روايات

رواية في قبضة الأقدار الفصل الخامس والثلاثون 35 بقلم نورهان آل عشري

رواية في قبضة الأقدار الفصل الخامس والثلاثون 35 بقلم نورهان آل عشري

رواية في قبضة الأقدار البارت الخامس والثلاثون

رواية في قبضة الأقدار الجزء الخامس والثلاثون

في قبضة الأقدار
في قبضة الأقدار

رواية في قبضة الأقدار الحلقة الخامسة والثلاثون

دعيني أُخبِرك شيئًا. إن روحي لا تُزهِر أبدًا سوي معكِ، عيناى لا تُضيء سوى بالنظر إليكِ. أضلعى لا تكتمل سوى بكِ. خلقت بى عشق من نار لا يُطفئها سوى قربك. ذلك الشق الناقص بروحى لم يرممه أحد سواكِ. لذا فإن كان طريق الوصول اليكِ مُستحيل فأخبري ذلك المستحيل أنني قادم ..

نورهان العشري ✍️

🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁

شعر «سالم» بشئ خلف حديثه ولكنه تجاهل شكوكه و قال بقوة
” لا متخافش عليا.. انا مستعد لاي حاجه..”
” وماله.. هجوم آخذ رأيها و ارچعلك..”

تحرك «عبد الحميد» إلى الداخل تاركًا خلفه سالم الذي أخذت تتقاذفه الظنون و صارت الدقائق تلدغه بكل ثانيه تمر بها إلي أن آتي «عبد الحميد» الذي كانت ملامحه غامضة لا تفسر ومن ثم قام بإلقاء قنبلته الذي دوى ضجيجها في صدره حين قال بلهجة خشنة و ملامح بدا عليها الإمتعاض
” العروسة وافجت..”

عودة لما قبل عشر دقائق.

جالسة في الغرفة الخاصة بشقيقتها و كل خليه ب جسدها ترتجف من فرط الإنفعال و الترقب ف الخدم ما انفكوا يتحدثون عن تلك الزيارة الهائلة التي أتوا بها الخاطبين على ديار العائلة و قد كان من المتوقع أن يتم خطبة أختها أمام أهل البلد وكبارها ولكن ماذا عنها؟؟
لأول مرة تثق بشخص بتلك الدرجة ولكن الكلمات توقفت علي أعتاب شفتيها حين وجدت السؤال ماذا عنها؟
وعدها و تصدقه تعلم بأنه سيفعل المستحيل لأجلها ولكن هل يتضمن ذلك المستحيل أن تصبح هي الأخرى عروسًا له في اقرب وقت؟

يا لسخرية القدر فمنذ بضعة أسابيع كانت تهرب منه و من عشق جارف يتخلل قلبها إليه و الآن تتلهف علي خطوة بسيطة قد تقربها منه! ولما لا فقد ذاقت حنانًا بين أضلعه لم تختبره طوال حياتها. حنان جعلها كالمدمن الذي يريد جميع جرعات مخدره دفعة واحدة حتى تغمره نشوة الحب و يغرق في بحور السعادة التي لم تختبرها مسبقًا. مايزال هناك الكثير من الألم و الندوب تحتاج إلى بلسم قربه ل يرممها. و ايضًا تلك الندبة الكبيرة التي شوهت قلبها ذات يوم كان قربه الدواء الفعال لزوال أثرها.
شقها الروحي الذي تساقطت منه حروف اسمها دون أن تتذوق منه رشفة واحدة كانت تحتاج أصابعه الحانية ل تحيكها بخيوط من عشق هو الوحيد القادر على إعادة هيكلة كيانها المبعثر..

زفرة قوية خرجت من جوفها مصحوبة بتيارات ندم جارفة على كل لحظة استسلمت لخوفها الذي أبعدها عنه ولكن شئ ما بداخلها ذكرها بكلمته التي كانت كالبلسم على روحها الملتاعه
” روحي قصاد روحك.”

جملة كانت أكثر من كافية لجعلها تهدأ لثوان و كأنها مخدرًا قويًا سري في أوردتها مما جعلها تغمض عينيها متنهدة براحه و داخلها يردد
” يا الله لا تختبر قلبي بخسارته فإنه علي روحي عزيز…”

مازالت مغمضة عينيها حين ردد قلبها بتوسل
” أرجوك يا سالم متتخلاش عني..”
أخرجها من بحر هواجسها وتخبطاتها طرقة قويه علي باب الغرفة جعلتها تهب من مكانها و خاصةً حين وجدت جدها يطل من الباب بهيبته التي لطالما بعثت الرهبة ألي أوصالها إضافة إلى نظراته التي كانت قاتمة بشكل مخيف تشبه لهجته حين ألقى قنبلته على مسامعها
” كتِ عارفه أن ابن الوزان چاي يطلب يدك النهاردة ؟’

هبت «فرح» من مكانها لدى سماعها كلمات جدها التي كان وقعها كالقنبلة التي دوي طنينها بقلبها فأشعرتها لأول مرة بأنها بكماء لا قدرة لها على الحديث الذي تولته «جنة» حين تدخلت قائلة
” حضرتك تقصد مين يا جدي ؟ انا ولا فرح؟”

تجاهل حديثها بينما كانت نظراته مصوبة علي «فرح» التي حاولت استجماع شجاعتها و بللت حلقها قبل أن تقول بلهجة مهتزة
” لو تقصدني أنا ف لا مكنتش اعرف.”

عينيها لم تكن مهتزة ك لهجتها فشعر بصدقها و لكنه تجاهله حين قال بفظاظة
” أكده يبجي اطلع ابلغهم رفضك..”

خرج الحديث من أعماق قلبها الذي ارتعب من فقده
” بس انا موافقه..”
التفت «عبدالحميد» يناظرها بغضب تجلي في نبرته حين قال
” يبجي كتي عارفه و هتكذبي علي!’

اخذت نفسًا قويًا خبأته ب داخل صدرها الذي تزاحم به الخوف و الألم معًا و استدعت شجاعة كانت سلاحها لسنوات قائلة بلهجة ثابتة
” انا مكذبتش عليك لما قلت معرفش انه جاي يتقدملي النهاردة. لكن كنت متأكدة انه هيعمل كدا في وقت من الأوقات..”

كلمة واحدة خرجت من جوفه الغاضب
” بينك وبينه آية؟ “

بشجاعة اجابته
” تقصد اللي في القلب ولا تقصد اللى براه ؟”
تحرك خطوة تجاهها اهتزت لها داخليًا و خاصةً حين قال بصوت مرعب
” التنين!”

” انا مشوفتش منه غير كل حاجه كويسه. حمانا في أكثر لحظات ضعفنا. مسمحش لحد يتحكم فينا أو يبهدلنا. حاول علي قد ما يقدر أنه يصلح خطأ مكنش له ذنب فيه. كل الي بينا و اللي شوفته منه أنه راجل يعتمد عليه. دا لو بتسأل ع الظاهر و اللي حصل . أما اللي جوايا له فأنا اتمنى فعلًا اني اكون مراته. والوحيد اللي هوافق انى اتجوزه”

كلماتها لامست شيئًا داخل قلبه تجاهله وهو يقول بنبرة قويه
” اللي عتجوليه دا صوح. و اني موافج عليه بس انى مختارلك زينة الشباب. اللي مهتشوفيش في شهامته واصل..”

تحدثت معاندة
” بس أنا اخترت سالم..”

زمجر معترضًا
” يفرج ايه ده عن ولد عمك؟”
هنا انفتح باب الغرفة و أطل منه «عمار» بهيئته الضخمة و ملامحه الواجمة يتوجها عينين قاتمة لم تفلح في إرهابها بل علي العكس عززت من شجاعتها حين قالت
” القلب وما يريد يا جدي و أنا قلبي اختار سالم الوزان و مش عايزة راجل غيره..”

كانت جملتها علي كرامته تشبه صفعته علي وجنتها ذلك اليوم فهي تفضل آخر عليه حتى لو لم يكن يحمل لها عشق خاص ولكن رجل مثله يأبي كبرياءه المقارنة بشخص آخر ناهيك عن خسارته النكراء أمام غريمه ولكنه ابتلع جمراته الحارقة و أردف بسخرية
“من ميتا و احنا بناخدو رأي الحريم يا جدي في الأمور الي زي دي..؟”

زفر «عبد الحميد» بغضب فالأمور خرجت عن سيطرته ولكنه لم يحسب حساب ل«فرح» التي أرادت سكب النيران فوق بركاته الثائر لذا قالت بشجاعة
” لو كانت الأرض هي اللي منعاك توافق على جوازي من سالم يا جدي فأنا متنازله عنها..”

برقت عيني «عمار» فقد كان يعلم بتحديها له و برغبتها في أغضابه فهي تضحي بالغالى و النفيس لأجل ذلك السالم وما أن أوشك على الحديث حتى جاءه صوت «عبد الحميد» الصارم
” اجفلي خشمك يا فرح.. ارض ايه الي هتتكلمي عنيها؟! اني عايز موصلحتك أنتِ و خيتك.. “

في خضم نزالها مع «عمار» شعرت بأن كلماتها أذت جدها فاقتربت منه قائلة بصوت رقيق متوسل
” أنا أسفة يا جدي مقصدتش. بس.”

قاطعها غاضبًا
” مفيش بس . الحديت خلوص خلاص..”
التفت ينتوي المغادرة فاستوقفته كلماتها المتوسلة حين قالت
” ورحمة ابويا يا جدي ما تظلمني…”

تجمد بمكانه إثر رجاءها الغير متوقع و التفت يناظرها بعينين لم تستطيع رد توسلها أبدًا فلاح بهما الحنان لوهلة قبل أن يقول بصرامة
” ورايا يا عمار ..”

عودة الوقت الحالي

لحظة توقف الزمن حوله فقد كان يتوقع خوض حربًا ضارية أمام ذلك العجوز الداهية ل انتزاعها من بين براثنه ولكن أن تأتي الموافقه علي طبق من ذهب هكذا شئ جعل عقله يعمل في جميع الاتجاهات فمن الواضح بأن مهرته قد تحلت بشجاعتها و وقفت مدافعة عن عشقهما و لأنه كان عشقًا جارفًا لا يعرف الحدود فقد أراد في تلك اللحظة رؤيتها حتى يقبل تلك الشفاة الرائعه التي أعلنت قبولها الصريح و لم تهاب أحد…
” الف مليون مبروك يا حاج عبد الحميد .. احنا زادنا شرف والله “

هكذا تحدث «صفوت» الذي صاح بتهليل يهنئ «عبد الحميد» الذي بدوره كان متجهمًا لتأتي كلمات «سالم» المطمئنه فقد حمل له بعض الامتنان لكونه لم يقهر حفيدته و لم يرغمها علي شئ لا تريده..
” فرح في عنيا يا حاج عبد الحميد.. اتأكد أنها في إيد أمينة..”

نظراتهم كانت تحمل الكثير و قد تفهم «عبد الحميد» أن ذلك الرجل بالرغم من شهامته ومروءته يحمل الكثير لحفيدته و بالنهاية هو لا يريد سوى سعادتها لذا تجاهل كل شئ و اقترب قائلًا
” بس أكده المهر هيبجي غالي جوي يا سالم بيه. يعني عروستين من عندينا خبطة واحدة..”

ابتسم «سالم» قائلا بثقة
” و أنا رقبتي سدادة.. اؤمر ”
تدخل «صفوت» قائلًا بمجاملة
“كنوز الدنيا كلها تحت رجلين بناتكوا يا حاج عبد الحميد.. و عيلة الوزان معروفة على ايه. “

«عبد الحميد» بوقار
” تسلم وتعيش يا صفوت بيه.. وعشان انتوا ناس محترمه هنديكوا بناتنا.. ”
تدخل «سالم» قائلًا بخشونة
” قبل اي حاجه احنا عايزين نعجل بالفرح يعني اقصي حاجه الأسبوع الجاي”

انكمشت ملامح «عبد الحميد» بحيرة تجلت في نبرته حين قال
” و ليه العچلة ؟ ما جولنا آخر الشهر”
«صفوت» بتعقل
” مدام كل حاجه خلصانه وكل طلباتك مجابه يبقى ليه نأجل. الولاد عايزين يستقروا و اظن دا ميزعلكش ولا ايه؟”

انفتح الباب وأطل كلًا من «ياسين» و «عمار» الذي ألقي السلام بينما عينيه تقتنص ذلك الذي ناظره بغضب قاتم ازدادت شراسته حين قال
” وه.. كلام ايه دا يا معالي الباشا. هي مش كل حاچه عايزة ترتيبات ولا اي؟؟ دا چواز مش سلج بيض..”

تجاهل «سالم» حديثه قاصدًا تهميشه و هو ينظر إلي «عبدالحميد» الذي قال بتفكير
” اني معاك يا سالم بيه انك عايز تعچل و دا رأيي بس كل حاچه زي ما جال عمار لازملها ترتيب “

لم تتغير ملامح «سالم» إنما قال بنبرة فظة
” مابحبش أعيد كلامي مرتين يا حاج عبد الحميد. كل اللي عليك تطلب وانا هنفذ. و ياريت ننهي أي جدل مالوش لازمة..”

احتد «عمار» في الحديث حين قال
” و احنا لازمن نفكرو زين جبل ما ناخدوا اي خطوة . احنا مابنرميش بناتنا ولا اي يا حضرات؟”
لم يتيح الفرصة لأحد للحديث فقد ناظره شذرًا وهو يقول بلهجه مهينة
” لما تحب يكونلك رأي ابقي احضر قاعدة الكبار من اولها. احنا خلاص اتفقنا.”

انتفخت أوداجه غضبت و ما أن هم بالرد حتى جاء حديث «سالم» القاطع ل«عبد الحميد» حين قال بفظاظة
” تحديد المواعيد دا راجع لينا و احنا زي ما قولت جاهزين. لو انتوا مش جاهزين أو طلباتنا تقيلة علي دكتور ياسين يبقي نشوف وقتها..”

نجح في غرس سهم في منتصف الهدف فقد اكفهرت ملامح «عبد الحميد» الذي هب قائلًا باعتراض
” كلام ايه ده اللي عم تجوله . احنا رجابتنا سداده و دكتور ياسين كد الدنيا ولو عالفرح اني موافج الخميس الچاي “

اتبع مبدأ طرق الحديد وهو ساخن إذ قال بفظاظة
” الفرح هيتعمل هنا احتراما لظروفنا. و أنا و سليم في آخر اليوم كل واحد ه ياخد عروسته و هيمشي..”

«عبد الحميد» بوقار
” موافج. بس زي ما جولت جبل أكده هنعملوا فرح يليج بينا..”

«سالم» بخشونة
” اعمل اللي يعجبك. و أي مصاريف انا متكفل بيها. “

«عبد الحميد» بسخرية
” يعچبني فيك غرورك بنفسك يا سالم بيه.. يمكن متعرفش عاداتنا ”
«سالم» بثقة
” عارف.. و موافق. و اللي بتسميه غرور ده ثقه بالنفس. رحم الله إمرئ عرف قدر نفسه..”

انتهت الجلسة و جاءت ب نتائجها المرجوة و ظفر المحارب باقوى معاركه و لكن تبقي انتقام لروحه التي اهتزت بوجع المحبوب فحين هم الجميع بالمغادرة اقترب بعينيه القائمه التي تخفي غضب مدمر و بهسيس مرعب قال بجانب أذن «عمار»
” مستنيك النهارده الساعه ٩ بالليل عند شجرة التوت اللي في آخر أرضكم..”

صُدِم «عمار» من حديث «سالم» الذي لم يزيد كلمه واحدة بل رفع رأسه بشموخ وهو يغادر تاركًا خلفه «عمار» الذي كان يتخبط بأفكاره..

في غرفتها تنتظر إعلانًا أما ببقائها على قيد الحياة و لكن تلك المرة ستكون حياة حقيقية أو بموت محتم أن افترقت عنه ولكن لم يدم خوفها كثيرًا فقد اندلعت أصوات الزغاريد من الأسفل فهرولت الفتاتين للخارج لرؤيه ما حدث فإذا بالرجال يخرجون من غرفة المكتب وعلى رأسهم «عبد الحميد» الذي اطلق أوامره للخدم حتى تتعالى أصوات الفرحة في القصر فأخذت «تهاني» تزغرد فرحه و هي تقترب منهما وتقول بحبور
” مبروك يا چنة مبروك يا فرح .. والله و دخل الفرح بيتنا من تاني..”

لدى سماعه اسمها لم يستطيع سوي ان يلتفت برأسه ل يرسل إليها نظرة عاشقة راضية اخترقت قلبها الذي أصبح يشعر به دون حديث. فهي تعلم مقدار رضاه و فرحته حين حاربت لأجل عشقهم. فالمعركة لم تكن سهلة ولكن المحارب كان شجاعًا استند علي ذخيرة قوية ولهذا كانت النهاية الانتصار على قيود القدر التي أحكمت تطويق قلوبهم لسنوات طوال…

*****************

جاء المساء في هذه القرية الهادئة التي لم يتناسب هدوئها مع ضجيج قلوبهم و خاصة تلك التي كانت تحارب عشقًا جارفًا يغزو كيانها بجموح ارهبها بقدر ما ترهبها نفسها التي ذاقت الويلات جراء تلك الكارثة التي ضربت حياتها ف أودتها إلى قاع جحيم مستعر تجاهد بكل قواها حتى تخرج منه و طوق نجاتها الوحيد يكن في يد لطخت بدماءها فهل تستطيع نسيان جرحه و إهانته المؤلمه لها ام ستظل في جحيم عذابها هذا الي الأبد..
زفرت بتعب وهي تتذكر ما حدث قبل عدة أيام تحديدًا يوم الحريق الذي اشتق نيرانه من قلوب امتزج بها الغضب و الشوق معًا

في وقت سابق

ترجلت من السيارة بأعين مذعورة تشاهد هذا الدخان الكثيف الذي يحلق في سماء مزرعة عمها و ما كادت أن تخطو خطوة الي داخل البوابة حتى تفاجأت بذراعين تطوقان خصرها من الخلف و صوت خافت أصبحت تحفظ تردداته عن ظهر قلب اخترق مسامعها حين قال
” راحة فين لسه بينا حساب لسه مصفيناهوش..”

تجمدت جميع خلاياها من فرط صدمتها حين شعرت بوجوده و يده المطوقه خصرها بقوة لم تؤلمها بل جعلتها تترك له نفسها حين اختفي بها في أحد الأشجار الكثيفة و من ثم ترك فمها الذي كانت تكممه يداه وقام بإدارتها إليه و هو يناظرها بعينين يملؤها العشق و اللهفة معًا فبدت لامعة تحت ضوء القمر الذي يتسلل بخفوت بين غصون الشجر فكان المشهد يبدو رائعًا لمن يراه من بعيد و خاصةً حين أضاف بلهجة خشنة تحمل شوقًا كبيرًا
” عاجبك شغل الهجامة اللي احنا فيه ده؟ بقالي اسبوع مش عارف اوصلك ؟؟”

تجاهلت عتابه الخشن ولهفته التي كانت تلون ملامحه وقالت بسخرية
” والله قول لنفسك. ايه الي بتعمله دا؟ مفكر انك كدا هتجبرني اتكلم معاك؟”

تغلبت طبيعته الغاضبة على تعقله فصاح مغلولًا
” انتِ لسه لحد دلوقتي مشوفتيش إجبار. ”
عاندته غاضبة
” و لا هشوف و لا عمرك هتقدر تجبرني اصلًا”

أكد حديثها قائلًا بفظاظة
” في دي عندك حق. مش سليم الوزان الي يجبر واحدة عليه.”
استفهمت مستنكرة
“والله. اللي بتعمله ده اسمه ايه؟”

فاجأها حين قال بنبرة اهدأ قليلًا
” أسمه اني شايف قلبك و عارف اللي جواه. انا مش صغير و اقدر افرق بين الرفض و الخوف. الخوف اللي مانعك تسلميلي و تعترفي بمشاعرك ناحيتي. “

أوشكت على معارضته فتابع بلهجة قاطعة
” متكابريش يا جنة.. عنيكِ معرياكِ. ومخلياني شايف قلبك كويس اوي. انا هقولك كلمتين ملهمش علاقه بيا. أنتِ مش وحشه والغلط مكنش عندك. أنتِ كنتِ ضحية. بلاش تغيرِ طبيعتك وشخصيتك بسبب اللي حصل”

صاحت بقهر
” ولما يتكرر تاني هتنفعني طبيعتي وشخصيتي بأيه؟”

قاطعها بصرامة
” مش هيحصل أبدًا .”
” و ايه اللي يضمنلي اني متأذيش تاني؟”
امتدت يداه تمسكها من مرفقيها بقوة تجلت في نبرته حين قال و عينيه مسلطه كشعاع علي خاصتها
” عشان أنا موجود.. وعمري ما هسمح لأي حاجه او اي حد أنه يأذيكِ..”

ارتج قلبها لتصريحه القوي ونبرته التي كانت مطمئنة بطريقة كبيرة جعلتها عاجزة عن الحديث ليتابع هو بخشونة
” انا مش عايزك عشان اصلح اخطاء إلي قبلي . انا عايزك عشان محتاجك زي مانتِ محتجاني..”

انكمشت ملامحها بألم كان صداه حارق بقلبها و تجلي في نبرتها حين قالت
” محتاجني عشان اداوي الجرح الي جرهتهولك ست مروة صح؟”
تبدلت معالمه للدهشه التي تجلت في نبرته حين قال
” مروى! و أنتِ ايه عرفك بمروة؟”

” مش مهم . المهم اني عرفت. ”
تجاهل غضبه و قال بفظاظة
” طب ما تخلي عندك الجرأة و قولي اللي جواكِ بدل ما ترمي الكلام وخلاص؟”

عاندته بتهكم
” لما تخلي عندك الجرأة و تقولي انت فعلًا كنت على علاقه بيها و حبيتها و لا لأ؟”
صمت دام لثوان اتبعه زفيرًا حارقًا خرج من جوفه و كعادة رجل مثله يتخذ من الصدق مذهبًا طوال حياته أجابها بلهجة قاطعه
” أيوا حبيتها. “

لم تتفاجئ بقدر ما تألمت من تصريحه و ارتسم ألمها علي ملامحها فقد كان اعترافه موجعًا بحق ولكنه تابع بخشونة
“في يوم من الايام مشاعري ناحيتها كانت قوية لدرجة اني فكرت اتجوزها. وهي كمان حبتني أو دا اللي قالته وقتها بس لما اتعارض الحب دا مع مستقبلها و كريرها قعدت تماطل و أنا مابحبش كدا.”

أردفت بسخرية مريرة
” قمت سايبها!”

أيدها قائلًا بقوة
” ايوا سبتها. ومش ندمان. كان ممكن احترمها لو كانت واضحه وصريحه. لكن هي مكانتش كده. بالعكس كانت شخص متلون و مراوغ لأقصي درجة. و دا اللي خلاني مندمتش لحظة عليها. ”
تابع وقع حديثه على ملامحها التي ارتخت قليلًا و تابع بقوة
” مفيش علاقة في الكون ممكن تنجح وهي تفتقر الثقة يا جنة. و هي هزت ثقتي فيها”

استفهمت بقلب مرتعب
” عندك حق. بس يعني لما جت ؟ و اعتذرت ليه مسامحتهاش مش يمكن تكون اتعلمت من غلطها..”

بلهجه قويه ك نظراته تمامًا أجابها
” فات الوقت. خلاص مبقاش ليها جوايا اللي يخليني قادر حتى ابص فى وشها. علاقتي بمروة كانت علاقة فاترة لما انتهت انا حتي متألمتش . مش هنكر افتقدت مشاعر معينه بس متأذتش ودا معناه حاجة واحدة..”
” ايه هي؟”

هكذا استفهمت بلهفة فأجابها بنفس لهفتها
” انها مكنتش مشاعر قوية بالدرجة الي تخليني اسامحها و اقبل اني ارجعلها.. “

كانت تود لو تستفهم بملء صوتها وتقول
” أهكذا فقط؟”
ولكنه استفهام أبى الخروج من بين شفتيها التي ذمتها بألم تجلي في عينيها التي كانت مرآته لقلبها فتابع بنبرة أجشة
” الحب اللي بجد هو اللي يخلي شخص واحد تقف حياتك عليه. فراقه يعني موتك.”
توقف و عينيه تتابع وقع كلماته عليها و تابع بلهجه صادقة
” و الشخص دا هو أنتِ يا جنة..”

ارتج قلبها و اهتزت أضلعها التي تحمله جراء تصريح رائع بالحب لم تجروء علي توقعه يومًا فانهالت عبراتها تأثرًا واهتز جسدها بين يديه التي احتوتها بضمة قويه كانت أكثر من محببة لها فأطلقت العنان لمشاعرها المكبوتة قي الخروج علي السطح فجاءت كلماته الحانية لترمم ثقوبًا و تصدعات شوهت روحها
” خرجي كل الي في قلبك. عيطي لو دا هيريحك. املي الدنيا صريخ و أنا هسمعك. بس اوعي تكتمي ألمك جواكِ اكتر من كدا.”

فعلت مثلما اخبرها فأخذ بكائها يرج غصون الأشجار حولهم و مع كل شهقه كانت تخرج من جوفها يزداد تعلقه بها أكثر حتى صارت وكأنها جزء من جسده ، شقًا من روحه ، قطعة من قلبه المتيم بعشقها و الذي اخترق جميع دوافعها فوجدت نفسها تهمس باسمه
” سليم..”

اخترق همسها قلبه فقام برفع وجهها يحيطه بكفوفه الحنونه وهو يقول بهمس
” عيونه..’
اجابته بلوعة
” انا خايفه اوي . خايفه من كل حاجه. خايفه اقرب من ابني لاخسره خايفه لا المرض دا يكون عقاب من ربنا ليا عشان غلطتي. خايفه اتعلق بحياة جديدة تنتهي بكارثه زي ما حصل قبل كدا.. احساس الخوف دا هيموتني و أنا مش قادرة اعيش بيه أبدًا …”

كلماتها الملتاعه كانت أشبه بالجمر علي قلبه الذي انتفض بداخله اضلعه ألمًا و عشقًا تجلي في نبرته حين قال
” اوعي تخافِ و أنا موجود. “

تابع و يديه تمسد أكتافها المرتجفه متابعا بقوة
” ابنك دا هديه ربنا ليكِ وهيتربي في حضننا. ربنا له حكمة في كل حاجه حصلت. الطفل اللي مش قادرة تقربي منه دا لولاه مكنتيش اكتشفتي حقيقه مرضك و هو لسه في أوله. اللي هو ابتلاء من ربنا و هتصبري عليه عشان أنتِ قويه و عشان ربنا بيحبك. ربنا بيبعت البلاء للي بيحبهم. “

أيدته قايله
” انا عارفه. بس..”
قاطعها بحكمه
” مفيش بس. في الحمد لله علي كل حاجه تيجي من عند ربنا. و تبقي قويه عشان أنتِ احسن من غيرك كتير. أنتِ جمبك ناس كتير بتحبك. اهلك و اختك و ابنك و أنا…”

تعمقت نظراتها أكثر بعينيه التي اقتربت أكثر فأسند جبهته فوق خاصتها قائلًا بصوت أجش
” انتِ غاليه اوي يا جنة. اغلى عندي من روحي.. وجودك يعني اني عايش. و ألمك دا بيفتت قلبي..”

انهي جملته واضعًا قبلة حانيه علي أرنبة أنفها قبل أن يتابع بصوت مغلفًا بلهيب الصبوة
” خليكِ قوية و أنا ايدي في ايدك لحد ما نعدي كل حاجه سوى؟”
” هتصبر عليا؟”

كلمه واحده منها كانت لها وقع القنبلة علي مسامعه فتراجع يناظرها بلهفه تجلت في نبرته حين قال
” بالرغم من إن سليم الوزان عمره ما عرف يعني ايه صبر بس انتِ تستاهلي اني اتعلمه عشانك..”

” سليم الوزان اختار يدخل النار برجليه..”
هكذا أجابته في محاولة للوصول إلي أقصي مراحل الأمان بقربه فتفهم علي الفور مقصدها فأجابها بخشونة
” اعتبري سليم الوزان دا ملكك بكل ما فيه. قربي و ملكيش دعوة”
” تقصد ايه؟”

” ايه رأيك تعتبريني صاحبك. الي بتجري تحكيله علي كل حاجه تخصك. فرحك حزنك ألمك كل حاجه. “

ابهرتها كلماته التي انهالت عليها ك سيل من المياة العذبة لتروي تربه تصدعت من فرط الجفاء و خاصة حين أكمل
” اعتبريني البحر الي بترمي فيه كل مشاعرك. ”
إجابته بنبرة مرتجفه
” و افرض فهمت كلامي غلط”
” استحاله.. انا شايف قلبك. و عارف الي جواه. و مبسمعش غير ليه. اى كلام تاني مش هيهزني ..”

انكمشت ملامحها بحيرة كل ما بداخلها ينطق بالموافقه إلا من شعور دخيل يمنع الكلمات من أن تغادر حدود شفتيها ولكنه تفهم ما يحدث فقال بتفهم

” متجاوبيش دلوقتي.. خدي وقتك و اول ما قلبك يقنعك كلميني.. قوليلي عيزاك. و أنا هجيلك لو من آخر الدنيا..”

رغمًا عنها ارتسمت ابتسامه جميلة علي شفتيها أضاءت له عمرًا بأكمله فاقترب بترو واضعًا قبله هادئه فوق عينيها اليمني ثم انتقلت شفتيه الي العين اليسرى ناثرًا عشقه فوق بحرها الأسود اللامع فخرجت لهجتها مهتزة حين قالت
” بتعمل ايه؟”

بملامح عاشقه و عينين تلتهمان حسنها إلتهامًا أجابها
” بوثق إتفاقِ بيني و بين قلبك..”

عودو للوقت الحالي

هبت من مجلسها تنوي بدأ حياة جديدة معه. فقد اضناها العذاب و اكتفت من دفع ثمن خطأها الغير مقصود و بالفعل قامت بسحب هاتفها لتراسله و لكنها احتارت ماذا تكتب؟ هل تخبره بقرارها برسالة لن تحمل مقدار ذرة من مشاعرها التي تجتاح قلبها كالطوفان ام تخبره وهي تنظر إلي داخل عينيه؟
ظلت تدور بغرفتها غير قادرة علي اتخاذ القرار ولكنها توقفت فجأة حين تذكرت كلمته التي كانت أكثر من كافيه للتعبير عن جميع مشاعرها التي لن تستطيع الأفصاح عنها..
فقامت علي الفور بتدوين ما تريد و الذي اختصرته في عدة حروف بسيطة
” عيزاك..”

ما أن همت بإرسالها حتي تعالي صوت بكاء بجانبها والذي لم يكن سوي لطفلها محمود الذي كانت تخشي كثيرًا الاقتراب منه فكانت تتركه الوقت بأكمله إما لشقيقتها او لزوجة عمها للإهتمام به و لكنهما الآن غير متواجدتان و الصغير يبكي بحرقه رق لها قلبها فاقتربت منه بخطيٍ سلحفيه لتجده يتلوي بسريره وجهه محمر بشدة و ملامحه الجميلة مكفهرة بطريقه توحي بأنه يتألم و دون أن تشعر ساقها قلبها إليه فقامت بمد يدها المرتجفه تتحسس وجنته فاحرقتها تلك السخونة المنبعثة منها فارتعبت و قامت بحمله و داخلها يرتجف رعبًا حين وجدت الطفل ينتفض بين يديها يعاني من ارتفاع شديد في حرارته…

**************

كان الغضب شعور بين ألف شعور يجتاحه و هو يقف أمام تلك الشجرة التي تحمل ذكريات لعينه بين مالكه قلبه و بين رجلًا آخر و كأنه أراد قتل تلك الذكريات في مهدها حين قرر لقائهم أن يتم تحت أنظار تلك الثمار المتدلية بإغراء من الغصون . أراد أن يزودها بذكريات أخرى سيئه قد تأتي اولًا بذاكره ذلك الذي تجرأ و اقترب من محبوبته شرًا كان أو خيرًا .

” اهه.. اديني چيتلك .. أما اشوف مواعيد العشاج دي اخرتها ايه؟”

هكذا كان حديث «عمار» موجهًا أياه ل«سالم» الذي كان يعطيه ظهره و ما أن سمع صوته حتي اسودت حدقتاه و اكفهرت معالمه و شدد قبضته فبدا مريعًا حين التفت يناظره و خاصةً حين قال بوعيد
” بما أن الشجرة دي ليها معاك ذكريات حلوة. فقولت احطلك انا كمان ذكرى تفكرك بيا”

انهي كلماته وقام بتوجيه لكمة قويه إلي انف «عمار» الذي نزف في الحال. و لم يستطيع استيعاب ما يحدث حين وجد اللكمات تنهال عليه من كل حدب و صوب فهو لم يكن خصما سهلًا بالمرة ولكن كان لعنصر المفاجأة وقعًا قويًا عليه. إضافة إلي أن ذلك الوحش الثائر الذي أمامه كانت تعميه نيران الغضب و الغيرة فأخذ يكيل له اللكمات و الضربات التي نالت جميع أجزاء جسده بلا رحمة ولا شفقة . فحي دماءه التي سالت أرضًا لم تشفع له فقط كل ما يراه هي وجنتها التي أصابتها يده القذرة و شوهت جمالها و نالت من كبرياءها..

كان هذا كله يحدث أمام مرآى و مسمع من «سليم» و «مروان» الذان يجلسان بالسيارة في انتظار «سالم» الذي أمرهما بعدم التدخل حتي و لو أزهقت حياته فزفر «مروان» بملل قائلًا
” وبعدين بقي في فيلم الاكشن اللي مش هيخلص دا ؟ ما تيجي نجوش اخوك الي شبه التور دا هيموت الراجل في ايده و بدل ما يشبك يتكلبش!”

اجابه «سليم» بضجر
” مانت سمعت تنبيهاته أن محدش يدخل.. مش ناقصين غضبه ”
اطلق «مروان» زفرة حانقة قبل أن يقول
” علي رأيك و بصراحه الي اسمه عمار دا ابن حلال و يستاهل..”

انهي «مروان» جملته تزامنًا مع رنين هاتف «سليم» برساله نصية كان لها وقع الطبول علي قلبه الذي انتفض بين أضلع حين قرأ محتواها.
” عيزاك.”

” بقولك ايه يا مروان . خدمة لأخوك عايزك تستناني هنا لحد ما ارجع..”
«مروان» بامتعاض
” ايه ياخويا و أنا كنت كلت ايه عشان اشرب عليه . مابعملش خدمات لحد .”

تابع «سليم» بلهجه يشوبها التوسل
” عيب عليك دانا حبيبك.. و زي اخوك”
«مروان» باستنكار
” اخويا مين انا معنديش غير أخ واحد و اتبريت منه هو و بنته الي لسانها عايز قطعه دا..’

زفر «سليم» بحنق ثم تابع بإقناع
” قدم السبت تلاقي الحد. وانا و شرف امي هشيلهالك جميلة..”
التمعت عينيه بمكر قبل أن يقول باستمتاع
” وماله مدام حلفت بالغالي.. واهي الجميلة البيضه تنفع في الليلة السودا. ”
«سليم» باحتقار
” اتفو..”

ترجل من السيارة تاركًا «مروان» خلفه و الذي أخذ يتابع تلك الحرب الطاحنه التي انتهت أخيرًا و جاء «سالم» تاركًا خلفه «عمار» جثة تنازع للبقاء علي قيد الحياة فما أن استقل السيارة بجانبه حتي قال بخشونه
” سليم فين؟”

«مروان» بسخرية
” المزة بعتتله رساله فخلع.. انما ايه دا يا راجل . دانت طلعت اجمد من ذا روك. يا رافع راسنا انت..”

«سالم» بفظاظة
” بطل رغي كتير و يالا بينا..”
انكمشت ملامح «مروان» بصدمة و قال باستفهام
” يالا ايه يا راجل ؟ الواد دا لو سبناه كدا للصبح مش هيطلع عليه نهار..”
«سالم» بجفاء
” شالله ما طلع .’

«مروان» محاولًا تهدئته
” لا يا كبير متعودتش منك علي كدا. حقها و جبته بس انت عمرك ما كنت ظالم. بلاش غضبك يتحكم فيك.. علي الأقل نسعفه.. و خلي بالك انت ممكن تخسر كتير.. “

لون المكر ملامحه قبل أن يقول باستمتاع
” عندك حق.. علي الرغم من أنه عمره ما هيقول أن أنا إلي عملت فيه كدا عشان صورته متتهزش . بس انا هطلع اجدع منه..”
” تقصد ايه؟”

ترجل من السيارة وهو يقول بأمر
” خد العربيه و روح وديه اقرب مستشفي خليهم يسعفوه و أن حد سألك قولهم انك لقيته مرمي بيموت و جبته علي هنا. “

«مروان» بتهليل
” اه يا نمس.. انت عايز تعمل عليه نمرة و توصل لعبد الحميد انك أنقذت حياة حفيده الي عمره ما هيقدر ينطق و يقول انك خرشمته.. لا كبير بصحيح. “

«سالم »بفظاظة
” نفذ الي قولتلك عليه..”

كانت تذهب الي بيتها بجلبابها الملوث بروث البهائم و رائحه النتانه التي كانت تلاصقها منذ أن أمر هذا الطاغية بأن تقوم بتنظيف الحظائر ذلك العمل الشاق الذي كان كعقاب قاس لها جعلها تقول بغضب
” الهي يچيك و يحط عليك يا عمار يا ابن ام عمار.. الهي يحكم عليك الجوي . يالي تنشك في بطنك. الهي يدك تتكسر يا بعييد. بجيت كيف البهايم من كتر الجرف الي أني فيه.. روح يا شيخ الهي اشوف فيك يوم يا ظالم..”

هكذا خرجت دعواتها من اعماق قلبها الغاضب و ملامحها الممتعضة وهي تسير عائدة الي منزلها بعد يوم شاق لتتوقف فجأة وهي ترى ذلك الملقي علي الأرض غارقًا بدماءه و بجانبه شخص ما بدا و كأنه يجهز عليه فتسللت علي أطراف اصابعها مقتربه منهم لتتفاجئ ب«عمار» و وجهه الذي كان منتفخًا من كثرة الضرب فقالت هامسه بغباء
” هو باينه استچاب ولا اي؟؟”
ثم تابعت اقترابها منهم فتبينت ملامحه بالفعل كان هو فما منها إلا أن تعالت صرخاتها بقوة
” يا حومتي. الحجونا يا خلج الحجونا يا هوه.. الكبير اتجتل . و الجاتل اهوة.. الحجونا..”

كان يحاول رفع جثته الضخمه بصعوبه و ما أن استطاع تحريكه من علي الأرض حتي تفاجئ بتلك الصرخات الآتيه من خلفه و التي افزعته فترك «عمار» بغته ليصطدم جسده بالأرض محدثًا صوت تألم قوي لم يأبه له إنما التفت إلي تلك المجنونة التي كانت تصيح هنا و هناك دون وعي فاقترب منها قائلًا بلهفه
” اقفلي بقك يا وليه انتِ هتلمي علينا الناس. والله ما عملت حاجه”

صاحت «نجمة» بتوبيخ
” يالا يا كذاب يا ناجص . اني بعيني شيفاك و انت بتجتله.. ورب الكعبة لهلم عليك الخلج. الحجونا .. الحجونا…”

ذعر «مروان» من حديثها وقال بصياح و هو يحاول تكميم فاه تلك المشعوذة
” شايفه مين يا بنت الهبلة هتلبسيني مصيبة وربنا ما عملت في حاجه. انا جاي الحقه يخربيتك..”

«نجمة» بتهكم و نبره مرتفعه
” تلحجه! عليا اني بردك.يا سفاح “

«مروان» بصراخ و اندهاش
” سفاح مين يخربيت اهلك هتضيعي مستقبلي . والله ما لطيته.. و لا جيت جنبه..”

” اني هوريك يا جاتل. لازمن تاخد عجابك يا سفاح..”
اقترب «مروان» منها محاولًا كتمان فمها واضعًا يده خلف رقبتها يثبتها والأخرى علي فمها و هو يقول بغضب
” سفاح يسفحك يا شيخه.. دانتِ شيختي أهلي. منك لله يا بعيدة.. مش انا السفاح طب وحياة امي لو نطقتي بحرف واحد لهكون دافنك هنا..”

عند هذا الحد هدأت و هدأ صراخها و لكن ارتسم الرعب بنظراتها وهي تري ملامح «مروان» الذي أتقن رسم التهديد علي ملامحه و انبثقت من بين عينيه نظرات إجرام جعلتها ترتجف بين يديه فتركها قائلًا بنبرة صارمة
” ايدك معايا نرفع البغل داو نوديه المستشفي.. خليهم يلحقوه “

” لهوي لهو انت منيهم. ؟”
«مروان» باستفهام
” هما مين؟ ”
” الي يجتلوا الجتيل و يمشوا في چنازته..”
قام بلكزها في كتفها وهو يقول بتقريع
“قتيل ايه يا متخلفه ماهو صاحي و بيتوجع قدامك اهوة. جايبه الغباء دا منين ؟”

” حاضر . حاضر . يالا واني هساعدك . بس سايجه عليك النبي ما تعمل في حاچه. داني الي بچرى علي اخواتي و بوكلهم من عرج جبيني..”

زفر «مروان» بغضب و استغفر في سره قبل أن يقول من بين أسنانه
” حاضر . اتفضلي يالا معايا و أنا وعد مش هقتلك. هقطع لسانك بس لو نطق تاني.. هي ايه الريحه دي؟”

هكذا تحدث بعد أن اخترق أنفه رائحتها القذرة فتراجعت خطوتين إلي الخلف قبل أن تقول بحرج
” ما چولتلك اني بوكل خواتي من عرج چبيني “

«مروان» باستنكار
” و عرق جبينك ريحته قذرة ليه كدا ؟ اتنيلي امشي قدامي..”

اطاعته و بصعوبه قاموا بنقل «عمار» الي السيارة فبدأ يستعيد وعيه قليلًا فقال بتأوة
” اني فين؟”
تهكمت «نجمة» التي كانت تجلس في الكرسي الخلفي بجانبه في السيارة
” في چهنم الحمرا..”

” بتچولي ايه يا حرمه انتِ؟”
قالها بشفاه مرتعشه جراء كدمه قويه شوهتها فتابعت تهكمها قائلة
” عمايلك العفشة چابتك چهنم.. عشان تبجي تفتري علي واحدة غلبانه زيي..”
قهقه «مروان» علي حديثها و قال بمزاح
” دانتِ باين عليكِ بتحبيه اوي..”

” حبك حنش انت التاني. مانتوا سفاحين بتشبهوا بعض.. هجول ايه ربنا عالظالم..”
” مين الي حبه حنش ياللي تحبك سحلية أنتِ؟ هتخلني اطلع كتاكيتي عليكِ. اتلمي يا بت.”

سخرت قائلة
” لا و علي اي. مش مستاهله كتاكيتك انت التاني كفايه البهايم الي ابتليت بيها. مش ناجصه كتاكيتك كمان..”
” و أنتِ اسمك ايه اومال؟”
هكذا سألها «مروان» فأجابته بامتعاض
” نچمة!”

تهكم «مروان» قائلًا
” نجمة.. نجمة ايه دي أن شاء الله دانتِ نيزك..”

تدخل «عمار» بألم
” حد يرد عليا يا أغبية .. اني فين؟”

اجابه «مروان» بملل
” انت في عربيتي راح اوديك المستشفي بعد ما سالم طحنك علقة محترمه..”
خرجت كلماتها دون وعي
” شالله يسلم عمره…”

تجاهل «عمار» حديثهم و قال بتألم
” وجف ياد انت .. مستشفي ايه الي توديني عليها .. اتصلي بياسين ابن عمي ياچي ياخدني..”
«مروان» بتهكم
” اه صحيح مستشفي ايه الي اوديك عليها مفروض اوديك مصلحة الضرايب يخيطوا نافوخك الي سايح في دمه..”

تجاهل «عمار» حديثه وقال بنبرة حاول أن تبدو ثابته رغم ألمها
” جولتلك وجف و اتصل علي ياسين ياچي ياخدني.”
زفر «مروان» بغضب و بالفعل هاتف ياسين الذي أجاب ممتعضًا
” عايز ايه؟”

«مروان» بجفاء
” ابن عمك مضروب و متمرمط جيت اوديه المستشفي مرديش قالي اكلمك . احنا واقفين علي ورا القصر بتاعكوا اطلع عشان تاخده..”

هكذا تحدث «مروان ثم اغلق الهاتف في وجه ذلك الذي جن جنونه حين سمع حديثه و هرول من الباب الخلفي فوجد سيارة «مروان» التي صفها بالقرب منهم فتوجه إليها و صدمه مظهر «عمار» الغارق بدمائه فصاح بعنف
” مين الي عمل فيه كدا؟”

اجابه «مروان» بملل
” اهو عندك اسأله.. اتفضل شوف هتوديه فين عشان مستعجل عايز امشي..”

اغناظ «ياسين» من حديثه و لكن جاءه صوت «عمار» المتألم الذي قال
” ياسين. وديني البيت الصغير الي في آخر الأرض و كلم مرعي وهو هينصرف..”
” لازم تروح المستشفي انت مش شايف حالتك ”
هكذا تحدث «ياسين» معترضًا فصاح «عمار» من بين جراحه
” اسمع الي هجولك عليه. اني مش جادر اتكلم
.”

زفر ياسين» بحنق و أطاعه بعد أن أرسل نظرة متوعدة ل«مروان» الذي لم يهتز و قامت «نجمة» بالسير خلف «ياسين» ولكنها توقفت بقرب «مروان» قائلة بتوبيخ
” جادر و فاچر. سفاح بحج و حجيجي..”

” طب اختفي من وشي عشان هطير رقبتك دلوقتي. “

هكذا قالها «مروان» بصراخ جعلها تهرول من مكانها ذاهبه في إثر «ياسين»..

**************

كانت تهرول قي المنزل حامله طفلها المرتجف بين يديها و هي تصيح هنا و هناك فظهرت لها أحدي الخادمات التي أخبرتها بأن شقيقتها و زوجه عمها في الحديقه فتوجهت الي باب المنزل تفتحه و إذا بها تجده أمامها و كأنه جاء كالغوث بعد تضرعات قلبها الي الله بالنجدة التي تمثلت بكلماته حين قال بلهفه
” جيتلك زي ما وعدتك..”

كانت كلماته كالبلسم الذي لم تكن تحتاج سواه فتناثرت عبراتها من مقلتيها و خرج صوتها مبحوحًا حين قالت
” محمود بيضيع مني يا سليم …”

ارتعب من مظهرها و الطفل الذي يرتجف بين يديها فتناوله منها بلهفة لتصعقه حرارته القويه التي جعلته يقول بذعر
” دا بينتفض من شدة السخونيه..”

كانت كلماته مرعبة لقلبها فتجمدت بمكانها و خرجت الكلمات منها بطريقة آليه
” هيموت!!!”

امتدت يده الأخري تمسكها من رسغها بقوة أعادتها الي رشدها و قال بصوت قوي
” متقوليش كدا تاني.. أن شاء الله بسيطة.. يالا نوديه المستشفي..”

اومأت برأسها قبل أن تطيعه و هرولت خلفه الي الخارج فقابلتهم «فرح» التي استوقفها مظهرهم فقالت بقلب مرتعب
” حصل اي؟”
تحدث «سليم» و هو يتجاوزها
” محمود سخن مولع و رايحين بيه عالمستشفي..”

لم تستطيع أن تجيب شقيقتها فقط أخذت تومئ برأسها بهستيريا وهي تلحق به فتبعتها «فرح» وهي تصيح لزوجه عمها
” طنط تهاني محمود تعبان و رايحين نوديه المستشفي.عرفي جدي و الباقي..”

اجابتها «تهاني» بلوعه
” ربنا يطمنكوا عليه يا بتي.. روحي و لا يهمك..”

انطلق الثلاثه الي الخارج ليجدوا «سالم» الذي كان بصدد مهاتفتها يريد رؤيتها فإذا به يجد «سليم» يهرول بالطفل الي الخارج و هي و «جنة» خلفه فتقدم منهم قائلًا بصوت قلق
” في ايه؟”

اجابه «سليم» بلهفه
“محمود سخن مولع فين مروان ؟”
لم يكد «سالم» يجيبه إذ ظهر «مروان» الذي جاء بسيارته ليجد الجميع موجود فأذا به يتفاجئ «بسالم» الذي توجه إليه فاتحًا باب السيارة و هو يأمره
” انزل اركب جمبي.. سليم اركب جمب جنة و فرح ورا..”

اطاعه الجميع و فعلوا مثلما أمر و باقصي سرعته قاد السيارة الي المشفي الذي ما أن وصلوا إليه حتي هرول الجميع يطالبون بطبيب في الحال فانتشر الهرج و المرج داخل المشفي و وصل الطبيب بعد وقت قليل و قام بالكشف علي الطفل وسط حاله من الرعب المخيم علي قلب «جنة» التي كانت تشعر بأصفاد الذنب الساخنه تعتصر فؤادها فذلك الطفل الذي رفضته يهددها القدر بفقدانه هذا هو حال كل من يعارض مشيئه الرحمن و يجحد بنعمه.

كان الجميع بالخارج ينتظر خروج الطبيب بقلوب مرتعبه و أجساد مرتجفه فقد كان هذا هو حال« جنة »التي اقترب منها «سليم» يحتضنها بقوة حانيه و لدهشته فقد قامت برمي رأسها علي كتفه بكامل ثقلها و ما يحمله من ضجيج دوي طنينه بقلبها الذي احتضنه بحنانه حين قام بوضع قبلة قويه فوق خصلات شعرها اتبعها بكلمات مهدئة
” هيبقي كويس بإذن الله. قولي يارب..”

خرجت الكلمه من جوفها و اعماق قلبها
” يارب..”

كان حالها يبكي الحجر فتناثر الدمع من عيني «فرح» التي اشفقت علي حال شقيقتها من عذابها الذي لا ينتهي فكان لها هي الأخرى نصيب من حنانه الذي تجلي في صوته الذي تهادي بهمس علي مسامعها
” مينفعش العيون الحلوة دي تعيط عمال علي بطال كدا.”

دغدغتها كلماته التي كانت بنبرة عاشقه اخترقت قلبها فالتفتت تناظره قائلة بحزن
” جنة صعبانه عليا اوي.. مبتلحقش تتهني.. نفسي القدر يعوضها عن كل اللي شافته”

تابع بنبرته العميقة و لهجته الخشنة
” بصي كويس هتلاقيها مش لوحدها.. و دا في حد ذاته عوض من ربنا..”

كلماته وصفت الوضع بدقه فقرب «سليم» من شقيقتها بتلك الدرجة كان عوضًا كبيرًا خاصةً و هي تراها تستند عليه بكامل حزنها و ثقل آلامها فخرجت الكلمات خافته من شفتيها
” يارب يهديهم لبعض.و يقدر يعوضها عن كل اللي شافته..”
اجابها بهمسه الخشن
” هيحصل أن شاء الله. “

ودت لو تروي عينيها من تفاصيله التي اشتاقتها كثيرًا فالتفتت تناظره بخجل سرعان ما تحول لذعر كبير حين رأت بعض الدماء علي ملابسه فقالت بصدمة
” سالم ايه الدم دا؟”

انكمشت ملامحه و بدا الملل علي وجهه ولكنه أجابها بفظاظة
” متشغليش بالك.. خلينا في المهم..”

بقلب مرتعب اجابته
” سالم متقلقنيش ايه اهم عندي من سلامتك..”

ناظرها بعينين غازلتها قبل أن تغازلها شفتيه حين قال بهمس
” في طبعًا.. عيونك الحلوين الي وحشوني دول..”

كلماته العاشقة دغدغت حواسها ولكنها كانت تعلم محاولاته في صرف انتباهها عن ما حدث فتابعت بعناد
” أرجوك متهربش و جاوبني .الدم دا ايه مصدره؟”

اطلق زفرة حانقة قبل أن يقول بخشونة
” الأيد الي اتمدت عليكِ كسرتها .”
شهقت بعنف جراء كلماته و قالت تعاتبه
” كدا يا سالم دا الي اتفقت معاك عليه ؟ مش قولت بلاش…”

قاطعها بحزم
” قولتِ لكن أنا مش مجبر اسمع كلامك يا فرح. الموضوع انتهي. كان حساب و اتصفي..”

غضبت من تسلطه وقالت باستنكار
” و ان خسرنا كل حاجه يسبب تهور حضرتك دا ايه الحل؟”
اجابها بملل
” مفيش اي خساير انا عارف انا بعمل ايه؟ و بعدين يحصل الي يحصل آخرها هولع في البلد و الي فيها و أولهم جدك و هاخدك بردو ..”

كان اعترافًا عنيفًا بالحب الذي لم تحلم به طوال حياتها و الذي اخترق قلبها المتيم بنيران عشقه ولكنها أرادت التمنع قليلًا فتمتمت بغضب مفتعل
” كائن بدائي . محسسني اننا عايشين في غابة..”

ابتسم علي ملامحها التي تخفي ولعًا كبيرًا به و بتملكه فتابع بهسيس خطر
” قولتلك هاخدك من بق الأسد أنتِ الي مفهمتيش..”
نجح في رسم ابتسامه غادرة غافلتها و ارتسمت علي ملامحها فالتفتت تنظر أمامها وهي تقول
” عارفه اني مش هغلبك..”

ابتسم بخفوت قبل أن يجيبها بصوته الأجش
” كل دا ومغلبتنيش! دانتِ جبتيني علي جدور رقبتي من بحري لحد الصعيد.. “

امتلئ قلبها بسعادة طاغية لدي سماعها كلماته العاشقه و مدي تأثيرها به و خرجت الكلمات متوعدة من بين شفتيها
” ولسه..”

قاطع حديثهم خروج الطبيب من الغرفة و الذي أخبرهم بأن الطفل يعاني من الحمى و طمأنهم بأنهم سيطروا علي الأوضاع و سيبقي لبضع ساعات تحت الملاحظة و من ثم يمكنهم المغادرة فزفر الجميع بإرتياح و هدأت دقات قلب «جنة » المرتعبة فرفعت رأسها تشكر ربها علي انقاذه لها و فجأة جاء صوت رساله نصيه علي هاتفها فرفعته تنظر إليه و إذا بها تتجمد من فرط الصدمة حين وقعت عينيها علي…..

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية في قبضة الأقدار)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *