روايات

رواية نيران الغجرية الفصل الرابع 4 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية الفصل الرابع 4 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية البارت الرابع

رواية نيران الغجرية الجزء الرابع

نيران الغجرية
نيران الغجرية

رواية نيران الغجرية الحلقة الرابعة

تمرد يخبو بسرعة.
______________________
قبل مدة.
خرجت مريم مع هالة للتنزه و طوال الطريق كانت شاردة تنظر الى الاشيء متذكرة الصور التي رأتها ، تنهدت و نظرت الى صديقتها الثرثارة رغم أنها عدوانية و تغضب بسرعة إلا أنها ذات قلب طيب و ربما هي الوحيدة التي تعاملت معها بأسلوب جيد و أشعرتها بأنها ذات قيمة تستحق الحب و الصداقة
… عكس ذلك البليد الذي لم يعاملها بسوء لكنه لم يعاملها بحُسن أيضا ، بإختصار عمار لم يتعامل معها خارج غرفة النوم إلا نادرا !!
تنهدت بحرارة فإلتفت هالة اليها ممازحة :
– ياه يا روما انا مش مصدقة انك هربتي من البواب و مشافكيش وانتي نازلة ومش مستوعبة كمان ان ديه اول مرة تطلعي من الشقة من 6 شهور ياريتني كنت صورت الطاووس مع بنت عمه من زمان كنا ه…..
توقفت الكلام وقد أدركت زلة لسانها من دموع مريم فأسرعت تبرر :
– اسفة اسفة مش قصدي والله متعيطيش ارجوكي.
– مفيش مشكلة.
هتفت بوهن ثم استدركت وهي تتوقف عن المشي أمام إحدى المطاعم :
– انا تعبت و جعت خلينا ندخل ناكل.
رفعت هالة حاجبيها بضحكة :
– بس انتي هتدفعي لأن جوزك مغرقك بالفلوس ومش منقص عليكي حاجة اللهم لا حسد يعني.
قلبت مريم عينيها بسخرية :
– اساسا حياتي بتستاهل الحسد احسديني يمكن تتغير.
كتمت قهقهاتها و قالت :
– صحيح انا اخويا قالي لما تحبو ترجعو اتصلو بيا عادي لو اتصلت عشان يجي يقعد معانا ولا هتدايقي ؟
هزت كتفيها بدون مبالاة :
– لأ عادي … يلا ندخل.
جلستا على إحدى الطاولات الجانبية و طلبتا عدة مأكولات حاولت مريم الخروج من قوقعتها ففتحت مع هالة حديثا عن أيام الجامعة و شيئا فشيئا استعادت نفسها ونست ما كان يضايقها حتى جاء شقيق صديقتها “احمد” فرحبت به و جلس معهما بعدما أخبرهما انه في عشاء عمل و سيجلس في الطاولة المجاورة بعد حضور زبائنه.
نظرت مريم الى ساعة يدها و تأففت فلمحها احمد و قال بجدية :
– حضرتك لو مدايقة من وجودي قوليلي وانا هقوم بعتذر لأني قعدت بس عشان اروِّح أختي لما تخلص.
نفت برأسها سريعا وقبل ان تتكلم أجابت هالة مكانها :
– لا هي مدايقة من الاول و مركبة وش الخشب من لما جت متخفش الموضوع مش متعلق بيك يا ابيه ديه واحدة نكدية …. زي خطيبتك.
ضحك احمد بخفة :
– بطلي غيرة منها يا هالة خطيبتي واحدة لطيفة و مفيش زيها حتى لما وريتها صورك الفاضحة وانتي صغيرة مرضيتش تضحك عليكي.
انتفضت هالة بهلع مرددة :
– نعم انت وريتلها صوري ؟
استغربت مريم إنفعالها بينما رفع احمد يداه بمرح :
– لا بهزر معاكي موريتهاش حاجة ….. والله العظيم يابنتي خلاص متبصليش كده.
تساءلت الأخيرة بإستفسار :
– ليه اتخضيتي كده الصور فيها ايه يعني ما توريهالي.
– لأ مستحيل.
– علشان خاطري يا صاحبتي الجميلة.
تأففت هالة و قالت بعبوس :
– طيب بس اوعى تضحكي.
فتح شقيقها معرض الصور في الهاتف فإتسعت عينا مريم وهي ترى هالة بوضعيات و أشكال غريبة و مضحكة جاهدت لمنع إبتسامتها ولم تستطع فإنفجرت مقهقهة :
– هههههه يا ربي ايه ده هههه معاكي حق متوريهاش لحد ده انا اتكسفتلك يابنتي.
شاركها احمد الضحك هاتفا :
– انا نزلتهم من فترة ع تلفوني ومن وقتها وهي بتتحايل عليا امسحهم شوفي الصورة ديه.
اراها صورة أخرى ف استندت عليه مريم بدون شعور تدقق فيها وهي تضحك بإستفزاز لهالة الجالسة معهما بضيق ، بعد لحظات استأذن احمد و جلس في طاولة بعيدة نسبيا مع أطراف العمل و بقيت هي تتشارك الضحك و النكت مع صديقتها غافلة عن العينان اللتان على وشك الإنفجار من العصبية و الغيظ.
عندما رآها لم يصدق انها خلفه بعدة أمتار تجلس بأريحية مع شاب غريب وتضحك ملئ فمها ، جن جنونه غير مستوعب أن المرأة التي لم يرها منذ شهر ونص و كان ينوي الذهاب إليها اليوم ها هي جالسة على طاولة عشاء فاخرة تضع يدها على كتف رجل آخر و تنحني عليه سامحة لعينيه و أعين الناس بالنظر لمناطق خاصة من جسدها.
و إشتعلت أوداجه و أصبح كمن فقد صوابه و جن خاصة عندما سمع حديث وليد عنها …. إحساس غريب تملَّكه بقسوة و جعله يود لكم وجه كل رجل يراها او ينظر لها بأعين زائغة !!
جاهد عمار ليمسك أعصابه فمسح على وجهه و وجه كلامه الى وليد بحدة :
– لم نفسك انت قربت تجيب اخرك معايا !!
تعجب وليد من غضبه و عيناه الحمراوتان و فسر الأمر بأنه متضايق بسبب شيء ما و يريد إفراغ ضيقه عليه ، أو أنه معجب بالفتاة و يريدها له فهتف مستنكرا :
– يابني لو انت عايزها انا ممكن اروح اشقطهالك بس بلاش العصبية ديه !
تنحنحت ندى ووكزت ذراعه عندما أدركت أن عمار على وشك شعرة من قلب الطاولة على صديقه لتبتسم مرتبكة :
– طيب سيبكو منها ايه رايكم نطلب Dessert.
تجاهلها عمار وقد انفلتت عياراته فأخذ الهاتف مجددا و طفق يكتب بأصابع منفعلة رسالة لها و منظرها قبل قليل لم يغب عن باله …
في نفس الوقت كانت مريم تمازح هالة حتى وصلها إشعار فتحته و اتسعت سوداوتيها وهي تقرأ بصوت مرتجف ” انتي قاعدة مبسوطة مع الشلة بتاعتك صح فرحانة من الرجالة اللي بتتلزق فيكي “.
هالة بذهول :
– قصده ايه انا مش فاهمة.
بلعت مريم ريقها بذعر :
– هو هنا.
رفعت رأسها وهي تدعو الله ان تكون مخطئة لكن وقعت أنظارها عليه وهو جالس على بعد أمتار مع ابنة عمه و الشاب الذي رأته في الصور ، كانت عيناه متقدتان كالجمر و يهز قدمه بطريقة مريبة لمعت مقلتيها بدموع لتجده يرسل مجددا ” قومي روحي ع حمام المطعم عايز اتكلم معاكي “.
وجدته ينهض محدقا فيها بشراسة ثم اتجه الى مكان الحمامات ، ارتعدت مريم و همست بحلق جاف و صوت مرتجف :
– عمار هنا و قالي قومي عشان اتكلم معاكي انا خايفة ومش عارفة لازم اعمل ايه.
لوت هالة شفتها مستنكرة مبالغتها :
– وهو كمان قاعد مع بنت عمه اللي عماله يحضنها من الصبح المفروض انتي اللي تحاسبيه .
تأففت بحدة و أردفت وهي تأخذ أنفاسها بصعوبة :
– بس عمار نبهني مخرجش من البيت بدون إذنه و دلوقتي هو شافني هنا وكمان …. شافني وانا قاعدة جمب اخوكي خلاص انا همشي من المطعم مش هروحله.
رن هاتفها بإتصال منه فشهقت بكتوم لتردد هالة بغيظ :
– ردي عليه و متبينيش انك خايفة اعملي لنفسك قيمة !
لم تعلق عليها و فتحت الخط تسمع صوته الجاد يغمغم :
– دقيقة واحدة يا مريم لو مجيتيش هجي و اقلب الترابيزة باللي فيها.
لو أن مريم رأت وجهها في المرأة بهذه اللحظة لكان توقف قلبها ، وجهها شاحب يتعرق و أطرافها ترتجف من كلماته هذه اول مرة ترى فيها عمار خارج قوقعة بروده ، لقد تمنت منذ ساعات قليلة أن ترى جانبه الثاني لكن يا ليتها لم تفعل ، فالواضح أن غضب عمار البحيري أسوء مما ظنت بكثير !!
بللت شفتيها و نهضت تتكلم بتقطع :
– انا …. هروح اشوفه.
قلبت هالة عينيها بتملل :
– روحي يا حبيبتي و ارجعيلي وانتي معيطة.
تحركت مريم بخطوات بطيئة و عند مرورها بأحد الأروقة الجانبية وجدت يداً تسحبها و تدفعها ليرتطم جسدها بالحائط ، تأوهت بألم و رعب قائلة :
– عمار وجعتني !
إبتسم بقسوة وهو يطالعها :
– وجع ايه ده انا هوديكي في داهية …. انتي ازاي تتجرئي تخرجي من غير ما تقوليلي و في الوقت ده كمان بقى عمار البحيري مراته بتفضل برا الساعة 9 المسا و قاعدة مع راجل بتتلزق فيه ؟!!
صرخ عليها بشراسة فإنتفضت ورفعت رأسها له تتأمل ملامحه التي اشتاقت إليها دون إجابة ، بينما هو يتفحص بمقلتيه كل تفصيلة منها ، كانت مريم ترتدي فستان رمادي منقط بالأحمر فضفاض يصل لأسفل ركبتيها بقليل ، به فتحة كبيرة من الأعلى تظهر عنقها و كتفيها العاريين بشكل كامل ، تضع في أذنيها أقراط كبيرة الحجم و قلادة ذات تصميم غجري بها مجوهرات حمراء تعادل لون أحمر الشفاه القاني الذي تطلي به كرزتيها و إكسسوارات ذات ألوان مبهرجة ناسبت بطريقة ما ملابسها إضافة الى عينيها السوداوتين وهي تحددهما بكحل ثقيل و أخيرا تطلع الى الأسفل ليجدها تزين قدمها بالخلخال الرنان طبعا …
ملامحها المغرية هذه و شعرها الطويل المجعد ذو الرائحة البرية و مظهرها الجريء بالكامل أودى بعقله و زاده غضبا عندما أدرك ان العديد من الرجال قد انتبهوا بالتأكيد إلى رنات خلخالها و أعجبوا بهيأتها الغجرية ، حسنا ومن لن يُعجب ؟ حتى صديقه الأبله كان يتغزل بها منذ قليل وهو لم يستطع فعل شيء أمام إبنة عمه ، حتى المرأة التي تقف مقابلة إياه الآن من يراها يعتقدها عازبة فهي لا ترتدي ما يؤكد انها متزوجة و ملك لرجل آخر … ملك لعمار البحيري فقط !!!
رفع رأسه للسقف يناشد الهدوء عند سماع صوت بكائها ثم قال ببرود :
– كان لازم تفكري باللي عملتيه قبل ما تجي و اشوفك بدل ماانتي واقفة قدامي دلوقتي و تعيطي … امشي يا مريم من قدامي نص ساعة و الاقيكي في البيت.
حركت رأسها بسرعة وكادت تغادر لكنه أوقفها :
– إستني انتي رايحة فين ؟!
حاولت التحكم في دموعها و التكلم لتخرج شهقاتها متقطعة :
– مش قولتلي امشي … انا رايحة مع هالة …. أخوها احمد …. هيوصلني.
كأنها قالت نكتة جعلته على إثرها يطلق ضحكة صغيرة يكتم بها عصبيته ثم وضع يده جانب عنقه يدلكه كعادته عندما يحاول الحفاظ على آخر قشة تمكنه من تمالك نفسه و عدم الإنفجار في هذه المرأة الغبية الآن ، نظرت له مريم بريبة متمتمة :
– ااا انت بتضحك ليه.
إبتسم عمار ببرود :
– بضحك على عقلك اللي بيخليكي فاكرة اني ممكن اسيبك تركبي في عربية راجل غريب كنتي قاعدة بتضحكي معاه وهو عامل زي المهرج …. انا اتصلت بالشوفير بتاعك من لما شوفتك قاعدة في المطعم ولما يوصل هبعتلك ميسيج وانتي تخرجي و تروحي معاه …. و انا جاي وراكي.
نطق الجملة الأخيرة بغموض وهو ينظر لشفتيها بغضب و رغبة خاصة عندما ضغطت عليهما ، سحقا تلك الحركة تفقده صوابه و تجعله عاجزا عن التركيز لذلك لم يجد بُدًّا من سحبها و حصرها بين و بين الحائط خلفها ، أطلقت مريم شهقة كتمها عمار داخل شفتيه وهو يقبلها بشوق جارف و غضب عارم في نفس الوقت ، يجذبها إليه من رأسها بيد و اليد الأخرى تضغط على خصرها الغض تشعله بلمساته تاركا مريم تغمض عينها بإستسلام رأت أنه ” مخزٍ “…
تحررها بعد دقائق يتنفس بعنف ساحبا الهواء لرئتيه وهي لا تختلف عنه كثيرا تحاملت على نفسها لتقف على قدميها غير مصدقة ما فعله و أنه قبلها هكذا في مكان عام ، إحمرت وجنتاها و أخفضت رأسها مبتعدة عنه وقبل مغادرتها سمعته يقول :
– انا هحصلك ع الشقة لينا كلام مع بعض بخصوص اللي شوفته هنا.
و في ثوان كان عمار يقف بمفرده في الممر المؤدي الى الحمامات ، مرر يده على شعره يتذكر كيف فقد سيطرته على رغبته فهمس بغضب من نفسه :
– مالك ها مالك ايه اللي بقى يحصلك لما تشوفها واقفة قدامك يخربيتك انت ازاي بتسحبها ليك و تعمل كده لو ندى خدت بالها كانت هتبقى مصيبة كويس ان محدش شاف حاجة.
مسح العرق المتصبب من جبينه ليسمع صوت صفير عال يصدر من خلفه ، إستدار بحدة و تفاجأ عندما رأى وليد يضحك و قد رآه وهو يقبل الفتاة لكن لم يسمع كلامه ما ، اقترب منه مرددا :
– كنت عارف انك حاطط عينك على المزة ديه و قولتلك لو عايز تشقطها بس متوقعتش تبقى سريع كده و انا اجي والاقيك لازق فيها كده بس الصراحة عندك حق البنت مبتتقاومش بس مش انت متجوز ااا…..
قطع كلامه لكمة عنيفة من عمار جعلت وجهه يلتف للناحية الأخرى انصدم وليد وقبل إبداء ردة فعل وجد الأخير يمسك من تلابيب قميصه هامسا بقسوة :
– البنت ديه بتبقى مريم مراتي يا ***.
بهت الآخر و طغت صدمته على ألمه فإتسعت عيناه هامسا بذهول :
– مراتك … مراتك ازاي ؟
ثم بلع ريقه بصعوبة مستدركا :
– انا اسف مكنتش اعرف انها نفس البنت اللي انت متجوزها.
صرخ عمار بشراسة :
– وهو انت لازم تبقى عارف عشان تبطل قذارة و كلام شمال على بنات الناس انا كام مرة حذرتك قولتلك اسكت و بطل تعاكسها بس انت مبطلتش تعرف اني ماسك نفسي عنك بالعافية ولو مكنتش صاحبي كنت …. كنت شيلتلك عينيك دول من مكانهم.
أخفض وليد رأسه بحرج منه فهو عندما رأى أنظار صديقه مسلطة على المرأة إعتقد أنه معجب بها و أراد إستفزازه و العبث معه لكنه لم يتوقع ان تكون زوجته ، تنحنح و تكلم بصوت يكاد يكون مسموعا :
– مفكرتش في الإحتمال ده و لما شوفتك وانت واقف معاها افتكرت ان …. بعتذر يا صاحبي حقك عليا.
إبتسم بتهكم ثم دفعه بغلظة :
– من النهارده مفيش صحوبية بيننا انا مش عايز اشوف وشك تاني فاهم !!
______________________
دخلت مريم الى الشقة و جلست على الأريكة تعض أظافرها و تهز قدميها بتوتر منتظرة مجيئه ليندلع شجار كبير لن تخرج منه سالمة غالبا ، فمن يرى عمار وهو يصرخ عليها يجزم بأنه لن يفلتها من عقابه و من يراه وهو يقبلها بعنف يظن أنهما عاشقين شغوفين لكن الحقيقة أنه أفرغ نيرانه بالإقتراب منها ، كعادته دائما عندما يأتيها غاضبا !!
تلمست شفتيها فجأة تتذكر إقترابه الجريء منها في مكان عام ، و على سيرة تلك القبلة و الإقتراب تذكرت جلوسه مع إبنة عمه ندى ، الفتاة الجميلة التي كانت ترتدي بنطال أسود ضيق و بدي ذو حمالات رفيعة يصل لمنتصف خصرها …. و كانت تلبس فوقه سترة عمار الجلدية تلك السترة التي إشترتها له هي في إحدى المرات !!
شهقت مريم بدهشة مرددة :
– ازاي انا مخدتش بالي و عماله اقول الجاكيت ديه شايفاها فين من قبل …. بقى كده يا عمار انا اجبهالك هدية وانت ….. انت تديهالها !
قبضت على يديها ووجهها يتلون بحمرة الحنق لتسمع صوت عجلات سيارة تحتك في الأرض بقوة وبعد دقائق رأت الباب يفتح فإنتصبت واقفة تقضب حاجبيها بتحفز للشجار ، إقترب عمار منها بخطوات هادئة يتأمل ملامحها ليقول بنبرة جامدة أخفى وراءها شتائم و لعنات كادت تنفلت من لسانه :
– قوليلي سبب واحد يخليني اعدي الليلة ديه على خير و متتجنش عليكي و اندمك على الساعة اللي فكرتي تخرجي فيها.
إستجمعت مريم كل الشجاعة التي تملكها لتقول بإستفزاز – مطبقة نصيحة صديقتها – :
– ليه بس انا عملت ايه …. كل القصة اني طلعت اتفسح و اتعشيت مع صاحبتي هي ديه جريمة انا عملت ايه عشان تتنرفز كده ؟
فقد بروده المصنطع ليزمجر بشراسة وهو يمسك ذراعها :
– عملتي اييه ؟ انتي مستوعبة اني لاقيتك في مطعم لوحدك ع الساعة 9 من غير متاخدي إذني و حاطة ايدك على راجل و شغالة تضحكي معاه بعلو صوتك ! انتي اتجننتي يا مريم من امتى بتعملي التصرفات ديه ومين اللي كان معاكي و عمال يبصلك و يعدل شعرك مين ده اللي سمحتيله يلمسك ؟؟
خافت من صوته العالي و ارتجفت شفتاها بإرتباك :
– ااا انا … انا قولتلك انه احمد اخو هالة وهو شاب محترم بعرفه من زمان و خاطب اصلا ف….
قاطعها عمار بجنون :
– خاطب ؟ كمان انتي عندك معلومات عنه يعني لو مكنش خاطب كنتي هتعملي ايه تقعدي على حجره !!
لم تجب و أخفضت رأسها فأمسك هو طرف فستانها متابعا :
– و ايه اللي انتي لابساه ده ازاي تلبسي حاجة تبين كتافك و صدرك هو انت فاكرة نفسك متجوزة *** عشان تحطي بدلة الرقص ديه على جسمك !
شهقت مريم من إهانته فتمتمت بصوت مختنق :
– انا مكنتش بغري الرجالة يا عمار انا مش كده.
– و علشان عارف انك مش كده لسه واقفة قدامي و بتتكلمي … و الا كنت طلعت روحك بإيدي صدقيني !
قالها عمار بنبرة تهديدية لم تحمل مزاحا البتة و أكمل :
– ردي عليا انتي ازاي تخرجي من غير إذني و ديه أول مرة ولا كنتي بتعمليها دايما و بتوهميني انك قاعدة في البيت ؟
إندفعت تصرخ به :
– لأ ديه أول مرة و عملتها عشان كنت هموت مخنوقة بين الحيطان ديه ومش ندمانة ولو حتلي الفرصة تعملها تاني و …..
قاطعها بصراخ حاد :
– مــــريــــم !! صوتك ميعلاش عليا و اقسم بربي لو عملتيها تاني ليكون عليا و على أعدائي مش مرات عمار البحيري اللي تعمل التصرفات ديه و يسكتلها خليكي عاقلة يا مريم و متجننينيش.
وصدت جفنيها تنزل دموعها بكثافة و ارتفعت شهقاتها الباكية فمسح على وجهه زافرا :
– عملتي كده ليه ؟ مش اتفقنا تعرفيني قبل ما تطلعي أي مشوار هو في مرة سألتيني و قولتلك لأ ؟
انتفضت مريم ببكاء :
– انا قضيت اسابيع مستنياك تتصل عشان اقولك و انت متصلتش و طبعا حضرتك منبهني مطلبش رقمك مهما حصل ….. اخر مرة بعتلي ميسيج كان من شهر ونص و بعدها ….
صمتت تتذكر إقترابه الجارح منها و أردفت :
– انت عارف قد ايه بقالي قاعدة في الشقة ديه ؟ 6 شهور كاملين بين الحيطان يا عمار اتخيل اني محبوسة هنا لمدة نص سنة و كل مرة بستناك تجي عشان اخد اذنك بس انت حتى لما تزورني مبتطولش معايا و بتمشي علطول بعد ما تاخد اللي عايزه …. اسمعني انت مش هتفهم عليا لأنك مش عايش زيي انت بتسافر و بتتفسح و تروح الشغل و تروح ع الملاهي مع بنت عمك و تدخل المطاعم اكيد مش هتحس بالسجن اللي انا فيه بس انا وصلت لمرحلة لو اتحبست هنا اكتر ممكن تموت فيها و علشان كده خرجت إيه عملت جريمة ؟؟
صمت عمار فجأة و خبتت نيرانه وقد إستوعب ما تقوله حقا ، يا الهي مريم حقا لم ترَ الشارع منذ ستة أشهر وهو قد نسي هذا الأمر لأنها لم تكلمه بهذا الموضوع ….. لكن كيف ستفعل ؟ عمار يأتي إليها مرة او مرتين في الشهر و في تلك الساعات التي يكون فيها معها لا يسمح لها بالكلام أبدا ، ما هذا الغباء الذي إرتكبه في حقها !
لكن هل غلطته تُكفِّر لها ذنبها عندما رآها متكئة على رجل غريب ؟ رفع رأسه للسقف يتنهد عدة مرات قبل أن ينظر اليها وهي تقول بغضب فجأة :
– انت ليك عين تكلمني اصلا بعد ما شوفتك مدي الجاكيت اللي جبتهالك هدية لبنت عمك ؟
رفع عمار حاجبيه بتعجب :
– جاكيت ايه ؟ قصدك بتاعت الجلد بس ايه علاقتها بكلامنا دلوقتي.
جزت مريم على أسنانها :
– ليه علاقة يا عمار انت ملكش حق تدي هديتي لحد تاني لو معجبتكش رجعها بس متهينيش بتصرفاتك ديه لو سمحت.
تفاجأ من مبالغتها بالأمر لكنه رغم ذلك لم يرد قلب الموضوع لصالحها فقال :
– ندى كانت لابسة بدي عريان وانا مسمحتلهاش تقعد بيه و طبعا انا التقيت بيها فنص الطريق و مقدرتش ارجعها ع القصر تلبس حاجة تانية ف أديتها الجاكت بتاعتي.
– يا سلام انت غيران عليها ؟
– انا راجل مش كيس جوافة عشان اسمح لواحدة من عيلتي تمشي جمبي و عيون الرجالة عليها ديه تبقى بنت عمي و زي أختي مش مراتي علشان تقولي بغير عليها.
أجفلت مريم من جملته الأخيرة فهمست مرتبكة :
– يعني … يعني انت غيران عليا … بما اني مراتك.
كأن بكلامها ألقت دلو ماء بارد عليه فإختفى غضبه و ارتخت ملامحه ليحل محلها الجمود يخفي خلفه تلبكه الواضح ..
نعم فهو قد شعر بالشياطين تلتف حوله وهو يراها مع رجل آخر عايش إحساس فقدان الأمان الذي كان يعيشه وهي مسجونة داخل جدران الشقة لا أحد غيره يرى فتنتها و هذا يجعله مطمئنا نوعا ما.
لكن عندما وجدها جالسة مع أناس آخرين تضحك و تمرح بلا قيود تشتت ذلك الإحساس و شعر عمار بالخطر ، خطر من أن يأت يوم تذهب فيه مريم و تتركه كما تركت أمه والده رأفت منذ سنوات وذهبت لغيره !!
نفض هذه الأفكار من رأسه وهو يطالع ملامحها المنتظرة فأجابها بعد صمت طويل :
– انا مبقبلش مراتي جسمها يبقى مكشوف و صوتها واصل للناس كلها ، و ديه آخر مرة تعملي كده بصي أنا هعدي الليلة ديه لو عايزة تخرجي خدي اذني الأول والا متلوميش غير نفسك لو اتكررت واضح !
عقدت مريم ذراعها وقد أدركت ان عمار يتجاهل سؤالها أو بمعنى آخر يرد عليها ب ” أي حد مكاني كان هيعمل كده يعني انتي مش حالة خاصة بالنسبالي ” ، إلتمعت عيناها بدموع الحنق وودت لو تكسر قناع بروده ذاك فقالت وهي تجاهد لتمالك أعصابها :
– لا مش آخر مرة هخرج في الوقت اللي بحبه و ارجع امتى ما اعوز و البس اللي احبه وانت ملكش دعوة بيا و زي ما حضرتك بتجيلي كل شهر مرة يبقى ياريت تنسى إني مراتك غير لما تتعدل.
إستدارت لتغادر لكن زمجرته أوقفتها مكانها :
– مــــــــريــــــــــم !!!
قبض على ذراعها فصرخت بفزع و انكمشت على نفسها تغطي وجهها بيدها في حركة تلقائية ، تجمد عمار مكانه لوهلة متفاجئا بتصرفها و أدرك أن هيأته الجديدة هذه أرهبتها فتنحنح متحدثا :
– اهدي و شيلي إيدك.
هزت رأسها بنفي فأعاد يأمرها بحدة :
– شيلي إيدك !
همست بصوت متقطع :
– مش …. مش هتضربني ؟
رفع حاجباه بإستنكار :
– وهو انا عملتلها من قبل عشان أعمل دلوقتي ؟ شيلي ايدك يا مريم و متعصبنيش لو ناوي اضربك كنت عملتها من اول ما شوفتك في المطعم انا مبمدش ايدي على واحدة ست.
أزاحت كفها ببطئ خشية منه فسألها مضيقا عيناه :
– من امتى التصرفات ديه يا مريم انا كنت بقول عليكي عاقلة بتعملي كده ليه بتخليني اتنرفز عليكي ليه.
هتفت مريم بحرقة :
– انا متعصبة اكتر منك و أفعالك هي اللي خلتني اخرج عن شعوري و اعمل حاجات غبية …. انت بقالك شهر ونص مجيتش و في آخر مرة جتلي حسستني إني …
صمتت تتذكر كيف جاء غاضبا و أخذ منها حقوقه ليغادر مسرعا بعدها فتابعت :
– حسستني إني واحدة جاية من الشارع ومش مراتك خاصة انك مكلمتنيش بعدها ولا مرة …. بص يا عمار أنا عارفة أن جوازنا محدش عارف فيه غير أهلي و أنت بتلاقي صعوبة فأنك توفق بين بيتين بس خلاص انا تعبت والله العظيم تعبت و مبقتش قادرة استحمل كل التجاهل ده …. لو شايفني عبء عليك و زهقت مني قولي وانا اوعدك هسيب كل حاجة و امشي بس بطل برود و غياب بالشهرين بطل تعاملني كأني واحدة رخيصة !
جذبها عمار إلى حضنه يحيطها بذراعه و يمسد بيده الأخرى على شعرها متمتما بلوعة :
– انتي عمرك ما كنتي رخيصة بالنسبالي يا مريم … انا مقصدتش احسسك بكده ابدا انتي مراتي و ليكي مكان كبير في حياتي.
لم تعلق عليه مريم بل ظلت تشهق بصمت تكبح رغبتها في الصراخ و سؤاله عن سبب تقربه من إبنة عمه إن كان يعطيها قيمة كبيرة و لكنها لم تفعل.
فأبعدها عمار و ضم وجهها الأحمر الباكي بين كفيه و بقي ينظر إليها ماسحا دموعها حتى إنحنى عليها و توقف بهما الزمن عندما حطت شفتيه على شفتيها يقبلها ببطئ تحول الى جنون بمرور الثواني محتجزا إياها بين ذراعيه ، إنتفضت مريم بوله تحارب رغبتها في إحتضانه و ظل يقبلها حتى ابتعد عنها يعبث بخصلات شعرها المجعدة هامسا :
– جمالك مش طبيعي يا بنت الغجر.
وكما توقعت مريم فإنه يتجاهل كلامها و يغلق على الموضوع كعادته عندما لا يعجبه ما تقوله …. أرادت الإبتعاد بينما لم يسمح لها عمار بذلك فلقد حملها بسرعة و أخذها الى غرفتهما يضعها على السرير ….
ابتعد عمار عنها بعد دقائق فشهقت بعنف تسحب أكبر كمية من الهواء الذي غاب عن رئتيها نظرت له وهو يخلع قميصه يطالعها بشوق فتمتمت وقد تذكرت آخر مرة إقترب منها :
– عمار …. مينفعش كده احنا لازم نتكلم.
– شششش.
همس بها وهو ينزع أقراطها و قلادتها يمرر أنامله بخفة على أذنيها و عنقها ثم إنتقل إلى قدمها ينتزع منها الخلخال بنعومة فتأوهت مريم بتأثر من قربه ، نهض يجلب لها حبوب منع الحمل ثم شعرت به يلقيها على الفراش خلفها بعدما تخلص من الفستان الذي لم يتوقف عن النظر لتفاصيله منذ رآها به ….
و ببساطة لم تقاوم …. من أول لمسة أعلنت إستسلامها المخزي و سلمت حصونها له …. تعلم أنها اخطأت بذلك …. و تعلم أنها كان يجب عليها تجريب طريقة أخرى للتواصل غير التواصل الجسدي لكنها لم تفعل …. عمار يأتي لها في فترات متباعدة و مريم غير مستعدة لتطبيق نصائح صديقتها في اللحظات الوحيدة التي تجمعهما فزواجهما منذ بدايته مبني على شروطه و هي للأسف ليس لديها حق بإعتراضها ….. أو لم تعطي لنفسها فرصة الظهور ك إمرأة من حقها ان يتعامل معها زوجها خارج إطار العلاقة الحميمية !!!
______________________
قبل فترة.
في قصر البحيري.
دخلت ندى بخطوات راكضة ووجدت العائلة متجمعة على طاولة العشاء فصفقت بمرح :
– Good evening my beautiful family.
ابتسموا لها بهدوء و قال رأفت :
– مساء النور انتو اتأخرتو كده ليه و فين عمار مرجعش معاكي ؟
هزت كتفيها تتذكر ملامح ابن عمها التي انقلبت فجأة و الكدمة على وجه وليد من الواضح أن عمار من تسبب بها ثم ردت :
– وصلني و مشي تاني يا أونكل قالي عنده شغل.
إبتسمت زوجة عمها سعاد بود :
– طيب تعالي اقعدي تتعشي يا حبيبتي زمانك جعانة.
– لأ يا أنطي انا اتعشيت مع عمار ووليد برا بس هطلع اغير هدومي و اجي احكيلكو عملنا ايه في الخروجه.
صعدت الى غرفتها و لحقت بها والدتها تسألها بفضول :
– شغل ايه اللي هيعمله دلوقتي عمار ده انتي معرفتيش ؟
نظرت لها ندى بتعجب :
– و انا مالي يا مامي كلنا عارفين ان مفيش شغل ولا حاجة بس ديه حاجة تخصه هو و احنا ملناش دعوة بيه.
تأفتت فريال منزعجة :
– لأ لينا دعوة بطلي غباء و شغلي دماغك عشان تكسبيه و تخليه يحبك و تتجوزو قبل ما يتجوز واحدة غيرك.
– بس انا مش عايزة اتجوز عمار ! !
اقتربت منها أمها تهمس بغضب :
– يا بنتي افهمي عمار الحفيد الوحيد لعيلة البحيري لو اتجوزتيه و خلفتي منه مكانتك هتكبر هتبقي الكل في الكل و يعملولك ألف حساب انتي مش مستوعبة ليه ؟
لم تجبها و بدأت تخلع السترة الجلدية فسألتها فريال :
– بتاعت من الجاكت ديه انتي مكنتيش لابساها لما خرجتي.
همهمت ندى دون مبالاة :
– بتاعت عمار لبسهالي غصب قال ايه لبسي عريان ومش هيقبل تمشي معاه كده و عملي محاضرة طويلة على اللي لازم البسه وانا في السن ده …. تفكيره معقد.
لمعت عيني فريال مبتسمة :
– لا مش معقد هو غيران عليكي لأنك فرد من عيلته و ممكن عشان عنده مشاعر ناحيتك مدام زعقلك بسبب هدومك ديه.
ضحكت ندى بسخرية متذكرة ما رأته في المطعم :
– مشاعر ايه بس يا مامي انا شوفت عمار مع واحدة.
– واحدة مين ؟ اكيد انتي فاهمة غلط.
أجابت الأخيرة بهدوء يناقض عصبية والدتها :
– كان في بنت قاعدة على ترابيزة ورانا و وليد فضل يتكلم عليها و بعاكسها بهزار ولما عمار شافها وشه قلب ألوان و حسيته بيبعتلها ميسيج لأن البنت لفت و خافت لما شافته وبعدين …. عمار قام وهي قامت وراه انا عملت نفسي رايحة ع الحمام و استأذنت من وليد و لما دخلت شوفتهم سوا …. عمار كان بيزعقلها وبعدين باسها.
لطمت فريال على صدرها :
– ايييه ؟
أخرجت ندى ملابسا بيتية من خزانتها متابعة بتهكم :
– انا عملت نفسي عبيطة ومش فاهمة حاجة جريت اقعد فمكاني ووليد قام يشوف عمار فين و جه وهو وشه متشلفط … الواضح انه شافهم كمان ولما حب يرخم عليه ابن عمي ضربه.
إستدارت اليها ببرود :
– و طبعا دلوقتي اتحجج بالشغل و راح للبنت ديه اللي اكيد بتبقى حبيبته ف ازاي يا مامي بتقوليلي لازم تتجوزيه وهو عنده مشاعر ناحيتك و بيغير عليكي.
صمتت فريال بغيظ تلعن بداخلها تلك المرأة المجهولة ثم إستدركت بتلعثم :
– ااا يا حبيبتي الرجالة كلها بقت كده الراجل بيصاحب ديه و يخرج و يسهر مع ديه بس المهم في الاخر مين بيتجوز و يدخلها بيته و انتي احسن خيار ليه عمار مش هيلاقي أفضل منك.
رفعت حاجبها بعناد :
– وانا ندى البحيري و مستحيل ارضى اخد بواقي حد ولا اطمع فراجل بيتسلى مع البنات لغاية ما يلاقي اللي يتجوزها.
– انتي افضلي هبلة كده لحد ما يتجوز و يجيب واحدة تتأمر علينا و تبقى الكل في الكل.
– I Don’t care mam.
كادت فريال تتكلم لكن ندى قاطعتها منهية هذا النقاش :
– لو سمحتي انا عايزة اغير هدومي عشان انزل اقعد مع العيلة.
زفرت فريال بحدة و غادرت ذهبت الى غرفتها لترى زوجها جالسا يطالع إحدى الملفات فقالت :
– طبعا انت قاعد مريح هنا ومش همك اللي بيحصل.
حول عادل عيناه نحوها بذهول :
– في ايه انتي متعصبة ومش طايقة نفسك كده ليه ؟
– عمار عنده حبيبته و ندى اللي قالتلي.
قالتها بإندفاع وهي تجلس بجانبه فحمحم يستوعب كلامها ثم هتف بحذر :
– ايوة يعني ايه بردو.
حدجته الأخيرة بصبر نافذ :
– عادل انت عارف اني عايزة اجوز ندى لعمار عشان نضمن مستقبلها و دلوقتي ظهرت البنت ديه فحياته بص انت لازم تعرف هي مين و بيعرفها من امتى ولو كان جدي فعلاقته معاها و….
قاطعها عادل بإنزعاج :
– بسس خلاص مليون مرة اقولك تقفلي على الموضوع ده عمار و ندى ولاد عم و مقربين لبعض بس ده مش شرط يخليهم يتجوزو لو هو كان شايف بنتي زوجة و جه طلبها مني هوافق غير كده لا إنسي.
زفرت بغضب ليتابع وقد اكتست ملامحه الجدية :
– و بخصوص حياته الشخصية احنا ملناش علاقة عمار كبير و عارف مصلحته فين وانا مش هرمي بنتي عليه ياريت تفهمي لأني زهقت من كتر الكلام فنفس الموضوع دايما…. يلا انا نازل تحت.
أخذ ما بيده و غادر تاركا فريال جالسة تهز قدميه بعصبية مفكرة …. منذ ولادة ندى وهي تخطط لتزويجها من عمار لعدة أسباب أهمها السلطة و الأملاك و الآن بعدما أصبح الوقت مناسبا لن تسمح لأحد بإفساد مخططها حتى لو كان زوجها و ابنتها !!
________________________
اطفأ لفافة التبغ الثالثة منذ أن استيقظ و رماها على القدح الذي وضعه على طرف الشرفة ثم أغمض عينيه يسمح لهواء هذا الصباح الخريفي البارد بلمس بشرة صدره العاري و التغلغل داخله فيشعر بإنتشاء غريب ، بعد دقائق خرج من الشرفة مغلقا بابها الزجاجي و اتجه الى مريم النائمة بعمق تلتحف بغطاء ثقيل و شعرها الغجري منسدل بفوضوية يفترش الوسادة و الفراش أسفلها.
وقف عمار يتأمل وجهها الأسمر الجذاب و عينيها المغمضتين بسلام رهيب رموشها السوداء الكثيفة و الشامة الصغيرة أسفل شفتيها المكتنزتين لا يعلم هو كيف لكن ملامحها تلك الهادئة و البرية في نفس الوقت تبعث الراحة بداخله و تجعله يشعر بالسلام كلما ينظر إليها و يسمع صوتها الخافت الرزين ….
أخفض أنظاره الى عنقها المطبوع بعلامات ملكيته التي رسمها بحرافية ليلة أمس و كتفيها لا يختلفان عنه و تذكر أنه تعمد تعنيف المناطق التي ظهرت للعيان البارحة وهي مرتدية الفستان الغجري فإبتسم بزهو غير نادم على العلامات بالعكس سيسعد كلما نظر إليها لعل ذلك يطفئ الجنون الذي تلبسه بسبب فتنتها و مغازلة صديقه لها و جلوسها أمام ذلك الرجل و جاهد حقا لكي يسيطر على عصبيته ولا يؤذيها و يزيد خوفها منه !!
تنهد عمار و مد يده يمررها على وجهها بخفة متأثرا بتململ مريم بمشاكسة كالقطط الناعسة ، انتابته رغبة كبيرة في تصويرها وهي على هذا الوضع فلبى رغبته و أخذ هاتفه يلتقط لها عدة صور بشكلها الفوضوي المغري ثم وضعه جانبا عند شعوره بأنها ستستيقظ بعد لحظات.
تمطعت مريم بكسل و فتحت عينيها ليقابلها وجهه الأسمر و حدقتاه الزيتونيتين ، إبتسمت و همست بصوت متحشرج متذكرة جنون ليلة أمس الحميمية :
– صباح الخير.
غمغم بصلابة وهو يمرر يدها على شعرها :
– صباح النور …. نمتي كويس ؟
هزت رأسها مومئة بخجل وقبل ان تتكلم سمعت عمار يتحدث بجدية :
– اسمعيني اللي حصل امبارح انا مش عايزه يحصل تاني ولا تتعلمي ازاي تكدبي عليا و …
قاطعته مريم بدفاع وهي تعتدل جالسة :
– بس انا مكدبتش عليك !
اومأ عمار بموافقة :
– بس بردو مخدتيش اذني قبل ما تخرجي ولو مشوفتكيش بالصدفة الله اعلم كنتي هتعملي ايه تاني …. بصي يا مريم انا لما جيت اتقدملك مخبيتش عليكي حاجة قولت ان علاقتنا هتبقى سرية ومحدش يعرف بيها و انتو وافقتو صحيح انا بطول كتير على ما اجيلك بس ده مش بإيدي عندي شغلي و عيلتي واخدين كل وقتي ومينفعش اكتر زيارات عشان محدش يشك بحاجة و الا هيعرفو اني متجوز و تبدأ قصص و مواضيع ملهاش لازمة و مبحبش ادخل فيها.
تنهدت مريم بخفة مجيبة :
– انا …. انا فاهمة انت تقصد ايه و فاهمة ان مكنش ينفع اعمل اللي عملته اسف…
قاطعها بدون مبالاة :
– مش عايز اعتذارك خلاص اللي حصل حصل بس اوعى يتكرر و بتكلم جد على فكرة مريم انا مبحبش عدم سمعان الكلام و بتعصب من اللي ميسمعش اللي اقوله و يحاول ينيمني على وداني فمتجربيش تحطي نفسك في الوضع ده و خليكي عاقلة زي دايما …. تانيا انا مش عايز اشوفك لابسة الخلخال وانتي برا يعني الغلطة ديه ممنوع تتكرر.
نظرت له بذهول :
– بس انت بتحب لما البسه ايه اللي اتغير.
تنفس عمار بحدة مجيبا :
– بحب لما تلبسيهولي انا لوحدي مش تخرجي بيه و الرجالة كلها تاخد بالها من صوته كلامي واضح ؟
أماءت بإيجاب هامسة :
– واضح … بس انت بتقول متخلنيش اتعصب عليكي اومال اللي عملته امبارح كان ايه انت قعدت تزعقلي و عينيك محمرين جامد وانا طول عمري شايفاك هادي و بارد الصراحة خفت منك اوي.
تذكر عمار حينما تصيبه حالته المرضية و يبدأ في كسر ما يأتي أمامه و من الممكن ارتكاب جريمة قتل اذا لم يتناول الدواء و ليلة البارحة لو لم يأخذ تلك الأقراص قبل مجيئه إليها ربما كان سيضربها او يخنقها ولا يستفيق إلا عندما تصبح جثة بين يديه ، إبتسم بسخرية مرددا :
– على فكرة انا بدعي ربنا متشوفيش عصبيتي اللي بجد لأن محدش هيطلع منها سليم لا أنا ولا انتي.
تجهم وجه مريم و إنتابها شعور بالريبة من نبرته الغامضة فإستكمل الآخر متخذا طريقة يعلم جيدا أنها ستجعلها ترصخ :
– غلطة امبارح كانت اول غلطة عشان كده انا هعمل نفسي نسيت بس لو كررتيها صدقيني مش هتشوفي وشي ….
شهقت مريم بهلع و بادرت تحتضنه مرددة برعب :
– لالا انا مش هعمل كده تاني صدقني بس متبعدش عني اكتر من كده انت بتوحشني اوي مصدقت امتى تجي عشان اشوفك.
و بكل جهل منها أحكمت قبضتها عليه مرددة كم أنها تشتاقه و ستموت لو منعها من رؤيته ، و أنها ستفعل كل ما يطلبه منها المهم أن يظل راضيا عليها.
أما هو فكان يدفن شفتيه المبتسمتين في عنقها ، يقال أن أفضل طريقة لجعل غيرك يرضخ لك هو إعطاؤه كل ما يحلم به من أمن و عاطفة و حنان في الفترة القصيرة التي تجمعهما.
ثم يبدأ شيئا فشيئا تقليل تلك الفترات …. و زيادة العواطف إلى الضعف في نفس الوقت ، حينها سيصبح عجينة تحركها بأصابعك و تشكلها كيفما تشاء.
و هذا ما يفعله عمار مع مريم … يمارس عليها ضغطه العاطفي لعلمه التام بأنها مستعدة لفعل أي شيء مقابل عدم حبسها و حرمانها من تلك المدة القصيرة التي يبقى فيها معها ، وهو سيستغل هذه النقطة ضدها !!
تنحنح و إنزاح عنها يمرر يده بخفة على طول ذراعها العاري هاتفا :
– قومي خدي شاور و بعدين اعمليلي فطار انا جعان.
أومأت سريعا فنهض و غادر الغرفة ، بينما قامت مريم تلف اللحاف عليها و في طريقها إلى غرفة تبديل الملابس إصطدمت بالمرآة.
طالعت هيأتها بذهول و إلى بشرتها التي أصبحت مشوهة تقريبا جراء عنفه معها أمس ، ثم مدت يدها تتلمس جلدها محدثة نفسها …. هل فعل عمار ذلك قصدا ليعاقبها على خروجها دون إستشارته …
أو أنه – مثلما قال – كان مشتاقا لها بشدة ولم يدرك ما يفعله ؟
و لكن هل المشتاق يفعل هذا ؟
دمعت عينا مريم و كادت تبكي إلا أنها تذكرت ما قاله لها فجر اليوم ” لما بشوفك بفقد السيطرة على نفسي و ببقى زي المجنون ، انا اسف على اللي عملته اتمنى متزعليش لما تفتكري الليلة ديه … كله من شوقي ليكي “.
أخذت مريم نفسا عميقا و همهمت محاولة إقناع نفسها :
– عمار مش قصده يؤذيني هو قالي كده ….اكيد حصل كده بالغلط.
مسحت دموعها و نظرت لهيأتها مجددا لكن هذه المرة طالعت شعرها المموج الذي تناثر بفوضوية من حولها ….
___

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية نيران الغجرية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *