رواية نعيمي وجحيمها الفصل السابع والأربعون 47 بقلم أمل نصر
رواية نعيمي وجحيمها الفصل السابع والأربعون 47 بقلم أمل نصر
رواية نعيمي وجحيمها البارت السابع والأربعون
رواية نعيمي وجحيمها الجزء السابع والأربعون
رواية نعيمي وجحيمها الحلقة السابعة والأربعون
جالسة على كرسيها تراقبه من فترة لا تذكر عددها،
بعد ليلة مرهقة فعليًا لها من النوم المتقطع، والذي لا تعلم إن كان سببه هو تغيرها لمكانٍ لم تعتاد عليه قبل ذلك على الرغم من شعورها بالدفء بمشاركته الغرفة التي شهدت سابقًا على أيام عزوبيته، أو يكون السبب الاَخر هو تفكيرها المستمر في هذه المأدُبة التي قرر فعلها اليوم بالمنزل بمساعدة والدته التي دبت في جسدها الحماسة بشكل يثير الإندهاش والغرابة أيضًا فهذه المرأة تكتنفها سعادة غير طبيعية منذ أن علمت من جاسر بترحيبه لدعوة ابنة شقيقتها أو زوجته الأولى ميرهان لحضور هذه المأدُبة، تتاَكل من الفضول بداخلها لتعلم بالغرض الحقيقي من وراء هذه المأدُبة، وهي الأعلم بطبع زوجها الإنعزالي من وقت زواجها به، دائمًا لا يفضل الحفلات ولا السهر مع أحدُ غيرها، او هذا ما رأته هي في هذه الأشهر القليلة معه!
نار تسري بأوردتها كل ما تذكرت أنها ستلتقي بهذه المتكبرة اليوم والمطلوب منها الترحيب بها في المنزل الذي كان مقرها هي قبل ذلك، تحتد عينيها في النظر إليه وشيطان عقلها يصور لها عدة سيناريوهات تزيد من اشتعال نيران الغيرة بصــ درها بعد أن علم بخطبتها، ولربما كان هذا سببًا ليحن إليها ولأيام زواجه بها
– يا نهار اسود ليكون هو دا اللي حاصل فعلًا، ولا مصيبة كمان لو مكانش في خطوبة أصلًا وهو بيضحك عليا، والنعمة دا لو حصل بجد لا يمكن هسامحك يا جاسر أبدًا.
ظلت تغمغم بكلماتها وحديث نفسها المشتعل بالظنون، تضع غيظها بالقرقضة على أطراف اظافرها حتى أخذها الوقت، ولم تشعر به هو نفسه حينما استيقظ وانتبه على جلستها الشاردة وفعلها الغريب، حتى نهض يجفلها بقبلة كبيرة على وجنتها بصوت عالي ويًتبعها بقوله:
– صباح الفل، الجميل بقى سرحان في إيه؟
عبس وجهها وبرقت عينيها ترمقه بنظرة مشتعلة بصمت دون أن تجيبه ولو بحرف، لا تعلم بأنه فهم ما يدور بعقلها الاَن جيدًا من ظنون وأفكار متطرفة، توحي بها ملامحها البريئة والتي لا تعرف التصنع، ولكن هذا لا يمنع شعوره بهذه التسلية الغير عادية في مناكفتها ، وأردف يدعي الدهشة:
– يا بنتي اتكلمي وقولي، ليه التكشيرة دي كدة بس ع الصبح.
– وانت مالك؟
هتفت بها حادة مباغتة كادت أن توقعه من الضحك، ولكنه سيطر بصعوبة ليتمالك نفسه حتى عن الأبتسام، رغم ارتسامه بوضوح على ملامح وجهه، ورد بجدية مزيفة يدعى العتب:
– كدة برضوا يا زهرة؟ دا رد ترديه على سؤالي؟ لا يا زهرة انا مش متعود منك على كدة.
استدركت شاعرة بحجم خطئها بهذا الرد الغير لائق لسؤاله، فقالت ملطفة وقد انتابها فجأة شعور بالذنب :
– معلش متزعلش مني، بس بصراحة بقى انا أساسًا قايمة متقريفة ومزاجي زفت عشان معرفتش انام كويس بعد ما غيرت مكاني، وانا مصدقت اتعود على مكاني الجديد في بيتنا هناك.
أومأ برأسه لها يدعي تقبله الإعتذار الغير مباشر منها بصمت مما اضطرها لتزيد بسؤاله:
– لكن انت ماشاء الله بقى باين عليك قايم من نومك مبسوط!
توسعت على فمه ابتسامة أضاءت وجهه ليجيبها فاردًا ذراعيه باسترخاء :
– ومانبستطش ليه بقى؟ ودا اول يوم ليا في الغرفة دي اللي طول عمري متعود فيها على وحدتي والوحشة اللي كنت بحسها دايمًا، اصحى بقى على منظر كدة يسعدني ويشرح قلبي، حبيتي قاعدة قدامي بعد ما شاركتني فيها، لا وشايلة جواها ابني اللي جاي في السكة كمان..
قطع فجأة يتناول كف يدها ليكمل حديثه بصدق ما يشعر به:
– اَخيرًا هيبقالي ذكريات حلوة ابدلها بالذكريات الوحشة القديمة .
وصلتها كلماته بما تحمله من معاني جميلة لتزيد بداخلها اليقين من صدق عشقه لها مع تأثرها الحقيقي، لمعاناته السابقة مع هذا الشعور القاتل بالوحدة، ولكن عقلها الساخن بالأفكار الجامحة الاَن يرفض الأستسلام دون أن تسأل عن ما يدور به:
– جاسر هو انت اتأكدت فعلًا أن ميري اتخطبت، ولا دي إشاعات والناس بتطلعها وخلاص؟
إلى هنا وقد فقد زمام أمره ولم يعد لديه قدرة على كتم ضحكاته، حتى اثار ضيفها منه أكثر وصارت تحدجه بنظرات شرسة تساهم في استمرار ضحكاته، قبل أن يهدأ اَخيرًا ناهضًا من أمامها يردف مع ذهابه نحو حمام الغرفة:
أما انت غريبة والله يا زهرة، بقى كل الهليلة دي عشان تسأليني اتأكدت من خطوبة ميري ولا لأ ؟ طب انا هكون بكدب ليه بس يا بنتي؟
ختم جملته الاَخيرة بابتسامة متلاعبة قبل أن يغلق باب الحمام أمامها بمنتهي البرود، مما جعل أبصارها معلقة لحظات على الباب المغلق تتمتم بغيظ:
– بقى أنا اللي غريبة يا جاسر؟…. ولا انت اللي تشل.
❈-❈-❈
بعد قليل
هبطت من الدرج بصحبته لتجد عامر جالسًا على رأس السفرة التي تراصت عليها كافة أنواع الأطعمة الخفيفة الخاصة بوجبة الأفطار والصالحة أيضًا من أجل حالته الصحية، أشرق وجهه برؤيتهم وهتف يدعوهم بمرح:.
– أيوة كدة بقى الوشوش اللي تفتح النفس دي ع الصبح، تعالوا يالا افطروا معايا يالا تعالوا.
اقترب جاسر يقبله على راسه مردفًا بتحية الصباح وتبعته زهرة بتقبيل كف عامر الريان، قبل أن يجلسا معه ليشاركاه الطعام .
سألهم على الفور عامر بلهجته الودودة دائمًا:
– ها ياولاد عاملين إيه بقى في سكنتكم الجديدة هنا معانا؟ وانتِ يا زهرة بقى انبسطتي في أؤضة جوزك؟
أجابته زهرة بابتسامة مصطنعة لتُخفي ما بداخلها ولم تَخفى على عامر بفطنته ولا جاسر بلؤمه:
– مش اوضة جوزي يبقى أكيد هانبسط يعني ان شاءالله يا عمي .
اومأ لها عامر يدعي الاقتناع حتى لا يزيد بأسئلته ويحرجها، أما جاسر فغير ليسأله:.
– لميا هانم مش قاعدة تفطر معاك ليه يا باشا؟
رد عامر هامسًا من تحت اسنانه وعينيه تطوف يمينًا ويسارًا بحذر خوفًا من سماعها ما يقول:
– راحت تطمن على تجهيزات العزومة بتاعة النهاردة، من ساعة ما قولتلها انت من امبارح وهي مش راسية على حيلها تمامًا، وكأنها عازمة الخديوي اسماعيل ذات نفسه الله يرحمه.
اومأ له جاسر بابتسامة انتقلت لزهرة هي أيضًا، وتابع عامر بضيق:
– بصراحة بقى انا مش بالع الموضوع ده، لزوموها إيه العزومات والكلام الفارغ ده؟
تدخلت زهرة وقد أتى على هوائها منطق عامر الريان لتُضيف على قوله بانفعال:
– عندك حق والله يا عمي، انا كمان مش مقتنعة وحاسة كدة انها مظاهر كدابة ع الفاضي.
توجه جاسر نحوها بوجه عابس ونظرتٍ محذرة لم تهابها زهرة، فقال يخاطبها :
– حاولي تمسكي نفسك شوية وماتبينيش اللي جواكي على اتفه الأسباب.
برقت عينيها بالتحدي لتعترض بهز رأسها، بفعل أسعده من الداخل عكس ما يبين لها من تجهم على ملامح وجهه، قبل أن ينتبه على قول والده الذي يتابعهم بمرح:
– ايوة يا زهرة اديلو وما تسكتيش.
اسبلت اهدابها بحرج لتُخفي ابتسامتها ورد جاسر على والده:
– مبسوط انت بقى كدة صح؟
اومأ عامر برأسه يجيبه بابتسامة منتشية:
– جدًااا، أصل دي اول مرة اشوف فيها حد بيتحداك من غير ما تقلب انت الدنيا .
ازداد اتساع ابتسامتها مع صمتها وهي تتلاعب بطبقها ورد جاسر بدبلوماسية مشاكسًا:
– عادي يعني يا والدي، انا راجل متفاهم اساسًا لطبع مراتي وهرموناتها اللي بتتغير دلوقتي كدة دقيقة مع الحمل.
شهقت مخضوضة من جراته ولم تدري بمرفقها وهي تلكزه به على ذراعه، ليقابلها بابتسامة متلاعبة مع رفع حاجبه، وانطلق عامر بالضحك قائلًا لجاسر :
– ايوة بقى يا جامد يا بن الريان انت.
– جامد في إيه بقى؟
قالتها لمياء حينما أتت فجأة لتنضم معهم على طاولة السفرة، ورد جاسر بمرواغة حتى يتجنب غضبها، مع ذكر ما قالته زهرة وقبلها عامر الريان:
– لا ست الكل انا كنت بحكيلهم بس على صفقة حديد عرفت اخلصها قريب من حيتان في السوق كانوا بيتحدوني فيها.
– ربنا يزودك اكتر وأكتر يا حبيبي.
قالتها لمياء بعملية قبل ان تردف له بحماس عما قامت بتجهيزه لمأدبة المساء وانواع الأطعمة التي أمرت بتحضيرها وعدة أشياء اخرى، حتى يظهروا بصورة مشرفة أمام الجميع، وخصوصًا مصطفى عزام وزوجته نور وختمت بسؤاله:
– لكن انت اكدت على مصطفى إنه يجي النهاردة؟ عشان انا أكدت ع البنات زي ما قولتلي، يبقى انت تأكد ع الرجالة زي ما اتفقنا.
رد جاسر بجديته إليها:
– ما تقلقيش يا ست الكل مصطفى وافق انه يجي بس على متأخر شوية، عشان عنده لقاء مهم مع عملا أجانب، لكن انت بنت اختك قالتلك انها هتيجي صح؟
– قالت ان شاء الله، المهم بقى…
قطعت لتوجه كلماتها هذه المرة لزهرة بقولها:
– النهاردة هتيجي ميكب ارتست وانا هشرف بنفسي على إطلالتك، مينفعش تبقي اقل من نور خالص النهاردة، حتى لو كانت عزومة مش حفلة فهماني.
اومأت لها زهرة بطاعة رغم شعور بعدم الراحة اكتنفها مع قول لمياء التي اندمجت في حديثها إلى زوجها:
– انا وصيت المحل اللي انت بتتعامل معاه، هما عارفين مقاساتك كويس وهيجيبولك شوية بدل تنقي منهم على مزاجك يا عامر
اومأ لها عامر على مضض لا يريد ازعاج نفسه بالجدال معها أما جاسر فذهب لعالم اَخر وشرد لما يقوم بتجهيزه هو أيضًا!
❈-❈-❈
جالسة على تختها تطلي اظافرها يديها وبنفس الوقت تجيب على محدثتها في الهاتف الملقى بجوارها بالسماعة التي وضعتها على أذنها :
– أيوة يا حبيبتي اتصلت بيا من امبارح وقال إيه بتعزمني على العشا عشان تشيل المسافات ونرجع نقرب من بعض تاني……….. وانتِ كمان يا ميرفت لا مش معقول دا انا مصدقتهاش لما قالتلي انها مجمعة الحبايب……….. طبعًا هروح ولا انتِ فاكراني هخاف كمان؟……….. يا قلبي دا انا مجهزة فستان شرياه جديد شكله يهوس دا غير كمان اني هادخلهم ورائد في أيدي عشان تندم هي وابنها ويعرفوا انهم خسروا كتير لما فرطوا فيا وربطوا نفسهم بالنسب العرة والسكرتيرة دي كمان……….. لو تحبي احنا ممكن نيجي نعدي عليكِ وناخدك معانا………… طيب يا قلبي اشوفك بالليل ان شاء الله.
أغلقت المكالمة ثم رفعت أظافرها أمامها لتنفخ من فمها عليهم لتجفيفهم، ولكنها أجفلت منتفضة بعد ان تفاجأت بأبيها واقفًا أمامه كتمثال يمد برأسه نحوها عاقدًا حاجبيه بشدة، فهتفت بارتياع من هيئته:
– في إيه يا بابي؟ هو انا كل شوية هتفاجأ بيك كدة قدامي؟ طب حتى راعي خصوصيتي.
هز برأسه والدها بحركاتِ غير مفهومة يقول بسخرية على كلماتها:
– لا وانتِ بتراعي قوي الخصوصية، بدليل انك سايبة الباب مفتوح كالعادة من غير ما تعملي حساب للعمال ولا الخدم اللي مالين البيت .
التوى ثغرها بامتعاض مع صمتها عن الرد بعد أن ألجمها بكلماته فتابع يسألها بانفعال غاضب:
– يعني صحيح بقى انك رايحة عزومة النهاردة عند بيت الزفت طليقك… هو إنت معندكيش دم يا بنت انتِ؟ هتروحي بيت الراجل اللي فضل عليكِ السكرتيرة بنت خريج السجون ؟
انهى قوله وصدره يصعد ويهبط بتسارع أنفاسه الهادرة، قابلت ميري غضبه بعدم اكتراث وهي تنهض من أمامه ترد ببرود مع ذهابها نحو المرأة لتتناول فرشاة الشعر وتمشط بها شعرها:
– بصراحة مش فاهماك انا يا والدي، معصب نفسك كدة ومضايق ليه؟ دا انا هدخلهم ورائد في إيدي عشان اغيظهم واعرفهم مقامهم لما يلاقوني مخطوبة من قبل حتى عدتي ما تخلص.
ضغط بأسنانه يقضم على شفته السفلى من الغيظ، فهذه الغبية تردف كلماتها ببلاهة، ولا تعلم بحجم الخسائر التي تكبدها مع انفصاله عن مجموعة الريان، وحجم الأموال التي كانت تتدفق بكثافة إلى حسابه دون جهد أو تعب، بالأضافة إلى كرسي الوزارة التي على وشك أن تطير منه وهو يجاهد لعدم حدوث ذلك.
❈-❈-❈
– ها إيه رأيك بقى؟
سألها خالد وهو يتأمل السعادة البادية على وجهها وهي تتطلع بكل زاوية في الشقة الجديدة، بعد أن حصل عليها ضمن المجموعة الأولى التي تقبلت طلباتهم الشركة، وسعادة تكتنفه بغير حدود بهذا العوض الجميل
الذي أتى في موعده وبهذه السرعة في هذا الوقت القليل بعد أن فقد شقته الأخرى.
– ما ترودي يا بنتي وقولي رأيك بقى؟
كرر سؤاله علّه يجد إجابة مفيدة منها تريح قلبه، ولكنها وكالعادة تتمتع بمشاكسته، فقالت بابتسامة مرواغة:
– يعني هي حلوة بس ااا؟
تابع يسألها
– بس إيه؟
التفت أليه تتنهد بصوت عالي تقول له بتصنع التفكير:
– امممم اصل بصراحة كدة امممم بس ما تزعليش مني يا خالد في اللي هقوله.
تخصر بوسط الصالة الفسيحة يميل إليها برقبته قائلًا بترقب:
– وإيه بقى يا حلوة اللي هتقوليه وخايفة يزعلني؟
التفت إليه ترد بابتسامتها الجميلة:
– طب يعني انا لو قولتلك انها مش عجباني هتغيرها مثلًا؟
– نعم !
قالها بخضة، وأكملت هي غير مبالية :
– أصلها خنيقة كدة ودمها تقيل على قلبي، انا بقول نستنى شوية على ماتفرج بقى بفرصة تانية ان شاء الله.
هتف رافعًا قبضته مهددًا يتصنع الجدية رغم ضحكاته التي شاركته بها بعد ان حاصرها على أحد الجدران
– لمي نفسك يا بنت المستشار، انا على اخري بجد فاتقي شري أحسن، الشقة حلوة وعجباكي فعلا، صح ولا مش صح؟
اومأت برأسها تقول باستسلام لتقاء شره:
– طبعًا يا باشا دي، دي تجنن هو انا اقدر اقول حاجة عنها .
تابع ليضيف بتهديد رافعًا حاجبه بشر ، لدرجة جعلتها كادت ان تصدق جديتها:
– وهتروحي دلوقتِ على بيتكم تقولي لوالدك ينتظرني عشان هجيلوا ونحدد يوم الفرح على اَخر الشهر اللي جاي ، دا فرمان وصدر.
– يا سلام دا انت تؤمر وتصدر فرمانك براحتك، هو انا اقدر اعترض كمان؟
ختمت بضحكة مقهقهة فجعلته يبتعد هو الاخر مبتهجًا بضحكها وسعادة تغمره بقرب يوم وصاله بها ، بعد هذا الصبر الطويل.
توقفت عن الضحك متنهدة براحة وعينيها تطوف في الشقة بأعجاب حقيقي وقالت بتأثر :
– على فكرة انا مبسوطة زيك وأكتر كمان، لان الشقة فعلا حلوة وانا عندي استعداد اتجوز فيها كدة ع البلاط من غير جهاز كمان ، بس قولي صحيح، هو انتِ هتيجي لوالدي النهاردة؟
ذهب الهزل وحل عبس غريب على ملامح وجهه يجيبها ماسحًا على ذقنه بتوتر:
– لا ما هو مينفعش النهاردة، عشان انا وانتِ عندنا مشوار.
سألته با ستغراب:
– مشوار إيه؟
❈-❈-❈
في المساء
وأمام مراَتها كانت تضع اللمسات الاَخيرة على زينة وجهها بالمسح بالفرشاة وإضافة الحمرة المكثفة على وجنتيها، وقد برعت في رسم عينيها لتُظهر جمال اللون الأخضر بهم بشكل يثير الفتنة ويثير بذاتها الإعجاب والغرور أيضا، تبسمت على صوت صفير الإعجاب الذي أتى من خلفها، فتابعت لتضع اللون الاَخير على شفاهاها، مع النظر في انعكاس صورته وهو يقترب متأنيًا، يرتدي فانلة ملتصقة بجســ ده في الأعلى بدون أكمام، وفي الأسفل بنطال بيتي مريح واضعًا كفيه بداخل جيبيه، وقال يتبع صفيره :
– إيه الجمال ده يا ست فيفي، دا انت غلبتي نجمات هوليود .
التفت إليه بابتسامة متسعة بزهو تتلاعب بأناملها على خصلات شعرها المصفف بعناية تسأله راغبة في المزيد من الإطراء:
– بجد يا ماهر؟ يعني انا عجبتك فعلا ؟
اطلق صفيرًا اَخر وهو يتناول يدها ليديرها حول نفسها مرددًا بفخر:
– يا قلبي انتِ ما تعجبنيش انا وبس، دا انت تعجبي الباشا كمان ولا انتِ مش شايفة نفسك بقى؟
تنهدت مبتهجة بصوت عالي قبل ان تقترب منه تقبله عل وجنته بخفة تقول بامتنان:
– مرسي أوي يا ماهر، كنت محتاجاها أوي الجرعة دي، عشان احس بجمالي كدة وافرد نفسي قدامهم.
قالتها وهمت لتركه ولكنه أكمل ليزيد من إطراءها :
– افردي يا قلبي ومدي رجليك كمان، انتِ ما فيش واحدة في جمالك أصلًا.
– واوو
قالتها مصدرة صوت انتشاء لسماع كلماته، مما جعلها تعيد الكرة بتقبيله مرة أخرى على الجانب الاَخر من وجهه قبل ان تبتعد سريعًا تتناول السترة القصيرة لترتدبها فوق فستانها، وقالت تسأله على عجالة:
– ما قولتليش بقى اخبار البنت غادة إيه معاك؟
وكأن بسؤالها ذكرته ليردف عما جاء به إلى غرفتها، قلب عينيه يجيبها بسأم:
– أوو يا فيفي، البنت دي صعبة وغريبة فعلاً، مرة تبقى كيوت كدة واحس اني هاوصل معاها، ومرة تانية الاقيها انقلبت لشراسة كدة مش مفهومة، طيب هي عايزاني ولا مش عايزاني؟
ضحكت ميرفت ترد على شقيقها وهي تنثر على فستانها رائحة العطر الباريسي:
– لا من ناحية هي عايزاك فهي عايزاك قوي، لكن غبائها يا قلبي مصورلها انها ممكن بعمايلها دي توقعك على بوزك وتتجوزها.
شهق ضاحكًا باستنكار يرد بعدم استيعاب لهذا الأمر الغريب.
– دي مجنونة دي ولا إيه؟ عايزاني أنا اتجوزها؟ طب ازاي يعني؟ هي متعرفش انا مين ولا فرق الطبقات ما بينا ازاي؟ دي تبوس إيديها وش وضهر إني بصيت لها أساسًا وخليتها ترافقني .
تنهدت ميرفت قبل أن تتحرك للمغادرة ولكنها توقفت على مدخل الغرفة، تقول لشقيقها قبل ذهابها.
– هي فعلا مجنونة وعبيطة كمان ، بس بتنفعني وقت الزنفة
❈-❈-❈
وفي منزل عامر الريان كان أول الوافدين شقيقته عليه والتي استقبلها جاسر بالترحاب الشديد لما تمثله هذه المرأة من حنان امومي يستشعره منها في كل لقاء بها، أما عامر الريان فكان لقاءه بقبلة حــ ارة على أعلى رأسها بمودة أخوية دائمة بينهم مهما فرقت بينهم المسافات، وعلى العكس كان استقبال لمياء لها بمودة مصطنعة فهي لن تنسى لعلية اشتراكها مع شقيقها وجاسر لهذه الزيجة التي تورطوا بها وأخفوها عنها، لعلمهم الأكيد برفضها .
– نورتيني بجد يا علية، اَخيرًا شوفناكي في البيت هنا بقى.
قالتها لمياء بعد أن رحبت بها وجلست تنضم معهما في جلسة عامر مع شقيقته والتي ردت؛
– ما انتِ كمان بقالك فترة كبيرة مجتيش بيتي يا لميا، لكن ع الأقل انا بسأل على طول بالتليفون واطمن، دا غير ان روحت زورت اخويا كذا مرة في المستشفى، لكن انتِ بقى فكرتي مرة تزوريني وانا عيانة؟
بهت وجه لمياء لتقول بدفاعية وقد أجفلتها علية بردها القوي:
– وانا هعرف منين يعني انك تعبتي؟ وانت حتى حساب ع السوشيال الميديا معملتيش؟
ردت علية بابتسامة مستخفة زادت من حنق لمياء فهذه المدعودة علية دائمًا ما تثير بنفسها الغيظ بثقتها الدائمة بنفسها رغم بساطتها في كل شئ، تدخل جاسر ملطفًا وليتفادى غضب أبيه الذي بدا واضحًا من نظرته نحن زوجته:
– بس يا عمتو احنا كنا عايزين نعملكوا زيارة انا وزهرة عشان اعرفها على بيتك والمزرعة بتاعكتم.
ردت علية مرحبة بغبطة:
– تنور يا حبيبي انت وزهرة حبيبة قلبي، دي وحشتني أوي هي فين مش شايفاها .
– اهي دي اللي نازلة ع السلم .
قالها عامر بإعجاب وهو يتطلع لزوجة ابنه التي تزينت باحتراف مع لفة رائعة وعصرية لحجابها، تناسبت مع فستانها الذي أظهر جمالها بدون تكلف كالعادة، هللت علية بمرح لابن شقيقها تلكزه بعد أن لاحظت تسمر نظراته هو الاَخر على حبيبته والتي يزداد جمالها في كل مرة يراها فيها، بزينة أو بدون زينة .
تلقفتها علية بالاحضان والقبلات بمودة شديدة أثارت حفيظة لمياء بعد لقاءهم البارد منذ قليل .
❈❈-❈
– وبعدين بقى يا كاميليا، هاتفضلي على حالة الجمود دي كدة كتير؟
قالها وقد فاض به بعد أن توقف بسيارته أمام منزل عامر الريان، رمقته بنظرة غامضة تود تجاهله لتلتف وتترجل من السيارة ولكنه أحكم إلكترونيا على باب السيارة، حتى صارت تضرب بعنف على المقبض الذي لا يستطيع الفتح، فالتفت إليه قائلة بنزق:
– ممكن تفتح الباب يا كارم عشان اخرج.
رد ببرود ولهجة هادئة:
– ما فيش نزول يا كاميليا من غير منتفاهم، ان شالله حتى نتخانق، بس بلاش السكوت ده
مالت برأسها نحوه تردد بسخرية:
– نتخانق! هو انت بتديني فرصة اتخانق ولا اللحق حتى اقول رأيي! يا راجل دا انا بتفاجأ بالقرارات اللي تخصني معاك، زيي زي رباب اختي بالظبط، يعني إيه يعني تقرر مع والدي ميعاد الخطوبة من غير ما تاخدوا رأيي؟ دا انا لما سمعتك وانت بتقولها لجاسر الريان، سكت على ظن اننا لسة هنتافهم لسة، مش اروح البيت الاقي والدي بيكلمني ع التجهيزات اللي حضرها معاك في القاعة، إمتى لحقت تعمل دا كله أساسًا؟
تنهد مطرقًا رأسه قليلًا يمتص غضبها قبل ان يرفع عينيه إليها يخاطبها بهدوء:
– هو انتِ لما طلبتِ تأجيل الخطوبة لبعد ما ربنا يطمنا على عامر الريان، انا عارضتك يا كاميليا؟
نفت برأسها تهم للرد بعصبية وانفعال ولكنه قاطعها قبل حدوث ذلك بقوله:
– القاعة جاهزة من قبل ما نختار الشبكة، انا بس خدت والدك عشان يشوف بنفسه وأكد ع الميعاد باقرب وقت عشان الناس اللي دعيتها واضطرت تستنى، ما ينفعش التأخير اكتر من كدة يا كاميليا، ولا انت معندكيش رغبة في الارتباط بيا من أساسه؟
لهجته اللينة معها وكلماته الراجية وحديث عينيه الذي لطالما احتارت فيهم، كل هذا يزيد بداخلها الارتباك، مع الحــ روب التي تخوضوها بداخلها، تريد الراحة التي بسببها وافقت من البداية على الزواج به، إذن لما هذه الوحوش التي تأكل برأسها ولا ترحمها عن التفكير ولو قليلًا، حتى كارم الذي كان يثير توجسها في بداية خطبتهم أصبحت ترى منه وجه اَخر يريد استرضائها بكل طاقته، ولكن ما يثير قلقها هو استعجاله الدائم على عقد القران، رغم توضيحهِ للسبب الرئيسي الذي يدفعه لذلك، وهو خوفه من تأثير طارق عليها، وكأنها طفلة صغيرة، ولكن اليس هذا ما يحدث بالفعل؟!
– سكتي ليه يا كاميليا؟ ولا انتِ مش لاقية إجابة لسؤالي؟
قالها ليقطع عنها شرودها فقالت بدفاعية مبررة:
– لا طبعًا انا قولتلك قبل كدة اني لو ماليش رغبة في الجواز منك مكنتش هوافق من الأول.
أكمل على قولها:
– زي ما قولتي كمان انك يوم ما هتقرري انك تكتبي كلمة النهاية ، ولا الف ورقة هتمنعك، صح يا كاميليا؟
سالها بالاَخر وردت على الفور بقوة:
– اَه طبعًا فاكرة، وانا بقصد كل كلمة بقولها .
– خلاص يبقى إيه لزوم القلق بقى؟
قال سؤاله ليتناول كف يدها ويقبلها قائلًا بحنان لم يسبق لها رؤيته:
– وانا واوعدك إن اليوم دا لا يمكن يحصل أبدًا، واني هبذل كل جهدي عشان اسعدك.
❈-❈-❈
– واقفة عندك كدة ليه يا زهرة؟
هتف بها جاسر نحوها بعد تركه لجلسة الدفء العائلي التي جمعته مع والده وعمته علية في أحد الغرف وحدهم، تاركين المأدبة ولمياء وكل شئ، للحديث عن ايام طفولتهم وبعض المواقف الطريقة التي حدثت قديمًا معهما، حتى أن جاسر اضطر لتركهم بصعوبة متذكرًا ما ينتظره، ثم يفاجأ الاَن بوقفة زهرة المتسمرة ليعلم السبب فور ان وقعت عيناه نحو ما تنظر إليه
– قاعدة ليه مكانك؟ ما تتحركَِ وسلمي ع الضيوف
همس بها بخبث فور أن وصل إليها يشير بذقته نحو ميري وهذا الأجنبي الذي تتأبط ذراعه ووالدته ترحب بهما بحفاوة، كرر بمطلبه مع نظرتها الشاردة إليه؟
– يا بنتي ما ينفعش وقفتك دي اتحركي كدة.
حركت رأسها باعتراض لتفاجأ به يطبق على كفها ويسحبها معه نحوهم، حاولت فك يدها هامسة بصوت خفيض:
– سيب إيدي يا جاسر وبلاش اسلوبك ده، طب سيبني امشي لوحدي طيب من غير ما تسحبني، ياااجاسر
صمتت فجأة حينما وجدته يقترب منهم ليردف مرحبًا بالضيفين:
– اهلًا يا ميري نورتي.
انتبهت فجأة على صوته فالتمعت عينيها فجأة لترد بابتسامة يعرفها جيدًا وهي ترتد بقدمها للخلف خطوة واحدة لتُظهر الخطيب المزعوم أمام انظاره:
– أهلًا يا جاسر عامل أيه؟ وانت ازيك بقى يا مدام ؟
قالتها الأخيرة مع نظرة وجهتها لزهرة التي اومأت لها برأسها تغمغم بالتحية رغم ارتباكها فتدخلت لمياء في الحديث موجهه الكلمات لابنها وزوجته:
– رحبوا كمان بالضيف، دا يبقى خطيب ميري، الأستاذ رائد ابن السفير فوزي شريف .
صافحه جاسر على الفور مرددًا الترحيب بحرارة مزيفة للرجل الذي رد بكلمات مقتضبه بلغته العربية الغير متقنة مما جعل جاسر يعقد حاجبيه بشدة مستفسرًا، وجاء الرد من ميري بزهو قاصدة:
– اصل رائد اتولد وعاش عمره كله يتنقل في دول امريكا اللاتينية مع والده السفير، وكل معلمينه كانوا من نفس البلاد، ولذلك هو للأسف بيفهم العربي بس ميقدرش ينطقه بتمكن زي والده مثلًا .
أومأ جاسر رافعًا وجهه للأعلى بمبالغة فهمتها ميري مع هذه الابتسامة الماكرة وقد عرف منها كيف استطاعت الإيقاع بهذا المسكين وهو لا يفهم العربية حتى يعرف تاريخها، ولكنه انتبه على نظرة الأعجاب الصريح من هذا المدعو رائد نحو زهرة محركًا رأسه باستفهام عنها فجاءت الإجابة من لمياء والتي قدمتها له على انها زوجة ابنها، ابتسامة بلهاء اعتلت ثغر الرجل ليردف بانبهار وقد وافقت صورتها للصورة التي رسمها قبل ذلك في مخيلته، فخرجت كلماته بالفصحى
– ” واو زوجة شرقية جميلة”
– هي مين اللي جميلة؟
هتف بها جاسر وقد ذهب العبث عن وجهه وحل محله شر مطلق مع ارتفاع حاجبًا واحدًا بخطر ونظرة قاتمة للرجل الذي هم ليصافح زهرة، ثم عاد بكفه مرة أخرى على تخوف، تخصرت له ميري بتحفز فتدخلت لمياء لتسحبه بصعوبة مع زهرة التي تدخلت معها لمنع حدوث الشجار وافتعال مشكلة دبلوماسية.
❈-❈-❈
– دي عمايل دي برضوا يا جاسر انت عايز تفضحنا ؟
هتفت بها زهرة فور ان ابتعدا بمسافة اَمنة عن ميري وخطيبها الأجنبي، وقالت لمياء محذرة بغضب:
– اقسم بالله يا جاسر لو ما عديت العزومة دي على خير، لا انت ابني ولا انا اعرفك.
بصقت كلماتها بوجه مكفهر قبل ان تتركهم وتذهب نحو الخطيبين لدرء سوء التفاهم، تابعتها زهرة قبل ان تهمس بضغط اسنانها نحوه:
– يعني عاجبك كدة لما قلبت والدتك علينا؟ كان عاملك إيه الراجل يعني؟
تجهم وجهه واحتدت عينيه يرد بخشونة قاطعة لها:
– كفاية انه بصلك وقال عليكِ جميلة، يحمد ربنا بقى إني مخلصتش عليه.
اجفلت من غضبه فقالت مبررة بهدوء رغم زوهولها من فعل زوجها:
– دا أجنبي يا جاسر، الراجل بيتكلم على سجيته، ودا ثقافته غير ثقافتنا.
ازداد بريق عينيه ليرد بحدة محذرًا:
– بلا اجنبي بلا زفت، وما تحاوليش تبرري عشان انا اتخنقت أساسًا.
هزت برأسها تطيعه على تخوف صامتة فهذا المجنون لا تضمن رد فعله وقد وصل غضبه لاَخره، لتصدر صوت شهقة مفاجئة فور أن وقعت عينيها على من ولج لداخل المنزل بصحبة عروسه.
– دا خالي يا جاسر .
قالتها بفرحة طفلة صغيرة رأت والدها بعد رجوعه من سفر سنوات، فلم تشعر يقدمها وهي تركض نحوهما،
وتبسم جاسر يتابع فرحتها حتى ارتمت بحــ ضن خالها فعبس وجهه يغمغم بحنق وهو يحرك اقدامه للذهاب إليهم:
– هو انا عامل اليوم ده عشان يقلب عليا ولا إيه؟ صبرني يارب.
❈-❈-❈
وكأن برؤيتها التي أشتاق إليها منذ اسابيع مرت عليه وكأنها شهور عادت إليه روحه، فنسي غضبه وتبخرت كل مشاعر اللوم بداخله، ولم يبقى سوى الاشتياق الموجع لصغيرته، والتي اطبقت بذراعيها حوله مردفة بدموعها:
– وحشتني يا خالي، وحشتني قوي، ربنا العالم انا الايام دي عدت عليا ازاي؟ ربنا ما يعيدها تاني أبدًا يارب.
قبلها اعلى رأسها خالد يقول بصوت متحشرج بمشاعره :
– مش أكتر مني يا زهرة، انا في بعدك، حتة من قلبى مكانتش موجودة، يعني كنت عايش وميت في نفس الوقت .
– يا حبيبي يا خالي ربنا ما يحرمني منك أبدًا.
– منور يا عم خالد.
قالها جاسر فور ان وصل إليهم، وذراعه امتدت نحو زهرة لابعادها عنه قائلًا بزوق:
– حبيبتي وسعي شوية كدة عايز اسلم ع الراجل.
جذبها خالد يمنع ابتعادها بمشاكسة ويرد لجاسر:
– دا نورك يا باشا طبعًا، بس احنا نعرف نسلم عادي يعنى، حتى بص اهي إيدي ممدودة أهي.
اشار بكفه الحرة ليصافحه جاسر على امتعاض، وتدخلت نوال خلفهم قائلة بمرح بعد تأثرها منذ قليل بلقاء خالد وزهرة ابنة شقيقته او ابنته هو على الأصح:
– جاسر باشا، انا قاعدة هنا والله ومحدش واخد باله مني.
اوما لها جاسر يحيها بحرج اكتنف زهرة هي الأخرى فذهبت إليها معتذرة بأسف تقبلته نوال بصدر رحب وتفهم لكل ما يخص خالد .
