روايات

رواية يناديها عائش الفصل الثاني والسبعون 72 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش الفصل الثاني والسبعون 72 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش البارت الثاني والسبعون

رواية يناديها عائش الجزء الثاني والسبعون

يناديها عائش

رواية يناديها عائش الحلقة الثانية والسبعون

«‏اللهم لأجلِ صغارٍ رُضّع، وشُيوخ رُكّع، ونِساءٍ عُجّز؛ ارفَع عن المُسلمين المُستضعفين هذا البلَاء، ورُدّ عَنها هجُوم الأعدَاء.
‏اللهُم أطفىء نَار هَذه الحُروب بقُدرتِك، وأوقِفها بقُوّتك، وعَوّض أهلهَا من إخواننَا خير العِوَض.
‏اللهُم اجبُر كَسر قلُوبهم، وأنزِل سَكينتَك عليهم، اللهُم احتَضن قلوبهم بين ثنَايا لُطفك وجَبرك يا جبَار السَماوات والأرض».
_____________________
” و أنا يا سيدي من دون حُبك غريق، و بدون لمساتك الحنونة قلبي زليق، يجعلني بُعدك دائمًا في ضيق، فهل يا مولاي سيطول بُعد الطريق ؟
أما أن قلبك لم يتولى قلبي رفيق ! ”
«لـ نرمينا راضي»
~~~~~~~~~~~~~
تحركت جفون ” أُبَيِّ ” ببطء؛ مُعلنة استرداده لوعيهِ، فانتبهت ” نورا ” عليه و قالت بلهفة
” أُبَيِّ بيفوق ! الحمدلله ”
انتبه له والده، فنهض مبتسمًا وهو يحمد الله قائلًا
“وقعت قلوبنا عليك يا بني”
كانت والدته تجلس بجانبه، تربت على شعره بحنان و دموعها متعلقة في أهدابها من الخوف عليه.. قالت وهي تُقبل يده
” ألف حمد الله على سلامتك يا حبيبي ”
بدأت الرؤية تتضح شيئًا فشيء أمام ” أُبَيِّ ” فحول بصره بتعب عن يمينه، ليجد ” نورا” تبتسم له بسعادة و حُب اتضح في عينيها، مما بادلها ” أُبَيِّ ” الابتسامة غير قادرًا على قول أي شيء..
لحظات و بدأ في الانهيار و الصراخ ثانيةً، حينما تذكر رقبة الرجل وهي تُذبح أمامه، و رأسه المقطوع.. أخذ صدره يعلو و يهبط بشدة، كأنه يُصارع وَحشًا.. هرول ” مُجاهد” يُنادي الطبيب بهلع..
” دكتــــور… الحق ابني.. ابني بيروح مني أبوس ايدك.. ”
تحدث أُبَيِّ بتلعثم شديد، و بخوف بدا جليًا على ملامحه كأنه يرى عفريت
“قـطع… قطـع.. قطــع را.. راسه.. شو.. شوفته.. شوفته.. دَ… دَ.. دَبحه… أنا.. أنا.. أنا خا.. خايف”
لم يستطيع أحد اخفاء دموعه من هيئة ” أُبَيِّ ” المزرية، بينما ” نورا” كاد يأكُلها الفزع عليه.. انهارت بجانبه باكية تحاول تهدئته
“اهدي يا أُبَيِّ بالله عليك.. عشان خاطري اهدى.. متخافش أنا جنبك.. كلنا معاك يا حبيبي.. هموت من الخوف عليك.. عشان خاطري يا أُبَيِّ”
لم يكن أُبَيِّ بمقدوره الاستماع إليها من الأساس، أو لأي أحد؛ لأن نوبة الفزع تلك انتشلته لعالم اللاوعي، فأخذ يبكي بخوف و يرتعش باضطراب كالأطفال تمامًا، حتى جاء الطبيب و أعطاه حُقنة مهدئة أخرى ذات مفعول أقوى، و التفت يقول لهم بأسف
” حالته صعبة.. هو مش قادر ينسى اللي حصل وده زود التلعثم عنده، خصوصًا إنه أول مرة يشوف جريمة زي دي تحصل قدام عينه، قلبه الضعيف مستحملش و عقله مش راضي يتقبل اللي حصل، فلما بيفوق شعور الخوف بيتملك منه تاني و بيحس إنه هيحصله نفس اللي حصل للضحية.. ”
” بعيد الشـر”
قالها جميع من بالغرفة، فتابع الطبيب
” في الحالات اللي زي دي بتفضل تحت الملاحظة لمدة كام يوم، بس الزيارة ممنوعة ”
انطفأت ملامح نورا و عادت ذابلة، أما ” مُجاهد ”
نطق بحسرة..
” آه يا أُبَيِّ.. طيب يا دكتور بعد الكام يوم دول هيبقى كويس ؟ ”
رد الطبيب مبتسمًا
” إن شاء الله..
ثم قال في أدب.. ” استأذن حضراتكم تتفضلوا دلوقت.. ”
هزّ ” مُجاهد ” رأسه في انكسار، و اقترب من
” أُبَيِّ ” يضع قُبلة طويلة على جبهته قائلًا
” ربنا يقومك بالسلامة يا بني ”
ودعته والدته و أشقائه أيضًا، و أبناء عمه
” زياد و بدر” و دعا له عمه مُصطفى، في حين أن ” نورا ” انتظرت خروجهم من الغرفة، و اقتربت من ” أُبَيِّ ” و همست بدموع
” ارجع لوعيك عشاني.. ارجع لي يا أُبَيِّ.. دُنيتي محلوتش غير لما دخلت فيها.. أرجوك ارجع بسرعة.. أنت حُبي الوحيد الحقيقي.. متبعدش أكتر من كده.. فراقك صعب عليا أوي.. يارب تخف بسرعة.. ”
لم تكف ” نورا ” عن مواساتِه بنبرة حنونة تُخفي وراءها قلبها الحزين عليه..
” أنت أقوى من كل ده.. أنا واثقة فيك.. متأكدة إنك سامعنى دلوقت بس مش قادر ترد عليا.. أُبَيِّ.. أنت أقوى من الخوف.. اوعى تستسلم ليه ”
ثُم تركته وهي تلقي عليه نظرة أخيرة، بعد أن وضعت بجانبه صورة لها وهي صغيرة، كانت تبدو شقية و جميلة جدًا، أخرجتها من محفظتها للتو،
و كتبت عليها من الخلف..
” لو بتحب عيونها، ارجع عشانها ”
~~~~~~~~~~~~~
بعد خروجهم من المشفى، و ذهاب كل فرد لبيته.. انتظرت ” رغدة ” زوجة مُجاهد نوم ابنتيها، ثم أعدت كوبين من النعناع واتجهت تقف بجانب زوجها في الشُرفة، لتقول بحزن بعد دقائق من الصمت..
” أنا قلبي مش مطمن يا مجاهد.. حاسة إن الماضي اللي فضلنا نهرب منه سنين هيجي يخبط الباب علينا فجأة.. خايفة على العيال بالذات الولدين.. واحد لولا ستر الله كان راح مننا و التاني عارفين هو فين و مش قادرين ننطق حتى، أو نمنعه.. ”
نظر لها ” مُجاهد” بدهشة من آخر جُملة قالتها، ليقول بضحكة استخفاف
” يعني أنتِ طول الفترة دي كلها عارفة حقيقة قُصي ”
أومأت بأسف..
” ايوه عارفة.. بس قولي كنت أقدر أعمل إيه ! ”
” ولا حاجة يا ست رغدة.. أنا اللي هطلع وحش في الآخر.. رغم كل اللي عملته عشانه.. لما قُصي ابننا يعرف حقيقة أمه و أبوه مش هيلومك أنتِ.. الواد ميال لكِ أكتر مني.. هيحط كل اللوم عليا.. بس يا ريته يفهم إنه كان غصب عني.. ”
وضعت ” رغدة ” يدها بحنو على يد زوجها، تواسيه بلُطف..
” لا يا مجاهد.. أنت عملت الصح و هو ذكي وهيفهم إننا كُنا بنحميه السنين اللي فاتت دي كلها ”
أطرق رأسه في أسى، و تنهد بعمق قبل أن يقول
” أنا عارف إنه ذكي، و هيقدر يواجه قدره، بس دي ابني برضو و خايف عليه.. ”
” ذكاء قُصي نعمة و نقمة في حد ذاته.. لما تم الستة عشر سنة و اختاروه عشان يتم تجنيده، مكنش عشان أبوه يبقى مين.. مش عشان أنت كنت في الانتربول الدولي.. لأ خالص.. عشان قُصي ربنا أنعم عليه بذكاء فوق المعقول.. أنت كنت تتخيل إن مراهق عنده تسعة عشر سنة يرسم خطة الهجوم على سمير الضبع أشهر سفاح في ألمانيا و يدفن ابنه حي ! ”
ضحك مُجاهد بقلة حيلة، ثم أخذ رشفة من النعناع ليقول ساخرًا
” سمير الضبع ! اسمه لوحده كان عامل قلق للسلطات الأمنية في ألمانيا و مصر، صعيدي هارب من مصر و أسس عصابة من أقوى العصابات اللي عرفتها، كان بيقدر يعمل أي جريمة في منتهى السهولة.. مكنتش متخيل إننا هنقدر نقبض عليه.. لما جه عزمي بيه و قعد معايا في اليوم المشؤوم ده، قالي أنا عاوز قُصي يشتغل لحسابنا.. وقتها اعترضت جدًا.. ازاي هوافق ابني يبقى في خطر كل ثانية وهو لسه في العمر ده مش واعي لأي حاجة ! مش معنى إن مدرسينه كانوا مبهورين بذكائه و حاز على المركز الأول على مستوى مدارس الأمم المتحدة، يبقى ياخده تجنيد ! عزمي طمع في قُصي و انبهر بيه من أول تدريب، عشان كده صمم ياخده و قُصي كان فرحان إنه هيخوض التجربة دي.. ميعرفش إنها هتفتح عليه و علينا أبواب الجحيم.. ”
” كُنت على يقين إن الباشا هيرجع ياخده تاني بعد الاعفاء اللي عرفنا بالعافية نجيبها له.. قلبي دايمًا واكلني عليه يا مجاهد.. ”
قالتها وهي توشك على البُكاء، فقال زوجها وهو يطوق كتفيها بحنان
” متخافيش.. أنا هرجع الممر تاني.. لازم اقعد مع عزمي.. و مش هرجع غير و قُصي معايا ”
رمقته بدهشة تتساءل
” هو قُصي عارف إنك كنت شغال مع عزمي ! ”
” لأ ميعرفش و أظن عزمي مش هيغامر و يعرفه.. هو كل اللي يعرفه إن أنا و عزمي صحاب من صغرنا، لكن ميعرفش الشغل اللي بينا.. كان نفسي أقول لأ لما جه خده من قدام عنيا.. بس إحنا منقدرش نقول للداخلية لأ.. ”
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
في الفيلا الخاصة باللواء ” رياض الكُردي” يقوم بكسر مزهرية موضوع أمامه، ليهتف صارخًا
” جاي يهددني في بيتي.. ابني اللي من لحمي و دمي بيهددني عشان حتة بت زي دي لا راحة ولا جات.. تبقى مين هي عشان يقول لأبوه حسابك تقل معايا ! أنا رياض الكُردي يتقالي كده ! ماشي يا كريم.. إن ما وريتك.. ”
جاءت زوجته من خلفه تقول باستعطاف
“متزعلش منه يا رياض.. اللي عملته بردوا في مراته مينفعش.. و بعدين دي هتبقى أم أحفادك يعني ميصحش..”
صاح بها بعيون تكاد تنفجر من الغيظ
” أم أحفادي مرة واحدة ! أنتِ اتجننتِ أنتِ كمــــان !! ده أنا اقتلهم قبل ما يجوا..
ثم اقترب منها قائلًا بخفوت وهو ما زال في قمة التعصب
” أنتِ عارفة إن الأرض اللي ابوها بنى عليها بيته دي تبقى ملكي من الأول ! المقبرة اللي مليانة كنوز تحت بيته أنا أحق بيهــا.. سامعة ولا لأ ؟؟ ”
تأملته زوجته للحظات بدهشة غير قادرة على استيعاب ما تفوه به توًا.. تساءلت في حذر
” أنت.. أنت لسه حاطط الموضوع ده في دماغك! ”
هز رأسه ضاحكًا بصخب
” و أنا امتى شيلته ! من اثنان و عشرون سنة و أنا مش قادر أنسى.. تصدقي أنتِ بتفهمي برضو.. طلع عندك حق.. أنا ليه رافض الجوازة دي وهي اللي هترجعلي مالي و حقي !
كانت طايرة من بالي الفكرة دي..
ابتلعت زوجته ريقها بخوف و قبل أن تنطق، أسرع بالقول وهو يعود للهدوء المخيف
“فاكرة سليم الدجال ! سليم اللي كان بيعرف في الرصد وكان هو وش الخير عليا لما فتحنا مقبرتين في سانت كاترين و واحدة في أسيوط، هو برضو اللي رصد المقبرة اللي تحت بيت أبو البت دي.. بعتله ناس وقتها أشتري منه الأرض بأي ثمن هو عاوزه ورفض بحجة دي أرض اجداده و مش عاوز يفرط فيها.. تفتكري لو عرف إنه تحته كنز بمليارات هيعمل ايه ! الراجل ده لازم يرجع لي حقي اللي عرفته قبله، يا إما هاخده بالعافية
” أنا.. أنا قلت إنك نسيت الموضوع لما بطلت تتكلم فيه.. ”
“سليم مات في ظروف غامضة و أنا من غيره معرفش افتح مقابر، هو اللي في ايده كل حاجة.. لكن المرة دي هفتحها.. بالذوق بالعافية المقبرة دي من حقي و أنا اللي هاخدها.. ناقص بس أدور على حد واصل زي سليم يعرف يفتحها لي..”
” اعقل يا رياض و بلاش عشان خاطر البت و الولد اللي حيلتنا.. ”
قالتها الزوجة بدموع القهرة و قلة الحيلة، فدفعها رياض بغلظة ليقول بلهجة اصرار تاركًا اياها
” اعقلي أنتِ و فكري في النقلة اللي هنبقى فيها.. جاه و سلطان أي حد يتمناه.. ”
~~~~~~~~~~~~~~~~
في ذلك البيت المهجور الذي خطف فيه ” قُصي ”
العصابة الثلاثية، بدت الدهشة و امارات الصدمة على وجوه الجميع، عدا ” إياد” لعدم علمه بأي شيء حول تلك العصابة.. كانت دهشتهم من حقيقة ” آراش” الشاب الذي تقمص دور المثلي و لعب الدور جيدًا مع ” قُصي” في الملهى الليلي أمام أعين كارمن و رودينا؛ حتى لا يترك للشك مجال حياله، و بمهارة لعب دور كبير أيضًا في التمثيل أثناء تعذيب قُصي له، لأنهما في ذلك الوقت كانا قد علما بأن رودينا تضع كاميرا مراقبة مخفية عن الأعين في البيت اللذين يجتمعون فيه، و الذي خطط قُصي ليختطف صديقه ابراهيم و المدعو بـ ” آراش الايطالي ” ليقوم بتعذيبه أمام كاميرا المراقبة و تحت أنظار رودينا التي تراقبه من خلال الجهاز الذي بحوزتها دائمًا، و وضع شريحة تصنت في ظهر ” آراش ” قاصدًا عمل ذلك أمامها؛ حتى يخفي جميع الشكوك حول صديقه، و بسبب ذكائه القوي الذي يتمتع به، ترك المجال لرودينا لتستطيع انقاذ ” آراش ” و اخراج الشريحة من ظهره لعلمه أنها خبيرة في الجراحات رغم عدم دراستها لها، و لكن في بداية طريقها نحو العالم الاجرامي كانت تعمل مع والد ” نهلة” المدعوة بـ ” كارمن ” سمير الضبع صاحب أكبر عمليات سرقة أعضاء من الفقراء الجالسون بالطرقات و المجانين في الشارع العام سواء في مصر أو ألمانيا، استطاعت رودينا بالفعل تخليص جسد ” آراش ” من الشريحة، و لكن نقطة الدهاء تظهر هُنا..
مع أول شخص يقوم باستخراج الشريحة، تلتصق في جسده تلقائيًا دون أن يدري هو ذلك، و في الحقيقة لم تكن شريحة تصنت، بل هي جهاز تعقب الخطوات بالصوت و الصورة يعمل دون معرفة صاحبها، أما من قام بصنعها هو وحده فقط من يستطيع التحكم بها، و ” قُصي ” قد استغرق في صُنع تلك الشريحة حوالي السنة، و تعتبر أطول مدة استغرقها لاختراع شيء، حتى أطول من القلادة التي صنعها و اخترعها خصيصًا لارضاء ” كريم “.
تساءل كريم بدهشة
” هو مش ده الواد الشاذ ! ”
زفر ” ابراهيم ” باستياء مصطنع ليقول
” والله يا كريم بيه.. حُكم الشغل، و حُكم المفتري ده.. ”
أشار بيده على ” قُصي” فضحك الآخر قائلًا
” بس ايه رأيكم ؟ خطة ما تخطرش على بال الجن الأزرق ”
رد كريم معجبًا بذكاء قُصي
” جن أزرق ايه.. ده أنت مكانك مش هنا.. أنت يتعملك عالم لوحدك كده.. ايه ياض الجنان اللي أنت عملته ده ! ”
” ايه مش عاجبك !؟ ”
تساءل قُصي باستغراب، فرد كريم في انبهار
” مش عاجبني ! ده أنا اللي في المخابرات بقالي سنين مفكرتش في فكرة زي دي.. شريحة متنقلة و الواد البت يطلع راجل طبيعي زينا عادي.. و بينك و بين نهلة تار، لأ و دفنت اخوها حي كمان ! ايه الجبروت ده ! قول يا قُصي الحقيقة.. أنت فضائي ؟ ”
ضحكوا ثلاثتهم عدا ” رحيم ” الذي نظر له باستعلاء قائلًا
” امم.. و أنت ليه مقمتش أنت بدور آراش.. قصدي ابراهيم.. طالما أنت ذكي كده.. على الأقل كنا خلصنا من الحوار ده من زمان.. و بعدين أنت شكلك أقرب للبنات بشعرك اللي عاوز ضفيرة ده.. ده أنت بشرتك أحلى من حياتي.. ”
نظر له ” إبراهيم ” باستفهام للحظات بوجه خالٍ من أي تعبير، ثم التفت لـ ” قُصي ” و تساءل بنبرة ساخرة
” مين الكائن ده ! ”
كتم كريم الضحك و كذلك قُصي، لينفعل ” رحيم” هاتفًا في غيظ
” لما تتكلم عن رحيم باشا تتكلم عدل يا شوشو..
كاد أن يرد إبراهيم، و لكن قُصي استوقفه هامسًا
” فكك منه.. ده ملبوس ”
وصل ما قاله قُصي لمسامع رحيم، فازداد انفعالًا، ليتدخل كريم تلك المرة بحزم
” رحيم.. اهدى شوية.. أنت مش حاسس أنك زودتها.. و بعدين في فرق عشر سنين بينك و بين قُصي.. يعني اتعامل معاه و مع صاحبه كويس لأنهم يعتبروا اخواتنا الصغيرين.. المهمة دي مسؤولية على عاتقنا احنا بتوع الداخلية.. دول مجرد شباب مجتهدة بتساعدنا.. يعني بدل ما ندعمهم.. نقل منهم ! عيب يا رحيم ”
بدا الحزن في عين رحيم، مُعاتبًا كريم صديق طفولته بنظراته، بألا يحدثه هكذا أمام هؤلاء الصغار، و لكن كريم لم يهتم لنظراته؛ ليعلمه الدرس و يكف عن العراك مع قُصي أو أي أحد آخر..
عاد كريم لطبيعته الصلبة، فقال بصرامة موجهًا حديثه لرودينا
” عاوز معلومات عنه.. كل اللي تعرفيه ”
ردت رودينا بعجز
” قولت لكم منعرفش هو مين.. ”
اقترب كريم منها و فك قيدها، ثم جردها من جميع ملابسها تحت أعين الجميع المصدومة، و بينما هي تحاول المقاومة، ركلها ركلة قوية في بطنها جعلتها تصرخ باستغاثة.. هتف بغضب أخاف الجميع وهو يوقفها من شعرها
” كله كوم و اللي عملتيه مع مراتي كوم.. بتقولي لها إنك حامل مني ! حامل مني أنا يا ****
طيب هصدقك و اعتبرك حامل.. تعالي بقى اما اعملك عملية اجهاض مجانًا.. ”
قالها وهو يركلها الركلة تليها الأخرى، حتى صاح قُصي عليه
” كفايا يا كريم.. هتموتها.. إحنا محتاجينها…هي الخيط اللي هيوصلنا للي عاوزينه.. ”
أقبل إياد عليه يحاول ابعاده عنها، فدفعه بقوة و عاد لضربها حتى انقطعت أنفاسها و فقدت الوعي، بدت هيئتها بشعة بسبب كثرة التراب الذي غطى جسدها العاري بفعل سحب كريم لها على الأرض..
هتف قُصي بقلق
” افرض ماتت دلوقت ! ”
بصق كريم بغضب عليها، ثم مسح وجهه بنرفزة متذكرًا ما فعلوه بفراشته
” تغور في ستين داهية.. ”
جاء قُصي من خلفه واضعًا يده على كتفه، قائلًا بتفهم و هدوء
” كريم.. أنا مقدر الغضب اللي أنت فيه بسبب اللي حصل لمراتك.. بس متخليش غضبك يعميك عن شغلك.. الشغل حاجة و الحياة الشخصية حاجة تانية خالص.. متخلطش الأمور في بعضها.. ”
في تلك اللحظة شعر ” رحيم ” بالغيرة على ” كريم” من صداقة قُصي معه و اقترابه الشديد منه، فتركهم وخرج يقف أمام البيت بحجة مراقبة المكان..
لوح كريم بيده في عصبية
“أصلًا هي مكنش وراها فايدة.. كده كده هنعرف نوصل للباقيين.. يعني المفروض نقتلهم التلاته و نخلص منهم..”
أشار قُصي لـ ” إياد” ليأخذ كريم بعيدًا عنهم، حتى تتسنى الفرصة له ليعرف باقي المعلومات التي لم يستطيعوا التوصل لها بعد..
بعد مغادرة كريم البيت، انحنى قُصي يغطي جسد رودينا بأي شيء، ثم هزها يتفحصها، فوجدها قد فارقت الحياة بالفعل..
زفر بضيق قائلًا وهو ينهض و يقترب من كارمن
” أهي غارت.. تحبي تحصلي صاحبتك ولا تقولي كل اللي تعرفيه ؟ ”
انهارت كارمن باكية بخوف لتقول
” والله العظيم هي دي الحقيقة.. احنا فعلًا منعرفش مين هو.. ”
” أنتِ تعرفي ربنا عشان تحلفي بيه ! ”
أكملت ببكاء و ترجي
” أنا مليش دعوة بكل اللي حصل.. أنا كان هدفي الأساسي هو أنت و أبوك..
قاطعها قُصي بلا مبالاة..
” عارف.. كملي ”
” الريس بتاعنا مكنش بيخلينا نشوفه.. كان دايما يكلمنا بقناع مداري وشه بيه.. أو بيخلي وسيط بينا.. لكن هو مين منعرفش والله.. طلب مننا ننزل مصر و نزرع أربع قنابل في أربع أماكن مهمة.. أهمهم قصر الرئاسة.. بس طبعًا انكشف أمرنا فطلب إننا نؤجل المهمة دي لوقت أنسب و بعد فترة انقطع الاتصال بينا و بينه، و جالنا خبر إنه استغنا عننا عشان انكشفنا و ناس تانية اللي هتقوم بالمهمة.. بس كده.. ده كله اللي اعرفه والله.. أنا انتهزت فرصة وجودي في مصر عشان أخد حق ابويا و اخويا منك.. بس لقيتك حبتني في البداية.. صعبت عليا و مقدرتش أنفذ.. ”
ضحك قُصي بسخرية ثم لطمها على وجهها بخفة و استهزاء، ليقول
” لا يابت.. عليا أنا الكلام ده.. صُعبت عليكِ !..
أنتِ بس لقيتِ إنك مش هتقدري عليا فقلتِ استنى شوية لما يختفي في أي مكان و ابعت عصابة تهجم على بيته و تقتل كل عائلته.. مش كده ولا ايه ؟! ”
توترت للحظات و أخذت عيناها تدور في المكان بارتباك.. تابع قُصي بحِدة
” أبوكِ بلدي كلفتني بالقبض عليه.. و حصل.. إنما أخوكِ مكنتش ناوي اعمله حاجة، لكن لما شوفته في اليوم ده بيغتصب طفلة من بتوع الملجأ اللي كان أبوكِ داخل يسرقه و يتاجر بأعضاء الأطفال اللي هناك، مشفتش نفسي غير و أنا ماسك أخوك مكسر عضمه من الضرب و بحفر له قبره بايدي.. قولي بقى يا ميجو.. يستاهل الدفن حي ولا لأ.؟ ”
نظر له أمجد بخوف، ثم هز رأسه في ريبة
” يـ.. يستاهل.. يستاهل يا باشا ”
” حلوة منك كلمة باشا.. ”
قالها ببرود، ثم التفت لكارمن بنظرات حادة
” روحي احفري قبره تاني.. يمكن يطلع زي القطط ليه سبع أرواح.. ”
قالت بتوسل و بكاء
” أنا مش هعمل حاجة.. فكني و ههرب برا مصر و مش هتشوفوا وشي تاني.. ”
” لأ.. الحوار ده مش عندي.. عزمي باشا هو المسؤول.. ”
لحظات وسمعوا صوت مناقشة حادة عالية تأتي من الخارج، خرج إبراهيم يستطلع الأمر، فرجع بضع خطوات للوراء تزامُنًا مع دخول اللواء
” عزمي باشا ” يوزع نظراته عليهم بغضب عارم..
دخل من خلفه كريم و رحيم و معهما إياد، و يبدو من ملامحهم أنهم تلقوا توبيخًا كبيرًا على الهروب من الممر و التصرف دون اللجوء إليه و معرفته..
ابتلع قُصي ريقه ليقول وهو يحك شعره ببراءة
” ايه رأيك يا باشا.. جبت لك العيال متكتفين ”
نظره له بغضب و هتف وهو يخرج مسدسه
“بتغفلوني و تهربوا.. !”
حول قُصي عينيه ما بين المسدس و بين عزمي باشا ليتساءل بتعجب
” أنت هتقتلني ؟ ”
رد عزمي وهو يصوب مسدسه تجاه أمجد و كارمن..
” ابعد عن وشي الساعة دي يا قُصي ”
ثم ضغط على الزناد مرتين، لتنطلق رصاصة تلو الأخرى واحدة تستقر في صدر أمجد و الثانية عند رأس كارمن، ثم جاءوا الرجال المسلحين اللذين قدموا معه، ليقول له بتعصب
” دخلوا الكلاب تاكل جتتهم و اقفلوا عليهم.. و بعد ما تخلصوا البيت يتشمع و تحطوا تحذير أي حد هيدخل البيت ده هيتعرض للمسائلة القانونية”
اختفى قُصي من أمامه في الحال، ليقف بجانب البقية، و هم ينظرون لبعضهم البعض كالتلاميذ الهاربين من دروسهم..
صاح بهم اللواء بكامل غضبه
” أنتم ازاي تتصرفوا في حاجة زي دي من ورايا ! عارفين لو واحد فيكم جرا له حاجة كان هيحصل ايه ؟؟! كل اللي خططنا له هيروح على الأرض.. قدامي يا بيه أنت و هو.. و اياكم تهربوا من الممر تاني.. ”
ألقى الضابطين ” كريم و رحيم ” التحية العسكرية بطاعة، بينما قُصي تساءل في خفوت
” أنا مش ظابط زيهم.. اعمل التحية برضو ولا أعمل ايه ! ”
رمقه عزمي بغضب، ثم تركهم و خرج، ليأتوا جميعًا وراءه، راكبين السيارة المصفحة المُتجهة للممر ثانيةً..
~~~~~~~~~~~~~~~
كل الذين تورَّطوا في حزنك سيضيّق الله صدورهم، ويسخّر لهم من يؤذي قلوبهم، ولو بعد حين.
___________♡
في المشفى التي تم حجز ” أُبَيِّ ” بها..
يعود لوعيه ثانيةً بعد انتهاء مفعول الحُقنة، فيبدأ في البُكاء بهيستيرية و يهبط من الفراش مُحاولًا الهروب، مما انتبهت له الممرضات و جاءوا في الحال يحاولون تهدئته دون جدوى، ليصرخ فيهم بنبرة وجل يتوسلهم للخروج..
” عاوز… عاوز… عاوز امشي.. هـ.. هـ هيقتلني.. زي.. زي.. زي.. ما.. ما قتلوه.. عاوز.. عاوز امشي ”
قالت الممرضة بحزن على حالته وهي تقوم بتقييده في الفراش بمساعدة الأخريات..
” محدش هيقتلك.. أنت هنا في أمان.. ”
هز رأسه في اضطراب باكيًا
” لأ..لأ.. هو.. هو دبحه.. دبحه.. أنا.. أنا شوفته ”
نظرت الممرضة لزميلتها تقول بخوف
” نعمل ايه ؟ مينفعش نزود الجرعة.. مينفعش ياخد حقنة تانية خالص دلوقت ”
هزت الممرضة الأخرى كتفيها في عجز قائلة
” مفيش قدامنا غير إنه ياخد برشام بجرعة قليلة بديل عن الحُقنة.. تساعده في النوم شوية لحد ما الدكتور يجي.. ”
” طيب ناوليني البرشام و كوباية ميه ”
انتبهت الممرضة لوجود دبلة خطبة في اصبعه الأيمن، فتساءلت بلُطف في محاولة منها لتهدئته و تشتيت عقله عن التفكير في الحادث..
” شكلك خاطب.. أكيد خطيبتك قلقانة عليك و مستنية خروجك من هنا بالسلامة ”
صمت أُبَيِّ للحظات يفكر فيما قالته، فنظر للدبلة في اصبعه ثم مسح دموعه المتعلقة بطرف أهدابه ليقول في همسٍ
” أنتِ.. أنتِ فين.. أنا.. أنا محتاج لك ”
ابتسمت له الممرضة برضا ثم أخذت الدواء من زميلتها، لتقول وهي تناول كوب الماء له
” طيب ممكن تاخد الحباية دي عشان تخف و تروح لها ؟ ”
أومأ أُبَيِّ بطاعة، ثم أخذ الكوب متسائلًا في براءة
” هـ…هشوف.. نو.. نورا ؟ ”
بابتسامة ودودة ردت الممرضة
” لو خدت علاجك هخليك تشوفها بس متقولش للدكتور.. عشان الزيارة ممنوعة ”
هز رأسه في استسلام، ثم أخذ الدواء ليغمض عينيه؛ مُحاولًا الخلود للنوم وعدم التفكير في أي شيء إلا حبيبته ” نورا ”
أحس بملامسة يده شيئًا، ففتح عينيه ليجد صورة طفلة ذات عيون مميزة و مختلفة تحت الوسادة، فنهض على الفور يراها، ليتفاجأ بها تعود لنورا، اتسعت ابتسامته الجميلة وهو يتأملها، فتساءلت الممرضة بوِد
” دي أختك الصغيرة ؟ ”
هز رأسه بنفي و عينيه تبتسمان بحُب قائلًا
” دي.. دي حبيبتي.. و.. وهي صـ.. صغيرة ”
” عسولة.. ربنا يتمم لكم على خير ”
” نو.. نورا.. مش.. مش إنسانة.. نورا.. سـُ سُكرة ”
قالها مبتسمًا وهو يُقبل الصورة، ليلاحظ في الخلف جملة كتبتها له.. قرأها و ابتسامته تتسع، فقال وهو يضعها في جيبه
” حَـ.. حاضر يا.. يا أحلى.. عـ.. عيون.. شافتها.. عـِ عِينيا ”
اطمأنت الممرضة على حالته عندما بدأت تستقر، ثم تركته لينام و ذهبت..
لكنه لم ينم، برغم استقرار حالته، عادت عيناه تذرف الدموع في صمت، وهو يُحدق في سقف غُرفته مُتمنيًا لو كانت الدُّنيا أخف.. حزينًا جدًا أن صديق طفولته و رفيق دربه و مشواره التعليمي؛ خذله بتلك الطريقة الدنيئة..
كان قد تخطى خذلان ” إيرما ” أول فتاة أحبها، و عندما بدأت الحياة تضحك له ثانيةً، و رزقه الله حُب ” نورا” حتى أقسم في نفسه، أن ما كان في السابق لم يكن حُبًا حقيقيًا، و أن نورا هي الحُب الأول و الحقيقي له، ليأتي ” راجي” بعد كل ما عاصر من ألم و حزن معه، و شهد الصِعاب التي مرّ بها؛ يُلجم فمه بصفعة الخذلان و الخيانة..
من هنا بدأت المُعضلة، كأنه ضربه ضربةً موجعةً
لا تكُف عن النزيف أبدًا.. لكنها الخيبة، إذا أصابت قلبًا؛ هدمت نبضه و أحرقته، هذه الجروح في الماضي لا تُضاهي جروح فؤاده حاليًا..
تنهد بألم وهو يفكر بعقلانية أن الله أعطاه وسط كل هذه الابتلاءات، عائلة تحبه و تخاف عليه، و فتاةٍ محت كل آثار جروحه الماضية بنظرة عفوية منها، فلماذا يصعق رأسه بالتفكير فيما حدث ؟!
تلك هي الدنيا ولن تتغير، و لكن هو يجب أن يتغير و يتحلى بالشجاعة لمواجهتها..
~~~~~~~~~~~
وصلت السيارات المُصفحة للممر السري، ليترجل الضباط منها، و بعد أن دخلوا الممر استدعاهم اللواء عزمي بنبرة مُستاءة
” اتفضلوا على غرفة الاجتماع ”
دخلوا جميعهم وهم يوزعون النظرات على بعضهم بترقب، بينما ” كريم” اقترب من رحيم هامسًا في أذنيه قبل بدء الاجتماع
” أنا آسف إني كلمتك بالأسلوب ده.. حقك عليا”
ابتسم رحيم بعفوية و قال بهمس مماثل؛ خوفًا من اصطياد اللواء لهم بنظراته الغاضبة
“ولا يهمك يا صاحبي.. حصل خير بس قلل من كلامك و هزارك مع قُصي عشان بغير”
رد كريم ضاحكًا
” أنت عبيط ياض ! هو مراتي ؟ ده أخويا الصغير ”
” امم ماشي ”
لمحت عين “عزمي” المستشاطة غضبًا، الضابطين كريم و رحيم يتسامران بضحك، فصاح عليهما في ضيق
” في ايـه يا بهوات ؟! ”
” مفيش يا باشا.. اتفضل حضرتك ”
قالها كريم كاتمًا الضحك عندما تم ضبطهما، كالطالب الذي ضُبط يغش في الامتحان، مما غمز له ” قُصي ” هامسًا
” شكله ناوي يولع فينا ”
رد ابراهيم ببراءة مزيفة
” إلا أنا.. عشان أنا لعبت دوري صح ”
” عشان كده بفكر اخليك تاخد مكاني في دور الشوشو ”
قالها قُصي باستخفاف، فصاح فيهم اللواء بضجر
” هنبدأ الاجتماع ولا هنقعد نرغي ؟! ”
“اتفضل يا باشا”
هتف بها كريم وهو يشير بعينيه للبقية أن يصمتوا و يستمعوا له..
تأهب اللواء عزمي في مقعده، ثم أظهر خريطة الكترونية أمام أعينهم ليقول
” ركزوا معايا.. دي الخريطة اللي اتحدد عليها أماكنهم.. شايفين النقطة الحمرا دي.. هتكون المكان اللي هتجمعوا فيه كلكم مع بعض، قبل و بعد انتهاء المهمة.. ده طريق الموت اللي موجود فيه الرهائن الأربعة اللي هتتقدم قرابين في المحفل بتاعهم للشيطان.. ” يائيل شمعون” هو رئيس المحفل، أما ” سام إدوارد ” مساعد يائيل و دراعه اليمين.. ده بقى اللي قُصي هيقرب منه بحجة إنه مثلي زيه، و دورك هنا يا قُصي تجيب منه كل المعلومات عن اللي ورا الناس دي، لأني متأكد إن اللي بندور عليه هو البوص بتاعهم..
ابتلع قُصي ريقه، ليقول باعتراض..
” باشا.. هو لازم أنا اللي اعمل الدور ده ! ما عندك ابراهيم أهو.. وكمان بيعرف يرقص.. ”
” لا ياعم.. أنا زهقت من الدور ده ”
قالها إبراهيم باعتراض هو الأخر، ليتحدث اللواء أخيرًا باصرار..
” قُصي.. أنت ليك طُرق في التعامل مع الاشكال دي و تعرف تاخد المعلومة منهم من غير ما حد يشك فيك.. عشان كده اختارتك أنت.. ”
وافق قُصي بقلة حيلة، بينما اللواء تابع الشرح لبقية المجموعة..
” كريم هو عارف شغله كويس.. و أنت يا رحيم.. هتكون مراقب كل حاجة عن بُعد و مركزك هيكون في الجبل اللي جنب جبل طريق الموت، طبعًا قُصي مش هيدخل ايده فاضية.. هيبقى معاه جهاز تتبع يساعدك يا رحيم في كل حاجة.. أما إياد هيبقى المساعد بتاع قُصي داخل المحفل عشان لو حصل أي حاجة طارئة.. معاكم الضابط أدهم خبير الاختراقات الأمنية هيعرفكم جميع مداخلهم و مخارجهم.. و الضابط نائل مُساعد لكريم.. هتنزلوا على فندق سكاي داون كل واحد فيكم ليه غرفة مخصصة بكل المستلزمات اللي هيحتاجها، هتسافروا بأسامي غير اساميكم و كل واحد فيكم ليه بطاقة شخصية تثبت هويته الأجنبية.. و طبعًا كُل واحد فيكم معاه أكتر من أربع لغات الأهم اللغة الانجليزية و دي اللي هتكون لغتكم الرسمية هناك.. ”
صمت الجميع يعيدوا ما قاله اللواء في رؤوسهم، ليقاطعهم قُصي قائلًا في لهفة كأنه تذكر شيء مهم..
” عزمي باشا.. القُنبلة اللي حضرتك حكيت لنا عنها هنا جنبنا في الممر في صحراء سيناء.. ”
تساءل اللواء في استغراب
” مالها ؟ ”
” أنا أعرف أوقف مفعولها ”
نظروا لهم جميعهم بدهشة، ليقول اللواء بعدم تصديق
” مستحيل.. أمهر المتخصصين عندنا في تعطيل القنابل معرفوش يوقفوا مفعولها.. غير كده دي قُنبلة مختلفة.. ممكن تقرب منها و تلمسها لكن لو شيلت العلم اللي الصهاينة حطوه عليها في الحرب، هتنفجر فينا كلنا و في كُل أراضي سيناء.. ”
ابتسم قُصي بدهاء وهو يشير لرأسه
” حضرتك قلت أمهر المتخصصين فشلوا.. لكن قُصي غير.. ”
اعترض اللواء بشدة خوفًا عليهم الجميع، إذا لم ينجح الأمر ستعم فوضى و كارثة كبيرة في المكان برمته، حتى أن البلاد لن توافق على فعل ذلك حرصًا على أمن و سلامة أراضيها و أفرادها..
نهض قُصي ليقترب من اللواء قائلًا باصرار
” ثق في ربنا ثم فيا ”
نظر له اللواء قليلًا ثم قال باستسلام
” موافق.. بس العملية دي هتم بالليل عشان مش هقدر أخد إذن من البلد و عشان نبقى متخفيين عن العيون.. ”
” تمام يا باشا.. ”
عندما حل الليل، أعد قُصي العُدة و استعان بالله، ثم اتجه ناحية موضع ” القُنبلة” و معه اللواء عزمي و البقية خافوا من التقدم، فانتظروا بعيدًا يشاهدون ما يحدث..
قال رحيم بخوف حقيقي و صدق نابع من قلبه
” بغض النظر عن إننا زي النقير مع بعض، بس أنا خايف عليه.. ”
” أنا واثق و متأكد إن شاء الله إن قُصي قدها و هيبطل مفعولها ”
قالها كريم بثقة، فقال البقية من وراءه..
” يـارب ”
اقترب قُصي من القُنبلة وهو يردد اسم الله، و اللواء معه لا يفارقه.. يُنير له بالمصباح اليدوي.. بدأ قُصي في الحفر حول تلك القُنبلة، و بعد ساعة من الحفر المتواصل، ظهرت القُنبلة واضحة أمامه.. ذكر اسم الله ثم أخذ نفسًا عميق و استدار للواء قائلًا..
” هو خط بارليف اللي عملوه الصهاينة.. اتهدم ازاي ! ”
رد اللواء بتلقائية و تعجب من سؤال قُصي في ذلك التوقيت..
” بالميه.. ”
” طيب هات بقى شوية ميه.. ”
” نعم ! ”
هتف بها اللواء بدهشة شديدة، فقال قُصي ضاحكًا..
” يا باشا.. دي مش قُنبلة.. أي قنبلة بتتزرع في الأرض بيبقى ليها سلوك تتعطل منها.. لكن دي مفيش أي سلك فيها.. ده مجرد هيكل لقُنبلة.. الصهاينة اخترعوا الأسطورة دي عشان تخافوا تقربوا منها.. اللي كانوا بيحاولوا يفكوا القنبلة دي.. معرفوش عشان مش باين لها ملامح.. مجرد هيكل فارغ من جوا و العداد الوهمي اللي شغال ده زيه زي أي جهاز لو ميه جات عليه بيتحرق و يتعطل.. كانوا معتقدين إنهم باللعبة دي هينشروا الرعب في قلوب الناس عشان يخافوا يقربوا و ياخدوا العلم بتاعهم.. هما ميقدروش يزرعوا قنبلة تحت الأرض كل المدة دي و متنفجرش.. الهدف الأساسي من القنبلة دي هو إن العلم بتاعهم يفضل مرفوع على أرض سيناء الطاهرة عشان يثبتوا للكل إنهم يقدروا يرجعوا يحتلوها.. بس ده بعينهم.. هما نهايتهم قربت أصلًا.. يبقوا يرجعوا يحتلونا بقى في عالمهم الموازي.. ”
قال جملته الأخيرة وهو يسكب الماء على عداد القنبلة، و ما هي إلا ثوانِ معدودة و تعطل العداد، ثم جذب العلم بشراسة و قطعه لنصفين أمام أعين الجميع و ألقاه تحت قدميه..
كانت أعينهم جميعًا تحدق في قُصي بتعجب و دهشة شديدة مما حدث غير قادرين على الاستيعاب بعد..
نطق اللواء بانبهـار و عدم تصديق ما رآه
” بالسهولة دي !! ”
أشار قُصي لنفسه بفخر..
” مش قولت لك أنا غيـر ”
” أنت غير فعلًا.. أنت مكسب للبلد يا قُصي ”
قالها اللواء باعجاب منه، ثم عانقه بشدة، حتى كاد أن يختنق قُصي.. قال الأخير مازحا
” خلاص يا باشا.. هفطس منك.. ده أنت لواء جدًا
أثنى الجميع على قُصي، و ركض عليه إبراهيم يحتضنه، فدفعه قُصي ضاحكًا..
” ايه يا عم بتحضن كده ليه.. أنت إبراهيم مش آراش.. اصحى.. ”
استدعاهم اللواء ليقول بسعادة تلك المرة..
” نرجع بقى للاجتماع بتاعنا ”
زفر رحيم بضيق و عينيه تبدو عليهما النعاس
” يوه.. هو لسه ”
تحدث اللواء مشيرًا للباب، كأن أحدًا ما سيدخل منه..
” العملية اللي هتسافروا عشانها.. مش هتبقوا فيها لوحدكم.. هيبقى معاكم تلات بنات.. مش أي بنات.. واحدة خبيرة في التكنولوجيا و الذكاء الاصطناعي.. و طبيبة مصرية عشان لو قدر الله حصل حاجة مش هينفع تروح لأطباء برا لأن زي ما أنتم عارفين العملية سرية.. و الأخيرة ضابطة شاطرة جدًا هتكون في مساعدة قُصي داخل المحفل برضو لكن على جهة تانية..
صمت قليلًا ليتابع بعد أن ظهرت علامات الفضول عندهم..
” هيرافقكم في المهمة دي.. منة مُجندة عندنا زي قُصي و خبيرة في الذكاء الاصطناعي.. و الدكتور شمس و الضابطة نيرة.. ”
لم ينتبه قُصي لذكر اسماء الاثنتين، و استقر سمعه عند ذكر اسم ” منة ” ليهتف بدهشة اجتاحت معالمه..
” أنتِ تـاني !! ”
~~~~~~~~~~~~~~
في بيت ” بدر الشباب ” يقف أمام المرآة مرتديًا قميصًا ” بيج ” أنيق و بنطال بلون عيون عائشة، ثم نثر عطره و ارتدى حذائه الجلدي، و قبل أن يمشط شعره، جاءت عائشة من وراءه و أخذت الفرشاة قائلة بدلال
” سيب لي أنا الطلعة دي يا زين الشباب ”
ابتسم في حُب و استقر مكانه؛ ليدعها تمشط له شعره.. وقفت على أطراف أصابعها لتستطيع الوصول لمقدمة رأسه.. قال ضاحكًا
” و على إيه وجع القلب ده.. أنا هقعد أحسن.. ”
زفرت بضيق مصطنع لتقول
” ما كان من الأول يا سي بدر و لا عشان أنت طويل.. ”
تنهد بارتياح وهو ينظر لانعكاس صورتها في المرآة و يتحدث بتفاؤل
” خايف و فرحان في نفس الوقت.. حاسس إن الدنيا رجعت تصالحني… و خايف تغدر بيا في أي وقت.. و أنا مش حِمل صدمات تاني.. ”
وضعت عائشة قُبلة رقيقة على شعره، بعد أن مشطته له، ثم قالت بحنان
” توكل على الله و متخافش.. أنا متفائلة خير و واثقة فيك و في قدراتك.. روح اعمل الاختبارات و أنا متأكدة إنك هتنجح فيها كلها بإذن الله ”
قَبْل يدها قبل أن يذهب قائلًا بابتسامة لامعة
” دعواتك يا حبيبتي.. ”
ثم اتجه ناحية غرفة والدته، ليُقبْل يدها أيضًا طالبًا منها الدعوات، و اتجه لغرفة سيف يضع قُبلة حنونة على رأسه عندما وجده يقرأ ما تيسر من القرآن، ثم اتجه لشركة رجل الأعمال
” المهندس مرتضى العبد “..
وصل للشركة، ليجد فتاة جميلة ترتدي بدلة رسمية و نظارة سوداء أنيقة، في استقباله..
قالت مبتسمة..
” أستاذ بدر الخياط ؟ ”
أومأ وهو يحاول قدر الامكان ابعاد بصره عنها، فنزعت نظارتها الشمسية و وضعتها أعلى شعرها القصير، قائلة باهتمام..
” اتفضل يا فندم.. المكتب من هنا ”
” شُكرًا.. ”
قالها بدر دون النظر إليها، فقالت في نفسها بتعجب..
” غريب.. فاكر نفسه داخل جامع.. ”
جاء زميل لها في العمل و يعتبر المساعد الأول لمرتضى، وهو المهندس سامح.. تساءل في استغراب
” ده مين ده يا سُهى ؟ ”
ردت بلا مبالاة..
” واحد جاي يشتغل.. تبع الباشمهندس مُرتضى”
هتف في انفعال
” بس أنا اللي مسؤول عن التوظيف.. ازاي محدش يديني خبر ؟! ”
ردت بهدوء..
” وطي صوتك يا سامح.. قولت لك تبع الباشمهندس ”
” لازم يكون عندي علم بكل كبيرة و صغيرة يا سُهى.. ”
قالها بغضب، ثم تركها و ذهب لمكتب المهندس مرتضى..

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية يناديها عائش)

‫5 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *