رواية نعيمي وجحيمها الفصل السادس والأربعون 46 بقلم أمل نصر
رواية نعيمي وجحيمها الفصل السادس والأربعون 46 بقلم أمل نصر
رواية نعيمي وجحيمها البارت السادس والأربعون
رواية نعيمي وجحيمها الجزء السادس والأربعون
رواية نعيمي وجحيمها الحلقة السادسة والأربعون
بعد أيام طويلة من الخوف والقلق تعدت الأسبوعين، تحسنت حالة عامر تدريجياً وقد ساهم خبر حمل زهرة، في التعجيل في هذا التحسن، كان جالسًا بنصف نومة على سريره يسند ظهره بوسادة من الخلف، حينما ولجت إليه زوجته بوجه مشرق وابتسامة اعتلت ثغرها الجميل، لتخاطبه بفرح:
– صباح الخير يا جميل، عيني باردة عليك، صحتنا أتحسنت اهو وخلعنا قناع التنفس كمان.
أومأ برأسه لها متمتمًا بكلمات الحمد بابتسامة مجاملة شعرت بها، فقالت له معاتبة:
– إنت لسة متغير مني يا عامر؟ بعد كل اللي مرينا بيه ده وقلبك لسة محنش؟
اقتربت منه لتكمل بنبرة متألمة فغضب زوجها هذه المرة طال وفاق قدرة احتمالها، وهي التي اعتادت منه في كل شجار لهم على مدى سنين زواجهم ان يكون هو المبادر للصلح حتى لو كانت هي المخطئة:
– إنت عارف كويس يا عامر إني مقدرش اعيش من غيرك لا اتحمل جفاك ده معايا، ليه بتزيد بقى وتقسى عليا كدة؟
أغمض عينيه متنهدًا بقنوط قبل أن يفتحهم ليواجهها بقوة مع هذا البريق الحاد بهم ويرد بما يعتمل بداخله منها وقد فاض به ولم يعُد به طاقة للتحمل.
– وانتِ كمان متأكدة من حبي ليكِ اللي خلاني اصبر على دلعك من ساعة جوازنا واعديلك أخطاءك، بل بالعكس بقى، دا انا طول الوقت بحاول اَجي على نفسي وارضيكِ، لكن خلاص بقى يا لميا الصحة معادتش فيها، انا تعبت بجد
قال كلماته الأخيرة بأنفاس متهدجة أظهرت مدى معاناته فلحقته هي بقولها:
– طب قولي اعمل إيه عشان ارضيك وانا هانفذ على طول، قول يا حبيبي اعمل إيه عشان اشوف نظرة العشق في عنيك مرة تانية، قول يا عامر دا انت ابويا اللي بتدلع عليه واخوها اللي بتمتع بحنيته، وجوزي اللي بتسند عليه قدام الدنيا كلها.
امتد فمه المطبق بشبح ابتسامة مع قولها الذي يُسعد أي رجل إذا سمعه من زوجته، ولكنه رد بلهجة حازمة إليها.
– أنا مش عايز حاجة خاصة منك يا لميا، انا عايزك تحسني علاقتك مع ابنك ومرات ابنك، اتقبلي زهرة يا لميا، دا كفاية انها هتبقي ام حفيدك اللي بنترجاه من الدنيا، طب حتى افتكريلها تعبها معانا طول الأيام اللي فاتت رغم حملها.
زمت فمها وبدا على ملامح وجهها الإعتراض، وقالت بعند وهي تشيح بعينيها عنه:
– الأيام اللي فاتت كانت صعبة ع الكل مش هي بس على فكرة، وكلنا تعبنا ولا انت شوفتها هي ولا ما شوفتنيش انا؟
رد عامر كازا على أسنانه:
– لسه برضوا بنتكري ومش عايزة تديلها حقها، طب انتِ مراتي ودا واجبك، لكن هي بقى مرات ابني، يعني اَخرها زيارة عادية وخلاص، عاملي زهرة كويس يا لميا، دا البنت طيبة وزي النسمة تتحط ع الجرح يطيب. .
احتدت نظراتها وهي تعود بالخلف تتأمله جيدًا، لا تصدق أن زوجها أيضًا وقع اسير هذه البراءة الخادمة لهذه الفتاة، ألا يكفي ابنها الذي اصبح لا يرى أحدًا سواها وكأنها الملاك الذي نزل على الأرض بالخطأ، فقالت بتهكم:
– ما تقول فيها شعر كمان يا عامر، انا مش فاهمة إيه اللي جرالك إنت وابنك، عشان تتعلقوا بالبنت دي وتنسوا أصلكم ومركزكم الإجتماعي وسط البشر والعالم كله؛ اللي بتراقب كل تفاصيل حياتكم، وبينتقد كل كبيرة وصغيرة تعملوها؟
أجابها مشددًا على حروف كلماته غير مبالي بثورة غضبها، ولا بهذا المنطق الذي تتحدث به متشدقة:
– أرجع تاني واقولك، دي مرات ابنك وهتبقى أم أحفادك قريب، وحكاية اني حبيت البنت أو اتعلقت بيها، وانتِ عايزة دا ما يحصلش ليه بقى؟ وانا شايف فرحة ابني وراحته معاها، والوسط اللي انتٍ فرحانة بيه ده؟ ما احنا كل يوم بنسمع عن فضايح وخيانات بالكوم فيه، لكن انتِ ابنك اتجوز على سنة الله ورسوله مع اللي شاف راحته معاها، زي ما في ناس كتير بتعملها برضوا بس في السر، إنما نحن ابننا راجل وما بيخافش من حد عشان يعمل حاجة في السر
صمتت تتأكل من الغيظ وقد ألجمها بكلماته المنتقاة بدقة، فقالت متهربة:
– ع العموم كل واحد حر في حياته، المهم بقى، انا جهزتلك كل حاجتك، عشان نروح مع بعض
– لا انا مش هاروح دلوقت، هستنى حبتين على ما يجي جاسر.
قالها على الفور، وردت هي مستفسرة:
– وهتستنى جاسر ليه بقى؟ إذا كان هو أصلًا مجاش النهاردة.
تحمحم يجلي صوته بتوتر يكتنفه الاًن قبل إخباره بما انتواه مع ابنه، لعلمه الاَكيد، كم هذا سيغضبها فقال بارتباك:
– أصلي ناويت اروح معاه……. اقضي فترة علاجي عنده.
– تروح فين؟
صاحت بها غير مكترثة لصوتها العالي ومكانتها الإجتماعية في مشفى كبير كهذا، لتكمل بعدها:
– إزاي يعني ياخدك عنده؟ وانت تروح ليه بيته من الأساس وبيتك راح فيين؟
أغضبه صياحها ليزيد بداخله احتقانه منها، فذهب عنه توتره، ورد حازمًا يمنع عنها فرص الجدال بأسلوب تعلمه جيدًا حينما يأتي لاَخره:
– عنده ولا معندوش، أنا قررت ومش هارجع في كلامي، ومحدش له حاجة عندي عشان يمنعني .
❈-❈-❈
عادا الإثنان من عيادة الطبيبة النسائية بعد أن أجرت فحصوها مع زهرة واطمأنت على حالة الجنين، كما أمرت ببعض النصائح التي يجب اتباعها طوال مدة الحمل، وبداخل المنزل كانت تسير بجواره بخطوات متأنية حتى جلست على أقرب اَريكة وجدتها أمامها؛متابعة حديث جاسر المحتد مع والدته في الهاتف:
– يا ماما بتزعقيلي ليه بس؟ هو هيقعد عند حد غريب يعني؟ ………… يا ست افهمي، أنا اللي اقترحت عليه الاقتراح ده عشان اراعيه……… ياماما والله ما قصدي، انا عارف ومتأكد انك مبتقصريش معاه، بس انا قولت اخفف عنك يعني……….
وكأن بكلماته يقصد زيادة غضبها مع ازدياد صراخها الباكي في الهاتف، فتابع في محاولة لإرضاءها:
– طيب ما تيجي انتِ معايا واهو يبقى تغير جو بالنسبالك.
حتى هذه لم تفلح فقد استمرت في بكائها، حتى انتهاء المكالمة بينهم دون أي نتيجة تذكر، دفع جاسر الهاتف من يده على الطاولة الزجاجة الصغيرة ومعها سلسلة مفاتيحه وسقط هو على الاَريكة بجوارها، يزفر متفافاَ، مغمضًا عينيه ليضغط بطرفي سباته وإبهامه على أعلى أنفه، عله يخفف من إرهاقه، ثم التف على قول زهرة له:
– برضوا رفضت إنها تيجي هنا معاه؟
حرك رأسه بيأس وهو يعتدل بجسده مائلًا نحوها:
– للأسف بتقولي ان بيتها أولى بيها، واني بمحاولتي دي، بساهم في زيادة الفرقة ما بينها وبين بابا.
سمعت منه زهرة بتأثر صامتة فاستطرد بتعب:
– طب اعمل إيه بس عشان ارضيها؟ ما هو انا مش هقدر أسيبه تعبان كدة وانام في بيتي هنا وقلبي مشغول عليه، خصوصًا بقى وانا ملاحظ انه لسة زعلان وواخد جمب منها، ولا هقدر كمان أسيبك انتِ هنا لوحدك.
– خلاص يبقى نروح احنا ونقعد عندهم .
– إيه؟
تفوه بها بغير تصديق، وتابعت هي مؤكدة رغم ما رأته سابقًا من لمياء، والتمسته من معاملة جافة منها:
– أيوة يا جاسر، نروح نقعد معاهم انا وانت نراعي عمي على ما ربنا يتمم شفاه على خير أو حتى يتحسن وبعدها نرجع على بيتنا .
سهم قليلًا أمام قولها بملامح ثابتة قبل أن يقترب منها مقبلًا وجنتها ممتنًا على حل مشكلته ببساطة أراحت قلبه، وقال بصدق ما يشعر به نحوها:
– كل يوم بتأكديلي بالفغل انك جنتي على الأرض؛ اللي ربنا كرمني بيها عشان احسن شكره واحمده ليل نهار عليكِ .
صمت برهة بتفكير ثم أكمل يطمئنها هي أيضًا:
– وعلى فكرة يا زهرة بخصوص والدتي لو انتِ قلقانة منها، فخليك فاكرة كويس أوي، إني لا يمكن هاسكتلها لو حصل أي إشكال ما بينكم، ولا والدي كمان، ولا انتِ ماواخداش بالك بمعزتك عنده.
تبسم ثغرها بابتسامتها التي تزيد من تعلقه بها يومًا بعد يوم:
– طبعًا عارفة ومتأكدة كمان، عمي عامر دا عسل ربنا يعجل بشفاه يارب، وطنت لميا ربنا يقرب ما بينا ان شاء الله، ما حدش عارف.
تنهد مطولا براحة وهو يعود بظهره للاَريكة، متمتمًا بتفكير:
– وبكدة هتبقى العزومة في بيت والدي تمام!
– عزومة إيه؟
سألته تقطع عليه شروده، تطلع إليها قليلًا بصمت قبل أن يجيبها وقد بدا أنه حسم أمره في إخبارها:
– أصل يا ستي، حابب اني أعمل عزومة كدة ع الضيق بعدد محدود من اصدقائنا، بمناسبة ان والدي ربنا أخد بإيده، زي مصطفى ونور مراته مثلا، طارق وكارم وكاميليا، ميرفت وميرهان…
– إيه ميرهان؟
هتفت بها مخضوضة لا تصدق بنطقه للأسم حتى، فوجدته يردف متصنعًا الجدية:
– أيوة ميري يا زهرة، ما انا مش عايز ماما تتحرم منها، دي مهما كان برضوا تبقى بنت اختها، ومش معنى ان كل واحد راح لحاله مننا يبقى خلاص هانقطع بقى.
مالت إليه بوجهها تقول مستنكرة:
– يا سلام، وانت اسم الله عليك، بتحن اوي للراوبط الأسرية .
شعر بسعادة تدغدغ قلبه مع رؤية هذا الجانب الجديد منها، وردها الساخر رغم خجلها الدائم فقال يشاكسها:
– بتغيري يا زهرة؟
زفرت تُشيح بوجهها عنه فتقرب يلح بمشاكستها أكثر وبإطراف أصابعه يمازحها على طرف أنفها:
– ماتقولي يا بنتي وعبري عن اللي مضايقك، بتغيري يا زهرة؟
نزعت يده تزأر بوجهه بشراسة:
– والله لو ما بطلت يا جاسر هزعل بجد، وانت عارف إن الزعل وحش عليا، ولا نسيت كلام الدكتورة؟
– إيه دا إيه دا؟ هي هرمونات الحمل هبت علينا ولا إيه؟
قالها بمرح متزايد ، وحينما لم يلقى استجابة منها، خفف ملطفًا يقول لها:
– ع العموم انا سمعت انها اتخطبت، والدها ما شاء عليه ما بيضعش وقت
غمغم بداخله:
– والله ما انا عارف مين المغفل دا اللي رضي بيها أصلًا؟
❈-❈-❈
أهلًا أهلًا يا كاميليا، نورت المكتب يا قلبي .
هتفت بها غادة بترحاب شديد نحوها رغم اندهاشها الكبير لهذه الزيارة الغير متوقعة من كاميليا؛ التي لم تفعلها طوال عملها معها في نفس الشركة
تقبلت التحية كاميليا متصنعة الإبتسام والمودة، حتى جلست معها أمام مكتبها.
وقالت غادة بمبادرة لحديثٍ مرح ولكنه مقصود:
– انت أكيد جيتي لكارم خطيبك إللي ماسك الشركات دلوقت مكان جاسر الريان، وقولتي تعدي عليا صدفة صح؟
نفت لها برأسها لتزيد من حيرتها قائلة لها :
– لا يا غادة انا جيالك انتِ مخصوص.
ضيقت حاجبيها بشدة بتساؤل والفضول يوشك على قتلها ولكنها تمالكت تسألها:
– هاْ تشربي أيه بقى؟ حكم دي تبقي زيارتك الأولى لمكتبي المتواضع مع زميلتي ولازم نضايفك ولا إيه يا حكمت؟
قالتها بأشارة بذقنها نحو المرأة الجالسة في المكتب المجاور في الجانب الاخر من الغرفة ورت الأخرى:
– طبعًا ياغادة، دي استاذة كاميليا نورتنا بجد والله، تحبي اطلبك ساقع ولا سخن بقى؟
رمقت كاميليا غادة بشبح ابتسامة غامضمة قبل أن تلتف برأسها للمرأة ترد بزوق :
– متشكرة أوي حكمت، خليها في وقت تاني ان شاء الله، بس معلش لو هاستأذنك دقايق بس، عشان عايزة غادة في كلمتين ضروري .
على الفور تركت المرأة ما بيدها ونهضت مغمغمة بكلمات محرجة، حتى غادرت من أمامهم، لتزاد الحيرة بعقل غادة حتى التفت برأسها إليها لتسألها ، فلم تعد لديها قدرة على الصبر أكثر من ذلك:
– موضوع ايه دا اللي جايالي عليه مخصوص؟
دنت كاميليا برأسها على هاتفها تتلاعب بيه قليلًا، قبل أن ترفعه إليها بصورة مسجلة لمنشور سابق وقالت:
– إيه رأيك؟
تمعنت النظر غادة في الصورة بغير فهم حتى سألتها متعجبة:
– إيه ده؟ هو انتِ جاية تاخدي رأيي في اللي حصل بين عماد وزهرة وجوزها؟
مالت برأسها نحوها كاميليا، تجيب كازة على أسنانها ، لتفرغ شحنة من العضب، ظلت تكبتها الى وقت طويل حتى فاض بها منها :
– لا يا حبيبتي انا عارفة رأيك من غير ما تقولي ، انا بس جاية أسألك، مبسوطة كدة بعد ما دمرتي بني أدم غلبان زي عماد ، لما زرعتي براسه الوهم وحسستيه أن زهرة بتحبه فعلُا، بس خايفة تعترف عشان جبانة وخايفة من جاسر الريان؟
شعرت وكأن صاعقة هبت وضربتها فجأة بدون استئذان وقد باغتتها كاميليا بحديث ظنت بأنها تناسته، ولكنها تمالكت لتُنكر متسائلة:
– إيه الكلام اللي بتقوليه دا ياست كاميليا؟ أنا مالي انا ومال بني اَدم مجنون زي ده؟ ما تروحي يا اختى اسألي ست البرنسيسة، مش يمكن تكون هي اللي عشمته وخلت بيه؟
– تاني برضوا بتكدبي؟
هدرت بها كاميليا صارخة تضرب بكفها على سطح المكتب، وقد ازداد الإحتقان بداخلها حتى أفقدها حكمتها وحديثها الرزين دائمًا ، فتابعت بنبرة اهدى من سابقتها على الرغم من حدتها:
– عماد هو اللي قالي الكلام دا بنفسه وأكدلي ان انتٍ اللي قولتيله، كان قصدك إيه ساعتها غادة ها؟ كنتِ عايزاه يأثر على زهرة ولا يعمل إسفين ويبوظ جوازتها من جاسر الريان؟
ولا انتِ كنتِ مستكترة الجوازة من الأصل عليها وشايفة إن عماد هو اللي ألأنسب لظروفها؟ ما تقولي يا بنتي وخليني افهم وجهة نظرك.
صاحت هي الأخرى غير مبالية بصوتها الذي وصل لزميلتها التي انتظرت خارج الغرفة:
– وجهة نظر وكلام فارغ إيه؟ مالي انا ان كان الست زهرة تتجوز عماد ولا جاسر الريان؟ هاحقد عليها ولا هابُصيلها ليه من أساسه؟ ما هو مسيري انا كمان ربنا يرزقني زيها، ولا زيك انتِ اللي هاتتجوزي ابن اللوا؟
زادت كاميليا بحصارها وتضيق الخناق عليها، بصراحة أجفلت غادة منها:
– ما هو دا فعلآ اللي حاصل، ولا انتِ فاكراني ماكنتش واخدة بالي من تعمدك الدائم للتقليل منها قبل ما ربنا يرزقها بجوازها من جاسر الريان، بحقدك وغيرتك دمرتي انسان مسكين وكنتِ هاتتسببي بخراب بيت زهرة اللي كل ذنبها في الحياة انها ماشية بنيتها ، ومش واخدة بالها من التعابين اللي حواليها.
جسدها كان يهتز من فرط غضبها حرفيًا، فكلمات كاميليا لها كانت موجعة بحق حتى جعلتها تفقد الذرة الباقية من تعقل لها ، فنهضت من مقعدها فجأة تلتف لها من خلف المكتب لتهدر بغل وقد أخذتها العزة بالأثم:
– انا مش هارد على واحدة زيك، وانتِ جاية تعايري وتذليني على حاجة مش بإيدي، مش معنى ان بنت خالي ربنا اداها من وسعه يبقى انا هابصلها يا ست كاميليا، ولا هابصلك انتِ كمان ، قادر ربنا يكرمني زي ما كرمكم، أنا متأكدة إن ربنا لا يمكن هايرضي باللي بتعمليه معايا ده، أكيد هايجيبلي حقي منكم .
قالتها وانطلقت في موجة بكاء حارقة أمامها، لتزيد على مشاعر الازدراء بداخل كاميليا حتى تحولت إلى لمجموعة مختلطة من الأشياء التي لا تجد لها وصفًا، مزيج بين الشفقة والإزدراء، وضيق يجثم على أنفاسها، حتى تناولت حقيبتها وخرجت دون أن تعير وصلة الأخرى من الشهقات العالية أدنى اهتمام
❈-❈-❈
في المجمع الكبير
وبداخل إحدى محلات الملابس النسائية الخاصة، كانت ميري تنتقى عدة أنواع فاخرة وجميلة تريد ابراز جمالها أكثر أمام الزوج المستقبلي لها المدعو رائد، فهذا الجميل لم يرى منها حتى الآن سوى الملابس المنتقاة بعناية لتكون حشمة أمامه والكلام المتحفظ حتى يراها خجولة ورقيقة كزوجة شرقية يفخر بها أمام المجتمع المنفتح، لا يعلم بما تخبئه له بعد الزواج، ستجعله كالخاتم بإصبعها ومن ثم يسمح لها ويشاركها جنونها لتنطلق بحريتها بعد ذلك.
– يعني اَخيرًا شوفتك اهو.
صدر الصوت المعروف لأسماعها ليقطع عنها شرودها، حتى أنها شهقت مجفلة تلتف إليه برأسها، لتجده يتقدم داخل المحل النسائي بتفاخر وزهو لفت أنظار الفتيات إليه، حتى إذا وصل إليها اكمل بتساؤل أمام اندهاشها:
– قافلة تليفوناتك وما بتروديش عليا ليه يا ميري؟ لتكوني زهقت مني وعايزة تسبيني؟
صيغة السؤال الغريب في حد ذاتها أثارت الضحكات الخبيثة حولها من الفتيات والتي ساهمت في اشتعال غيظها، فردت كازة على أسنانها منه:
– خلي بالك من كلامك يا مارو ثم متنساش كمان انك في محل خاص للسيدات وميصحش دخولك فيه من الأساس .
افتر فاهه باستنكار قبل أن ينزل بعينيه ما بيدها وهذه القطعة النسائيه التي تشبه الشبكة بخطوطها الحريرية بتصميم رائع، ليُطالعها بانبهار وإعجاب فقال غامزًا لها بشقاوة:
– واو، دا هيبقى يجنن عليكِ يا ميري بلونه النبيتي، وهتبقى ليلتنا نار.
هذه المرة التفت على صوت ضحكة صريحة من إحدى الفتيات التي لم تتمالك نفسها، حدجتها ميري بنظرة نارية أرعبت الفتاة فصمتت على الفور ، أما هي فعادت أليه قائلة بحدة:
– ممكن افهم انت ازاي عرفت مكاني وايه اللي جابك ورايا هنا؟
ذهب الهزل عن ملامح وجهه لتحل جدية على قدر ما تضحكها اوقاتٍ كثيرة، على قدر ما تثير بقلبها الخوف، من مدى جنونه، وقال:
– شوفتك ، يا ست يا ميري وانت خارجة في عربيتك مع حرس والدك، وانا مستني بعربيتي، فضلت متابع لحد اما دخلتي المول وجيتي هنا ع المحل، لكن الكلام اللي داير دا صحيح؟
– كلام إيه؟
سألته باستفسار ورد يقول متهكمًا بغضب:
– قال بيقولوا قال انك اتخطبتي لواحد والده سفير وهاتسافري معاه، بعد جوازكم؟
ابتلعت ريقها تحاول التفكير في رد مناسب يجعلها تتفادى عاصفة محملة بالغبار والأتربة سيفعلها بافتعال فضيحة يشهد عليها رواد المحال بل ورواد المول التجاري جميعه لو قالت الحقيقة، فردت بكلمات تنتقيها بدقة:
– دي كلها إشاعات يا مارو، هو انت شايف في إيدي دبلة دلوقت عشان تصدق إني اتخطبت؟
قالتها رافعة كفها إليه، ونظر هو نحو أصابعها جيدًا يتبين صدقها، ثم قالت بنبرة تتصنع العتاب:
– كل الحكاية انه ابن صاحب والدي المهاجر بقالوا سنين وعايز يتعرف على بلد والده وعلى المعالم السياحية بيها، يعني اعتبره خواجة وانا بأدي دوري الوطني معاه، ولا انت فاكرني مش وطنية عشان اهرب من حاجة زي ده؟!
❈-❈-❈
لسة برضوا مش عايزة تقولي عن اللي مضايفك بالشكل ده؟
سألها كارم بعد أن أتت إلى مكتبه منذ دقائق بعد شجارها مع غادة، ورغم تصنعها الأبتسام ولكنها وكالعادة، ملامحها الشفافة تفضح ما بداخلها دائمًا، ردت على سؤاله بمرواغة كي تتجنب فتح هذا الحديث الخاص معه:
– يااا كارم للزوموا إيه الأسئلة الكتير دي بس؟ هو انا جاية اشغلك عن شغلك المهم عشان اروشك بمشاكلي كمان؟ كبر دماغك انا هفُك اساسًا لوحدي ما تشغلش نفسك انت.
– لما ما اشغلش نفسي بيكِ؟ يبقى هشغل نفسي بمين بقى؟ يغور أبو الشغل اللي ياخدني منك يا كاميليا .
أجفلها برده المباغت حتى أنها تطلعت إليه لعدة لحظات بذهول، لا تصدق حالته المتغيرة هذه الأيام، والأقوال الرومانسية التي يمطرها بها في جميع محادثاتهم،
من وقت أن وافقت على كتب الكتاب، أو حتى نظرات الهيام التي تلمسها بعينيه، مبتعدًا عن تلك التي أخافتها قبل ذلك منه.
– ما قولتليش بقى عن سبب الزيارة الجميلة دي؟
سألها بنفس النبرة الناعمة وردت تُجيبه بالكذب:
– عادي يا كارم، قولت اعمالهك مفاجأة، ولا انت ما بتحبش المفاجأت:
اعتلي ثغرة المطبق بابتسامة جانبية غير مفهومة قبل أن يرد :
– طبعًا بحبها خصوصًا لما تيجي منك، بس انا بقى اللي هايسعدني فعلًا هو التعجيل بقى بحفل الخطوبة اللي أجلتيه كذا مرة عشان مرض عامر الريان ، بس اهو الراجل اتحسن والنهاردة ان شاء الله هيخرج من المستشفى، إيه حجتك تاني يا كاميليا ؟
سهمت أمامه تبحث عن إجابة قبل أن تتهرب بتناول كوب العصير أمامها تتجرع منه لتبتلع توترًا يكتنفها كلما ذكرها بطلبه، وعقلها مشغول بهذا الاخر الذي يتعمد تجاهلها كلما راَها بالمصادفة والتي تتم بندرة هذه الأيام رغم عمله معها بمكان واحد، يظل حبيس مكتبه وقت العمل وحينما يفرغ منه يذهب سريعًا لجاسر الريان في المشفى
في الناحية الأخرى كانت عينيه مسلطة عليها يراقب خلجاتها بدقة وكأنه يقرأ ما بعقلها على صفحة وجهها وهو بكل بساطة يتلاعب بقلمه، وتابع يسألها :
– هو طلبي صعب اوي كدة عشان تسرحي مني بالشكل ده؟
تداركت لتعي ان شرودها طال فعلا هذه المرة فردت متهربة بموضوع اًخر:
– اسفة يا كارم بس انا مخدتش بالي من سؤال، لما افتكرت علاج والدي، اصله بصراحه فيهم نوع مستورد بلف عليه الصيدليات كلها ومش لقياه، بيقولوا انه اختفى من السوق من ساعة ما الدولار ارتفع
رمقها بهذه النظرة الغامضة المتفحصة قبل ام يجفلها بتناول آحدى الأوراق البيضاء أمامه يسألها باهتمام :
– اسمه إيه بقى العلاج؟
– ليه يعني؟ ما انا بقولك مختفي من السوق .
عادت ألى وجهه هذه النظرة الواثقة والابتسامة المتكلفة وهو يردف لها:
– إنتِ اكتبي اسم العلاج وانا لو ما اتصرفتش وجبتلك مجموعة مبقاش أنا.
إلتوى ثغرها بابتسامة مصطنعة لتومئ له برأسها حتى انتبها الاثنان على فتح باب الغرفة بقوة، ليلج منه جاسر الريان، على الفور نهض كارم يقفل أزرار سترته ليسقبل جاسر بحفاوة بالغة تقبلها جاسر بكل ود قبل أن يقترب من كاميليا ويرحب بها أيضًا ثم جلس على كرسيه خلف المكتب وجلسا الأثنان على المقاعد أمامه، بادره كارم بالتحدث عن الصفقات الأخيرة التي تمت والتعاقدات الجديدة، قبل ان يقاطعه جاسر بقوله:
– إهدى ياعم كارم شوية خليني اخد نفسي، وخلينا نتكلم بقى براحتنا شوية قبل ما ندخل في الشغل.
اومأ له كارم بهز رأسه وابتسامة مرحبة، فسأل جاهر يخاطبهما موجهًا عيناه نحوهما:
– وانتوا عاملين إيه بقى؟
همت لتجيبه كاميليا بالإجابة العادية التي تقال لمثل هذه الأسئلة، ولكنها تفاجأت برد كارم والذي قال:
– الحمد لله حضرتك احنا كويسين وتمام ، اما بالنسبة للخطوبة فكنا مأجلينها على ما عامر بيه يتحسن ولذلك دلوقتي بعد ما اطمنا فان شاء الله ميعادها يبقى بعد بكرة
انعقد لسانها أمام هذا التحول الغريب والقرارات المفاجئة لها دون أن يستشيرها فظلت صامتة تتطلع إليه مزبهلة وهو يتحدث عن ترتيبات الليلة وما يعده لها ، أما جاسر فقد كان بعالم اخر غير منتبه لكلماته، فعقله كان يفكر في صديقه الذي يكتم بصدره ولا يبين حتى الآن!
❈-❈-❈
خرجت من دوام عملها تتمخطر بخطواتها بعد أن اعادت على زينة وجهها بمزيد من المساحيق لتًخفي َاثار بكاءها بعد مشاجرتها الحادة مع كاميليا؛ التي أوجعتها بكلماتها القاسية تتهمها بالحقد والغيرة بعد أن نالت هي والأخرى الحظ كاملًا تأتي الاَن متبجحة على الوحيدة التي ظلت محلها في الخلف ولكن هذا لن يدوم، فهي ليست اقل منهن جمالًا بل هي تزيد عنهن بالذكاء؛ الذكاء الذي سيمكنها من تخطيهن والفوز قريبًا!
رأت سيارته على مرمى بصرها مصطفة في انتظارها على الرصيف الثاني، فافتر ثغرها بابتسامة سعيدة وتخطيطها يسير جيدًا جدًا كما أرادت، تعمدت التمايل أكثر بخطواتها حتى تُظهر جمال خطواتها مع صوت كعب حذائها في الأسفل، وما ترتديه من ملابس ضيقة متمثلة ببلوزة بيضاء محكمة في الأعلى، وجيبة غطت ركبتيها في الأمام لتظهر من الخلف جزء كبير من سيقانها مع هذه الفتحة الكبيرة، وفي ظل هذه الفرحة انتابتها برؤية ماهر وقلبها الذي يقفز من السعادة معها ، أجفلت على صوت قوي وكأنها ضربت بعصا على ظهرها ، شهقت بصوت عالي تلتف خلفها لتجد هذا المدعو إمام يلوح بعصا رفيعة في الهواء أمامها وكأنه بهددها بها، قبل أن يعيد فعلته بالضرب مرة أخرى على عجلة الكاوتش التي قام بتغيرها في الأسفل عبده السائق ليبدلها بواحدة أخرى بسيارة جاسر الريان، قائلًا كازًا على أسنانه:
– عشان لما اقولك عجلة قليلة أدب وناقصه رباية…… تبقى تصدقني.
شهقت صارخة في الضربة الأخيرة لتتستدير من أمامه وتعدو سريعًا نحو السيارة التي تنتظرها، لتهرب بجلدها من هذا المجنون .
راقبها عبده ضاحكًا قبل يرفع أنظاره نحو إمام يخاطبه:
– طب عليا النعمة يا شيخ انت مجنون ومش عارف أخرة جنانك دا إيه؟
جلس إمام على الكاوتش التي فش غليله فيها بضربها منذ قليل قائلًا بلهاث من فرط غضبه:
– اخرتها خير إن شاء، وحياة أمي لاعدلها بالعافية!
❈-❈-❈
دثر والده جيدًا على تخته بعد أن أخرجه من المشفى التي ظل يتعالج بها لأسابيع حتى تحسن وقارب على استعادة عافيته، فجاء به إلى منزله بصحبة زوجته لميا وزهرة التي كانت تجاهد لإخفاء توترها وقلقها، لمشاركة لمياء منزلها، بكل ما تراه منها من جفاء ومعاملة عادية ليس بها أي نوع من الدفء الذي يغمرها به عامر الريان حتى وإن ظل صامتًا كما كان في العناية المشددة وقت ازمة مرضه:
– ها يا حبيبي كويس كدة بقى؟
هتف بها جاسر مخاطبًا والده الذي أومأ مجيبًا بابتسامة جميلة رغم تعبه:
– تمام يا حبيبي ما تحرمش منك .
جلست على طرف تخته لمياء تخاطبه بلهجة حانية:
– أحضرلك حاجة تاكلها يا عامر من أكل البيت بدال اكل المستشفى اللي انت زهقت منه أكيد؟
اجابها بنظرة نحوها بطرف عينيه من تحت أجفانه:
– معلش ماليش نفس دلوقتِ خليها بعدين.
تعضن وجه لمياء بالحزن تناظره بعتاب يتجاهله بقصد حتى لا يضعف أمام رجاءها الصامت، تحمحم جاسر ليلفت إليه الانتباه وقال مخاطبًا والدته:
– طب احنا نخرج بقى يا ست الكل ونسيبه يرتاح شوية وبعدها أكيد هايقولك بنفسه على الأكل اللي بيحبه.
نهضت لمياء وعيناها مازالت مصوبة نحو زوجها الذي كان مستمرًا في تجاهلها ، وفور ان تحرك الثلاثة لتركه أجفلهم عامر بالنداء على زهرة:
– تعالي يابت انتِ سيبك منهم .
أشارت بسبابتها نحوها تسأله بعدم تركيز:
– إنت عايزني انا يا عمي؟
– امال خيالك يعني ؟ اخلصي يابنت هاتي الكرسي عشان تحكيلي على مشوار الدكتورة وتقوليلي قالتلك أيه؟
هتف بها عامر بحزم نحوها ، فالتفت زهرة بنظرة متسائلة نحو زوجها الذي اومأ بعيناهُ إليها لتنفيذ مطلب أبيه، رغم اعتراض والدته التي رمقت زهرة بغيظ قبل ان يسحبها جاسر من ذراعها بمهادنة حتى استجابت له على مضض لتنصرف وتغادر تاركة زهرة تأخذ حريتها في الحديث مع عامر الذي قصد ذلك ليخفف عنها توترها وتشنجها.
❈-❈-❈
– معفولة يا جاسر؟ يعني انت بتتكلم جد ما بتهزرش؟
هتفت بها لمياء بعدم تصديق بعد أن أردف لها جاسر عن هذا المطلب الغريب حينما يصدر منه هو شخصيًا، والذي أكده بقوله جاسر بنبرة مقنعة بعد أن جلس يتناول من طبق الفاكهة الذي أمامه على الطاولة:
– واهزر ليه بس يا ست الكل؟ انا عامل العزومة عشان اجمع حبايبنا، بمناسبة خروج والدي بالسلامة من المستشفى وحمل مراتي ، الظرفين الحلوين دول بقى ، مش يستاهلوا حفلة بذمتك؟
جلست لمياء في الكرسي المقابل تومئ له برأسها وقد افتر ثغرها بضحكات سعيدة أظهرت أسنانها وهي تجيبه:
– صح عندك حق يا جاسر، هما فعلًا يستاهلوا حفلة مش عزومة، إيه رأيك بقى لو نخليها حفلة فعلًا؟
هذه المرة كانت الضحكة من نصيبه نفسه، قبل أن يجيبها بتفكير:
– لأ يا أمي مش لدرجادي، نكتفي دلوقت بالعزومة عشان صحة بابا كمان ما تتعبش ولا انتِ تحبي إيه؟
أجابته بلهفة وفرحة لازالت لا تستوعبها بعد:
– كل اللي تقول عليه كويس يا حبيبي، مدام هتراعي كمان صحة عامر، وانا كفاية عليا انك حنيت وعايز تقرب المسافات بيني وبين ميري، دي مهما كان بنت خالتك يا حبيبي والدم عمره ما يبقى مية.
هز برأسه يُظهر اقتناعه الكامل مع ابتسامته التي لا تفارق فمه قبل أن يقول لها:
– طب خلاص بقى يا أمي مدام اتفقنا، يبقى اتصلي انتِ يا ست الكل واعزمي بنفسك، برضوا انتِ هاتقنعيهم أحسن مني!
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية نعيمي وجحيمها)