اما جاسر والذي انفرد مع خالد قليلًا فخاطبه بامتنان قائلًا:
– متشكرين اوي يا خالد انك قبلت العزومة، بس كان نفسي بجد تجيب رقية والبنات معاك.
تبسم خالد يرد باعتزاز اعتاد عليه طوال سنوات عمره، دون تأثر بمكانة او اي شخص كان .
– يا جاسر باشا انا قبلت دعوتك المرة دي وانا ساحب في إيدي خطيبتي على أساس جملتك امبارح لما قولتلي اعتبرها عزومة من صديق ، لكن بقى لو كنت سحبت رقية والبنات، ساعتها كانت هتبقى عائلية ، وانا بصراحة مفضلش أن أول لقاء مع العيلتين يبقى في عزومة عامة، بل بالعكس انا أفضل ان العزومة تبقى في بيتنا أولًا ودا الأصح.
اومأ له جاسر بصمت وقد الجمته حجة خالد والذي اصاب في كل كلماته
ترجل من سيارته بعد ان أوقفها أمام منزل عامر الريان واصطفها في مكان قريب منه بجوار السيارات العديدة للمدعوين لهذه المأدبة، أحكم أغلاقها واستدار بخطواته السريعة نحو مدخل المنزل، ليتفاجأ برؤيتها وهيئتها التي تنجح في كل مرة بسحب أنفاسه من داخل صدره،
حتى أنسته الوعود التي قطعها على نفسه وعينيه متسمرة عليها وقد التقت بخاصتيها فلم تحيد هي الأخرى بأنظارها عنهما، وكأن حديث أشتياقِ مطول يدور بينها، مع وقع خطواته التي تمهلت دون إرادته، اللعنة عليها وعلى كل ما يخصها، لديها القدرة دائمًا على تحطيم مقاومته، ولكن ورغم ذلك فهو لن يعود لسابق عهده معها، استعاد توازنه ليغلف وجهه بهذا القناع الزائف يدعي التجاهل، وساعده رؤية هذا الغراب الذي أتى خلفها يومئ له بابتسامة صفراء بادله طارق بواحدة مثلها، ثم أزاد قاصدًا لحرق دمه برفع ذراعه ليُحاوط كتفيها، قابل فعله طارق بتغافل تام وقد أشاح بوجهه على الفور حتى لا يعطيه فرصة للفرح به، لا يعلم سر هذا الرجل ولما يشعر بأفعاله الغريبة وكأنها تتعدى الغيرة من رجل اَخر راَه قبل ذلك يغازل خطيبته وهذه المثالية الغيرة العادية التي يبرع دائمًا في إظهارها أمام الجميع، تنهد من حريق يدور بداخله ليغمغم لنفسه وهو يصعد الدرجات الرخامية الكبيرة نحو مدخل المنزل:
– جمد قلبك كدة واركز، هو انت لسه شوفت حاجة؟ دا انت ياما هتشوف.
ومن خلفه شعرت كاميليا بفعل كارم المقصود ، فرمقته بنظرة ممتعضة لم يكترث بها وقبض على كفها ليسحبها معه متمتمًا ببرود:
– إيه يا كاميليا احنا هنفضل واقفين الليلة كلها هنا ولا أيه؟ ياللا عشان اللحق اروحك بدري لبيتكم بدري كمان. ياللا.
أذعنت باستسلام تتبعه وبداخلها تتاَكل غيظًا من أسلوبه الا مبالي .
❈-❈-❈
وفي الداخل كان لقاء خالد ولمياء بعد أن قدمه إليها جاسر بتحفز بعد تحذيراته لها بالأمس وقت اتفاقهم على مأدبة العشاء وقد وضع شرطه نصب أعينها، لمقابلة أسرة زهرة بمودة جيدة وإلا سيفعلها ولن يتهاون بترك المنزل وأخذ أبيه لمنزله، فاضطرت صاغرة لمواقفته وها هي الاَن ترحب بخالد وترسم على وجهها ابتسامة رغم احتقانها في الداخل:
– اهلًا يا أستاذ خالد نورتنا وشرفتنا بوجودك.
قابل خالد تحيتها بابتسامة مرحبة رافعًا رأسه أمامها يخاطبها باعتزاز:
– الشرف لينا يا هانم، انا اللي سعيد بالتعرف عليكِ.
اومأت بابتسامة متكلفة اتسعت بذهول مع كلمات جاسر وهو يقدم لها نوال :
– دي بقى خطيبته يا ماما الأستاذة نوال بنت المستشار فتحي رضوان .
– واو مستشار.
غمغمت بها وهي ترحب بوجه مرتخي قليلًا عن لقاءها السابق بخالد:
– اهلا بيكِ نورتينا يا قمر.
رحبت بمصافحتها نوال بابتسامة ودودة
– البيت منور باصحابه ربنا يحفظك
غلبها الفضول لتسألها على الفور:
– وانت بقى محامية ولا أستاذة في الجامعة؟
تدخلت زهرة لتُجيبها بغبطة وسعادة حقيقة لرؤية أحب الأشخاص على قلبها:
– نوال محامية شاطرة اوي، دي ليها مكتب وحدها ومافيش قضية بتخسرها.
اومأت لمياء وقد ارتسمت الحيرة والدهشة على وجهها، من هذه العائلة التي رغم فقرهم يصاهرن اساتذة ومستشارين ورجال أعمال أيضًا!
❈-❈-❈
بداخل سيارته والتي اصطفها بمكان بعيد نسبيًا عن محيط القصر الكبير والحراسة الضخمة له من رجال أشداء، وقع اختياره على واحدًا منهم، يسير دومًا بهذا الطريق بعد أن انتهاء نوبته، قبل عودته لمنزله باستقلال إحدى الموصلات العامة في الموقف القريب .
– بس بس انت يا أخ.
هتف بها نحو الرجل الذي تعجب في البداية وظن أن النداء على شخص آخر، حتى أصر عليه الاَخر وهو يشير بكف يده إليه ليقترب، عقد حاجبيه الحارس الضخم لطلب هذا الصغير لينضم إليه بالسياره، حتى اقترب يخاطبه بخشونة وعدائية:
– انت مين وعايزني أركب معاك ليه في العربية؟
تأفف مارو يزفر حانقًا ورد بسأم مع قلق هذا الضخم لمرفقته :
– يعني هكون عايزك تركب معايا العربية ليه بس انت كمان؟ أكيد عايزاك في مصلحة.
ارتفع حاجبيه الرجل وازدادت الريبة على ملامح وجهه وهو يحرك رأسه يسأله باستفهام:
– مصلحة أيه بالضبط؟ انا مركبش العربية مع حد غريب من غير ما اعرف غرضه إيه مني الأول .
فاض به مارو وهو قليل الصبر من الأساس فضرب بغيظ على مقود السيارة قائلًا من تحت أسنانه:
– بجســ مك اللي زي جســ م الوحش دا وخايف مني؟! دا انا كل اللي عايزه منك كلمتين بس ع السريع ، اركب بسرعة بقى قبل ما يشوفك حد من باقي الحراس، مش عايزين شوشرة.
بدت الحيرة واضحة على وجه الرجل في القبول أو الرفض ولكنه تذكر الفرق الجسدي الهائل بينه وبين هذا الشاب اليافع بجسده النحيل وشعر رأسه الطويل الذي يعقده من الخلف كذيل حصان قصير، كفعل الفتيات، استغفر بداخله وعقله ذهب لافكار غريبة جعلته يأخذ حذره في جلسته معه بداخل السيارة، فعاجله سريعًا بقوله فور أن ابتعدا عن محيط القصر جيدًا وحراسه:
– اتفضل بقى قول اللي انت عايزه بسرعة عشان اللحق انا الميكروباص واروح لامي واخواتي .
عبس مارو بضيق من خوف هذا الرجل الضخم منه ، فتنهد ليوقف السيارة في ركن منعزل في إحدى الشوارع الجانبية ليزداد الشك بقلب الرجل وهتف يسأله يأعين متوسعة :
– إنت موقف العربية هنا ليه؟ وعايز مني إيه بالظبط؟
قلب عينيه بسأم مارو فلم يأتي على باله ما يفكر به الرجل، وفضل الدخول مباشرةً حتى ينهي اللقاء مع هذا الغبي، ليتناول سريعًا مجموعة من الأوراق النقدية الكثيرة ليلوح بها أمامه قائلًا:
– شايف الفلوس دي كلها هتبقى ليك لو طاوعتني في اللي هقولهولك.
توحش وجه الرجل ليهدر إليه بعدائية على وشك الفتك به وقد انتشرت بعقله الظنون:
– إيه اللي انت عايزه ياد؟ وديني ما يكون اللي في بالي لقطــ ع خبرك النهاردة.
شهق مارو يلكزه بكفه الرفيعة على صدره الضخم صائحًا باستنكار وقد وصله اَخيرًا مقصد الرجل:
– تقطع خبري ليه حيوان انت؟ انا كل اللي عايزه منك هو ان أسألك عن ميري، ولو جاوبت صح هتكون الفلوس دي من نصيبك
هدأت فورة الرجل وخف قلقه مع توجسه الدائم من هيئته الغريبة والتي تذكره بهيئة النساء حتى ضرباته منذ قليل على صدره، استغفر بداخله مرة أخرى قبل أن بجيبه باستفسار:
– تقصد ميري المطلقة بنت الوزير؟
شهق مارو رافعًا رأسه للسماء قبل أن يعود قائلًا للرجل بارتياح:
– اخيرًا فهمت… ايوة هي با سيدي، كنت عايز أسألك عنها، اصلها اليومين دول مختفية ومعدتش تحضر مع الشلة في مشاويرهم ولا حتى بترد على تليفوناتي.
اعتدل الرجل بجلسته وقد فك تشجنه القلق منه، فرد مستخفًا وهو يمسح بأنامله على وجنته:
– وعايزها ترد عليك ليه وهي مخطوبة وكتب كتابها كلها أسابيع ويتم؟
صرخ مارو بنبرة صوته الرفيع أجفل الرجل قائلًا بانهيار:
– إيييه؟ مخطوبة، يعني بتغدر بيا وعايزة تسيبني؟
ازداد ضيق الرجل وتمتم فمه بالسباب يلعن هذا المعتوة وهذه اللحظة التي قرر التنازل فيها لينضم معه بالسيارة، قبل أن ينتبه على صوت مارو الغاضب وهو يأمره ملوحًا بمجموعة من الأوراق النقدية أكبر من سابقتها ليردف له قائلًا بتصميم:
– خد دول وعايزك تحكيلي كل حاجة عنها وعن خطيبها، وليك قدهم تاني كتير اوي لو جيبتيلي كل أخبارها أول بأول.
❈-❈-❈
عودة إلى منزل عامر بعد أن اكتمل بعدد المدعوين لمأدبة العشاء، لينضموا جميعًا على طاولة كبيرة ضمت العديد من الأصناف المبهرة بعد أن طلبتها لمياء مخصوص من إحدى المطاعم الشهيرة بإعدادها، رغم علمها بإجادة العاملين بمنزلها من خدم لصنع هذه الأصناف، ولكنها ركزت على الشكل الجمالي أيضًا والذي يفعله الشيف المشهور بهذا المطعم، للفت الأنظار إلى الأطعمة مما أثار بقلبها الفخر وهي تراعي الجميع بجدية وتوزع ابتسامتها في ضيافتهم .
نوال والتي جلست بالقرب من خطيبها كانت عينيها لا تفارق بانبهار نور الممثلة التي لطالما أعجبت بها على الشاشة، بجوار زوجها هذا الرجل الشهير أيضًا بأعماله العملاقة رغم صغر سنه، حتى لفتت أنظار خطيبها
وانتبه ليسألها بهمس:
– في إيه يا أستاذة وقفتي أكل ليه؟
أجابته بهمس هي الأخرى:
– مستغربة قوي بصراحة مكنتش اعرف ان هيجي اليوم واقعد على طرابيزة واحدة مع ناس مهمة زي دي بشوفهم بس ع الشاشة.
عبس خالد بوجهه إليها يقول متصنعًا الأمتعاض بمواصلة همسه:
– بيئة وهتفضحينا، انا مش فاهم انت بنت مستشار ازاي بس؟
لكزته بخفة فتأوه بصوت مكتوم جعلها تزيد بابتسامتها التي كانت تجاهد لأخفاءها، ومن ناحيته فقد تركزت عينيه نحوها وهي تتناول طعامها وهذا الجاسر يحاوطها برعايته واهتمامه في إطعامها رغم عدم اغفاله عن مراعاة الحضور، بشكل أدخل السرور على قلبه، وفي الناحية الأخرى وقد أخذ الجزء الأكبر من اهتمام لمياء لمرعاة ميري وخطيبها المزعوم وميرفت، التي كانت توزع نظراتها على الجميع، حتى انها لم تغفل عن مبالغة كارم في اهتمامه بكاميليا وتجاهل طارق المقصود لهما، وحديث عامر المتباسط مع شقيقته هذه المدعودة علية والتي تضحك بعفوية لا تناسب الجلسة وما عليها من حضور بوجهة نظرها.
❈-❈-❈
بعد انتهاء الجميع من طعامهم توجهوا جميعهم لإحدى الغرف الشاسعة المساحة بناءً على رغبة جاسر ، الغرفة كانت مميزة بطرازها المعماري المختلف عن باقي الغرف، جيدة التهوية رغم العدد الكبير بها بالإضافة إلى هذا الجدار الزجاجي الذي أظهر من الخلف الحديقة البديعة بانوراها الموزعة على الشجيرات بحرفية وحوض السباحة في الأرض ليزيد من سحر المشهد، انقسمت كل مجموعة حسب ميولهم، جاسر وبجانبه طارق ومعهم مصطفى عزام، عامر وقد أعجب بخالد من وصف شقيقته علية وكلماتها وقد أصر على مجالسته لهم، أما كارم وقد وجد ضالته مع هذا المدعو رائد ليأخذ فرصته ويبهره بمهارته اللغوية وإجادته التامة للغة الأسبانية التي يتحدث بها الاَخر ، فيثير إعجابه بالأخذ والرد معه، ويُعطي لكاميليا المجال للأنفراد مع الفتيات نوال ونور الجميلة المتواضعة وزهرة التي انضمت إليهن بعد أن أتت بمشروب اَخر لنور:
– اتفضلي يا ستي العصير الدايت زي ما قولتي اهو .
قالتها وهي تضع الكوب الزجاجي أمامها قبل جلوسها معهن، هتفت نور محرجة لفعل زهرة:
– يانهار أبيض، بنفسك يا زهرة جايباه؟ هو انت قاصدة تكسفيني يا بنتي؟
ردت زهرة بدهشة تشوبها الإبتسامة الرائعة منها كالعادة:
– أكسفك ليه بس يا نور؟ هو انتِ فاكراني هانم والحاجات دي عشان أأمر بقى واتأمر، لا ياعم انا بجيب حاجتي بنفسي، وبلاقي راحتي في كدة .
تجعد وجه نور بمرح إمتزج مع دلالها الفطري وهي توجه حديثها للفتيات:
– ما حد فيكم يكلمها يا جماعة، دي مُصرة تكسفني حقيقي البنت دي برقتها.
استجبن لها بالرد بالمزاح والضحك أيضًا حتى قالت كاميليا:
– بس تعرفي يا نور ، احسن عملتيها بجد النهاردة انك جيتي من غير حماتك العــ قربة، دي مش معقولة بتعامل الناس كلها من طرف مناخيرها، واكنها من طينة تانية.
افتر ثغر نور بابتسامة حقيقية وهي ترد بتفكه غير مبالية:
– أمال لو تشوفيها معايا في البيت ، هتكتشفي على طول انها بتعاملني كمواطن من الدرجة التالتة، بعد ولادها ومرات ابنها التركية.
شهقت نوال غير مصدقة ما يحدث مع النجمة التي تراها دائمًا ع الشاشة بصورة أخرى غير تلك تحدثهن الاَن:
– معقول؟! ليه بقى؟ ولا هي الست بهيرة بتاعتكم دي فاكرة نفسها من الأسرة المالكة مثلًا؟
اردفت نور مؤكدة وهي تومئ رأسها مغمضة عيناها ببؤس:
– أكتر يا أختي أكتر ، هي من عيلة ليها أصول بشوات وبهوات، فدمغاها مخليها بقى متمسكة بالجزء دا بشكل غربب، لما تشوفيها وهي بتتكلم مع عدي أخو مصطفى الصغير ومراته التركية، تكتشفي انك ولا حاجة وسطيهم، بس انا والحمدلله مصطفى دايمًا بيعوضني وبيعاملني كملكة بدليل إنه جابني النهاردة من غير ما يقولها لا تشبط فينا زي كل مرة لما تشوفني فيها خارجة معاه بس اقولكم على حاجة.
قالت الأخيرة تقترب برأسها تهمس لهن:
– اقسم بالله انا حاسة ان اللي اسمه عدي ده هيطلع من وراه بلاوي و طنت بهيرة دي، اللي طايره بيه وبمراته التركية، هتاخد على دماغها منه، أصله مش مظبوط كدة ودايمًا بحسه بتاع بنات على الرغم انه لئيم وما بيبنش،
قطعت وهي تتأمل هذا التركيز الشديد الذي بدا عليهن ، لتضيف:
– أنا قولتلكم على السر واللي بحسه بس بلاش والنبي تطلعوا فتانين زيي وتقولوا لحد تاني.
قالت كلماتها بلهجة بدت جدية لتصدم الفتيات في البداية قبل أن تنطلق ضحكاتهن بصوت عالي، أجفل المجموعة الأخرى بالقرب منهن، ميري ولمياء وميرفت التي عقبت على فعلهن:
– الست الممثلة اندمجت مع صاحبتنا شكلها كدة بيئة زيهم .
أثارت حفيظة لمياء بقولها لترمقها بنظرة معاتبة ولكن لم تنطق بلسانها ما تود البوح به، فا أضافت ميري على قول قرينتها:
– عندك حق يا ميرفت بكلامك، دا انا كنت واخدة عنها فكرة تانية خالص البتاعة دي.
لم تقوى لمياء على الكتمان أكثر من ذلك فقالت على حرج:
– خلاص يا بنات بلاش الكلام دا أرجوكم .
استدركت ميرفت خطئها لتردف ملطفة على الفور دون ان تتخلى عن خبثها:
– أنا مقصديش حاجة وحشة يا طنت، أنا بس خدت بالي انهم مدينك ضهرهم وهاتك يا رغي ولا اكنك صاحبة البيت أساسًا!
كلماتها السامة اخترقت كبرياء لمياء فبدا التأثر جليًا على ملامح المذكورة، لتبادل ميري مع مرفت ابتسامتهن الخبيثة، وقد أصبن الهدف.
❈-❈-❈
والى مصطفى الذي انتبه على شرود طارق والتغيير الذي حل على شخصيته التي دائمًا ما كانت مرحة، فكان يناكفه بالكلمات عله يعود لعهده معه:
– إيه يا بني؟ اقسم بالله ملايق عليك دور العقل ده، إيه اللي جراك يالا؟
رد طارق مستجيبًا بابتسامة شاحبة وقد أخذ حذره بتغير وضعيته في الجلسة حتى يتجنب النظر إليها ، رغم اختراق صوت ضحكاتها النادرة الرائعة لمدينته الاَمنة لتُعاد على مسامعه مرارًا وتكررًا، فتُعكر صفوه وتزيده تشتتًا رغم ادعائه العكس .
– ما انا عقلت بجد يا عم مصطفى، ولا انت فاكرني هفضل طول عمري كدة على جناني؟
اردف مصطفى مصرًا على رأيه بتشدد:
– يا بني كل الناس تعقل إلا انت، ماتقولوا حاجة يا أخ، انا مش قادر اصدقه بصراحة.
قال الأخيرة بإشارة نحو جاسر الذي كان في عالم اَخر غير مندمجًا معهما على الإطلاق، نفض رأسه من أفكارها يربت بكفه على ركبة مصطفى ليرد بعملية :
– سيبك من طارق دلوقت، دا مشكلته معقدة وان شاءالله يجي الحل من عند ربنا المهم……
قطع جملته وقد تحفز بجلسته والتمعت عيناه ببريق غريب اثار فضول صديقيه من هذا التغير الذي طرأ على ملامح وجهه فجأة ، فسأله مصطفى مستفسرًا:
– المهم إيه يا جاسر؟
بمجرد استماعه للسؤال نهض فجأة يزرر سترته ويعدل من هندامه ليرد عليهما بابتسامة غامضة:
– الموضوع المهم بقى واللي جايبكم مخصوص عشان، هتشوفوه دلوقت حالًا، في العرض اللي هيتم قدامكم.
سأله طارق عاقدًا حاحبيه بشدة:
– عرض إيه يا جاسر .
اومأ له الاَخير بابتسامة لاتوحي أبدًا بالخير وهو يتحرك مبتعدًا عنهم وقد حان وقت العرض بالفعل .
❈-❈-❈
تقدم بخطواته حتى توسط الغرفة وهتف ليلفت إليه الأنظار بعد أن حانت اللحظة الحاسمة وقد أعد عدته سابقًا لكشف الحقيقة:
– يا جماعة بصولي هنا معلش.
تكلم بعد أن استرعى الأنتباه وتعلقت ألأبصار نحوه بتساؤل:
– الف شكر ليكم كلكم انكم لبيتوا الدعوة وجيتوا أولًا.
قالها بابتسامة مرحبًا ليتلقى استجابتهم الممتنة بالابتسامات له أيضًا مدعومة ببعض الكلمات، واستطرد يكمل:
– أكيد معظمكم فاكرين إن العزومة دي عشان ربنا طمنا على صحة والدي، بس الحقيقية بقى انا عندي تلت أسباب، أولها أكيد طبعًا عشان صحة والدي والتانية بقى …..
توقف قليلًا وعينيه ذهبت إليها بابتسامة لفتت انظار الجميع نحوها قبل أن يخبرهم بسعادة بملأ فمه:
– زهرة حياتي، عوض ربنا ليا، اللي ردت الروح في قلبي بعد ما جف عن الحياة وكان عايش وكأنه حي وميت في نفس الوقت، دلوقتي شايلة جواها حتة مني، زهرة حامل يا بشر.
قالها مهللًا بمرح طفل صغير، وكأنه ليس جاسر الريان المعروف باتزانه الدائم وهيبته التي كانت تمنعه حتى عن الإبتسام إلا في الضرورة، فصخبت الغرفة بالمباركات والعبارات المهنئة بفرحة حقيقة من معظم الموجودين عدا ميري التي شعرت وكأن خطابه موجهًا أليه بقصد أهانتها بعد صفعها بكلمات الغزل التي القاها نحو هذه المدعوة زهرة ثم هذا الخبر الذي اوغر صدرها بالحقد والكره حتى كان جسدها يهتز حرفيًا من الغضب، أما ميرفت والتي بدأت تشعر بذبذبات خفية مفعمة بالقلق تنتشر في الهواء حولها، وحدسها يونبئُها ان حديث جاسر لم ينتهي بعد، ولكن استطاعت برسم ابتسامة متصنعة لتهنئة لمياء التي التمعت عينيها وترقرقرت بها دموع الفرح
رمقت بغل من طرف عينيها صاحبة الخبر نفسه زهرة والتي كانت تتلقى المباركات بالاحضان والقبلات من الملتفين حولها، وعلية شقيقة عامر الريان والتي كانت تقبل وتهنئ بمبالغة وغبطة حقيقية مع شقيقها وابنه وحتى هذا المدعو خالد والذي كان يبدوا وكأنه والد العروس، أما جاسر فلم يرأف بخجل زهرته أمام هذا الجمع الكبير فقبلها بمرح على وجنتها أمامهم غير مبالي باعتراضها كالعادة، قبل أن ينهض مرة أخرى ليفُض حالة الهرج والمرج بالغرفة بهتافه والتصفيق بكفيه:
– يااا خوانا يا خوناا انا لسة ما قولتش عن السبب التالت انتبهولي بقى .
تدخل طارق وقد أعادته حالة الفرح لطبيعته المشاكسة:
– سبب إيه تاني يا عم جاسر؟ مصيبة ليكون عرفت نوع الجنين وناوي تعلن لنا دلوقت عن العضو الجديد في العيلة اللي هيمسك مجموعة الريان؟
نفى برأسه جاسر بابتسامته تزامنًا مع هذه الضحكات الصاخبة حوله مع هذا الجو الذي تشبعت به الغرفة بالمرح والمزاح :
– لا يا خفيف استنى بس عليا شهرين وانا اتحفك بالجديد، خلينا اتكلم في المهم بقى:
قطع لينهي بذكائه مزيدًا من التفكه والمزاح، وقال بصوت عالي موزعًا أبصاره على كل فرد بالغرفة، بوجه جدي خلى منه العبث:
– السبب التالت يا اخوانا هو اني عرفت الخاين .
وقع الجملة الغريبة أجفلهم، ليسود الصمت على الفور ويحل محله التوتر، تنهد براحة لذلك ثم التف سريعًا ليُدير شاشة التلفاز العملاقة بجهاز التحكم عن بُعد ( الريموت) ليقول موضحًا:
– أنا هشرح لكو بالصورة عشان تعرفوا، شوفوا كدة، القصة قدامكم بدأت من هنا لما زهرة حبيبتي دخلت مطعم مع بنت عمتها بعد جوازي بيها بفترة كنت لسة ما أعلنتش فيها عن خبر جوازنا، وزي ما انتو شايفين كدة ، هي قعدت وبنت عمتها جالها تليفون وقامت بعدت عنها تتكلم ، جالها الولد دا اللي لابس كمامة وقدملها العصير دا على اعتبار ان بنت عمتها بعتاه.
قال والتفت رأسه يراقب ردود افعالهم المتابعة بتركيز، عدا ميرفت فهي الوحيدة منهم التي بدا اليقين يسكن قلبها بقرب الخطر، التف جاسر عائدًا لما يفعل بعد أن رمقها بنظرة جعلها عادية كالجميع ثم أكمل:
– عشان اختصر معاكم، العصير دا كان فيه منوم.
تابع رغم الشهقات التي سمعها من خلفه.
– ايوة زي ما انتوا فهمتوا كدة، الموضوع دا كان مدبر بحرفية بحيث ان زهرة يغمى عليها أو جسمها يرتخي ومتقدرش تقوم من مطرحها، عشان لما بنت عمتها تتصل بيا واروح انا اشوفها مع قلقي عليها، الصور تتاخد لي وانا شايلها وبعدها يحصل التريند اللي انتوا فاكرينه طبعًا.
– الولد دا تجيبه من تحت الأرض يا جاسر.وانا هربيه بنفسي
هتف بها من عامر الريان من الخلف بقوة أجفلت الجميع واستنفرت معظمهم خاصةً الرجال ليدلي كل فرد بدلوه حول الولد وعقابه على فعلته، وميرفت صامتة مضيقة عينيها بتفكير عميق، فجاء رد جاسر
المباغت لها :
– للأسف يا والدي المشكلة كلها مكانتش في الولد ، الحكاية كانت في الست دى أصلها هي اللي كانت زاقة الولد.
قال جملته مرافقة مع وقف الشاشة على صورتها وهي متخفية بالسترة الثقيلة والكمامة على الوجه وغطاء الرأس.
– مين دي يا جاسر؟
قالتها لمياء وهي متمعنة النظر في الصور وبجوارها ميرفت ترتجف داخليًا بتحفز .
رد جاسر بوجه بائس ودراما مصطنعة، الست دي انا عملت المستحيل عشان الاقيها ساعتها لكن برضوا معرفتهاش.
حانت منه نظرة خاطفة نحو ميرفت أصابتها بالتشتت، قبل أن ينهض فجأة قائلًا:
– لكن بقى لما حصلت المشكلة الأخيرة بيني وبين زهرة ساعة الواد المجنون دا والتريند الاَخير أكيد فاكرينه دا كمان ما انا بقيت نجم بقى…….
قال الاَخيرة ببسمة متفكهًا، فجاء سؤال والده إليه:
– تريند إيه يا جاسر؟ انا مسمعتش عن الاَخير ده.
التفت أليه ليغير صورة الشاشة مرافقًا لقوله:
– في الحقيقة يا والدي التريند المرة دي حصل في نفس المستشفى اللي كنت انت موجود فيها، أنا هحكيلك.
قال الاَخيرة ثم قص بعجالة بدءًا من الفتاة العاملة التي أوقفت زهرة قبل خروجها من المشفى إلى نهاية ما حدث معه مع زهرة قبل أن يكتشف الخطة المرسومة وهذه الرسائل التي رفع صورتها على الشاشة أمامهم، وكان التعقيب الأول من كاميليا:
– بس انا مش مصدقة إن عماد يعمل كدة، لانه بصراحة ميعرفش يخطط، هو واحد مسكين كان فاكر إن زهرة بتحبه….. وهم في خياله بقى! لكن تخطيط ميعرفش يخطط.
تداركت حتى لا تلفظ باسم غادة التي وضعت هذا الوهم بعقل عماد واكتفت بالتعقيب المبهم، وجاء الرد من جاسر:
– ما انا عرفت المدبر الحقيقي يا كاميليا واتأكدت من كدة كمان…….
صمت قليلًا يتابع وجه ميرفت الذي شحب رغم الشراسة البادية عليه، فقد تأكدت الاَن من معرفته للحقيقة وهي ليست بالهينة حتى تعطيه لذة الانتصار، واجهته بأعين متحدية استفزت شياطين نفسه بالداخل ليتعجل على الفور بصور الفتاة العاملة:
– دي صور البنت وهي بتوقف زهرة ودي صورتها وهي بتعترف بكل حاجة ودي وهي بتتعرف ع الست اللي حرضتها وحفظتها الكلام ودي صورة الولد الصحفي بتاع الجريدة الصفرا اياها، وفي الحالتين….
صمت يقطع الشك باليقين وقد ثبت صورة ميرفت وهي متخفية، والصورة الأخرى التي مع الفتاة بشكل واضح
ليردف بصوت عالي وانفاس متهدجة:
– الصورة دي هي دي لنفس الشخصية اللي موجودة وسطينا دلوقت
التفت ألأبصار حولها ولكنها وللمفاجاة لم تأبه ، فنفسها الخبيثة ترفض الاستسلام أو الظهور بصورة المخطئ بعد أن فضح شرها أمام كل من يعرفها، فقالت بإنكار:
– كل الكلام دا كدب وانا لا يمكن هسكت على اللي انت عملته دا يا جاسر.
الصدمة الجمت الجميع عن التفوه بحرف ، ليبقى الحديث المحتد بينها وبينه فقط والذي قابل إنكارها ليرد بابتسامة ساخرة واضعًا كفيه في جيب بنطاله بعد أن ازاح سترته للخلف:
– تصدقي بإيه؟ أقسم بالله فجأتيني فعلا، إنت حقيقي بتبهريني يا ميرفت.
نهضت من مقعدها لتكمل هجومها المضاد بثبات تحسد عليه:
– دا انت اللي أبهرتني يا جاسر بنزول مستواك لدرجة المقرفة دي، بقى عامل اللعبة دي كلها ومجمعنا عشان تطلعني انا الشريرة بقصص من تأليفك، عشان تنفي تهم الخيانة اللي اتقالت على مراتك وانت رافض تصدقها.
تدخلت ميري رغم وضوح الحقيقة كبزوغ الشمش أمامها، ولكن حقدها أعمى قلبها لتصدر صيحتها جاذبة الأنتباه نحوها:
– عندك يا ميرفت، صاحبنا دا بقى مريض حقيقي، والظاهر كدة ان عشرته مع الأوباش نسته معاملة ولاد الأصول .
إهانتها الصريحة لجاسر عززت الثقة بقلب ميرفت رغم ردود الأفعال المستهجنة حولهن فليس الجميع بغباء ميري التي أتت هي الأخرى تساند قرينتها،
تطلع جاسر إليهن يرد بهدوء وابتسامة مستخفة رغم النيران المشتعلة بصدره من كم التبجح الذي يراه امامه، فتركز خطابه لميرفت:
– صاحبتك مش مصدقة اللي بيتقال عليكِ رغم ان كل حاجة قايلها بالدليل، طب اقولها ع السبب الحقيقي اللي غذى كل الحقد دا في قلبك ناحيتي يا ميرفت عشان تدمريني او بمعنى حقيقي تسعي لتدمير الحاجة الحلوة الحقيقية وهي الست اللي حبيتها بجد في حياتي؟
تابع بصوت أعلى يصل لخارج الغرفة نفسها:
– اقول قدام الناس دي كلها يا ميرفت، سر كرهك الحقيقي لزهرة عشان انا حبيتها؟
صمت وظل حديث الأعين هو سيد الموقف، ميري عينيها مغشية تمامًا عن الرؤية الصحيحة، وميرفت والتي رغم كل ما تدعيه من ثبات وقوة، فقد كان جسدها يرتجف ويهتز مع تهديده بكشف تفاصيل هذه الليلة المؤلمة لها أمام الجميع ليسحق كبريائها واعتزازها بأنوثتها، وهي التي لم تغفر ولم تنسى له طردها من منزله في وسط الليل في الخفاء ودون علم أحد، أما جاسر فكانت تحرضه شياطينه بقوة للأنتقام لكرامته بفضحها مع فضح الأفعال الإجرامية التي قامت بها في حقه وحق زهرة، ولكن ولوهلة صغيرة، لمح مع هذا التحدى البادي في نظرتها إليه، رجاء انثى تخشى تهديده بحق، فما أقسى على المرأة رفضها الصريح من رجل عرضت نفسها عليه، فما بال لو قص التفاصيل المخزية في تحريضها له حتى ينغمس معها في الخطيئة ويخون معها هذه الحمقاء الواقفة تدافع الاَن وبكل شراسة عنها.
عند خاطره الاَخير التف كازًا على أسنانه وقد حسم أمره فهتف امام المترقبين بصمت في انتظاره:
– شوفوا يا جماعة من الاَخر كدة وبدون تفاصيل، انا الست دي حصل خلاف كبير ما بيني وما بينها، وعلى أثره انا كنت مصمم انها تخرج من المجموعة وتسيبها نهائي، لكني اتنازلت لما جت واعتذرت تاني يوم وقالتلي ياريت ننسى اللي حصل وكأنه محصلش، ودي كانت غلطتي عشان معملتش حساب الحية في غدرها.
هتفت ترد وقد عاد إليها صوتها بعد عدم ذكره الحقيقة
الكاملة وفضحها:
– انا برضوا حية يا جاسر؟ ولا انت اللي قلبك الأسود صورلك إن لسة حاطة الخلاف ده قدامي عشان انتقم واعمل الهبل اللي انت بتقوله ده؟
التف إليها بنظرة هادئة وقد سأم الجدال والشجار،ثم عاد إلى الحضور يردف بنبرة قاطعة:
– طب يا جماعة انا كنت في البداية ذكرت قدامكم عن أسباب العزومة واديني بالصوت والصورة شرحت كل شئ قدامكم عن السبب التالت، لذلك بقى انتوا بقيتوا شهود على قرارتي اللي هتاخذها دلوقتِ قدامكم ، الست دي انا بلغت عنها والولد والبنت قدمتهم للشرطة، دا عن حقي وحق مراتي في الأضرار اللي حصلت لنا منها، وقرار خروجها من المجموعة لو ما قامتش هي بالإجراءات المطلوبة من بكرة الصبح ، انا هضطر اعمل اجتماع للجمعية العمومية واقدم كل الأدلة دي اللي شوفتوها بنفسكم من دقايق.
استمعت منه فجحظت عيناها بصدمة وقد باغتها بدهائه حتى وضعها في موقف لا تحسد عليه، التفت تنقل بعينيها علّها تجد الدعم من أحدهم، لتُصعق بهذه النظرة القاتلة من عامر الريان فهو لا يقل قوة عن ابنه رغم مرضه، ولمياء رأت على وجهه التصديق بكل كلمة اردف بها ابنها مع نظرة الأزداراء وخيبة الأمل التي تحدجها بها، ولم تقوى على الصمود أكثر من ذلك ، تناولت حقيبتها وخرجت مسرعة على الفور دون كلمة فتبعتها ميري تسحب رائد الغافل وكأنه كالحقيبة التي علقتها بيدها، لتهتف وتتبعها:
– استني يا ميرفت انا جاية معاكِ، ماشي يا جاسر وديني لقول بابي ع اللي انت عملته ده وخليه يشوف حسابه معاك.
اردفت بالأخيرة بعد أن التفت إليه برأسها قبل خروجها من الغرفة، لتقابل برده الساخر:
– قولي يا حبيتي خليه يورني شطارته هو دا كمان ، انت عقابك الحقيقي هو مرافقتك لواحدة زي ميرفت دي وتفضلي على عماكِ دايمًا.
رمقته بنظرة خاطفة وغاضبة ثم غادرت هي الأخرى.
زفر حانقًا بارتياح نسبي بعد خروج ه الأفاعي وكشف حقيقتهم فزفر متعبًا قبل أن يجلس بخطوات متعبة على مقعده وقد استنزفت طاقته مع هذا النزال الذي خاضه بشراسة، قبل ان ينتقل بعيناه إليها لينهل منهما الدعم الحقيقي، رغم هذه النظرة المعاتبة بهما!
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية نعيمي وجحيمها)