روايات

رواية ضروب العشق الفصل الثلاثون 30 بقلم ندى محمود توفيق

رواية ضروب العشق الفصل الثلاثون 30 بقلم ندى محمود توفيق

رواية ضروب العشق البارت الثلاثون

رواية ضروب العشق الجزء الثلاثون

ضروب العشق
ضروب العشق

رواية ضروب العشق الحلقة الثلاثون

وكأن صاعقة من السماء اصابتها بأرضها حيث فغرت شفتيها وعيناها بذهول .. وعقلها يجد صعوبة في استيعاب ما دخل لأذنيها للتو ، واقنعت ذهنها بسخافة حتى تهدأ من روعها بأنه لم يكن يقصدها بالتأكيد ، ثم عاد تقول ” ولكنه نطق اسمي وقال سينتظر عودة زين !! ” .. هزت رأسها بالنفي رافضة تصديق ما سمعته وتراجعت للخلف حتى ترحل دون أن يشعر بها ولكنها اصطدمت بمزهرية صغيرة وأصدرت ضحيجًا مرتفعًا ، انتفضت كالتي لدغتها عقرب واستدارت بكامل جسدها تحدق بالمزهرية في صدمة وجزت على أسنانها بغيظ متمتمة :
_ مش وقتك دلوقتي
همت بأن تتركها وتفر قبل أن يخرج ولكنها سمعت صوته يقول بهدوء :
_ رفيف !
اغمضت عيناها بقوة مقوسة وجهها بارتباك وغيظ من نفسها ، لتأخذ نفسًا عميقًا وتلتفت بجسدها إليه مبتسمة ببلاهة وتوتر ملحوظ ، طال نظرهم لبعضهم هو ينتظر منها أن تبدأ وهي لا تعرف ماذا تبرر حتى تفر من اسألته .. فقالت بعد لحظات من الصمت القاتل بنبرة متلعثمة :
_ أنا كـ.. كنت جاية أااا… كنت جاية .. كنت جاية ليه ؟!!
لم يتمكن من حجب ضحكته حيث أجابها ضاحكًا ببعض الجدية :
_ مالك يارفيف ؟!
تمالكت نفسها قليلًا وهتفت بإيجاز وارتباك مازال واضح :
_ آه كنت جاية اوريك حجات وآخد رأيك بس سمعتك بتتكلم في التلفون وكنت ماشية .. مش مشكلة لما تخلص مكالمتك نبقى نتكلم
وفي اللحظة التالية بضبط استدارت وفرت من أمامه كالسهم فظل هو بمكانه يفكر بما قالته بالآخير وسؤال واحد يطرحه في ذهنه ” هل سمعت شيء ياتُرى ؟! ” .
***
طرق على الباب كان قوي بعض الشيء .. غضنت حاجبيها باستغراب ثم جذبت حجابها وذهبت لتفتح ، فوجدته الحارس ويحمل بيده علبة متوسطة الحجم من اللون الوردي ، نقلت نظرها بينه وبين العلبة بريبة حتى رأته يمد يده بالعلبة هاتفًا برسمية :
_ في واحد جاب العلبة دي ياهانم وقال إن كرم بيه اللي بعتها
ضيقت عيناها بحيرة وتعجب عند سماعها لاسم زوجها ، ولكنها قالت بجدية وهي تأخذها منه :
_ طيب ياسعيد روح إنت خلاص
أماء لها بإيجاب واستدار ليتجه إلى باب المنزل الرئيسي يكمل مهتمه وهي الحراسة .. أما هي فأغلقت الباب وعيناها معلقة على العلبة التي بيدها وتفكر بفضول مالذي بداخلها ولما يرسلها كرم !! ، كانت على وشك ان تفتح الشريط الستان الملفوف حولها حتى تفتحها ولكن سمعت رنة هاتفها الصاخبة بالغرفة فاسرعت إليه لتمسك به وتتطلع إلى اسم المتصل وتبتسم بتلقائية ثم تجيب عليه في رقة :
_ نعم !
اتاها صوته الحاني وهو يقول بترقب :
_ وصلت العلبة ؟
نظرت إليها في يدها وهي تجيبه بتساءل وعينان ضاحكة :
_ اممم وصلت فيها إيه دي بقى ؟!
تمتم بنبرة عاطفية قد تكون جديدة بعض الشيء وامتزجت ببعض المكر :
_ افتحيها وهتعرفي
همت بان تجيب عليه ولكن سمعته يهتف بنبرة متعجلة وخافتة :
_ شفق أنا هقفل دلوقتي ، عشان في واحد تبع الشغل كنت مستنيه ووصل .. لما اخلص هكلمك
_ تمام
انهت معه الاتصال وجلست على الفراش ثم بدأت في فك الشريط ورفعت الجزء العلوي من العلبة فرأت رداء مطوي بانتظام داخلها كان من اللون الرصاصي ، ابتسمت باتساع واخرجته تفرده أمامها بتشويق لرؤيته كاملًا .. كان قصير يصل للركبة ونصفه العلوي مطرز بورود من نفس لونه وبأكمام طويلة وشفافة ولديه فتحة ظهر واسعة قد تظهر نصف ظهرها ، فغرت عيناها بإنبهار من جماله ووقفت تضعه على جسدها تنظر لنفسها في المرآة بوجه ضاحك ، فصك سمعها صوت رسالة وصلت للتو على هاتفها منه لتفتحها وتقرأ ما دونه بها ” البسيه بليل يا أميرتي ” ، كادت ابتسامتها الخجلة تشق طريقها حتى اذنيها ، وبداخلها تتساءل عن السبب الذي دفعه لشرائه ؟ ، ولماذا ترتديه بالأمس خصوصًا ؟ ………
***
لا يمكن أن يكون هو !! .. هل كان يبحث عنه طوال هذه السنوات وهو قريب منه ! ، والمشكلة الكبرى تكمن بزوجته كيف سيخبرها وسيبرر لها الأمر .. كيف سيخبرها بأنه السبب في عذاب أخيها لعشر سنوات كاملين ، هل ستتفهمه أم ستعصف وتغضب وتتركه ؟ .. وماذا إن عرفت بأنه كان مدمن وفي تلك الليلة كان ليس بوعيه وعائدًا من سهرة مع اصدقائه ، حتمًا لن يمر الأمر مرار الكرام وستقع الفجائع بسببه ، وهو ليس لديه الجرأة ليخبرها بكل شيء !! .
كان يقف بالمطبخ وبيده كوب الماء يرتشف منه وعيناه حمراء كالدم لا يرى أمامه من فرط غضبه ونقمه على نفسه المذنبة ، ولوهلة تمنى في قرارة نفسه وقال ” ليتني لم اقابلك ولم اتزوجك ، ليتنا تطلقنا ! ” .. تفاقم سخطه حتى وصل لذروته فالقى بالكوب الزجاج على الأرض في عنف ليتناثر إلى جزئيات صغيرة في كل مكان .
أتت مهرولة على أثر صوت كسر الكوب وقبل أن تخطو خطوة واحدة إلى داخل المطبخ اتاها صوته الخشن وهو يهتف شبه آمرًا :
_ خليكي عندك متدخليش !
ثم انحنى على الأرض وأخذ يلم قطع الزجاج الكبيرة بيده فقالت هي باهتمام :
_ زين بتعمل إيه هتتعور !!
نظرت على الأرض وسارت إليه في الداخل بحرص حتى لا تدخل زجاجة في قدمها وقبل أن تصل إليه وجدته يرفع يده عن الأرض بألم ويمسك بكفه الذي جرح وبدأ يذرف الدماء ، فشهقت بهلع وانحنت إليه تهدر معاتبة في استياء من عناده :
_ شوفت أهو اتعورت ، قوم تعالى معايا هحطلك مطهر ولازق طبي
هب واقفًا وفتح صنبور الماء يضع يده اسفله ليزيح الدماء هاتفًا بصلابة :
_ مش مستاهلة هيقف وحده
عقدت حاجبيها بريبة من أمره وقالت بحزم وهي تسحب كفه من أسفل الماء هاتفة :
_ كدا هيزيد مش هيقف .. تعالى يلا
وجذبته من يده ناحية الغرفة شبه عنوة واجلسته على الفراش .. ثم جذبت المطهر وقطنة وجلست بجواره تمسك بيده وتضع عليها القطنة التي سكبت القليل من المطهر فوقها ، فاغمض هو عيناه متألمًا ، ثم رفعت يدها ووضعت اللازق الطبي على الجرح وقالت بتدقيق وخفوت بعد أن ثبتت نظرها عليه :
_ مالك يازين إنت مضايق من حاجة ؟!
مسح على وجهه وقال مهمومًا بزفير قوي :
_ قولي في إيه مش مضايقك
اقتربت منه أكثر ومدت اناملها لذقنه تدير وجهه تجاهها هامسة بنبرة حانية وأعين دافئة :
_ احكيلي ياحبيبي وارمي همومك عليا
لمعت عيناه بالدموع وغمغم بيأس وخوف :
_ ياريت اقدر احكيلك .. بس صدقيني مش هقدر !
_ ليه ؟!!
سألت باستغراب فادرك هو ما قاله ولملم شتات نفسه ليظهر الثبات أمامها ويحتضن وجهها بين راحتي كفيه ثم يقترب بشفتيه من جبهتها ويطبع عليها قبلة رقيقة ، ويترك وجهها ليلف ذراع حول خصرها والأخر أعلى ظهرها يضمها إليه ويدفن وجهه بين ثنايا رقبتها يلثمها بقبلات متعددة وحانية هامسًا بصوت عاشق :
_ بحبك أوي ياملاذي
ضيقت عيناها بحيرة من تصرفاته الغريبة ونبرته المختلفة ولكنها ابتسمت بحب وهمست تبادله نفس المشاعر :
_ وأنا كمان بحبك ياروح ملاذك
***
انتهت من ارتداء ملابسها والقت نظرة أخيرة على مظهرها في المرآة قبل أن تستدير وتغادر الغرفة .. هبطت الدرج بثقة وثبات حتى وصلت إلى آخر درجاته فرأته يجلس على مقعد وبيده كوب الشاي خاصته يرتشف منه بهدوء ، تصنعت عدم رؤيته وأكملت طريقها باتجاه الباب ولكنها سمعت صوته الرجولي يهتف :
_ يسر رايحة فين ؟!
وقفت وتأففت بخنق لتجيبه دون أن تلتفت له :
_ حاجة متخصكش
واستمرت بسيرها حتى وصلت إلى الباب ومدت يدها للمقبض ، فجذبها هو قبل أن تفتحه هاتفًا بصرامة :
_ يعني إيه ميخصنيش !!
سحبت يدها بعنف هاتفة بقوة :
_ لو فاكر الاتفاق اللي اتفقناه امبارح كان محدش ليه دعوة بالتاني صح ولا لا .. يعني إنت ملكش حق تسألني
ليس لديه حق !!! .. كان على لحظة وسيفقد أعصابه ويذكرها بأنه زوجها ، ولكنه هو الذي اختار هذا الاتفاق وسيضطر بأن يلتزم بشروطه إلى النهاية .
تمتم بهدوء مزيف :
_ صح يا يسر .. بس مفهاش حاجة لو قولتيلي رايحة فين وخصوصًا إننا مش في مصر
لوت فمها وقالت باقتضاب :
_ رايحة لخالتو اتصلت بيا وكانت عايز تجيني وتاخدني هي وراسل ، بس قولتلها أنا هجيلك وهتكلم معاها وافهمها
تجاهل سماعه لاسم ذلك السمج .. وقال بنبرة حازمة :
_ طيب تعالى هوصلك يلا
صاحت به مندفعة بغضب :
_ وتوصلني ليه !! .. حسن ابعد عني أنا مش طيقاك أساسًا
ابتعد من أمامها وعاد إلى مكتبه ليجذب مفاتيحه وهاتفه ويلحق بها .. كانت على وشك أن تقف سيارة أجرة ولكنه جذبها من ذراعها هاتفًا وهو يشير بعيناه على السيارة :
_ يلا
دفعته صارخة بانفعال :
_ متلمسنيش فاهم ولا لا
رفع كفيه عنها متمتمًا باستسلام واعتذار :
_ أنا آسف .. يلا اركبي
رمقته باشمئزاز ثم تحركت باتجاه الشارع واوقفت سيارة لتستقل بها غير مبالية له .. كور قبضة يده يجاهد في السيطرة على طوفانه العاتي وهو يرى تلك السيارة تتحرك بها .. التفت باتجاه سيارته وركلها بقدمه في عنف يفرغ بها شحنة غيظه المكتظة بداخله ويتمتم متوعدًا وهو يفتح الباب ليستقل بمقعده المخصص للقيادة :
_ ماشي يايسر .. أنا وإنتي والزمن طويل لما نشوف أخرة عنادك ده
ثم حرك محرك السيارة وانطلق وهو يكمل وعيده لنفسه مهمهمًا :
_ قال اطلقك !! .. تبقى بتحلمي ، ودلوقتي جه دوري عشان اوريكي الجنان على أصله !!
***
انضم إليها وجلس على المقعد المقابل إليها في الطاولة .. فتحاشت هي النظر إليه بارتباك ملحوظ في قسمات وجهها ، مما جعل الشك يتعشش أكثر داخله بأنها قد سمعت حواره مع صديقه ، وبالرغم من ذلك لم يستمع لأفكاره واقنع نفسه بأن الأمر لا يخص ذلك الشيء .. سألها بابتسامة هادئة :
_ هااا وريني عشان اختار معاكي
أماءت له برأسها وفتحت المجلة ثم وضعتها في منتصف الطاولة بينهم وبدأت تملي عليه رأيها في بعض الأشياء ليشاركها هو برأيه الذي كان متفق معها في بعض الأشياء والآخر مختلف ، وما لاحظه أن ارتباكها لم يهدأ بل كما هي على وضعها فانتابه الفضول بشدة حول السبب ليسألها بوضوح دون مراوغة :
_ رفيف هو إنتي سمعتي كنت بقول إيه في التلفون لما جيتي ؟
تسارعت نبضات قلبها وشحب لون وجهها ، انعقد لسانها ولم تجد الكلمات المناسبة لتجيبه بها ، طال صمتها لثواني طويلة وهي مازالت في اضطرابها لا تتمكن من الفرار ، فاصابتها حالة من الغضب .. ليست عليه بل من نفسها حيث وجدت نفسها تهتف شبه منفعلة وبتلعثم :
_ اسـ.. اسمع إيه يعـ.. يعني ، ثم إن قصدك إيه يابشمهندس إني سمعت حاجة .. هكون بتصنت عليك مثلًا ولا إيه !!
قالت آخر جملها وهبت واقفة ليسرع هو ويستقيم من مقعده متمتمًا بصدق واعتذار :
_ لا والله مش قصدي كدا أبدًا ، أنا آسف حقك عليا لو ضايقتك ، ممكن تقعدي عشان نكمل الشغل
حدجته بأعين زائغة وبداخلها تحمد ربها بأنها تمكنت من الهرب منه ! .. ثم جلست مجددًا وهو يقسم بداخله أن هناك شيئًا ليس بطبيعًا بها ، وحتمًا سمعت شيء ويجعلها متوترة هكذا .. لم يشغل تفكيره كثيرًا الآن بهذا الأمر حتى لا يزعجها أكثر وأكملا عملهم برسمية شديدة كالعادة وبعد انتهائهم هي رحلت أولًا وتركته يفكر ويفكر .. ليس بما حدث اليوم فقط ، بل بكيف سيفاتح ” زين ” بأمر الزواج وماذا سيفعل .. وهل ستوافق وتقبل به أم سترفض كأى امراة بمحلها !! …..
***
التقطت من كف خالتها كوب العصير وارتشفت منه بهدوء ليأتيها صوت خالتها الغاضب :
_ هو لعب عيال يعني إيه يطلقك ويردك
يسر بخفوت :
_ خالتو أنا مبقتش قادرة اعيش مع حسن أو بالأحرى معنديش استعداد إن آجي على نفسي عشان خاطره تاني أو اغامر باللي باقيلي من كرامتي ، وهو ميستهلش أساسًا
قالت الخالة في ضجر :
_ ولما هو ميستاهلش بتقوليلي إنك هتقعدي معاه دلوقتي ليه !!
هيمن عليها الصمت للحظات وهي تبحث عن اجابة تقنع بها نفسها قبل محاولتها لاقناع خالتها ، بلا جدوي ! .. اجلفت نظرها أرضًا وهي تقول بأسى :
_ مش عارفة
_ لو بس تريحيني يابنتي وتفهميني إيه اللي حصل بينكم
تنهدت طويلًا وقالت بنبرة بائسة :
_ مش هتفرق سواء حكيت أو لا ياخالتو .. أنا بس هشوف اخرتها معاه ، وافقت اقعد معاه الفترة دي بس لغاية مانتطلق
ملست على كفها بحنو هامسة في نظرات حانية :
_ ربنا يصلح حالكم يابنتي .. أكيد ميرضناش أنا وابوكي وأمك نشوفك مطلقة .. وطالما إنتي عايزة تقعدي معاه وتديله فرصة تاني براحتك
تشدقت يسر بحدة وغيظ :
_ لا أنا مقولتش هديله فرصة .. ومستحيل اديله فرصة قرار الطلاق قرار نهائي بنسبالي .. ليه اديله فرص تاني عديم الاحساس والغبي ده ، أساسًا هو ميستهلش الحب اللي حبتهوله واللي عملته عشانه
ضحكت خالتها بخفة على نقمها منه وطريقتها العدوانية وهي تتحدث عنه ، ثم هبت واقفة وقالت وهي تتجه ناحية المطبخ :
_ طيب تعالي هوريكي كام حاجة عملتها
استقامت ولحقت بخالتها ، وتتمتم لنفسها مستنكرة باستياء ” اديله فرصة ! .. هو أنا عبيطة عشان اسمحله تاني يستغل حبي ليه !! ” سمعت صوت خالتها وهي تصيح منادية عليها أن تأتي فاسرعت في سيرها تجاه المطبخ …..
***
في المساء………
كان يجلس أمام المسبح وينزل قدميه في الماء .. ينحني بظهره للخلف مستندًا على كفوفه الموضوعة على العشب القصير وعيناه معلقة على السماء يتابعها بشرود ، فخرجت هي من المنزل وكانت ترتدي منامة فطنية قصيرة وضيقة تصل إلى فخذيها ، اقتربت منه حتى جلست بجواره وانزلت هي الأخرى قدميها في الماء متمتمة في رقة :
_ سرحان في إيه ؟
لم ينزل نظره عن السماء حيث أجابها بهدوء تام ونبرة جادة :
_ فيكي
ضيقت عيناها ومن ثم رسمت ابتسامة عريضة على شفتيها لتجيبه بفضول :
_ بتفكر في إيه فيا بقى ؟!
لم تجد منه رد وكان ساكنًا كما هو لا يتحرك ، فلوت فمها بيأس وفهمت أنه لا يزال مهمومًا ، بالرغم من أنها لا تعرف سبب ضيقه إلا أنها لم تضغط عليه وفضلت تركه على راحته حتى يشعر بنفسه مستعد لكي يسرد لها مايغضبه ، ولحين هذا الوقت بالتأكيد لن تتركه مهمومًا هكذا .. ابتسمت بخبث ثم لفت ذراعها حول ظهره من الخلف متصنعة معانقته وبحركة غدر منها لم يكن متوقعها .. القت به في الماء فالتقط انفاسه بعد أن أخرج رأسه من أسفل الماء ومسح على وجهه يزيح الماء عنه ويرجع خصلات شعره للخلف ، استقرت منه نظرة نارية عليها بالأخص بعدما رآها تضحك وتقول بشماتة :
_ أيوة الميا حلوة وهتخليك تفك بدل ما أنت قالب وشك من الصبح في وشي وكأني أنا اللي مزعلاك
ثم انحنت للأسفل تضع يدها في الماء وترشها عليه وهي تضحك قائلة بمشاكسة :
_ اضحك اضحك !!
كانت نظراته لها مغتاظة فمد يده من اسفل الماء وجذبها من قدمها لتسقط معه فيسمع انينها وهي تهتف :
_ اووووف الميا ساقعة أوي
نكزته في كتفه بقوة مغتاظة وهي تهدر :
_ طلعني طلعني بردانة
تمتم بلؤم مبتسمًا :
_ اضحكي يلا مش الميا حلوة
احتكت اسنانها ببعضهم وعادت تلكمه في كتفه من جديد وهي تصيح :
_ أنا غلطانة إني عايزة افرفشك
أخيرًا ضحك بصوت مرتفع ولف ذراعه حول خصرها يجذبها إليه ويبعد خصلات شعرها المبتلة عن وجهها وعيناها متمتمًا في عشق وهو يلتصق بجبهته على جبهتها :
_ بحبك
تلاشي غضبها في لحظة ولاحت بشائر الابتسامة الواسعة على شفتيه وهمست بعاطفة جيَّاشة :
_ وأنا كمان
اغار عليها يدفن وجهه بين ثنايا رقبتها يلثمه بقبلات متفرقة فاطلقت هي ضحكات متتالية ومرتفعة محاولة إبعاده وهي تهتف من بين ضحكاتها :
_ بس يازين دقنك بتزغزغ والله
سمعت همسه الماكر مع ابتسامته الواسعة وغمزة عيناه :
_ دقني !!!
امسكها من خصرها ورفعها لأعلى لتجلس على حافة المسبح وخرج هو خلفها ثم انحنى إليها وحملها متجهًا به للداخل فقالت هي بترقب لسماع الإجابة وبأعين زائغة :
_ في إيه ؟!
_ في كل خير ياحبيبتي .. مش إنتي اللي كنتي عايزة تفرفشيني
مالت برأسها للخلف وهي تضحك بعدم حيلة حين فهمت بأن هي من ايقظته من خموده وستتحمل النتائج .. سار بها حتى وصلا للغرفة ودخلا لتبدأ ليلتهم الرومانسية ! ……
***
ترجلت من السيارة أمام منزل مكون من طابقين أشبه بمنزل خالتها بالضبط ، راته يتحرك باتجاه الباب الحديدي فسارت خلفه بخطوات ثابتة ووقفت تنتظره يخرج المفاتيح ليدخلها في القفل ويفتح الباب ، سبقها هو أولًا بالدخول ثم لحقت به واغلق الباب الحديدي من جديد ، فرأت بمجرد دخولها باب شقة عريض من اللون البنى وعلى الجانب سلم يرتفع للطابق الثاني والشقة الثانية .. لفت رأسها ناحيته وقالت بقوة :
_ إنت هتقعد هنا صح ؟
هز رأسه بالإيجاب وواضح عليه علامات الخنق من ذلك الوضع ولكنه مضطر حتى يستطيع إصلاح علاقتهم تدريجيًا وليثبت لها ندمه الحقيقي ، صعد الدرج متجهًا للطابق الثاني وهو يقول بصلابة :
_ تعالي عشان اوريكي الشقة اللي فوق
صعدت الدرج خلفه حتى وصلا أمام باب الشقة الثانية فأخرج المفتاح ووضعه في القفل لينفتح الباب وتدخل هي أولًا هذه المرة ثم هو .. ترك الباب مفتوحًا ولحق بها وهي تتجول في انحاء الشقة المكونة من غرفتين وحمام متوسط مع مطبخ كبير نسبيًا ، وقفت في منتصف المنزل وقالت بحزم :
_ تمام يبقى من بكرا إن شاء الله هتبدأ في الاجراءات ومتنساش اتفاقنا
حدجها بصمت للحظات طويلة يدقق النظر في عيناها بحثًا عن أي نور يبعث الأمل في نفسه بأنها لا تزال تحمل له الحب في أعماقها ، لكنه لم يرى سوى جمود مشاعر ونظرات جافة فغمغم بأسى :
_ أنا مش وحش يايسر .. أنا يمكن أكون اناني وعندي عيوب كتير وإنتي مشوفتيش غير عيوبي مشوفتيش غير حسن القاسي والمغرور والأناني ، وأنا عايزك تديني فرصة عشان اخليكي تشوفي حسن مختلف تمامًا عن اللي تعرفيه واحد إنتي متعرفهوش ومحدش أصلًا يعرفه
رمقته بعينان عاجزة ومنكسرة لتجيبه هذه المرة برزانة وهدوء :
_ كل اللي حصل بينا غلطة بداية من جوازنا وحتى الآن ، احنا مننفعش لبعض أنا كنت باجي على نفسي عشان خاطرك وبقول هيتعدل وصبرت على معاملتك بس ملقتش منك فايدة فمتقولش دلوقتي إنك عايز ترجعني وإنك هتكون شخص مختلف .. اللي شوفته منك كفاية أوي وكافي إنه يخليني مثقش فيك أبدًا ، بالمختصر المفيد أنا بقيت بكرهك ياحسن
استفزته جملتها الأخيرة وهيجت عواصفه حيث حاوطها من ذراعيها وهو يهزها ويثبت عيناه على عيناها هاتفًا باصرار :
_ متقوليش إنك بتكرهيني مستحيل اصدق .. قوليها وإنتي بتبصي في عيني .. قولي بكرهك !
اطالت النظر في عيناه بسكون ، أثرتها نظراته وعيناه واحست بأنها ستعانقه بدلًا من أن تقل له اكرهك ، ولو انتظرت للحظة أخرى لخرت بين ذراعيه مستسلمة لشوقها له .. فانقذت نفسها ودفعته بعيدًا عنها بعنف صارخة في انفعال هادر وتحذير لا يحمل التهاون :
_ قولتلك مليون مرة متلمسنيش .. إياك تقرب مني وإيدك دي لو لمستني تاني ياحسن هقطعالك .. اطلع برا وامشي يلا
لم تقلها .. فشلت والسبب لا يحتاج لشرح ، فهي لم تتمكن من نزعه من قلبها ، مازالت مشاعرها حية وقلبها ينبض كلما تراه .. فقط كل ما في الأمر أنها رائعة في القسوة وتصنُّع الكره والبغض ، تنجح في إظهار مشاعر النقم بمهارة وتتمكن من التحكم في زمام عواطفها بإتقان !! .
وجدها تدفعه بعصبية صائحة :
_ بقولك امشي
لملم شتات قلبه الممزق واستدار مغادرًا الشقة بأكملها فاسرعت هي خلفه واغلقت الباب بالمفتاح ثم جثت على الأرض وانفجرت باكية بعنف ثم وضعت كفها على بطنها وتمتمت بصوت مبحوح محدثة طفلها :
_ ميستهلش اديه فرص .. ميستهلش يعرف بوجودك حتى .. كسرني وودمرني وكان عايز يقتل ابنه ، ومنتظر مني دلوقتي اصدق ندمه وإنه اتغير !!
وصل هو أمام باب شقته وفتح الباب ثم دخل واغلقه خلفه متجهًا إلى الغرفة بوجه بائس وحزين ، لكن صك سمعه صوت رنين الهاتف فامسك به واجاب بعد أن رأى بأنه رقم مصري :
_ الو
اتاه صوت طاهر الحازم وهو يهتف باستياء :
_ بتعمل إيه في امريكا ياحسن ؟
_ أنا آسف ياعمي عارف إني كان لازم اقولك بس ….
قاطعه طاهر وهو يصرخ بصوت جهوري :
_ بس إيه !! .. هو لعب عيال عشان تطلق وقت ما تحب وترد وقت ماتحب
تنهد الصعداء بعبوس وتمتم بنبرة صادقة وبها بحة :
_ غلطت لما طلقتها وندمت ندم عمري .. مقدرتش استحمل بعدها عني ياعمي والله وحشتني أوي ومكنتش هقدر اكمل الاجراءات ، ولما عرفت إنها سافرت مع راسل اتجننت وسافرت وراها علطول ورديتها …
صمت لثلاث ثواني ثم استرسل حديثه باعتراف لاول مرة يعترف به :
_ أنا بحب مراتي ياعمي ومش عايزها تبعد عني
يستطيع القول بأن عاصفة عمه الهائجة قد هدأت قليلًا وأكمل بغضب لكن اقل :
_ ومفكرتش في ده ليه قبل ما توصل الحال بينكم للوضع ده .. أنا كنت شايف حالة بنتي إزاي كانت متدمرة ومستحيل اسمحلك توصلها للحال ده تاني
قال مسرعًا في صدق وهو يقطع الوعود :
_ لا صدقني مستحيل ازعلها واكسرها تاني .. أنا أساسًا جيت عشان اخليها تسامحني ومش هنرجع مصر إلا وكل حاجة بينا رجعت زي الأول .. أنا عايزك بس تسمحلي وتصدقني أنا المرة دي بجد عرفت قيمتها كويس ولا يمكن اخسرها تاني ، وعد مني ياعمي مش هزعلها ابدًا
لم يجد اجابة من عمه للحظات حتى هتف بقبول بعد أن احس بأنه صادق حقًا :
_ ماشي ياحسن .. بس لو حصل واتكرر وبنتي جاتلي زي المرة اللي فاتت مش هيهمني وأنا بنفسي اللي هاخدك على المأذون وهننهي كل حاجة في وقتها
_ اطمن مش هيتكرر تاني
_ لو يسر جمبك اديني اكلمها
_ لا مش جمبي الصبح هتصل بيك واخليك تكلمها .. أنا أساسًا كنت بتكلم معاها وبحاول معاها بس هي رافضة تديني فرصة حتى فسبتها ومشيت لما اتعصبت
هتف طاهر بحكمة وهدوء :
_ لو إنت بتحبها بجد يبقى اثبتلها ده بالأفعال مش الكلام
ثم انهي الاتصال فانزل حسن الهاتف من على اذنه وتطلع إلي شاشته بتفكير فيما قاله عمه بالآخير !! …..
***
وصل إلى المنزل .. ترجل من سيارته وقاد خطواته باتجاه الباب ، فتحه بهدوء ودخل لينزع عنه حذائه بجانب الباب ويضعه في الرفوف الصغيرة المصنوعة من الخشب ( جزامة ) .. كالعادة سكون تام في المنزل فهتف وهو يسير ناحية الغرفة :
_ شفق !!
لم يجد إجابة منها ، واصل سيره حتى وصل للغرفة وفتح الباب ببطء وادخل جزء من رأسه ينظر لها ، فرآها تجلس على الأريكة الصغيرة وترفع قدميها بجانبها ومستندة برأسها على ذراع الأريكة ونائمة .. دخل بجسده كله واغلق الباب بحرص شديد واقترب منها وهو يطالعها مبتسمًا بإعجاب فقد ارتدت الرداء الذي قام بشرائه لها وتجهزت لعودته ولكنها لم تتمكن من مقاومة النوم حين تأخر فغلبها ونامت ، جلس القرفصاء أمامها وقد ارتفع الرداء قليلًا حتى اظهر عن نصف قدمها ، شعرها المائل للكستنائي والناعم يغطي نصف وجهها ، تمتلك ملامح طفولية بريئة ووجه صغير ورائع ، لديها شفاه صغيرة وردية مثيرة ، مع عينان واسعة بعض الشيء وبشرة نقية وناعمة .. هي حقًا كالملاك .
قرر أن يهدم ذلك الحاجز الذي يصنعه هو بينهم .. تمكنت من السيطرة عليه في فترة قصيرة وأصبح شبه متأكدًا من مشاعره تجاهها وما يؤكد له هذا رغبته الدائمة بها ، انجذابه لرقتها وجمالها وفي كل مرة ينجح بصعوبة في السيطرة على رغباته ، وفشل في ليلة عيد ميلاده وكالمغيب الذي لا يشعر بشيء فعلها .. وليكون أكثر وضوحًا تلك القبلة ايقظت فطرته الرجولية واصبح لا يكتفى بمجرد قبلة !! ، ولذلك ارسل لها ذلك الرداء حتى يشهد على بداية حياتهم واعترافه ! .
مد انامله يبعد خصلات شعرها بلطف ففتحت هي عيناها واعتدلت حتى جلست وقالت وهي تفرك عيناها بخجل :
_ أنا آسفة .. استنيتك كتير ومقدرتش اقاوم والله
انتصب ووقف ثم جلس بجوارها وتمتم بحنو ونظرات ساحرة :
_ بتتأسفي علي إيه !! ، أنا اللي المفروض اتأسف لإني اتأخرت عليكي وأنا اللي قايلك البسي الفستان واستنيني
_ أنا مش عارفة نمت إزاي .. مكنش عليا النوم خالص
رأته يمعن النظر بها بابتسامة ونظرات تراها لأول مرة ، ورغم أن نظراته وابتسامته التي تسحرها جميلة إلا أنها اربكتها واخجلتها فقررت التخلص من هذا الوضع حيث وثبت واقفة وارجعت خصلات شعرها خلف أذنها وتدور حول نفسها في حركة دائرية وهي تممايل يمينًا ويسارًا هاتفة بسعادة وفرحة طفولية :
_ عجبني أوي الفستان وشكله حلو جدًا عليا مش كدا ؟!
تأملها وهي تتمايل كالفراشة وقد زادت الابتسامة العاشقة اتساعًا على شفتيه ، كأن الرداء صنع خصيصًا لها ، جمالها ليس طبيعيًا بل ساحر ومثير وجذاب .. ولم تكتفي بجمال الفستان عليها بل تركت العنان لشعرها الرائع ليتطاير معها وهي تتمايل فيجننه أكثر .. تجمدت بأرضها حين رأت نظراته وقد تفاقم خجلها الضعفين فارجعت ذراعيها للخلف تفرك باناملها في استحياء وتوتر ملحوظ مع أعين مضطربة ، ضحك بخفة بعدما رأى توترها ووقف يقترب منها ويلف ذراعه حول خصرها هامسًا في هيام ونظرة تأثر أقوى النساء :
_ شكله مش حلو بس .. لا ده يسرق العقل هو واللي لابساه
طرق قلبها كالمطرقة وانعقد لسانها ، فابتلعت ريقها بصعوبة واحست بارتخاء اعصابها ولو استسلمت لسقطت بين ذراعيه فاقدة الوعي ، ولكنها تمالكت نفسها وحاولت عدم إظهار تأثرها وخجلها حيث سألت بنبرة عادية مزيفة :
_ إنت اشمعنى اخترت اللون ده ؟!
_ شوفتك قبل كدا لابساه وعجبني أوي عليكي
سكتت تفكر وتستعيد الوان واشكال ملابسها ثم تجيبه باستغراب :
_ بس أنا معيش اللون ده في هدومي خالص !!
استقرت في عيناه نظرة لئيمة وهمس بنبرة تحمل معاني ليست بريئة :
_ معاكي
ضيقت عيناها بفضول حقيقي وقالت بحيرة ورغبة في معرفة الذي يقصده :
_ إيه هو ؟!!
انحنى لمستواها قليلًا وهمس في أذنها بشيء جعلها تفغر فمها وعيناها بذهول ويتحول وجهها كله لبندورة حمراء وليس وجنتيها فقط .. رجع برأسه للخلف واجابها ضاحكًا يتصنع البراءة بعدما رأى تأثير ما قاله عليها :
_ متفهمنيش غلط أنا شفته بالصدفة مكنتش اقصد يعني
لا زالت على حالتها تطالعه بدهشة وحياء حتى سمعها تقول أخيرًا مصدومة :
_ كرم إنت طلعت منحط !!!!
زم شفتيه بضحك يتصنع الحزن والأسف وهو يغمغم بإيجاب :
_ مع الأسف
رغم خجلها احست بأن ابتسامتها ستنطلق على طريقته وهو يجيبها بأسف مزيف ويمثل البراءة أمامها ، فاستدارت فورًا وفرت هاربة للحمام تختبأ به من وضعها المحرج ، وكلما تتذكر همسه في أذنها تندهش أكثر ويتضاعف استحياءها ………
***
فتحت هدى الباب ودخلت وسارت ناحية فراش ابنتها التي كانت جالسة وتتصفح هاتفها الذكي اللمس .. جلست بجانبها وقالت في صوت منخفض :
_ بت يارفيف
اجابتها دون أن تنظر لها :
_ نعم ياماما
_ إنتي كنتي قاعدة مع حسن قبل ما يسافر ماقالكيش هو رايح امريكا ليه ؟!
تركت هاتفها وابتسمت باستمتاع عندما اتخذ الحديث هذا المجرى ، نظرت لأمها وقالت بخبث :
_ إنتي تتوقعي سافر ليه !!
_ لـــيــه ؟!!
سألت هدى بكامل العفوية وعدم الفهم لتهتف رفيف بجدية :
_ يادودو ركزي .. يسر سافرت يبقى هو هيكون سافر ليه ؟
تهللت اساريرها واشرق وجهها بسعادة غامرة مردفة :
_ قصدك إنه راح وراها يعني !!
_ آه واسمعي الكبيرة كمان .. أنا كنت بتكلم معاه وبقوله يسر سافرت مع راسل وهو اول ما سمع اسم راسل وشه جاب الوان الطيف واتحول ولقيته بيقولي إنه هيسافر وراها والغيرة كانت بتاكل فيه أكل كدا .. يعني كمان مش بعيد يكون ردها
انفرجت شفتيها وكادت أن تشق الابتسامة طريقها لاذنيها .. ثم رفعت كفيها للسماء هاتفة وهي تدعي بفرحة :
_ يارب يكون ردها .. ربنا يهديك يابني ويصلح حالك إنت ومراتك ، ده أنا النهردا هنام وأنا مرتاحة ومبسوطة بسبب الخبر ده
رتبت رفيف على صدرها وهي تقول بفخر :
_ البركة فيا طبعًا
هتفت هدى بانشكاح وحنو :
_ أيوة وعشان كدا ليكي عندي صينية كيكة من اللي بتحبيها بكرا إنما إيه هتاكلي صوابعك وراها
مطت شفتيها باحتجاج وهي تقول متذمرة :
_ إيه ياماما هي أي هدية عندك أكل .. أنا عايزة حاجة حلوة فلوس مثلًا أو هدية تشتريهالي
رتبت هدى على كتف ابنتها وهي تقول بابتسامة مزيفة :
_ لا ياحبيبتي الفلوس مضرة بالصحة ، الاكل مفيد وأهو تتخني شوية بدل ما إنتي شبه عود القصب كدا
_ ماما مش عايزة منك حاجة خلاص شكرًا جدًا !!
قالتها بخنق بعدما شبهتها بعود القصب لتنفجر هدى ضاحكة وتهب واقفة متمتمة وهي تتجه لخارج الغرفة :
_ هعملها ليكي برضوا !!
***
داخل منزل طاهر العمايري …..
الجميع مجتمع حول مائدة الطعام ويتناولون عشائهم في هدوء قاتل لا يصدر صوت أي منهم .. حتى خرج صوت علاء أخيرًا وهو يسأل بخشونة :
_ كلمت حسن يابابا ؟
_ أيوة كلمته وقالي أنه مش عايز يخسر يسر وردها عشان يحاول يصلح علاقتهم
عاد يسأل بملامح جامدة :
_ ويسر أيه رد فعلها
_ هكلمها بكرا الصبح واشوف
_ مع إني مش عاجبني الوضع ده من ساعة ماسابت بيتها وجات هنا وبحاول اتجنب حسن على قد ما أقدر عشان متحصلش مشكلة بينا .. بس أهو خلينا نشوف آخر العناد والغباء اللي هما فيه هيوصل لفين
تحدثت الأم أخيرًا بنبرة حادة :
_ أنا مس هسمح لحسن يكسر بنتي ويزعلها تاني عشان يكون في علمكم .. وأنا بنفسي هكلم بنتي الصبح ولو حسيت إنها مضايقها أو نبرة صوتها مش طبيعية مش هسكت
هتف طاهر بنبرة رجولية قوية :
_ بنتك وحسن لسا شباب صغيرين وطبيعي تحصل مشاكل بينهم كدا .. أنا اللي خلاني وافقت ومشيت ورا كلام بنتي لما شوفتها إزاي مش عايزة تكمل ومتدمرة ، لكن لو عليا أكيد مش هكون حابب أن الأمور بينهم توصل للوضع ده .. وطالما هو متمسك بيها بالشكل ده خلاص نسيبهم يحلوا اللي بينهم مع بعض ، وادعيلهم ربنا يهديهم
أجابت شبه مستنكرة باحتجاج :
_ آه خليك إنت في صف ابن اخوك كدا دايمًا كأنه ملاك مبيغلطش !
تأفف بصوت مسموع ونفاذ صبر ، ولم يعيرها إهتمام كثيرًا حيث تجاهل ما قالته وغير مجرى الحديث ، عندما نظر لميار وقال بصوت أجشَّ :
_ أنا قدمتلك في الجامعة اللي في القاهرة هنا عشان تكملي السنة اللي فاضلة ليكي .. وأظن كدا موضوع المانيا ده ميتفتحش تاني أبدًا ياميار
مجبرة ومضطرة على الخنوع لأوامر عمها ، فليس أمامها سبيل غير الإذعان سواء له أو لزوجها .. اطرقت رأسها أرضًا وأماءت بخفة في موافقة ، بينما علاء فنقل نظره بين أبيه وبينها في أعين ملتهبة بشرارات الغضب وهدر بهدوء ماقبل العاصفة :
_ إنت قدمتلها من غير ماتقولي يابابا !!
تشدق طاهر بثبات ونبرة صلبة :
_ أيوة قدمتلها عشان تكمل وتاخد شهادتها ، أكيد مش هنعاقبها على الغلط اللي عملته بدراستها يعني
رمقها علاء بنظرة دبت الرعب في أوصالها ثم هتف بلهجة صارمة وساخطة :
_ بس أنا مش موافق ومش هتكمل
تبادلوا جميعهم نظرات الاستغراب باستثناء ميار التي اعتاظت بشدة وهمت بأن تجيب عليه ولكن رأت عمها يرفع كفه يطلب منها عدم الحديث فسكتت ، ليتحدث طاهر بنظرة حازمة :
_ وأنا اللي قولت هتكمل ولا إنت هتكسر كلمتي بقى يا أستاذ
هدأت نبرة علاء قليلًا احترامًا لوالده وقال بنبرة مهذبة واصرار على قراره :
_ لا مش بكسر كلمتك يابابا ولا حاجة .. بس أنا مش عايزها ترجع الجامعة تاني
استشاطت بشدة من تحكمه في مستقبلها دون أن يأخذ رأيها حتى .. فهدرت ساخطة شبه منفعلة :
_ أنا دراستي أهم حاجة عندي ومستحيل مكملش
هنا انفجر البركان حيث صرخ بصوته الجهوري وهو يضرب بكفه على سطح المائدة وعيناه حمراء كالدم :
_ وأنا قولت مش هتكملي .. أنا إيه ضمني تعملي إيه في الكلية ولا تتعرفي على مين ، طول ما إنتي على ذمتي مش هتطلعي من البيت ، كفاية الفضيحة اللي داريتها عليكي ، لما اطلقك يبقى وقتها اعملي اللي تعمليه مـ…..
صاح طاهر منفعلًا وبنبرة عالية :
_ عـــــــــلاء
سكت تمامًا بعد صيحة أبيه وهو يزفر النيران من بين شفتيه ، أما هي فطالعته بأعين دامعة تحمل الخزي .. بالرغم من كل ماسردته له حول حياتها كيف ، وماحدث معها بالضبط واوضحت له أنها لم تفعل شيء بإرادتها بل ومن المستحيل أن تفعل شيء كهذا من الأساس ، لم يصدقها ومازال يتهمها بالفسق وأنها قد تفعل أي شيء مخل .. كل ما قالته له لم يثمر ذرة واحدة من الثقة بينهم !! .
رجعت بالمقعد للخلف وهبت واقفة لتهرول راكضة إلى غرفتها بالأعلى ، بينما طاهر فوقف هو الآخر والقى نظرة غاصبة على ابنه يهتف بلهجة آمرة لا تقبل النقاش :
_ طيب احترم وجودي يابشمهندس حتى ولا كبرت علينا خلاص عشان تتكلم بالطريقة دي قدامي ، ولعلمك أنا مكنتش باخد رأيك أصلًا في موضوع الجامعة وكلامي كان واضح لما قولت قدمتلها وهتكمل ، يعني سواء وافقت أو رفضت
فاللي قولته هيتنفذ ياعلاء
ثم استدرات واتجه لمكتبه لتهم الأم بمحادثة أبنها وتهدئتها قليلًا ولكنه هو ايضًا استقام وانصرف مغادرًا المنزل كله ، لتلتفت هي حولها الثلاثة كل منهم ذهب في جهة وبقيت هي بمفردها على المائدة ، ولكن هل هناك شهية للطعام بعد كل ماحدث .. بدأت في توضيب المائدة ووجهها تمكن منه العبوس ! ……
***
خرجت من الغرفة واتجهت إليه حيث كان جالسًا على الأريكة بالصالون ، بمجرد ما أن رآها قال باسمًا :
_ تعالى
فرد ذراعه يحثها على الانضمام إليه لتطيل النظر بسكون دون أن تتحرك والخجل يستحوذها كليًا ، فيتنهد شبه ضاحكًا ويعتدل قليلًا في جلسته ويجذبها من ذراعها لترتمي بين ذراعيه ويقول مشاكسًا :
_ مالك مكسوفة مني أوي كدا ليه ؟!!
انزوت نظرها عنه باستحياء وتمتمت بنبرة تحمل الاستنكار :
_ المفروض متكسفش مثلًا بعد اللي قولته من شوية !!
قرب وجهه منها وحرك انفه على وجنتها يداعبها ويهمس بنفس نبرة المكر التي سمعتها منه منذ دقائق :
_ أنا برأى وفري الكسوف ده للمراحل الجاية
يصدمها كلما يتحدث فهذا لا يمكن أن يكون ” كرم ” الذي تعرفه حق المعرفة ، أين حيائه وأخلاقه .. صدمها من قبل عندما رأت جانبه المخيف والآن يصدمها الضعفين وهي ترى بشائر انحرافه معها !! .
ابتعدت بعض الشيء عنه وقالت منذهلة بنظرات بريئة :
_ أنا اللي المفروض اسألك مالك ياكرم ! .. لتكون شارب حاجة ؟!!
قهقه بخفة وعاد يجذبها إليه مجددًا ويكمل ولكن هذه المرة بنبرة جادة بعض الشيء :
_ تعالي هحكيلك مالي
سكنت وانتظرته حتى يبدأ في الكلام فسمعته يهتف في البداية بجمل غامضة لم تفهم منها شيء ! …..
_ الأرض الزراعية لم صاحبها بيهملها بتجف وبتبقى صحراء ، زيها زي لما تكوني مهتمة بوردة ويجي حد ينتف منها جزء بتدبل وبتموت ، عشان أكون اوضح بظبط زي شخص مريض بائس وجروحه ملهاش علاج والدكاترة كلهم تنبأوا بموته القريب ، وفجأة القدر يبعتله العلاج .. عارفة إيه هو ؟
رأى في عيناها التساؤلات وعدم الفهم فاسترسل في حديثه بعاطفة ونظرات متأثرة وحزينة :
_ إنتي العلاج ياشفق .. واروى هي الأرض الزراعية اللي بغبائي اهملتها وهي الوردة اللي محافظتش عليها وأنا الشخص المريض البائس ، وإنتي كنتي علاج لجروحي .. قدرتي تضمدي جروحي في فترة صغيرة جدًا ، أنا يمكن مكنتش ببين لحد أوي بس صدقيني أنا مكنتش كدا أبدًا قبل ما اتجوزك .. كنت بظهر القوة قدام الكل وإني ثابت وخلاص نسيت بس في الحقيقة موت اروى كان بيقتلني بالبطيء ، شوقي ليها والنار اللي جوايا كل ما افتكر شكلها واللي حصلها كانوا مخليين حياتي عذاب ، لغاية ما ظهرتي إنتي معرفش عملتي فيا إيه وإزاي في فترة قليلة كدا قدرتي تغيري كله ده فيا وتسترجعي ذاتي اللي كنت متوقع إن خلاص مستحيل أكون كرم اللي كان قبل مايموت أبوه وأروى .. كنتي كل مرة بتلمسيني فيها بتصحى حاجة مختلفة جوايا وأنا كنت بتجاهل وبعمل نفسي عبيط لما بتأثر بيكي وبقول عادي ، أنا فعلًا بطبيعتي شخص خجول وبحرج جدًا .. مفكرتيش أنا ليه كنت بتوتر كل ما تقربي مني مع إني مكنتش كدا مع اروى والدليل إنك لو شفتي صورى معاها بعد ماكتبنا الكتاب هتلاقيني بتصرف بطبيعية جدًا من غير أي خجل .. والسبب إني معاكي كنت مدرك تأثيرك عليا وإنك بتلمسي حجات جوايا خاصة جدًا فكنت بتوتر منك جدًا ، بس بعدين سبت نفسي وحاولت اتصرف معاكي على طبيعيتي بدون حواجز أو توتر واكتشفت قد إيه إنتي غالية عليا وإني بحبك جدًا
رغم كل ما سرده لها وكيف كانت سعيدة وهي يتحدث هكذا عنها وكانت تطالعه بأعين تطلق شرارات العشق والحب ، ولكن عند آخر جملة قالها كطفلة صغيرة وساذجة عبست وقالت ساخرة :
_ آه ما أنا عارفة بتحبني زي اختك !!
اطلق ضحكة مرتفعة وأجابها مندهشًا يسخر منها حقًا :
_ بلاش هبل متضحكيش الناس عليكي .. هو في حد بيحب مراته زي اخته ياعبيطة ، وبعدين أمال أنا كنت بحكي في إيه ده كله وبقول تأثر ولمس وحجات كدا وإنتي تقوليلي اختك !!!!
لمعت عيناها بوميض مختلف وأشرق وجهها بسعادة غامرة ، لتقول بعدم استيعاب واستحياء بسيط امتزج بفرحتها العفوية :
_ يعني قصدك بتحبني زي ما أنا بحبك !!
هز بحاجبيه وقال باسمًا باتساع وبمشاكسة :
_ وأكتر كمان
ضمت شفتيها تخفي ابتسامتها الخجلة ثم تكمل بدلال غير مقصود :
_ لا أنا أكتر !
اقترب منها بحميمية شديدة وقال غامزًا بلؤم :
_ طيب ماتيجي نحكم ونشوف مين الأكتر
ارتبكت وارتفع اللون الأحمر لوجنتيها ليقطع لحظاتهم الأولى رنين هاتفه الموضوع على سطح الطاولة الصغيرة بجانبهم ، فثبتت هي نظرها على شاشته تقرأ الاسم وقالت مسرعة في خفوت لتتهرب من محاصرته لها :
_ سعيد بيتصل ياكرم ( الحارس )
التفت برأسه ناحية الهاتف وعقد حاجبه من اتصاله ثم التقطه يجيب عليه بخشونة :
_ أيوة ياسعيد في إيه ؟
_ كرم بيه في اتنين مصممين يدخلوا الڤيلا وواحد منهم بيقول أنه عم شفق هانم والتاني ابنه

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ضروب العشق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *