي كان يرتجف بين ذراعيه من شدة المشاعر التي بثها إياها لتتفاجئ به يضع قبلة دافئة فوق جبهتها فرفعت رأسها تناظره فأسرتها عيناه اللتان أطلت منهما نبرة لمع بها شيء للحظة ربما كان امتنانًا لا تعرف فقد ضاعت في حلاوة كلماته حين همس بنبرة محترقة:
_ أي سحر تمتلكين بين شفاهك تلك؟!
أخفضت رأسها خجلًا فقام برفعها وهو يقول بصوتٍ أجش:
_لا تخفضي عينيكِ عني فلو تعلمين إلى أي درجة أشتاقهم.
همست بخفوت:
_ أخبرني إذن.
_ألا تشعرين؟!
تحدث وهو يُناظرها بعينين تتوهجان بنيران العشق الذي لم يُفصِح اللسان عنه بل تشاركت القلوب به سرًا ولكنها ولأول مرة بحياتها كانت جشعة، نهمة لكل شيء منه؛ لذا قالت تحثه على الحديث أكثر:
_ لقد كّنا معًا في الصباح أي منذ خمس ساعات هل اشتقت إليهما بتلك السرعة؟!
يعلم إلى أين تريد الوصول ولكن كان هناك الكثير مما يعوقه إضافة إلى أنه كان حديثًا في صف العاشقين فلم يكُن يعلم كيف يُصيغ كلماته لذا قال بخشونة:
_ سأترك الأمر لإحساسك أن يخبرك.
اغتاظت من إجابته فقالت بنبرة يشوبها الحدة:
_ولمَ لا تُخبرني أنتَ؟!
_لست ممن يُجيدون صياغة الكلمات.
هكذا أجابها بسلاسة ليزداد إصرارها وهي تقول:
_لا يهم، فلا أريد كلمات مُنمقة أو عبارات مُزخرفة، أُريد معرفة كيف تراني عينيك، حتى أنني سأكتفي بتشبيه يُماثِل ما تشعُر به هنا.
قالت جملتها الأخيرة وهي تشير بيدها إلى قلبه الذي انتفض تحت لمستها وتأججت مشاعره التواقة إليها والتي انسابت من بين شفتيه حين همس بنبرة متقدة:
_تُشبهين الأمان لبلدة يُحيط بها القصف من جميع الاتجاهات.
لم يترك للخوف مكانًا بقلبها؛ فقد احتل عشقه كل شيء، حتى عقلها خلع عباءة الحذر معه وانصاع خلف وهج الحب الذي احتدم بقلبها ما أن سمعت كلماته التي كانت اعترافا رائعًا بالحب لم تتوقعه أبدًا؛ لذا اندفعت تعانقه بكل ما أوتيت من شغف… حاوطتها به ذراعيه في عناق اكتملت به أرواحهما وتوحدت نبضاتهما بعزف سيمفونية العشق الأبدي الذي لا يقدر عليه سلطان.
أخرجهما من لُجة مشاعرهما ذلك الرنين المُستمر للهاتف فأطلق “فراس” لعناته وهو يترُكها على مضض ليتوجه إلى مكتبه مُجيبًا بينما كانت هي ما زلت تعاني انخفاض في ضغط القلب… الذي لم يستطع تحمل كل تلك المشاعر التي يبثها إياها فبقيت بمكانها لدقائق ريثما ينهي مكالمته ثم توجهت بخطوات هُلامية تضع الملف المنشود أمامه فالتف يُناظرها بعينين أظلمتا لثوان قبل أن يُعيد انتباهه إلى مكالمته التي ما إن انتهت حتى باغتته كلماتها حين قالت بعتب:
_لمَ تفعل هذه الأشياء السيئة؟!
قابل استفهامها بآخر حذر:
_أي الأشياء السيئة تقصدين؟!
أجابته نظراتها حين تفرقت بينه وبين الملف المُلقي أمامه على المكتب… فأخذ الأمر منه ثوان قبل أن يُجيبها باقتضاب:
_ليست كل الأشياء كما تبدو في الظاهر.
لم تكن تنتظر منه إجابة قد تشفي ظمأ فضولها الذي قمعته بداخلها خوفًا من معرفة حقائق قد تُعيدها إلى غياهب الألم مرة أخرى؛ لذا قامت بفتح حقيبتها وإخراج تصميم الفندق الذي كلفها به ووضعت التصميم أمام عينيه اللتين كانتا تراقبان معالمها بترقب وسرعان ما تبدلت نظراته إلى الدهشة حين وقعت على تصميمها الرائع والذي كان عبارة عن فندق على شكل صدفة بها لؤلؤة كان بها بنيان الفندق فقد بدا التصميم رائع ولكنه اكتفى بأن يقول باختصار:
_تصميم جيد ومختلف.
انكمشت ملامحها بحنق من كلماته البسيطة والتي كانت لا تفي تصميمها حقه فهدرت حانقة:
_هل هذا كل ما استطعت قوله؟!
فطن إلى حنقها مما جعل بسمة هادئة تلون ثغره فقال باستمتاع:
_أرى أنكِ مؤخرًا تخليتي عن طبيعتك القنوعة.
عاندته ساخرة:
_أنتَ الذي ما زلت تتمسك بطبيعتك البخيلة.
تعجبه شخصيتها الجديدة التي تشاكسه ولا تنفك عن مواجهته ومبارزته فقد كان يريد إخراجها من ثوب الضعف الذي كان يتلبسها.
توالت المكالمات حوله وانغمس في ممارسة أعماله وهي جالسه بصمت… ضاقت ذرعًا به فوثبت قائمة تلملم حاجياتها وهي تنتظر أن ينهي مكالمته حتى تخبره بعزمها على المغادرة ولكنها لم تحتج إلى ذلك؛ فقد كانت عينيه عليها لا تغفل حتى عن نفس ضاق بصدرها؛ لذا هم بإنهاء المكالمة وهو يتوجه تجاهها حيث تقف بجانب النافذة فيما امتدت يديه تعانق خصرها وهو يقول بخشونة:
_هل مللتِ؟!
تأثرت بقربه حتى خرجت لهجتها مبحوحة:
_لا ولكنِ لا أريد التأخر على “إياد” أكثر من ذلك.
نثر ورد عشقه على طول عنقها البض قبل أن يقول بنبرة خشنة:
_ أنتِ وهو بمثابة مكافأة من القدر لي.
لم تستطع منع نفسها من الالتفات تناظره بتوسل يناقض حدة لهجتها حين قالت:
_إذن حافظ على نفسك لأجلنا.
غاص بعينيها اللتين دكن لونهما دلالة على الخوف، فامتدت يديه ترجع خصلة من شعرها خلف أذنها التي تلمسها برقة تتنافى مع نبرته الجامدة حين قال:
_أخبريني ما الذي يؤرق تفكيرك هكذا؟!
لم تعلم كيف تُصيغ كلماتها وتجلى تخبطها بوضوح في عينيها ولم تفلح في إيقاف الكلمات حين اندفعت من بين شفاهها:
_ألا تخاف من ممارسة تلك الأعمال؟! أنت تُخالف القوانين ودولتنا لا تتهاون في مثل تلك الأمور.
بعثرة كلماتها كانت مرآة لهلعها الذي تحول لدهشة حين قال بفظاظة:
_قانون الدولة لا يشملني.
لم تكد تجيبه حتى جاء الطرق على الباب وقد كانت مُديرة مكتبه تُخبره عن موعد الاجتماع بعد عشر دقائق مما جعلها تقول بجفاء:
_سأغادر الآن نلتقي مساءً في المنزل.
أومأ بصمت فغادرت تفر من أمامه ومن وطأة وجع قاتل لا ينفك أن يعود إليها مرة أخرى مهما حاولت لفظه بعيدًا عنها، استقلت السيارة تنوي الذهاب إلى أي مكان عدا القصر؛ فهي لا تُريد رؤيه أحد وهي في تلك الحالة، فأمرت السائق أن يتوجه إلى المقابر وها هي تجلس أمام قبر أبيها تذرف أطنان الوجع الكامن بصدرها على هيئة عبرات لا تنضب ولا تنقص من وجعها شيء.
_أعلم أنك لو كنت موجود لما كنت أجرؤ على التفوه بحرف مما يدور بداخلي، ولكن أنت غير موجود وأنا أكاد أموت ألمًا ولا أجد أحدًا بهذا العالم أستطيع إخباره بوجعي.
هكذا تحدثت بقهر موطنه قلبها الذي تآزر به الوجع واستبد به الذنب… فأخذت تنوح باكيه حتى اخترق صوت نحيبها هدوء وسكينة المكان من حولها:
_أرجوك أن تُسامحني يا أبي، لم أستطع فعلها، أنا لسه بخائنة، لا أُجيد الغدر ولم أستطع أن أضربه بظهره.
تعالت شهقاتها وهي تسترسل في ذرف وجعها:
_كما أنني أشك كثيرًا بحديث والدتي والذي يتناقض أيضًا مع حديث عمي “زين” وشعوري بأن يديه ليست مُلطخة بدمائك.
أخفضت رأسها بتعب قبل أن تُضيف بحرقة:
_لا دخل لعشقي له بما أُخبرك به أقسم.
أخيرًا اعترفت بمشاعرها نحوه وهي تُتابع نحيبها وتتعالى شهقاتها التي كانت تشق جوفها من فرط قسوتها وأردفت بصدق:
_ولكن أعدك إن كان لي ثأر معه فسآخذه عيانًا، سأنظر إلى داخل عينيه وأخبره بأنني سأقتص منه لأجلك، لن أتوارى خلف خدع واهية وحيل قذرة.
صمتت لثوان قبل أن تقول بخفوت:
_لا يليق بي هذا، هكذا فقط يُمكنني أن أرقد بسلام.
**********
دلفت إلى القصر بعد يوم طويل من العمل الذي كان يخفف كثيرًا من وطأة ما تحمله من أثقال وأيضًا شعورها بأن لديها حياة خاصة خارج هذا السجن كان رائعًا.
_أخيرًا عادت السيدة ماري كوري من العمل.
هكذا استوقفتها كلمات “زينات” الساخرة وهي على وشك صعود الدرج… لتتوقف بمكانها تحاول قمع غضبها بشتى الطرق، لتحاول “زينات” استفزازها أكثر حين قالت بتهكم:
_هل أصبحنا أقل من مستواكِ فلا تنظري إلينا يا سيدة “هدى”؟!
التفتت “هدى” قائلة بجفاء:
_ليس أنتِ بل حديثك الساخر الذي لا يليق بامرأة في عمرك.
“زينات” بقسوة:
_لقد طال لسانك كثيرًا ولن أكون “زينات النعماني” إن لم أقصه،
العين بالعين والقسوة بالقسوة ولينال الظالم ما يستحقه.
_وأنا “هدى الوالي” ولا يستطيع أحد المساس بي، فلتضعي هذا في عقلك.
ناظرتها باحتقار شملها كليًا وتحدثت بنبرة ضمنتها أقصى درجة من التشفي والبغض:
_وهل لا أعلم، ولكن أود تذكيرك بأن والدك قد ألقى بكِ أمام عتبة بيتنا وكأنكِ عبأ أراد التخلص منه.
استقرت كلماتها كسهام مسمومة اخترقت جرحًا مُحتدم داخلها فجاءت كلماتها جريحة:
_ لأنه من سوء حظي أنه يشبهك.
صاحت “زينات” بغضب:
_قليلة الأدب.
استمدت قوتها من عمق جراحها الغائرة فقد حان الأوان لرد الصاع صاعين فقالت بقسوة:
_لا لست كذلك، بل أنا امرأة صريحه ليس إلا، ولتضعي في عقلك بأنه لا يستطيع أي شيء في هذا العالم كسري أو إزلالي.
جاءت ضحكة “زينات” الساخرة كوقود يُعزز رغبتها في الانتقام حين قالت بجفاء:
_أنا امرأة احتملت أن يتزوج عليها زوجها، أن يُلقي بها والدها على عتبة بابه، وأن يُناظرها الناس بشفقة، ولكن أتعلمين هناك سبب قوي لذلك.
تنبهت “زينات” لحديثها فتابعت “هدى” بقسوة:
_وهو أبنائي تحملت كل شيء لأجلهم… فقط لأجلهم، حتى لا يصبحوا مرضى نفسيين كأبنائك.
لم تحتمل “زينات” تلك الإهانة ورفعت يدها لتصفع “هدى” فأوقفتها يد “شاهين” الذي قبض على معصمها بعُنف تجلى في نبرته حين قال ينهرها:
_توقفي يا أمي.
مجيء “شاهين” في ذلك الوقت كان أمرًا غير متوقع ولكنها ستُحسن استخدامه في مصلحتها؛ لذا قالت بتخابث:
_زوجتك المصون ترى أننا مرضى نفسيين.
أكدت “هدى” على حديثها بنبرة قوية:
_نعم أرى ذلك.
نشب الغضب حوافره بقلبه فالتفت قائلًا بقسوة:
_إذن أمي محقة حين قالت أنكِ عديمة الاحترام.
_لا تقل هذا عن أمي.
أنهى “ليث” كلماته وتوجه إلى “هدى” يحتضنها وكأنه أرد أن يحميها من بطشهما فصاحت به “زينات” مغلولة:
_اذهب إلى غرفتك.
عاندها الصغير بجسارة:
_لا لن أتركك تؤذين أمي، لطالما كنت تصرخين عليها وترهقيها بالعمل الشاق.
شعرت بتبدل نظرات “شاهين” فارتبكت لثوان وهي تصرخ على الصغير:
_اخرس أيها الولد، قليل الاحترام مثل والدتك.
لم يتحمل الطفل قسوتها فصاح بانفعال:
_وأنتِ متوحشة وأنا أكرهك.
لم يتحمل شاهين فظاظة الطفل وتطاوله على والدته فقام برفع يده وصفعه بقوة وهو يزمجر بقسوة:
اخرس يا ولد.
وكأن صفعته سقطت فوق قلبها، فقامت باحتضان طفلها بينما جاءهم صوت “زين” الغاضب من الأعلى:
_ما الذي يحدث هُنا؟! هل مات صاحب هذا البيت لتتبادلوا الصراخ والصفعات بتلك الطريقة؟!
التمعت عبرات الألم في عين الصغير الذي أبى كبرياءه ذرفها على الرغم من قساوة الصفعة التي تركت بصماتها على خده الصغير للحد الذي آلم قلب “شاهين” كثيرًا فلم يحتمل التواجد بينهم وغادرهم قاصدًا غرفة المكتب لتترك “هدى” صغيرها مع “زين” وهي تلحقه بخطواتٍ مُشتعِلة بجحيم الغضب الذي تجلى في نبرتها وهي تقول:
_استمع إلي لن أسمح لك بالتعرض لابني مرة أخرى.
ارتفعت زاوية فمه بسخرية تجلت في نبرته حين قال:
_ابنك! ألا تُلاحظين أنني أكون والده؟!
“هدى” بسخرية متعمدة:
_والده! عذرًا كدت أنسى ذلك.
لم تمهله الوقت للحديث حين انفعلت نبرتها وهي تعيد تحذيرها له:
_أحذرك لا تقترب منه أبدًا.
صاح “شاهين” بغضب:
_بل أنا من يُحذرك من التدخل في تربيتي لابني.
تشدقت ساخرة:
_تربيته! وأين كنت أنتَ حين كنت أواصل الليل بالنهار أعتني به وهو محموم؟! أين كنت أنتَ حين كنت أسهر معه بالساعات للدراسة؟ وأين كنت أنتَ حين ضربه معلمه وجاء يبكي يبحث عنك حتى يحتمي بك ولم يجدك؟!
عددت خطاياه لتجعلها نُصب عينيه فلا يجرؤ على الهرب منها أو تجاوزها كي تُحجِم من أحقيته بهم وهي تقول بجفاء:
_استمع إليّ جيدًا، سأعيد عليك ما قلته لوالدتك، ما جعلني أحتمل وجودي في هذا المنزل اللعين هو أطفالي؛ لذا أمنعك من الاقتراب منهم أو أذيتهم فحينها لن أكتفي بموتك.
أيقظت كلماتها وحوشه الضاربة فزمجر غاضبًا:
_وتُهدديني أيضًا؟!
“هدى” بقوة:
_نعم أُهددك بألا تقترب منهم.
اقترب منها قاطعًا الخطوات التي تفصلهما وهو يقول بهسيس مرعب:
_ باستطاعتي أن أقتلع لسانك الآن ولكن أعلم أن ما تمُرين به ليس سهلًا؛ لذا سأتغاضى عن تلك التُرهات.
شعرت وكأن مطرقة قوية هوت على قلبها… فقد كانت تظنه يقصد حادثة زواجه… فامتقع وجهها من فرط الألم الذي غيب عقلها أيضًا… فتولى الحقد زمام الأمور يُغذي انتقام أهوج جعلها تبرع في تسديد سهمها لينفذ إلى أعماق جراحه الغائرة:
_أنا أيضًا أعذرك لقسوتك مع “ليث” فعلاقتي به تؤلمك وتبرز ذلك النقص في داخلك، فليث والدته تحبه وتهتم به أما أنتَ والدتك لطالما نبذتك ولم تحبك يومًا.
لم يتخيل يومًا أن تكن نهايته على يديها، قتلته كلماتها التي رواها ذات يوم إلى قلبها وهو بين أحضانها يتوسل ألا تُذيقه مرارتها يومًا وها هي الآن تذبحه بسكين اعترافاته السابقة لها مما حول الألم الهائل بداخله إلى ألم مروع جعل يده تمتد إلى عنقها تخنقها بعنف وهو يصيح كأسد جريح:
_اخرسي.
أخذت عيناه تعاتب عينيها بعتاب مرير كيف تفعل به ذلك؟! ألم يكفيها تخليها عنه سابقاً والآن جاءت كلماتها لتنحر كبرياءه وتفتت قلبه وتقطع آخر خيوط اجتماعهما فقام بدفعها بكل قوته لتسقط أرضًا بينما صاح بقسوة:
_أنتِ طالق يا “هدى”.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية كواسر أخضعها العشق)