روايات

رواية في قبضة الأقدار الفصل الثلاثون 30 بقلم نورهان آل عشري

رواية في قبضة الأقدار الفصل الثلاثون 30 بقلم نورهان آل عشري

رواية في قبضة الأقدار البارت الثلاثون

رواية في قبضة الأقدار الجزء الثلاثون

في قبضة الأقدار
في قبضة الأقدار

رواية في قبضة الأقدار الحلقة الثلاثون

لا أعلم ما الذي يجعل قلبي مُتورِط بكِ إلى هذا الحد؟ فأنا عِندما أُريد اعتزال العالم اجد كل الطُرق تأخذني إليكِ. حتى بات قلبى لا يعرِف وجهة غيرك و لا يبغى ملجأً سواكِ. لا أُدرِك كيف حدث هذا؟ و لكني استيقظت بيوم من الأيام لأجِدك بالمُنتصف بيني وبين روحي و هل يُمكِن لأحد أن يحى مِن دون روح ؟؟

نورهان العشري ✍️

🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁

كانت جنة تجلس علي حافة ذلك السرير الكبير و كل ذرة بها ترتجف أما خوفا أو ترقب لما هو آت فهي للآن لم تر جدها ولا حتي حلا. فقد جلبوها الى هذه الغرفة بعد أن أجبروا فرح علي تركها بحجة أن حلا تريد رؤيتها و بالرغم من هذا الذعر الذي يمتلئ داخلها به إلا أنها لم تقاوم أو تتمسك بوجود شقيقتها معها فقد أيقنت بأن جدها يريدها وحدها!
كانت ضربات قلبها تتقاذف بداخلها بعنف مما تحمله تلك الفكرة فهي بصدد خوض اكبر مواجهة بحياتها حتما سيقتلها أما بإنهاء حياتها أو إزهاق كرامتها.

منذ أن علمت بمرضها وهي تخشى من النهاية الحتمية له وهي الموت. ولكنها الآن تتمنى لو تداهمها سكراته حتى تريحها من ذلك العذاب الذي ستناله حتما على يده..

هبت من مكانها مذعورة لدي سماعها ذلك الطريق القوى علي باب الغرفه و بدأت ترى نهاية سوداء للباقى من حياتها علي يد هذا الطاغية ولكنها تفاجأت بالخادمة التي أخبرتها بأن تتجهز لأن جدها يريد الحديث معها..

أخذت عدة انفاس علها تهدأ من ضجيجها الداخلي وهي تخطو إلى الخارج مع أحد الحرس الذي أخرجها من باب خلفي للمنزل سالكا طريقا آخر غير هذا الذي جاءت منه فحاولت أن تهدئ من روعها و أخذت تردد بشفاه مرتجفة
” لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.”

كانت الخطوات تتعثر بها فمن يستطيع الثبات وهو يسلك طريق الموت و خاصة أن كانت بطريقة مروعه تشبه عينين ذلك العجوز الصلب الذي كان ينتظرها علي ضفة البحيرة الصافيه و التي تعلم بأن نهايتها ستكون مدفونه في أعماقها هذا إن كان رحيما بها..

توقفت أمام عبد الحميد الذي نظر إلي الغفير و سأله بنبرة قاسيه
” عملت الي جولتلك عليه؟”
الغفير باحترام
” حوصول يا حاچ”
عبد الحميد بتأكيد
” حد شافكوا و انتوا چايين اهنه؟؟”
الغفير بنفى
” لاه انى چبتها من الباب الوراني و محدش شافنا واصل..”
” طب روح انت.. و چهز الي چولتلك عليه ..”

كان موتا بالبطئ تعلم بأن نهايتها بدأت بحرب الأعصاب تلك و ستنتهي نهاية مروعه تليق بجرمها فأخذ جسدها يرتجف و أغمضت عينيها بقوة تستجدي الموت أن يخطفها في تلك اللحظه حتي ينتشلها من عذابها المنتظر
” فتحي عنيكي و بصيلي يا بت محمود..”

كانت نبرته قويه يشوبها قسوة جعلت فرائصها تنتفض و تسارعت دقاتها أكثر حتي بدت تسمع طنينها بأذنيها و جاهدت أن تفتح عينيها التي غزتها خطوط حمراء تحكي مقدار الذعر الذي يجتاح أوردتها
” خايفه مني يا چنة؟”

كان أذنا لعبرات كانت كالفيضان الذي ضرب ثباتها الهش فحطمه في الحال و تدفقت مياه عينيها حتي أغرقت صدرها الذي كان ينتفض بقوة فاقترب منها عبد الحميد خطوة تراجعت علي إثرها خمس وهي تقول بنبرة متقطعه

” أر.. ارجوك.. مت.. متعملش.. فيا.. حا.. حاجه.. انا .. غل.. غلطت والله.. بس.. بس.. مفر.. مفرطتش.. في .. نفسي.. لو … لو هتمو..هتموتني .. ار.. ارميني.. في .. البحر.. مش.. مش عايزة..اتوجع.. وأنا.. بمووت..”

************

“ابيه سالم…”

قالتها حلا التي أطلت عليهم من باب الغرفه لترتمي بأحضان سالم الذي عانقها بقوة و كأنه لا يصدق بأنها آمنه بين ذراعيه فبالرغم من أنه خاطب عمه والذي لحسن حظهم هو لواء و مدير أمن محافظة المنيا و أخبره باختصار عن الأمر حتي يأتي بنفسه و يطمئن عليها و يطمئنهم و ايضا ليعرف ذلك الرجل بأنه لا يخيفهم و لا يشكل خطراً عليهم ولكنه الأن و أخيرا استطاع أن يتنفس بإرتياح فهو أن كان من الأشخاص الذين لا يظهرون مشاعرهم بكثرة ولكنه يحمل بقلبه حبا كبيرا لشقيقته الصغيرة التي تربت علي يديه فصار يعتبرها ابنته التي لا يحتمل أن يلامس الهواء خدها فيجرحه.

” أنتِ كويسه ؟”
هكذا سألها بصوته الخشن فأومأت بالإيجاب فتدخل سليم الذي اختطفها من بين يدي سالم و قال بلهفه غاضبه
“حد هنا ضايقك ؟”
هزت راسها بالسلب وهي تقول
” لا متخافش”

أطمئن قلبه لاجابتها وقام باحتضانها بقوة و يده تتحسس خصلات شعرها المسترسلة علي ظهرها و قام باحتواء وجنتيها يناظر ملامحها بشوق قبل أن يعيدها الي أحضانه مرة أخرى و داخله يحمد الله كثيرا بأن شقيقته عادت سالمه..

” اقعدي يا حلا عايزك تحكيلى الي حصل بالظبط ”
هكذا أمرها سالم فخطت بأقدامها لتجلس بجانبه و أخذت تبلل حلقها الجاف قبل أن تقول بشفاه مرتجفه
” تقصد ايه؟”
تدخل سليم مستفهما
” الناس دي خطفتك ازاي و حصل ايه من ساعة ما وصلتي؟ عايزين نعرف كل حاجه بالتفصيل”

احتارت كيف تجيبه و بما تخبره فتفرقت نظراتها بين شقيقيها اللذان يناظرانها بنظرات ثاقبه تشعر بها تخترق أعماقها فابتلعت ريقها و تعالت دقات قلبها و طال صمتها الذي اضفي وقود علي نيران سليم الذي هب من مكانه قائلا بغضب
” ساكته ليه ما تردي علينا. حصل ايه و جيتي هنا ازاى؟”
” اهدي يا سليم… حلا يا حبيبتي اتكلمي و متخافيش من اي حاجه. “

ما أن انه سالم جملته حتي اخترق قلبه صوتها الملتاع وهي تصرخ في الخارج فهب من مكانه و هرول إلي حيث يأتي صوتها و تبعه كلا من سليم و حلا فتفاجئوا بفرح التي كانت تصرخ في أحدي الخادمات وهي تقول بغضب
” أنا سيباكِ معاها هنا راحت فين ؟”

تقدم منها سالم الذي قال باستفهام
” في ايه يا فرح ؟”

ما أن سمعت صوته حتي شعرت و كأنه الغوث بعد الضياع فاقتربت منه قائله بلوعه
” الحقني يا سالم. جنة سبتها في الاوضه هنا بعد ما قالولي أن حلا عيزاني و روحت قعدوني في اوضه ولا جابولي حلا ولا خلوني آجى لجنة و بعد ما زعقت سابوني جيت هنا اشوفها ملقتهاش. و محدش بيرد عليا “

” طب اهدي و متخافيش . محدش هيقدر يأذيها..”
هكذا تحدث سالم و التفت إلي الخادمة قائلا بصرامة
” حالا دلوقتي تقوليلي جنة فين والا متلوميش غير نفسك..”

الخادمة بذعر
” ممم معرفش..”
كان يشعر بأن أنياب حادة نهشت بقلبه بحوافر مشتعله بنيران الخوف من أن يحدث لها مكروه فاقترب مندفعا تجاه الخادمة يمسكها من خصلاتها وهو يهزها بعنف صارخا بصوت كان كالزئير
” جنة فين ؟ انطقي والا و شرف امي هكون دافنك مكانك..”

الخادمة بشفاه مرتعشة
” هه. هجولك.. انى والله ماليا ذنب.. ده مرعي هو الي جالي اعمل أكده.. و مجاليش حاچه تاني .. بس.. بس اني شوفته وهو واخد ست چنة و خارچ بيها من الباب الوراني ناحيه الترعة..”

فاق الألم حدود الوصف حتي شعر بأن روحه كادت أن تفارقه وعقله يرسم سيناريو مفزع لما قد يصيبها و لم يستطيع سوى أن يصرخ بعنف هز أرجاء القصر
” جنة…”

**************

كان مظهرها يدمي القلوب و يفتت العظام بدت كطفله صغيرة تائهة تساق قسرا الي المقصلة ناهيك عن حديثها الذي أجهز علي قلب ذلك العجوز الذي كان بكل ركن به يوجد جرح غائر و ألم عظيم فلأول مرة يفصح عن عذابه الذي تجلى في تسلل بعض العبرات الغادرة من عينيه وهو يقول
” ياه يا بتى قد كده شيفاني راچل ظالم و جاسي؟”

هالها ما تراه حتي أنها ظنت بأنها تتوهم ما يحدث فتعلقت نظراتها به تحمل مزيج من الخوف و عدم الفهم الي جانب ألمها الكبير فالتفت عبد الحميد الي البحيرة ينظر إلي مياهها بشجن تجلي في نبرته القويه
” بتلوميني عاللي حوصول زمان اني عارف.. الكل كان بيلومني بس و لا واحد منيهم شاف الي كت شايفه.. “

التفت يناظرها وهو يقول بتبرير
” كنت خايف عليكوا من غدر الزمن وظلم البشر . مكنتش عايز اظلمكوا و لا اظلم ابني. و الي جولت عليه زمان حوصول. لو كتوا وسطينا . وسط اهلكوا و ناسكوا. مكنش الكلب ده استجرأ يعمل الي عمله .. كنت عايز أحاچى عليكوا. “

تفاجأت من حديثه و تبريره لما حدث في الماضي والذي كانت تستنكره كثيرا فقالت مدافعه
” يعني حضرتك عشان تحمينا تجوزنا غصب عننا..”

انكمشت ملامحه باعتراض تجلى في نبرته
” مين الي جال أكده .. بوكي كان عنيد و طايش هو الي وجف قدامي و محترمش حديت أبوه. طول عمره متمرد و شارد. كان ودي يفضل بيناتنا. تعبت طول عمري و أنا أشده لأهله و ناسه و ادارى علي عمايله هو يبعد و يچرى. حتي لما راح أتچوز. ساب بت عمه و راح أتچوز من البندر . و صغرنا و كسر كلمتي لوما عمك وفيج اتجدم و أتچوز تهاني ام ياسين كان زمانا خسرنا هيبتنا جدام الخلج. طول عمره كان أكده لا بيحترم حد و لا بيجدر و بيختار يهروب و يسيب غيره يتحمل نتيچه عمايله..”

تفاجئت من حديث جدها عن والدها و الذي استنكرته عواطفها كثيرا فصاحت مدافعه
” ما يمكن مكنش بيحبها.. بابا الله يرحمه كان بيحب ماما اوي..”

أجابها بغضب
” يوبقي من الأول مكنش وافج… الراچل يا بتي كلمته واحدة. اهنه الكلمه بحساب. و الحاچات دي مش لعب عيال…”

اخفضت نظراتها فلم تجد ما تقوله فواصل بجفاء
” نرچع لموضوعنا.. ”
تجعد وجهها خوفا حين سمعت جملته فتابع هو بتقريع
” أنتِ غلطي يا بتي… و غلطك كبير. لكنى هغفرهولك عشانك مفرطيش في نفسك و لو الكلب دا كان عايش كنت جتلته بيدي.. بس خلاص غار في داهيه وحسابه عند الي خلجك و خلجه.. “

لم تفهم ما يحدث فقالت باستفهام
” طب لما انت سامحتني ليه خطفت حلا ؟”

عبد الحميد بوقار
“مش معني اني سامحتك يبجى راضي عنك. و الناس دي كان لازمن يدوجوا الجهرة علي بتهم عشان يعرفوا الصوح و يعملوه. “

لونت الدهشه معالمها من حديث جدها و قالت بخفوت
” انا مش فاهمه.. ”
” في حاچات في الدنيا دي اكبر من العواطف.. في كرامه لازمن الإنسان يحافظ عليها . وابوكي الله يرحمه ميستاهلش أن رأسه تتحط في الطين بسببك حتي لو كان غصب عنك.. أنتِ دلوجتي مرت ابن الوزان رسمي .و هيتعملك فرح كبير يليج بيكي و بعيلتك و هتخرجي من اهنه مرفوعه الراس ولما تروحي حداهم هتتعاملي اكده. الخوف الي في عنيكي دا تمحيه معيزش اشوفه واصل. انتِ مش جليله و لا احنا جليلين و ده الحاچة الوحيدة الي هتخليني ارضي عنك..”

احتارت هل تبكي متأثره بحديثه أن تصرخ فرحا. لم تكن تتخيل بعد ما حدث أنها سوف تستطيع أن ترفع رأسها مرة ثانيه فقد ظنت أنها ستقضي الباقي من عمرها منكثه الرأس منزوعه الكرامة حتي اشتهت الموت ولكنه الآن يهديها الحياة علي طبق من فضة ولكن يبقي هناك سؤال ينهش داخلها بدون رحمه و قد بدا ذلك علي وجهها و تجلي في نبرتها حين قالت
” انت بتعمل كل دا عشاني ولا عشان شكلك اقصد شكلكوا قدام الناس؟”

لم يكن شخصا لينا أو حنونا بطبعه بل كان جافا طوال حياته ولكنه الآن يقف أمام نسخة مصغرة من ابنه الراحل و ضحية لحربهم معا. و للحظه خالطت أفكاره صورة لطفله صغيرة بجسد ضئيل و عينين كبيرتين تشبهان بحرا اسودا يحاكي سواد شعرها الغزير الذي كان يصل لمنتصف طولها. كانت الوحيدة التي برغم صغرها لا تهابه و تهرول دائما حتي تفوز بالجلوس بين أحضانه و قد كانت قوته و جبروته تنصهر أمام برائتها و فتنتها. كانت الوحيدة التي تحظى بدلاله فلاحت ابتسامه خافته علي شفتيه حين تذكرها وهي تتعثر بخصلاتها تستقبله وهو يدخل من باب المنزل و قد كان هذا اروع استقبال يحظي به.
فبالرغم من كل شئ كانت تلك الطفلة الجميلة هي الوحيده التي استطاعت اختراق دوافعه و التربع علي عرش قلبه الذي اعتصره الألم ذلك اليوم وهي تغادر مع والديها و قد تذكر حين التفتت تناظره من نافذة السيارة تلوح له و تبتسم ببراءة للحد الذي جعل تلك الابتسامة تنطبع في قلبه..

” عمر الضفر ما يخرچ من اللحم يا بتي .. و مهما حوصول أنتِ بت ابني.. و يهمني مصلحتك..”

فاجأته حين اغرورقت عينيها بالدموع وقالت بتأثر
” علي فكرة أنا افتكرت آخر مرة شوفتك فيها قبل ما نسافر لما جيتلك جرى و حضنتك و قولتلي متسبيش جدك و تمشي.. انت فاكر صح”

ابتسم عبد الحميد وهو يقول بحزن
” صوح..”
تقاذذف الدمع من مقلتيها وهي تقول بألم

” ياريتك ما سبتنا نمشي…ياريتك خدتنا في حضنك وقتها مكنش زمان دا كله حصل..”

أنهت كلماتها دافنه وجهها بين كفوفها تنتحب بقوة علي حظها العاثر الذي انتزعهم سابقا من بين جذورهم و أهلهم ليلقي بهم بين فوهات الجحيم الذي كان ختامه فجيعتها التي لو مضي الف عام لن تستطيع تخطيها.
تفاجئت بقوله حين قال نادما
” حجك عليا يا بتي.. انا جعدت ادور عليكوا كتير جوي .. ربنا العالم متخليتش عنكوا واصل بس نصيبنا أكده.. حجك عليا.”

كان شعورا متبادلا بالاحتياج من قبل كليهما جعله يفتح ذراعيه في دعوة شابها التوسل الذي لون عينيه و جعلها تهرول الي داخل ذراعيه تنشد الأمان الذي لم يلامس قلبها منذ فراق والدها الراحل و الذي كان أكثر ما تتمناه في هذه الحياة فأخذت تشدد من احتضانها له و فعل هو الآخر مثلما فعلت وقد كان بداخله يلعن كل تلك السنوات التي ابعدتهم عنه.

كان المشهد مروعا لهؤلاء الأربعة الذين كانوا يأكلوا خطواتهم حتي يصلوا الي تلك البحيرة و بداخلهم قلوب تتوسل بألا يكون قد حدث لها مكروه ليتفاجئوا بأنها آمنه لأول مرة منذ سنين بين أحضان جدها الذي كان يطوقها بذراعيه و هو يشير بعصاه الي البعيد وهي الأخرى تتحدث بحماس و كأنها طفلة صغيرة تستمع الي إحدى قصصها المفضلة.

تجمد الجميع بأرضه من صدمه المشهد الا هو فقد تحررت قدماه و ناداها بصوت مرعب
” جنة..”

التفتت جنة فوجدت سليم يقف علي بعد خطوات منها وخلفه كلا من سالم و حلا وفرح التي تخلصت من صدمتها و هرولت الي شقيقتها تحتضنها بلهفه وهي تحمد ربها علي رؤيتها سالمه
” اي يا فرح مش هتسلمي علي چدك ولا اي ؟”
هكذا تحدث عبد الحميد ناظرا اي فرح بعتب خفي أطل من عينيه مما جعل فرح تتراجع خطوتين و هي تناظره بصدمه جعلت الحروف تتعثر بفمها وهي تجيبه
” لا .. انا مقصدتش .. بس انا..كنت خايفه علي جنة أما ملقتهاش وو ..”

لم تستطيع أن تصيغ حديثها فصمتت ليتابع هو بتقريع
” و تخافي علي چنة ليه وهي وسط أرضها و اهلها و ناسها.. “

تدخل سالم الذي فطن الي لعبه ذلك العجوز الداهية فقال بغضب ساخر
” يمكن عشان فجأة ملقتهاش في البيت و اختفت بشكل مريب !”

عبد الحميد ببراءة لا تشبه نظراته أبدا
” وه و اي المريب في انها چت تجعد شويه مع چدها؟”
سالم بفظاظة
” يمكن الطريقه الي خرجت بيها جنة من البيت كانت مريبة ولا اي يا حاج عبد الحميد ؟”

عبد الحميد باستنكار
” كنك بتحاسبني ولا اي ؟”
سالم بجفاء
” لا مش بحاسبك بس ايه الغرض انك تخوفنا بالشكل دا ؟”
اجابه عبد الحميد بهدوء مستفز
” ولا بخوفكوا و لا حاچه شيعت الخدامه تشوف چنة لو صاحيه تبعتهالي جولت افرچها علي أرضها على ما ترتاحوا من السفر..”

انكمشت ملامح فرح باستفهام انساب من بين شفتيها
” أرضها ؟”

ابتسم عبد الحميد قبل أن يقول بتأكيد
” أومال يا بتي.. كل الأرض الي حواليكِ دي ملكنا أبا عن چد. و انتوا ليكوا حج فيها مهينفعش تاچوا البلد من غير ما تعرفوا حجكوا فين . انا مش هعيشلكوا العمر كله .”

” طولة العمر ليك يا چدي.. حسك بالدنيا محاوطنا..”
انتبه الجميع لهذا الصوت القوي القادم من الخلف و الذي كان لرجل ثلاثيني فارع الطول متناسق الجسد يرتدي الجلباب الصعيدي ذو هيبه تشبه كثيرا الأرض التي يمتلكها يتميز بعنفوان و شموخ تجلي في أنفه المرتفع والذي يلائم كثيرا عينيه التي لونتها خضرة داكنه تشبه لون العشب المحيط بهم مع بشرة ذات سمرة مميزة اكتسبها من أشعة الشمس الحارقه التي كان يعمل تحتها دائما فجعلته رجل صلب قوى ينهزم أمامه أعتي الرجال كما أنه كان يملك ذكاء حاد يكلله بعض الدهاء الذي ورثه عن جده الذي التفت يناظره فتهللت أساريره قبل أن يقول بفخر
” هاه.. عمار وصل. اهلا يا ولدي جرب عشان تتعرف علي بنات عمك.. “

اقترب عمار منهم بخطوات وقوره تلائمه قبل أن يعرفه جده بجنة التي مازالت تحت حصار ذراعه والتي حيته بلطف و تحفظ الي أن آتي دور فرح فقال عمار بوقار
” أهلا يا ضكتورة..”

تجاوزت صدمتها حين رأته و لكنها لم تستطيع سوي ان تبتسم بعد أن سمعت هذا اللقب منه فمدت يدها تصافحه وهي تقول بشجن
“اذيك يا عمار .. ياااه لسه فاكر”

لاح شبح ابتسامه بسيطه علي فمه قبل أن يقول بخشونة
” و انسي ليه؟ و بعدين هي الذكريات الحلوة بتتنسي بردك يا فرح؟”

لم يتثني لها إجابته فقد اخترق مسامعها صوت كان كالزئير في قوته
” حاج عبد الحميد. عندنا كلام لسه مخلصش. أجلناه كتير وأظن جه وقته “

كانت الغيرة تتشعب بداخله كنبات شيطانى يتغزي علي دمائه التي أصبحت تغلى بداخله حتي جعلته ينفس الهواء ساخنا من أنفه وقد أشتدت ملامحه بطريقة مرعبة بعثت الرعب بداخلها حين التفتت إليه فهالها ما رأت فقد كان كأنه جمرة مشتعله بنيران الجحيم الذي كان يتنافى تمامًا مع كلمات عمار الهادئه حين قال
” و مستعچل ليه يا سالم بيه لسه جدامنا وجت طويل نتحدته براحتنا “

سالم بغضب لون ملامحه و امتزج بنبرة صوته الفظة
” مش مشكلتي انك فاضي و موراكش حاجه . انما انا وقتي غالي.. “

لم يجبه إنما انكمشت ملامحه بتعبير ساخر تزامنا مع نظرات لونها التهكم فشكل وجهه لوحه عنوانها الاستخفاف به و بحديثه و قد كانت هذه الإهانه ابلغ رد منه لغطرسة سالم الذي انتفضت عروق رقبته غضبا و تحفزت جميع دوافعه للهجوم علي ذلك الذئب الماكر الذي يناظره فصار الهواء من حولهم مغبرا مما جعل عبد الحميد يتدخل قائلا بصرامة
” نتغدى لول وبعدين نشوفوا المواضيع دي بعدين. لازمن تشوف كرم الضيافه حدانا يا سالم بيه..”

بعد عدة ساعات تناول الجميع الطعام و توجه الجد عبد الحميد الي مكتبه يليه سالم الذي تحدث بفظاظه قاصدا أن يصل الحديث الي مسامع الجميع

” عايز اتكلم معاك لوحدنا يا حاج عبد الحميد..”
” وماله.. اتفضل “

لم يحسب حساب لدهاء خصمه الذي لم يعير حديثه اي اهتمام بينما تحدث قاصدا أن يصيب أكثر نقاطه حساسيه حين قال
“يالا يا فرح عشان افرچك أنتِ كمان علي أرضك. و بالمرة نوكلك توت من الشچرة الي عالتورعة .لسانك بتحبيه؟”

كان الأمر كارثي للحد الذي جعله يأخذ قرارا بأن يرتدي حزامه الناسف و يخترق حدود العدو قاصدا الفتك به في عقر داره فالتفت ينوي إحراق هذا الرجل بنيران غضبه الجحيمي فتدخل مروان الذي فطن الي تلك الحرب الداميه التي علي وشك الحدوث وقال بلهفه
” اه والنبي خدوني معاكوا انا وحلا. اصل انا بحب الغيطان و الأراضي والحاجات دي اوي..”

لم تجيبه حلا التي كانت في واد آخر لا تشعر بما يحدث حولها فتدخل ياسين قائلا بغضب دفين
” ما تروح انت لوحدك هتجرجرها معاك ليه؟ “

اغتاظ مروان من حديث ياسين الذي كان مدركا لما يحدث ومع ذلك لا يبالي بالعواقب فقال مندفعا
” هترمح زي البهايم في الغيط تحب تيجي ترمح معانا..”
اغتاظ ياسين منه و أوشك بالرد عليه فجاء حديث عمار الصارم حين قال
” وماله سيبهم يا ولد عمي اهو نفرجهم علي البلد عشان يعرفوا هما مناسبين مين ؟”
كانت كلماته تحمل تحدي كبير لذلك الذي تألمت عظامه من فرط الغضب فأتي صوت عبد الحميد من خلفه قائلا
” مش يالا يا ولدي عشان نكملوا حديتنا . كنك رچعت في كلامك ولا اي ؟”

تخلص من الهواء الذي يحرق رئتيه دفعه واحده واعطى نظرة قويه لمروان الذي فطن الي ما يقصده فأعطاه غمزة خفيه سرعان ما انمحت حين سقط كف عمار القوي علي كتفه وهو يقول بسخريه خشنه
” مش يالا بينا يااا.. جولتلي اسمك اي؟”

التفت مروان بلهفه الي ذلك الرجل القوي وقال باندفاع
” مروان .. محسوبك مروان.. “

زفر سليم حانقا فكل ما يحدث و يحيط بهم لا يبشر بالخير فقد كانوا و كأنهم محاصرين في وادي مليئ بالذئاب التي ينبعث المكر و الغضب من بين نظراتهم لذا كان داخليا يهئ نفسه بخوض معركة داميه معهم أن لزم الأمر و قد حمد ربه داخليا أنه ألهم اخيه لتنفيذ فكرة زواجه منها وهذا هو الشئ الوحيد الذي يجعله قادر علي التنفس للآن
” تعالى معايا عايز اتكلم معاكِ “

هكذا وجه حديثه لجنة التي لأول مرة كان تنفسها هادئا و ملامحها مرتخيه فبالرغم من كل ما حدث فهي الآن تشعر بأن خلفها جدار صلب يمكن أن تتكئ عليه براحه.
” مش دلوقتي يا سليم . الكلام الي بين جدي و سالم يخصك ولازم تحضره.. يالا بينا “

للحظه كان يود لو يلكمه بقوة في أنفه ولكنه تراجع علي مضض متمتما بغضب
” أغتت إنسان علي وجه الأرض .”

*************

” و بعدين يا شيرين هنعمل ايه؟”

هكذا تحدثت همت مع شيرين التي كانت غاضبة حد الجحيم المستعر بقلبها وهي ترى تلك المرأة بجانبه فصاحت بانفعال
” ادينا مستنيين يا ماما أما نشوف هيحصل اي؟”

همت بانفعال
” انا مش فاهماكي أنتِ شويه مطمنه و شويه متعصبة في ايه؟”

زفرت بغضب و التفتت تقول بنفاذ صبر
” مطمنه عشان مخططه كويس لكن هطق من الزفته الي لازقه لسالم دي”

” اومال انا اعمل ايه بقى في خيبتي البيه اتجوزها..”

كان هذا صوت مروة التي جمعت حقائبها و وضعتهم بجانب الأريكه التي جلست عليها بإحباط و ألم فصاحت همت مستنكرة
” أي يا بنتي الشنط دي أنت راحه فين ؟’
” ماشيه هقعد اعمل ايه ؟”

شيرين بغضب
” تمشي فين يا هبله انت؟”
مروة بحزن
” هقعد اوجع قلبي عالفاضي و أنا شيفاه مع الست هانم . انا امشي احسن ”
همت بتقريع
” يا هبله عايزة تمشي و تسيبي الجمل بما حمل كدا بحتة بت زي دي. دانتِ تستني و تحرقي دمها و أعصابها و تخطفيه ليكِ “

شيرين وهي تعبث بهاتفها
” اسمعي كلام ماما اتضح أنها عندها حق و كلامها صح “

” انا هطق ايه الحظ دا دانا ملحقتش اقعد كام يوم و لسه هبدأ اتعامل معاه يقوم يتجوز ..”

شيرين بخبث
” متقلقيش هيطلق قريب..”
تحفزت مروة و التفتت تناظرها بعينين لامعه
” تقصدي إيه ؟”
و تدخلت همت قائلة
” يعني ايه هيطلق قريب دي ؟”

لم تتحدث انما قامت بتوجيه شاشة الهاتف أمام وجوههم فبرقت أعينهم عندما شاهدوا تلك الصورة أمامهم..

*************

كان القلب يئن حزنا و الجسد يئن وجعا علي الرغم من كل تلك العقاقير التي تأخذها حتي تخفف من آلام جسدها الذي مزقته في نوبه انهيارها الا أنها كانت تشعر بوجع عظيم ربما كان مصدره ذلك الوجع القاطن علي يسارها حين تتذكر كل المآسي التي مرت بحياتها و أخيرا مأساتها الكبرى حين سمعت صوته وهو يتحدث عن علاقة مزعومه بينه وبينها الآن فقط علمت معني الظلم بل القهر. فقد اتهمها ذلك الجرذ و أيده عدى أثمن هديه أهداها بها القدر فقد كان دائما جزعها القوي حصنها المنيع كانت تستند عليه من كل شئ و لكنه خذلها حين صدق تلك الإفتراءات و تطاول علي جسدها ينوي انتزاع أثمن ما تملك في تلك الحياة . بكل ما تملك من ألم كانت تتمني أخباره بأنها لازالت شريفه الجسد علي الرغم من أن روحها تدنست بسبب أفعالها مع جنة و كرهها لها لا تعرف هل كان ذلك غيرة منها ام حنقا لإن الجميع دائما ما يفضلون عليها أشخاصا و احيانا اشياء. لا تعلم ولكنها تتألم و قد خرج صوتها جريحا حين قالت
” انا مش وحشه.. هما الي وحشين.. انا مفرطتش في نفسي يا عدى متصدقهوش..”

كان هزيانا من فرط الألم ولكنه لامس قلب ذلك الذي كان يجلس أمام سريرها يناظرها بعينين يملؤهما الألم و الندم الذي كاد أن يجعله يجن. اه لو يعود الزمن للخلف يقسم أنه سوف يقوم بترميم جراحها و يحاوطها باجنحته حتي تنعم بالأمان الذي افتقدته طوال حياتها. كان ليغدق عليها من بحور عشقه حتي تطيب جراحها و لن يدع اي شخص يؤذيها ولو كانت هي و لن يسمح لأحد بالإقتراب منها ولكن هذا الكبرياء اللعين هو ما جعله يفرط بها حين أخبرته أنها تحب صديقه!
امتدت يديه تمسك بيديها بقوة وهو يقول بألم يقطر من بين حروفه
” عارف.. عارف كل حاجه. انتِ اشرف بنت قابلتها في حياتي. انا عارف. سامحيني ..ارجوكِ سامحيني ..”
” انت بتعمل ايه هنا يا حيوان؟”

لم يلتفت علي الفور انما قام بوضع قبله دافئة علي الجزء البسيط الذي يظهر من بين ضمادها ثم التفت ينظر إلي والدها وهو يقول بجمود
” المفروض انا الي أسألك السؤال دا .. سائب مشاغلك و مؤتمراتك و قاعد هنا ليه ؟”
صاح بغضب
” انت يا حيوان بتحاسبني بصفتك مين . دي بنتي”
عدى باستنكار
” بنتك! تصدق اول مرة آخد بالي . و ياترى لسه عارف الموضوع دا النهاردة و لا باين من كام يوم ”
لكنه قويه من يده طالت فك عدى الذي تراجع خطوتين للخلف وهو يقول بوعيد
” انا ممكن ارد الضربه عشرة بس عشان خاطرها مش هعمل كدا..”

” انت بجح و قذر جاي بعد عملتك دي و مش مكسوف تقف قدامي ”
عدى بجرأة
” لا مش مكسوف. و مستعد اقف قدامك و احط عيني في عينك و مش هاممني حد .. انا الي مفروض اكون جمبها مش انت .. هي محتجانب انا مش انت. و و لو انا غلط في حقها مرة فأنت غلطت ألف مرة. أنا إلي كنت واقف في ضهرها علي طول. و أنا إلي ساعدتها تنتقم من الكلب جوز خالتها الي كنتوا رامينها عندها و انا الي ساعدتها عشان تنتقم من حازم و أنا الي مستعد اموت عشان خاطرها. و ان كنت جرحتها فأنا هصلح غلطتي معاها و هتسامحني عشان ليا رصيد كبير عندها أما أنت عمرها ما هتسامحك عشان مفيش في قلبها ليك غير الوجع و الخذلان “

سقط علي الكرسي بألم انهك صدره فهذا الشاب محق فهو لم يكن أبا حقيقيا و لو لمرة واحدة حتي أنه تناسي أمرها في الآونه الأخيرة و هرول خلف نجاحاته و نقوده و مكانته العلمية التي لا تساوي شئ أمام ما حدث مع ابنته الوحيدة التي خسرها و خسر كل شئ بفقدانها.
” انا عايز اتجوز ساندي!”

*************

عرضك مرفوض يا حاج عبد الحميد..”
هذا كان صوت سالم القوي وهو يناظر عبد الحميد.بغضب لم يتعدي حدود شفتيه مما جعل عبد الحميد يقول باستفهام
” بترفض نسبنا يا سالم بيه ؟”

عند هذه الجملة انفتح باب الغرفة و أطل منه ياسين يتبعه سليم الذي قال باستفهام
” نسب ايه يا سالم ؟”
لم تهتز عينيه عن عبد الحميد وهو يجيب شقيقه قائلا
” الحاج عبد الحميد طلب ايد حلا ل ياسين و انا رفضت .”

تدخل ياسين غاضبا
” اقدر اعرف السبب؟”
سالم بفظاظة
” مش عاجبني”

علي نقيض شعوره ابتسم قبل أن يجلس أمام سالم وهو يقول ساخرا
” انا عارف انك مابتحبنيش. بس معقول هتظلم اختك عشان اهواءك..”

لم يتحرك جبل الجليد بل وضع قدما علي ساق وقال بنبرة هادئة ولكن قويه
” بلاش اللعبة دي معايا ..”

انهي جملته و التفت إلي عبد الحميد قائلا بتهديد مبطن
” لو فاكر انك كدا بتضمن سلامه جنة تبقي غلطان. و ان كان حازم غلط فخد جزاءه ودلوقتي بين ايدين ربنا هو أولى بيه.”

تحمحم عبد الحميد قبل أن يتحدث بوقار
” اسمعني يا ولدي.. احنا صعايدة و دمنا حامي واني راچل كبير شفت كتير و عشت كتير. يمكن لو كان الي حوصول ده من عشر سنين كان زمان الحرب جايمه و الدم للركب . انما دلوق اني بحل الأمور بعجلى و دايس علي غضبي عشان معيزش خساير بزيادة الي راحوا. لينا حج عنديكوا “

قاطعه سالم قائلا بصرامة
” خدتوه.. لو فاكر انك بالي بتعمله بتعزز جنة قدامنا فأنا عززتها قبلك. و جبتها تعيش وسطينا و ابنها اكتب باسمنا و في اليوم الي اتولد فيه حقه في أبوه اتسجل باسمه مع أن مش اي حد هيعمل كدا بس انا مش ظالم .. و دلوقتي جنة مرات سليم. و أنا واثق انك عارف أنه عمره ما هيأذيها ولا هيبهدلها.”

عبد الحميد بتأييد
” عارف. بس الدم لسه بيغلي و النار لساتها شاعله . و عشان تنطفى لازمن العيلتين يبجوا بينهم دم واحد. يمنع المچازر الي ممكن تحصول . صدجني اني بعمل الي فيه الصالح للعيلتين. و بجتل الفتنة جبل ما تنتشر..”

سالم بخشونة
” محمود وجوده يمنع اي فتنه. و مش لوحدك الي خايف علي اهلك .انا كمان خايف و معنديش اغلى من أختى ولو علي رقبتي مش هجوزها غصب عنها ”
ضيق عينيه بمكر قبل أن يقول بهدوء
” و مين جال أن احنا عايزينها غصب عنيها. ما يمكن هي رايده ياسين زي ما هو رايدها. اسألها..”

سالم بجفاء
” انت عايز توصل لأيه ؟ ”
” عايز الحج و بس. لو بتكوا مش رايده ابننا يبجي خلاص علي هواها”
تشابهت لهجته مع ملامحه حين قال
” وماله. هسألها .”

التفت سالم ناظرا الي أخيه الذي فهم ما يشير إليه و اوما برأسه و هو يتوجه للخارج فمنذ البدايه كان سليم صامتًا لا يعلم أن كان غضبا أم حزنا فبالرغم من أن قلبه وجد طريق الحب معها ولكن الطريق كان متعبا بل مؤذيا للجميع و ها هو الأذي يصل الي شقيقته. فللحظه وضع نفسه مكان هذا الرجل فسيفعل مثلما فعل و أكثر وعلي الرغم من مقاومة أخاه الأكبر إلا أنه كان يدرك بأن ما فعله حازم وضع الجميع في منعطف خطر إن لم يتلطف بهم القدر فسيقعون جميعا في الهاوية .

موافقه يا أبيه.”

هكذا أجابت حلا علي سؤال سليم حين اخبرها برغبة ياسين في الزواج منها و قد تفاجئ بقبولها الصريح الذي جعل ملامحه تنكمش بريبه تجلت في نبرته حين قال
” موافقه!! أنتِ في حاجه بينك و بينه يا حلا؟”

تراجعت خطوتين إلي الخلف وهي تقول بتلعثم
” لا .. والله . يا ابيه . حاجه ايه دي الي هتكون بيني و بينه ؟”

اقترب منها سليم و هو محتفظا بيديه داخل جيوب بنطاله قائلا باستفهام
” موافقتك السريعه دي مش مريحانى بصراحه..”

كان الضياع و الخوف يغلفان نظراتها إليه وهي تتذكر ما حدث البارحة

عودة إلى وقت سابق

كانت خطواتها تحمل الخوف و الرهبة وهي تمشي خلف الخادمة التي أخبرتها بأن هناك من يريد الحديث معها و لاذت بالصمت بعد ذلك فلم تعد تجيب علي أسئلتها فاجبرت نفسها علي المضي خلفها وهي تناظر المكان حولها بفضول الي أن وصلت إلي باب ضخم فتحته الخادمة و دخلت و تبعتها الي داخل تلك الغرفه العريقة فتفاجئت من وجود رجل عجوز ملامحه خشنه بل قاسية تحيط به هيبة بدائيه بثت رعبا قويا بداخلها زادت حين قال بصوته القوي
” واجفه عندك ليه .. جربي يا بتي”

بللت حلقها الجاف وهي تخطو بأقدام مرتعشه الي حيث يجلس و بشفاه مرتعشة سألته
” انا فين و انت مين ؟”

عبد الحميد بخشونه
” أنتِ في الصعيد .. تحديدا في المنيا.. و انى ابجى عبد الحميد عمران.. أنتِ متعرفنيش و متاخديش بالك من الاسم بس انا هعرفك..اني ابجي چد چنة و فرح.. اكيد تعرفيهم ..”

تعاظم الخوف بقلبها من حديث ذلك الرجل و قالت بصدمه
” ايه ؟ ازاي ؟ احنا منعرفلهمش أهل.. يعني اقصد ..”

قاطعها بخشونة
” فاهم جصدك.. و اديني بعرفك بنفسي اني ابجي جدهم. ”
” وليه جبتني هنا ؟”
هكذا سألته بلهجه مرتعشه فأجابها بهدوء يتنافى مع خطورة كلماته و ما تحمله من معاني
” بصراحه جولت اخد رأيك وأشهدك عالي حوصول.. يرضيكِ يا بتي الي اخوكي عمله في بت ابني ؟”

سقط قلبها بين قدميها من فرط الرعب فابتلعت ريقها بصعوبه و لم تقوي علي الحديث فقط هزة بسيطه من رأسها بالسلب فصاح عبد الحميد بصوت قوي
” على صوتك . مش سامعك يرضيكِ؟”

صرخت بلهفه
” لا لا ميرضنيش.”
” حلو .. طب يرضيكِ أن بت زي چنة تجضي عمرها كله موطيه راسها بسبب واحد خسيس زي اخوكي.. لاه طبعا ميرضكيش. اني بجي لازمن اخد حج بت ابني و حج شرفنا الي حطه اخوكي في الوحل.”

اجابته بلهفه
” بس حازم مات..”
” ماني عارف . الله لا يرحمه ويحرجه في چهنم الحمرا. بس ده مش هيشفع لينا جدام الخلج و لا هيرفع راس بتنا..”

قفزت العبرات من مقلتيها قبل أن تقول برعب
” يعني هتعمل ايه؟”
عبد الحميد بتهديد
” مضطر اخد تاره من خواته..”
” لا اخواتي لا..ابوس ايدك إلا اخواتي.اقتلني انا بس هما لا. بالله عليك اخواتي لا . ادفني صاحيه بس اوعي تقرب منهم..”

قفزت الكلمات من بين شفتيها ممزوجه بعبرات غزيرة تابعه من قلب يحترق رعبا علي اشقائها الذين لا تقوي علي فراقهم فأجابها عبد الحميد بفظاظة
” للأسف يا بتي مبناخدوش تارنا من حريم. ”
صرخت بذعر
” لا ابوس ايدك . انا اهوة معنديش مشكله اموت وهما يعيشوا طب اقولك انا هموت نفسي بإيدي و يبقي كدا انت خدت تارك بس اخواتي لا ”
قالت جملتها الأخيرة بصوت مبحوح من فرط الألم فتابع عبد الحميد بلهجه هادئه
” فاچأتيني يا بتي. و صعبتي عليا و عشان أكده هريحك. و هجدملك فرصه تفديهم ماهم بردك ملهمش صالح بالي حوصول”
” فرصة ايه ؟ انا موافقه علي كل إلي تقوله”

عبد الحميد بلهجة منتصرة
” بالظبط.. هو ده الي عايزك تجوليه لخواتك لما ياچوا يتكلموا معاكِ”
” انا مش فاهمه يعني اي؟”
عبد الحميد بصرامه
” بكرة تفهمي.. و افتكري اني مبديش الفرصة مرتين يا بت الوزان..”

عودة إلى الوقت الحالي

الآن فهمت ما معني حديثه وبالرغم من كونها ارتاحت لهذا الطلب إلا أنها انثي حرة تربت على الكبرياء و العزة تأبى الخضوع حتي ولو اشتهاه قلبها . بالرغم من عشقها له إلا أن إجبارها بتلك الطريقه آلمها كثيرا و خاصة وهي تراه يتجاهلها و حتي لم يكلف نفسه عناء الإطمئنان عليها وهذا يعني بأنه مشترك بتمثيليه خطفها ولم يبالي بألمها و لا خوفها ولهذا السبب أقسمت بداخلها علي الانتقام منه ومن جبروت قلبه الذي لم يهتم لألمها فهي إن خضعت خارجيا لهذا الأمر فهي تنتوي أن تجعله يندم أشد الندم
” انا موافقه يا أبيه دكتور ياسين انسان محترم و اي حد يتمناه.. اتمني متكسفنيش اكتر من كدا..”

لم يراجع لتعابير وجهها ولا لنظراتها ولكنه اكتفي بالقول
” ماشي يا حلا الي تشوفيه.. انا هنزل اقول لسالم و نشوف رأيه ايه ؟”

*************

ارتاح عبد الحميد لما حال إليه الأمر و تجلى ذلك في نبرته حين قال
” تتكلموا في المهم. ”
سالم بسخرية
” هو في اهم من كدا”
” طبعا اومال اي؟ هتاخدوا من حدانا عروسه أكده. من غير اي حاچه دي تبجي عيبه في حجنا و حجكوا. واحنا عروستنا تتاجل بالدهب “

منذ البدايه كان سليم صامتا لا يعلم أن كان غضبا أم حزنا فبالرغم من أن قلبه وجد طريق الحب معها ولكن الطريق كان متعبا بل مؤذيا للجميع و ها هو الأذي يصل الي شقيقته. فللحظه وضع نفسه مكان هذا الرجل فسيفعل مثلما فعل و أكثر وعلي الرغم من مقاومة أخاه الأكبر إلا أنه كان يدرك بأن ما فعله حازم وضع الجميع في منعطف خطر إن لم يتلطف بهم القدر فسيقعون جميعا في الهاوية .

” الي تطلبه كله مجاب يا حاج عبد الحميد. من غير نقاش… شوف انتوا سلوكوا اي و أنا رقبتي سداده”
هكذا تحدث سالم فأجابه عبد الحميد قائلا بخشونة
” اول حاجه بتنا لازمن يتعملها فرح الخلق كلاتها تحكي و تتحاكي بيه. ”
غضب سالم بشدة وقال باستنكار
” الكلام دا مش هيحصل قبل سنويه حازم. والدتي مش هتتحمل الكلام دا دلوقتي.”

” وماله نستني. علي ما تكون كمانى اطمنا عليها و عملت فحوصاتها و تحاليلها..”

” انت عرفت كل دا منين ؟”
هكذا استفهم سالم الذي كان يشعر بأن هناك شئ يحاك من خلفهم فأجابه عبد الحميد
” متشغلش بالك انت يا عريس. أهم حاچة دلوق نجعد و نتفج علي المهر و الدهب و الذي منه. “

شعر سالم بأن هذا الداهيه يخفي الكثير و لكنه لاذ بالصمت و داخله ينتوي كشف كل الأوراق و أن لزم الأمر حرقها..

***************

خطى سليم الي الخارج و بداخله العديد من الأسئلة التي لا يعلم اجابتها و قد شعر بأن العالم بأسره يضيق به فأخذت عينيه تبحث عنها و هو يتمني لو يلمح طيفها حتي يبدد هذا الشعور المقيت فأخذ يبحث عنها الي أن وجدها تقف بالحديقه تنظر إلي شبيهاتها من الورود و لأول مرة يرى ضحكتها التي لونت ملامحها فبدت فاتنه خاصة حين تعامد الغروب علي خصلات شعرها الذي بدا كليل طويل حالك السواد حول وجهها الذي كان قمرا ساطعا فاغمض عينيه للحظه يتخيله يتلمس تلك الملامح الفاتنه يشتم عبيرها الأخاذ حتي تمتلئ رئتيه يتمني أن تطرب آذانه بهمسها باسمه مرة ثانيه كما حدث ذلك اليوم بالمشفي وفجأة خرج من تخيلاته العاطفيه علي صوت عالي يخترق آذانه
” الحجونا. الحجونا عمار بيه بيتخانج مع الضيف و مجطعين بعض…”

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية في قبضة الأقدار)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *