روايات

رواية نيران الغجرية الفصل الخامس 5 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية الفصل الخامس 5 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية البارت الخامس

رواية نيران الغجرية الجزء الخامس

نيران الغجرية
نيران الغجرية

رواية نيران الغجرية الحلقة الخامسة

السبب.
______________________
بعد مرور 4 أيام.
في قصر البحيري.
صرخ رأفت بعصبية على الهاتف :
– يعني ايه ضيعتوه امال انا مشغلكم عندي ليه بقالكو فترة بتمشو وراه بعد ما يخلص شغله و كل مرة يقدر يهرب ده لو كنت مشغل عيال صغيرة هيعملو اللي مقدرتوش تعملوه …… لأ خلاص مفيش داعي تراقبوه أكتر كده كده عمار بيقدر يضيعكم اقفل انت دلوقتي.
رمى الهاتف جانبا يزفر بغضب ثم قال :
– انا مش فاهم الولد ده بيختفي فين و ليه محدش قادر عليه هو طالع داهية كده لمين معرفش.
إقتربت سعاد تربت على كتفه بتريث :
– اهدى شويا و بلاش تضغط على نفسك اكيد عمار خد باله من الحراسة و حذرك من زمان تبعدهم عنه ماهو ميصحش تبعت ناس وراه انت كده بتعمل حواجز اكتر بينكو.
– انا أبوه و ليا الحق ف اني اعرف المكان اللي بيروحله يعني مش كفاية لغى العقد مع وليد من غير مايرجعلي و حطني فموقف محرج مع أبوه كمان هيتهرب مني عشان مسألوش عن السبب اللي خلاه يفسخ مع صاحبه و نتحمل الشرط الجزائي.
همهم بسخط من تصرفات إبنه و استطرد :
– اكيد حصلت مشكلة كبيرة بين عمار و وليد يوم خرجو سوا بس ندى مش راضية تتكلم و عماله تقول انها مخدتش بالها و الوضع كان كويس بينهم.
وافقته سعاد الرأي وهي تهز رأسها بغرابة فالكل يعلم بالصداقة المتينة بين عمار و وليد و يوسف الذي يقيم في امريكا حاليا من غير المعقول ان تتبدل الاوضاع في ليلة واحدة و ينفصل الصديقان دون سابق إنذار و فوقها عمار غائب عن القصر منذ يومين و والده لا يستطيع الوصول إليه ، ربما هو عند تلك المرأة التي حدثها رأفت عنها و قال ان ولده لديه حبيبة ترى من هي و اذا كان الآخر يحبها لماذا يرفض الزواج ، أم ان عمار يتبع نزواته مع فتيات الهوى ؟
انتفضت تستغفر ربها سريعا و قبل ان تتكلم طرق الباب و دخلت الخادمة :
– رأفت بيه وليد بيه تحت و مستني حضرتك.
اومأ و نزل له رحب به ثم دخلا لغرفة المكتب ، طالعه رأفت قبل ان يسأله بصوت رخيم :
– طبعا انت عارف السبب اللي استدعيتك علشانه ، بقولك يومين بتتهرب مني بحجة الشغل في الشركة بس اعتقد دلوقتي مفيش سبب يخليك متجاوبنيش عمار قرر يفسخ العقد معاك ليه ؟
أجفل وليد بتلبك و لعن نفسه مئات المرات لأنه تسبب في مشكلة كبيرة فبالإضافة الى الخسائر التي سيتكبدها هو و عمار نتيجة فسخ العقد إلا أنه خسر صديقه بسبب عيناه الزائغتين و لسانه السليط ، كلما يتذكر أنه عاكس زوجته شعر بمدى غبائه صحيح أنه لم يكن يعلم ان تلك المرأة هي نفسها مريم زوجة عمار لكن هذا ليس حجة فلو كان مكانه و سمع أحدهم يتغزل بإمرأته سيهشم عضلات وجهه دون تردد !!
أفاق من شروده على تنبيه رأفت الحازم :
– رد عليا يا وليد ايه السبب اللي خلاك تتخانق مع عمار ؟
– مش خناقة يا عمي … احم سوء تفاهم بسيط بسبب الشغل و عمار اتنرفز و طلب نفسخ هو ده اللي حصل.
رفع رأفت حاجبه بإستنكار :
– بسبب الشغل عمار لغى العقد بينكو و هيضطر يدفع الشرط الجزائي الضخم و كل ده عشان سوء تفاهم بسيط ؟ انت بتكدب على مين يابني.
أخفض رأسه يتمتم بمراوغة لتجنب الرد :
– انا هحاول اصلح اللي حصل مع عمار ولو مرضيش يبقى عملت اللي عليا … عن اذن حضرتك.
نهض يغادر الغرفة بينما تنهد رأفت بعصبية و طلب رقم إبنه للمرة المائة ربما لكنه كعادته يتجاهل حتى ينقطع رنين الاتصال.
_______________________
في الشقة الأخرى.
وقفت أمام المرآة تدهن شعرها بزيت عطري برائحة الياسمين المفضلة لقلبها وهي تبتسم متذكرة اللحظات الساحرة التي تعيشها مع زوجها منذ أيام و المختلفة تماما عن كل الأيام التي جمعتهما حيث لا يقتصر حضوره على رغبته بعلاقة معها فقط ، بل أصبح يجالسها و يحدثها بأمور مختلفة بعيدا عن ما كانت تراه منه سابقا.
و رغم تعجبها من تغيره المفاجئ و أسلوبه الغامض و إرتيابها من حديث هالة إلا أن مريم اختارت الإستمتاع بهذا الأسبوع الذي سيقضيه معها دون سماحها لشيء بتنغيص حياتها.
فجأة توقف صوت المياه في الداخل فأدركت أنه أنهى حمامه أخيرا ، إبتسمت مريم بخجل وهي تتذكر قبل دقائق عندما دخل عليها وهي تستحم كانت قد انتهت و لفت المنشفة حول جسدها و عندما رأى شعرها المبلل الذي تخلى عن تمويجاته بسبب المياه جن جنونه و سألها بغضب عما حدث لتضحك وهي تخبره أن خصلاتها ستأخذ شكل الملتوي بعد جفافها قليلا ، إن زوجها مولع بخصلاتها حقا !!
بعد قليل خرج عمار وهو يضع منشفة حول خصره و أخرى صغيرة يجفف بها شعره ، تأملته مريم خفية بعد إنتهائها من الزيت العطري و تزيين عينيها بكحل ثقيل اعتقدت انه لا يلاحظها لكن ابتسم عمار بهدوء وهو يشرع في إرتداء ملابسه :
– شكلي وانا طالع من الحمام حلو للدرجة ديه ؟
اندهشت منه و تلعثمت :
– ها ازاي.
انفلتت ضحكة منه لم يستطع كتمها ثم استدار اليها يحدثها بعبث :
– عماله تبصيلي بطرف عينيكي من لما دخلت الأوضة فبسأل نفسي يا ترى انا عاجبك للدرجة ديه.
توردت وجنتيها بحرج اكثر منه خجلا لمبالغتها بالتأمل فيه لكن ماذا تفعل فهي لا تمانع ابدا من قضاء بقية حياتها تنظر له ، تنحنحت و تشدقت بتقطع :
– انا ….. العشا جهز هروح احطه عشان ناكل سوا.
هرعت للخارج مسرعة في حين اتجه عمار الى المنضدة الصغيرة و حمل هاتفه يناظر بزهو عدد المكالمات الفائتة من والده يبدو أن السيد رأفت مصمم هذه المرة و ربما يكون يشتعل الآن من غضبه حسنا فليعلم أن لا أحد يستطيع العثور على عمار البحيري إن لم يرد هو بنفسه ذلك حتى لو أرسلوا خلفه سبعين حارسا و اتصلوا آلاف المرات.
رن هاتفه مجددا لكن المتصل كان شخصا آخر الرجل الذي كلفه بمتابعة تسجيلات الكاميرا التي ركبها في باب الشقة الخارجي و سجل مكالمات مريم و جلب معلومات عن ” احمد حسني ” شقيق تلك الصديقة الثرثارة الغبية ، رفع عمار رأسه للأعلى تقد إحمرت عيناه بشكل يخيف رغم تجلدهما بغلاف البرود ف الآن ستثبت صحة شكوكه من عدمها و صدقا لو تأكد مما فكر به سيجعل حياة الجميع جحيما !!
فتح الخط ووضع الهاتف على أذنه بجمود :
– إيه الأخبار ؟
– يا باشا احنا عملنا زي ما حضرتك أمرت و الشاب اللي كلفتنا نجيب معلومات عنه ده بيبقى مهندس خاطب واحدة قريبته بقاله سنتين و من الشغل للبيت مفيش حاجة مريبة من ناحيته …. و مفيش حاجة بتربطه بالمدام مريم غير أخته اللي هي صاحبتها هالة حسني.
همهم بإيجاب و قد إنقشع بعض الصدأ الذي زين ظنونه السيئة بينما تابع الآخر :
– و بخصوص تسجيلات الكاميرا احنا تابعناها أول بأول و اتأكدنا أن المدام مريم مطلعتش من الشقة غير مرة واحدة كانت من يومين و اظن حضرتك عارف لأنك جيت وراها ع الطول …. و سجل المكالمات بتوعها مفهمش غير اتصال قديم من ست اسمها سمية و 3 اتصالات من عها و من حضرتك و اتصالات متكررة من بنت اسمها هالة…. ده بس.
– متأكد ؟ يعني مفيش مكالمات محذوفة ؟
– لا يافندم.
هز رأسه براحة و أغلق الإتصال وقد انتعشت روحه التي أظلمت من يوم شكوكه بمريم إذا كلامها صحيح هي لم تخرج سوى تلك الليلة إضافة لمكالمات عمها و مكالمة قديمة من زوجة عمها ” سمية ” و منه هو و من صديقتها زيادة عن معلومات نظيفة حول الذي يدعى أحمد يعني البنت ذات الملامح الغجرية الساحرة لم تكذب في تبريراتها له أبدا ….. لقد قالت الحقيقة ولا يوجد في حياتها رجل غيره على ما يبدو.
أخذ عمار نفسا عميقا زفره ببطئ ليظهر السلام أخيرا على محياه بعد تأكده من براءة مريم ، اتضح أن معاملته الجيدة لها لم تضع هباء منثورا بل أخلصت له حتى لو كانت قد أخطأت مرة واحدة عند خروجها دون إذنه تحت تأثير المدعوة هالة الفتاة التي حرضتها ضده في المكالمة الوحيدة المتصنت عليها من طرفه …… لم تخنه على الأقل حاليا !
إرتدى ملابسه على عجلة ثم اتجه الى حجرة الطعام و رآها تضع اللمسات الأخيرة على المائدة و تشعل البخور ذو الرائحة الزكية ، ابتسم و سأل نفسه عن سبب تعلق مريم بعادات غريبة ثيابها و اكسسواراتها و ادوات الزينة حتى العطور التي تستعملها إنها مختلفة حقا وهذا راجع إلى عاداتها الموروثة من والدتها مما تجذبه نحوها بشكل غريب …. و أكثر ما أغراه في هذه اللحظة هو صوتها وهي تغني بإنسجام :

رفعت الأخيرة رأسها قائلة :
– انت جيت يلا اقعد عشان تاكل عملتلك كل الأكل اللي بتحبه.
سحب عمار الكرسي لها لكي تجلس ثم جلس مقابلا لها يراقب تصرفاتها و ملامحها المشرقة منذ أن قرر قضاء هذا الأسبوع معها ، هل حقا كان هذا ما يسعدها ؟ لم يرها متحمسة هكذا حتى عندما جلب لها أزياء و فساتين باهضة الثمن و كل ما تحتاجه المرأة و يعجبها ، في الحقيقة هو لم يرَ مريم مرتاحة إلى هذه الدرجة سابقا و لم يكن يعرف ان وجوده معها يسعدها هكذا ….
ربما لو لم يكن يعلم طبيعة علاقتهما لأجزم أنها واقعة في حبه ، لكن هذا مستحيل فمن تلك المرأة التي تعشق رجلا تزوجها سرا و حبسها داخل أربع جدران و يغيب عنها بالأشهر ، أو من تحب شخصا أخبرها في أول يوم لهما ألا تتوقع منه شيئا فوق توفيره لإحتياجاتها المادية و يأتي إليها فقط للحصول على ليلة حميمية …. مريم ليست غبية لتقع في حب رجل مثله !!
بعد إنتهائهما جلس عمار على الأريكة في الصالة الواسعة يتابع إحدى البرامج بعقل مشغول ، يفكر بما فعله مع وليد و هل الأمر إستحق كل هذا الغضب لدرجة إنهاء صداقته و عمله معه ، لطالما كانت علاقته معه أخوية أكثر منها صداقة ، فهو يعرفه منذ طفولته و وليد إرتاد المدرسة الداخلية فقط ليبقى معه و منذ ذلك الوقت لم يفترقا أبدا …
هو يعلم كيف يفكر صديقه جيدا و أنه تقريبا غازل معظم فتيات المدينة لكنه لم يقم يوما بعلاقة عابرة مع إحداهن نعم يعاكس هذه و يمزح مع تلك لكن مجرد كلام على الهاتف و لقاءات لم تتجاوز النصف ساعة …
لم يتجاوز حدوده مسبقا أو حتى حديثه عن جسم هذه و تلك ، أو هذا ما كان يظنه حتى غازل زوجته !
تأفف عمار بضيق و ألقى نظرة على هاتفه الذي يرن بإسم والده فتجاهله لتأتي مريم و تجلس بجانبه كحاملة بين يديها صحنا مزخرفا مليئ بحبات الرمان الحمراء :
– بتتفرج ع ايه ؟
هز رأسه بدون مبالاة :
– مفيش.
– ممكن اغير القناة ؟
– غيري.
– طيب مد إيدك و كل معايا.
أخفض رأسه إليها هامسا :
– بتحبي الرمان أوي صح ؟
هزت رأسها بإيجاب فتابع :
– لونه زي لون شفايفك …. أحمر.
إرتفت أنفاس مريم بإرتباك و تأثر من كلماته و نبرة صوته ليكتم الآخر إبتسامته من شكلها ثم طبع قبلة رقيقة عليها و إحتضنها وهي تتابعع إحدى الأفلام معهابتركيز حتى رن هاتف عمار مجددا ، تعجبت مريم و إنتابها الفضول لمعرفة هوية هذا الشخص الذي يتصل مرارا و تكرارا و الآخر يتجاهل ولا يرد هل من الممكن أن تكون إبنة عمه ندى ؟
تجهمت ملامحها بعبوس لكن هدأت قليلا عندما فكرت أن عمار ليس من عاداته تجاهل إتصالات الأميرة الجميلة ، و في الحقيقة هي لا تعلم إن كان يجب عليها الحزن لهذه الحقيقة أو الفرحة لأن ندى ليست من تتصل به منذ ساعات.
نظر عمار الى هاتفه الذي يضيء بإسم “سعاد هانم” فكر بفصل الخط لكنه تراجع و رد أخيرا :
– نعم سعاد هانم.
وصله صوتها الملهف :
– يا ابني انت فين و مبتردش على أبوك ليه احنا قلقنا عليك !
نظر لمريم التي تضع رأسها على كتفه ثم غمغم بإيجاز :
– مفيش داعي تقلقو عليا انا بخير بس محتاج اريح دماغي بعيد عن القصر … و بخصوص أبويا قوليله اني هروحله بكره و اشرحله كل حاجة.
صمت قليلا يستمع لحديث زوجة والده ثم قال :
– لأ مش هطول كتير يومين كده و ارجع …. تيتا و ندى عاملين ايه ؟ …. طيب سلميلي عليهم انا مضطر اقفل دلوقتي خدي بالك من نفسك سلام.
وضع الهاتف بجانبه و بدأ يلاعب خصلات مريم الغجرية ثم انحنى يشمها بعمق :
-Oh gypsy hair ( يا صاحبة الشعر الغجري ) ، فعلا شعرك و ريحته بيجننوني.
إبتسمت بحب و خجلت قليلا من إطرائه فهي منذ طفولتها كانت تتذمر من شعرها و تتمنى لو كان حريريا كباقي الفتيات ، لكن عمار جعلها تعشق خصلاتها المموجة و تحمد الله ألف مرة لأنه خلقه هكذا !
رفعت رأسها تتأمل زيتونيتاه و همست :
– لو تعرف قد ايه انا مبسوطة دلوقتي … ال4 أيام دول عدو زي الحلم ولو بقدر كنت وقفت الوقت عشان تفضل معايا و متمشيش.
لاحظت تحول عينيه للون الداكن و أنفاسه ترتفع ليهمهم بصوت متهدج يكاد يسمع :
– وانا كمان …. لو بقدر مسيبكيش أبدا.
اندهشت مريم من تصريحه وواتتها رغبة مستعرة في إحتضانه فإستسلمت لرغبتها و دفنت رأسها بصدره تلف ذراعيها حول خصره متنعمة بدفئه ، تجمد جسد عمار و شعر بنبضات قلبه تتزايد بسرعة مريبة كأنها تتصارع فيما بينها و يداه ترتجفان لأول مرة عندما تكون في حضنه ، كاد يبعدها لكن قلبه لم يطاوعه أو ربما داخله كان يريدها و رغم إعتراضه على ما يفعله إلا أنه بادلها الحضن واضعا أنفه على شعرها يشم رائحته بتوهان يائس ….
” ليتني ذرات تراب تنثر على يديك الحسان او قطرات مطر تداعب وجهك الفتان ، ارحم ضعفي فوجودك يسبب لي الإفتتان “.
_________________________
صباح اليوم في الشركة.
كان عمار في مكتبه يطالع العقد الذي جلبه المحامي له و الذي اذا وقع عليه الآن ستنتهي الشراكة مع وليد رسميا ولن يعملا معا مجددا ، تنهد بحيرة و بدأت قطرات العرق تتصبب من جبينه فسحب إحدى الأدراج و أخد منها أدويته يتجرعها و بعد إنتهائه سمع طرق الباب.
دخل وليد بهدوء و عندما رآه الآخر نهره بغضب :
– انت جاي هنا تعمل ايه ؟!
ازدرد ريقه بإرتباك و أجاب :
– انا جيت احاول اصلح اللي حصل بيننا.
ارتسمت ابتسامة ساخرة على وجهه و اكتفى بالصمت فجلس وليد مقابله و هتف بجدية :
– مش هاين عليا صداقة و شغل سنين ينتهو بالبساطة ديه ايوة صح اللي عملته غلط بس غصب عني صدقني.
رفع عمار حاجباه مستنكرا حديثه :
– غصب عنك ازاي انت بتعاكس بنات الناس تحت تهديد السلاح ولا ايه ؟ انت قولت كلام مكنش ينفع يتقال عن مراتي فاهم عملت ايه ؟
انتفض وليد مدافعا عن نفسه :
– والله العظيم مكنتش اعرف انها بنخصك و قعدت اعاكسها عشان اغيض ندى لأنها مبتحبش لما نقول على بنت غيرها جميلة و لما شوفتك مدايق قولت يمكن انت معجب بيها و حبيت اشوف ردة فعلك بس متوقعتهاش تبقى مراتك.
جز الأخير على اسنانه و هدر بعصبية :
– ده مش مبرر أنا مش هقدر أسكت عن معاكستك لمراتي و اقول معلش أصله مكنش عارفها هي مين …. أنت لو مكاني و لقيت واح نازل عشق و غرام فمراتك هتعمل ايه ؟
رد عليه بإندفاع و حمية :
– هقطعله لسانه ومش هخلي حته في وشه سليمة !
نظر له عمار برفعة حاجب كأنه يقول له كيف تلومني و أنت غضبت من مجرد التخيل فقط ، فنفث الهواء مدمدما :
– بس أنا والله كنت قاصد أغيظك فكرتك معجب بيها و عايزها ليك و كمان حبيت أضايق ندى و أمدح واحدة غيرها ومكنتش اتصور أبدا أنها بتخصك.
عقد عمار حاجبيه بتزمت و أشاح وجهه عنه ليتابع وليد بإصرار :
– بص اعمل فيا اللي تعوزه الا انك تنهي الشغل و الصداقة اللي بيننا انت صاحب عمري و عزيز عليا ولو عرفت ان البنت ديه مراتك مكنتش هرفع عينيا فيها اساسا هي مش نوعي المفض….
قطع كلامه عندما رمقه بنظرة حادة فتنهد محبطا :
– يا عمار علشان خاطر السنين اللي قضيناها سوا اوعدك مكررهاش تاني و معاكسش اي بنت تاني أبدا.
– لا بس انا صدقتك …. يابني انت لو شوفت كلبة هتبصلها بتقول ايه بس.
شهق وليد بعتاب :
– مقبولة منك يا صاحبي المهم ترضى عني …. ها قولت ايه.
طرق عمار بأصابعه على سطح المكتب فردد الآخر :
– Come on man I said I’m sorry ( هيا يا رجل لقد قلت أنني آسف ) ، عشان العيش و الملح اللي بيننا.
زفر بغضب و رفع اصبعه في وجهه محذرا :
– لو شوفتك تاني ….
قاطعه وليد بلهفة وقد بدأ يتأمل مسامحته :
– مش هتشوف اوعدك …. يلا يا بني ريقي نشف.
إبتسم عمار يكتم ضحكته بصعوبة فقفز وليد من مكانه يهلل بسعادة :
– الله اكبر أخيرا.
انقض عليه يحتضنه بقوة و بادله الآخر العناق فمهما فعل يبقى صديقه و لا يستطيع التخلي عنه هو من القلة القلائل الذين يثق بهم و حقا قرار إبطال العمل معه كان صعبا عليه.
ربت عمار على ظهره ثم أزاحه بغلظة :
– انت لازق فيا كده زي الستات ليه ابعد عني.
قهقه وليد و غمزه :
– انت بتحب واحدة معينة تتلزق فيك صح.
ضغط على كفه يهمس بحدة :
– رجعنا تاني بص انا المرة ديه هكسرلك صف سنانك اللي فرحان بيه متخلنيش اتنرفز عليك.
رفع يده يشير لكدمة وجهه :
– لا و على ايه بس التاتش بتاعك لسه معلم على وشي …. صحيح يابني انت مادامك عارف ان مراتك هتروح تقعد في المطعم اياه خدتنا لنفس المكان ليه مخفتش قصتكم تتكشف.
صمت قليلا ثم تمتم ببرود :
– مكنتش اعرف …. مريم طلعت من البيت بدون ما تقولي ووجودنا فنفس المطعم كان صدفة مش اكتر.
– قول و الله !!
هتف وليد بصدمة يتذكر ملامح عمار التي تحولت عند رؤيته لزوجته جالسة على الطاولة خلفهما و كيف احمرت عيناه لينهض مسرعا و تتبعه الأخرى بعد دقائق ، مسح على وجهه يتخيل ردة فعل صديقه ثم سأله بحذر :
– و عملتلها ايه طيب اوعى تكون ضربتها.
رمقه بطرف عينه بإستنكار :
– لا طبعا اضرب ايه انا مبمدش ايدي على ستات.
– بتبوسهم بس !
قالها وليد بتلقائية وهو يتذكر كيف رآهما يقبلان بعضهما و عندما انتبه على زلة لسانه إستدرك بسرعة :
– انا بهزر متتعصبش اسف.
زفر عمار بغضب ليتابع الآخر بعد وهلة :
– بس مادام انت بتحب مراتك للدرجة ديه مبتجيبهاش القصر تعيش مع اهلك ليه ؟ فاتحلها بيت بالسر كده ليه.
جحظ عيناه بدهشة و اندفع يقول :
– لا طبعا ايه اللي خلاك تفكر اني بحبها ؟
ابتسم وليد بمرواغة :
– انت مخدتش بالك من شكلك وانت شايفها قدامك قاعدة بتضحك وانا عاكستها الغيرة ولعت في دماغك و الدخان قرب يطلع من ودانك كنت شويا و هتفجر المطعم باللي فيه بس عشان شوفت نظرات الإعجاب فعيون غيرك ليها و ضربتني و كنت هتنهي شغل و صداقة سنين كل ده ومش بتحبها.
اعتدل عمار في جلسته و ظهرت بوادر الإرتباك على محياه توتره كان جليا و كلما يتمعن في كلمات صديقه يتذكر حالته عند رؤية مريم في المطعم.
ضغط على أصابع يده بخفية و حاول اقناع نفسه ان الأمر مجرد حمية رجل شرقي يرفض التعرض لزوجته سواء بالنظرات و الكلمات او بشيء آخر ، ليس حبا و ماشابه فأين وكيف يحبها وهو يراها مرات تعد على الأصابع.
حمحم يستعيد ثباته و تجاهل كلام الأخير مدعيا الإنشغال بينما أدرك وليد تداخلات صديقه فأراد تغيير الموضوع :
– طيب سؤال اخير البنت المحجبة اللي كانت قاعدة مع مراتك بتبقى مين.
– وانت بتسأل عليها ليه ؟
تذكر وليد عندما ضربه عمار و خرج وقتها …
( اتجه هو ايضا للخارج و كانت تلك الفتاة متجهة للحمامات ربما ، حينها اصطدمت به و صرخت :
– انت يلا مش شايف قدامك !
و عندما رأت شفته تنزف تحولت ملامحها للذعر متسائلة :
– حضرتك كويس يا استاذ بوقك بيجيب دم.
– اه اه انا كويس. )
عاد للواقع مبتسما ثم رد :
– خبطت فيها بالغلط و جالي فضول اعرف هي مين.
ظهرت السخرية واضحة على عيني عمار :
– ديه بتبقى صاحبة مراتي و اسمها هالة … يلا اتفضل على شغلك دلوقتي.
تنهد بغيظ و انتصب واقفا يأخذ إحدى الملفات من مكتبه مرددا :
– مش ده ورق فسخ الشراكة اللي بيننا انا هاخده ارميه في الزبالة عن اذنك.
فتح الباب ليغادر و رأى رأفت يقابله ف ابتسم بغبطة :
– اهلا يا عمي اتفضل انا ماشي دلوقتي.
أراح عمار ظهره على الكرسي الهزاز يبتسم بزهو وهو يرى والده يجلس أمامه ، طرق بأصابعه على طرف الكرسي هاتفا :
– خير يا رأفت بيه باين عليك مدايق كده ليه هما العيال اللي بعتهم ورايا معملوش اللي طلبته منهم ولا ايه.
– انا نفسي افهم انت بتقدر تهرب من الانظار كده ازاي … بتبقى موجود فمكان و في اللحظة التانية تختفي.
كتم ضحكة داخله متذكرا ذلك الشخص الذي ورث منه هذه القدرة ثم قال :
– موهبة من عند ربنا هنعترض ؟ لو جاي عشان تفهم مني فسخت العقد ليه فمفيش داعي انا ووليد اتصالحنا.
هز رأفت رأسه بإيجاب :
– لاحظت على وشه كان باين عليه انه فرحان…. بس اتخانقتو ليه معرفش.
همهم ببرود يحسد عليه :
– رجالتك مقدروش يعرفو السبب كمان ؟ لا دول مش نافعين لحاجة ايه رأيك تغيرهم.
قبض رأفت على يده و زمجر بصرامة :
– احترم انك واقف قدام والدك و اتكلم كويس انا مش صاحبك ! وبعدين انت مختفي فترة بقالك فين اوعى تكون قاعد مع البنت اللي عماله تصرف عليها فلوسك ؟
انتقل هذه المرة الغضب الى عمار لكنه تمالك نفسه بأعجوبة هاتفا :
– ياه لو تعرف انا قاعد مع مين هتتصدم صدمة عمرك يا بيه …. صدمة الموسم هههههه.
انتفض الأخير بحدة و نهض يطرق بيديه على سطح المكتب بإنفعال زائد وقد سئم من لامبالاة ووقاحة إبنه ، انحنى عليه و قال بحدة :
– مسيرك تعرف ان اللي بتعمله ده غلط … ساعتها هتجي و تقولي حقك عليا.
رفع حاجبيه مستهزئا دون إجابة و عندما استدار رأفت ليغادر أوقفه عمار :
– صحيح انا نسيت ارجعلك الأمانة.
التفت له بتعجب فإبتسم الآخر و أخرج من جيبه جهاز GPS صغير ( جهاز تحديد الموقع ) ثم وضعه على المكتب :
– اظن ده بتاعك و بيلزمك.
ضغط رأفت على يده بحدة متذكرا عندما أمر أحد رجاله بإلصاق الجهاز جانب العجلة الخلفية لسيارة إبنه و يتسنى له معرفة مكانه ، إذا لهذا السبب عجز عن تحديد موقعه لكن كيف إستطاع عمار رؤية الجهاز ؟
تنهد بهزيمة و التقطه من سطح المكتب ليوقفه عمار ثانية :
– حراسك دول لو انا شوفتهم ورايا تاني هخليهم يتحسرو على عمرهم الباقي …. طول الفترة اللي فاتت كنت بعدي الموضوع بس دلوقتي هتأكد ان ….
قاطعته بهدوء :
– انا اصلا قولتلهم ميمشوش وراك تاني مبقاش في داعي مادامك بتعرف تتخفى كويس.
___________________________
توقفت سيارة سوداء كبيرة أمام إحدى الشقق لتترجل منها امرأة في منتصف الثلاثينات ذات هيأة راقية بداية من ملابسها المختارة بعناية ثم شعرها البني الناعم المشدود على شكل ذيل حصان و نظاراتها السوداء التي تخفي خلفها عينيها الزيتونيتين ، أمسكت الولد ذو العشر سنوات و سحبته خلفها ليسألها ببراءة :
– ماما انتي جايبانا على فين ؟
تجاهلت الرد عليه و دخلت بحذر أجلست الطفل على الكرسي و أعطته لعبة ما مرددة بإبتسامة :
– حبيبي اقعد العب و افضل عاقل انا داخلة اعمل شغل و راجعالك بعد شويا اوعى تتحرك اتفقنا ؟
رغم أنه لا يفقه شيئا مما تقوله لكنه هز رأسه عندما أحس انه يتوجب عليه ذلك ، دلفت المرأة الى الغرفة و حين فتحها للباب لاحظ الطفل وجود رجل آخر يوليه ظهره و بنيته مألوفة جدا له !
وضع الكرة جانبا و تقدم بحذر نحو الباب و توقف يستمع لما يجري في الداخل.
– حبيبتي فيروز بقالنا فترة مبنلتقيش وحشتيني اوي طولتي عليا كده ليه.
– ما انت عارف ان جوزي عماله يراقبني و شاكك فيا و بقدر كل مرة اهرب بصعوبة بس هو زود عليا المراقبة لحد ما اضطريت اخد ابني و اقول اني رايحة لبيت أهلي …. انت مش مستوعب قد ايه الأمر ده صعب عليا.
– عارف يا روحي بس اعمل ايه انا بموت فيكي و مقدرش اعيش من غيرك اكتر …. ايه رايك تطلقي و تجي نتجوز ؟
انتفضت فيروز بدهشة :
– نتجوز بجد ؟ يا الله ده حلمي بس ازاي مينفعش محدش هيتقبل العلاقة ديه.
– المهم اننا احنا الاتنين موافقين و متأكدين هو اخدك مني قبل بس مش هسمحله المرة ديه و هعمل اي حاجة عشان نفضل مع بعض … اطلبي الطلاق منه و اخلصي ولو مرضيش ارفعي عليه قضية.
صمتت تسترجع الكلام في عقلها تحلله ثم هزت رأسها ببطئ :
– سيبنا منه دلوقتي و خلينا نركز …. مش انت قولت اني وحشتك وريني وحشتك قد ايه.
قهقه عاليا و سمع ذلك الطفل صوت الضحك وهو يضع أذنيه على الباب يتنصت ….. ان صوت هذا الرجل و شكله مألوفان جدا له لكنه لا يستطيع معرفته حاول فتح الباب ولم يقدر أطل من فتحة المفتاح فوجد أمه تحتضن و تقبل ذلك الشخص بجنون و ابتسامتها تشق طريقها لوجهها الفاتن ……..
انتفض يشهق بعلو وهو يعتدل جالسا و قطرات العرق تتصبب بقوة على جبينه و صدره العاري يتنفس بحدة و نبضات قلبه تزداد بشكل هستيري كأنه كان يخوض حربا وليس نائما ، نظر بجانبه يطالعها وهي مغمضة عينيها ثم انتصب واقفا يلبس بنطاله المنزلي و اتجه الى الشرفة سامحا للهواء البارد بالتغلل داخله في هذا الوقت من الفجر.
زفر بعنف غير متجاهل إرتجاف جسده و شعوره بإنسحاب الدماء منه ، ذلك الكابوس المرعب عاد له مجددا ليذكره بما عاشه في يوم من الأيام ، ذكرياته الموحشة انتهكت نومه بقسوة و جعلته عاجزا عن فعل شيء ، السر الذي أخفاه طوال هذه السنين و هو يعد من أكبر الأسباب المؤدية الى تعرضه الى نوبات ها هو قد رآه مجددا ، أمه وهي تخون والده الذي يعشقها مع رجل غامض و تستغله كوسيلة لمبتغياتها الرخيصة ثم تجبره على الصمت و تهدده بحرق لسانه اذا نطق بشيء …. صوت والدته وهي تضحك مع عشيقها تصل له و تتجسد في صورة حية يراها أمامه !!
________________

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية نيران الغجرية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *