رواية ميثاق الحرب والغفران الفصل السادس 6 بقلم ندى محمود توفيق
رواية ميثاق الحرب والغفران الفصل السادس 6 بقلم ندى محمود توفيق
رواية ميثاق الحرب والغفران البارت السادس
رواية ميثاق الحرب والغفران الجزء السادس
رواية ميثاق الحرب والغفران الحلقة السادسة
توقف عمران وتحرك بخطوات ثابتة تجاهه وكان بشار يتابعهم بصمت دون أن يتحرك من مقعده ، بينما خالد فكان يرتجف رعبًا من الداخل لكنه يتصنع الثبات ويقف بشجاعة مزيفة .
وقف عمران أمامه مباشرة وطالعه بتمعن لملامح وجهه، وحين اخترقت نظراته داخل عيناه رأى الخوف السابح بهم رغم محاولاته لإخفائه فضحك بسخرية وتمتم بصوت رجولي غليظ :
_ تعچبني شجاعتك وأنت عارف أنا ممكن أعمل فيك إيه بعد ما حاولت تقتلني
هدر خالد بقوة متصنعة وصوت مهزوز يفضح زيفه ويظهر رعبه الحقيقي :
_ أنا مليش صالح يامعلم عمران .. أنا نفذت اللي اطلب مني
مازال عمران يحتفظ ببرود أعصاب غريب حيث هتف باستهزاء ونظرة مخيفة :
_ لا أنت منفذتش اللي اطلب منك زين .. والدليل إني واقف قصادك أهو مش ميت
ازدرد خالد ريقه باضطراب وسأل بترقب :
_ طب وأنت هتعمل فيا إيه دلوك يامعلم عمران
ابتسم بنظرات شيطانية وقال بنبرة قاسية لا تحمل الشفقة :
_ فكر إكده وقولي تتوقع اللي يعمل كيف اللي عملته ده هيكون عقابه إيه عندي!
استقرت نظراته على عمران حاملة كل أشكال الرعب وابتلع ريقه بصعوبة، لكن سرعان ما تبدلت ملامحه من الخوف للحيرة حين رأى الابتسامة المريبة تشق طريقها لثغر عمران وبعيناه نظرة غامضة حاول فهمها لكنه فشل، فسمعه يكمل بلهجة تحذيرية لا تحمل المزح :
_ بس لو قولتلي مين اللي وزك سعتها الكلام هيختلف
طالت نظرات خالد المترددة له، هو بين شقين إما أن يفصح له بالفاعل الحقيقي أو ينال عقابه العسير منه .. لعن نفسه بتلك اللحظة الف مرة أنه توغل بين عائلتين لا تعرف الرحمة والشفقة طريق لقلوبهم ، وبكلتا الحالتين لن يسلم منهم سواء اخبره أو لا .
اظلمت نظرات عمران وأصبح صوته مرعب حين صاح به :
_ هتقعد تفكر كتير إكده ولا إيه .. انطق وقول مين اللي وزك
اخذ نفس عميق قبل أن ينقل نظره بين بشار المترقب بنظراته لسماع اسم الشخص الذي حاول قتل ابن عمه، وبين عمران الذي كان يرمقه بنظرة تدب الرعب في القلوب ولم يكن فضولي كحال ابن عمه مطلقًا بل بدا كأنه يعرف الفاعل ولكنه ينتظر إجابة التأكيد، لكن خالد متيقن أن الاسم الذي سيسمعونه سيصيبهم بالذهول وسيفوق توقعاتهم بالكامل ! .
خرج صوت خالد بنظرات مترقبة لردة فعلهم :
_ آسيا
ارتخت عضلات وجه عمران وظهر الذهول عليها بينما بشار فهب واقفًا وقال بعدم استيعاب :
_ آسيا مين ؟!!
دار بنظره بين وجوههم المصدومة وقال :
_ بت خليل صفوان
نظر بشار بذهول لعمران الذي كان ساكنًا تمامًا لا يبدي أي ردة فعل .. ثم اندفع نحو خالد وجذبه من تلابيب قميصه يصيح به :
_ تعرف لو طلع حديتك ده كدب هتبقى چنيت على روحك
دفع خالد يد بشار عن ملابسه وقال بخنق في صدق :
_ أنا بقول الحقيقة الست آسيا هي اللي طلبت مني اقتل المعلم عمران وكمان هي اللي ورا حوار السمك اللي حُصل في المخزن إهنه
تبادل بشار نظراته المندهشة بينهم ليلاحظ الهدوء المزيف الذي يعتلي وجه عمران على الرغم من الأعصار المدمرة بداخله، ذلك الجمود مريب ولا يدل على الخير ابدًا .
اندفع عمران نحو باب المخزن فلحق به بشار وامسك بذراعه يوقفه هاتفًا بحدة :
_ رايح وين .. اهدى ومتعملش حاجة تندم عليها .. دي برضك واحدة ست
سحب عمران ذراعه بقوة بسيطة وقال بوجه محتقن بالدماء :
_ رايح اخلص حاجة مهمة وبعد إكده هبقى أشوف أعمل إيه .. اطمن دي زي ما قولت حُرمة برضك بس أنا عارف هتصرف معاها كيف
تنهد بشار وقال بجدية مشيرًا بعيناه على خالد :
_ وده هنعملوا معاه إيه ؟!
عمران بعين نارية :
_ ريبه زين الأول وبعد إكده سيبه يغور
القى عباراته واندفع للخارج يترك بشار يتابعه بنظراته في قلق وضيق .. مازل عقله لا يستوعب أن تلك الفتاة فعلت كل هذا .
***
كان جلال يقود خطواته تجاه غرفته بعد عودته من عمله لكن توقف حين مر من أمام غرفة أولاده فقرر أن يلقي نظرة ويطمئن عليهم، غير وجهته نحو غرفة طفليه وحين فتح الباب وجد ابنه الصغير عمار يجلس على الأرض وبيده جهاز تحكم الخاص بألعاب ( البلايستيشن ) .. يلعب أحد العاب كرة القدم باستمتاع وبشغف، تابعه من الخلف وهو يبتسم حتى قال باسمًا :
_ أخوك وين ياعمار ؟!
التفت الصغير تجاه أبيه وهز كتفيه بجهل هاتفًا :
_ معرِفش هو نزل تحت باينله قاعد مع چدي حمزة
تنهد جلال وقال بحزم بسيط :
_ خلص الدور ده وبزيداك قوم ذاكر وخلص الواجب اللي وراك
استقام واقفًا وهرول نحو أبيه يقول بحماس طفولي :
_ خلصته حليته أنا وأمي الصبح بدري
ملس على شعر ابنه بحنو وانحنى عليه يلثم رأسه هامسًا بغمزة جميلة :
_ چدع خليك إكده علطول .. ذاكر زين عشان كل ما تچيب درچات عالية في الامتحانات هچيبلك كل اللي تعوزه
لمعت عين الصغير بسعادة وحماس ليهتف :
_ صُح يابوي ؟
ابتسم جلال وعاد يقبَّل شعر ابنه مجددًا هاتفًا بتأكيد :
_ صُح الصُح ياحبيب أبوك هو أنا عندي إيه اغلى منك أنت وأخوك
عانق الصغير والده هاتفًا بحب وفرحة :
_ ربنا يخليك لينا يابوي
قبل أن يجيب على ابنه صك سمعه صوت صرخة منبعثة من غرفته المجاورة لغرفة أطفاله .. فاندفع بسرعة مفزوعًا وعمار يلحق به بفضول طفولي وخوف بعدما أدرك أن الصرخة كانت لأمه .
فتح جلال الباب فوجد فريال جالسة على الأرض ممسكة بقدمها وتتألم بقوة وبجوارها المقعد الخشبي ساقط على الأرض ففهم أنها سقطت من فوقه .. اسرع نحوها وانحنى عليها هاتفًا بقلق :
_ إيه اللي حُصل ؟!
قالت متألمة بعنف :
_ كنت برتب الدولاب ووقعت ياچلال .. آااااه
أصدرت ذلك التأوه وهي ممسكة بقدمها .. فمد هو يده وحاول مسك قدمها رغم رفضها وخوفها من أن يزداد الألم لكنه هدأ من روعها بأنه لن يؤلمها وحين تفحصها بنظره التفت نحو ابنه وقال بجدية :
_ انزل لستك ياعمار وقولها أبوي بيقولك هاتي المرهم بتاع الالتواءات
أماء الصغير رأسه بالموافقة وهرول للخارج يقصد جدته كما قال أبيه ليخبرها بما يحتاجه لقدم أمه .
انتصب جلال واقفًا وانحنى بجزعة للأمام ثم حمل زوجته بين ذراعيه واتجه بها نحو الفراش يضعها برفق فوقه وسط تألمها، وحين نظر لعينيها رأى العبرات متجمعة بهم فملس على وجنتها بحنو هامسًا :
_ لما يجيب المرهم واحطلك منه الوچع هيخف شوي
ابتسمت له بدفء وتمعنته مطولًا .. رغم جدالاتهم المستمرة وعلاقتهم المتوترة إلا أنه لا يقصر في إظهار حبه وحنانه عليها .. فبقت تطالعه بغرام حتى وصل ابنها بالمرهم وأخذه أبيه منه وبدأ بوضعه بلطف شديد فوق طبقة جلد قدمها، والتف الصغير من الجهة الأخرى للفراش ليجلس بجانب أمه ويملس على شعرها بحنان مثل أبيه فضحكت وابتسمت له ثم ضمته لصدرها تلثم شعره ووجنتيه بحنو أمومي .
انتهى جلال واغلق انبوية المرهم ووضعها بالعلبة الخاصة بها ثم مدها لابنه هاتفًا :
_ رچعها لستك خد ياعمار
التقطها الصغير من يد أبيه وذهب لجدته مجددًا حتى يعيد لها المرهم .. بينما فريال فنظرت لجلال الذي كان سيهم بالنهوض حتى يذهب ويغسل يديه وقبضت على ذراعه توقفه بنظرة ساحرة من عيناها .. ثم اعتدلت بجلستها برفق واقتربت منه لتطبع بشفتيها الناعمة قبلة كشفتيها تمامًا فوق وجنته هامسة برقة أنثوية :
_ ربنا يخليك ليا ياحبيبي
انهارت حصونه وارتفعت بسمته لشفتيه، ليرمقها بعشق وشوق ثم يدنو منها لاثمًا جانب ثغرها هامسًا ببحة رجولية تذهب العقل :
_ ويخليكي ليا ويهديكي يافريالي
هتفت بدلال مبتسمة :
_ إيه يهديني دي شايفاني مجنونة قصادك ولا إيه !
ضحك وأجابها :
_ هي الهداية للمچانين بس يعني ! .. ربنا يهدينا جميعًا مش أنتي وحدك
قهقهت بأنثوية طاغية وارتمت عليه تعانقه وتلثم صدغه برقة في سعادة غامرة أن علاقتهم تحسنت من جديد .. رغم أنها مازالت خائفة أن تكون شكوكها بمحلها لكنها قررت ترك كل شيء خلف ظهرها وتصديقه هو حتى لا تدمر زواجهم وعشقهم .. وهو لا يختلف عنها كثيرًا رغم ضيقه وغضبه منها إلا أنه لا يستطيع الصمود أمامها والابتعاد عنها .
***
بتمام الساعة السابعة مساءًا خرجت آسيا من المنزل تقود خطواتها تجاه الصيدلية ولم تنتبه للخطوات التي كانت تلحق بها وتتعقبها بذكاء .. لكنها لسبب ما لا تعرفه شعرت بشيء غريب فتوقفت والتفتت برأسها للخلف تتفحص المارة من حولها وحين لم تجد شيء مثير للاهتمام أو القلق أكملت طريقها .
خرجت خلود من خلف أحد الجدران التي اختبأت خلفهم وهي تزفر براحة، للحظة كانت ستمسك بها وجميع مخططاتها تذهب هباءًا لكنها لحسن الحظ انقذت الأمر بذكاء ولم تفسده، أكملت طريقها خلفها بحرص أكثر فقد كانت تظن أنها ذاهبة لمقابلة ذلك الشاب مجددًا ولذلك خرجت لتعقبها ولا تعرف أنها فقط في طريقها للصيدلية ! .
انتهت من شراء ما تريده من الصيدلية واستدارت تقود خطواتها للخارج وعيناها عالقة داخل حقيبة يدها تبحث عن هاتفها، وبينما هي منشغلة بالبحث في حقيبتها رفعت رأسها بعفوية تنظر للطريق فور خروجها من الصيدلية فإذا بها تجد عمران أمامها بقامته العريضة والقوية .. انتفضت بهلع وارتدت للخلف هاتفة :
_ بسم الله الرحمن الرحيم
كانت نظراته لها مرعبة تمامًا كجسد بلا روح عاد لينتقم وخرج فحيح صوته يحمل السخرية :
_ متخافيش ده مش عفريتي لساتني عايش ومموتش
رغم اضطرابها البسيط من نظراته إلا أنها لم تكترث وأجابت باسمة بثقة وغل :
_ عارفة أنك لساتك عايش .. بس كلنا مسيرنا يچيلنا يوم ونموت صُح ولا إيه !!
ضغط عمران على قبضة يده بقوة محاولًا تمالك أعصابه ثم هتف بنبرة منذرة ولهجة آمرة لا تقبل النقاش :
_ تعالى ورايا
ضحكت بسخرية ورمقته بقرف قبل أن تهم بالرحيل وكأنها لم تسمع شيء لكن صوته الذي لا يحمل المزاح أوقفها :
_ تعالى ورايا بالذوق يابت خليل، ده لمصلحتك لو مش عاوزة يكون موتك أنتي اللي قريب
انهى عبارته واستدار يسير مبتعدًا عنها، ظلت هي واقفة مكانها تتابعه بنظرها في غيظ شديد وبالأخير اضطرت لإتباع طلبه أو بالأدق أوامره، وقبل أن تسير خلفه تتبعه تلفتت حولها تتأكد من عدم وجود أحد يتابعهم بنظراته .
على الجانب الآخر شهقت خلود بذهول وهي تقول بعدم تصديق :
_ وه ده عمران .. بتعملي إيه معاه يابت چليلة وقعتي ومحدش سمى عليكي
ثم اسرعت تلاحقهم بحذر دون أن يلاحظها أحد، ترى عمران يسير بخطوات واسعة وآسيا تسير خلفه بكل عنجهية وثبات .. وهي تلاحقهم بابتسامة شيطانية تلوح فوق ثغرها وعيناها تلمع بالحقد والترقب .
***
توقف عمران بأحد الشوارع الجانبية الخالية من المارة حتى يتمكن من الحديث معها على راحة دون أن يراهم أحد .. بينما هي فكانت تسير خلفه ببرود استفزه أكثر ولولا أنها فتاة لكان مكانها الآن بجانب ذلك المتسكع خالد وتولى هو بنفسه مهمة تلقينها الدرس الذي تستحقه، وقفت أمامه بجبروت يليق بها ثم قالت بهدوء تام يحمل الاستهزاء:
_ حمدلله على السلامة المرة الچاية ابقى خد بالك زين، محدش عارف الضربة ممكن تچيلك من وين
لم يجيبها واكتفى بنظراته القاتلة، كان وجهه كجمرة نيران ملتهبة ويتمالك زمام انفعالاته بصعوبة أمام تلك الساحرة التي ابتسمت وتابعت بكل جرأة :
_ كنت عارفة أنه مش هياخد في يدك غلوة ويقر ويقولك إني أنا اللي عملت إكده .. هو حتى معرِفش يعمل اللي طلبته منه زين وأديك واقف قصادي مفكش حاچة
تقدم منها بخطوة وهتف بعين نارية تحمل الوعيد لها :
_ تعرفي لولا إنك حُرمة كان زماني دلوك حابسك معاه في المحزن وطبعًا مش محتاج أقولك هو بيحصل فيه إيه دلوك .. وأنتي كان هيكون ليكي استثناء عشان أنا بنفسي اللي هربيكي من أول وجديد، لأنك كيف ما قولت ناقصة تربية وعاوزة تتربي من أول وجديد
استشاطت غيظًا ورفعت سبابتها بوجهه تصيح به منفعلة :
_ أتكلم زين وباحترام معايا .. اوعاك تفتكر أني هسكتلك وهخاف منك
اظهر عن أنيابه الشرسة وبحركة مباغتة منه قبض على يدها التي ترفعها بوجهه وانزلها بعنف لدرجة أنها تألمت بشدة وقال بعين حمراء مخيفة :
_ من إهنه ورايح هتخافي مني .. أنا هعتبر اللي عملتيه غباء وبسبب حرقتك على أبوكي ومش هچيب سيرة لحد وعندي استعداد انساه كمان.. بس اقسم برب العزة لو فكرتي تلعبي بالنار معايا تاني يا آسيا هحرقك بيها ومن غير ما يرفلي چفن .. لو أنا عامل حاسب أنك حُرمة دلوك وهادي بعد إكده مش هعمل حساب لحاچة وانصحك متختبرنيش عشان هتندمي قوي .. وهقولهالك للمرة الأخيرة خليكي برا مشاكل الرچالة واحذري مني
توترت قليلًا منه ونظراتها التي كانت كلها شراسة وقوة لانت قليلًا بعدما شعرت بصدق تهديداته لها بالعقاب العسير أن حاولت العبث معه مجددًا، ولكن هيهات أن تستسلم وتظهر ضعفها أمامه حيث هتفت بوعيد امتزج بحرقة قلبها :
_ حق أبويا مش هنسيبه وأنت وأبوك مش هتفلتوا من العقاب .. كيف ما حرقتوا قلبنا على أبونا وصفيتوا دمه في نص الشارع وقصاد الخلق كلها وقصاد عينينا هيتحرق قلبكم كمان وخليك فاكر كلامي ده زين ياعمران هياچي يوم وتشربوا من نفس الكاس
عمران بصوت رزين لكنه مازال محتفظ بصرامته :
_ أنا فاهم وچعك على أبوكي وعشان إكده هعدي اللي عملتيه معايا وهعتبر نفسي نسيته .. بس انصحك متخلناش نقف الوقفة دي تاني قصاد بعض يا آسيا عشان صدقيني المرة الچاية مش هتعجبك واصل
انهى عبارته واندفع بعيدًا عنها يتركها متسمرة بأرضها تحاول الوقوف صامدة لكن دموعها خانتها وانهمرت فوق وجنتيها بحرقة وألم.. لوهلة انتابها شعور بالندم على فعلتها البشعة ومحاولتها لقتله .
رغم قوة شخصيتها وجبروتها إلا أنها كانت تشفق على الحيوانات وترأف بهم، لكنهم جعلوها تشبههم ودفعوها لآخر شيء كانت تتوقع أنها ستفعله وهي أذيه انسان، فقط من حزنها وألمها على أبيها فعلتها ! .
***
وصلت خلود للمنزل قبل آسيا واسرعت للطابق الثاني حيث غرفة أمها وابتسامة وجهها تشق طريقها حتى أذنها .. اقتحمت الباب ودخلت فوجدت أمها تقوم بتسريح شعرها وحين رآتها رمقتها بتعجب وقالت :
_ في إيه يابت مالك ؟!
هرولت وجلست بجوار أمها تقول بحماس :
_مش هتصدقي ياما اللي شفته دلوك !
هتفت إنصاف بحيرة وفضول حقيقي :
_ شوفتي إيه اخلصي قولي علطول
خلود بنظرات شيطانية :
_ آسيا كانت برا البيت ومع عمران طلعت تقابله
اتسعت عيني انصاف بصدمة وصاحت :
_ إيــــه .. احكيلي يابت كل حاجة إيه اللي حُصل
راحت تسرد لأمها كل شيء رأته وكيف كانوا يتحدثون بحميمية وهم مقتربين من بعضهم أثناء حديثهم الذي حاولت سماعه لكنها لم تتمكن .. وكيف أن عمران تركها بالأخير ورحل قبلها ثم هي بعده حتى لا يثيروا الشبهة حولهم إذا رآهم أحد ! .
هتفت أنصاف بعدم استيعاب :
_ يامري بت چليلة دي طلعت فاجرة صُح الصُح عاد .. طالعة تقابل الراچل في عز الليالي وفي الشوارع العتمة !!
ضحكت خلود ساخرة وقالت :
_ عاملة قصادنا الشريفة العفيفة .. ومفلحاش غير في مش هسيب حق أبويا وهي اتاريها دايرة على حل شعرها مع واد اللي قتل أبوها وماشية معاه، ياعالم حُصل إيه اكتر من إكده بينهم
ابتسمت أمها باستهزاء وتشفي بينما خلود فبادلت أمها الابتسامة وقالت متوعدة :
_ أما أخدت حقي منها هي وأمها الحرباية دي مبقاش بت منصور صفوان .. اصبري ياما واتفرچي على اللي هعمله
إنصاف بقلق بسيط :
_ هتعملي إيه ياموكوسة ملكيش صالح احسن تچيبي المشاكل لنفسك
لمعت عيني خلود بنظرة كلها حقد وتشفي :
_ المشاكل مش هتطول غير بت چليلة بعد إكده في البيت ده
***
كانت عيناه عالقة على الفراغ أمامه من النافذة وهو جالس فوق الأريكة الخشبية المتوسطة اسفل النافذة، ذلك المشهد الذى رآه بصباح الأمس مازل عالق بذهنه، مهما حاول نزعه وطرده يفشل، للوهلة الأولى بحياته ينجذب لفتاة ويهواها حتى أنه اتخذ قرار حاسم حول التقدم لخطبتها ولم يعرقله سوى ظروف سنه ودراسته، ربما لهذا السبب يتخبط الآن في زوايا الغرفة من حزنه، تعلق بها وأرادها له لكن القدر لم يكتبها من نصيبه، ليته علم بخطبتها بطريقة أخرى ولم يراها معه بعينيه ! .
صعد عمران الدرج للطابق الثالث قاصدًا غرفة الصالون المفضلة لديه، حتى ينزع عن عقله ضغوطه ويرتاح قليلًا بعد يوم حافل بالأحداث المثيرة للأعصاب وانتهائه أخيرًا بلقائه معها، يقسم أنه كظم جموحه عنها بصعوبة ولو ترك العنان لروحه المتوحشة لكانت الآن ضمن الأموات، هو حتى لا يعرف كيف لم يطلق سراح عاصفته المدمرة وانتهى ذلك الحوار العقيم بكل سلام هكذا .. تلك الفتاة إما معتوهة أو ساذجة وتعبث بلحظات عمرها دون وعي ظنًا منها أنها قوية ومتجبرة، تهدده ولا تدري عن قهر الرجال شيء .
فتح الباب ودخل فإذا به يفاجئ بأخيه الصغير ساكنًا كالروح فوق الأريكة يتطلع من النافذة بشرود، غضن حاجبيه باستغراب وتقدم نحوه هامسًا :
_ بلال !!
التفت له وطالعه بنظرة غامضة سابحة في الأسى والعجز، فجلس عمران بجواره ورمقه بحيرة متابعًا :
_ إيه اللي چرا ؟
تنفس العصداء مطولًا ثم أجاب على أخيه بيأس :
_ اتخطبت
حلقت الأسئلة في عدم فهم داخل عقله ليسأله :
_ هي مين دي ؟!
خرج صوت بلال خافتًا وبعين منطفئة أوضح لأخيه مقصده :
_ اللي حكيتلك عنها وقولتلك أني بحبها وعاوز اخطبها
سكون تام استحوذ على الأجواء وسط نظرات عمران الثابتة له، يتابع بعيناه تخبط روحه المخذولة والبائسة كطفل صغير سرقوا لعبته المفضلة.. خرج صوت عمران المترقب :
_عرفت كيف؟
أجاب بمضض رافضًا حتى الحديث عن ذلك المشهد وتذكره :
_ شوفتها مع خطيبها امبارح
تنهيدة عميقة مع زفير حار خرج من بين شفتي عمران الذي رتب على كتف أخيه بحنو وتمتم في جدية ورزانة :
_ أنا إيه قولتلك يابلال .. قولتلك لو ليك مش هتكون لغيرك بس هي مش نصيبك، أنت عچبتك واتعلقت بيها بس خلاص هي دلوك مع راچل تاني وكلها كام شهر ولا حاچة وتتچوزه.. يعني معدش ينفع تفضل شايلها في قلبك، انساها وكمل حياتك وصدقني هتلاقي الأحسن منها كمان .. لساتك صغير والعمر طويل قصادك
ظهر العبوس واليأس على محياه ليهتف في أسى :
_ انساها كيف !!
ابتسم عمران وهتف بثقة :
_ هتنسى، كلنا نسينا كيفك
ضيق بلال نظراته بدهشة من رد أخيه المريب فابتسم بلؤم وقرر الخروج من حالة حزنه لبعض الوقت واضفاء الأجواء المرحة على جلستهم الكئيبة حيث قال غامزًا :
_ كلنا كيف يعني !! .. إيه يامعلم عمران أنت ليك تچارب سابقة واحنا مندراش ولا إيه ؟!
قهقه بصوته الرجولي الجذاب ثم هتف :
_ كتير قوي كمان حتى مش فاكرهم
ضحك بلال وقال مندهشًا بخبث :
_ وه وه ده أنت طلعت مش سهل يامعلم
بادله عمران الضحك ورتب على كتفه متمتمًا بجدية وحكمة :
_ سيبك مني وركز على نفسك وأعمل كيف ما قولتلك
تنهد بلال مطولًا وقال بعدم حيلة :
_ هحاول ياعمران هحاول
ثم تابع وهو يهب واقفًا ويربت على كتف أخيه مبتسمًا :
_ أنا هروح أنام .. تصبح على خير ياخوي
هدر عمران بهدوء :
_ وأنت من أهله
تابعه بعيناه وهو يغادر الغرفة ليتركه بمفرده حبيسًا لأفكاره وضغوطه مجددًا، لا يتمكن من إسكات عقله الذي يصرخ بأنهم على حق وأبيه هو قاتل خليل صفوان، كلما يحاول نزع تلك الشكوك من رأسه تزداد صلابة وترسيخًا، وحين ينتقل لجزء محاولة آسيا لقتله لا يستوعب من أين جاءت بالجرأة لفعلها .. رغم أنه يعرفها جيدًا منذ طفولتهم لكنها لم تكن مؤذية بهذا الشكل أبدًا …
دقائق معدودة واقتحم بشار الغرفة ودخل ثم اغلق الباب خلفه جيدًا واندفع نحوه يسأله بقلق وفضول :
_ عملت إيه .. اوعاك تقولي عملت فيها حاچة !
عمران بخنق :
_ هعملها إيه يعني .. هقتلها يابشار مثلًا .. دي بت فاچرة وناقصة تربية
تنهد بشار ببعض الراحة وقال مستفهمًا باستغراب :
_ ومقولتش لچلال ليه عشان يربي اخته زين من أول وجديد
عمران بحدة وغضب :
_ أقوله كيف أنت عاوز تقوم حرب تاني يابشار.. لو أبوك وعمك وناسها عرفوا هتقع رقاب بسببها والتار بدل ما يبقى واحد هيبقى اتنين
_ طب امال أنت هتعمل إيه دلوك ؟
عمران بنبرة رجولية غليظة وحازمة :
_ ولا حاچة مش هنچيب سيرة لحد .. وأنا كلمتها بالطريقة اللي تنفع معاها وحذرتها أنها لو فكرت تلعب بالنار معايا تاني مش هرحمها عشان يبقى عداني العيب .. أنا مقدرتش أعملها حاچة النهاردة عشان بس هي حُرمة بس بعد إكده مش هيهمني
حك بشار ذقنه بغيظ وقال محاولًا تمالك أعصابه :
_ أنا مش مصدق أنها تعمل إكده .. ودمي محروق واللي حارقني اكتر اننا مقدرينش نعملها حاچة
هتف عمران بنفاذ صبر وغضب :
_ خلاص قفل على السيرة دي يابشار ومتچيبش سيرة لحد كيف ما قولتلك، احنا مش ناقصين مشاكل كفاية اللي احنا فيها .. أنا هطلع أنام تعبت ومن كتر العصبية الچرح شد عليا
لم يجيب والتزم بشار الصمت يتابع ابن عمه بنظراته وهو يسير خارج الغرفة وبعد دقائق قصيرة لحق هو أيضًا به متجهًا إلى غرفته ….
***
بصباح اليوم التالي داخل منزل خليل صفوان تحديدًا بالمطبخ حيث تجلس كل من جليلة وآسيا يتبادلون أطراف الحديث الذي أخذ منحنى تبغاه جليلة كثيرًا لكنه على العكس تمامًا يثير غضب الأخرى .
جليلة بابتسامة لعوب وماكرة :
_ لكن إيه رأيك في البت منيرة يا آسيا بت أخلاق وقمر وهي اكتر واحدة مناسبة لأخوكي
تأففت بغيظ مستغفرة ربها ثم قال بحدة :
_ لا حول ولا قوة إلا بالله .. ياما أخوي متچوز لو لساتك فاكرة يعني !!
جليلة بعدم مبالاة وبقسوة تليق بامرأة مثلها :
_ فاكرة .. بس على يدك كيف ما أنتي شايفة بت إبراهيم ساحرة لولدي ومراضيش يطلقها واصل .. يبقى مفيش قصادي غير إني اچوزه تاني
آسيا مغلوبة على أمرها بانزعاج :
_ ياما چلال معاوزش يتچوز ولا يطلق مرته خلاص هتعملي إيه ملكيش صالح بيه عاد
اشتعلت نظرات جليلة بعد كلمات ابنتها وهي تتخيل أنها ستترك ابنها فريسة لفريال حيث صاحت بعصبية :
_ كيف مليش صالح يعني امال اسيب ولدي لبت قتالين القُتلة دول اللي قتلوا چوزي .. بعدين أنتي چرالك إيه مش كنتي عاوزة أخوكي يطلقها كيف ما أنا عاوزة
تنفست الصعداء مطولًا وقالت بلهجة مشفقة لأول مرة :
_ عاوزة بس هو رافض هنعمله إيه يعني هنخليه يطلقها غصب .. وبيني وبينك ياما صعبان عليا العيال هما ملهمش ذنب في حاجة
جليلة بصلابة وقلب متحجر :
_ ويصعبوا عليكي ليه ! .. عيال ولدي هيفضلوا في بيت أبوهم وهيتربوا في عزه وأمهم تروح عند ناسها القتالين تعيش وسطهم
استقامت آسيا وهي تزفر بخنق هاتفة وهي تقود خطواتها لخارج المطبخ :
_ اعملي اللي تعمليه ياما أنا مليش صالح
اصطدمت بفريال وهي مغادرة المطبخ فرمقتها بجمود وأكملت طريقها، بينما فريال فلم تكترث لها فتلك النظرات طبيعية منها.. لكن وجود جليلة بالمطبخ جعلها تفكر بالخروج مجددًا ! .
تحركت للداخل والتقطت الأبريق وملأته بالمياه ثم اشعلت النيران فوق البوتاجاز ووضعته فوق العين المشتعلة، وراحت تلتقط الكأس الفارغ لكي تضع به السكر والشاي لكن اوقفها صوت جليلة وهي تهتف يقسوة :
_ هتفضلي قابضة على ولدي كيف الچرادة لغاية ميتا يابت إبراهيم !
اتسعت عيني فريال بصدمة من كلمات حماتها وتشبيهها لها بالجرادة .. لو تدري مدى بشاعة ما لفظت به وأثره بنفسها للعنت نفسها الآن .. هل حبها لزوجها ورفضها الانفصال رغم كل ما يمرون به من ظروف عاتية أصبح وصمة عار، تلألأت الدموع بعيناها بحرقة لكنها شدت على محابسهم واستدارت لحماتها تهتف ببسمة متألمة :
_ ولدك چوزي وأبو عيالي ياحچة چليلة .. أنا مش واحدة من الشارع وچايبني أعيش في البيت معاكم إهنه !
ابتسمت جليلة ساخرة واستقامت واقفة تهتف باستياء :
_ مستنية إيه لما ناسك القتالين يقتلوا ولدي كمان كيف ما قتلوا چوزي .. أخوكي كان واقف قصاد بيتنا وبيهدد ولدي ولولا ستر ربنا كانوا قتلوا بعض .. والغريب إنك لساتك قاعدة ومش عاوزة تسيبي ولدي
انعقد لسانها ليس خوفًا ولكن ألمًا من الإهانة التي تتلقاها بعدم شفقة على لسان والدة زوجها وجدة أبنائها ! .. لقد فاض كيلها ولم تعد تتحمل نظرات الاستحقار من أمه وشقيقته، وكأنها المذنبة وهي من قتلت والدهم، لقد أصبح عشها الدافيء جحيم بسببهم وأصبحت تراه ينهار أمام عينيها دون أن تقوى على إنقاذه .. فقدت قواها وقدرتها على المجادلة والكفاح حتى في وسط الرياح القاسية التي تعصف بعشقها وعشها للهاوية، فبكت .. بكت قهرًا وضعف وكأنها لا تملك خيار سوى البكاء أمام القسوة التي تتعرض لها .
تركت الكوب من يدها واندفعت للخارج تقصد غرفتها مسرعة محاولة إخفاء دموعها عن كل ما تقابله أمامها بالمنزل …
***
كان جلال يقود سيارته وهو بطريق عودته للمنزل وكلمات ذلك الشاب صديق خالد تتردد بإذنه وهو يخبره أنه شقيقته هي المتسببة في كل هذا .. داخله بركان مرعب وينتظر وصوله لكي ينفجر بها .. عيناه لا ترى شيء أمامها وبالكاد يستطيع التركيز على الطريق من فرط جموحه، وفور وصوله للمنزل نزل وقاد خطواته شبه ركضًا للداخل يصعد الدرج للطابق الثاني قاصدًا غرفتها.. حتى أنه لم يطرق الباب كعادته بل فتح الباب على مصراعيه ودخل فوجدها تقف أمام المرآة تقوم بتسريح شعرها وحين رأت اقتحامه للغرفة بهذه الشكل انتفضت بفزع وخوف بسيط، ثم وجدته يغلق الباب ويندفع نحوها كالثور الهائج جاذبًا إياها من خصلات شعرها صارخًا بها :
_ أنا مش منبه عليكي ملكيش صالح بحاچة واصل تخص تار أبوكي .. ولا أنتي خلاص معدش ليكي كبير ولا رچالة تشكمك
للوهلة الأولى تشهد أخيها بهذه الحالة المرعبة فتأوهت بألم حقيقي وصاحت :
_ آااااه سيب شعري ياچلال
كانت ردة فعله التالية صفعة عنيفة منه اسقطتها فوق الفراش وهو يصرخ بها بصوت جهوري ومرعب :
_ رايحة تتفقي مع العيال الـ**** وبتخططي لقتل عمران .. إيه عاوزة تچبيلنا العار.. اللي هيعرف باللي عملتيه هيقول مفيش رچالة في عيلتها ولو ناس الصاوي عرفوا الدم هيسيل من تاني بسببك يافاچرة
غامت عيناها بالعبارات في حرقة وصاحت محاولة الدفاع عن نفسها أمام بطش أخيها القاسي :
_ أنا قلبي محروق على أبويا وعايزة أخد حقه مغلطتش في حاچة
هاجت عواصفه أكثر وثار عليها يقبض على ذراعها بعنف لدرجة أنها صرخت من الألم صائحًا بصوته الرجولي المخيف :
_ جاك كسر حُقك .. كمان بتقولي مش غلطانة أصل العيب مش عليكي العيب على أبويا الله يرحمه وعلينا كلنا اللي چلعناكي لغاية ما فچرتي ومعدش حد قادر يلمك
بكت بين براثن أخيها دون أن تجيبه فقط تبكي بعنف وصوت مرتفع.. أتت جليلة على صوت صياح ابنها المرتفع وحين ووجدته منقض على شقيقته بذلك الشكل صرخت وهرولت تبعده عنها صائحة به :
_ يامري چرالك إيه ياچلال .. إيه اللي بتعمله في أختك ده !
لم يكترث لأمه بل ثبت نظره على شقيقته وصرخ بها بنبرة نفضتها بأرضها :
_ حد عرف بالموضوع ده ولا لا !
لم ترد واحتمت بأمها تبكي بصمت فباغتها بصرخته الأشد :
_ انطقي
اكتفت بهز رأسها بالنفي .. حتى أنها خشت أن تخبره أن عمران يعلم .. لأول مرة تخشى أخيها هكذا .. خافت من جموحه وانقضاضه المرعب عليها ولم تقوي حتى على الرد عليه والهجوم كما اعتادت وامتازت بقوة شخصيتها .
حين حصل على الإجابة منها بالنفي هتف محذرًا إياها :
_ حسك عينك حد يدرى باللي عملتيه ده وإلا قسمًا بالله اقطم رقبتك سامعة ولا لا
اماءت له بالموافقة دون أن تتطلع إليه حتى ثم سمعته يهتف محدثًا أمها بلهجة آمرة لا تقبل النقاش :
_ رچلها متعتبش برا عتبة الأوضة ياما مش البيت بس.. عقاب ليها عشان تتربى زين، أنا هربيها من أول وچديد بتك دي
انهى عبارته واندفع لخارج الغرفة بأكملها، بينما جليلة فكانت مندهشة من هيئة ابنها وتحوله المرعب .. هو كان لا يستطيع حتى رفع نبرة صوته على شقيقته من فرط حبه وحنانه عليها، وماتراه الآن يثبت لها أن ابنتها ارتكبت كارثة ! .
***
كان جلال بطريق مغادرته للمنزل من جديد لكن أوقفه صوت جده الذي صاح مناديًا عليه من داخل غرفة الصالون الكبيرة.. فأخذ نفسًا عميقًا محاولًا تمالك انفعالاته والظهور بطبيعية وكل هدوء أمامه، ثم تحرك نحو غرفة الصالون ودخل ليقترب من جده ويجلس على الأريكة بجواره هاتفًا :
_ نعم ياچدي ؟
هتف حمزة بحدة وانزعاج :
_ صوتك عالي وبتزعق مع اختك ليه ؟!
جلال بعصبية مكتومة :
_ ولا حاچة ياچدي أنت عارف آسيا وعِندها .. شديت معاها في حاچة
هز حمزة رأسه بتفهم ولم يهتم كثيرًا فليس السبب الذي استدعاه بسببه هو شجاره مع أخته حيث سأله جدية :
_ طيب أنا عايز اسألك عن حاچة مهمة
جلال باستغراب وفضول :
_ اتفضل ياچدي
بتلك اللحظات كانت فريال بطريقها لغرفة الصالون وهي تحمل فوق يديها كوب الشاي الخاص بالجد حمزة لكنها سمعت حديثهم الذي آثار فضولها ووقفت تسمعه بتركيز …
حمزة بنظرة ثاقبة وقوة :
_ أنت ورا اللي حُصل في مخزن السمك بتاع ناس الصاوي وحاولت تقتل عمران صُح ولا لا ؟
انصدم من سؤال جده وانعقد لسانه ولم يعرف بماذا يجيبه فوجده يكمل بحنو وصلابة :
_ قول ياولدي أطمن أنا في ضهرك إكده أو إكده .. أنا بس عاوز أتاكد إذا كنت أنت ولا لا عشان ابقى عارف لو حصلت أي حاجة واقف في ضهرك
أخذ جلال نفسًا عميقًا وأخرجه زفيرًا متهملًا .. ولم يمهل نفسه التفكير أكثر من ذلك حيث حسم قراره وأجاب على جده بإيجاب :
_ أيوة ياچدي أنا اللي عملت إكده وكنت عاوز اقتل عمران
سقطت الصينية من يد فريال بالخارج تزامنًا مع شهقتها المنصدمة .. لتسقط فوق الأرض وينكسر كوب القهوة متناثرة اجزائه بكل مكان محدثة ضجة قوية …….
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ميثاق الحرب والغفران)