رواية أسد مشكى الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم رحمة نبيل
رواية أسد مشكى الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم رحمة نبيل
رواية أسد مشكى البارت الثالث والعشرون
رواية أسد مشكى الجزء الثالث والعشرون

رواية أسد مشكى الحلقة الثالثة والعشرون
من قال أن المصائب تأتيك فرادى ؟؟ فما لها أن تسير إلا في جماعات وكأنها تأبى مواجهة أصحاب الايمان القوى وحيدة، تتجمع على قلبك ولولا إيمانك بربك لسرت بين الطرقات تناجي نفسك كالمجنون …
وهو رأى من المصائب ما تشيب له الرؤوس وتنحني له الجبال، مصائب تلو الأخرى تلقاها ببسمة هادئة وإيمان قوي، وبأس رجل نشأ على الخشونة.
كان الجنود يحملون جسد أرسلان على الأحصنة وهم يتحركون به بسرعة مرعبة صوب مشكى وقد بدأ بعضهم يبكي برعب حينما ابصروا شحوب وجهه بهذا الشكل المرعب .
أرسلان والذي لم تقتله طعنات عدة ولم تسقطه ضربات قاتلة، الآن يرقد بلا حول ولا قوة بسبب سهم واحد تلقاه بالقرب من القلب وكأن الرامي كان يدرك أين هدفه تحديدًا .
تحدث أحد الجنود بصوت مرتعب :
_ جسد الملك أنه يرتجف بشكل مرعب….لقد … هو ….هذا سم، أكاد اقسم بالله أن هذه اعراض سم .
اتسعت الأعين حوله وبدأ الخوف يسكن القلوب، موت الملك أو تضرره، خاصة في هذه اللحظات كان القشة التي ستقسم ظهر شعب مشكى، لا أحد ويقسمون أن لا أحد، قد يتولى حكم البلاد بعده ويتمكن من إداراتها كما فعل هو، موت أرسلان يعني تشتت الصفوف وخراب مضاعف للبلاد، وحسرة في القلوب لفقدان رجل مثله، وهذا ما لا يتمنون حدوثه ..
كل ذلك كان يحدث ولا يصل له شيء، بل كان فقط يشعر ببرودة مرعبة بجسده، برودة وشلل أصاب جميع اجزاء جسده .
والماضي لم يكن ليجد انسب من لحظات ضعفه تلك ليتحكم به ويعرض له ما حاول دفنه قديمًا ..
” لو كان الأمر بيدي لتمنيت ولدًا غيرك أرسلان، أنت لست الولد الذي افخر به لو تعلم ”
ابتسم أرسلان بسمة ميتة وهو يرفع عيونه صوب والده والذي كان يعتلي عرشه بكل كبرياء ينظر له بدونية ويدرك داخله أن والده يتخذه مجرد أداة فخر يسير بها بين الملوك، ولدي الاقوى، ولدي الأكثر تجبرًا ولدي الاذكى ولدي ولدي…
وأمامه يتفنن في تحطميه أشلاء ظنًا أن تلك الأشلاء ستكون حادة لأعدائه ولا يدرك أن حطامه يتحول فتاتًا .
” وأنا لو كان الأمر بيدي لتمنيت حياة غير تلك الحياة، هذه ليست الحياة التي أتمناها، ولو أنني أخشى أن أُصنف عاقًا لك، لاخبرتك أنك لست الأب الذي أتمناه ابي ”
ختم كلماته وهو ينظر بأعين والده يمنع دموعه من الهبوط، ليس خوفًا من وصف والده له بالضعيف كما كان يفعل في طفولته، بل عهدًا أخذه على نفسه ألا يبكي شيئًا في حياته سوى ما يستحق .
ختم كلماته يهز رأسه بتحية لوالده وهو يتحرك من القاعة بهدوء ووالده ينظر له بشر صارخًا بجنون :
– أنت يا ولد انتظر هنا، لم أسمح لك بالرحيل، هذا ليس اختيارك أن ترحل كلما أردت و …
توقفت أقدام أرسلان وهو يصرخ بجنون وقد وصل لحافة صبره، كان في ذلك الوقت قد بلغ الثامنة عشر وهو ما يزال يعاني ظلمًا وحياة يشفق الحجر عليه من عيشها .
_ صدقني لا شيء، لا شيء كان من اختياري أبي، أنا أُجبرت على كل ذلك، ولو كان الاختيار بيدي لاخترت العيش فقيرًا لكن مرتاحًا .
تراجع بيجان بصدمة من كلماته وشعر أنه اثقل الحمل على ولده، لم يكن يومًا حنونًا على أرسلان ولم يضمه يومًا، لكنه ظن أنه بهذه الطريقة ينشأ رجلًا خشنًا .
شحوب وجهه وارتجاف يده كانا واضحين.
أبصر أرسلان صدمة والده ودون إرادة منه أشفق عليه من صدمته لذا ابتسم بسمة صغيرة يردد بهدوء وهو يعود له حتى توقف أمامه، ثم مال على رأسه يقبلها بهدوء هامسًا بصوت منخفض :
_ رغم كل شيء أنا اشكرك أبي، لن انسى لك صنيعك ما حييت، ساعدتني كثيرًا في حياتي .
ختم كلماته يمسك يدها مقبلًا إياها، ثم تحرك بهدوء مبتعدًا عن والده يردد بهدوء شديد وجسده كله يرتجف من الغضب الاختناق :
_ أسمح لي مولاي بالرحيل للحصول على الراحة قبل معاودة التدريب غدًا .
ارتجفت يد بيجان وهو يبصر ولده بهذا الشكل أمامه، ثم رفع يده يهتف بصوت منخفض :
– يمكنك الذهاب أرسلان.
وكأنه كان حكمًا بالإفراج إذ انطلق أرسلان سريعًا يخرج من القاعة وهو يشعر بالاختناق والضغط يكاد يفجر قلبه، لكن ما كاد يتحرك صوب غرفته حتى ابصرها تتهادى أمامه بكل رقة وهي تحمل بعض الزهور، جوهرته الصغيرة التي كان يتحمل التقطيع حيًا ولا يشكو بكلمة لأجلها، كان يتحمل كل شيء طالما كان بعيدًا عنها .
_ أرسلان تعال لمساعدتي في عقد حجابي .
اتسعت بسمة أرسلان وشعر بتلك القبضة التي تحيط قلبها تنفرج شيئًا فشيء وهو يميل لها مبتسمًا :
_ طلباتك أوامر جوهرتي، اسبقيني لغرفتك وسألحق بكِ .
ابتسمت له كهرمان وهي تركض أمامه تضم الازهار لصدرها، ثم فجأة وقفت واستدارت له ببسمة تردد بنبرة رقيقة :
_ لا تنساني أرسلان، أنا انتظرك ها ..
ابتسم لها أرسلان وكاد يجيبها أنه لن يفعل، حتى وجد صورة كهرمان تتلاشى ويحل محلها سلمى تضم لها الزهور التي أهداها لها قبل الرحيل من سبز وهي تهتف بنبرة رقيقة وبسمة واسعة :
_ انتظرك ها …
شعر أرسلان بجسده يرتجف وهو ينتفض ليبصر الظلام قد بدأ يحيط به والمكان أصبح غريبًا عليه، القصر اختفى وسلمى اختفت ولم يعد هناك شيء حوله سوى. ..تلك الغابة التي كان يُسحب فيها يوم أرادوا حرقه حيًا .
ابصرهم أمامه وهم يجذبون جسده على الصخور المدببة والتي كانت تترك أثرها على جسده وهو عاجز لا يستطيع الحديث حاول الصراخ، حاول الانتفاض لكن لا شيء، كان مكبلًا بجروحه .
واخيرًا وبعد لحظات كاد يموت بها اختناقًا وجد المكان حوله يدور به وهو في وسط الموكب مدمى وبعض الرجال يسحبون زوجته بعيدًا عن عيونه .
ومجددًا نفس شعور العجز ….
انتفض جسده بقوة وهو يحاول النهوض ليلحق بها، لكن فشل في الأمر ليعود له الألم ذاته والعجز ذاته .
تداخلت صورة سلب زوجته بصورة سلب عرشه أمام عيونه وهو ممدد ارضًا عاجزًا عن الحركة.
ركض المعتصم صوب بوابة القصر بجنون حينما وصل له بعض الجنود يخبرونه أن الملك عاد لهم مصابًا إصابة بليغة، يركض بجنون وهو يصرخ بهم :
_ نادوا زيان…نادوا زيان ..
وصل صوب البوابة يأمرهم أن يفتحوها وبمجرد أن تقدمت الخيول بسرعة مخيفة منه تحمل على صهوتها جسد أرسلان الغائب عن الواقع حتى اقترب منهم المعتصم بلهفة وهو ينظر له مرتجفًا :
_ جلالة الملك …مولاي …يا ويلي …يا الله، ساعدوني ساعدوني لحمله .
تقدم منه بعض الرجال ليساعدوه في حمله، لكنه رفض يحمله فوق ظهره وحده :
_ لا أنا سأحمله، استدعوا زيان، نادوا زيان .
حمله فوق ظهره وهو يهرول به بين طرقات القصر وقد دب الرعب والخوف على الملك في القلوب والكل يدعو الله أن ينهض بخير .
أما عن زيان فانتفض عن فراشه حينما وصل له صوت أحد الجنود يصرخ أن الملك أُصيب، ركض بسرعة كبيرة لا يبصر أمامه سوى طريق المشفى وبمجرد أن خطى للمشفى حتى أبصر الجميع أمامه محتشدين هناك والمعتصم داخل إحدى الغرف يصرخ بكلمات كادت تصيبه بانهيار وهو يحدق بجسد أرسلان قد بدأ يشحب بشكل مرعب .
وصرخة المعتصم هي ما ايقظته من صدمته وهو يصيح برعب شديد :
_ زيان ساعده، لقد تسمم، هناك من ألقاه بسهم مُسمم، يقولون كان هناك هجوم على الموكب و…..
صمت فجأة قبل أن يشحب وجهه شحوب يوازي شحوب أرسلان نفسه وهو يهمس برعب جلي :
_ جلالة الملكة ………
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ أين هي ؟؟
حرك الجميع عيونهم بتوتر وهم يبصرون نظرات أنمار المترقبة، يجلس على جمر ينتظر وصول غنيمته الأكبر، لكن وجوه رجاله لا يبشر بالخير .
_ ما بكم أين هي المرأة تحد…..
وقبل أن يكمل كلمته أبصر المتبقي من رجاله يتحركون داخل مجلسه، بعضهم مشوهي الوجوه تتقدمهم امرأة وكأنهم يعملون لحراستها، تسير بكل هدوء داخل المكان، بعدما نال بعضهم الجحيم على يديها حينما استفاقت في طريقهم .
ولم يستطع أحدهم رد ضربة واحدة لها، ليس لأنها خارقة للطبيعة وتستطيع التغلب على العديد من الرجال وحدها، بل لأن أنمار وعدهم بالجحيم إن لمسها أحدهم يخدش
اتسعت أعين أنمار وهو يبصرها تتحرك بهدوء حتى توسطت المجلس أمام الجميع تنظر لهم بعيون جامد قبل أن تبتسم له بسمة صغيرة وهي تحدق في وجهه ثواني :
_ والله شعرت أن هذه القذارة لا تصدر سوى من خنزير أصيل .
رفعت يدها تشير بها له مبتسمة :
– مثلك تمامًا .
انطلقت ضحكة أصلان في المكان ليكبتها بسرعة حين أبصر نظرة أنمار المحذرة له، بينما سلمى نظرت له وهي تحاول تذكر أين رأته، لكن لم تتذكر، ورغم ذلك لم تصمت وهي تتحدث بهدوء شديد :
_ لا تضحك كثيرًا فأنت لست أكثر نظافة منه، كونه خنزيرًا أكبر منك لا ينبفي كونك خنزيرًا صغيرًا في النهاية .
اشتعلت أعين أصلان بقوة قبل أن يكبت غضبه بصعوبة يحاول الظهور بمظهر الحليم وهو ينظر لها باستهانة :
_ لاذعة اللسان كأرسلان.
_ الملك أرسلان .
ضحك أنمار وهو يتحرك صوبها ينظر لها بسخرية :
_ الملك أرسلان ؟! ويا ترى أين هو ملكك الآن يا جلالة الملكة؟!
نظرت له سلمى تجيب ببسمة هادئة جامدة تخفي خوفها تُذّكر ذاتها أن ذلك الحقير ربما يكون أهون المختلين الذين وقعت في قبضتهم، ولم يكن الأسر شيئًا غريبًا عليها، فهي لطالما وقعت أسيرة لأيام في يد أحد المساجين وهربت منه بأعجوبة بعدما سجنته الشرطة، لذا إن اكتسبت شيئًا من عملها فهو كيفية التعامل مع امثال هذا المختل وأن تسايره ولا تهلع حتى تأتيها الشرطة، والشرطة هنا هي أرسلان..
ارتجف قلبها تخفي رعبها عليه حين تذكرت شحوبه بعدما سقط ارضًا تذكر نفسها أنه بخير، أرسلان بخير ما كان لضربة كهذه أن تهزمه، لذا سينهض ويأتيها، وحتى هذه اللحظة عليها التعامل بكل بساطة معهم :
_ لا بد أن يحفر لكم قبورًا في هذه اللحظة .
اقترب منها أنمار بقوة وهو يهمس لها بصوت منخفض :
_ بل له يا عزيزتي، فذلك السهم الذي تلقاه زوجك العزيز كان مسممًا بأكثر سموم المملكة ضررًا .
اتسعت عيون سلمى وارتجف جسدها بقوة، ورغم ذلك حافظت وبصعوبة كبيرة على رباطة جأشها، وهي ترفع عيونها له تهمس له بنفس نبرته :
_ صدقني لا قبر سيُحفر هنا لسواك إن لم تبتعد عني مقدار يسمح لي بالتنفس بحرية بعيدًا عن رائحتك الكريهة هذه .
ابتعد عنها أنمار بسرعة ونظراته قد ازدادت اشتعالًا، وقد استطاعت هذه المرأة أن تشعل غضبه بلسانها فقط، شيء لم ينجح به أحد عداها وزوجها .
ابتسم بسمة مريبة وهو يصرخ بصوت جهوري يظهر به قوة وبأس :
– خذوا هذه المرأة وضعوها في منزل النساء حتى أخبركم ما سنفعله بها، الملوك سيبذلون الكثير في سبيل استعادة ملكة مشكى .
قلبت سلمى عيونها بسخرية :
_ آهٍ من الحمار حينما يظن نهيقه زئيرًا .
اشتد جنون أنمار وهو يندفع لها وعلى حين غرة سقط بيده على وجهها في صفعة رنّ صداها في المكان بأكمله وهو يهتف بنبرة مرعبة :
_ هذا الحمار سيحيل حياتك وحياة زوجك لجحيم أيتها الـ**** .
أغمضت سلمى عيونها بقوة تجبر نفسها على عدم البكاء، لم تكن هذه المرة الأولى التي تتلقى بها ضربة، ولن تكن الأولى التي ترد بها الضربة؛ لذا وقبل أن يستوعب أحدهم ما حدث كانت تنتفض وترد له الصفعة بضربة من قدمها مسقطة إياه ارضًا، ومن ثم انحنت سريعًا تجذب جسده ضاربة إياه في الجدار خلفه وهي تهمس بنبرة حادة :
_ أيها الوسخ القذر أوامرك هذه تخبرها لصغار الخنازير الذين يعملون تحت أمرتك وليس أنا، ويدك هذه تبقى جوارك طالما أقف أمامك .
ختمت حديثها ولم تكد تزيد كلمة حتى شعرت بالرجال خلفها يجذبونها بعنف عنه وهي ابتسمت له بسمة واسعة تهتف بكل هدوء :
_ ولا تحسبن أن تسيدك اللعبة سيدوم يا قذر، فالاسد يمرض ولا يموت .
نظر لعيونها بشر مبتسمًا بسمة خبيثة :
_ نعم الأسد نفسه الذي قتل والده …
_ تخيل ما سيفعله بك إذن ؟؟
وكانت تلك الإجابة بمثابة رد لضربته التي ظن أنها ستصيبها في مقتل، أما عنها فابعدت أيدي الرجال عنها بقوة وهي تنظر لهم بتحذير، ثم رفعت عيونها لأنمار تردد بهدوء شديد :
_ أخبر حيواناتك الأليفة أن ترشدني لغرفتي بهدوء وإياك أن يخطوها وسخ منكم، وإلا اقسم بالله أن احطم عظامه، وحتى يأتي أرسلان لأخذي لا أود أن أبصر وجهك .
ختمت حديثها تتحرك خارج الغرفة مع الرجال الذين تبعوها وكأنهم يعملون لديها، وليس خاطفينها .
كل ذلك كان يحدث أسفل أنظار الجميع المصدومة منها، وبسمة أنمار الغير مصدقة لما يحدث، هذه المرأة تعجبه وبشدة، تعجبه وتليق به ….
أفاق من أفكاره على صوت أصلان الذي كان يراقب ما يحدث بعيون مدققة وملامح جامدة :
_ لم اعتقد أن هناك امرأة قد تكون ملائمة لأرسلان بهذا الشكل المرعب، لا يليق بها أن تكون امرأة سواه في الحقيقة …
_ بل يا عزيزي …لا تليق سوى أن تكون امرأتي أنا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ معتصم أهدأ أرجوك، فقط أهدأ وكل شيء سيكون بخير ….
تنفس المعتصم وهو يشعر بالجنون يسيطر عليه يصرخ في الجميع :
– كل شيء ؟؟ أي شيء زيان أي شيء والملكة أسيرة، أخذوا الملكة سبية، هل تدرك ما نتحدث عنه الان ؟؟ هل تدرك ما يفعلونه بالنساء، وهذه …هذه الملكة و…الملك تسمم و…
صمت وهو يشعر بالعجز يرفع عيونه لزيان يهتف برجاء :
_ هل …هل تستطيع مساعدته زيان ؟! هل يمكنك ؟؟
تحدث زيان وهو يراقب جسد أرسلان الذي غطى جروحه ببعض الاعشاب المخدرة وأخرى معالجة :
_ لو صمت لاخبرتك، هذا ليس سمًا خطيرًا هذا مجرد سم سهل العلاج لكن قوي التأثير .
رفع له المعتصم عيونه بلهفة شديدة ليشرح له زيان ما يحدث :
_ لا أدري حقيقة ما هوية ذلك السم، لكنه قوي المفعول بشكل مرعب، ولو لم يتعالج الشخص منه بسرعة سيموت خلال ساعات كما الأمراض التي تترك دون علاج، مجرد اعشاب يمكنها علاجه، من صنع هذا السم لا أدري ما كان هدفه لكنه لم يكن القتل بأي شكل من الاشكال، من صنعه كان عبقريًا ليجمع تأثيرًا قويًا مع علاج سهل، يمكن أن نصفه بأنه مجرد مرض وليس سمًا…
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ لكنني لم أترك لهم سمًا يا الوليد ما تركته لهم كان مجرد سائل يتسبب بأعراض السم .
اتسعت أعين الوليد بصدمة وهو يقترب من فراش نزار والذي يقبع في إحدى الغرف التي توجد في الممرات الخاصة بمخازن قصر سبز حيث اتاحت لهم الأميرة توبة النوم هناك .
_ ما الذي …ما الذي تتحدث عنه ؟؟
_ ما سمعته، أنا لست احمقًا لترك سم قوي المفعول بين يدي ذلك الرجل ليتسبب في إبادة ثانية.
نظر له الوليد طويلًا قبل أن يبعد عيونه عنه وهو ينظر من النافذة يفكر في القادم، يشعر أنه يقف على الحافة، لا هو استقر على اليابسة أو حتى سقط .
_ ماذا عن القادم ؟!
وكأنه أعرب عن مخاوف نزار بصوت مرتفع، السؤال الذي لم يسأله لنفسه مخافة البحث عن سؤال لأنه يعلم جيدًا أنه وأثناء رحلة البحث عن تلك الإجابة قد يكتشف ما ينغص عليه المتبقي من حياته .
_ لا أعلم.
_ لا تعلم ؟؟ هل سنقضي المتبقي من حياتنا في هروب دون أن نستقر على شاطئ ؟؟
رفع له نزار عيونه يهمس بسخرية خرجت منه دون وعي :
_ أوه، تتحدث الآن وكأنك كنت مستقرًا في حياتك السابقة، حياتك الآن لا تقل سوءًا عن سابقتها، على الأقل الآن تحيا بكرامة عيشة شريفة يا الوليد، لا ينقصك سوى التوبة .
نظر له الوليد طويلًا حتى شعر نزار أنه ليس مهتمًا بالإجابة حتى عن سؤاله، لذا أبعد عيونه عنه، يعطيه ظهره يضم نفسه للجدار جواره، يغرق في أحزانه وشوقه لوالده .
ولم يكد يغفل في نومة سريعة حتى سمع صوت الوليد يهتف خلفه بصوت ميت:
_ وأنت هل تبت عن جميع ما اقترفته سابقًا؟؟
تجمدت ملامح نزار لثواني قبل أن يستدير له بهدوء يهمس بملامح ميتة والوجع يسكن داخل عيونه :
– الشيء الوحيد الذي يستحق سعيي لأجل التوبة منه هو وصمة العار التي الحقتها بنفسي وأبي ونتج عنها دمار شعب كامل، شيء سأقضي المتبقي من حياتي استغفر له .
هز له الوليد رأسه ولم يتحدث بكلمة وهو ينظر صوب النافذة يسرح في حياته وما تبقى منها، يتمنى فقط، يتمنى لو يعود به الزمن، ولا يدري السبب، هل يتمنى العودة ليمنع نفسه من اقتراف أول خيانة، أم يحسن استغلال فرصة تعاونه مع أنمار، أم يترك نزار وشأنه ولا يقحمه في هذه اللعبة القذرة ؟! ما يدريه هو أنه في هذه اللحظة يشعر باختناق يكاد يقتله .
لذا استدار ينتوي الخروج لولا يد نزار التي امسكت خاصته وهو ينظر له يتساءل بعدم فهم :
_ إلى أين يا الوليد ؟؟
_ أشعر بالاختناق، سأخرج للسير قليلًا في الهواء الطلق في الخارج .
أطلق نزار صوتًا ساخرًا على كلماته، ينظر له بغيظ شديد :
_ تسير في الهواء الطلق ؟! هل تمزح معي ؟؟ لا تتحدث وكأننا في نزهة داخل بركة الوحل التي كنت تسكن بها وليد .
تنفس الوليد وهو يدرك أنه محق، لكن رغم ذلك تحدث بصوت منخفض ورجاء :
_ فقط دعني ارجوك أنا أشعر بالاختناق ولن أشعر براحة إلا حينما استشنق بعض الهواء النقي نزار .
ترك نزار يده بتردد ولم يكد يتحدث بكلمة حتى سمع صوت طرق على الباب، نظر للوليد بتردد وقد بدأت ضربات قلبه تعلو وهو يشير له بالصمت، يتحرك صوب الباب يحاول أن يرهف السمع لمن بالخارج، لكن لم يصل له صوتٌ؛ لذا ابتعد ببطء شديد ولم يكد يصل للوليد حتى سمع صوتها يمليء المكان حوله وهي تردد بنبرة منخفضة خجلة :
_ هذا أنا يا نزار، توبة .
التمعت أعين نزار بقوة حتى رفع الوليد حاجبه بسخرية لاذعة، بينما نزار هرول صوب الباب مجددًا يفتحه بسرعة لتستقبله هي بغطاء وجه يخفي كامل ملامحها تحمل بين كفيها صينية طعام متوسطة الحجم :
– السلام عليكم، أحضرت لك بعض الطعام، و…حينما تنتهي رجاءً الحقني للأعلى كي تبدأ في فحص أبي.
ختمت كلماتها وهي تستغل وجود غطاء على وجهها يخفي نظراتها المتفحصة القلقة، تراقب جروحه المنتشرة على وجهه، لكن نزار كل ما فعله هو أنه استدار بسرعة يلقي بالصينية بين كفي الوليد، ثم استقام ينظر لها ببسمة واسعة :
_ أنا جاهز الآن.
_ ألن تتناول الطعام على الأقل، أنت تحتاج للغذاء لأجل جروحك و…
صمتت حين شعرت أنها بدأت تبالغ في الاهتمام بأمر جراحه، لذا اخفضت رأسها تهمس بصوت منخفض :
_ أقصد أليس عليك تناول بعض الطعام لتستطع القيام بعملك بشكل جيد .
_ لا تقلقي عليّ أنا بخير حال .
رفعت رأسها له بحدة لا تدري أكانت له أم لنفسها :
_ لستُ.
رفع حاجبه من ردها الحاد، لكنه رغم ذلك ابتسم لها يهز رأسه بهدوء وهو يجيبها بهدوء :
_ نعم بالطبع أدرك أنكِ لستِ، حشاكِ أن تكوني سمو الأميرة، فأين لعبدٍ مسكين كالعاصي نزار أن ينال قلق سمو الأميرة توبة أميرة سبز وابنة الملك بارق .
ختم كلماته ببسمة جانبية خبيثة جعلت ترفع عيونها له، تهز رأسها بقوة وسخرية لاذعة :
_ نعم حشاك أن تفعل ….سمو الأمير، والآن رجاءً إن لم تكن ستتناول طعام اتبعني .
ختمت حديثها وهي تتحرك أمامه تمسك أطراف ثوبها بكل رقة ولم تكد تخطو بعيدًا عنه حتى تحدثت دون أن تستدير بالكامل، فقط نصف استدارة :
_ الخزانة في تلك الغرفة تحتوي ثياب للعاملين بالقصر سيكون أفضل لك أن ترتديها كي لا تثير الشكوك حول هويتك .
_ أوامر سموك سمو الأميرة .
هزت له رأسها وهي تتحرك أمامه وهو ابتسم بسمة صغيرة، ولم ينتبه لصوت الوليد خلفه والذي بدأ يتناول الطعام بشهية كبيرة إذ مرت أيام طوال ولم يتناول بها طعام جيد كهذا .
_ نعم بالطبع لا تحبها البتة .
استدار له نزار بعنف ليبتسم له الوليد بسخرية :
_ ماذا ؟! أنا انفي كونك غارقًا في عشق سمو الأميرة حتى أذنيك كالابله لدرجة أن تتجاهل طعامًا لم تبصر مثله منذ أيام طوال .
اشتد غضب نزار ليبتسم له الوليد وهو يتناول طعامه بهدوء:
_ توقف عن التحديق بوجهي وتحرك لترتدي ثوب العمال وتلحق بالاميرة لا تود أن تنتظر صحيح ؟؟
تنفس بصوت مرتفع وهو يتحرك بعيدًا عنه بسرعة كبيرة يفتح الخزانة يخرج منها أول ما قابله، ثم تحرك بسرعة ليرتديه ويلحق بها .
أما عنها فبمجرد أن اختفت عن عيونه حتى استندت على أحد الأعمدة تشعر بضربات قلبها تكاد تحطم صدرها :
_ لا ليس ممكنًا، لا يمكنك أن تتجاهلي الأمر ببساطة، لن تفعلي، دهستي قلبك قبلًا وتستطعين فعلها مجددًا …
ختمت حديثها وهي تدفن وجهها بين يديها تخرج تنهيدة مرتفعة وهي تهمس بصوت مرهق متعب :
_ يا الله يا ولي الصابرين …..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ إلى أين ؟؟
_ سأذهب لتمشيط الغابة الواقعة بيننا وبين سبز، لا بد من وجود أي دليل على ما حدث، آثار أقدام، بقايا قاذورات، أي شيء قد يدلني على هؤلاء الخنازير .
ختم المعتصم كلمته وهو يدس سيفه في غمده، ثم تحرك خارج الغرفة الخاصة بالأسلحة وخلفه نزار يراقبه بعدم رضا :
_ فقط انتظر حتى الصباح .
أخذ المعتصم يجهز حصانه للتحرك وهو يردد بصوت منخفض :
_ نعم حتى تُطمس الآثار، فقط اعتني بالملك حتى اعود .
تنفس نزار بضيق وهو يراقب المعتصم وقد حشد جزء كبير من الجيش أمامه وكأنه ذاهبًا في حرب، يردد بضيق وغضب كبير :
– سيكون من حسن حظي أن أمسك بواحد منهم، قسمًا بالحي الذي لا يموت لاجعلنه غير صالح للحياة .
ختم كلماته وهو يستعد ليلقي بجسده فوق الحصان لولا ارتفاع صوت رن في الأجواء يهتف بالنبرة المعهودة :
_ يالمعتصم ….
_ أوه ليس الآن يا الله.
استدار ببطء صوب الصوت ليراها تقف على بُعد صغير منه تنظر له بتردد وهي تشعر بأنها لا يجب أن تكون هنا ورغم ذلك هتفت بصوت منخفض:
_ يا المعتصم، إلى أين ؟!
تنهد المعتصم بصوت منخفض وهو يترك لجام الحصان، ثم ابتسم بسمة صغيرة وهو يتحرك صوبها بهدوء وحينما وصل أمامها امسك كفها وسحبها بعيدًا عن الأنظار بهدوء شديد :
_ مرحبًا فاطم، كيف حالك يا صغيرة ؟!
ولم تجيبه، بل ردت عليه بسؤال قلق وصوتها خرج مرتجف بعض الشيء :
– إلى أين ؟!
_ ما بكِ فاطمة ؟؟
_ ستتركني ؟؟ أنا… أنا لا أريد أن أكون وحيدة ارجوك .
تعجب المعتصم بشدة من كلماتها، يمسك يدها والتي بدأت ترتجف ليشعر بالصدمة مما يحدث :
– ما بكِ فاطمة؟ أنتِ ترتعشين ؟؟ ما بكِ ؟؟
نظرت له بخوف شديد وهي تحاول التحدث، لكن كلماتها خرجت مهتزة بشكل أصابه بالفزع وهو يبصر جسدها على وشك الانهيار :
_ لا تتركني وحدي أرجوك.
نظر المعتصم حوله بعجز قبل أن يجذبها بعيدًا عن الأعين وهو يضمها له بقوة يحاول تهدئة ضربات قلبها التي يشعر بصداها في صدره، يضمها وهو يحرك كفه صعودًا وهبوطًا على كتفها عله يبث بعض الدفء داخل أطرافها :
_ من أخبرك أنني سأتركك ؟؟ من أخبرك أنني سأفعل ذ….
وقبل إكمال جملته انهارت فاطمة في بكاء حاد وهي تهتف من بين بكائها بصوت خافت ورعب جلي واضح على ملامحها :
_ لا تتركني يا المعتصم، لا تذهب إليهم ارجوك أبق هنا معي، لقد ابصرتهم جاءوا لاخذك.
ضمها المعتصم لا يدرك ما يحدث، يحاول أن يهدأها، لكن الأمر ازداد وبدأ الارتجاف يزداد بشكل مثير للرعب، حتى توقفت عن الاهتزاز فجأة وهي تبتعد عنه بهدوء شديد تمسح دموعها تنظر ارضًا :
_ أنا آسفة، لم أقصد أن اشغلك عن عملك، يمكنك …يمكنك الرحيل لا بأس.
شعر المعتصم بالعجز عن فهم ما يحدث، اقترب منها يحاول إدراك ما يحدث معها، لتبتعد هي إلى الخلف وهي تهمس بصوت خافت :
_ لا تخف أنا بخير .
_ فاطمة ؟؟ ما بكِ؟
رفعت عيونها له وقد صدمه مقدار الوجع في نظراتها، يشعر أنها تصارع روحها، ليقترب منها بسرعة فتراجعت هي أكثر للخلف واتسعت عيونه بصدمة أكبر، يهمس بانشداه:
_ فاطـــ…. فاطمة ؟؟؟
_ يمكنك الرحيل لا تنشغل بأموري الغير مهمة، أنا فقط شعرت بالقلق فجأة و….لا تهتم ارجوك .
شحب وجه المعتصم وهو يبصر عيونها الزائغة تنظر بعيدًا عنه، نظر خلفه يبحث عمن تنظر له، ليبصر فراغًا .
بلل شفتيه يشعر بالريبة :
_ أنتِ بخير ؟؟ هل هناك ما يزعجك ؟؟ هل …هل تـ…هل ….
توقف وعجز عن إكمال الجملة، أراد أن يسألها إن كانت ما تزال تبصر والدتها، لكنه خاف أن يجرحها أو يذكرها إن كانت نست بالفعل .
لذا هز رأسه يهتف بعدم راحة :
_ فاطمة اصدقيني القول، أنتِ الآن بخير صحيح ؟؟
ابتسمت له بسمة صغيرة وهي تهز رأسها بهدوء شديد :
_ أوه نعم أنا كذلك لا تقلق عليّ، لقد … أنا فقط أبصرت كابوسًا لذا خفت وجئت للبحث عنك، ارجوك اذهب ولا تشغل عقلك بي، أنا بخير وأكثر يا المعتصم، تصحبك السلامة .
ورغم أن بسمتها وكلماتها يوحون بأن كل شيء على ما يرام، إلا أن قلبه كان يخبره عكس ذلك، لكن رغم كل تلك الإشارات، إلا أنه وثق بنظراتها الحنونة المهتمة التي ترمقه بها، لذا اقترب يقبل رأسها بحنان شديد، ثم همس لها بصوت خافت :
– اعتني بنفسك صغيرتي لحين أعود، سأشتاق لكِ فاطمة .
ابتسمت فاطمة وهي تهز رأسها وما كاد يتحرك حتى امسكت كفه تهمس بتردد وخجل:
_ هل يمكنك …يمكنك معانقتي لمرة قبل رحيلك .
ابتسم لها بسمة مترددة وهو يعود لها يضمها له بحنان شديد، لتدهشه هي بمقدار تطلبها لذلك العناق، تضم نفسها له بقوة مبتسمة، ثم ابتعدت عنه بصعوبة تهمس بصوت منخفض :
_ استودعك الله .
تحرك المعتصم بعيدًا عنها بتردد وهو يشعر برعب مجهول المصدر، ينظر لها بخوف لأول مرة، ولم يكد يبتعد عنها خطوة حتى اقترب منها يضمها له بقوة يهمس بحب جوار أذنها:
_ حين اعود سوف … أعلن زواجنا حينما اعود حسنًا؟؟
هزت رأسها ببسمة واسعة وهو فقط تحرك بعيدًا عنها بتردد شديد يلوح لها بالوداع، وهي تراقبه بهدوء وبمجرد أن اختفى عن عيونها تلاشت بسمتها وسقطت دموعها وهي تهمس :
_ حسنًا …..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
توقفت الأحصنة في ساحة القصر وقبل حتى أن يأخذ الحصان وضعه ويتوقف بشكل كامل كان جسد إيفان يقفز عنه بشكل جنوني وهو يهرول بين طرقات القصر بوجه شاحب ..
وصله الخبر قبل الخروج من سبز فتحرك من فوره لمشكى، قلبه يكاد يتوقف رعبًا يهمس بصوت مرتجف :
– ليس مجددًا أرسلان، لن تفعلها مجددًا وتقتلني رعبًا عليك أيها الحقير، ليس عدلًا أن أنال أنا كل هذا الخوف كل مرة .
ركض بين ممرات قصر يتبعه سالار وهو يردد الدعاء في نفسه أن يكون أرسلان بخير، وبمجرد أن وصلوا للمشفى، حتى توقفت أقدام إيفان بتردد وكأنه يخشى مواجهة تلك اللحظة، يقترب من الباب بتردد لولا يد سالار التي دفعته وهو يهمس له :
_ استغفر الله وأكثر من إنا لله وإنا إليه راجعون .
أخذ لسان إيفان يردد الدعاء دون شعور وحينما توقف أمام باب الغرفة وابصر جسد أرسلان تراجع بصدمة لولا يد سالار الذي سانده وهو يهتف بهدوء :
_ عساه خيرًا، عساه خيرًا ….
همس إيفان برعب وقلبه يكاد يتوقف من مظهر أرسلان وقد وصله خبر تسممه أثناء هجوم مباغت :
_ أرسلان يا أخي.
رفع زيان عيونه صوب إيفان يبتسم له بسمة مرهقة :
_ جلالة الملك مرحبًا بك .
نظر له إيفان بلهفة يهتف وهو يشير صوب أرسلان:
_ هو ….هو بخير ؟؟ لقد وصل لي خبر تسممه .
_ لا تقلق هو بخير، مجرد سم سهل العلاج لكن قوي التأثير، سيكون بخير باذن الله .
تحرك إيفان بتردد صوب أرسلان حتى وصل للفراش الخاص به يجلس جواره يمسك كفه يهتف بصوت منخفض :
_ شُلت يد من أراد بك سوء أرسلان..
رفع كفه يربت على رأسه، لكن فجأة توقفت يده في الهواء وهو يبصر دمعة تهبط جانب عيون أرسلان، دمعة جعلت قلب إيفان يرتجف وجعًا، وهو يمسحها بسرعة، يميل عليه هامسًا بكلمات خافتة لم تصل لأحد.
بينما سالار يراقب ما يحدث بأعين حزينة والنيران داخل تصدره تدفعه لقتل كل من يبصر من جماعة أنمار أمامه، القصاص يشتعل أمام عيونه .
أما عن أرسلان .
فكان ما يزال مسطحًا على الفراش في مواجهة عنيفة مع ماضيه وكوابيسه وكل ذلك وهو منهك الروح ..
اصوات كثيرة تتردد في عقله وهو يشعر أن عروق جسده تكاد تنفجر من قوة اشتدادها، نيران تسير بين أوردته وهو يبصر مشهد سلب زوجته يُعاد مرات ومرات .
ارتجف جسده لينتبه له إيفان الذي نظر صوب زيان وكأنه ينتظر منه مساعدة غير منطوقة، ليتحدث الاخير بهدوء وهو يحاول بث أكثر قدر من تلطمأنينة بصدره :
_ لا تقلق كل تلك مجرد اعراض للسم، أخبرتك مولاي أنه قوي المفعول ليس إلا، كل شيء سيكون بخير إن شاء الله…..
هز إيفان رأسه وهو ينظر صوب أرسلان يربت على خصلاته بحنان قبل أن تتجمد يده ويشتد جسد سالار وتسود عيونه وهو يسمع صوت زيان يكمل جملته :
_ لكن ….الشيء الوحيد المقلق هو ..جلالة الملكة، لقد اسروها……
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد ساعات…
تحرك بخطوات شبه مهرولة وهو يشعر بدمائه بأكملها تفور داخل عروقه حتى كادت تنفجر وتغرق محيطه بنجاستها .
وصل أمام باب المنزل الذي كان بالأمس مقرًا لزوجته السابقة، واليوم أصبح سجنًا لزوجته المستقبلية، تلك المرأة التي تسبب له مشاكل وأرق أكثر مما سببت توبة وقت وجودها، على الأقل توبة لم تكن تحطم عظام رجاله إن اقتربوا من منزلها، بل كانت تكتفي بتهديدات مرعبة بالبتر أو القتل، لكن هذه …”زوجة أرسلان” أكبر وصف لمقدار الشر الكامن داخلها .
وصل لباب الغرفة يبصر رجاله يقفون عليه مرتعبين من الدخول واحضارها له بعدما طلبها، تنفس بشكل مرعب وهو يهمس بجنون :
_ ما الذي تفعلونه هنا ؟! ألم آمركم بإحضار المرأة أيها الحمقى .
تحدث أحدهم بتردد :
– سيدي لقد …لقد رفضت المجئ وقد أخبرتنا أنها لا تود رؤية وجهك القمئ .
اتسعت أعين أنمار بصدمة مما سمع، فشحب وجه الشاب سريعًا وقد أدرك ما نطق به للتو، يحاول التحدث وتعديل ما خرج منه دون أن ينتبه وقد بدأت حروفه تتعثر في طريقها خارج فمه :
_ أقصد….لم …لا أعني هذا، لكن هذا ما أخبرتنا هي به …
اشتعلت أعين أنمار وهو يبعدهم عن وجهه بجنون صارخًا :
_ ابتعدوا عن وجهي، اقسم أنني سأريكم الويل أيها الجبناء، مجرد امرأة وترعبكم وتأمركم، ماذا أنتم فاعلون إن قابلتم رجال الممالك ؟!
صمت الجميع ولم يتحدث أحدهم بكلمة واحدة، بينما هو اقتحم الغرفة دون حتى طرقة أو تنبيه، فقط اقتحمها دون مقدمات يصيح بجنون :
_ أنتِ أيتها الـ
فجأة صمت حين ابصرها تجلس على الفراش مقابل الباب شاردة في النافذة المجاورة، ومن ثم رفعت عيونها له بهدوء تراقبه دون ردة فعل، بينما هو اقترب منها يهتف بضيق وغضب قاصدًا إهانة قد تهدأ نيرانه :
_ ما الذي اخبرتيهم به ليتبعوا أوامرك بهذا الشكل ؟؟ وعدتيهم بليلة أم ماذا ؟؟
ابتسمت له بسمة صغيرة وهي تجيب ببساطة ترتشف بعض المياه جوارها ببرود كاد يحرق اعصاب أنمار:
_ فقط ذكرت لهم نفس السبب الذي يدفعك للموت رعبًا .
رفع حاجبه وقد ارتسمت بسمة جانبية ساخرة على فمه، يضم يديه صوب صدره :
_ أوه هكذا إذن، وترى ما هذا السبب الذي يدفعني للموت رعبًا جلالة الملكة ؟!
وضعت قدمًا فوق الأخرى تلعب على أوتار نفسه الضعيفة وهي تدرك كيف تلاعب قذرًا كذلك الرجل وتوصله لحافة لعصابه :
_ أرسلان.
نظر لها بعدم فهم لتوضح هي مبتسمة :
_ أخبرتهم أنني سأخبر أرسلان أنهم اقتحموا غرفة زوجته دون إذن منها واقتحموا حرمة امرأته، والتي لا يسمح هو لأحد أن يتخطاها البتة، وربما يمكننا استثناء موزي من ذلك، وأنت لن تشارك موزي هذا الاستثناء فلن أسمح لك أن تتساوى معه في نفس الامتيازات .
لم يدرك أنمار عمن تتحدث، أو حتى هوية ذلك الموزي الذي تذكره، لكنه تجاهل كل ذلك يركز على كلمتها التي نطقتها سابقًا يقترب منها كاسرًا الفراغ بينهما بكل جرأة وسخرية لاذعة تلوح على ملامحه :
_ أوه هكذا إذن، هذا اعتقادك الخاطئ ؟! أنني أخشى ذلك الحقير أرسلان ؟؟ حقًا ؟؟
ختم كلماته وقد أصبح أمامها مباشرة لتنزل قدمها وهي تهبط تقف مواجهة له مبتسمة بسمة هادئة موترة رغم الإرهاق والرعب الذي يتراقص داخل قلبها وقد كان جزء من هذا الرعب موجهًا لزوجها، لا تدرك ما حدث معه، والخوف كل الخوف أن يكون قد تأذى جراء مؤامرة هذا النجس أنمار.
ورغم كل أفكارها السوداء التي تدور داخلها، فقد علمها عملها ألا تظهر للمجرم تفوقه عليها وتلعب على كامل اوتاره لتدفعه دون شعور منه للحافة، لذا وبهمس خاطبت عقله الباطن :
_ أولست ؟؟
_ لا، أنا لا أخشى ذلك الرجل ولو بمقدار شعرة، ولن أفعل، أرسلان سيكون آخر رجل قد يؤرقني مواجهته .
ابتسمت له بسمة مريبة وهي تنظر لعيونه بتركيز جعله يتعجب قبل أن تتحدث بصوت خافت :
– عيونك …
رفع حاجبه بسخرية وهو يميل برأسه مغازلًا بشكل قذر :
_ جميلة ها ؟؟
_ ترتجب لذكر اسم أرسلان .
ختمت كلماتها وهي تبتعد عنه ببطء تاركة إياه يقف مبهوتًا أمامها، وقد وجدت مدخلها له، تكمل بكل بساطة :
_ أرسلان سيكون آخر رجل يؤرقك مواجهته صحيح، لأنه سيكون محطتك الأخيرة صوب جهنم .
رفع لها عيونه وقد اشتعل بها الشر مخفيًا خلفه خوف من فكرة هزيمة على أيديهم، وهي اتسعت بسمتها تراقب حركة جسده المتململة، وقد اكتشفت شيء صغير لطيف، هذا الرجل افشل من تعاملت معهم فيما يخص كبت الانفعالات .
_ هل تعتقد أن مجرد سهم مسموم سيقتل أرسلان ؟! أتدري عدد الجروح التي رأيتها بجسده؟؟ كم ضربة كانت من المفترض أن تكون قاتلة ونجى منها برحمة من الله، فهل تعتقد أنك ستصيبه بسوء لم يكتبه الله عليه ؟!
صمتت ثواني تراقب صمته وهو ينظر لها دون ردة فعل فقط أعين شاردة في حديثها، لتلقي كلماتها الأخيرة :
_ من يدري ربما يكون الآن يعد لك العدة ليباغتك في عقر دارك ويدكه أعلى رؤوسك ومن معك من الفاسقين .
رفع أنمار رأسه بسرعة مرعبة صوبها يحدق فيها دون كلمة واحدة قبل أن تشتد ملامحه بشكل مرعب وهو يندفع للخارج دون كلمة يصرخ بالجنود :
_ لا أحد يدخل لهذه المرأة ولا تخرج هي وإلا لن أجد أمامي سواكم لقتله .
ختم كلماته يتبعه بصرخة آمرة تحمل خلفها الوعيد :
_ تجمعوا، الجميع بلا استثناء أريدكم في المقر الآن.
اتسعت بسمة سلمى بقوة وهي تراقبه تهتف بانتصار وهي ترى الباب ينغلق شيئًا فشيء وكان آخر ما ابصرته هو وجه أنمار المشتعل وهو يتحرك بعيدًا.
_ وهذا ما يُسمى الاحتراق البطئ واستنزاف العدو نفسيًا ………
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
توقفت أمام الجناح الخاصة بوالدها وهي تعلم أنه يلحق بها مخفضًا رأسه كي لا يبصره أحدهم في المكان، استدارت له ببطء وهي تراقبه، ثم فتحت باب الجناح :
_ رجاءً حاول جهدك لمساعدته، سأ ….سأكون في جناحي وسأوصي بعض الحرس هنا بمساعدتك في حالة احتجت لشيء، و…سأخبرهم أنك أحد الحكماء من الشمال .
كادت تتحرك بعيدًا عنه لكنها توقفت في نفس اللحظة التي كاد يفتح فمه بها يوقفها بأي حجة تخطر على عقله، فمبجرد استدارتها رفع يده وفتح فمه للحديث ولا يعلم ما عليه قوله لكنها مجرد حجج واهية يزيد بها الوقت رفقتها .
ولم يكد يتحدث كلمة حتى استدارت له ليخفض هو يده بسرعة وهو يبعد عيونه عنها يدعي أنه على وشك دخول الجناح، لترفع هي حاجبه بسخرية من أفعاله .
_ ماذا ؟!
توقف ينظر لها بعدم فهم :
_ ماذا ؟!
_ كنت تريد قول شيئًا ؟!
_ لا وأنتِ ؟؟
ابتسمت بسخرية وهي تنظر ليده التي كان يرفع عاليًا، ليحركها هو يضعها على خصلات شعره يرتبها وكأن ذلك كان مبتغاه منذ البداية بتضحك ضحكة مكتومة اشعرته بالحمق من أفعاله التي تخرج دون تفكير أمام عيونها .
أما عنه فقد أبعد عيونه عنها يحاول الحديث بأي كلمة تزيح غيمة الغباء التي احاطته في وجودها، وهي فقط تنظر ارضًا تحاول إخفاء ضحكاتها المكتومة، ثم رفعت عيونها له بسرعة جعلت يتوتر لثواني قبل أن يتماسك لتتساءل فجأة ودون مقدمات :
_ كنت قائد جيوش آبى الثاني صحيح ؟!
رمش دون فهم لغرض السؤال لكنه هز رأسه بهدوء لتكمل هي حديثها ساخرة :
_ الغريب أنك تنتفض كل ثانية بشكل غير متوقع، لا أعرف لماذا لكنني لا أراك تلائم دور قائد الجيوش، لا أتخيلك ترتدي درعًا وتحمل سيفًا وتقود جيشًا .
ابتسم لها بسمة صغيرة ولم يتحدث كلمة واحدة يجيبها بها، سيدعها تتخيل ما تريد فهو لن يبدأ بالتفاخر الآن بمهاراته في القتال وقدرته على قيادة جيش آبى في كثير من المعارك .
نزار والذي كان التلميذ الثاني لوالده بعد سالار تشرب من الملك آزار كل أساليب القتال ووظفها بطريقته الخاصة، فكان له أسلوبه الخاص في القتال، ورغم كل مسؤولياته في قيادة الجيش إلا أنه لم يتخلى عن حلمه في دراسة الطب وعلم السموم وأصبح محارب برتبة طبيب وعالم، فشكل هدوئه وصمته رعبًا أكبر من تحدثه، كان أشبه بالموت الصامت والخبيث الذي يتسحب بين أوردتك دون شعور منك .
هز رأسه لها بهدوء :
_ سأفحص في البداية الملك بشكل دقيق وحينما احدد ما احتاجه سأخبرك بما ينقصني، لا أريد ازعاجًا من أيًا كان إذا سمحتي.
ختم كلماته يميل جزئيًا لها، ثم تركها تنظر له بصدمة متحركًا صوب باب الجناح الخاص بالملك بارق وأغلقه بهدوء بعدما استأذن منها باحترام .
وهي فقط تحدق بالباب مصدومة من كلماته :
_ إزعاجًا ؟! يقصدني أنا بالازعاج ؟!
أما في الداخل فبمجرد أن خطى للجناح حتى ابتسم بسمة صغيرة وهو يستقبل الملك بارق يخفض رأسه ملقيًا تحية صامتة، ثم اقترب منه بهدوء شديد وخطوات معدودة حتى توقف أمامه يميل هامسًا
_ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عساك تكون بخير إن شاء الله جلالة الملك .
صمت ثواني، ثم مال يمسك كف يده مقبلًا إياه كما اعتاد قديمًا، يرفع كفه يضعه على خصلات شعره يربت عليها مبتسمًا يتذكر حركة بارق له قديمًا وهو يداعب خصلاته ليستفزه، لكنه كان يستقبل الأمر ببسمة هادئة ولا يتحدث بكلمة ليكون رد بارق في كل مرة هو ضحكة صاخبة وهو يضمه له متحركًا مرددًا بصوت حانق مصطنع :
” أنت يا فتى هادئ ومطيع بشكل مستفز ”
اتسعت بسمة نزار وهو يجلس على ركبتيه جوار الفراش الخاص به يهمس بهدوء وهو يحدق بوجهه :
_ وابنتك جلالة الملك مستفزة وعنيدة بشكل جنوني، و….مثالية، للأسف أدركت ذلك متأخرًا جدًا رغم أنني كنت آتيك أكثر مما ازور أية مملكة، عجيبة هي الحياة ها ؟!
ختم كلماته مبتسمًا، ثم فتح الحقيبة التي احضرتها له توبة وبدأ يفرغ ما فيها بسرعة ودقة، ومن ثم نزع لثامه يتحرر من كل قيوده، قبل أن يقترب من بارق ومن ثم أمسك بعض الأجهزة التي يستعملها عادة في الفحص وشرع يفحص كل علامات التسمم التي قد تدله على السم المستخدم ليدرك المصل المعالج .
_ بسم الله …..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقف في منتصف الغابة يراقب بقع الدماء التي نتجت عن الهجوم الغادر على موكب الملك، ومن ثم رفع عيونه بهدوء يحركها في الأجواء الهادئة حوله وقد كانت عيونه هي كل ما يمكنهم أن يبصروا من وجه المعتصم وقد أعادت هيئته الخشنة هذه في أذهان بعض الرجال، صورة المعتصم الأولى له في المملكة حينما تنكر واختلط بينهم وعلمهم القتال .
تحرك في المكان وهو ينحني يدقق النظر في الآثار التي تقبع أسفل أقدامه، وقد كانت ترشده للجهة التي تحركوا لها .
_ سيدي لقد فحصنا المكان ولم نجد شيئًا صوب بقايا سهام وبعض الثياب الغريبة .
رفع لهم المعتصم نظره وهو يلتقط الثياب من بين يديّ الجندي يدقق النظر بها قبل تجذب نظرة علامة مميزة جعلت عيونه تضيق بتفكير يزيد من قبضته على الثوب، ثم نظر للجهة التي تحرك لها الجميع ثواني ومن ثم ابتسم وهو يتحرك صوب حصانه يتحدث بكل بساطة :
_ لنعد إلى القصر .
تعجب الجميع قراره المفاجئ، ورغم ذلك لم يتناقش به أحدهم معه، أما عن المعتصم فقد كان يرسم في عقله ما سيفعله بمجرد العودة، وقد أدرك نصف اللعبة التي أُحيكت ضد أرسلان.
كان يتحرك يقود جيشه صوب القصر عائدًا والشر هو كل ما يلمع بعيونه، يتوعد للجميع .
_ يبدو أنهم لن ينتهوا أبدًا، الخائنين سيظلون بيننا حتى يأذن الله بفنائهم …..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ سالار فقط توقف عن الدوران ودعني افكر بشكل صحيح أرجوك، لا تزدها عليّ.
توقفت أقدام سالار عن التحرك وهو ينظر صوب إيفان الذي كان يحدق في الفراغ يحاول التفكير فيما سيفعل بشأن زوجة أرسلان.
_ فعلها ذلك الخسيس، ألا لعنة الله عليه وعلى ذكوريته المزعومة لذلك المخنث .
ختم كلماته يبصق في الهواء جواره بصقة وهمية مشمئزة، يتذكر كلمات الأميرة توبة عن ذلك المكان الذي أُجبرت على البقاء به والمعاملة التي كانت تُفرض عليها ليشتعل دمه غضبًا وهو يشعر بالجنون يكاد يصيبه .
وايفان يراقبه بغضب يكبته قدر الإمكان، يبدو أن الحياة لم تقرر بعد الابتسام لرفيقه، أن تُأسر زوجته على يد أحد الكفار لكرب عظيم قد يصيب أي أحد فما بالكم بأرسلان الذي كان يأبى عليها نظرة عابرة غير مقصودة حتى .
نظر صوب أرسلان وهو يضم كفيه مفكرًا، لم يكن من مصلحتهم الهجوم الآن، ليس حسب خطتهم الأخيرة على الأقل، لكن أسر ملكة مشكى يغير كامل القواعد .
أما عن سالار فقد كانت عيونه حمراء وبشدة يتخيل لو أن ما حدث لتوبة ولسلمى قد يمتد ليشمل نسائهم جميعهن ومنهن زوجته .
انتفض جسد إيفان على صوت المزهرية التي حطمها سالار بقوة لينظر له بصدمة من فعلته، فسالار ورغم بأسه في الحروب لم يظهر يومًا غضبًا وتحفزًا بهذا الشكل .
أما عن سالار فقد كانت أعصابه تحترق، أكثر ما يكره في حياته أن يُقحم أي خسيس النساء بالحروب .
_ سالار ما بك ؟! لقد ….
ولم يكد يكمل جملته حتى سمع صوت الباب يُفتح بسرعة كبيرة وجسد آخر شخص توقعه يندفع بجنون وهو يصرخ برعب ووجع :
_ أخـــــــــــــــــــــي..
اخفض سالار رأسه بمجرد أن اقتحمت كهرمان غرفة أرسلان يبعد عيونه للخارج ليبصر زوجته تقف وهي تنظر لما يحدث بأعين دامعة تجاورها تبارك وفي الخلف يقبع دانيار والذي أبى أن يأتوا وحدهم من سفيد لمشكى بمجرد تسلمهم الخبر من الجنود الذين عادوا دون الملك أو القائد.
تحرك سالار بسرعة صوب تبارك بلهفة شديدة يشكر الله على وجودها في هذه اللحظة تحديدًا والتي كان في أمس الحاجة لها بها، مر بها وقبل أن تتحدث كلمة كانت يد سالار يجذبها بسرعة مستأذنًا من الباقيين بكلمات مقتضبة ينأى بها عن الجميع لغرفته التي تقبع في أقاصي المكان وتبارك تتحرك خلفه بسرعة ورعب وهي تهتف بعدم فهم :
_ سالار ؟؟؟؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما عن كهرمان والتي بمجرد أن سمعت الخبر حتى وضعت حجابها تتحرك مهرولة من القصر تصر على السفر ولو كان سيرًا رافضة كل محاولات تميم أو دانيار في قمع رغبتها، تصرخ في الجميع أنها لن تهدأ حتى تبصر أخاها أمام عيونها بخير حال .
سقطت جوار فراشه وهي تهتف بلوعة ورعب تتمسك بكفه باكية بقوة :
_ أخي ما بك ؟!
سقطت دموعها اكثر تبكي بحرقة كبيرة وهي تهتف والوجع رفيق صوتها ونبرتها خرجت مذبوحة :
_ لا تفعل هذا بي ثانية، أتوسل إليك، والله لن احتمل حياة لست بها يا أرسلان، ارجوك ارجوك كن بخير لأجلي على الأقل، أتوسل إليك أرسلان لا تفعل هذا بي، لا تجبرني على العيش يتيمة مرة ثانية بعدك .
ختمت حديثها تستند برأسها على يده باكية بكل حرقة وقد عادت لها نفس مشاعر البؤس واليتم التي جربتها ذلك اليوم وهي تخرج من القصر هاربة بعدما وصل لها خبر قتله، ارتجف صدرها وهي تهمس بحرقة وقهر :
_ يا أخي أرجوك… أرجوك….. أنا ارجوك .
ويبدو أن لسانها قد عجز في هذه اللحظة عن الخروج بأي كلمة أخرى، إذ اخذت تتوسله دون توقف، لا تقدر على إيجاد كلمات أخرى.
أما عن إيفان فاقترب منها يجلس ارضًا جوارها يربت على كتفها، يحاول أن يشد أزرها وهو من يحتاج لمن يشدد أزره، وُلد وحيدًا ولم يبتأس لأنه ومنذ وعى لهذه الحياة وجد أرسلان جواره يخبره أنه أخوه، بل ووصل به الأمر على إجباره أن يتخذه أخًا، فقد كان إيفان في طفولته يفضل الوحدة وينطوي بنفسه عن الجميع متخذًا من الكتب رفقاء، قبل أن يقتحم أرسلان حياته يجذبه من ثيابه بقوة مجبرًا إياه على الخروج معه للحديقة وهو يتحدث بلا اهتمام كعادته :
” يا فتى سينبت لك كتابًا بدلًا من رأسك هذه، توقف عن القراءة لثواني واستمتع بالحياة .”
” لكنني استمتع بها وأنا اقرأ أرسلان لذا لِمَ تستمر في ازعاجي، دعني أفعل ما أريد وتوقف عن همجيتك هذه ”
توقفت أقدام أرسلان الصغير وهو ينظر له من أعلى لاسفل باستنكار وبسمة ساخرة :
” الكتب لن تقف في ظهرك يومًا إن غُدر بك، ولن تربت عليك إن بكيت ولن تؤنس وحدتك يا أخي، تحتاج للبشر في حياتك كذلك، اكتسب منهم ما استطعت فيكونون لك عونًا في حياتك، وأحسن انتقاء من تصاحب، هكذا تخبرني أمي، ولم أجد افضل منك لتصاحبني حتى إذا بكيت أنت يومًا اصفعك لأن الرجال لا يبكون، ومن ثم أضمك لأنك أخي، أولست ؟!”
ابتسم إيفان وهو يراقب جسد أرسلان المسطح على الفراش بتعب واضح وشحوب مخيف، وجسد يرتجف كل ثانية بشكل مرعب :
_ وأكثر يا أخي .
تنهد يضم له كهرمان بقوة وهو يهمس لها بكلمات خافتة حنونة :
_ سيكون بخير عزيزتي لقد أخبرني زيان طبيبه أن الأمر سهل إن شاء الله خاصة أن أخيك عنيد كالثور لن يهزمه سم ضعيف كهذا صحيح ؟؟
رفعت كهرمان عيونها له تهمس بوجع :
_ أنا خائفة إيفان، كثرة الضربات تفتت الصخر .
_ وشقيقك ليس صخرة كهرمان، بل صوان عزيزتي، لو كان صخرة لتفتت منذ سنوات طويلة، حمدًا لله أنه ما يزال بعقله بعد كل ما مر به، سيكون بخير عزيزتي.
صمت يربت عليها ولم يشعر أنهما أصبحا وحدهما في المكان بعدما خرج الجميع تاركين إياهم دون إزعاج، بينما كهرمان شردت في أرسلان تهمس بصوت منخفض مرتعب :
_ أخي نضج على الوجه أخشى أن يعتاده فلل يشعر بعدها بشيء ويصبح بلا روح .
ابتسم إيفان بسمة صغيرة حزينة على صديقه :
_ لا اعتقد، فأخيكِ وجد روحه كهرمانتي، وجد روحه قبل أن….
” يسكثروها عليه ويسلوبنه إياها”
كلمات كبتها بصعوبة داخله وهو يضغط على يده بغضب شديد يتوعد لهم بالويل، أرادوا إخراج اسوء ما فيه لذا ليتحملوا …
نظرت له كهرمان بعدم فهم :
_ ماذا لم أفهم، هل حدث شيء اجهله ؟!
_ كنت سأخبرك بمجرد عودتي، لكن أمر الله نفذ قبل ذلك .
اعتدلت كهرمان في جلستها وهي تنظر له بعدم فهم تحاول أن تلتقط مقصده من نظراته، لكن منذ متى استطاع أحدهم اختراق عقل إيفان ؟!
_ إيفان تحدث بما تعلم فأنا لا امتلك عقلًا الآن يمكنه التفكير بشيء ما الذي حدث لأخي ولا اعلمه ؟!
ابتسم لها يضمها مربتًا عليها بحنان كبير :
_ لقد …تزوج أخوك.
اتسعت أعين كهرمان بقوة وهي ترتجف للحظات بين يدي إيفان الذي ضمها له اكثر يربت عليها هامسًا بصوت حنون:
_ لقد جاء الأمر دون تخطيط منه، ولن يخبر أحدًا لضيق الوقت وقد انتوى أن يخبرنا ويدعونا لإشهار العقد، لكن حدث ما حدث، و….
قاطعته بهمسة واحدة :
_ سلمى ؟!
_ نعم .
اتسعت بسمة كهرمان وهي تنظر لوجه إيفان بسعادة طاغية وقد بدأت دموعها تتجمع مجددًا داخل عيونها :
_ هل …هل أنت جاد ؟؟ اخي تزوج سلمى ؟! وكيف …. رأيته معها ؟؟ كيف كان ؟؟ سعيدًا ؟!
سقطت دمعتها مع كلمتها الأخيرة وهي تأمل بأن يجيب بنعم، تتمنى وتدعو الله أن يعثر أخوها على سعادته المنتظرة.
أما عن إيفان والذي توقع حزن من جهتها لأن أرسلان لم يخبر أحدًا ونسي أن زوجته تتغاضى عن كل شيء طالما أن النهاية ستكون بسمة ترتسم على شفتي شقيقها، أرسلان والذي كان والدها الفعلي منذ طفولتها، يدرك أكثر من الجميع أن أرسلان كان حائط الصد أمام شقيقته يتلقى كل الضربات على أن تكون كهرمان سعيدة ومبتسمة .
_ يكفيكِ معرفة أنني لم أبصر أرسلان يبتسم من قلبه منذ سنوات سوى معها، لقد رأيت منه جانبًا ظننت أن الله سيأخذ روحي قبل أن ابصره بأخيكِ .
انتفضت كهرمان تمسك يده برعب :
_ يا ويلي لا تتحدث بهذه الطريقة إيفان، عسى أن يديم الله وجودك جواري .
ختمت كلماتها تستدير صوب أرسلان ببسمة واسعة تهمس بسعادة وقد تساقطت دموعها تقترب منه تميل على جبهته تقبلها بحنان :
_ عساها تكون سعادة العمر ورفيقة الحياة يا أخي، مبارك لك رفقتك يا عزيزي .
نظرت لإيفان الذي كان يطالعها بحنان وحب لتخجل هامسة :
_ و …. أين هي …. أين هي سلمى ؟! هل هي بخير ؟!
السؤال الذي تمنى ألا تطرحه زوجته ليس في الوقت الحالي وهو لا يمتلك إجابة قد تريح صدرها، نظر ارضًا وهو يضغط على يده بقوة وغضب يفكر فيما يحدث مع رفيقه .
_ كهرمان لقد كانت جلالة الملكة مع …. مع أرسلان في الوقت الذي هوجم به.
انطلقت شهقة مرتفعة من فم كهرمان وهي تتحرك ببطء صوب زوجها تنظر له بتردد تحاول أن تدرك ما يقصده من ذلك الصمت المرعب :
_ و؟؟؟ هل هي ….هل أُصيبت كأخي ؟!
رفع عيونه لها يعجز وغضب يحاول كبته، غضب جعل كهرمان تتوقع الاسوء فغضب رجل كإيفان ليس من السهل أن يغضب، رجل لا تستفزه الحروب ولا الاتهامات ولا يحركه شيء، ما اسوء ما يمكن أن يحدث ليصدر هذا الغضب منه ؟!
ولكن إن توقعت كهرمان السيء، فما حدث كان الاسوء إذ نطق إيفان بصوت منخفض وهو يتنفس بصوت شبه مسموع :
_ كانت معه في الموكب نفسه وقت الهجوم و…. أصابوا شقيقك بسهم مسموم غدرًا من بين الأشجار حينما كان في قتال مع اثنين بالسيوف و… أسروا زوجته …
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وصل للقصر وبمجرد أن هبط عن حصانه حتى أمر الجنود بالتحرك صوب مساكنهم وأشار للبعض الآخر أن يتحرك لحراسة القلعة .
ومن ثم تحرك صوب غرفته حتى يبدل ثيابه ويطمئن على زوجته ومن ثم يتحرك لسالار يخبره ما وصل له، كل ذلك ومازال الثوب الذي عثروا عليه بين قبضته يسير به غاضبًا .
بملامح واجمة، وصل لغرفته ولم يكد يخطوها حتى ابصرها تهرول له من نهاية الممر بملامح هلعة ووجه شاحب .
هربت حتى وصلت له وهي تهتف برعب شديد :
_ سيدي هل كانت …فاطمة معك ؟!
نظر المعتصم صوب ألطاف بعدم فهم لا يدرك ما تقصد، يضيق ما بين حاجبيه مجيبًا بنبرة قلقة وقد بدأت اجراس الخطر تطرق داخل عقله :
_ معي أين يا خالة ؟! لقد كنت مع الجيش كيف سآخذ زوجتي معي ؟؟
ضمت ألطاف طرف الحجاب لوجهها وقد بدأت دموعها تتساقط بخوف مما يحدث حولها، فهي تبحث عن فاطمة منذ ساعات حتى أنها أخرت عودتها للمنزل حتى تطمئن عليها وترى إن كانت مع القائد أم لا .
_ لا أعلم أنا فقط خمنت أنها ذهبت معك فهي اختفت منذ رحلت أنت، بحثت عنها في كل مكان ولم أجدها، حتى أنني أرسلت ولدي الذي يعمل في حديقة القصر ليبحث عنها في منزلها، لكنه كان خاويًا كما تركته هي آخر مرة ورحلت معك .
مع كل كلمة تنطقها كان ضربات قلبه تتباطؤ أكثر وأكثر حتى أضحى متيقنًا أنها قد تتوقف إن استمرت ألطاف بالحديث ثواني إضافية.
سقط الثوب الذي كان يقبض عليه وشحبت ملامحه وهو ينظر لوجه ألطاف يشعر بالمكان يضيق عليه حتى أصبح التنفس صعبًا .
_ هي…. أنا لم ….لقد تركتها هنا و…. أنا لم …. لم ااا
توقف عن الحديث وعجز عن النطق بكلمة واحدة تعبر عن مقدار الوجع والرعب الذي سكن صدره في هذه اللحظة، شعر بارتجافة صدره، وبعد صمت وعجز طويل لم يخرج بكلمة سوى :
_ أين هي فاطمة ؟؟
نزلت دموع ألطاف وهي تهتف بخوف شديد :
_ لا أعلم يا سيدي اقسم أنني لم أترك مكانًا واحدًا قد تذهب إليه إلا وذهبت إليه للبحث عنها، لكنني لم أجدها ولا أدرك اين هي، هي لا تعرف في هذه الحياة سوانا أين عساها تكون ؟!
تركها المعتصم يتحرك كالميت صوب غرفته يحاول أن يقنع نفسه أنه سيجدها هناك ربما تنتظره في أي مكان داخل الغرفة، ربما كانت خائفة وتختبئ .
دخل يبحث عنها بعيونه يهتف بصوت خرج مرتجفًا لأول مرة في حياته بأكملها:
_ فــ…فاطم ؟؟؟
والصمت كان الرد الوحيد الذي وصل له ليزداد رعبًا وهو يبتلع ريقه متحدثًا بصوت أعلى يدور بعيونه في المكان :
_ فاطـــمة أنتِ هنا ؟؟
وحينما أجابه الصمت إجابة يخشى أن ينطق بها تراجع للخلف بخوف من الوحدة التي ابصرها في المكان، وحدة كاد ينساها في وجودها، لكن أين هي الآن ؟!
خرج من الغرفة بسرعة لألطاف وهو يتحرك صوبها متحدثًا بصوت خافت يحاول أن يقنع ذاته داخليًا أنه سيجدها في منزلها يطمئن نفسه أنها تنتظره، ربما ملت انتظاره وخرجت للجلوس في الحديقة أو ربما ….عادت لترى والدتها وتحركت معها للمنزل .
ابتلع ريقه يحاول الحديث :
_ لقد ….سوف أذهب للبحث عنها في منزلها ربما أجدها هناك و….
قاطعته باكية :
– يا بني أخبرتك أنها ليست هناك، أرسلت من يتأكد من ذلك ولم يجدها .
تراجع دون اهتمام لما قيل منذ ثواني يقنع نفسه أنه ربما من ذهب لم يبحث بشكل جيد، لذا تحرك بسرعة يهتف بإصرار :
_ سأذهب لابحث عنها .
ومن بعد كلماته تلك اختفى من أمام ألطاف يهرول صوب حصانه الذي هبط عنه منذ ثواني وقلبه يشاركه الهرولة، يبتلع ريقه خائفًا من حقيقة ينكرها بكل جوارحه .
فاطمة لم تتركه، لم تفعل ذلك، رغم شعوره أنها كانت تودعه قبل الذهاب، لو كان يعلم أن ذلك العناق الذي ضمته به كان الأخير قبل رحيلها، يقسم أنه ما كان ليتركها تخرج منه .
تحرك بحصانه بسرعة كبيرة منفصلًا عما يحيطه حتى أنه لم يسمع نداء سالار له وهو يصرخ باسمه قلقًا من ملامح وجهه التي ابصرها ..
ليهمس الأخير بريبة :
– اللهم خيرًا….
أما عن المعتصم فقد كان ينغز خصر حصانه كل ثانية يحفزه على زيادة سرعته وهو يرتجف من شعوره بخسران المرأة الوحيدة التي أحبها من أعماق قلبه .
_ ارجوكِ لا تفعلي بي هذا فاطمة والله لن اتحمل، ارجوكِ لا تفعلي بي هذا …………
وصل بعد دقائق طويلة للمنزل الخاص بها، يترجل عن حصانه بسرعة كبيرة ركضًا لمنزلها ليقابله صمت خانق وقد كاو الظلام يعم المكان.
دخله بأقدام مرتجفة ينظر حوله يحاول إيجادها، يبحث بين أركان المكان عن طيفها هامسًا بصوت مرتجف .
_ فاطمة ؟؟؟
ونفس الإجابة وصلت له، الصمت .
ليدرك المعتصم في هذه اللحظة وهو يدير بعيونه في المكان أنه ربما يكون وبغباء منه أضاع الشيء الوحيد الذي كان يسعى للأحتفاظ به في حياته، أضاع الشيء الوحيد الزاهي في حياته السوداء..
ارتكبت لجدار المنزل في الظلام يحدق أمامه بعجز وعيون ملتمعة بالدموع وفكرة واحدة تدور داخل رأسه تقتله .
أضاع المعتصم فاطم ……….
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحرك بخطوات بطيئة يستأنس بصوت الليل الهادئ، يحمل بين أنامله مصباحه الزيتي في رحلته المعتادة نهاية كل يوم وقبل خلوده للنوم .
ابتسم بمجرد أن عبر البوابة الحديدة التي تحيط باغلى ما يملك، هتف بصوت مداعب ونبرة حنونة :
_ السلام عليكم يا اهل الدار، عساكم اشتقتم لي ..
ختم كلماته وهو يتحرك في البداية صوب قبر والديه يدعو لهم بالرحمة ومن ثم تنهد بصوت منخفض وهو يتقدم بين قبور عائلته يبحث بعيونه عن قبر أطفاله الصغار :
_ مساء الخير اعزائي هل اشتقتم لبابــ
توقف عن الحديث فجأة حين أبصر جسد يجلس جوار قبور أبنائه الثلاثة وزوجته، جسد يتشح بالاسود حتى كاد يندمج مع ظلام الليل المحيط، ضيق ما بين حاجبيها بريبة وهو يمد يده صوب سيفه الذي يحمله في غمده يتحدث بصوت محذر :
_ من….من أنتِ ؟؟
ولم يصدر صوت من صاحبة الجسد وكأنها انفصلت عن الحياة، وقد كان هذا التفسير أقرب شيء للواقع .
ابتلع زيان ريقه وهو يقترب من القبر أكثر يرفع المصباح يهتف بصوت حاد :
_ من أنتِ أو أنت؟! أيًا كان هويتك فصدقني لن يسعدك ما سيبدر مني إن علمت أنك جئت تنتوي شرًا لصغاري يا هذا .
وحينما قابله الصمت نزع السيف وقد ضاق صدره بالغضب يضع السيف على ظهر ذلك الشخص معتقدًا أنه ربما يكون من نابشي القبور أو اسوء، أحد الكلاب الضالة الذين يطاردهم المعتصم جاء يحتمي بااقبور بعيدًا عن أعين الحرس .
_ بكل هدوء انهض وابتعد عن قبر عائلتي قبل أن تُقطع اربًا.
كان يتحدث وهو يبصر رجفة الجسد أمامه مخمنًا أنه خوفًا.
ولم يأت برأسه أن الرجفة في جسد الشخص أمامه كانت صدمة ورعبًا مما ترى وتسمع .
شعرت أنها لا تستطيع التنفس مما يحدث لها، أمامها قبر منقوش عليه اسمها وخلفها ….صوت زوجها الذي شهدت نوته بأم أعينها..
كبتت صرخة مرتعبة مما تتعرض له تحاول التنفس تسقط ارضًا منحنية واضعة يدها على صدرها وهي تشهق بصوت مرتفع قبل أن تمنح لنفسها ولأول مرة رفاهية البكاء، واخيرًا تركت ” نازين ” نفسها لاحزانها أخيرًا سمحت لنفسها بالبكاء وهي تنفجر في انهيار قاتل تطلق آهة عالية تسقط منهاره على وجهها تبكي ما يحدث معها وقد خُيل لها أن وجود زوجها في هذه اللحظة ما هو إلا لحظات يأس معتادة من عقلها .
أما عن زيان فاتسعت عيونه برعب وهو يعلم ذلك الصوت يقينًا، حرك عيونه بخوف من القبر الذي يحمل اسم زوجته ” نازين ابنة عبدالعزيز”، إلى ذلك الجسد الذي يبكي أمامه والذي كان صوته مألوفًا بشدة له، وكيف لا وهي أنيسة لياليه كلها .
تراجع للخلف بخوف يشهد أمامه أحلامه وقد تمثلت واقعًا أمام عيونه يهمس بصوت مرتجف :
_ من أنتِ ؟!
رفعت نازين وجهها والذي اغرقته الدموع له ليتخرك هو بهدوء حذر صوبها حتى أصبح على بعد خطوة واحدة يرفع مصاحبه ليصبح بينهما يهتف بصوت مرتجف مصدوم :
_ نازيـــــــن ؟؟؟؟؟؟؟
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية أسد مشكى)