روايات

رواية نعيمي وجحيمها الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم أمل نصر

رواية نعيمي وجحيمها الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم أمل نصر

رواية نعيمي وجحيمها البارت الرابع والثلاثون

رواية نعيمي وجحيمها الجزء الرابع والثلاثون

نعيمي وجحيمها
نعيمي وجحيمها

رواية نعيمي وجحيمها الحلقة الرابعة والثلاثون

 ميري حبيبة قلبي؟
هتفت بها فور أن دلفت اليها بداخل غرفتها، لترتمي بجوارها على التخت مرددة بأسى تدعي اللوعة على رؤية انهيارها المفاجئ:
– حبيبتي مالك بس؟ ليه تزعلي وتقهري نفسك بالشكل ده؟
اعتدلت ميري بجذعها تصرخ باكية:
– عشان اتذليت ياميرفت، انا ميري الناس تمسك في سيرتي ويتقال ان جاسر رماني وفضل عليا الجربوعة دي انا يا مرفت؟
قالتها لتنخرط في بكاءها مرة أخرى، شددت عليها مرفت بذراعيها تُظهر التعاطف في صوتها:
– طب بس ياقلبي ماتزعليش وتقهري نفسك، انت كدة ممكن يحصلك حاجة وحشة لقدر الله، ماحدش هينفعك.
خرجت من أحضانها قائلة بغيظ اختلط ببكاءها:
– يامرفت انا اتهنت واتداست كرامتي، جاسر الغبي ماهمهوش منظري ولا منظره، لما فضل واحدة زي ده انا مشغلهاش عندي خدامة، خلى ناس متسواش تفرح وتشمت فيا، بقى انا ميري يحصل فيا كدة…..؟
انقطعت كلماتها بوصلة جديدة من البكاء والأخرى تقوم بوظيفتها على أكمل وجه، في التربيت على ظهرها بحنو زائف، حتى هدأت لتسألها بفضول ينبع من حقدها:
– طب والدك بقى، مش سامع باللي بيحصل معاكِ عشان يتصرف ويوقف كل واحد عند حده؟
– عدلت ميريهان بشعرها للخلف ويدها تمسح بالمحرمة الورقية على وجهها لترد ببعض الثبات:
– والدي شايف وفاهم كل حاجة، بس انا مقدرش اتكلم معاه، لأنه للأسف مش طايق يسمع صوتي من ساعة المواجهة مع جاسر ، لما قالوا اني بشرب وبسكر وبروح عند مارو شقته في مصر الجديدة.
تطلعت إليها مرفت بتفحص لتسألها بتوجس:
– مارو دا اللي كنتِ بترقصي معاه صح؟
اومأت لها ميري برأسها كإجابة، فتابعت مرفت سؤالها بهمس متردد:
– وانتِ فعلًا روحتي معاه شقته؟
هتفت ميري بانفعال
– وافرضي يعني روحت كام مرة، وهو ماله أصلًا؟ ولا هو قرف وخلاص؟
ابتعلت مرفت ما بحلقها من كلمات موبخة، فهذه الغبية تستحق كل ما يحدث معها، فقالت بمهادنة:
– انتِ حرة يا روحي وانا مالي يعني؟ المهم بقى انا سمعت ان خالتو لميا وعامر الريان رجعوا من السفر، هو الكلام دا بجد؟
اجابتها وقد بدأت تستعيد تماسكها:
– دا حقيقي ياروحي، دي حتى خالتو اتصلت بيا كمان، وانا كلمتها وانا منهارة على اللي عملوا ابنها معايا وباركتلها على النسب اللي يشرف!
انتبهت مرفت واشتعلت عيناها بالحماس لتسألها:
– وكان رد فعلها ايه ميري؟ قالت ايه ها؟
أجابتها ببعض التشفي:
– كانت ساكتة ومش عارفة ترد عليا بكلمة واحدة، بس انا فاهمة كويس قوي، بعد السكوت دا فيه ايه؟ دي خالتوا وانا عارفاها.
افتر ثغر الأخرى بابتسامة سعيدة قائلة بمكر:
– دي شكلها على كدة هاترحب بمرات ابنها الجديدة جامد.
ردت ميري وهي تبادلها ابتسامتها الخبيثة:
– أكيد ياقلبي، وخلي الأستاذ جاسر بقى يشرب ويشوف نتيجة اختياره اللي هايخسف بيه وبشركته الأرض، ولسة كمان لما والدي يتحرك، انا متأكدة انه مش هايسكت.
مطت شفتيها بابتسامة منتشية وقد أطربتها الكلمات قبل أن تجفل فجأة على صيحة ميريهان الغاضبة:
– بس انا بقى هاموت واعرف ابن ال…… اللي نشر الخبر الزفت ده، دا ولا كأنه كان قاصدني انا .
ابتلعت مرفت ريقها بتوتر وهي تشيح بوجهها عنها بتهرب حتى التفت إليها تجرها لحديث غيره:
– على فكرة ياميري صحيح نسيت اما اقولك، مش انا هاعمل حفلة بعد كام يوم كدة.
سألتها مندهشة:
– حفلة بمناسبة ايه بقى؟ هو انت مش عيد ميلادك كان قريب؟
عادت لطبيعتها تتكلم بأريحية وقد نجحت بصرف ميريهان عن حديث الصحفي والنشر:
– يابنتي ما انا مش عملاها لعيد ميلادي، انا عملاها لماهر ، اصل راجع في خلال يوم ولا يومين، اهو بقى منها حفل تعارف له ومنها احنا نعمل حاجة جديدة، نبين فيها جمالنا واناقتنا، أكيد أنتِ هاتحضري يا ميري، دا انت ملكة الأناقة والحفلات.
عضت ميري على شفتيها، وقد اكتنفها التردد وهو تتسائل
– طيب هي الناس مش هاتمسك سيرتي عشان متطلقة جديد؟ ولا بقى يشمتوا فيا زي اصحابي الأندال؟
ردت مرفت بتشدق لتقنعها:
– مين دا اللي يجرؤ يتكلم ولا يشمت فيكِ بحرف؟ هو انتِ ناسية انك بنت مين ولا صاحبتك اللي عاملة الحفلة نفسها تبقى مين؟ دا اللي يلمح بكلمة بس ، وحياتك عندي لكون طرداه شر طردة، دا انت حبيبتي واللي يمسك و يمسني
– قلبي بافيفي .
فالتها ميري بفرحة وهي تلف عليها ذراعيها لتضمها، والأخرى تردد ضاحكة:
– دا انتِ اللي قلبي يا روحي انتِ.
………………………
من الشرفة المتهالكة بالمنزل القديم، كان الفتيات الثلاثة يتطلعن للأسفل بانبهار وهن يتابعن شقيقتهن التي تترجل من السيارة برفقة رجلين من الحراس الشخصين، بشكل مهيب لفت أنظار المارة وسكان الحي هناك، شهقت صفية مخاطبة رقية الجالسة محلها وشط الصالة بمرح:
– يالهوي ياستي ع المنظر، بنت بنتك نازلة من العربية وحواليها الحرس ولا اكنها وزيرة ولا مرات المحافظ
هتفت رقية بين ترديدها بالآيات القراَنية والأدعيةالحافظة:
– كبري يابت وخمسي في وش كل راجل ولا ست شافوها ولا صلوش ع النبي.
طاوعتها صفية تردد بالاَدعية الحافظة وهي تراقب مع شقيقاتها دلوف زهرة لداخل المبنى.
بعد قليل
كان الفتيات الثلاثة ومعهم سمية والدتهم ملتفين حول زهرة المستندة برأسها على حجر جدتها وهي تمسد بكفها على شعرها بحنان، هي في أشد الحاجة اليه الان، مع هذه العواصف الدائرة برأسها من قلق وخوف وترقب لما سيحمله لها الغد، تعلم أنه متمسك بها ولكن أيضًا لا تدري الى متى سيظل كذلك، امام هذه الحروب الطاحنة التي تقابله بسببها.
– طب انتٍ قلقانة ليه بس يازهرة؟ مش جاسر باشا وقف كل واحد عند حده في الشركة ونصرك قدامهم؟
هتفت بالسؤال سمية، وأومأت لها زهرة بعيناها تتنهد بقنوط دون رد، فتدخلت صفية تقول:
– اما أمرك غريب يا أبلة زهرة، يعني بدل ما تبقي سعيدة وفرحانة دلوقتِ باللي حصل وجه في صالحك، تبقي زعلانة كدة وشايلة الهم.
تطلعت إليها زهرة بنظرة غامضة ثم ردت بابتسامة باهتة:
– معلش يا صفية بقى، اصل شكل اختك كدة خدت ع النكد وما بتعرفش تفرح .
خاطبتها سمية بعدم رضا:
– بعد الشر عليكِ ياحبيبتي من النكد ولا الكلام الفارغ، انتِ بس عشان متهابة، لكن بكرة لما تاخدي على الجو هاتحسي بجد ياحبيبتي ان ربنا كرمك.
اكملت على قولها صفية:
– اه والله يا أبلة ، دا انت ربنا بيحبك قوي عشان كدة بيكرمك، طب بذمتك ماخدتيش بالك من نظرات الناس وعيونهم اللي كانت هاتتلقع عليكِ وعلى عربيتك ولا الحراس كمان، دول وأكنهم بهوات بالبدل واللبس الأوبهة.
استجابت لها زهرة بابتسامة ودودة قبل أن تجفل على لكزة على ذراعها من بقبضة رقية وهي تسألها:
– اه صح يامنيلة انتٍ، جاية على حارتك بالحرس ليه؟ هي المنطقة غريبة عنك؟
اعتدلت بجذعها لتخرج عن صمتها وتجيب جدتها
– مش من دماغي والله ياستي، جاسر هو اللي اصر على كدة، دا حتى كمان شدد الحراسة على بيتنا وعليه هو شخصيًا.
ضيقت عيناها رقية بريبة فلحقتها سمية تقول:
– هو أدرى بظروفه ياجماعة، دا راجل كبارة واسمه مش هين في البلد، المهم بقى ياست زهرة فوقي كدة وقومي اتنشطي في قلب المكان، دا خالك موصيني على شوية اكل اعملهم ع الغدا النهاردة انما ايه عظمة،اصله هايجيب في ايده الاستاذه نوال، يعني القعدة هاتكمل بجمعة الحبايب
………………………….
شدد عامر من عناق ابنه بحرارة واشتياق، يقبله على رأسه ويريت على ظهره بخشونة محببة الى جاسر والذي كان متشبثًا به هو الاخر، يشعر وكأنه طفلًا صغير وجد حصنه الاَمن بعودة والده، فمتى كان السند متمثلًا في القوة فقط، في حضن الأباء، حتى في ضعفهم نجد قوتنا.
ابتعد اخيرًا عنه وعيناه تتلفت حوله في البهو يتمتم هامسًا:.
– هي فين دلوقتِ؟ مش شايفها يعني.
قالها بإشارة على والدته، عبس وجه عامر وهو يجلس على أريكته يقول بضيق:
– قاعدة في الجناح بتاعها فوق، مش طايقة تشوف وشي ولا تكلمني، من ساعة ما حكيت لها وهي واخدة موقف مني ومنعزلة، كل ما اجي اقرب منها، تصرخ في وشي وتسيب المكان كله.
زام بفمه جاسر ليرد وهو يمسح بأنامله على ذقته الخشنة بتوتر:
– لما انت مش طايقاك وواخدة منك جمب وبتصرخ فيك، امال انا هاتعمل معايا ايه بقى؟
تنهد عامر بقنوط يقول بأسف:
– بصراحة يا حبيبي ربنا يعينك، والدتك واخدة الموضوع قوي على كرامتها وصورتها اللي اتهزت وسط الناس، ورافضة أي منطق للحوار معاها، واللي زود كمان هو طلاقك لميري بنت اختها.
كز على أسنانه جاسر يقول بغيظ:
– وطبعًا أكيد الزفتة هي اللي اتصلت بيها وسخنتها زيادة عليا.
اومأ له عامر براسه، فغمغم جاسر ببعض الكلمات الحانقة، قبل أن ينهض متنهدًا بيأس:
– انا رايح لها، هاجرب حظي معاها واحاول، ربنا المعين.
– ونعم بالله ياحبيبي، انا جاي معاك.
………………………..
بشرفة غرفتها الواسعة والمطلة على الحديقة الخلفية بالمنزل كانت جالسة محلها ساكنة كالبركان الخامد، الذي يتنظر الفرصة فقط ليطلق حممه المشتعلة نحو الجميع دون تفريق، تتطلع نحو الأشجار والخضرة أمامها تارة ثم تعود لمتابعة الاخبار في الهاتف، ورسائل الأصدقاء المتعاطفة والشامتة بشياكة، والتعليقات الساخرة، انتبهت على الرائحة المميزة لعطر ابنها مع صوت خطواتهم خلفها حتى شعرت به يطبع قبلة كبيرة فوق رأسها ، مرددًا بصوت دافئ:
– حمد الله ع السلامة يا ست الكل.
حدجته بنظرة نارية دون أن ترد قبل أن تعود برأسها للأمام ، تبادل جاسر مع والده نظراتهم بيأس قبل أن يجلسان مقابلها على مقاعدهم.
تكلم عامر يخاطبها:
– وبعدين بقى يا لميا؟ دي مقابلة تقابلي بيها ابنك بعد غياب شهور عنه؟
التفت برأسها اليه قائلة بحدة:
– لا ما انا سيبتلك الزوق والحنية، مش انت بقى ابوه الحنين اللي بيداري عليه، حتى لو كان بيعمل مصيبة من غير ما يقدر العواقب اللي وراها.
صمت عامر عن الرد وقام جاسر بالنيابة عنه:
– مصيبة ايه يا أمي لقدر الله؟ دا جواز وعلى سنة الله ورسوله.
برقت عيناها الخضراء تناظره بتحدي:
– بجد، طيب ولما هو كدة ياجاسر باشا، خبيتوا عليا ليه ها؟ اتجوزتها في السر ليه قبل ما سيرتكم تبقى على كل لسان .
أجابها بقوة:
– للتوضيح ياأمي، انا ما اتجوزتش زهرة في السر ، انا بس ما أعلنتش، يعني تفرق، وبخصوص اني ما قولتلكيش فا انتِ عارفة السبب كويس.
– اهاا قصدك بنت خالتك اللي انت عملت بأصلك وطلقتها امبارح .
قالتها بسخرية أثارت غضبه فقال :
– والله يا أمي انتِ عارفة كويس ان بعمل بأصلي، زي ما بالظبط عارفة ومتأكدة ان طلاقي من بنت اختك، كان هايتم في أي وقت.
تخلت عن لهجتها العادية لتصيح بغضب:
– اه ومالقيتش غير امبارح عشان تتممه، دا بدل ما تلم فضيحتك مع بنت ال……
– لو سمحتي ياأمي ماتغلطليش.
قاطعاً بحدة هادرًا ليتابع:
– مش انا اللي بعمل الفضايح، لو عايزة تشوفي الفضايح بجد ، تعالي شوفي صور بنت اختك وهي بتشرب وترقص، ولا شوف صور الرجالة اللي كانت بتصاحبهم ، ولا اقولك تشوفي صورة الولد الاًخير طالب الجامعة وهي بتزوروا في بيته وهو عازب لوحده.
لم تتأثر لمياء في شجارها بالقول:
– وانت بقى بشطارتك حبيت تأدبها فقومت عملت زي الدبة اللي قتلت صاحبها لبست نفسك في بنت تاجر المخد*رات…
– كفاية ياأمي.
هدر بها ضاربًا بكفه على سطح الطالوة ، نهرها من جانبه عامر بصوت ضعيف ومجهد:
– بلاش الكلام ده يالميا عشان خاطري
ردت هي :
– وبلاش ليه؟ هو انا جيبت حاجة من عندي، مش دا الخبر اللي مالي الدنيا هنا .
ناطحها جاسر بالقول:
– حتى لو كان يا أمي، انا مايهمنيش غير زهرة
قالت لمياء وهي تشتعل من الغيظ:
– يعني برضوا بتتحدى الكل بحتة بنت زي دي، بتعاند نفسك ولا مين بس باجاسر؟
زفر مطولًا يشيح بوجهه عنها فتابعت هي سؤاله بتهكم:
– ماجبتهاش ليه بقى معاك؟ كنت خلتنا نتعرف بالنجمة.
رد جاسر غير مبالي بغضبها:
– مش هاجيبها ياست الكل ولا هاخليكِ تتعرفي عليها غير لما ابقى متأكد انك مش هاتهينيها ولا تعمليها وحش.
همت لترد بسخرية ولكن انتبهت على عامر الذي كان يمسك بقلبه، فاننفض الأثنان بلهفة عليه:
– عامر مالك؟
– مالك ياوالدي؟ حاسس بحاجة؟
رفع رأسه اليهم قائلًا :
– اطمنوا ماتقلقوش، انا بخير ان شاء الله
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
بنصف نومة ونصف جالسة كانت مستلقية على فراشها تراقب أمامها الهاتف الذي وضعته على وضع الصامت كلما أضاء بمكالماته التي لا حصر لها منذ الأمس، من وقت أن تركته بعد أن افصحت وحكت ما أقسمت بطمسه ودفنه بداخلها قديمًا، وعقلها الان يدور في دوائر الحيرة دون توقف، لا تصدق كيف فعلتها في لحظة ضعف لتنبش بأظافرها على جراحٍ قد ظنت بعقلها العقيم أنها اندملت وطابت، لماذا تشعر الان بقرب تهدم اسوراها؟ لماذا تعطيه بيدها منفذ كي يتسلل بخبثه إليها؟ وهي الأعلم بحقيقته وما يمثله هو بهيئته المتأنقة أشد كوابيسها رعبا!
تنهدت مثقلة وهي تعود برأسها للخلف تستعيد ذكرى قديمة انحفرت بداخلها كنفش حجر فرعوني أصيل.
” حينما ترجلت بسيارة الأجرة قريبًا من هذا المحل المشهور، لتزفر متأففة بضيق بعد أن حسمت قرارها ولانت تحت إلحاحها لتقابلها به، حينما ولجت أليه بداخلها لم تبحث كثيرًا، فقد انتبهت عليها بعد أن لوحت لها الأخرى بلهفة لتجلس معها على احدى الطاولات في جانب المحل بجوار الجدار الزجاجي الذي يكشف لها الخارج بكامله، صافحتها بحرارة تقبلها وتعانقها غير مبالية بنظرات رواد المحل حولها أخفت كاميليا امتعاضها وتجملت بالزوق معها على مضض حتى جلست، لتبدأ نبيلة في سؤالها:
– ها ياحبيبتي عاملة ايه؟ كويسة كدة وكويسين خواتك، الواد ميدو عامل ايه؟ خس عن الأول ولا لساته مكلبظ؟ أكيد مكلبظ صح؟
كانت تومئ برأسها مغمعمة بإجابات روتينية معتادة، حتى أتت على ذكر أخيها الصغير فلم تحتمل:
– مالك انتِ بميدو إن كان كبر ولا خس ولا تخن؟ يخصك في إيه؟
توقف سيل الأسئلة بحلق نبيلة لتخرج منها تنهيدة حارة قبل ترد بأسى:
– يعني زعلانة عشان بسأل عليه؟ خلاص ياستي مش هسأل لو كان دا هاريحك .
زفرت بضيق تشيح بوجهها عنها فهذه المرأة تتعمد بمسكنتها اخراج مارد الغضب منها بطرفة عين، وهي التي تجاهد للتماسك.
– أنا لو مش واثقة فيكِ وفي قلبك الحنين انتِ وابوكي ماكنتش هاسيبه؟
أردفت بها نبيلة فالتفت رأس كاميليا إليها بحدة، واستطردت الأخرى:
– انا عارفة اني اتصرفت بأنانية، لكن ما عملتش الحرام .
اشتعلت عيناها كاميليا بنيران الغضب ولكن نبيلة تابعت:
– يمكن ضعفت لكن مين مش بيضعف في الزمن ده؟ سمير ابن عمي كان هو حلمي وانا صغيرة، لكن لما سافر واتقدملي ابوكي رضيت بيه وعيشت معاه راضية ومتحملة ظروفه كمان، بس بقى لما رجع ومدلي ايده من تاني بدنيا حلوة وظروف مرتاحة مقدرتش ارفض…..
– كفاية يا ماما.
هتفت بها كاميليا توقف استرسالها بعدم احتمال، تداركت نبيلة نفسها، لتهادنها بلطف:
– اشربي عصيرك طب الأول وماتتعصبيش، انا بتكلم معاكِ عشان انتِ كبيرة وعاقلة.
زفرت حانقة كاميليا قبل ان تتناول كوب العصير الكبير، علّه يهدا ولو قليلًا انفعالها، راقبتها قليلًا نبيلة بصمت قبل أن تسألها:
– عاملة ايه في شغلك الجديد؟ بيقبضوكي كويس؟
تمتمت تجيبها:
– عادي يعني، المرتب مش كبير بس كويس بالنسبة لموظفة جديدة بعقد مؤقت.
قالت نبيلة بنبرة خفيضة غامضة:
– اممم، يعني على كدة لسة الظروف مزنقة معاكم في البيت.
تركت كاميليا كوبها تضعه بعنف على الطاولة لتسألها مضيفة عيناها:
– ممكن تجيبي من الاخر وتقولي انتِ عايزة؟ عشان بصراحة بقى المقدمات بتاعتك دي دايمًا بيبقى وراها حاجة.
فجأة التمعت عيناها نبيلة تجيبها بحماس:
– عريس ياكاميليا، زي القمر وغني، يعني هايعيشك برنسيسة، وكل اللي انتِ تشاوري عليه هايجيبه تحت رجليكِ بس انت توافقي.
عقدت حاجبيها بشدة لتسألها بدهشة:
– عريس مين؟ ودا يعرفني منين؟
ردت نبيلة متابعة بحماسٍ اشد:
-فاكرة لما نزلتي مع ابوكِ من سبوعين جنازة عمك اسماعيل في البلد، شافك هو باللبس الأسود هناك وعينه كانت هاتتطلع عليكِ، فضل يسأل بنت مين لحد اما عرف انك بنتي، جاني وكلمني مع عمك سمير ولما شاف صورك في الالبوم اتأكد من ظنه وطلب ايدك.
افتغر فاهاها للحظات تستوعب قبل ان تسألها ليتأكد ظنها:
– طلب إيدي من جوزك؟
– ايوة يا كاميليا ماهو يبقى ابن عمه.
– كمان ابن عمه!
هتفت بها غير قادرة على التحكم بعضبها لتكمل:
– هو انتِ عايزة ايه ياست انتِ بالظبط؟ يعني مش كفاية غدرتي بجوزك وسبتيه بعياله، كمان عايزة تحصريه على بنته؟ هو انتِ جنسك ايه؟
التفت بعيناها نبيلة حولها قبل أن تهمس ضاغطة على أسنانها:
– هدي شوية الناس بقت تنتبه على صوتك، ثم ايه لزومها العصبية دي كلها؟ دا انا رايدة مصلحتك يابت،
عريس غني هايشيلك انتِ وأهلك لو اتشرطتي عليه بمهر كبير او حساب في البنك، مش بدل الشغل والمرمطة وفي الاخر برضوا فقرا، ما تفكري بعقلك شوية، وإن كان على قربه من جوزي، يبقى نخبي ياستي ونتصرف، يابت دا انت الوحيدة في عيالي اللي طلعتي شبهي واخدة جمالي ومتعلمة كمان، وربنا جايبلك الفرصة الحلوة بدري اوي، يعني اقفشي فيها بقى.
– أنا مش شبهك.
قالتها حادة بعند، فقابلتها نبيلة بضحكة مستهجنة ترد:
– والنبي ايه! طب بصي في المراية الأول وانت تتأكدي.
شعرت بالقهر وهذه الحقيقة لطالما ازعجتها لدرجة جعلتها تكره المرأة والنظر فيها، تكره أن تصبح مثلها وتكره أن تكون شبهها، انتقلت عيناها للخارج لترى زوجها هذا الرجل الصبياني، بحلته الرمادية جالسًا في انتظارها على مقدمة السيارة يرمق النساء المارة بنظرات متفحصة وقحة والعلكة في فمه، هذا الملعون وكأنه يعود بالزمن للخلف عائدًا، عكس اباها الذي يتقدم به العمر يوميًا ويزداد شيبًا وتجعدًا ومرض، وكأن الزمن يكافئ الحقير، ويدهس بعنف على الطيب المسالم.
ضاق بها فضربت بكفها على سطح الطاولة وقد تهاوى كل تماسكها:
– انا مابتكلمش ع الشكل، انا بتكلم ع الشخصية، انا عمري ما هابقى زيك يانبيلة واسلم نفسي للي يدفع أكتر، عمري ما هاتجوز واحد يخوني ابدًا يا نبيلة، ولا هارضى باي راجل يتجوزني بس عشان شكلي ولا جسمي .
تبسمت نبيلة ترد باستخفاف:
– يبقى عمرك ماتتجوزي، لأن الكلام دا ينطبق على واحدة عادية، مش واحدة في جمالك ياعين أمك،
بتتبتري على النعمة اللي وهبهالك ربنا، طب خليكِ بخيابتك دي، وبكرة يدور بيكِ الزمن ياكاميليا وتتمني واحد زي عمك سمير دا، يصرف عليكِ ويدلعك عشان جمالك.
انتفضت من شرودها، واحتدت عيناها لتتذكر وعيدها الذي وفت به منذ سنوات طويلة، حينما اجتهدت وثابرت في عملها حتى وصلت لأعلى المناصب بمجهودها فقط لا لشئ آخر، لتفرض احترام نفسها على رؤوس كل من يراها
نزلت بعيناها على الهاتف الذي مازال يضئ بالاتصال ولكن برقم اخر وشخص اَخر، تطلعت به قليلًا ثم حسمت أمرها، لتجيبه:
– الوو…. اهلا ياكارم
………………………….
انتبهت زهرة وشقيقاتها وهن يعددن مائدة طعامهم التي يتم تجهيزاها بفرش ورق الجرائد على الأرض على دلوف خالد وخلفه نوال خطيبته واصوات شجارهم تسبق خطواتهم
يعني مش مافيش فايدة فيك، هو انت عايز تشلني يا خالد؟.
– لا اله إلا الله، هو انا يابنتي عملتك حاجة؟
– في ايه ياجماعة ايه؟ بتتخانقوا ليه بس؟
هتفت بالسؤال زهرة قبل أن يقترب منها خالها يرحب بها ويقبلها أعلى رأسها بحنانه المعتاد، غير مكترث لغضب خطيبته التي تبادلت التحية مع زهرة وباقي افراد العائلة بحرارة رغم عبوس وجهها .
جلس خالد بجوار والدته يضم زهرة بذراعيه كالعادة ثم قال بمشاكسة مخاطبًا خطيبته:
– طب برضوا كلام؟ بزمتكم دا وش تقابل بيه الناس؟ ضاربة بوزك شبرين ليه فقر؟
شهقت نوال بغيظ وهمت لترد ولكن رقية سبقتها:
– فقر في عينك يا قليل الحيا، ماتلم نفسك ياواد بدل ما المك.
تأوه خالد بميوعة مصطنعة أثارت ابتسامة مستترة كبحتها نوال قبل ان تعود لغضبها:
– اضربيه تاني والنبي يارقية، خليني افش غلي ياشيخة.
– من عنيا ياحبيبتي، انتِ تؤمري ياغاليه.
قالتها رقية لتزيد على ضربه بعضة كبيرة على لحم كتفه لتنطلق الضحكات من الجميع، حتى خالد جسده ارتخى عن المقاومة قبل أن يتمكن من القول اَخيرًا من بين ضحكاته:
– جرا ايه ياست؟ هو انتِ ماصدقتي؟
هزت رأسها رقية بتشفي وقالت زهرة مخاطبة نوال:
– دا واضح انه معصبك قوي يااستاذة، مدام طلعك عن شعورك كدة؟
ردت نوال قائلة ببؤس:
– دي كلمة غيظ دي قليلة والنعمة، الباشا خالك عاملي فيها دنجوان، مافيش مشوار اخرجه معاه الا مايهزر مع
أي واحدة يشوفها قصاده، نروح مطعم يهزر مع البنت الشيف، نروح المحل يهزر مع البنت الموظفة، لو روحنا أي مكان يااختي، يلملي البنات المايصة حواليه وتلاقي ضحكهم يجلجل باستفزاز كدة، دا حتى دلوقتِ واحنا داخلين الحارة، شوية بنات رايحين الدرس مجرد بس ما بصلهم بعنيه، ضحكهم بقى واصل لاَخر الشارع، بيعملهم ايه مش فاهمة انا .
– أديكِ قولتِ بنفسك، مجرد بس ما بصيت لهم، يعني دا مش ذنبي ياناس؟ ربنا ميزني عن بقية الخلق بالجاذبية، يمكن عشان شخصيتي المرحة أو شكلي الحلو ،بجد مش عارف.
هتف بها خالد بمرح، فلكزته مرة أخرى رقية تقول ساخرة:
– لتكونش فاكر نفسك رشدي أباظة ياواد ولا الحلوة التاني ده كمال الشناوي.
عادت الضحكات الصاخبة مرة أخرى، فرد خالد:
– خلاص يارقية عند زمن الأبيض واسود ووقفتي، طب قولي حد من الجداد زي احمد عز كدة او يشبهني فعلًا.
شهقت زهرة بجواره تزامنًا مع قهقهات شقيقاها، فلف خالد ذراعهِ حول عنقها بهزار ثقيل معتادة عليه يردد:
– ايه يابت؟ بتتريقي عشان قولتي احمد عز، طب بذمتك مش أحلى من جوزك المحفلط ده، قولي.
زاد بضغطه وهي تردد ما بين ضحكها:
– لا طبعًا جاسر احلى.
هتف خالد مرددًا:
– يابت ال….. وبتقوليها في وشي كمان، مش انا كنت فارس احلامك ولا نسيتي .
زامت ففك ذراعه عنها لتجيب وفور ان فعلها والتقطت انفاسها قليلها، عادت تردد له بغيظ قبل ان تتحامي في جدتها :
– وبرضوا جاسر أحلى.
لتزاد الجلسة صخبُا مع هتافه المستنكر وضحكاتهم التي كانت تصل لخارج بنايتهم
……………………….
عادت الى منزلها مساءًا بعد أن قضت يومها المميز مع اسرتها المحببة، لمحت شبحه في غرفتهم والإضاءة خافتة، جالسًا باكتاف متهدلة دون حركة وكأنه تمثال من الشمع، انتفضت في البداية بخوفها الفطري من الظلام قبل أن تضغط على الكابس الذي أضاء جميع الغرفة وركضت اليه فورًا تسأله بجزع :
– ايه مالك ياحبيبي؟ هو انت تعبان؟
لم يرد ولكنه أوقفها ليحتضن خصرها بذراعيه بقوة ويتنفس بألم، شعرت به لتحيط بذراعيها على رأسه وتخللت أناملها بخصلات شعره،صامتة حتى تكلم هو اَخيرًا :
– انا دلوقت بس عرفت قيمة الأخ، دلوقتِ بس عرفت ان حظي وحش عكس ما كنت مفكر بقالي سنين.
سألته بصوتها الرقيق:
– بتقول كدة ليه ياجاسر؟
شدد بذراعيه عليها جيدُا قبل أن يجيب وكأنه يحدث نفسه:
– لو معايا أخ كنت هاسيبلوا الجمل بما حمل واكتفي بيكِ لوحدك، لو عندي أخ كان هايشيل معايا مسؤلية اسم والدي اللي بناه بعمره كله، يعلم ربنا ان عمر ما يهمني أي فلوس أو مناصب، كل اللي يهمني هو أسم ابويا وبس.
قالت بتوجس وأناملها مازالت تتخلل شعر رأسه:
– في حاجة جدت جديد في الشركة؟
أجاب بصوت مكتوم بحضنها:
– بكرة هاتنعقد الجمعية العمومية للمجموعة بحضور والدي الرئيس الفعلي .
زحف الى قلبها الخوف وهي تشدد من احتضانه وتمتم داخلها:
– استر يارب.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية نعيمي وجحيمها)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *