روايات

رواية نعيمي وجحيمها الفصل الحادي والخمسون 51 بقلم أمل نصر

رواية نعيمي وجحيمها الفصل الحادي والخمسون 51 بقلم أمل نصر

رواية نعيمي وجحيمها البارت الحادي والخمسون

رواية نعيمي وجحيمها الجزء الحادي والخمسون

نعيمي وجحيمها
نعيمي وجحيمها

رواية نعيمي وجحيمها الحلقة الحادية والخمسون

بأقصى سرعة كان يقود سيارة رئيسه جاسر الريان بعد أن استئذنه متعللًا بحجة التعب الشديد الذي ألم بوالدته مريضة السكر، ويود اللحاق كي يصل بها إلى أقرب مشفى، من وقت أن أخبره رعد صديقه والذي كلفه بالمتابعة عن قرب لهذه المجنونة وهذا الفاســ ق رئيسه، الأصفر شقيق الصفرا، ليجعل الدماء تفور برأسه، فتحركت أقدامه دون استئذانه حتى للتفكير، وهذا الأحسن؛ لأنه لو فكر أو حسبها جيدًا، سيعلم ان ليس له صفة ليفعل ما ينتوي بفعله الاَن، هي ضلع أعوج ولابد له من التقيم لكي يعتدل، متعالية بتخلف يعلمه جيدًا، حمقاء ولا تعرف التميز بين الذهب القشرة والذهب الأصلي، غبية وتستحق الطرق بمطرقة قاسية على رأسها حتى تستفيق وترى الصورة كاملة دون تشويش أو بهرجة خادعة، ورغم كل ذلك فهي لا تستحق… لا تستحق أن تنال مصيرًا سيئًا، وهو الأحمق لأنه يكلف نفسه بهذا العناء الذي لا يأتي من خلفه بنتيجة تذكر، وربما أيضًا قد ينال الأذى أو العقاب الشديد، ولكنه مضطر ولن يغض الطرف عن فعل ما يراه صحيحًا وليحدث بعدها ما يحدث.
❈-❈-❈
جلست متربعة بقدميها على الأرض الرخامية تتابعه بابتسامة بلهاء وأعين منبهرة وهو يصب من الزجاجة الغريبة؛ الشراب في كأسين، احتفظ لنفسه بكأس ودنى يجثوا أمامها بقدم واحدة، ليقدم إليها الكأس الاَخر مردفًا بمرح:
– عارف ان ميرفت ظبطت دماغك باللي حطته في العصير، بس انا برضوا عايزك توصلي للقمة، عشان تحلوي أكتر وأكتر كمان .
تناولت منه الكأس لتتطلع إليه مرددة بدهشة:
– إيه دا؟ هو شكله غريب كدة ليه؟ أوعى تكون بتقدملي حاجة أصفرا؟
سمع منها ليطلق ضحكة مجلجلة في قلب البهو قبل أن ينضم إليها متربعًا على الأرض أمامها هو الاَخر، فتابعت هي بحال الذهول المرتسم على ملامحها المغيبة بقوة:
– إنت ما بترودش عليا ليه؟ لأ قول وجاوب احسن امي تيجي وتديك على دماغك، اصل انت متعرفش إحسان، والنعمة دي شديدة قوي.
ارتشف من كأسه قبل أن يقول بتسلية، متصنع الخوف:
– هي صعبة قوي للدرجادي إحسان؟
– صعبة وبس؟
هتفت بها لتكمل بالتلويح بكفيها في الهواء أمامه، بعد أن وضعت الكأس بجوارها:
– يا ختييييي، دي في مرة ضربتني وانا صغيرة بالكف على شي، صوابع إيديها فضلت معلمة في وشي بعدها ليومين، والنعمة زي ما بقولك كدة، يومييببن يومييببن، ودا كله بسبب إيه؟ عشان بس شافتني واقفة مع فهمي بتاع البرشام.
افتر فاهه لعدة لحظات وعقله الخبيث ذهب لأفكاره غير سوية، فسألها بمكر هامسًا:
– هو فهمي دا بقى كان حبيبك؟
أجفل فجأة على صيحة قوية أطلقتها رافضة:
– حبيب مين يابا؟ دا طول عمره أساسًا هيموت على زهرة بنت خالي، طب انت عارف، لو مكنش جاسر الريان اتجوزها، لكان اتجوزها هو غصب عنها. أنا أعرف أنه هيموت عليها من زمان من ساعة مااتحرش بيها وهي بنت خمستاشر وأكل العلقة من خالها خالد دا سففه التراب والنعمة الشريفة ، انا شوفته بيتف السنة المكسورة من بقه اللي أتملى بالدم والتراب.
ردد خلفها بفضول انتابه بشدة مع الهذيان الذي تتفوه به من كلمات ليسألها:
– هي زهرة دي حلوة أوي كدة؟
– ولا حلوة ولا حاجة.
صرخت بها قبل أن ترتشف من كأسها متجرعة لذعة الطعم الغريب بعدم اكتراث، ثم ردت متراجعة عن حدتها :
– بس هي ممكن تكون حلوة او الناس هي اللي شايفاها كدة، انما انا بقى اللي عارفاها على حقيقتها، بت هبلة وبتخاف من خيالها، لو الكهربا اتقطعت تجري زي العيلة الصغيرة على خالها وجدتها، انا بقى ولو شافت تعــ بان
، مش بعيد تجيلها ازمة قلبية من الخوف…. بس هي طيبة…. وهبلة، اصل هي كدة الدنيا حظوظ
صمتت لتنتقل بأبصارها إليه فوجدته يتطلع نحوها ويصغي باهتمام، فتوقفت عن كل شئ تتطلع إلى ملامحه وتوسعت ابتسامة جميلة على ثغرها، جعلته ينتبه إليها بخاصتيه، وهي تردف بهذيانها:
– بس انت حلو قوي وعنيك خضرا أوي.
– أيوة بقى الكاس اشتغل.
هتف بها مصفقًا بكفيه متابعًا:
– كملي بقى يا قمر، مدام رجعتي للمود من تاني
تجعدت ملامحها فجأة وعقدت حاحبيها بشدة لتستند على كفيها وهي تحاول النهوض برأسها الثقيلة:
– اعيد وازيد في إيه انت كمان؟ انا لازم اروح بيتنا وأقفل على العشة فوق في السطح، بعد ما أكل الفراخ، واسحب من تحتهم البيض، لامي تطين عيشتي.
استمر بضحكه ثم نهض خلفها يراقب اهتزازها وترنحها في وقفتها الغير متزنة، ليقف مقابلها ينتظر اللحظة الحاسمة وهي تمسك برأسها، ترفرف بأهدابها وكأن تريد معرفة هويته، او الصورة نفسها مغشيًا على عينيها التي تكرر بغلقها وفتحها عدة مرات، علّها ترى جيدًا، ليزداد التشوش ويزداد الاهتزاز حتى سقطت لتتلقفها ذراعيه قبل وقوعها على الأرض؛ ليحملها بعد ذلك وهو يخاطبها:
– هخليكي تعيشي ليلة ولا في الأحلام يا غادة، عشان بعدها تجيلي برجيلي، ولا نحتاج لورقة ولا كلام فارغ.
تذمرت بفطرتها رغم غياب عقلها، معبرة عن اعتراضها بتحريك أقدامها بضعف لتحثه على تركها:
– شايلني ورايح بيا فين يا جدع انت؟ سيبني انزل واروح عند امي بقى، سيبني اروح لإحسان.
تابع اعتراضها ومحاولاتها بتسلية كبيرة وهو يسير بها باتجاه غرفته في الأعلى، وما ان وضع قدمه على الدرج حتى شعر بضربة قوية على رأسه، قبل أن يلتف ساعد كبير على رقبــ ته
– وصوت غليظ يهتف هامسًا:
– نزل البت من إيدك حالًا ومن غير ما تضرها لا كــ سر رقــ بتك بإيدي في نفس ذات الوقت على طول.
اضطر صاغرًا لإنزالها بحرص تنفيذًا لأمر هذا الرجل الغريب، رغم صعوبة الفعل، فالساعد القوي كان مطبقًا على رأسه ورقبــ ته بقوة، مع شعوره بثقل الجسد الضخم من خلفه .
وما أن انتهى حتى شعر بسحبه للخلف بقوة ليستدير بجسده، فيرى هذا الضخم ملثمًا بغطاء اخفى معظم وجهه ولم يظهر منه سوى عينان واسعتان تبرقان بقوة اثارت بقلبه الأرتياع، وقبل أن يستوعب جيدًا تفاجأ بضربة قوية من رأس الملثم على جبهته افقدته اتزانه ليسقط صريعًا على الأرض كالجثة.
انتقل بعينيه نحوها ليجدها التصقت رأسها بسور الدرج، تغمغم بهزيان، وهيئة غريبة أثارت تعجبه، فاقترب منها على حذر، عاقد حاحببه بشدة، فزاد اندهاشه مع عدم انتباهها إليه وما حدث منذ قليل، زفر بقوة يغمغم بالسباب، قبل أن يرفعها على كتفه كطفلة صغيرة غلبها النعاس، وسار بها يكمل طريقه، رغم ما ورد برأسه من ظنون تكاد تفتك به، ليتخذ وجهته نحو الباب الخلفي من المنزل، ويخرج كما دخل بهدوئه، وقد تولى صديقه شغل باقي الحراس والعمال.
❈-❈-❈
فاردة ظهرها بزهو وفرحة تغمرها بلا حدود في جلستها أمام هذا الحشد الكبير من علية القوم من معارف أبيها كوزراء سابقين أو رجال أعمال وزوجاتهم، ومعارف زوجها المستقبلي من سفراء اجانب وغيرهم كثير في الحفل المحدود على الطبقة المخملية التي تنتمي إليها، أمامها العريس بوجاهته المبهجة من وسامة واناقة لا تقارن، وبجواره أبيه الرجل الذي ينظر إليها بأعين فرحة كزوجة تمناها لابنه العزيز ، وفي الوسط المأذون الذي كان يقوم بتحضيرات البدء في مراسم الزواج، القت نظرة نحو أبيها لترى على ملامح وجهه وكأنه على وشك التخلص من حمل ثقيل، تغاضت عن هذا حتى لا تعكر على نفسها ثم انتقلت نحو خالتها العزيزة لمياء، تشعر نحوها ببعض الإشفاق بعد ان تحايلت عليها حتى ترى بنفسها فرق المستوى الهائل بين نسبها القديم والجديد بهذه السكرتيرة إبنة خريج السجون، جالسة أمامها بوجه مضطرب تحاول السيطرة على انفاعلها، طرطرقت صوت الأسف بداخلها مغمغمة:
– مسكينة يا خالتو!
انتهت منها لترفع رأسها نحو ميرفت التي كانت تلقي إليها بالقبلات في الهواء بفرحة مبالغة لم تعهدها منها قبل ذلك، رددت بداخلها رغم الإبتسامة التي ترسمها على وجهها نحوها:
– إنتِ كمان تلاقي الغيرة بتنهشك ، وأنا ببدل من جاسر الريان لواحد أحلى منه، وانت زي الأرض البور بقالك سنين على حالتك من ساعة ما اطلقتي من جوزك ، أكيد هتعرفي دلوقتي إن مش حظ وبس، لأ دا بسبب جمالي .
قطعت خاطرها فجأة على صوت المأذون الذي على بمكبر الصوت.
– طب يا اخوانا صلو ع النبي كدة عشان نبدأ بسم الله،
غمغم المدعوين تنفيذًا لمقولة الشيخ، والذي هم البدء بخطبة قصيرة موجزة كفعل روتيتي يقوم به بفعله دائمًا قبل عقد القران،
– بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين…..
– بليز يا عمو الشيخ، ممكن ثواني توقف.
صدرت بالقرب مقاطعة لقول الرجل فالتف الجميع نحو الشاب النحيف بحلته الأنيقة وقد اتخذ موقعه في الوسط كي يراه ويستمع إليه جميع المدعوين، جحظت عيناها مريهان بشدة وشحب وجهها رغم زينتة حتى قارب شحوب، لتغمغم بصدمة لم تتوقعها ولو بأقصى كوابيسها:
– مارو..
انتفضت فجأة على قول الشيخ له:
– ايوة يا بني انت بتوقفني ليه؟
القى نحوها نظرة خاطفة بابتسامة غير مفهومة قبل أن يقترب من الرجل يجفله بتناول المكبر من يده قائلًا:
– اسف معلش لو هزعجك، هي دقيقة مش هتأخر عليك.
– انت جاي هنا ليه؟ وعايز إيه يا مارو دلوقت؟
صدرت منها بصعوبة تحاول اخفاء ارتباكها الذي ظهر في اهتزاز صوتها، ليجيبها المذكور:
– جاي اعملك مفاجأة يا قلبي .
تدخل والدها بقوله له:
– انت مين يا بني انت؟ وتعرف ميري من فين؟
– دلوقتي هتعرف يا أنكل.
قالها كإجابة سريعة لأباها، لتضرب ميري بكفها على جبهتها بإحباط، ثم تفاجأ ببدء حديثه الذي كان يوجهه للجميع:
– انا جاي اهني العريس والعروسة النهاردة رغم ان محدش عزمني منهم على فكرة، بس انا عاذرهم، يعني مثلا رائد ميعرفنيش، مش كدة برضوا يا عريس؟
وجهها للاَخير والذي هز برأسه بعدم فهم، والتف لأبيه بجواره ليفهم منه، فتابع مارو بقوله:
– دا بالنسبة للعريس أما ميري بقى…
توقف ليرى رد فعل كلماته على ملامح وجهها المخطوفة وقد باغتها بانتقاء الوقت المناسب أمام المأذون، فلم يعطيها فرصة التصرف لصرفه بذكائها لو علمت بقدومه قبل ذلك، لكن الاَن فهي كالمشلولة لا تستطيع التحرك ولا فعل أي شئ معه وهي محاصرة بالأعين المتربصة لها من الجميع، تدعو بداخلها الا يتهور بقول شى يضر بسمعتها، فقالت في محاولة بائسة وهي ترجوه بنظراتها علّه يستجيب، وسوف تراضيه بعد ذلك بأي شئ يطلبه:
– ألف شكر ليك يا مارو، ربنا يبارك فيك لانك قدرت وجاي تبارك رغم اني نسيتك فعلًا، ممكن بقى تدي الميكروفون لعمو الشيخ عشان يكمل.
توقف يرمقها بابتسامة أربكتها يومئ لها برأسه قائلًا بعجالة:
– تمام يا ميري حاضر
قالها وتراجع لخطواته نحو الرجل الشيخ لتلتقط هي أنفاسها بسماعه الكلام وتراجعه عن فعل ما برأسه، وقبل أن تفرح بفعله وجدته يضع ورقة أمام المأذون قائلًا عبر الميكرفون:
– ممكن يا عمو الشيخ، تقرأ الورقة دي قبل ما تبدأ.
دب الخوف بصــ درها تتطلع بتوجس نحو ما يشير أليه، لتجد الرجل الشيخ يهتف عبر المايك الذي قربه منه مارو:
– دي ورقة جواز عرفي باسم العروسة؟
ساد الهرج بين الجميع فانتفض أباها صارخًا به:
– إنت مين يا حيــ وان انت؟ ومين اللي مسلطك عليا من أعدائي عشان تخرب فرح بنتي؟
أجابه بهدوء يحسد عليه:
– أنا جوزها يا أنكل وجيت انبه العريس، طب نفترض يعني سكت وسيبتها تتجوز، البيي بقى لو كانت حامل مني، هيتسمى بإسم مين؟
قالها ليصمت مضطرًا على صوت الصرخة التي صدرت من لمياء بالخوف على ميري التي أغشي عليها من بينهم، لتردد ميرفت وهي تحتضنها:
– ميري حبيبتي أيه اللي جرالك؟
❈-❈-❈
تأنقت بهذا الشكل الذي يرضيه، رغم عدم شعورها بالراحة لذلك، فتدخله المبالغ فيه في كل صغيرة وكبيرة تخصها، أصبح يرهقها بالفعل، تستغرب كيف يجد دائمًا الوقت لذلك؟ رغم حجم المسؤلية الكبيرة والملقاة على عاتقه بعمله مع جاسر الريان، في الطبيعي كانت ستسميه أو كما يبدو في العادي أنه اهتمام، ولكن في الحقيقة هي تشعر به وكأنه حصار .
– استني دقيقة يا كاميليا.
تفوه بها يوقفها فور خروجهما من المصعد الكهربائي في هذه البناية الحديثة الفاخرة وقبل أن يصلا لباب الشقة المقصودة، تطلعت إليه بتساؤل لتجد هذه النظرة الغامضة وهو يلتهم ملامحها قبل تهبط عيناه للأسفل على ما ترتديه بتأني بطئ جعل القشعريرة تسري بجســ دها ، فارتعشت غريزيًا تنبهه بقولها:
– في إيه يا كارم؟ وإيه لا لزوم النظرات دي؟
ارتفعت عينيه إليها بابتسامة واسعة يغمرها الزهو بدون رد وجذبها فجأة بكفه من خصرها يسير بها الخطوات المتبقية، غير مبالي باعتراضها الذي بدا مرتسمًا على ملامح وجهها بوضوح، حتى توقفا أمام الشقة المقصودة وفتحت لاستقبالها إحدى السيدات مرحبة بهما:
– كارم باشا، اخيرًا شوفناك يا عم؟ دي رنيم هتفرح قوي لما تعرف انك جيت.
– ولسة كمان لما تشوف الهدايا اللي جايبنها هتفرح بزيادة
قالها ردًا على تحيتها ثم استطرد بالكلمات المنمقة ليعرفها على خطيبته، ويتابع بعد ذلك رد فعل المرأة التي هللت تبارك له بمبالغة شعرت بها كاميليا عن جمال عروسه وفتنتها، فاستجابت لها بابتسامة مغتصبة تهنئ وتتمنى للصغيرة بالعام السعيد، قبل أن يلجا الاثنان معها لداخل المنزل، الذي كان مزدحمًا بالعديد من الأفراد رجالًا ونساءًا من العائلة والأصحاب القريبين للفتاة الصغيرة صاحبة الحفل، وكانت المقابلة الأولى مع والد الصغيرة:
– كارم وصل بنفسه النهاردة عندنا يا نجيب وجايب خطيبته كمان معاه.
قالتها المرأة تنبه زوجها الذي كان مشغولًا بالحديث مع أحد الأفراد، فاستدار إليهما يرحب بعناق رجولي لكارم قبل أن يتجه لكاميليا ويصافحها، والتي كانت تبادله الترحاب بصدمة تعلو ملامحها، فالرجل الأب كان يبدوا في عقده السادس وزوجته بالكاد تتخطى عقدها الثالث، وهذا الإحتفال بميلاد ابنتهما الصغيرة وقد دخلت بعامها السادس.
بعد الانتهاء والترحيب بمعظم الموجودين بالحفل وتهنئة الصغيرة بتقديم الهدايا لها والتقاط الصور معها ومع والديها وباقي الأطفال.
وفور ان انفردت به قليلًا، سألته هامسة على الفور بفضول:
– كارم هو قريبك دا صاحب الحفلة عنده كام سنة بالظبط؟
على حاحبيه بابتسامة اظهرت فهمه لمغزى سؤالها فقال يجيبها:
– عنده تلاتة وستين ومراته اتنين وتلاتين سنة .
تدلى فكها وتوسعت عينيها بذهول بتأكيد ما خمنته بنفسها منذ دقائق، لتردد خلفه :
– تلاتين وستين يا نهار أبيض! يعني الفرق ما بينهم يزيد عن الضعف، ودي اتجوزته وهي عندها كام سنة؟
تابع اندهاشها بابتسامة متسلية ليجيبها :
– اتجوزها يجي من عشر سنين، يعني تقريبًا كان عندها اتنين وعشرين سنة، بس السؤال بقى، انتِ إيه اللي مضايقك؟ مدام صاحبة الشأن نفسها مبسوطة وكان الجواز باختيارها؟ مش احسن ما تتجوز موظف كحيان، مرتبه ينتهي على اول الشهر في سداد الديون اللي عليه.
قالها ببساطة أظهرت قناعة ما يتفوه به، لتشعر هي باهتزاز الأرض من تحتها او يكون الاهتزاز برأسها هي نفسها، لا تدري ولكن ما بدا من وقع كلماته عليها، جعله يدرك سريعًا هفوته ليردف لها مصححًا:
– انا قصدي ان دي حرية شخصية في تحديد كل إنسان لاختياراته في الحياة، ومدام الست مبسوطة في جوازها يا كاميليا، يبقى دا المهم .
أومأت برأسها بوجه جامد زامة شفتيها التي عجزت عن الرد ، فقال بلطف بعد طبعه قبلة كبيرة على ظهر كفها:
– انا هروح اجيبلك عصير فريش يروق أعصابك، مش هتأخر عليكِ
ذهب من أمامها وظلت هي تنظر في أثره بشرود عما أردف به من كلمات، كيف غفلت عن هذا الجزء بشخصيته؟ النظرة الفوقية والتي لا ترى سوى من يشبهها، وما دون ذلك لا يستحق الإلتفاف حتى، تنهدت بقوة تمسح بأنامل أصابعها على جبهتها لتخفف من هذا الصداع الذي ألم برأسها على الفور، قبل أن تنتبه على هذه الأعين التي تحدجها بنظرات غريبة تقارب الكراهية!
– اتفضلي يا قلبي .
انتفضت تستدير إليه وقد أتى لها بكوب كبير من العصير، فتناولته باضطراب لترتشف منه على الفور، وعادت بعينيها مرة أخرى للمرأة ، لتفاجأ بقول كارم وقد انتبه للجهة التي تنظر إليه:
– إيه دا ندا ؟
غمغمت بالأسم مندهشة لتجده يسحبها من خصرها ويقربها من المرأة الجميلة والتي تبدوا وكأنها تماثلها في العمر، ليصافحها مرحبًا:
– أخبارك إيه يا ندى؟ عاش من شافك.
استجابت تبادله التحية على مضض شعرت به كاميليا، وردت بكلمات مقصودة :
– الحمد لله يا كارم، انا كويسة قوي.
تابع انفعالها مبتسمًا بعدم اكتراث يقول:
– يارب دايمًا كدة، اتعرفتي على كاميليا خطيبتي بقى؟
القت المرأة بنظرة خاطفة نحو كاميليا التي تسمرت محلها صامتة لترد بأغرب تهنئة تسمعها كاميليا
– الف مبروك جميلة وحلوة، أكيد ما جمع الا ما وفق .
استفزها الرد كاميليا واستفزتها الإبتسامة الباردة منه فهمت لترد على الإثنان ، ولكن ندى سبقت باعتذراها:
– معلش هسيبكم بقى وامشي، اصل جوزي حبيبي مستنيني.
قالتها لتذهب على الفور دون انتظار ردهم، والتف رأس كارم بابتسامة عريضة للرجل الذي كان واقفًا بالقرب منهم ، ونظرات الكره بعينيه لا تقل عن زوجته، لينصرفا الإثنان تاركي الحفل حتى قبل إطفاء الشموع والاحتفال، فانتبهت كاميليا على هذا العرج الواضح في خطواته، التفت لتعود لأجواء الحفل لتفاجأ بهذه الإبتسامة الغريبة على وجه كارم وعينيه التي لم يرفعها عن تتبع الرجل والمرأة حتى الخروج.
❈-❈-❈
عادت اَخيرًا من سهرتها وهذه الاحداث المفاجأة التي قلبت الطاولة فوق رأسي ميري التي كانت تتمخطر أمامها بزهو عروس امتلكت الدنيا بكف يدها بهذا العريس الذي يكاد مكتملًا بجميع المميزات التي تتمناها كل امرأة، ضحكت بداخلها وهي تتذكر خروجه المؤسف مع أباه وعائلته وقد تأكد الجميع من صدق مارو، هذا الداهية الصغير الذي علم بخطط ميري، فدبر لها فخ وقعت به بغباءها المعهود فوقعت على ورقة الزواج العرفي وهي سكيرة لا تدري بشئ كما اخبرها بتفاخر كرد فعل طبيعي على خداعها له، حتى الاَن لا تستطيع التوقف عن الضحك بداخلها فهذا التشويق والافعال المباغتة لم تكن تتوقعها على الإطلاق، مشهد ميري وهي مرتمية في حضن خالتها لمياء التي شهدت على فضيحتها كالجمبع ، ومشهد أباها الوزير السابق..
توقفت عن السير فهذا الرجل كاد أن يوقعها على الأرض من الضحك، بصراخه المجنون وجسده النحيل الصغير وهو يريد الفتك بميري ابتلاء الله له كما شبهها أمامهم، ومارو الذي لم يقدر على الانتقام منه بعد حضور أبيه تاجر السلاح المشهور ودفاعه عن ولده، ثم طلب الصلح بزواج ميري بابنه طالب الجامعة لصغير.
تقسم بداخلها ان هذه الإثارة التي شعرت بها اليوم ، ستنعش ذاكرتها بالضحك لسنوات طويلة قادمة.
توقفت فجأة وقد ذهب الهزل ليحل شئ اَخر على ملامح وجهها:
– مين اللي عمل فيك كدة يا ماهر ؟
قالتها بارتياع وهي تخطو نحو شقيقها الذي كان جالسًا امام الخادمة العجوز وهي تلف على رأسه بالاربطة الطبية، لتضمد جرح رأسه في الأمام، بادل شقيقته بنظرة غاضبة ولم يجب لتكرر وهي تقترب لتفحصه:
– يا بني رد عليا، مين اللي عمل فيك كدة؟ وراسك بس المتعورة ولا فيك حاجة تانية؟ توقف لتجول بعينبها على باقي المنزل لتكمل بتساؤل:
– هي البت غادة راحت فين؟
رمقها بنظرة محذرة قبل أن يصرف الخادمة ورعد حارسه الشخصي الذي حقق معه ولم يصل لشئ .
فرد بعد خروح الجميع:
– خلي بالك من كلامك قدام الخدم يا ميري، انا مش عايز تشويه لصورتي كفاية اللي حصلي.
– وإيه هو اللي حصلك؟
سألته باهتمام وهي تجلس بجواره على الاَريكة ، وقال يجيبها:
– مش غادة هي اللي أذتني، دا بني أدم زي الوحش، شكله زي لعيبة المصارعة، هو اللي خبطتني بالروسية القوية دي، بعد ما شل حركتي وامرني أسيبها.
ضيقت ما بين حاجبيها بشدة لتقول بعدم تصديق :
– مين دا اللي زي الوحش؟ وصفته إيه بغادة أساسًا عشان يجي وياخذها من هنا؟
زفر بقوة ليلتف إليها قائلًا بضيق:
– يا ستي تغور في داهية هي واللي يعرفها، انا مالي انا بالناس البيئة دي، انا راجل بدور على مزاجي وبس يا ميرفت، إن ماكنش عند غادة، يبقى في الف غيرها.
ربتت على كتفه تقول بتهوين:
– خلاص يا حبيبي ولا يهمك، لكن ما حفظتش شكل البني أدم ده؟
رد ينفخ من أنفه انفاس حارقة كالدخان :
– ما هو دا اللي هيشلني بجد بقى، لأنه كان مخبي وشه وتقريبا ما شوفتش غير عنيه، دا غير اني لما حققت مع كل الحراس والعمال في البيت، كلهم أنكروا انهم حسوا بأي حركة غير طبيعية في البيت ولا حد شافه حتى وهو خارج بيها، الزفت واكنه حافظ المداخل والمخارج ، دخل وخرج من باب الجنينة الخلفي، انا شوفته بنفسي بتصوير الكاميرات.
تسمرت تتطلع إليه بدهشة تكاد تذهب بعقلها لما يخبرها به من معلومات غريبة لا تستوعب حتى حدوثها فقطعت لتسأله فجأة:
– طب انت سجلت للبنت دي زي ما قولتلك لك؟
– هو انا لحقت يا ميرفت؟ دا انا مصدقت البنت دماغها عليت وكانت هتبقي فل، وقبل ما اطلع بيها لاوضتي طلعلي دا زي العفريت.
❈-❈-❈
في اليوم التالي.
بشروده الدائم كان جالسًا على كرسي مكتبه يتأرجح به في حركة ملازمة له دائمًا، انفتح باب غرفته لتدلف إليه السكرتيرة الجديدة له، تقدمت لتلقي إليه التحية بابتسامة رائعة بثغرها الوردي:
– صباح الخير يا فندم .
بادلها الأبتسام يرد إليها التحية
– صباح الفل .
اقتربت منه لتضع أمامه الملفات المطلوب التوقيع عليها، القى نظرة سريعة ليرفع راسه إليه سائلًا:
– كاميليا وصلت؟
اومأت برأسها كإجابة فتابع بسؤاله الثاني:
– بلغتيها طيب بالاجتماع اللي هيتم مع جاسر الريان ؟
أجابته بابتسامة متوسعة:
– قولتلها يا فندم وهي بقى وشها اتقلب معرفش ليه؟
رد هو الاَخر يبادلها الابتسام:
– يمكن عشان مكنتش تتوقع ان انتِ اللي تبلغيها؟
زمت شفتيها بشقاوة ترد بهز اكتافها، فتنهد قائلًا لها :
– طب خلاص يا لينا، روحي انت خلصي شغلك بسرعة عشان كلها ساعة وتروحي معانا.
تمام يافندم.
هتفت بها تستدير عنه لتخرج، ولكنها توقفت فجأة على ندائه من خلفها وقبل أن تصل لباب الغرفة:
– استني عندك يا بنت انتِ، تعالي هنا.
التفت إليه لتجده رافعًا أمامها إحدى الأوراق هاتفًا:
– إيه دا يا أستاذة؟ حطالي ديوان شعر في وسط ورق العمل؟
غمغمت بالاعتذار تدعي الحرج:
– أسفة يا فندم ماكنتش اقصد، اتخلبطت معايا في الورق، لو مش عايزها ممكن اخدها؟
– اممم
زام بها ساخرًا قبل أن يدنو ليقرأ المدون في الورقة من كلمات العشق الملتهبة، فصاح بضحكاتها عاليًا وهو يقرأ بهم ، أطرقت هي برأسها تخفى ابتسامتها، ثم قالت :
– ممكن الورقة يا فندم؟
رفع عيناه إليها بنظرة فهمتها جيدًا قبل أن يهتف بها حازمًا:
– امشي يا بت من قدامي حالًا .
سمعت لتركض على الفور من أمامه، فغمغم خلفها ضاحكًا وهو يعود لقراءة متأنية لأبيات الشعر القديمة:
– يخرب بيت شيطانك يا شيخة
❈-❈-❈
في المقر الأساسي للشركة
وبداخل غرفة مكتبه، كانت جالسة أمامه منتظرة أنتهاءه من مراجعة الأوراق التي أمامها تتابعه دون ملل، حتى رفع رأسه إليها مخاطبًا:
– يا زهرة هتفضلي مستنياني لامتى بس؟ روحي يا قلبي وانا هبلغك بكل القرارات اللي هتتاخد في الإجتماع .
ردت بمرواغة وبإشارة للقسم الذي تولت مسؤليته حديثًا بعد أن عينها به ووضع محلها سكرتير رجل بناءًا على رغبتها:
– لا برضوا يا جاسر انا عايزة واشارك بنفسي في أي قرار يخص القسم بتاعي .
اجابها جاسر بتغافل تام عما يدور برأسها من أفكار حول هذه اللهلوبة! وقد أخذت صورة جيدة عنها من وصف كاميليا في الإتصال الذي تم بينهن في الأمس:
– والله انا مش عارف ايه لزوم إصرارك القوي؟ وانتي بتفرفري أساسًا من أقل مشوار في حملك الغريب ده، انا شكلي كدة هسلط والدي عليكِ .
قالت بتراجع مع ابتسامة اعتلت وجهها لتذكرها لعامر وما يفعله معها من تدليل، ضاربًا بعرض الحائط لغضب زوجته الدائم ونظراتها الساخطة نحوهم:
– لا بلاش والنبي، دا ممكن يحكم عليا ويقعدني من الشغل نهائي.
رفع رأسه لها فاغرًا فاهه بصدمة قائلًا:
– إيه دا؟ انتِ بتخافي من بابا وتعمليلوا حساب أكتر مني يا ست انتِ؟
اومأت تحرك له رأسها بتأكيد، ليترك ما بيده ناهضًا يرمقها بنظرات تحذيريه:
– يعني كمان بتقولي وتأكدي، انتِ قد كلامك دا يا زهرة.
علمت بنيته مسبقًا فنهضت تحذره هامسة فور أن وصل إليها:
– لأ جاسر بقولك أيه؟ أوعى بجد، وربنا هزعل لو صوتي طلع.
اقترب برأسه منها يسألها بخبث، وقد ارتاحت كفيه على خصرها:
– وصوتك بقى يطلع ليه؟ هو انا هاعذبك؟
ضحكت بصوت مكتوم وهي تحاول دفعه عنها ليبتعد مرددة بحزم مصطنع:
– لا انت فاهم كويس انا قصدي على إيه؟ احنا مبقيناش لوحدنا ، في سكرتير راجل برا الأوضة ودانه تسمع دبة النملة :
كشر بوجهه يرد على كلماتها:
– ودا على أساس بقى انك كنتِ مطيعة واحنا لوحدنا وما فيش سكرتير؟
– ضحكت ترد بمشاكسة:
– ولا عمري هعملها، انت أساسًا قليل أدب.
افتر فاهه بصدمة وهم ليرد بالفعل وهو يقربها إليه اكثر، ليجفل على طرق الباب، لتناظره هي بشماتة فرد بنظرة متوعدة، قبل أن يتركها ليبتعد مضطرًا كي ينتبه للطارق:
– ادخل .
دلف الشاب الثلاثيني سكرتيره الحديث يقول بعملية:
– الإجتماع على وشك البدء يا فندم، وكل الحضور في انتظارك .
– تمام يا سليم، روح انت وانا جاي وراك .
خرج الرجل وعاد جاسر ليرتدي سترته سريعًا قبل أن يخرج مع زهرة
وعند غرفة الإجتماعات وقد سبقها جاسر بالدخول واتخاذ موقعه، توقفت زهرة لترحب بصديقتها والتي كانت واقفة محلها قبل بدء الإجتماع الفعلي على مدخل الغرفة متكتفة الذراعين، وكأنها لا تحتمل الجلوس على الطاولة، فسألتها :
– هو كارم لسة محضرتش؟
اجابتها كاميليا ناظرة بالساعة الملتفة حول رسخها:
– كلها خمس دقايق ويوصل على ما الإجتماع ما يبدأ.
تابعت بالسؤال زهرة:
– طب وانتي واقفة هنا ليه؟ مش تروحي تقعدي في مكانك احسن .
اشارت لها بابتسامة صفراء ترد بسخرية:
– لا اتفضلي انتِ يا حبيبتي اسبقيني، انا معنديش مرارة.
– مرارة إيه؟
رددتها زهرة بعدم فهم قبل تلتف نحو طاولة الإجتماعات الكبيرة، فتوسعت عينيها بازبهلال وهي ترى هذه الصغيرة والتي خمنت هويتها من الموصفات المسبقة، تطوف كالفراشة وتوزع الأوراق وزجاجات المياه مع النادل وقد سرقت اعين الجميع بنشاطها وجمالها، فخرج صوت زهرة بتساؤل لكاميليا:
– يا نهار اسود، دي مين دي؟
اجابتها الأخرى بلهجة يملؤها الغيظ:
– دي يا قلبي اللي انتِ اتصلتي تسأليني عليها امبارح مخصوص، دي اللهلوبة!.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية نعيمي وجحيمها)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *