روايات

رواية نيران الغجرية الفصل السابع عشر 17 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية الفصل السابع عشر 17 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية البارت السابع عشر

رواية نيران الغجرية الجزء السابع عشر

نيران الغجرية
نيران الغجرية

رواية نيران الغجرية الحلقة السابعة عشر

نوبة أشد.
___________________
” يحدث أن تموت ، و أنت حي ترزق “

لم تتوقع في حياتها أن تتعرض لهذا الموقف منه ، بينما كان يحتجز رأسها بين يديه و يرشقها بتلك النظرات الملتهبة كسعير النار رغم زيتونيتاه اللتان أظلمتا كانت هي تعيش أكثر لحظاتها رعبا.

إستطاعت مريم رؤية الجنون و التهديد بوضوح في عينيه ، اللمعة التي تنضح من حدقتيه الآن هي نفسها التي ظهرت عليه يوم كاد يخنقها ثم فقد وعيه.

ليس الغريب أنه غضب عندما ذكرت بأنها ستجد رجلا غيره ، فأي شخص مكانه كان سيفعل الشيء ذاته.
و لكن الغريب هي إبتسامته التي شقت وجهه المحتقن ، كان مخيفا ، مرعبا ، و غامضا.

و اللعنة ألف مرة فهي للتو إستوعبت أنها تقف أمام رجل لا تعرف عنه شيئا ، ولا تدرك منه غير اسمه و أفراد عائلته.
كل اللحظات التي بينهما لم تسمح لها بالتعرف على جوانب شخصيته الداخلية !

بينما عمار كان يناظرها بقتامة مسترجعا كل حرف قالته ، الغجرية تهدده بالرحيل و العثور على رجل آخر يرضيها.
تبحث عن أحد غيره يراها و يلمسها و يقبلها فتتدلل هي عليه بكل فجور و تخبر عشيقها أنها تجده أفضل رجل في حياتها.

و ربما ستصبح في المستقبل تأخذ إبنها معها ليرى كم هي امرأة نذلة لا تمت للأخلاق بصلة ، بالتأكيد مريم ستسعد بهذه الأشياء فهي خليفتها ، خليفة أمه و كل امرأة وجدت الحرية !

انتقلت يد عمار إلى وجه مريم يتلمسه بشرود و عقله يقترح عليه عدة طرق للعقاب مصورا له مشاهد لذيذة سيود أن يراها.

ربما يجب عليه الآن صفعها بقوة حتى تتفجر الدماء من أنفها و فمها ، ثم يشد شعرها الجميل و يقطعه بين يديه.
كلا ، هذا تصرف شنيع و همجي لا يليق برجل مثله ، سوف يبدو مثل منحرف من الشارع قطع طريق فتاة و همَّ بالتهجم عليها.

حسنا هل يأخذها إلى سريره الآن و يقيدها مثل أي فاسقة و يشبعها ضربا ثم يحصل على ما يريده منها بالقوة لكي تدرك جيدا بأنها متزوجة به.

كلا ، هذا أيضا إقتراح فاشل فعمار ليس مغتصب ، و لن يرضى بتقييد يديها الجميلتين و تعنيفها …
هي حامل و ربما يؤدي هذا إلى نزيف حاد وهو لا يكره في هذه الدنيا أكثر من الدماء ، كما أن تصرفا أخرق مثل هذا لا يليق بإبن عائلة راقية مثله.

اذا هل يطبق عمار على رقبتها و يخنقها ؟
ربما سيكون القتل خنقا أكثر رُقيا من الضرب و الإعتداء إلا أنه هذه المرة سيتأكد من أنه لن يفقد وعيه ، فهو سيواصل الخنق حتى تلفظ أنفاسها الأخيرة.
لكن ان فعل عمار هذا ستتأكد مريم من أنه حقا حاول قتلها المرة الماضية و بأن إغماءه كان لحسن حظها فقط ، ستقول عنه كاذب ، وهو لا يحب صفة الكذب.
سيبدو سيئا في عينيها إذا عرفت مريم بأنه حاول قتلها سابقا و سوف تحزن ، مهلا ، كيف ستحزن وهي في الأساس ستكون ميتة !

تأوه عمار و حرك رأسه بتشوش ، ما هذه الأفكار التي تدور في عقله ، سحقا لقد نضبت سيطرته و سيتحول إلى سفاح إذا لم يبتعد عنها الآن.
كان جزء منه يدرك هذا جيدا و يعرف كم أنه من المهم الإبتعاد في الحال ، نصفه السليم المتعقل يحثه بتركها قبل أن يفعل شيئا يندم عليه لاحقا.
و نصفه الآخر يدعمه بتصوير مدى المتعة التي سيعيشها لو أغلق باب الشقة عليهما و ترك الأمر لجنونه الذي سيحاسبها على كل حرف خرج منها.

” تحمل … إنتظر … تعقل ” إن عمار يكره هذه الكلمات التي تتردد في عقله.
تشعره أنه مجنون لا يفقه في شيء وهو ليس كذلك ، حسنا إنه إبن خائنة ماجنة و رجل قاسٍ مستبد و لكنه ليس مثلهما ، هو لا يريد أن يكون نسخة من رأفت و فيروز ، لا يريد.

فجأة خرجت منه شهقة عميقة أجفلت مريم وهو يزيحها عنه و يبتعد عنها مسرعا ، تخطى موجة الظلام التي أغرقته لثوان ظن فيها أنه سيموت.
إستطاع أن يطفو ، و يعود إلى بر الأمان في آخر لحظة قبل غرقه في القاع.
ثم ما لبث أن التفت إليها بعد أن استعاد وعيه المؤقت ، و طالعها وهي منكمشة حول نفسها و عيناها مثبتتان عليه.

اِعتقدت أنها ستموت بين يديه ، فكرت مريم بهذا وهي متصلبة مكانها وتضع يدها على بطنها ، لقد عاشت دقائق مخيفة منذ قليل ، ظنت فيها أنها لن تسلم منه ، جفت الدماء في عروقها و إزداد رعبها على طفلها المسكين.

إلا أن عمار أبعدها عنه كأن شيئا لم يكن ، يا الله كيف يستطيع الإنسان أن يجعل غيره يعيش كابوسا بمجرد نظرات منه فقط ، كيف هذا.

هزت مريم رأسها بهستيرية و تحركت لتذهب من أمامه و لكنه أمسك ذراعها و أعادها إليه بالقوة.
رفعت وجهها إليه فإبتسم عمار ثم وضع يده على عنقها يملس عليه بنعومة قبل ان يضغط عليه قليلا و ينخفض إلى أذنها يجيبها بنفس الهمس :
– عجبني انك بتهدديني يا مريم …. بس لازم تصحي على نفسك لأن عمرك ما هتقدري تعمليلي حاجة ولا هتقدري تبقي مع غيري انتي اضعف بكتير من انك تدوسيلي على طرف انتي ولا حاجة فاهمة ولا حاجة و اللي بقوله أنا هو اللي بيحصل.

تريث برهة يستمع لصوت أنفاسها التي تحول نسقها من الخوف للغضب ثم تابع :
– و كل كلمة قولتيها من شوية هتتحاسبي عليها بس مش دلوقتي لما أنا اقرر.

لم تعلق مريم على كلامه لكنها رمقته بنظرة مستهزئة وهي تفكر أنها بالأصل لن تدع له فرصة ليفعل أي شيء ، ستهرب من هذا المكان و ترفع عليه دعوى طلاق لتذهب و تعيش بعيدا عنه و عن كل ما يرتبط به.

لكنها تفاجأت عندما وجدت عمار يضحك مغمغما :
– لو بتفكري دلوقتي ف انك تستغفليني و تمشي فياريت تشيلي الفكرة من راسك انتي مش هتقدري تهربي من هنا ولا حتى تقدري تمشي خطوة واحدة برا الشقة ديه من غير إذني.
و يكون في علمك لو مسمعتيش كلامي فأنا هخليكي تشوفي مني وش عمرك ما اتخيلتي انه موجود و هدمر حياة اللي عماله يملي في دماغك و صاحبتك اللي اسمها هالة …..

قاطعته هي بإندفاع وجل :
– هالة ملهاش دعوة بأي حاجة.

بل لها علاقة بكل ما يحدث ، تلك الفتاة عبارة عن شيطان في هيأة إنسان فهي السبب في كل تقلبات مريم و تمردها ، لم يكفي أنه تحمل كل شتائمها الموجهة نحوه على الهاتف الذي يتنصت على محادثاته بل و حرضت زوجته عليه ووضعت في رأسها فكرة إعلان الزواج و تشجيعها على الحمل ….. إنه حقا يكرهها …. يكرهها بشدة !!

أكملت مريم بحدة وهي تقترب منه :
– أنا فعلا همشي من هنا ومش هتقدر تمنعني هتصل بالبوليس و اقولهم انك حابسني و بتستعمل العنف معايا فلو انت بتحاول تهددني بالناس اللي بحبها بلاش أحسن لأنك مش هتقدر تخوفني.

قاطعها عمار ببرود :
– انا مبحاولش أنا بهددك فعلا …. أنا بقدر اخلي هالة و أخوها يخسرو شغلهم و ميلاقوش منين ياكلو.

صمت يتطلع لملامحها التي كستها الدهشة فرسم إبتسامة مخيفة على وجهه و همس مدعيا التفكير :
– بيت أهلك بقالهم سنين طويلة مستأجرينه صح و عمك المريض قرب يجمع الفلوس علشان يشتري العقد بتاعه لأن البيت ده عزيز عليه جدا و نفسه يتكتب على اسمه بس يا ترى ايه اللي هيحصل لو صاحب الشقة زود في الفلوس أو باعه لحد تاني …. فكري معايا يا مريم ايه اللي هيحصل لو بيت طفولتك اتباع و أهلك اتشردو في الشوارع و صاحبتك ….

قصد التوقف عن الكلام بدون إنهائه ليترك لها حرية تخيل ما سيحدث لأحبائها لو تمردت عليه أكثر بينما هي تناظره بصدمة و عدم تصديق.
هذا ليس عمار أبدا ، عمار لم يكن رجلا يهدد و يستعمل نفوذه ليؤذي غيره لم يكن يساومها بحريتها مقابل أمان أحبائها.

أم أن هذه هي شخصيته الحقيقية و كان يتخفى وراء قناع الكمال و التحضر ؟ خدعها لسنوات بمظهره المثالي ثم أظهر حقيقته و وجهه الإجرامي عندما تمردت عليه و قررت الاستغناء عنه و الإبتعاد مع طفلها الذي حملت به رغم رفضه !!

إرتدت مريم خطوة للخلف تهز رأسها بذهول :
– انت …. انت ازاي كده ازاي انا مشوفتش حقيقتك من قبل معقول بتهددني بالناس اللي بحبها طيب لو مسمعتش كلامك هتعمل ايه هتشردهم و تقتل ابنك ؟

أخذ عمار شهيقا و زفره ببطئ متمتما :
– انتي اللي بتخليني اطلع عن شعوري و اعمل حاجات مش عايزها متجبرنيش انفذ تهديداتي و سيبيني أفكر في اللي لازم أعمله بالمشكلة ديه.

– متقولش على حملي مشكلة !
صرخت مريم بتوحش و وميض حاد ينطلق من عينيها نحوه فعض عمار على شفته يحاول التأقلم على نبرتها الجديدة معه قبل أن يفقد عقله و يفتعل شيئا يندم عليه لاحقا.

أمسك ذقنها بيده و مرر إبهامه عليه متكلما بصوت خافت :
– مريم انا مش عايز اؤذيكي ولا اؤذي عيلتك و مبحبش اشوفك زعلانة و قلقانة علشان كده لازم تسمعي الكلام.

لأول مرة يرى جمودها وهو مقترب منها هكذا ، كانت في العادة تقابل لمساته بتلهف خجل او برغبة يستطيع قراءتها بوضوح في عينيها و أحيانا تلمع عيناها بوميض يسحره ربما أدرك مؤخرا أنه كان بسبب ” حبها له “…

لكن الآن نظراتها فاترة حاقدة ، عمار يستطيع تخمين أنها تود البصق عليه او صفعه في الحال و هذا ما جعله يضغط بقبضته على وجهها محذرا اياها بخشونة :
-صدقيني آخر حاجة تتمنيها هي انك تقفي قصادي يا مريم.

قال جملته الأخيرة و غادر الشقة تاركا اياها تحدق في فراغ بدون إستيعاب ، كل هذه الاهانات و التهديدات لأنها حامل ، يتعامل معها على أنها فتاة باعت جسدها له مقابل الأموال و رفض طفلها الناتج عن علاقة غير شرعية ، لا تصدق أنه إستعمل معها أسلوب التهديد فقط لأنها عارضته ، أي رجل أحبته هي و خدعت به ؟
________________

توقف بسيارته على طريق منعزل بعض الشيء ثم أخرج علبة دوائه و ابتلع قرصين منها بسرعة محاولا تهدئة نفسه و نوبته المعتادة ، زفر بعمق و أسند رأسه على عجلة القيادة يفكر في المعضلة التي وقع بها …

من أين خرج موضوع الحمل هذا و لماذا في هذه الظروف بالذات لقد أخذ احتياطاته طوال عامين كيف تكون جنين في رحم مريم في المرات التي نست فيها أخذ حبوب منع الحمل ، عمار لم يكن مستعدا لهذا الأمر أبدا مالذي يجب عليه فعله الآن !!

تأفف و أعاد رأسه للخلف بضيق عندما تذكر بأنه فقد زمام السيطرة للمرة الثانية ، يا الهي ذلك الصوت المقيت ظل يتردد في عقله و يحرضه على تعنيفها.

لقد شعر بلذة لحظية وهو يتخيل أنه سيقيدها و يضربها و يعتدي عليها ، شيطانه تمكن منه و جعله يتحول لمجرم سادي في بضع ثواني ولولا طاقته التي استنزفها هذه المرة في محاولة الإستيقاظ من نوبته لكان فعل أشياء شنيعة ، شنيعة لدرجة لا تحتمل !

أغمض عمار عينيه محدثا نفسه ، حالته لم تعد تسمح له بالإعتماد على المهدئات أكثر ، يجب عليه فعل شيء و إلا سيقتل مريم في إحدى المرات ، وهو يدرك جيدا أنه سيفعلها إن لم يجد حلا.

توقف عن التفكير عندما تناهى إلى أسماعه صوت صراخ مكتوم تتخلله كلمات إستنجادية فإعتدل عمار في جلسته و ركز جيدا ليجده صوتا أنثويا ، شغل السيارة و أدار المقود متقدما من الصوت و انصدم عندما رأى سيارة أجرة مركونة على طرف الطريق بابها مفتوح على مصرعيه و هناك فتاة مراهقة مرمية على الأرض أسفل ذلك الرجل الذي يحاول الإعتداء عليها.

إنقبضت عضلات فكه بحدة و ارتفعت حرارة وجهه من الإنفعال و الغضب على ما يراه فأطلق سبابا خفيضا و ترجل مسرعا يهرع إليها لكي ينقذها ، ركل بقدمه على ظهر الرجل في عنف و أبعده عن الفتاة التي صرخت و انتفضت تزحف للخلف وهي تلملم قطع ملابسها الممزقة منفجرة في البكاء.

أما عمار فجثى على صدر المتحرش الثمل بركبته قاصدا الضغط على أنفاسه و انقض عليه يلكمه بعنف مرددا :
– يا **** يا *** انت راجل يالا بتستقوى على واحدة و بتستغل أنها ركبت معاك لوحدها يا *** انا هوريك.

صاح الرجل بألم ولم يستطع الدفاع عن نفسه بفعل المفاجأة و الخوف إضافة لسيطرة الخمر عليه لذلك عجز عن التحرك ، كاد عمار يكمل ضربه لكنه توقف عندما لمح الفتاة تنزف من جبينها بغزارة وقد بدأت تفقد وعيها فترك الآخر بعدما صفعه و هرع يطمئن عليها :
– اهدي يا انسة و متخفيش خلاص الكلب ده مش هيقدر يقرب عليكي اهدي.

استغل الرجل انشغاله و نهض سريعا متجها الى سيارته كاد عمار يلحق به لكن عند ارتفاع صوت بكاء الأخيرة عاد لها محاولا إسكاتها حتى هدأت قليلا ، ساعدها على الوقوف و أشار الى جرحها :
– راسك بتجيب دم تعالي اوديكي المشفى.

شهقت الفتاة رافضة بسرعة لم تقهر الإرتجاف الذي تملك صوتها :
– لأ انا مش عايزة مش عايزة شكرا انا هعرف اكمل الطريق لوحدي.

كتم زفيرا ساخطا و علق :
– يا انسة قولتلك مفيش داعي تخافي انا مش هؤذيكي بس لازم جرحك يتخيط علشان متخسريش دم اكتر طيب اديني رقم حد من أهلك علشان اكلمه.

نظرت له بتردد قبل أن تحرك يدها المرتجفة تخرج هاتفها من حقيبتها بحركات خرقاء و تطلب رقم شقيقها …. تحدث معه عمار و أخبره عن وقوع حادثة لأخته و أنه سيأخذها الى المستشفى الذي أرسل له موقعه و عليه اللحاق بهما ، ثم أغلق الخط مغمغما :
– تعالي معايا.

نزع سترته و طلب منها إرتداءها لكي تغطي الأجزاء الظاهرة من جسدها ثم ركبت معه و انطلقا نحو المستشفى و طوال الطريق كان عمار يستمع لصوت شهقاتها المرتجفة ليسألها أخيرا :
– انتي كنتي بتعملي ايه لوحدك في الساعة ديه ؟

ردت عليه الفتاة بصوت مختنق وهي تضع قطنا على جرحها :
– أنا مش من هنا جيت مع أخويا الكبير من الاسكندرية عشان حاجة مهمة بس طلعت من الفندق اللي كنا قاعدين فيه من غير ما اسأله و ضعت ، بعدين شوفت تاكسي و ركبت فيها وهو استغل اني صغيرة و مبعرفش الأماكن كويس فضربني و حاول …

نزلت دموعها مجددا فتنهد عمار و سألها :
– انتي عندك كام سنة ؟

– 17 سنة و اسمي ثريا.

إبتسم على تلقائيتها وللتو لاحظ أنها تمتلك شعرا مموجا كشعر مريم و نفس سواد العينين و سمار البشرة ، لكنه أفاق لنفسه و تنحنح بجدية :
– طيب يا ثريا متطلعيش من البيت او من الفندق تاني من غير ما تعرفي حد و متمشيش في أماكن مبتعرفيهاش ولو ضعتي اتصلي بأخوكي او فرد من عيلتك متركبيش تاكسي لوحدك الساعة 11 بليل و متقوليش لحد مبتعرفيهوش انك ضايعة عشان ده غلط عليكي.

اومأت الفتاة بحرج و شكرته و بعد دقائق كان عمار يقف خارج الغرفة في تلك المشفى وقد حضر الطبيب لكي يخيط جرحها ، لمح شابا في أوائل العشرينات ربما يسير و على وجهه أمارات القلق و يتطلع لرقم كل غرفة يعبر عليها فأوقفه عمار هاتفا :
– انت أخ ثريا.

أماء الشاب بتلهف :
– حضرتك اللي كلمتني على الموبيل صح أختي فين و عاملة ايه حصلها حاجة.

رد عليه بتريث :
– الانسة كويسة و محصلهاش حاجة مجرد ضربة خفيفة على دماغها بس وهي جوا الأوضة ديه.

دخل الشاب و تبعه الآخر بغية الإطمئنان على وضعها فوجدها تحضن شقيقها ببكاء وهو يعاتبها بقلق عليها ، إنتبهت لوجود عمار فقالت :
– هو ده الراجل اللي أنقذني يا ابيه.

التفت له محتضنا إياه بصدق و عليه أمارات الإمتنان :
– انا مش عارف اقول ايه لحضرتك واحد غيرك كان خاف و هرب ولا عمل نفسه مش شايف بس انت انقذت حياة أختي انت راجل جدع و محترم و عندك نخوة قليلين اللي زيك انا متشكر اوي اطلب مني اللي عايزه و انا هنفذهولك فورا.

افترت شفتاه عن إبتسامة بسيطة وقد سخر بداخله من مدح الفتى له فهو حقا لا يرى نفسه كرجل ” محترم ” بل في الحقيقة هو مثلما قالت مريم منذ ساعتين ” جبان و مجرم يتخفى خلف قناع التحضر ” لكنه أجاب على أي حال :
– العفو انا اعتبرت البنت زي أختي الصغيرة و اي حد غيري كان هيعمل نفس الشي المهم أنها بخير انا هستأذن دلوقتي مضطر امشي.

إبتسم الفتى و مد يده يصافحه معرفا إياه عن نفسه :
– محمد صادق علي.

مد الآخر يده له برسمية :
– عمار البحيري.
– اتشرفت بمعرفتك.
– الشرف ليا حمد لله على سلامة أختك.

غادر المستشفى و ركب سيارته بعدما إطمأن على تلك المراهقة ثم إتصل بحارس المبنى الذي تقطن فيه مريم و أمره بحراسة المكان جيدا و عدم السماح لها بالمغادرة من شقتها مهما حدث و منع أي أحد من زيارتها ، ثم طلب رقم رئيس رجاله اللذين يكلفهم عادة بمراقبة تحركات زوجته و شدد عليه بحزم :
– عايز الحراسة تتشدد على الشقة و متتحركوش من المنطقة و خلو حذركم من اي حد تشكو فيه انه بيلحقكم بس اوعى تخلو مريم هانم تاخد بالها من وجودهم مش عايزها تحس أنها متراقبة.
– تحت أمرك يافندم.

أغلق الخط و همس بداخله :
– بما ان كاميرات المراقبة جوا الشقة مبقتش شغالة وانا مش هقدر اركب واحدة جديدة دلوقتي يبقى لازم اخد احتياطاتي حاسس ان مريم هتحاول تهرب بس انا مش هسمحلها تفكر الأول في حل للمشكلة ديه وبعدين اقنعها هي كده كده بتقتنع بكلمتين مني.

أوصد عيناه متذكرا ملامحها الخائفة وهي تخبره بحملها ثم ردة فعلها المصدومة عندما رفض الطفل و ألقى عليها كلمات قاسية و هددها لتصرخ عليه في النهاية و ترفض تهديداته.
ترى كيف وصلا إلى هذا الوضع ؟ لم يتخيل عمار في حياته أنه سيجرحها هكذا و لكنه فقد السيطرة على نفسه ولم يعد يعرف ما يقوله …

ذلك المقت الذي في سوداوتيها ذكره بوالدته فيروز عندما كانت تكلم أحدهم على الهاتف و تخبره أنها ملت من العيش مع زوجها رأفت …
و التمرد على تقاسيم وجهها ذكره بفيروز أيضا وهي تضعه في سيارتها و تنطلق هاربة ببراعة من الحراسة المشددة عليها …. نفس التمرد الذي كان يؤدي دائما إلى التملص …. و إلى الخيانة !!

تأوه من هواجسه و وضع يده على رأسه الذي كاد ينفجر هامسا بإختناق :
– مريم مش هتمشي مش هتسيبني أنا هخليها دايما تحت طوعي و متخرجش عن كلامي …. مش هسمحلها تفكر تخونني ولا تسيبني هي وافقت على الجواز مني يعني وافقت على قواعدي و نمط حياتي أنا مجبرتهاش على حاجة !!

مسح على جبينه المتعرق ثم أدار المفاتيح في عجلة القيادة و إنطلق بها إلى قصر البحيري ، صعد لغرفة جدته و طرق الباب فأذنت له بالدخول وهي متفاجئة من وجوده في هذا الوقت :
– عمار ابني خير في حاجة ؟

رسم ابتسامة بسيطة على وجهه لم تصل لعيناه :
– انا جيت علشان اطمن عليكي بقالي زمان مسألتش حضرتك على صحتك.

– انا بخير الحمد لله يا حفيدي الغالي طول ماانتو بخير.
هتفت بها في حنو وهي تمرر يدها على وجهه ثم تابعت :
– بس انت اللي باين عليك مش طبيعي في ايه يا عمار انت باين عليك مضايق كده ليه رجعت اتخانقت مع أبوك تاني ؟

هز رأسه بإنكار قائلا :
– لأ شوية مشاكل في الشغل بس يا تيتا متقلقيش.

علقت الجدة عليه مبتسمة :
– كل شغل بيحصل فيه مشاكل و توتر ولو سألت أي حد تن يومه كان ماشي ازاي هيقولك نفس الشي بس تعرف أحلى حاجة ان لما الواحد يخلص أشغاله يرجع على بيته و يلاقي مراته مستنياه مجرد ابتسامة منها بتقضي على همومه و يا سلام لو كان عندهم ولاد كلمة بابا منهم بتسوى الدنيا.

تجهم عمار ناظرا لها بحذر :
– حضرتك انا حاسس ان الكلام ده نهايته مش هتبقى حلوة فأنا ….

قاطعته وهي تضحك بعدما منعته من النهوض :
– صدقني يا حفيدي أن يكون ليك بيت و زوجة تحبها و تحبك وولاد ترجعلهم آخر اليوم فديه احلى حاجة في الدنيا و انت راجل محترم ووسيم و ناجح و ملكش في جو شباب اليومين دول و تستحق يكون ليك عيلة تعيش مبسوط معاها.
– انتو عيلتي !
– مختلفناش بس احنا مش هندوم يا ابني.

أشاح عمار وجهه عنها بضيق متمتما :
– بس انا منفعش في أي علاقة ولا هقدر اكون أب يربي ولاده ع الحب و الحنية مقدرش اقدم حاجة انا مفتقدها ، تذكر وجه مريم الباكي فأكمل بخنق من نفسه :
– انا بؤذي كل اللي بيدخل حياتي.

تنهدت الجدة بحسرة عليه و أدارت وجهه لها متحدثة بجدية :
– عارفة أن طفولتك مش مشجعاك علشان تخطي الخطوة ديه ، بس صدقني زي مافي الوحش في الحلو علاقة أبوك و أمك مكنتش وحشة اوي كده ايوة كان في خناقات بينهم و شك و عدم تفاهم بس باباك كان بيحبها أوي و أنا متأكدة من أنك هتورث قوة حبك منه.

ضحكت بخفة ثم استطردت :
– مع أن شكلك كله بيدي على مامتك ربنا يرحمها نفس الشعر العينين و النظرة الباردة حتى طريقة الكلام هي نفسها انت نسخة عن فيروز.

بدأ جسده يهتز و أصابع يده تتشابك بإنفعال واضح لكنه سألها بنبرة رخيمة :
– هي كانت عاملة ازاي …. قصدي أمي …. و علاقتهم ابتدت امتى و ليه كانت متوترة.

صمتت الجدة تتذكر أحداث ما قبل 35 سنة و رددت :
– أبوك و عمك عادل كانو شغالين مع جدك الله يرحمه رأفت كان مدير على قسم من أقسام الشركة و طبعا ساعتها مكنتش ناجحة زي دلوقتي …. و في مرة رأفت جه و قالي أنه أعجب ببنت واحد شريك معاهم اسمها فيروز كانت بتساعد باباها في شغله بس مكنتش مهتمة برأفت خالص ولا واخدة بالها منه لكن هو قال أنه مش هيستسلم و عن قريب هيتقدملها و لازم تقبل بيه.
هههه كنت أنا اول مرة بشوف ابني كده طول الوقت بيتكلم عليها و عن انبهاره بيها لحد ما جه فيوم و قالي أن فيروز وافقت عليه و روحنا خطبنالهاله.

سكتت برهة تراقب ملامح عمار الفضولية كأنه يود حفر عقلها لمعرفة المزيد فتابعت :
– اتعرفنا على البنت و عيلتها و عرفت سبب تعلق رأفت بيها …. فيروز كانت بنت حلوة اوي و قوية جدا ملامحها مليانة ثقة و غرور عينيها هادية و فنفس الوقت غامضة كل مكان كانت تدخله بتلفت الأنظار ليها بس مش أي حد تبصله أو تكلمه لدرجة تحس أنك مميز اوي لو اتعاملت معاك …. بس مع ذلك غرورها مش مؤذي فيروز كانت ست محترمة و ليها قدرها بين الناس أنا كنت مبسوطة بيها كعروسة للعيلة بس رغم كده مكنتش حاسة أنها فرحانة بالإرتباط ده.

– ليه بتقولي كده ؟

– وشها كان علطول مبتسم بس بارد و نادرا لما تتفاعل مع كلامنا عن تجهيزات الفرح اول سنتين ليها مع رأفت كانو طبيعيين بعدين انت جيت و فيروز اتعلقت بيك جدا و أهملت أبوك أو الأصح أنها لقت الحجة اللي تبعد بيها عنه …. مامتك كانت بتتجاهل رأفت علطول و بتحاول متتعاملش معاه على قد ما تقدر ساعتها بدأت خناقاتهم و هلافاتهم وبعد كام سنة جالها اكتاب و ….

توقفت عن الحديث عند تذكرها محاولة فيروز للإنتحار يوم أغلقت باب الحمام على نفسها و مررت شفرة الحلاقة الخاصة برأفت على معصمها ليكسر الأخير الباب و يجدها غارقة في بركة دمائها ، وقتها حاولت هي قدر الإمكان إخفاء الخبر عن الناس و عاتبت فيروز بعد نجاتها لتخبرها الأخرى أنها قد نلت من العيش بين أربع جدران مع ذلك الزوج الذي لا يجيد شيئا سوى لف رباطات سلطته عليها حتى بات يخنقها و كذلك غيرته الزائدة عليها ووضع حراس يتبعون تحركاتها أينما ذهبت و خلافاتهم المستمرة ….

لكنها تجاوزت هذا الجزء وهي تقول :
– جالها اكتئاب بسبب القعدة في البيت فقرر جدك يرجعها علشان تشتغل عنده في الشركة و يوم بعد يوم رجعت فيروز لشخصيتها القوية اللي بتفرض وجودها بس في الناحية التانية انت كنت بتعاني من غيابهم عنك وبعدين رجعت تهتم بيك و توديك لأماكن مختلفة و بتقضي معاك اليوم كله برا لحد ما جالها مرض خطير اتوفت بيه بعد كام شهر.

شرد عمار في حديثها وهو يتمعن في كل كلمة قالتها ، ان والدته لم تكن من البداية راضية عن الزواج و علاقتها مع والده كانت مبنية على التجاهل و البرود و الشجار إذا لماذا وافقت عليه من البداية لماذا لم ترفضه ؟

افترت شفتيه بسخرية عند سماع جدته تقول أنها كانت تهتم به كثيرا و تأخذه إلى أماكن عديدة … صحيح أن عمار كان يأخذ القسط الأكبر من اهتمام و حب والدته في طفولته و هذا ما كان يجعل رأفت يغضب من إنشغالها الدائم لكن في فترة من الفترات طاله التجاهل و النكران و لم يعد يستطيع رؤيتها إلا مرات قليلة إضافة إلى قسوة أبيه معه ثم وبعد سنوات عادت تصطحبه للخارج و تقضي معظم وقتها معه – مثلما تظن – .

جدته المسكينة لا تعلم أن فيروز كانت تأخذ طفلها عمار معها إلى شقة عشيقها ثم تهدده من اخبار أحد و إلا ستدع رأفت يضربه بقسوة يا للسخرية إتضح أنه لم يرث ملامحه فقط عن والدته بل ورث البرود و التصرفات المريبة و فن الزيف و الخداع أيضا !!!

دلك عمار عنقه بعصبية وقد بدأ الجنون يساوره علاوة على الإضطراب الذي أصابه بسبب تذكر بعض من تفاصيل الماضي ، ضاقت أنفاسه ولم يشأ إظهار ذلك أمام الجدة فإستأذن منها و غادر لغرفته …. وقف في الشرفة يستقبل الهواء البارد لعله يشرح صدره قليلا ثم همس :
– ايه اللي يقدر يقدمه واحد مريض أمه كانت بتخون أبوه وهو شايفها و ساكت ؟ ازاي هقدر ادي مريم حريتها و اعلن جوازنا علشان تخوني هي كمان ديه ممكن لما تولد البيبي اللي فبطنها تعمل نفسها مشغولة بيه وهي في الحقيقة بتخ ….

إبتلع باقي كلماته في سخط و ضرب بقبضته على مسند الشرفة ثم غادر الغرفة لتعترضه ندى في الطريق :
– Oh my cousin انت جيت.

همهم بتجاهل و كاد يواصل مشيه لكنها أوقفته وقد رفعت ذراعيها بمزاح تمنعه من المغادرة :
– انا اخترت فيلم حلو علشان اتفرج عليه ايه رأيك تحضره معايا ؟
– خليها يوم تاني.

عبست ندى بشفتيها متذمرة :
– بس أنا كنت مستنية حد يتفرج معايا و مامي نامت بلييز تعالى.

كتم عمار زفرة غاضبة و أجابها بإيجاز :
– قولت مش دلوقتي انا مش فاضي يلا عديني.

نفت برأسها في تصميم و عناد وهي تضع يدها على كتفه :
– لا انا مليش دعوة باللي بتقوله ده I dont care انت مش متعود ترفضلي طلب يلا ااا….

قاطعتها فجأة بصراخ :
– انا قولتلك سيبيني امشي انتي ايه مبتفهميش !!

إنتفضت ندى بذعر و عادت إلى الوراء خطوة ليكمل عمار وقد وجد أخيرا ملاذا يفرغ فيه من هواجسه و تخبطاته :
– ليه مصرة تنشفي دماغك و متسمعيش الكلام انا لأول مرة بقولك مش هقدر اعمل كده إنتي ليه مش مدركة فهميني !

بدى لها وكأنه يراها شخصا آخر لكنها لم تركز بذلك فهي مرتعبة حقا منه ، هذه أول مرة يرفع فيها عمار صوته عليها و يعاملها بطريقة سيئة و منظره هذا ذكرها بيوم رأته في المطعم مع تلك الفتاة التي عنفها ثم قبلها بهمجية ولولا أن شخصا آخر غيره تصرف معها هكذا كل كانت لقنته درسا لن ينساه لكن التصرف العنيف صدر بشكل مفاجئ من رجل عزيز لقلبها و هذا ما آلمها أكثر.

إرتجفت شفتي ندى و هطلت دموعها فكادت تغادر لكنه أمسك ذراعها بقوة مغمغما :
– انا مش عايزك تحتكي بيا تاني لما اقولك اني مش فاضي و ياريت تبطلي تصرفات الأطفال ديه و تعقلي شويا.

– اي عمار you are hurting me ( أنت تؤلمني )
همست بإختناق وهي تكتم نوبة بكاء إجتاحتها بسبب عنفه الغير مبرر ليعود عمار لرشده و يدرك ما فعله معها.
أفلتها و أغمض عيناه بندم و فتح فمه ليتكلم لكنها إبتعدت عنه و ركضت إلى غرفتها فوضع يديه على رأسه متأففا بخفوت كاتما لصرخة لو أطلقها لتصدعت جدران القصر على إثرها :
– كفاية بقى كفاية !

______________________
ستووووب انتهى البارت.
رايكم بالبارت و باللي عمله عمار مع ندى ؟
يا ترى عقدته هتأثر على قراراته المستقبلية ؟
مريم هيكون رد فعلها ايه ؟

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية نيران الغجرية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *