روايات

رواية هواها محرم الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم آية العربي

رواية هواها محرم الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم آية العربي

رواية هواها محرم البارت الرابع والثلاثون

رواية هواها محرم الجزء الرابع والثلاثون

هواها محرم
هواها محرم

رواية هواها محرم الحلقة الرابعة والثلاثون

الكوابيس لا تشترط النوم ، بل أحيانًا يأتيك كابوسًا يوقظك من أحلامك السعيدة .
كان ينام بعمق ويعانق زوجته عناقًا دافئًا بعد جولة حبٍ مميزة ، رنين هاتفه جعله ينكمش ويستيقظ متعجبًا ، من ياترى يهاتفه في هذا الوقت ؟
نظر نحو النافذة بعيون ناعسة ليجد الشمس ما زالت تفرد أشعتها لذا امتدت يده تلتقط الهاتف وينظر فيه ليجده يوسف .
قطب جبينه في نفس لحظة استيقاظ مايا التي تململت وتساءلت بنزق :
– فيه إيه يا عمر ؟ ، مين بيتصل دلوقتي ؟
قبل جبينها وتململ ينتشل ذراعه الآخر من أسفل رأسها قائلًا وهو يلتفت ليجيب :
– مافيش يا حبيبتي نامي إنتِ .
أعطاها ظهره واعتدل وأجاب بقلقٍ متسائلًا :
– أيوة يا يوسف ؟
– عمر ، تعالى على بيت الحاجة منيرة دلوقتي .
وخزة استهدفت قلبه ليردف متلهفًا :
– إيه اللي حصل ؟
– طه اتوفى .
قالها يوسف ببالغ الحزن ليستقبلها عمر بصدمة سقطت كالسيف على عنقه ، لمدة ثوانٍ فقط لم يستوعب ما قاله يوسف ثم بدأ يدرك أن شقيقه الذي قابله للمرة للأولى منذ بضع ساعات والذي طلب عناقه والذي شعر أنه بحاجته توفي ، قتلوه؟ ، هل وصلوا إليه وقتلوه ؟
سقطت عبرته ووعى على نفسه ليبعد الهاتف عن أذنه وينظر له حيث قد أغلق يوسف ، ظل يتطلع على الهاتف كأنه يتمنى أن يستيقظ مما سمعه ، نداء مايا عليه لم يصل لأذنه ، وحتى حينما نهضت توازيه ووتضع كفها على ذراعه متسائلة :
– عمر مالك ؟
لم يجبها بل كان يلملم تلك الذكريات البسيطة التي جمعته بشقيقه ، البسيطة جدًا لدرجة أنها لم تتخطَ الأربع ساعات لدرجة أنه تذكر حركة أصابع طه على الحاسوب .
نهضت مسرعة بقلق والتفتت لتقابله لتجده يبكي ! ..
جحظت وأسرعت تمد كفها وتجفف عبراته متسائلة بلهفة وقلق :
– عمر فيه إيه ؟
تحركت عينيه نحوها يتعلق بها ثم نطق بنبرة تشبه طفلًا تائهًا وسط صحراء الفقد والألم :
– طه ، أخويا مات .
تصنمت وهي تطالعه بتعجب ثم بحزن ثم أسرعت تعانقه والتساؤلات تتفاقم داخلها ولكنها تعانقه بكل حب ليبادلها بكل حزن .
لم تمر دقيقة حتى ابتعد يطالعها ويتنفس بقوة قائلًا بهدوء يخفي طيات الألم :
– لازم أقوم أروح .
نهض وتركها لتتعجب وتوقفه بسؤالها المترقب :
– هتروح فين يا عمر ؟ ، هما يعرفوك أصلًا! .
التفتت يحدق بها ثم أومأ لها مرارًا وأردف بنبرة حزينة :
– اللي قابلته امبارح كان طه يا مايا ، شوفت أخويا امبارح وقعدت معاه والنهاردة مات .
التفت يخطو نحو غرفة الملابس وتركها تجلس على الفراش تتساءل والقلق ينهش فؤادها ، قابل شقيقه ؟ ، وأخفى عنها ؟ ، لماذا ؟
❈-❈-❈
رسائل نصية كانت ملخصها هو موت طه .
بعدما تم تحديد موقعه واستعدوا لينهوا حياته وتحرك أحد أتباعهم لينهي الأمر ولكن جاء أمر الله حينما علم أن طه قد مات .
لم يصدق وأراد التأكد بنفسه ليتخفى بين الحضور وبالفعل تأكد من خبر موته ، بل علم كيف كان موته ولهذا أسرع يغادر ويخبر أحد أعوانه بما حدث .
ليرسل الآخر رسالة إلى غيره محتواها ( طه مات ، مات لوحده وهو بيصلي )
جاءه الرد السريع في رسالة تحذيرية محتواها ( مش مهم ، المهم إن محدش يعرف مات إزاي ، واحذف أي حاجة تبعه ) .
أحيانًا لا يستوعب العقل كيف لبشرٍ ألا يخاف ، إن كان يحمل ذرة شكٍ بمقدار 0000,1 ٪ كيف لا يخاف ؟ ، هل لتلك الدرجة أغواهم الشيطان ؟
تكتمهم على طريقة موت طه كانت مهمتهم الحالية ، فلو علم بعض الشباب في قطيعهم بطريقة موته لوقفوا مع عقولهم لحظة ، ربما تساءلوا والتساؤلات بالنسبة لهم تعد كسلاح نووي يهدد أمنهم ومستوطنتهم التي شيدوها على التجبر والطغيان والفساد .
ولهذا في خلال دقائق صغيرة كان قد انتشر بين مجموعتهم خبر التخلص منه وتم محو كل شيء يتعلق به .
❈-❈-❈
وكأن الله استبدل عقله بعقلٍ جديد ، عقلًا بدأ يفكر في حديث بهجت الذي دار بينهما بعدما كان يستنكر كل أفعاله وأقواله ، هذا الرجل الذي لا يعلم كيف بدأ قلبه يستقبله ويستقبل معاملته وأسلوبه .
لقد كان يبغضه ، كان يغار منه ، كان يستنكر أبويته على خديجة ويظن أنه وحده أحق الناس بها ولكن تلك الحادثة غيرت مسار أفكاره فبات يرى بمنظورٍ جديد ، منظورٍ يجعله أكثر تقبلًا وتدبرًا للأمور .
أخبره بهجت منذ قليل أن يصبر عليها وليكن ذا عزمٍ طويل ، أن يتحلى بالصبر والهدوء ، ألا يستمع لقسوة حديثها حينما تواجهه وهذا بعدما سرد له خالد كل ما حدث دون تجمل وتعجب من تقبل الآخر له .
يستعيد كلماته حينما ربت على ساقه وقال بلغته ونبرة عميقة يغلفها الإيمان :
– الله لا يعاقبك ، بل يجهزك ، ثق بخطته وليس بألمك .
نطقها بلغته كي يستوعبها خالد جيدًا ويفهمها ولهذا هو يفكر ، كل ما مر به من ألمٍ كان خطة وضعت من أجل تجهيزه لحياةٍ أفضل ، لذا سيعمل جاهدًا ألا يعود للسابق أبدًا ، أن يمضي قدمًا نحو المستقبل دومًا ، سيجعلها تسامحه وتنسى ما حدث وسيبدءا سويًا صفحة بيضاء .
توقف أمام النافذة التي تظهرها له ووقف يطالعها ويتفحصها ، الطبيب يقف يتحدث معها ، تخبره بشيءٍ لا يستطيع تفسيره ، يا له من محظوظ .
ابتسم ساخرًا من نفسه ، يحسد الطبيب على حديثه معها وهو يقف بعيدًا يخشى التحدث إليها.
ولكن تحرك الطبيب من أمامها متجهًا إلى الباب ليسرع خالد نحوه لعلها طلبت رؤيته لذا توقف أمام الطبيب وتساءل بترقب :
– ينفأ أشوفها ؟
ابتسم الطبيب بهدوء ومد يده يربت على ذراع خالد قائلًا بتروٍ :
– هي طالبة تشوف والدها ، خلينا نعملها اللي هي عايزاه علشان ماتتعبش .
أومأ برضا ، لأول مرة يبدو مطيعًا ولم يعترض لذا ابتلع لعابه وتحدث بهدوء :
– تمام ، هروه أنده له .
أومأ الطبيب وعاد للداخل بينما تحرك خالد ينادي على بهجت الذي كان يتحدث مع زوجته .
وصل إليهما حيث كانا يجلسان في الاستراحة وتحدث حينما حدقا به :
– خديجة آيزة تشوفك .
نهض بهجت مسرعًا متلهفًا يخطو ليرى ابنته وترك خالد يقف يطالع أثره بشرود ويفكر ، بماذا ستتحدث معه يا ترى ؟ .
أخرجته من شروده نسرين وهي تردف بنبرة ونظرة استكشفتا ما به :
– تعالى يا خالد اقعد جنبي ، عايزة اتكلم معاك شوية .
التفت يطالعها ثم تنفس بعمق وتحرك نحوها وجلس مجاورًا لها يتكئ بذراعيه على ساقيه وينظر للأمام بينما هي رفعت يدها تملس على ظهره وتحدثت وهي تستقبل ألمه برحابة صدرٍ متسائلة :
– زعلان علشان خديجة طلبت تشوف بهجت ؟.
أشار برأسه بلا فورًا وكان صادقًا في ذلك ولكنها تابعت بنبرة مشاكسة لتخرجه من حالته :
– لاء؟ ، عليا بردو يا خالد ؟ ، دا انت كنت بتغير عليها لما تسلم عليه أو تكلمه ومنعتها حتى تقرب منه ، يالا اتكلم وقول الحقيقة علشان أنا فهماك كويس .
أخذته بحديثها إلى تلك الذكرى حينما هشم زجاجات المشروب وجرح يده بعدما اشتعلت الغيرة في قلبه من لقائها بوالدها آنذاك ، الآن أدرك أنه أرهقها ، كان يستنزف طاقتها وكانت تغفر له ، يتذكر يومها أنها تناست ردة فعله واهتمت فقط بجرحه ، دومًا اهتمت بمشاعره هو ، دومًا عملت على إرضائه على حساب طاقتها ظنًا منها أنه سيستقيم .
عادت الدموع تغرق عينيه وتحدث وهو يطرق رأسه بندم وبلغته :
– أحزنتها كثيرًا ، آلمتها ، كنت مستغلًا لحبها ولكني أحببتها بطريقتي ، لم أكن أراها سوى لي فقط ، كنت أريدها تتقبل أشياءً فوق طاقتها وقدرتها ولم تشتكِ .
التفت يعتدل ويحدق في نسرين ويتحدث بترجٍ وندم تملك منه :
– أنا سيء جدًا ولكنني أريدها ، تمنيت لو طلبت لقائي أنا ، تمنيت لو أحبت رؤيتي أنا في كل مرة ، أريدها أن تسامحني وتنظر لي ببريق العشق ذاته وأقسم لن أجعلها تحزن مجددًا .
استشعرت بكم معاناته وألمه ولكن خانتها الكلمات فتنهدت ولم تجبه ليتابع بتنهيدة قوية خرجت حارقة من جوفه ولكنها حملت ثقة وعزيمة وتأكيد :
– لن تحزن مجددًا ، حينما تعلم أنني تنازلت عن تلك النقود وتعهدت أمام الله ألا أشرب مجددًا ستسامحني ، حينما تعلم أنني بت أتقبل والدها ستسامحني .
انحنى ينظر لذراعه الموشوم وشرد قليلًا ليتابع مجددًا دون تردد :
– بقى فقط هذه الوشوم لأتخلص منها ، وسأفعلها الليلة .
لم تعد نسرين صامتة بل تحدثت تمنعه بنبرة لينة هينة لتخفف من وطأة الألم داخله وهي تتمسك ذراعه :
– لاء يا خالد ، الوشوم دي يا حبيبي كانت في الماضي بس مش مطلوب منك تشيلها وتعرض نفسك لألم وحرق ، ربنا غفور رحيم يا حبيبي وخديجة مش هتفرح لما تأذي نفسك وكفاية الجرح اللي في إيدك ده ، اطمن يا خالد بنتي يمكن لسة في صدمتها وحزنها على جنينها ، اديها وقتها وكلنا معاك ، هتسامحك واللي فات مات المهم إنها قامت بالسلامة .
بإمكان هذه الكلمات البسيطة أن ترطب جراحه ولكنه ما زال يريد فعل الكثير والكثير حتى يرضى عنه ربه ثم ترضى عنه خديجة .
❈-❈-❈
توقف عمر أسفل البناية التي تقطن بها منيرة ، صوت القرآن الكريم يصدح من الأعلى لذا تعالت وتيرة أنفاسه بشعور الحزن ، لقد ظن أنهما سيصبحان رفقة ولكن ذهب سريعًا بعدما ترك أثرًا داخله ، ذهب كما ذهبت شقيقته قبل أن يودعها ، هل هذا اختبارًا يا الله ؟
تنفس بقوة وتحرك يصعد بخطواتٍ هادئة ولا يعلم كيف سينظر في وجوه من في الأعلى وهم في الحقيقة … عائلته .
توقف حينما وجد باب الشقة مفتوحًا على مصراعيه ويجلس في استقباله حسن الذي علم هويته من مجاورة يوسف له ، ورجلان في الجهة الأخرى ربما أقارب أو جيران ، هؤلاء فقط من أتوا ؟ ، أليس من المفترض أن تجتمع هنا كل العائلة ؟ ، ولكنه توقف بأفكاره حينما سافرت عينيه لتتوقف عند منيرة ، تجلس على أريكة في المنتصف ، مطرقة الرأس تسبح في فلكٍ بعيد ، تجاورها على اليسار أميرة وعلى اليمين مشيرة وكلاهما تواسيانها ولكنها في عالمها الخاص .
رآه يوسف فنهض يرحب به فقابله عمر بالتعازي واتجه يرحب بحسن وجلس بصمتٍ دام لدقيقة ثم نظر مجددًا إلى يوسف وتساءل بحزنٍ تملك منه خاصةً من أجل منيرة :
– مات إزاي ؟
نظر يوسف لزوجة عمه التي هاتفته باكية بنشيج تقص له ما حدث ثم لم تعد تعلم شيئًا بعدها ، ليتنهد بعمقٍ ثم عاد إلى عمر وتحدث موضحًا :
– صحى والدته وطلب منها تقوم تصلي الفجر معاه ، ومات وهو ساجد ، طول في السجود فخلصت وبتحركه لقيته ميت .
رفع عمر رأسه عاليًا ليمنع عبراته من السقوط وراودته سكينة رطبت حزنه وغضبه وقلقه ، إذًا قد فاز شقيقه الذي ظنهم قتلوه .
أما منيرة ، فهي تجلس وحدها ، لا تشعر بأيٍ ممن حولها ، تستعيد ما حدث ، ناداها ، وعانقها ، وصلى بها ، ومات ساجدًا .
آهًا قوية لم تخرج من فمها ولكنها صدرت من قلبها وهي تتذكر عودته وكم فرح قلبها بها ، عاد إليها وعاد لربه ، كانت تخشى أن يموت كافرًا وكانت تتمنى أنه لو يموت على توبة وتحققت أمنيتها ولكن قلبها ينزف ، يحترق على فراقه وفراق شقيقته .
راضية يا الله ، لم ولن أعترض وأعلم أنني أخطأت وتهاونت في حقوقي وحقوقهما ولكني أتساءل كيف سأكمل حياتي ؟ ، كيف ستنقضي أيامي دون رؤيتهما ؟ ، كيف ستبرد النيران في قلبي يارب؟.
صوتًا داخلها يأتي كلما هاجمتها هذه الأسئلة يردد لها بإيمان ، يلومها على طرحها لهذه الأسئلة وعدم الإجابة عليها ، لتجيب بصوتٍ داخلي :
إنها أمانتك يا الله ، أهديتني إياها واستردتها مني ، أخذته ساجدًا وهذا خير جزاء ، اطمأن قلبي تجاهه يا إلهي فلتطمئن قلبي من جهة ابنتي يارب ، إنا لله وإنا إليه راجعون .
ربتت أميرة على ظهرها بحنانٍ وتساءلت بلطفٍ :
– تحبي تقومي تريحي شوية جوة يا طنط منيرة ؟
هزت رأسها بلا وفقط صامتة إلا من تدفق دموعها ، لتتنهد أميرة مطولًا وهي تنظر نحو يوسف الذي يجاور عمر ، هذا هو نفسه عمر ابن عمها ، وكأنه ارتدى هيئة طه !.
قطع تأملها به ظهور صقر يلقي السلام لينهض حسن يستقبله ويسلم عليه وكذلك يوسف ثم عمر .
جلس مجاورًا لعمر وأشار برأسه نحو أميرة فابتسمت له بلطفٍ بينما التفت ينظر نحو عمر ليجده حزينًا ، حزنه واضحًا ويعلم سببه جيدًا فقد وصلته أخبارًا ليلة أمس عن لقاء عمر بطه بعدما أتاه اتصال آسيا وقرر تتبعه .
مد يده يربت بصلابة على ساقه ويردد بنبرة غامضة :
– شد حيلك يا عمر ، وراك مهمة كبيرة .
من وسط أفكاره انتشلته كلمة صقر لينظر له مصدومًا فأشار صقر برأسه نحو منيرة وأردف بنبرة ماكرة :
– الست منيرة .
أدرك عمر مراوغته ولكن هذا ليس الوقت ولا المكان المناسبين للأسئلة لذا تنهد وأومأ بصمت منتظرًا خروجهما .
❈-❈-❈
خرج بهجت من غرفة خديجة عائدًا إلى الاستراحة ليجد خالد يتحدث مع نسرين ، حينما رآه خالد تساءل بعينيه متلهفًا ولكن نظرة بهجت له كانت تحمل أسفًا ، لا يستطيع البوح بما أخبرته به ابنته ، ليترك الأمر للوقت يداويه .
اتجه يجلس مجاورًا لزوجته التي سألته بلهفة أم :
– طمني يا بهجت خديجة عاملة إيه ؟
أومأ برأسه وتحدث بهدوء وهو يخفي نظراته عنهما :
– الحمد لله ، تعبانة طبعًا بس هتبقى كويسة إن شاء الله .
– سألتك أني ؟
نطقها خالد بلهفة عاشق يتمنى دفء وجودها لينظر له بهجت بخيبة ، كيف يخبره أنها رفضت حتى ذكر سيرته حينما كاد أن يخبرها بمَ فعله خالد ، زفر بقوة وعاد ينظر أرضًا ليدرك خالد أنها لم تعد تريده .
نهض يقف وتحرك خطوة ليناديه بهجت مردفًا بترقب :
– مش إحنا اتفقنا نصبر يابني ، خليها تعدي صدمتها وكل حاجة هتبقى تمام ، وكّل أمورك لله وادعي .
أومأ خالد وأكمل سيره ليختلي بنفسه قليلًا ، وبداخله صوتًا يخبره أن يصدق في ندمه إرضاءً لله فقط وليس لترضى عنه خديجة ، ليرضى الله عنه ومن ثم سيأتيه رضا خديجة طواعية .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ
ذهبوا بجثمان طه إلى المسجد للصلاة عليه بعدما تم تغسيله وتكفينه ، شعائر الموت ذات رهبة ، تأخذ الإنسان من دنياه لبرهة من الزمن ، تجعله يتأمل حياة البرزخ ويفكر بها ثم تأخذه الدنيا مجددًا بين أمتعتها .
كان قد أتى رضا وابنه ياسين إلى المسجد وعنوةً عنهما لم يفتعلا المشاكل حينما لمحا أميرة تجاور مشيرة ومنيرة في ركنٍ خاص بالسيدات ، تحاملا إلى أن تنتهي مراسم الدفن ثم سيكون لكل مقام مقال .
كذلك انتصار التي تجلت على ملامحها تلك النيران التي اشتعلت بها حينما وجدت ابنتها تعانق يد مشيرة ، هناك ثورة تقام داخلها وعلى وشك التهام الجميع ولكن صبرًا .
❈-❈-❈
جلست في غرفتها بعدما جافاها النوم منذ أن ذهب وتركها ، والدتها ما زالت نائمة لا تعلم شيئًا عما حدث .
التساؤلات تزداد داخلها وأهمهم لما كذب عليها عمر وأخفى عنها مقابلته لشقيقه ؟
القلق عليه بات ينهشها ، ليتها تأخذه ويذهبا بعيدًا عن كل هذه الأحداث ، تخشى إصابته بمكروه فهذه العائلة لا يمكن الوثوق بها .
تناولت هاتفها وحاولت مجددًا الاتصال به ولكنه مجددًا يغلق الاتصال لذا زفرت بضيق ونهضت تخطو نحو الشرفة لتستنشق القليل من الهواء وتنتظره بصبرٍ فارغ .
❈-❈-❈
انتهى الدفن واتجه يوسف نحو منيرة التي ودت لو تجلس أمام قبرا ولديها ولا تتركهما أبدًا .
يفصلها بينهما حاجزًا ترابيًا يحتاج فقط لأن يرحمها الله ويأخذ روحها لتذهب إليهما .
انتشلها يوسف من جلستها بصعوبة حيث تيبست برفضٍ ولكنه أرغمها قائلًا بنبرة ثاقبة :
– ماينفعش تقعدي كدة يا طنط منيرة ، إنتِ ست مؤمنة ووجودك هنا دلوقتي مش صح ، تعالي معانا .
نظرت إليه بعيون تفيض دمعًا وتحدثت بترجٍ ووهن :
– خليني قاعدة جنبهم يا يوسف علشان خاطري ، مش هعمل أي صوت ولا هصرخ ، هقعد معاهم بس .
وقف الجميع خارج المدفن يطالعونها ، جزءًا يطالعها بشفقةٍ وجزءًا آخر لم يهتم غير بنظرات الحقد التي يصوبها نحو يوسف منتظرًا خروجه .
لكز صقر ذراع عمر يحثه على التحرك صوب يوسف ومساعدته وبالفعل تحرك عمر يساند منيرة من الجهة الأخرى ويردف بنبرة هادئة تحمل حزنًا تلمسته هي :
– لو دي حاجة هتريحهم هسيبك هنا بس لا طه ولا إيمان هيبقوا مرتاحين وهما شايفينك كدة ، هما دلوقتي في مكان أحسن ، وأنا متأكد إنهم في الجنة إن شاء الله ، تعالي معانا وأوعدك هجيبك ليهم تاني .
التفتت تطالعه مطولًا ، يشبه طه قليلًا ، أم كثيرًا ؟ ، لا تعلم ولكن كأنه هو .
أومأ لها يحثها على الوثوق به وفعلت وتحركت معهما نحو الخارج وكاد أن يصطحبها يوسف بسيارته ليوصلها ولكن فجأة هجم عليه ياسين ينزعه من ذراعه قائلًا بغضبٍ عاصف :
– تعالالي كدة بقى .
كاد أن يسدد له لكمة تفادها يوسف وتمسك بقبضته يطالعه بحدة ويقول من بين أسنانه :
– وصلت بيك الدرجة لكدة يا كلب ، مش محترم حتى حرمة المكان .
حاول رضا وحسن فضهما ولكن ياسين رفس والده وتحدث بجموحٍ وغلٍ واضح :
– ده لما يبقى اللي قدامي واحد محترم مش واحد *** زيك .
لم يهتم عمر سوى بمنيرة التي كادت أن تفقد وعيها لذا أسرع يحركها نحو سيارته وأجلسها بها والتفت ينظر لصقر الذي أومأ له لذا استقل سيارته وغادر .
بينما هاجت انتصار أيضًا واتجهت تقبض على يد أميرة وتنزعها من بين يدي مشيرة بشكلٍ قوي ومفاجئ قائلة بنبرة حقدٍ ترقص على أوتار الغضب :
– يالا قدامي وحسابنا بعدين .
جن جنون يوسف وهو يراها تسحبها بتلك القسوة لينفض يد ياسين ويتجه نحوها ينزع منها أميرة ويوجهها لتقف خلف ظهره بحماية ويقف هو في مواجهتهم جميعًا قائلًا بنبرة صلدة قوية :
– أميرة مراتي واللي هيقربلها مالوش عندي دية .
نظرت انتصار لابنها الذي كاد أن ينقض على يوسف لولا تدخل صقر الذي تمسك به وبنظرته ونبرته وهدوءه قال :
– بيقولك مراته واللي هيقربلها مالوش عنده دية ، واحنا في المقابر دلوقتي ، ولا إنت مستغني عن عمرك للدرجة دي ؟
هدوءه وطريقة ضغط أصابعه على عضلات ياسين كانت كفيلة لتبث الخوف داخله لذا جمع قوته ونفض نفسه من صقر ثم التفت ينظر إلى انتصار ونطق بذهول :
– اتجوزوا ؟ ، اتجوزوا امتى .
وقفت الأخرى لا تصدق أنهما فعلاها ، لا تصدق أن مشيرة قبلت بذلك ورضخت لزواجهما ، لا تصدق أنها خسرت حربها معها ، لذا التفتت تنظر نحو زوجها بكرهٍ وتحدثت كنافخ الكير :
– بيقولك اتجوزوا يا رضا ؟ ، لا عملت لك حساب ولا خاطر ولا كإننا أهلها ، هتسكت بردو .
استطاعت إشعال شرارة زوجها الذي لم يجد ردة فعل تناسب موقفه سوا النظر بحدة لابنته الخائفة ثم بصق الكلام قائلًا :
– من النهاردة مالكيش أهل ، ولا ليكي اي دعوة بينا نهائي ، واحنا هنعتبرك ميتة زيك زي أولاد عمك .
التفت ينظر نحو ابنه وتعمد عدم النظر نحو زوجته قائلًا :
– هات أمك وتعالى ورايا يالا .
مشاعر ياسين هي ذاتها مشاعر انتصار ولكنهما عاجزين عن اتخاذ ردة فعلٍ تشفي غليلهما لذا تحركا يتبعان رضا بتوعدٍ وخططٍ تدور في فلك عقليهما .
لتتنفس أميرة الصعداء بعدما غادروا ، لا تعلم أتفرح أم تحزن ، أيخبرها أنهم يتبرؤون منها ؟ ، حسنًا فماذا كانوا يفعلون في السابق ؟
التفت يوسف إليها يحتويها ويقبل رأسها بعدما انقشع غضبه مرددًا على مسامعها بنبرة بثت فيها المزيد من الطمأنينة :
– خلاص يا حبيبتي عدت على خير ، من النهاردة محدش منهم يقدر يقرب منك .
استكانت وتحركت معه وهو يسحبها نحو السيارة بينما نظرت مشيرة إلى حسن الذي أومأ لها يخبرها بنظراته أن الصعب قد مر وانتهى .
❈-❈-❈
لم يأخذها عمر إلى منزلها ، لن يتركها وحدها هذه الليلة .
لذا قاد حتى وصل إلى دار الأيتام وتوقف يلتفت لها ليجدها ساكنة وتستند برأسها على حافة السيارة .
تنهد وتحدث بنبرة لينة :
– ست منيرة ، أنا مارضتش أروحك على البيت علشان مش هبقى مطمن عليكي وانتِ لوحدك ، جبتك هنا عند واحدة هترتاحي جدًا معاها ، الست دي هي اللي ربتني وكبرتني .
رفعت رأسها والتفتت تنظر من النافذة لتقرأ اسم الدار ثم عادت تطالعه بنظرة متفحصة وتحدثت بترجٍ هامسة :
– روحني أحسن يا ابني ، بلاش أتقل على حد ، أنا محتاجة أبقى لوحدي .
ترجل متجاهلًا كلامها وأغلق بابه يلتفت لها ثم فتح بابها يحثها على النزول قائلًا بنبرة تحمل أمرًا مغلفًا بالرجاء :
– يا ست منيرة خلي الكلام ده بعد ما تقابلي أمي لبنى ، وبعدين أنا جايبك هنا علشان ماتبقيش لوحدك أصلًا ، يالا انزلي .
تنهدت بضيق ولكنها لا تمتلك مجهود الاعتراض لذا ترجلت تخطو معه نحو الداخل بثقة لا تعلم من أين اكتسبتها فيه .
❈-❈-❈
مر أسبوعًا .
انتقلت خديجة إلى غرفة عادية ، وكلما حاول خالد رؤيتها رفضت ، قضى هذه الأوقات في البحث أكثر وأكثر ، وبهجت يساعده كما وعده ، لدرجة أنه لم يعد يطلب مقابلتها بل انتظر لتطلبه هي .
من كتابٍ إلى آخر ومن تفسير إلي غيره وحينما يعجز عنه شيئًا يجد بهجت يشرحه حتى بات على يقين تام بأن هذا الدين هو الحياة وأسلوبها وطريقة معيشتها ونعيمها .
كانت فكرة ذهاب منيرة إلى دار الأيتام فكرة صائبة تمامًا ، فلم تجد ما يرطب حرقة فقدها سوى هؤلاء الأطفال وتلك السيدة الجميلة لبنى ، حتى أنها تفكر في اتخاذ قرار ربما سيغير مجرى حياتها لذا فهي ما زالت تفكر به جيدًا .
ها هي تقف في غرفة الزيارة تنتظر رؤية ما يسمى بزوجها ، أتت لتقابله بعدما تهيأت نفسيًا ومعنويًا لذلك ، أتت لتغلق كتابًا كان يحتوي على قصة استنزفتها .
استعانت بيوسف ليحدد لها الزيارة وها هي تقف على أعتاب رؤيته .
فتح الباب ودلف سمير مع الشرطي يتجه إلى الحاجز الذي يفصل بينهما ليراها ، ملامحه مسودة غابرة ولكنه حينما لمحها ابتسم ابتسامة صفراء وتحدث بنبرة غلظة :
– لسة فاكرة تيجي تزوريني يا أصيلة ؟! ، بس مالك كدة كبرتي كدة ليه ؟ ، ولا غيابي مأثر ؟
نظرت له من بين الأسلاك المعدنية بكرهٍ شديد ، ودت لو باستطاعتها اقتلاع عينيه بأظافرها ، تلك النظرات التي تبغضها .
غادر الشرطي وتركهما للخارج ووقفت تحاول تنظيم أنفاسها لتخبره بم أتت من أجله ولكن التوتر التهمها لذا ظلت تحدق به وهو يتجه ويجلس على مقعدٍ واضعًا ساقًا فوق الأخرى ويتحدث بتعالٍ :
– إيه واقفة مبلمة كدة ليه ؟ ، وجاية ليه دلوقتي بعد رميِتي هنا كل ده من غير ما حد يسأل فيا وانتِ عارفة كويس إن اللي حصل ده كان غصب عني .
– طه مات .
نطقتها لتخرسه فلم تأتِ لسماع تبريرات لن تزيدها إلا كرهًا له ، تصنم مكانه وأنزل ساقه يحدق بها ثم نهض يتجه نحوها ويتساءل بصدمة مرددًا :
– مات ؟ مات إزاي ؟
ليتها تبصق في وجهه الأغبر هذا ولكنها اكتفت ببصق الكلمات قائلة بانتصار أمٍ عاجزة عن الانتقام :
– مات ساجد وهو بيصلي الفجر معايا ، أنا بس جاية علشان أقولك كدة ، أعرفك إن خروجك من حياتنا كان أحسن حاجة حصلتلنا ، إنت كنت شيطان وربنا رحمنا منه ، ابني مات مرضي عنه وبنتي هي كمان إن شاء الله مغفورلها ، إنت اللي هتموت على عصيانك لإنك تستاهل أسوء نهاية ، نهايتك هتكون عبرة ولا أنا ولا أولادك هنسامحك لا دنيا ولا أخرة .
أطلقت زفيرها وتابعت بنبرة قاسية بعدما تملك منها الغضب والكره :
– كل الفلوس اللي كنزت عليها وكل اللي سرقته مني هوهبه في عمل خير باسم ولادي ، واوعى تفكر إنك هتطلع من هنا ، هتفضل هنا لحد ما تموت ، وأنا وعمر هنكمل اللي طه كان نفسه فيه .
عقله يدور في دوامة كادت تلتهمه للجنون ، لم يستوعب ما قالته ، لتلتفت تنوي المغادرة فهذا المكان ورؤيته يخنقانها لذا تحركت خطوة ثم توقفت وعادت تطالعه بنظرة متشفية تردف :
– نسيت أقولك مين هو عمر ، عمر ابنك ، ابن سوسن اللي ضحكت عليها زمان .
غادرت وتركته يحدق بأثرها وهواجز الماضي والحاضر والمستقبل تراوده ، أحاطت به من كل حدبٍ وصوب كأنها أشباح ليبقى جاحظًا على حافة الجنون وهو يزعق بصراخ :
– منيــــــــــــــــــــــــــرة ، فلــــــــــــــــــوســـــــــــــــي .
❈-❈-❈
في فيلا حسن يجتمعون معًا يتناقشون في زواج يوسف .
تحدث حسن مقترحًا :
– طيب إيه رأيكم لو استأذنا منيرة وعملنا حاجة ع الضيق كدة ونقول لعمر ومراته ومحمد ونارة ييجوا ؟
نظر يوسف إلى أميرة يسألها عن رأيها هزت كتفيها بقلة حيلة بينما أردفت مشيرة بثبات :
– لاء مش هينفع يا حسن ، منيرة هتوافق بس مش أصول بردو ، الأفضل أن يوسف وأميرة يحجزوا أسبوعين برا ويطلعوا شهر عسل بدل الحفلة اللي كنا هنعملها ، ولا إيه يوسف ؟
أعجب كثيرًا باقتراح والدته لذا أومأ مؤكدًا بنبرة سعيدة :
– اقتراح ممتاز يا ست الكل ، إيه رأيك يا ميرو ؟
ابتسمت بسعادة وتعلقت به بعيون لامعة تردف بحب :
– دايمًا طنط مشيرة اقتراحتها مميزة ، أنا كمان موافقة .
نظرت مشيرة بتباهٍ إلى حسن الذي ابتسم لها وتحدث يومئ بنبرة مستسلمة :
– راحت عليك يا حسن خلاص .
ابتسموا عليه واتجه يوسف يكاتفه قائلًا بنبرة بارة :
– لا طبعا يا بابا ده حضرتك الخير والبركة ، بس أنا وميرو محتاجين نغير جو بردو من اللي حصل .
أومأ حسن بالموافقة وقال مؤيدًا :
– أنا كمان عجبني اقتراح مشيرة ، بس هنكر .
ضحكت عليه زوجته وهزت رأسها بقلة حيلة بينما نظرا يوسف وأميرة لبعضيهما وابتسما بنظراتٍ ذات مغزى ، نظرات رومانسية متلهفة لجمع الأحبة .
❈-❈-❈
في مكانٍ صحراوي بعيد .
يجلس عمر في سيارته يستعد لنشر جزءًا من المعلومات التي بحوزته ، أرفق معها مقالًا كتبه عن طه وعن توبته وعن طريقة موته ، وها هو يدون الرقم السري وينشر .
جلس ينظر للحاسوب ودائرة الانتظار قاربت على الانتهاء تعلن عن نشر ما أرفقه .
تنفس بقوة مسشتعرًا الراحة وهو يبتسم ويومئ حينما وجد أن ما نشره تم رؤيته من عددٍ كبير ليسرع بعدها بإغلاق الحاسوب كما أخبره طه ويتحرك بسيارته مغادرًا المكان .
❈-❈-❈
انتهت نسرين من هندمة خصلات خديجة التي تستند على وسادتها وانتهت أيضًا من تبديل ثيابها وجلست أمامها تنظر لها بعاطفة ثم تحدثت بترقب ويدها يحتضن كفها :
– مش هتشوفيه بقى ؟ ، نفسه يشوفك يا خديجة ويطمن عليكِ ، كفاية كدة عليه يابنتي اللي حصله في الأيام اللي فاتت دي ماحصلش معاه طول عمره ، خالد اتغير بجد ودلوقتي كل قعدته مع باباكِ .
تعمقت في عينيها بملامحها المجهدة التي ظهر عليها الضعف وسبحت في أفكارها ، منذ أسبوعًا لم تره ، قريبًا منها بالقدر الذي تستطيع شم رائحته وبعيدًا عنها بالقدر الذي تفتقد دفئه .
اعتصرت عينيها وأراحت رأسها للخلف بصمتٍ لذا أدركت نسرين أنها لا تود رؤيته لتنهض وتتركها متجهة نحو الخارج كي تحضر لها وجبتها ولكن توقفت حينما نطقت ابنتها بوهن :
– نديله يا ماما .
التفتت نسرين تطالعها وتتأكد منها لتجد ابنتها ما زالت مغمضة ولكنها أدركت نظرات والدتها لذا أومأت بهدوء وأسرعت نحو الخارج لتهاتفه حيث بات يذهب إلى العمل مؤخرًا .
❈-❈-❈
استقبل الخبر بسعادة جعلته يقفز متلهفًا تاركًا كل شيءٍ خلفه واستقل سيارته واتجه إليها .
لم ينسَ هندمة نفسه والاهتمام بمظهره قبل الولوج إليها ، لتراه في أبهى صورة ربما شفعت هيأته عند قلبها العاشق له ، حتى وإن اهتدى يظل جزءًا منه يحمل عبثًا متلهفًا لعودتها .
وقف على أعتاب غرفتها يزفر مكورًا فمه ثم طرق الباب ودلف يلقي السلام وهذا أول ما سمعته منه .
كانت تجلس بمفردها تغلق عينيها وبرغم أنها وضعت خطة جيدة لاستقباله إلا أن رائحته ونبرته جعلتاها تتأرجح بين عواصف عشقه .
أبصرت تنظر له وهو يتحرك نحوها ثم جلس بالقرب منها وتعمق بها مبتسمًا بهيئة خطفت لب عقلها ، كيف ستواجهه الآن ؟
رفع يده يتحسس وجنتها ثم تحدث باشتياق أودى بقلبه أرضًا :
– وهشتيني ، وهشتيني أوي .
عينيها التي تشبه العسل الصافي كانتا تحدقان به بصمتٍ بينما قلبها يعنفها بالاستسلام وظل عقلها ثابتًا على حالته أما جسدها فهو في طريقه إلى الاستجابة ولكن عقلها ألقى حجارة الذكريات في منتصف الطريق ليقطع عليها الاستجابة والاستسلام وتبعد وجهها عن يده لذا كور قبضته وأبعد يده وتحلى بالهدوء الجديد عليه وتحدث وهو يطرق رأسه متسائلًا بترقب :
– آيزاني في إيه يا خديجة ؟
اعتدلت مجددًا تبتلع لعابها ثم صوبت أنظارها للأمام وتجاهلت جميع نداءات قلبها الصارخة وهي تقول :
– عايزة اطلق .
ربما توقعها منها ولكن برغم ذلك كان لنطقها بها مجددًا وقعًا مريرًا على قلبه ، بعد كل ما عاشاه سويًا وبعد ما مرا به تطلب مجددًا الانفصال عنه ، ليجد أن صدمتها قبل الحادثة لا تختلف عن تخبطها بعدها .
نظر لها بعمق ولم يحتد ، حتى هي تعجبت من هدوءه ، تعجبت من نظراته حينما طالعته لترى ردة فعله ، أرادت رؤية عينيه ولكنه تحدث بنبرة هادئة مستفهمًا :
– ده هيريهك ؟
خشى لسانها أن ينطق بنعم لذا تولى رأسها تلك المهمة وأسرعت توميء قبل أن تخونها أعضاؤها وتطالب بعناقه لتجده يومىء بالموافقة قائلًا وهو يحدق بها :
– تمام يا خديجة ، هطلقك .

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية هواها محرم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *