روايات

رواية نيران الغجرية الفصل السادس عشر 16 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية الفصل السادس عشر 16 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية البارت السادس عشر

رواية نيران الغجرية الجزء السادس عشر

نيران الغجرية
نيران الغجرية

رواية نيران الغجرية الحلقة السادسة عشر

” يولد الإنسان حرا حتى يقع في الأسر ، أسر سلطان ، أو أسر بسبب الحب ، وربما بدين لم يسدد ، والأسوء أن تأسره فكرة خاطئة ،فيموت وهو على قيد الحياة ” # كويكول # حنان_لاشين

كان في صالة الرياضة الموجودة بالطابق الأول من القصر يجلس على ماكينة رفع الأثقال و يتمرن بشدة حتى توقف و أعاد ظهره للخلف ليأخذ قسطا من الراحة ، مر هذا اليوم حافلا و مليئا بالأشغال المرهقة و أكثر ما أتعبه هو مجادلته مع والده ، لقد كانت نظراته وهو يكلمه تشع قوة و ثقة و هذا يعني أن رأفت البحيري توصل إلى شيء مهم يخص – عشيقته – كما يسميها و ليس ببعيد أن يكون عرف بزواجهما و حتى مكان سكنها.

لم يكن عمار يسمح لأحد سابقا بمعرفة شيء يتعلق بحياته الخاصة لكن و بسبب زياراته التي أصبحت متكررة و تهاونه في إخفاء مريم عن الأعين أصبح من السهل تتبعه و هذا ما أدركه اليوم ، لذلك رفض ذهابه إلى مريم عند طلبها مجيئه رغم أن الفضول تملكه لمعرفة ما تريد إخباره به …. لا بد أنها ستطلب إذنه للذهاب إلى مكان ما أو تطلب إعلان زواجهما مجددا.

أفاق من شروده على دخول ندى وهي تردد بصوت عال :
– عمورة أنا جيت علشان تدربني أوعى تقولي انك خلصت.

– أيوة لسه مخلص و تعبان و عايز ارتاح.

كتفت يديها بضيق هاتفة :
– بس انا بقالي أسبوع مستنياك تفضى و في الاخر تقولي تعبان ! you promised me على فكرة وبعدين أنا بقالي ساعة بجهز نفسي.

أشارت لنفسها فطالعها عمار وهي ترتدي بدلة رياضية باللون الأسود ضيقة تظهر عنقها بشكل كبير و توضح تفاصيل جسدها ، صففت شعرها ذيل حصان و وضعت مكياج خفيف و إرتدت حذاء رياضي أبيض اللون يناسب ملابسها.

رفع عمار حاجبه بنبرة ساخرة :
– انا عارف اني مش هخلص منك يلا تعالي.

صفقت بانتصار و شرعت في إلتقاط الصور لها ثم انحنت لتمارس تمارين الضغط كما كانت ترى إبن عمها يفعل و الأخير كان يعدل وضعيتها و يضحك بسبب تصرفاتها حتى لف يده حول بطنها و الأخرى وضعها على صدرها بتلقائية هاتفا :
– عدلي ال position بتاعتك و اتحكمي في حركة جسمك.

أجفلت ندى و تصنمت مكانها نتيجة لمسته المفاجئة لها و أدرك هو ذلك فإبتعد سريعا متنحنحا و تابع :
– يلا ابدأي و اعملي زي ما قولتلك.

هزت رأسها بتلجلج و فعلت ما يقوله و شيئا فشيئا إندمجت مع الأمر و عادت تمازحه و تضحك حتى رمت بنفسها على الأرضية لاهثة :
– My God أنا تعبت ايه ده اومال لو مكنتش بلعب رياضة من قبل.

علق عليها بسخرية :
– ندى فوقي انتي من لما اتخرجتي السنة اللي فاتت ملعبتيش رياضة بغض النظر عن المولات اللي بتفضلي رايحة جاية ليها ديه لوحدها مجهود كبير …. يلا كملي.

مرت دقائق حتى وقفت على آلة الركض وهي تفكر أنها ملمة بجميع أنواع الرياضة ولا تحتاج إلى مساعدة عمار ولكنها أصبحت تتعمد قضاء أطول وقت ممكن معه.

و لذلك ضغطت ندى على الأزرار بعشوائية في غفلة منه و فجأة بدأت تصرخ :
– يا مامي عمار help me انا هقع.

نظر و أسرع إليها ليوقف الآلة ثم ينتشلها من فوقها ولكن ندى لم تحسب حساب تعثر قدم عمار مما أدى إلى اختلال توازنه فسقطا معا.

تأوهت ندى بألم وهي تضحك و عمار يشاركها حتى حادت بعينيها نحوه تتأمله وهو مغمض عينيه يتنفس بقوة وصدره يرتفع و ينخفض بوتيرة سريعة ، خصلات شعره إلتصقت بجبينه و وجهه إحمرَّ من الجهد الذي مارسه فأصبح شكله وسيما للغاية و بشكل ما … جذاب لعينيها.

ضغطت على شفتها تكتم تأوها متأثرا لكنها أدركت نفسها و شعرت بالحرج حيال ما تشعر به فحمحمت و أنتصبت واقفة تردد بإضطراب :
– كفاية كده انا تعبت اوي و عايزة ارتاح … Good night.

أطلقت الريح لساقيها و ركضت مغادرة و تركته يطالع أثرها بإستغراب حتى نهض هو أيضا و صعد لغرفته ، أمسك هاتفه و فكر في الإتصال بمريم إلا أنه تراجع مجددا و تمتم :
– ملوش لزوم كده كده هروحلها بكره او اللي بعده و هعرف هي عايزة تقولي ايه … مع اني مش مطمن لصوتها وهي وبتكلمني.

****
رمت بجسدها على السرير تأخذ أنفاسها بإضطراب و قلبها ينبض بسرعة رهيبة ، وجهها محمر و أنفاسها مضطربة بسبب ما أصبحت تعيشه في آخر فترة ، لا تدري ما يحدث معها سوى أنها حقا أصبحت تفكر في عمار كثيرا وبطريقة مختلفة عن السابق ، و ترتعش كلما إقتربت منه و تخجل كلما لامسها بغير قصد و كأنها تتعامل معه للمرة الأولى.

أغمضت ندى عينيها تفكر به و تسترجع مظهره في مخيلتها ، شعره الأسود و حاجبيه المقتضبين ثم أنفه المناسب على وجهه نهاية بشفتيه و لحيته التي إزدادت كثافة بعض الشيء …

إنه يمتلك ملامحا حادة و جذابة في نفس الوقت ، يجعل أي فتاة تنتبه لوجوده بوسامته و قوة شخصيته حتى جسده الرياضي رغم تناقضه مع جسدها الضئيل إلا أنها تعيش إحساسا جميلا عند رؤية الفرق بينهما لتشعر بمدى صلابته و قوته مقارنة ببنيتها ، ترى كيف لم تنتبه له من قبل ؟

لقد كانت تراه كإبن عمها و صديقها فقط لكن منذ أصبحت والدتها تحدثها عنه و تعدد محاسنه تغيرت نظرتها نحوه ، صارت أنفاسها تنقبض و معدتها تتقلص بألم لذيذ و عينيها تلمعان له فقط ، و نوعا ما ، راقت لها فكرة إرتباطها بعمار !

و لكنها غاضبة من مشاعرها هذه ، فهو إبن عمها ولم تتخيل يوما أن تفكر فيه بهذا الشكل ، و أيضا عمار لا يراها سوى طفلة صغيرة مدللة كما أن لديه حبيبة أيضا ، تلك الفتاة التي رأتها في المطعم ذلك اليوم و تبادلت معه القبل ناهيك عن غياباته المفاجئة و الشعر الذي يعلق على كتفه او صدره و العطر الحريمي الملتصقة به !!

زفرت ندى بتأفف في نفس الوقت الذي طرق فيه الباب و دلفت والدتها مبتسمة :
– بتعملي ايه يا حبيبتي و قاعدة هنا لوحدك بتفكري ف ايه.

إبتسمت ندى بخفة مجيبة بإقتضاب :
– No thing مامي… انا كنت بلعب رياضة مع عمار و تعبت و جيت أريح شويا.
– بس باين عليكي مضايقة.
– لأ خالص انا كويسة.

اومأت فريال بعدم إقتناع و كادت تغادر لكن ندى أوقفتها :
– مامي ثواني … ممكن تقعدي شويا عايزة اسألك على حاجة.

جلست بجانبها مترقبة فتنهدت ندى و همست وهي تفرك أصابع يديها :
– انا …. هو ممكن …. ممكن أنا و عمار يعني تكون في حاجة بيننا.

عقدت الأخرى حاجبيها متعجبة :
– حاجة ازاي يعني.

ترددت ندى فأجابها عليها بصوت خافت :
– I mean … حضرتك كنتي بتقوليلي اتقرب من عمار علشان نتجوز وكده …. ممكن حاجة زي ديه تحصل ؟

شهقت فريال و اعتدلت في جلستها متسائلة بتلهف :
– عمار لمحلك بحاجة ؟

نفت سريعا :
– لأ خالص بس أنا … كأني بدأت انجذبله و أفكر فيه و حاسة اني غلطانة علشان ….

قاطعتها أمها مسرعة :
– غلطانة ايه لأ انتي مش غلطانة عمار ابن عمك و مقربين من بعض أوي طبيعي تحسي بمشاعر ناحيته.

– بس يا مامي هو مشاعره مختلفة عني و عنده حبيبته كمان أنا حكيتلك عليها من قبل …. أنا شوفته بعينيا وهو بيبوسها و أحيانا بيغيب و بيروح عندها و يرجع و جسمه مليان بريحة Women’s perfume ( عطر نسائي ) و معروف هو بيعمل ايه معاها ف …

قاطعتها بشدة محاولة إقناعها :
– مش أنا يا حبيبتي قولتلك أن كل الرجالة فمرحلة شبابهم بيعملو حاجات زي بيكلمو ديه و يصاحبو ديه بس المهم مين هيتجوز في الاخر …. عمار لو بيحب البنت اللي معاه بجد كان زمانه متجوزها بس باين بيتسلى لحد ما يلاقي شريكة حياته و ديه غريزة موجودة في الراجل مبتقدريش تتحكمي فيها المهم مين هيكتب اسمها على قسيمة زواجه.

بهتت ندى و أخفضت رأسها بإرتياب و عدم إقتناع :
– أنا شوفت عمار بيزعقلها و بيشدها ناحيته جامد و البنت عماله تعيط هو بيعاملها وحش وأنا خايفة …

قاطعتها فريال بابتسامة مطمئنة إياها :
– كل واحدة بتعمل لنفسها المكان اللي تستحقه و كل ست بتفرض على حبيبها او جوزها يحترمها ولا يهينها و انتي بالذات عمار بيعاملك بلطافة كأنك قطن في ايده بيفسحك و يقعد يتصور معاكي و يسمع الأفلام اللي انتي بتختاريها و بتهزرو و تضحكو مع بعض قوليلي يا حبيبتي عمار جرحك في يوم من الأيام او عمل حاجة زعلتك ؟

أجابت بنفي لتتابع والدتها مبتسمة :
– شوفتي هو بيحترمك لأنك عزيزة فنظره و مش بعيد يحبك كمان لما تحسسيه بحبك ليه و تكسبي قلبه.

جزء من ندى إقتنع بكلامها بل و شجع أحاسيسها ، أما الجزء الآخر ظل محتارا و جعلها تلوم نفسها مجددا ، و حينما انتبهت لجملة أمها ” تحسسيه بحبك ” تفاجأت و اضطربت ، حب ؟

كلا إن مشاعرها نحو عمار لم تصل إلى الحب بعد بل لم تتعدى مرحلة الإعجاب على الأقل حاليا ولكن ما المانع إن وقعت في حبه و بادلها هو الشعور ؟

__________________

قضت الليل بطوله تتقلب في فراشها و أحيانا تنهض لتحوم حول الغرفة بإضطراب و تعود لتجلس ، لم يغف لها جفن أبدا ، مرة تدمع عيناها متخيلة ردة فعل عمار العنيفة عندما يعرف بحملها ، و مرة تضع يدها على بطنها تمسدها ببطء و عقلها يرسم لها مشهدا سعيدا لزوجها حينما تخبره أنها تحمل طفله فيضحك و يحتضنها بسعادة لأنه سيصبح أب و يقرر إعلان زواجهما فورا.

لكن بمجرد تذكر شكله وهي تطالب بإعلان علاقتهما تندثر تأملاتها المنكسرة و تعود لتبكي مجددا.
و ها هي الليلة إنتهت وجاء صباح جديد لكنه لم يأتِ معه ، قضت مريم اليوم بطوله على شرفة الشقة تترقب مرور سيارته في أي لحظة و خابت توقعاتها ، رغم إخبارها لعمار بضرورة مجيئه للتحدث معه بأمر معه لكنه لم يهتم بها كالعادة و إنشغل عنها كأنه يقول لها ” كل كلامك و ما يخصك لا يعنيني ولا يهمني بشيء ، أنا من يقرر متى آتي إليك و أنت ليس لديك الحق بذلك “

أليس لديه قلب ؟ هل هو عديم الإنسانية ليفعل هذا بزوجته ؟ بماذا هو مشغول يا ترى لكي لا يحضر هل بعمله أم بإبنة عمه التي نشرت صورهما ليلة البارحة على مواقع التواصل وهي تتدرب معه في صالة الرياضة ؟

لكن في ساعة متأخرة من الليل سمعت صوت الباب وهو يفتح فإنتفضت واقفة وقد بدأت تشعر بإرتعاش حاد في كافة أضلاعها و عدم قدرة قدميها على الوقوف ، مسحت على وجهها محاولة تنظيم أنفاسها وبعد دقيقة كان يقف أمامها.

نظر لها عمار لبضع ثوان ثم هتف :
– مساء الخير.

تقدم اليها متابعا :
– قولتي أن في حاجة مهمة عايزة تقوليهالي و طلبتي مني اجي.

– من يومين ! طلبت منك تجي من يومين.
هتفت مريم بجمود فتنهد هو مردفا :
– كنت مشغول ومش فاضي …. خير ايه اللي حصل.

ابتلعت لعابها و بدأت بقظم شفتيها بإضطراب حتى أجابت :
– انا كنت حاسة من فترة اني مش كويسة و …

قاطعها عمار مسرعا وقد سألها بتلهف وهو يحتضن وجهها بين كفي يديه :
– ازاي يعني ايه اللي حصلك تعبتي تاني مقولتليش ليه طيب لما كلمتك !

أغمضت عينيها مربتة على يده بخفة :
– لأ اهدا انا مش قصدي كده …. بص أنا لاحظت في تغيرات فجسمي و أعراض يعني فشكيت فحاجة معينة علشان كده …. علشان كده عملت تست.

صمتت مريم لبرهة و طالعته لتتفاجأ بملامحه تتغير و بأصابعه تضغط عليها بشدة آلمتها ، أنفاسه بدأت تتسارع و حدقتاه مركزتين عليها بترقب و كأنه بدأ يدرك ما تود قوله فأخذت نفسا عميقا محاولة كبح دموعها و ألقت ما بجعبتها دفعة واحدة :
– انا طلعت حامل.

ارتخت قبضته من على وجهها و ارتد خطوة للخلف بذهول ، أما هي فأشاحت بوجهها عنه بخوف من ردة فعله والتي من الواضح أنها لن تكون لصالحها ، ثم وضعت يدها على بطنها كأنها تحمي طفلها من أي رفض و إلتزمت الصمت ….

مرت دقائق سكون لم يقطعها سوى صوت الرياح خارجا و أنفاس مريم المتقطعة ، تجرأت أخيرا على رفع رأسها فوجدته موليا ظهره لها يضع يده الأولى على خاصرته و الأخرى على جبينه محاولا إستيعاب ما سمعه منها ….. حامل ؟ كيف و متى و لماذا !!

إستدار عمار لها مغمغما من بين أسنانه :
– يعني ايه حامل … مش انتي كنتي بتاخدي مانع الحمل ازاي ده حصل و امتى ؟!!

صرخ في آخر جملة له فإنتفضت مريم بإرتجاف :
– ممم من … من شهرين لما انت قعدت معايا أسبوع اا انا نسيت اكتر من مرة اني اخد البرشام … و من يومين افتكرت انها متأخرة فطلبت من هالة تجيبلي تيست الحمل و طلع إيجابي.

أطلق عمار فجأة ضحكة سخرية جعلتها تتعجب منه ليردد :
– قولتيلي هالة …. يبقى انتي عملتي كده عن قصد خلاص كل حاجة اتوضحت

قضبت حاجبيها بإستفهام :
– تقصد ايه مش فاهمة.

رطب شفتيه و على حين غرة جذبها من ذراعها نحوه بقوة فتأوهت لكنه لم يكترث لها :
– احنا بقالنا سنتين ونص متجوزين و كنتي دايما حريصة و بتاخدي احتياطاتك بس فجأة بتقوليلي نسيت ليه انتي فاكراني غبي ومش هفهم عليكي …
انتي و صاحبتك الشيطانة بقالكم فترة بتخططو علشان توقعوني عايزيني اعلن جوازنا قدام الناس و لما لقيتيني مش ناوي اعمل كده قولتي اعمل حاجة اضغط بيها عليه صح.

تبلمت مريم مكانها و حدجته بعدم تصديق لكن عمار تابع بغضب :
– انا كان لازم افهم من أول ما طلبتي نعلن جوازنا و عملتي مشكلة كبيرة بيننا كنت فاكر انك واحدة مسكينة صاحبتك بتوزك عليا و طرحت عليكي الفكرة فجأة بس لأ انتي مخططة من زمان بقى و أنا اللي طلعت أهبل مش انتي.

شهقت بألم ثم نفضت ذراعها عنه صارخة بدموع غاضبة :
– عمار انت بتقول ايه ازاي بتفكر فيا بالطريقة ديه انا صحيح طلبت تشهر علاقتنا بس لما رفضت قولتلك طلقني و انت مرضيتش يعني انا مش ناوية اخدعك و اضغط عليك علشان تنفذ اللي انا عايزاه ….. انت ازاي قدرت قدرت تقول عني كده معقول معرفتنيش طول المدة ديه.

بدأ الصداع يغزو رأسه بقسوة بسبب الإنفعال و الرؤية تتشوش أمامه تصبب جبينه بالعرق و حاول تهدئة نفسه لكن صوتها العالي لم يساعده و أخيرا صاح بحدة :
– لا معرفتكيش انا بشوفك كل شهر مرة و ملحقتش اتعرف على حقيقتك افتكرتك بريئة بس كنت مخدوع فيكي انتي زيك زي …. زي ….

اجتاحت صورة والدته عقله فضغط على رأسه ثم و بدون وعي ركل الكرسي الذي بجانبه و أكمل مزمجرا بعنف :
– انا قولتلك من الاول ان جوازنا هيبقى في السر … قولتلك مش عايزك تحملي ولا تطلبي مني حاجات مش هقدر اديهالك وانتي وافقتي برضاكي انا مجبرتكيش على حاجة ومش ذنبي ان أهلك رموكي ليا فاهمة مش مضطر بقى استحمل ألاعبيك انا محدش بيحطني تحت الأمر الواقع.

أغمضت مريم عينيها تكبح رغبتها في انفجارها بالبكاء لكنها لم تستطع فخرجت شهقات متقطعة و دموعها تغرق وجهها بأكمله ….. كل هذه الإهانة و كل هذا الرفض كان كثيرا عليها لم تتحمل معاملته و كلامه لذلك تمتمت :
– يبقى طلقني …. ارجوك طلقني و خليني امشي من هنا انا هربي ابني لوحدي ومش هحملك مسؤوليته ابوس ايدك حررني من العلاقة ديه.

” حررني من العلاقة ديه كفاية انا مبقتش عايزاك ” ، تردد صوت أمه في أذنه وهي تترجى والده في إحدى شجاراتهما بأن يطلقها و يحررها من قيوده و عندما يصرخ بها تبكي ثم تتصل بعشيقها شاكية له زوجها …

كتم عمار تأوها ناجما عن إقباضات في صدره ثم هتف بصلابة :
– مش انتي اللي بتقرري امتى اسيبك يا مريم …. و بخصوص الحمل هشوف ازاي نحل
المشكلة ديه.

انحبست أنفاسها برعب عند سماع آخر جملة و أصبح عقلها يرسل لها إنذارات محذرة حول ما يقصده ب – حل المشكلة – هزت رأسها نافية و نظرت له :
– انت بتقصد ايه لما قولت هتحلها انت هتعمل ايه بالضبط و ليه بتقول على ابني او بنتي مشكلة.

لم يرد عليها عمار و ظل يطالعها ببرود فإختفت أحاسيس الخوف منها و احتل مكانها الغضب و القهر معا لتقترب منه و تصرخ :
– انت عايز تخلص من ابني عايز تقتل ابنك يا عمار انت اتجننت !!

تفاجأ من ردة فعلها و استنكرها قائلا :
– انا مقولتش كده لسه مفكرتش هعمل ايه.

انفجرت مريم في الضحك بشكل هستيري لتحمل فازة زجاجية و ترميها على الحائط مزمجرة :
– و انت مين علشان تفكر تخلص من ابني اصلا وبكل وقاحة بتقولي لسه مفكرتش هعمل ايه هو انا هستناك اصلا امتى تقرر انت مين ادالك الحق تقرر ايه اللي هيحصل لإبني !!

تأجج الغضب بداخل عمار و بدأت بوادر نوباته تظهر ولكنه حاول الهدوء و رفع يده ليمسكها إلا أنها دفعته عنها بقوة :
– ابعد عني و اوعى تلمسني ! تعرف ديه اول مرة اقدر اشوف البشاعة على وشك للدرجة ديه ده انا اللي كنت مخدوعة بشكلك و تعاملك و مظهرك الكذاب انت واحد معندكش ضمير مستخبي ورا اسم عيلتك فاكر انك اشتريتني و تقدر تتحكم فيا بمزاجك بس لأ فوق يا عمار.

ابتلعت الغصة التي بحلقها و تابعت :
– انا استحملت برودك و غيابك و قولت المهم انك مبتأذنيش بس عرفت دلوقتي انك أكتر واحد مؤذي هههه انت طول السنتين ونص دول كنت بتستغلني جسديا و لما جه وقت تتحمل المسؤولية اتخليت عني …. انت واحد ضعيف و جبان خايف تظهر مراتك قدام عيلتك و الناس ومش مستعد تتقبل ابنك و بتداري ضعفك ورا زعيقك و شخيطك ده.

توقفت عن الحديث تلتقط أنفاسها وهي تتوقع أن تتلقى صفعة في أي لحظة أو تعنيفا كلاميا لكنه بالعكس ظل واقفا أمامها بجسد جامد و عينين مركزتين على الأرضية بجمود … اقتربت منه مريم و وضعت يديها على ياقة سترتها تجذبه نحوها هامسة :
– لا انت ولا غيرك هتتحكمو فيا من بعد كده مريم الغلبانة خلاص ماتت و اقسم بالله يا عمار لو حاولت تؤذي ابني هوديك في داهية سامعني انا مش هرحمك !!

أخيرا ركز بزيتونيته عليها و تأملها وهي تقف أمامه بقوة لم يرها فيها سابقا …. شعرها مموج بفوضوية و وجهها المبتل بدموعها أصبح محتقنا بالدماء و عينيها اللتان كانتا سابقا تنخفضان عندما يركز عليهما أصبحتا تطالعانه بكل قوة و تحدي …… و للعجب بدلا من أن يغضب من تهديدها لها إبتسم بإعجاب على هيأتها … رباه كم عشق توحشها هذا !

لقد كان يسمع سابقا عن شراسة الغجر التي لم يرها في مريم قط ولكنها ظهرت الآن وهي تمسكه بوقاحة و ترمي عليه كلماتها المهددة و هذا بعدما شعرت بالخطر على طفلها الذي لم يولد بعد …. طفلهما !!

و لكن إنقلبت الموازين و إهتاجت أنفاسه بصعوبة وقد تلبسه الجنون عندما تمتمت مريم :
– انا هطلق منك و اسيبك لأني مبقتش طايقاك … انا بستاهل واحد أحسن منك يعرف يقدرني.

لذلك دفعها على الحائط خلفها بعنف كاد يقسم عظامها ، غير أنه لم يمنحها فرصة للتألم حيث قبض على ذراعيها بغلظة وقد إنقشعت تقاسيم وجهه عن جمودها لتصبح أكثر رعبا.

حدق فيها بشيطانية خالية من أي ذرة رحمة ، و ذكرياته تعيد له مشاهد من الماضي لم يتغير فيها شيء سوى بطلتها ، فالخائنة الجديدة كانت تقف أمامه الآن …
محتجزة بين يديه بعدما أخبرته بكل فجور بأنها تستحق رجلا أحسن منه ، هذه نفس الجملة للتي مرت على مسامعه منذ أكثر من عشرين سنة ، و مازالت تتدفق على أذنيه كحمم من نار.

تحركت أصابعه لتحوي رأس مريم و تغرز بين خصلاته ، و كأنه يريد إخبارها بأنه قادر على تهشيم جمجمتها في أي لحظة إن أراد.
ولكي يكون عمار صادقا فلقد شعر في جزء من الثانية برغبة لذيذة في فعلها ، فهو يفضل أن يكون قاتلا على أن يكون الرجل الذي تخدعه زوجته و تذهب لرجل غيره !
__________________
ستووب انتهى البارت
رايكم بتصرف عمار مع مريم و توقعاتكم لمستقبل علاقتهم ؟
ندى هتحاول تقرب من عمار ؟

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية نيران الغجرية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *