رواية نعيمي وجحيمها الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم أمل نصر
رواية نعيمي وجحيمها الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم أمل نصر
رواية نعيمي وجحيمها البارت السادس والثلاثون
رواية نعيمي وجحيمها الجزء السادس والثلاثون
رواية نعيمي وجحيمها الحلقة السادسة والثلاثون
سلطان القلوب حين يقرر لا ينتظر أسباب.
يحكم بما يهواه، حتى لو ضد رغبة صاحبه.
أعمى عن عيوب معشوقه مهما بلغت.
جامح عن الحكمة وتحكمات العقل.
وشقي هو من يعارضه!
❈-❈-❈
عادت اَخيرًا لمقر عملها الذي اشتاقت إليه بكل جوارحها، بعد إجازة استمرت لأسبوعين بسبب إصابة قدمها لحقتها بأسبوع ثالث على قصد؛ حتى تتجنب اللقاء به على الفور وتتجنب الصدام معه، وقد شهدت بنفسها على صدمته وقت لقاءه الكارثي على باب منزلها، بكارم ووالدته في صدفة غريبة جعلته يعلم بما انتوته فور حدوثه، من ألجيد انه تمالك نفسه وتعامل مع الأمر بزوق وروية، رغم شحوب وجهه الذي لم يخفى عليها،
تتمنى بهذا الأمر أن تغلق صفحته لتسير بحياتها التي رسمتها من قبل وقد كافأها القدر بمنحها ما تتمناه، ولكن هل هذا حقًا ماتمنته؟
عند خاطرها الاَخير استفاقت من شرودها، لتنتبه على قربها من غرفته في الرواق المؤدي لغرفتها هي أيضًا ولكن في الناحية الأخرى، خطر على رأسها أن تدلف إليه وتحادثه بلهجة عادية يتقبلها هو فتعود علاقتهم كزملاء وفقط، رغم شكها في هذا الأمر لطبيعته الثورية دائمًا وجرأة افعاله الغير متوقعة على الإطلاق، ولكن كل شئ مع الوقت يمر، وقد مر الاَن اسبوع فلابد انه نسي أو هدأ عقله من ناحيتها، فتحت باب غرفتها لتلج بالداخل وعقلها مازال هناك أمام غرفته، تتسائل مع نفسها، هل كان من الواجب ان تدلف إليه برسمية لتخبره بمجيئها؟ ام كان يجب ان تقابله كما قررت بلهجة عادية على اعتبار، ان تكون هذه طريقة تعاملها معه في المرحلة القادمة، هي تعلم بمساؤه كما تعلم بحسناته، لابد أنه هدأ الاَن وعلى استعداد للتعامل معها بحضارة.
انتفضت فجأة لتلتف بجسدها مجفلة على دفعة قوية لباب غرفة مكتبها لتفاجأ به أمامها بوجهه المتجهم الغاضب، ليصفق الباب خلفه بعد ذلك ويغلقه بنفس القوة السابقة،
ارتجفت على غير توقعها وهي تتطلع إليه بهذه الهيئة الغريبة عنها وهو يتقدم نحوها كفهد بري، حلته السوداء وقميصه ألاسود والبنطال بنفس اللون لتكتمل الصورة بطوله المهيب وجسده العريض، عيناه الحمراء وذقنه الغير حليقة مع صوت انفاسه الهادره الذي تصل إليها فيبث بقلبها الخوف بشدة، وهي تجاهد وتدعي التماسك حتى خرج صوتها اخيرًا:
– إنت ازاي تخش كدة؟ مش تستأذن الأول ؟
وكأنه لم يسمعها اقترب أكثر ليميل بوجهه قائلًا بهدوء مريب:
– ليه؟
حركت رأسها تدعي عدم الفهم وهي ترد:
– ليه إيه بالظبط مش فاهمة؟
اقترب اكثر لترتد هي غريزيًا للخلف تراقب قوله وهو يكز على أسنانه:
– بلاش تستهبلي انت عارفة انا بسألك عن إيه؟
– استهبل دا آيه؟ مش تخلي بالك من كلام…… ااه.
صرخت بها وقد أجفلها بقبضه على مرفقيها بقوة ليقربها نحوه بعنف هادرًا:
– بصي في عيوني كويس ياكاميليا وقولي، فضلتيه عليا ليييه؟
أجفلها حجم غضبه وجنونه ولكنها تمسكت بكبريائها الزائف لتردف له بدفاعية تُخفي بها جزعها منه:
– انت بينك اتجننت باين ولا إيه؟ سيب إيديا ياطارق، انا مش عايزة اتصرف واعملك فضيحة.
هزهزها بقبضتيه غير مبالي بصياحها:
– ردي ياكاميليا وبلاش تتهربي من الإجابة انا على اَخري، بتعشميني بقربك بعد ما حكيتي عن أدق اسرارك ليا، وبعدها تطعنيني في ضهري بخطوبتك من كارم، مين أحق؟ انا ولا هو عشان تفضليه عليا؟
تمالكت نفسها قليلًا قبل أن تعود لطبيعتها العنيدة، فقالت بتحدي :
– انا ماحكتلكش عشان اقربك، انا حكيت عشان تفهم من نفسك السبب اللي واقف بيني ومابينك.
انعقد حاحبيه بشدة يستوعب قبل أن يهتف بغضب حارق:
– قصدك انك شايفاني في صورة جوز امك؟ هو دا اللي تقصديييبه؟
أكملت بتشفي رغم الاَم ذراعيها حتى توقفه بالحُجة:
– وانت تفرق إيه عنه ولا انت مش واخد بالك من نفس الصفات اللي قولتها؟
ازداد عنفوان ثورته مع ازدياد ضغط قبضتيه على مرفقيها يهدر بألم قلبه:
– هي دي الصورة اللي رسمهالي في عقلك عشان تبعديني عنك، انا عمري ما كنت خاين ولا خدت ست من جوزها، انا عمري ما بصيت لمرات صاحبي، انا عمري ماغدرت بحد حتى لو كان عدوي……
– بس بتاع نسوان.
قالتها مقاطعة بحدة، لتصل إليه وكأنها نصل سكينًا حامي اخترق عظام صدره، فرد بصوت متهدج:
– تمام يا كاميليا زي ماقولتي كدة بتاع نسوان
صرخ بعدها بتقرير :
– يعني عندي خبرة ياحلوة خلتني اكشفك واعرف انك بتبادليني نفس الشعور.
نفت برأسها تحركها بعنف رافضة بتشنج، واستطرد هو:
– لا ياكاميليا صدقي، رعشتك في ايدي تأكد كلامي، نظرتك ليا تأكد كلامي، قلبك اللي بيصرخ بأسمي دلوقتِ وانا سامع صوت دقاته كلهم بيأكدوا كلامي .
توسعت عيناها بجزع تناظره بصدمة وانفاسِ متلاحقة، وهذه الحقائق التي يلقيها بوجهها مع هذا القرب الذي فرضه عليها، ليلُفهم الصمت لحظات، جعلته ينسى نفسه وغضبه ليضُعف أمام فتنة وجهها القريب من وجهه، فازداد خفقان قلبه وارتكزت عيناه على شفتيها حتى دنى برأسه نحوها بدون تفكير وقبل ان يتمكن من فعل ما صرخ به وجدانه، افاقته هي بدفعه بكفيها على صدره لتتمكن من افلات نفسها والابتعاد عنه وقد ارتخت ذراعيه وأعصابه عنها حتى ذهنه تشتت، فزرأت هي بعنف وقوة اكتسبتها مع مرورها بتجارب مشابهة قبل ذلك:
– اتفضل اخرج برا وماشوفش وشك هنا تاني، اخرج برا يا طارق عشان ما ابلغش عنك حالًا.
ناظرها بتحدي لبعض الوقت قبل أن يخرج كما دخل ويصفق الباب خلفه بعنف، تهاوت قوتها الزائفة وسقطت على الكرسي خلفها لتتنفس اَخيرًا واضعة كفها على صدرها، فتطلق العنان لشهقة مؤلمة، خرجت من أعماق قلبها الذي كان يصرخ بين أضلعها وكأن بضرباته القوية يعاقبها أو يعبر لها بطريقته عن اعتراضه.
❈-❈-❈
– ها بقى ايه الأخبار ؟
تفوهت بها زهرة وهي تدلف خلفه لداخل غرفة مكتبه بعد أن عاد لمقر عمله اَخيرًا وقد قارب يوم العمل على الانتهاء، في مهمة عمل خارجية واجبة النفاذ.
خطا ليسقط بجسده المرهق على الكنبة الجانبية في الغرفة الشاسعة، جذبها لتسقط جالسة بجواره قائلًا بحزم:
– اسألي وانتِ جمبي، مش وانتِ واقفة.
اومأت برأسها لتعيد السؤال بصيغة أخرى:
– ماقولتليش عملت ايه طيب في محادثاتك مع الراجل ده اللي اسمه مصطفى عزام ؟
تنهد مطولاً ليتكئ بظهره للخلف ورد باقتضاب:
– كل خير والحمد لله.
– اه يعني اتفقتوا ومضيتوا العقود ؟
رددتها بإلحاح ينبع من قلقها، شعر به هو ليُهديها ابتسامة بلون عشقه قبل أن يطبع قبلة عميقة على وجنتها ليطمأنها بإجابته:
– اتفاهمنا ومضينا العقود واتفقنا على عزومة عشا لزوم الاحتفال بالشراكة الجديدة.
تبسمت بارتياح وفرح لهذه الأخبار الجيدة والسعيدة، فتابع لها:
– الاحتفال هايكون بكرة ان شاء الله في فندق شهير هو يملكه، عايزك تجهزي نفسك من دلوقت
خبئت ابتسامتها لتسأله قاطبة جبينها بدهشة:
– وانا مالي ياجاسر، هاجي معاكم ليه بقى؟
عبس وجهه الذي اشاحهه للحظات قبل أن يلتفت إليها مخاطبًا بجدية:
– العشا هايكون اسري يازهرة، هو وأخوه هايجيبوا زوجاتهم معاهم، ووالدي هايجبب والدتي معاه وانتِ هاتيجي معايا.
رفرفرت بأهدابها قليلًا تستوعب قائلة بعدم تصديق:
– انت بتتكلم بجد، عايزني انا ووالدتك نتعزم في حتة واحدة مع بعض، خلاص بقى، بلاها انا اروح معاكم .
حدجها بنظرة غاضبة قبل أن يقول:
– والدتي يستحيل تعمل حاجة تضر بصورتها ولا شكلها قدام الناس، دا لو فكرك انها ممكن ماتعاملكيش كويس ،ثم انه كمان ما ينفعش اروح انا لوحدي، وكل واحد جاي وساحب مراته في إيده في العزومة وابقى انا بطولي كدة، ولا انتِ شايفاني راجل عازب يازهرة؟.
اطرقت رأسها وارتسم على وجهها التردد، فقالت بنبرة خفيضة بحرج:
– انا مش عايزة افكرك ياجاسر بوضعي واللي بيتقال عليا.
هتف بصرامة:
– انا قولتلك من الاول اني هاقدمك للناس كلها عشان تعرفك، يعني ماحدش يقدر يقربلك ولا يمسك بكلمة وانتِ مرات جاسر الريان، فاهمة يازهرة ولا لأ.
❈-❈-❈
– نعم! انت بتتكلم بجد ولا بتهزر ياعامر؟
هتفت بها لمياء ساخطة وهي تخاطب زوجها وكان رده الحازم:
– لأ مش بهزر يا لميا، مرات ابنك هاتيجي معاه العزومة، يعني لازم تجهزي نفسك لمقابلتها، وتنسي اللي في دماغك بقى.
صاحت معترضة بعنف:
– ودي اعملها ازاي ان شاء الله بقى؟ هو انت وابنك مش واخدين بالكم ولا درانين بالموضوع كله، مصطفى هايجيب مراته اللي مصر كلها تشهد على اناقتها وجمالها واخوه هايجيب زوجته الأجنبية يعني ماتختلفش عنها غير في الشهرة بس، ابنك بقى هايدخل عليهم بصاحبة الصون والعفاف اللي شغالة عنده سكرتيرة ووالدها سمعته بقت على كل لسان.
عبس يرد بقوة:
-،الشغل مش عيب يا لميا، ثم إن حكاية والدها دي لسة في التحقيق ومافيش حاجة مؤكدة، وحتى لو في، ماحدش له دعوة بينا ولا له حق الإعتراض على زوجة جاسر الريان .
– انت بتضحك عليا ولا على نفسك؟ فوق ياعامر، النسب دا ما يشرفش اي عيلة محترمة عادية، مش عيلة بأسمنا ووضعنا قدام العالم كلها، حتى لو انكرت انت وابنك قدامي ولا قدام الناس، لكن برضوا متأكدين من جواكم ان كلامي صح.
قالتها لمياء بثقة قبل ان تنهض عن جلستها معه وتتركه لأفكاره المتخبطة.
❈-❈-❈
-ماهو عنده حق برضوا يازهرة، دا الصح على فكرة.
قالتها كاميليا وهي تقلب في مجموعة ملابس امامها بالمحل الخاص بملابس المحجبات بأحد المولات الشهيرة، واستطردت امام صمت الأخرى وهي تسحب معها إحدى القطع :
– انا كمان من رأي إن انت لازم تاخدي ثقة أكتر من كدة في نفسك، جاسر الريان بيتحدى بيكِ العالم يا زهرة، يعني لازم تكوني قد التحدي ده.
تناولت زهرة منها القطعة والتي كانت عبارة عن فستان سهرة محتشم بألوان زاهية تليق بالسهرة، وردت وهي تتطلع فيه بدقة متفحصة:
– والله عارفة كل كلامك يا كاميليا، بس اعملها ازاي دي بقى؟ وانا حاسة إنها دنيا غريبة عليا، وحكاية والدي صعبت عليا اوي إن اندمج مع الناس دي.
سهمت كاميليا بكلمات صديقتها بحزن اكنتفها وهي تقدر ما تشعر به، وسألتها:
– هو جاسر لسة ملقاش حل في موضوع والدك؟
اومأت لها بشبه ابتسامة ساخرة، لتجيبها بيأس وقد تركت الفستان من يدها وسندته على الطاولة الزجاجية بجوارها:
– للأسف الولد اللي قال عليه ابويا فص ملح وداب، والمحامي بيعمل اللي عليه عشان يخرجه منها قبل المحاكمة، هتصدقي بقى لما اقولك إن ابويا بقى مشهور في القسم من كتر الصحفين اللي بتسأل عليه، ولسة كمان، لما تيجي المحاكمة هايبقى نجم وترند ع السوشيال ميديا، وسلميلي بقى على مظهري كزوجة لجاسر الريان .
شحب وجه كاميليا من مجرد التخيل لوضع زهرة وزوجها لو حدثت المحاكمة لتتناقل اللسنة الخلق بالخبر دون رحمة، هزات رأسها لتجلي الفكرة السيئة عنها فقالت مخاطبة زهرة بحزم:
– بقولك إيه يابت انتِ، اهمدي كدة وشيلي الأفكار السودة دي من دماغك، احنا ماصدقنا الله يرضى عنك نلاقي وقت نتلم فيه مع بعضينا، عايزين نعيد الأيام الجميلة يا زوزو.
استجابت لها زهرة بابتسامة جميلة أسعدتها، فتابعت كاميليا سائلة:
– ها ياقطة بقى، عجبك الفستان ولانغير؟
ردت زهرة وهي تعيد رفع الفستان أمامها لتعيد تأمله:
– كويس وحلو، بس انا خايفة يطلع ضيق.
ردت كاميليا وهي تتفحص الفستان معها:
– لا ضيق دا إيه؟ كويس يازهرة وقد مقاسك على فكرة، بس هو هايبقى مظبوط حبتين مش واسع قوي زي بقية هدومك، احنا عايزين نغير النظام شوية.
عبست زهرة وارتسم الضيق على ملامح وجهها لترد بحدة:
– يعني ايه بقى؟ عايزاني اغير اللي اتعودت عليه، انا مابرتحش غير في الواسع يا كاميليا.
لفتت لهجتها الحادة عاملة المحل التي رمقتها بدهشة انتبهت عليها كاميليا، فاقتربت منها تخاطبها بهمس:
– وطي صوتك يازهرة وبلاش منه انفعالك دي، انا مش بقولك غيري مبادئك، انا كل اللي بطلبه حاجة تبقى شيك ومظبوطة عليكِ وحشمة، عشان لو اتخدت ليكِ صورة مع الناس دي، ماتبقيش أقل منهم او مختلفة عنهم، فاهماني؟
شحب وجه زهرة لينقلب لعدة أللوان، وسألتها بدهشة امتزجت ببرائتها:
– معقول! طب واحنا نتصور ليه معاهم؟
هزت رأسها كاميليا بابتسامة يائسة وهو تعطي الفستان لعاملة المحل، ثم اقترب من زهرة تخاطبها برقة:
– يازهرة يا حبيبتي افهمي بقى، لقاءات الناس دي؛ اهم ضلع فيها المظاهر، دي ناس مشهورة وفي أي مكان الناس بتاخدلهم صور، او هما نفسهم ياخدوا الصور دي، ويعلنوا بيها عن اعمالهم أو شركاتهم، ولا انت مفهمتيش كلمة جاسر الريان لما قالك تجهزي؟
اومأت زهرة رأسها بتفهم رغم ترددها، ليتشعب داخلها القلق ويظهر في نبرة صوتها:
– طب انا حاسة كدة ان الموضوع اتصعب عليا أكتر، هاقدر ازاي بقى اسد في الحاجات دي؟
– وانا روحت فين يابنتي؟ اصحي كدة وفوقي، صاحبتك مش هتخليكِ تروحي الحفلة دي وانتِ مش اقل من النجمة نفسها، ولا انت مش واثق فيا ياباشا؟
قالتها كاميليا بنبرة مرحة أدخلت على قلبها الاطمئنان، فلم تملك سوى التعبير عن امتنانها بضمة اخوية استشعرتها كاميليا بكل حب معها، قبل أن تفك نفسها منها قائلة:
– ياللا بقى خلينا نستعجل عشان نخلص شرا لبقية الحاجة اللي محتاجينها مع البت غادة اللي صدعتنا بحفلة صاحبتها اللي بتقول عليها مهمة دي، وعشان ، كمان اللحق خروجتي مع كارم.
– طب ثواني بس دقيقة
قالتها زهرة وهي توقفها فجأة عن التحرك، فقالت بتردد مستغلة انشغال العاملة عنهم:
– هو انت فعلًا بتحبي كارم ده عشان تقبلي بيه؟
امالت رأسها إليها تنظر لها عاقدة الحاجبين باستفسار، فتابعت زهرة:
– أنا أسفة لو هاتدخل في حاجة زي، بس جاسر حكالي عن طارق، دا حالته صعبة اوي.
قلبت كاميليا عيناها تتنهد بسأم واستطردت زهرة:
– لو بتحبيه بجد تقبلي ليه بكارم؟
اوقفتها بإشارة من يدها:
– بس يازهرة الله يخليكِ بلاش تفتحي الموضوع ده، انا تقريبًا بقيت مخطوبة دلوقتي، ويوم ولا اتنين هتبقي خطوبة رسمي، يعني خلاص خلصت.
قالتها كاميليا بحسم تنهي الجدال وتحركت من أمامها لتسبقها في الخروج، غمغمت زهرة خلفها وهي تلحق بها:
– يارب فعلًا تكون خلصت؟
وخارج المحل تلقفتهم غادة بلهفة لتسحبهم من أيديهم مرددة:
– اَخيرًا خرجتوا من دا المحل، بسرعة معايا بقى عشان تقولولي رأيكم في اللي اختارتها.
– انتِ اختارتي إيه؟
سألتها كاميليا لتفاجأ بعد دقائق بهذه القطعة الخفيفة، الغريبة، الصغيرة، وبادرت زهرة بالسؤال:
– ايه دا ياغادة؟ انتِ بتسمي دا فستان؟
تخصرت لها ترتد بتهكم:
– أمال انتِ شايفاه إيه بقى ياست زهرة؟ قميص نوم مثلًا.
– ماهو فعلًا مايفرقش عنه!
تمتمت بها زهرة بعفويتها غير مبالية بها، فاستشاطت الأخرى غاضبة وقبل أن يخطئ لسانها بالرد، سبقتها كاميليا قائلة بمهادنة لجنونها:
– الفستان دا ماينفعش ياغادة، انتِ بتقولي انك رايحة حفلة لواحدة صاحبتك، ودا ماينفعش لفرح شعبي حتى.
الجمتها كاميليا بحكمتها فجعلتها ترد بنبرة متراجعة:
– طب اعمل ايه بقى؟ انا عايزة حاجة تلفت النظر وتبيني جامدة اَخر حاجة، قدام صاحبتي وعيلتها.
سألتها زهرة:
– صاحبتك دي تبقي مين بقى؟
ردت غادة بنزق:
– إيه ياست زهرة؟ هو انا لازم اديكي تقرير كمان عن صحابي؟
كظمت زهرة غيظها كالعادة، وردت كاميليا لتنهي الجدال:
– خلاص ياغادة لا تقولي ولا تعيدي، انا هانقيلك حاجة جامدة زي مابتقولي وبنفس الوقت مايبقاش فيها اسفاف، عشان ماحدش يفهمك غلط.
قالتها وتحركت على الفور تبحث في كمية الملابس المعلقة لتنتقي منهم مايليق، فقالت غادة من خلفها وقد دب في قلبها الحماس:
– نقيه بقى ملعلع ويكون فيه شغل كتير.
سمعت كاميليا فالتفت لها برأسها فاغرة فاهاها بيأس.
❈-❈-❈
عاد من الخارج بخطوات رتيبة عن عادته القى التحية على والدته بروتينة غريبة عن مرحه الدائم، وارتمى بجوارها جالسًا بفكره الشارد، لكزته والدته تستكشف ما به سائلة:
– مالك ياواد؟ مش عوايدك تخش وبوزك مقلوب كدة؟
اجابها بلهجة فاترة
– لأ عادي، شوية مشاكل بس في الشغل ماتشغليش نفسك انتِ.
هتفت بعدم تصديق:
– مشاكل دي إيه ياعنيا اللي تقلب خلقتك كدة؟ في إيه يا خالد؟
تكتفت ذراعيه وارتكزت انظاره في الفراغ بوجهه الواجم، دون أن يجيبها، فلم تكرر رقية السؤال وقد دب بقلبها القلق من هيئته، هو ابنها وهي اكثر من تعلم بكل حالاته وردود أفعاله، سألته بخوف حقيقي:
– هو في إيه بالظبط ياخالد؟
تنهد مطولًا ليجيبها بعد عذاب انتظارها:
– ماقولتلك يامّا مافيش حاجة.
صاحت هادرة بنفاذ صبر:
– تاني برضوا هاتنكر، هو انت قاصد تحرق دمي النهاردة ياخالد؟ طب انت جاي من فين أصلًا في الساعة المتأخرة دي؟ ميعاد شغلك بينتهي من زمان أصلًا؟
– جاي من عند السمسار.
قالها فجأة وازداد بداخله الشك وهو يشعر بإجفالها السريع، وعيناها التي تهربت على الفور من مواجهته بارتباكٍ استرعى انتباهه ليميل بجزعه نحوها ويتفرس ملامحها بدقة، فإن كانت هي تحفظه فهو يحفظ أقل حركة بأصغر عضلة في وجهها، ويعلم ماخلفها!
❈-❈-❈
– هاتختاري انتِ ولا اختارلك أنا؟
تفوه بها سائلًا، بعد أن أتى بها في أشهر المطاعم الأيطالية في العاصمة، أجابته وهي تضع القائمة من يدها على الطاولة أمامها:
– لا ياسيدي اختار انت عشان اشوف زوقك.
رد بابتسامة اظهرت وسامته:
– طبعًا زوقي يجنن، امال اختارتك إنتِ ازاي يعني؟
بادلته ابتسامتة ببعض الخجل صامتة، فانتقل بعيناه هو نحو القائمة التي بيده ليختار منها الأطعمة التي سيتناولها معها.
اخدتها فرصة لتتأمله، وجهه الوسيم والمنحوت بدقة مع انفه المستقيم بإرستقراطية، جسده الرياضي يُظهر مدى حفاظه على صحته، شعر رأسه الكستنائي والمصفف بعناية على مدى تاريخ معرفتها به لا تذكر في مرة أن رأت ولو خصلة صغيرة شاردة أو مشعثة منه، دائمًا منمق وكأنه خارج على الفور من احدى مجلات الموضة الرجالية، يرتدي حلته الرمادية وقد كافئها اليوم بتخليه عن رابطة عنقه، كارم منضبط دائمًا في عمله وأيضًا في مظهره.
قطع شرودها صوت النادل الذي تلفظ باللغة الإيطالية فلم تفهم منه شئ، ولكن كارم رفع رأسه عن القائمة يخاطب الرجل بلكنته وكأنه من نفس بلدته، قطبت وهي تتابعهم حتى انصرف النادل بابتسامة واسعة لكارم بعد أن عرف منه الأصناف التي اختارها، فالتفت إليها يعطيها انتباهه كاملًا فسألته بدهشة:
– مكنتش اعرف انك بتعرف ايطالي؟
– واسباني وفرنسي مع الإنجلش طبعًا.
قالها بنبرة متفاخرة أشعرتها ببعض الضيق، ولكنها تمكنت من أخفاءه بابتسامة رأئعة، فتملكها الفضول لسؤاله:
– هو انت بتلحق تعمل دا كله إمتى؟
هز رأسه باستفسار، فتابعت بتوضيح:
– قصدي يعني.. ازاي وسط مسؤلياتك الكتير مع جاسر الريان بتلحق تهتم بنفسك وبالرياضة عشان جسمك وتتعلم لغات، لا وكمان بتعرف مطاعم وتروحها.
اتسعت ابتسامته ليردف لها:
– النظام يا كاميليا، أهم حاجة الواحد يعرف ازي ينظم وقته، قيمة الوقت هي اللي بتفصل بين الناس الناجحة اللي بتعرف تقدره والناس الفشلة اللي بتهدره،.
اومأت برأسها بتفهم لتقول بتفكه:
– بصراحة انا كنت فاكرة نفسي منظمة بس بعد ما شوفتك عرفت اني هوا .
– بس انت مش فاشلة .
قالها فتمتمت بالحمد لتسأله بتفكه:
– افتكر اني لو فاشلة مكنتش هاتبصلي ياكارم صح؟
صمت قليلًا قبل أن يجيبها بجدية:
– شوفي ياكاميليا، انا مانكرش طبعًا اني معجب باجتهادك اللي وصلك لمكانة ممتازة في شركة الريان، بس كمان لو قولت ان دا السبب الوحيد لارتباطي بيكِ، ابقى راجل أعمى أو غبي.
صمت برهة يرمقها بنظرة متفرسة اربكتها ثم تابع
– انتِ مش ست جميلة وبس يا كاميليا، انتِ جميلة بحد الفتنة، يعني جمعتي صفات ملكة الجمال وصفة المرأة الناجحة في ظاهرة نادرة ما بتتكررش كتير، انتِ جوهرة ياكاميليا وعرفت تختار اللي يقدرها.
رغم أن كلمات الإطراء التي ألقاها على سمعها بإمكانها أن تسعد أي امرأة، لكنه مع تشديده الصريح على كلماته الأخيرة انتابها بعض القلق وهي تشعر انها تحمل معني ما منه.
❈-❈-❈
بصدره العاري كان يدخن في سجائر التبغ بنهم علّ بحريقها، تخفف من حريق صدره، متكئ بمرفقيه على السور المعدني لشرفة منزله؛ التي تطل من علو على صفحة نهر النيل عن قرب، فتجعله قبله للعين صباحًا بحركة البواخر والمراكب الشراعية به، وراحة للنفس مساءًا بهدوء يعم كل شئ حوله، الا عنه وقلبه الصاخب بداخله مازال يصرخ ويقاوم في معركة ضد مليكته، التي تُشهر أسلحتها في وجهه بكل شراسة ودون رحمة، غير عابئة بألمها قبل ألمه، تنكر وتُصم أذونيها وكأن بذلك تبعده عنها، ولا تعلم ان كل محاولاتها تأتي دائمًا نتائجها بالعكس.
– طارق باشا، هو في أمل في ليلتنا دي ولا امشي انا ولا إيه بس؟
صدرت من خلفه بغمغمة نسائية نزقة، التفت رأسه نحو الفتاة التي كانت واقفة خلفه بتململ من طول انتظارها بلا فائدة، وقد نسيها في غمرة شروده الذي لا ينتهي، بعد أن أتى بها في فورة غضبه يتنوي الغرق في بئر عشقه للنساء، ليتزوق ريحق الزهور من كل لون لينسى حبه اليائس من ذات القلب المتحجر، ولكن قلبه الشارد عن طاعته كالعادة غلب كبرياءه المجروح، فمنعه عن لمس الفتاة او حتى القرب منها؛ بمجرد أن نظر اليها مطولًا وأتت أمامه صورة معذبته!
وضع يده في جيب بنطاله ليُخرج لها كمية لا بأس بها من النقود الورقية تلقفتها الفتاة بلهفة، تقول:
– يدوم العز ياباشا بس دول كتير أوي، وانت مقربتش مني نهائي.
اومأ بابتسامة جانبية ساخرة:
– معلش بقى اهو من حظك ونصيبك، خديهم وروحي على بيتك
همت لتنصرف صاغرة لمطلبه ولكن شعرت ببعض التردد، فقالت:
– طب انت مش عايز مني أي حاجة؟ انا ممكن أرقصلك او اعمل اي حاجة تفرفشك.
– تفرفشني!
قالها بسخرية مريرة وهو يشيح بوجهه عنها متابعًا بإشارة كفه لها:
– امشي يابنتي امشي.
تنهد بحرقة صامتًا، حتى سمع صوت غلق الباب الخارجي فغمغم بتحسر:
– منها لله بقى، توبتني عن كل الستات وهي كمان حرماني منها.
ظل قليلًا على وضعه حتى انتفض فجأة يدفع السيجارة من يده، ليردف لنفسه بلهجة حاسمة وقد احتدت عيناه بوميض غريب وغامض:
– ماشي يا كاميليا، انا وانتِ والزمن طويل!
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية نعيمي وجحيمها)