روايات

رواية نعيمي وجحيمها الفصل الثاني والخمسون 52 بقلم أمل نصر

رواية نعيمي وجحيمها الفصل الثاني والخمسون 52 بقلم أمل نصر

رواية نعيمي وجحيمها البارت الثاني والخمسون

رواية نعيمي وجحيمها الجزء الثاني والخمسون

نعيمي وجحيمها
نعيمي وجحيمها

رواية نعيمي وجحيمها الحلقة الثانية والخمسون

بعض الأشياء لا تظهر قيمتها سوى بعد أن تفقدها، أو لا تشعر بجمالها إلا من بعد أن ترى القبح في الأشياء الأخرى؛ حينما تنجلي العين من كل الشوائب التي أمامها، وقتها فقط ترى الصورة كاملة وتشعر بالجمال الحقيقي.
أصوات متواترة وصخب لا تعلم وجهته يطرق أسماعها بخفة، مع ثقل شديد برأسها التي كانت تحركها يمينًا ويسارًا بصعوبة، حتى انكشف النور أمامها مع فتح عينيها لترى صور رسوم كرتونية بألوان زاهية غريبة عنها وعن لون جدران غرفتها المعروفة، قلبت عينيها قليلًا في طريق استعادته لوعيها لتفاجأ بزوجين من الوجوه الصغيرة يحدقان إليها ببرائة فقال أحدهم:
-دي فتحت عنيها يا عمر .
ورد الاخر:
– وبتبصلنا كمان وشايفانا، انا هروح اقول لماما .
تفوه بها الصغير الاَخر ثم اختفى من جوارها ليظل الوجه الاَخر بملامح انثوية صغيرة وجميلة وضفيرتين على جانبي وجهها تتطلع إليها دون كلل أو ملل.
تأوهت من صداع رأسها التي كانت تجاهد لرفعها، لتزداك دهشتها زداد كلما عاد إليها وعيها جيدًا، عن هوية الأطفال وشكل الرسوم الكرتونية والألوان الوردية التي ملأت الأنحاء حولها حتى خرج صوتها اَخيرًا مخاطبة الصغيرة:
– إنت مين؟
هتفت الطفلة مشيرة بحماس صدر مع صوتها:
– أنا روان.
– روان مين؟
رددت خلفها الأسم بعدم استيعاب بملامح متجعدة وهي تحاول النهوض مع اَلام رأسها المتزايدة بقوة، تعصر عقلها إن كانت بحلم أو بشئ اَخر اَخر لاتتذكره.
– صباح الفل، إنت صحيتي يا قمر.
صدر الصوت من مدخل الغرفة لهذه المرأة الثلاثنية ذات الملامح هادئة ونظارة طبية تغطي عينيها، ترتدي ببجامة بيتية مريحة على قدها الرشيق، لفتت نظر غادة التي تأملتها من الأعلى للأسفل حتى سألتها باستغراب وقد تمكنت من الاعتدال بجذعها على الفراش بألأستناد على ذراعيها:
– إنت مين وانا إيه اللي جابني هنا؟
تبسمت لها المرأة بحرج قبل أن تتناول صغيرتها لترفعها من جوارها وتصرفها بأمر:
– اطلعي انت يا روان واندهي خالك من الأوضة التاتية.
عبس وجه الطفلة وهمت بالاعتراض، فحدجتها والدتها والدتها بنظرة محذرة متابعة بقولها:
– اسمعي الكلام ولو لقتيه نايم صحيه وبعدها تروحي تلعبي مع اخوكي في أوضته ومتعتبيش هنا غيرنا لما اندهلك، اخلصي يالا .
دبت الطفلة بقدميها على الأرض زامة شفتيها بغضب طفولي محبب قبل أن تستدير مذعنة لأمر الوالدة .
عقب انصرافها هتفت غادة على المرأة التي جلست بجوارها مكان الطفلة:
– انتوا مين؟ وانا إيه اللي جابني عندكم هنا، هو في إيه بالظبط؟
عادت لوجه المرأة ابتسامتها التي زادها الاضطراب هذه المرة قبل أن ترد:
– طب قبل كل شئ انا حابة اعرفك على نفسي الأول، انا الدكتورة سما استشاري امراض الباطنة، وجوزي يبقى هشام منصور مهندس إنشاءات في الخليج، والأطفال اللي شوفتيهم من شويه دول، يبقوا أولادي، عمر وروان اللي خرجتها انا حالا من أوضتها وانتِ نايمة دلوقتي على سريرها .
– إيه؟
تفوهت بها لتعتدل مستقيمة وقد هبت بها القوة متناسية اَلام رأسها:
– انتي بتقولي إيه؟ انا مش فاهمة حاجة، جاوبيني على طول ومن غير لف ولا دوران، انا إيه اللي جابني هنا؟
– أنا .
قالها خشنة بصوته الغليظ ليُجفلها منتفضة وشهقت بارتياعٍ ازداد مع رؤيتها لملامح وجهه المتجهمة وهو يتقدم بخطواته لداخل الغرفة باتجاهها فصاحت صارخة:
– إنت اللي جبتني هنا؟ يا نهارك اسود هو انت عملت فيا إيه بالظبط؟ دا انا هاوديك في داهية.
تدخلت المرأة تخاطبها:
– توديه في داهية ليه بس يا بنتي بعد الشر؟ دا هو اللي انقذك ونجاكي .
التفت إليها غادة برأسها بنظرة خاطفة قبل أن ترتد على الفور على إثر صيحته:
– اخرجي برا دلوقتِ يا خلود وسيبينا لوحدنا .
– تخرج فين؟
هتفت بها غادة تتشبث بالمرأة التي نهضت على الفور، فتابع إمام مشددًا
– قولت اخرجي برا يا خلوا واسمعي الكلام.
همت غادة بالرد باعتراض اَخر ابتعلته على الفور مع هذه النظرة المخيفة التي حدجها بها، فقالت خلود فور تحركها نحو باب الغرفة، طب انا هروح كمان احضر لكم الفطار .
تابع خروج شقيقته ثم التف برأسه نحو غادة التي تراجعت تتكوم على نفسها حتى اَخر التخت تنظر إليه، والرعب ينضح من عينيها، زفر من أنفه مطولا ، ليصك على فكه بقوة تكاد أن تهشمه وبداخله المشاعر متناحرة ما بين إشفاقه عليها وهذه الهيئة المرتعبة لها الاَن كالطفلة صغيرة خائفة من عقاب والدها بعد فعلها للخطأ، تثير بداخله رغبة الحماية والصفح عنها حتى تتعقل وتعرف الصواب وتفعله، ثم هذة الرغبة الأخرى والتي تحثه على عقابها بتكســ ير رأسها اليابس ثم إعادة برمجته من جديد ، ولكن هذا بأي صفة؟
على خاطره الاَخير استفاق يزفر أنفه أنفاس حارقة قبل أن يصل إليها ليجلس على التخت المقابل مبادرًا بالحديث:
– طبعًا إنتِ مخك هيشت منك ونفسك تعرفي إيه اللي جابك هنا؟ بس يا حلوة بقى قبل ما اجاوبك عايزك كدة تعصري دماغك وتقوليلي اَخر مرة تفتكريها كنت فين بالظبط؟ يعني في بيتكم ولا في الشغل ولا في خروجة مع صاحباتك؟
رغم احتقانها من مرواغته لها في الرد على السؤال، وهذا القلق الذي يكاد أن يصيب رأسها بالشلل الفكري لعدم الفهم، ولكنها حاولت التماسك والتركيز علّها تعرف من نفسها ولا تحتاج لتفسيره، صمتت تسعيد التذكر لتأتي صورة مرفت فورًا أمامها وانضمامها معها بالسيارة ، ثم الذهاب للمنزلهم ولقاء ماهر ومشاجرتها معه ثم…….
رفعت رأسها إليه بعد تفكير عميق وقالت بتردد:
– انا كنت عند واحدة صاحبتي ومش فاكرة حاجة تاني.
الحمقاء تجيبه باقتضاب وبعبارة مبهمة وكأنه لا يعرف؟
اقترب برأسه منها يقول كازًا على أسنانه بغيظ:
– يعني مش فاكرة اسم صاحبتك الست ميرفت كمان ولا فاكرة قعدتك مع اخوها الأصفر والعصير اللي شرببتيه قبل ما تروحي عن الدنيا وتعملي دماغ، ولا في حاجة تاني وتاهت عني؟
توسعت عينيها بدهشة لمعرفته بكل هذه الأمور ولكن مهلُا لقد ذكر لها عن العصير، ارتجفت بداخلها تعاود التفكير بتركيز، لترى ثمة صورة واحدة تذكرها بما حدث بعد ارتشافها هذا العصير ولكن بلا فائدة، فهمست سائلة وكأنها تحدث نفسها:
– هو انت ليه بتقول كدة؟ هو العصير كان فيه حاجة ؟
اشتد احتداد نظراته إليها يطحن على أسنانه بداخل فمه، حتى ارتفعت سبابته أمام وجهها بتهديد اثار فزعها لترتد للخلف قبل أن يجيبها:
– قسما بالله يا غادة، لولا بس اني فاهمك كويس وعارف إن مشكلتك بس في دماغك اللي عايزة تتنضف من الوسخ اللي عليها، أو لو كان عندي شك ولو واحد في المية بس في أخلاقك، ما كنت ابدا هخاطر بنفسي ولا اجيبك من هناك.
– تجيبني من هناك!
تفوهت بها بتشتت وعدم فهم، ليقوم بإخراج هاتفه ووضعه أمامها معقبًا:
– عايزك تفتحي الفيديو ده وتتفرجي على نفسك كويس بقى عشان تشوفي الهانم اللي دخلتك بيتها كانت عايزة منك إيه هي واخوها؟ وياريت كمان تسألني نفسك، هي الست دي غرضها إيه كل في عمايلها معاكِ دي؟
بصق كلماته ونهض على الفور ذاهبًا من أمامها، فتناولت هي الهاتف بيدٍ مرتعشة لترى ما يتحدث عنه.
❈-❈-❈
كم مر على الإجتماع؟ لا تدري.
وما هي الموضوعات التي يتم مناقشتها في هذه الدائرة المغلقة؟ وعلى الطاولة المستديرة وهذا الجمع الكبير من الأفراد رجالًا ونساءًا، بهيئاتهم الأنيقة وثرثرة لا تنتهي من المباحثات التي لم تفقه منها شئ، وكيف تفعل؟ وقد ذهب التركيز بغير رجعة، وهذه الفتاة بحركتها المستمرة في الذهاب والإياب حولها وفي جميع الإنحاء وكأنها احتلت الغرفة وشغلتها بالكامل بنشاطها الدؤب بشكل مستفز وجمال صورتها المبهرة الذي يخطف ألأبصار نحوها كساحرة لجذب العيون ، لقد شتتها بالكامل ما بين النظر إليها والإنتقال إلى زوجها حتى ترى إن كانت تشغله كما شغلتها هي أيضًا أم لا، وهي تراقبه بتحفز إن فعلها، ثم تعود إلى الإجتماع فتقع عينيها على طارق لترى هذه الهمة في الأدلاء برأيه والجدية التامة، فينتابها الفضول، كيف فعلها واستطاع تخطي أزمته وهذه الهيئة المزرية التي رأته عليها منذ شهر، بعد لوعته وعقد قران كاميليا؟ ليعود بهذه الصبية لترفع من ضغط دمها في الحمل وهي لا ينقصها ، أم هو يقصد كاميليا ؟ ذهبت عينيها نحو المذكورة لتجدها تجاهد للإندماج في الإجتماع بتجهمٍ لم تعهده عليها من قبل يعلو ملامح وجهها، اتراكِ تحترقين بالغيرة أنتِ أيضًا يا كاميليا؟ وعلى من؟ على طارق وقد دهستِ على قلبك وقلبه معًا حينما قبلتِ برجل غيره، ولم يعد لديك حق الآن حتى بالتفكير، ام هي الغيرة على الزوج المستقبلي؟ كارم ، لأول مرة منذ استلامها الوظيفة بهذه الشركة تجد نفسها تنظر إليه جيدًا، أنيق بشكل مبالغ فيه، يعمل كالاَلة بلا تفكير أو توقف أو حتى يصيبه التعب او الإرهاق كالبشر العادين، ولكن مهلاً….
ما هذه النظرة التي خطفها نحو الفتاة منذ قليل؟ حينما دنت لتتناول أحد الملفات من أمام إحدى مديري الأقسام؟ إنه يبدوا كخبير بأربع أعين، قد التقط هفوة الفتاة كالبرق، مع أنه لا يفتر عن عمله ولا يغفل لثانية عن كاميليا التي بدأت تشفق عليها بالفعل، بعد رفضها العديدة من الرجال لتوافق عليه متوسمة الخير بأخلاقه،
وعلى الرغم من خبرتها القليلة في عالم الرجال، انتابها إحساس قوي، أن طارق وبكل ما يُشاع عنه وعن مغامراته مع النساء، لا يأتي نقطة في بحر هذا الرجل!
– قولتلك من الأول بلاش تتعبي نفسك وروحي أحسن.
همس بها جاسر يجفلها عن شرودها، لتلتف إليه سائلة بعدم تركيز:
– تقصد ايه يا جاسر مش فاهمة؟
همس مرة أخرى مستغلًا التهاء الحضور عنه في مناقشة بند ما لإحدى العقود:
– سرحانة من أول الإجتماع وماتدخلتيش في مرة ولو بكلمة تدلي فيها برأيك حتى عشان تحسسي الناس بوجودك
برقت عينيها في التطلع إليه بنظرات أربكته، شاعرة بأنه أهانها، لتسأله بصدمة:
– يعني انت قصدك إن وجودي زي عدمه يا جاسر؟
أجفل من ردها فارتدت رأسه للخلف يستوعب جديتها في الحديث أم هي تمزح، وما الذي حدث حتى يرى هذا اللوم منها؟ وهو لم يخطئ حينما أمرها بالإنصراف من اجل راحتها، ع الأقل بذكر غيابها افضل من رؤيتها بهذا الشرود وكأنها طفلة بجلسة للكبار تنظر للجميع ولا تفقه من لغتهم شئ، تحمحم يصرف نظره عنها ليعود لوقاره وطلبه لانتهاء الإجتماع:
– طب يا خوانا انا بقول كفاية كدة، ونأجل أي حاجة تانية للاجتماع اللي جاي .
قالها وانتظر انصراف معظم الحضور يتحاشى النظر إليها، مع شعوره بسهام عينيها المصوبة نحوه بغضب، وقد علم بنيتها جيدًا، ألقى نظرة سريعة لمحضر الإجتماع وما دونه السكرتير الجديد،ثم التف إليها كابتًا ضحكته يسألها ببرائة:
– كنتِ بتقولي إيه بقى يا زهرة؟
ازداد بريق عينيها بشراسة على ملامح وجهها التي عبست بدرما محببة إليه رغم كثرتها وما يصيبه في كل مرة خلفها فزوجته العزيزة متقلبة المزاج أثناء حملها، لا تفوت شيئًا دون تحقيق:
– انا كنت بكلمك يا جاسر وانت معبرتنيش.
مال نحوها يتصنع الجدية في مخاطبتها بإقناع :
– يا حبيبتى انا كنت بفض الإجتماع واصرف الناس عشان افضالك، ها كنتِ عايزة إيه بقى؟
أربكها بذكائه ولهجته اللينة في مهادنتها حتى انساها سبب غضبها فسألته بتذكر:
– انت كنت بتتكلم عن وجودي.
– وماله وجودك يا قلبي؟
سألها ببساطة وتسلية لرؤية الاضطراب الذي بدا جليا عليها في استعادة انفعالها وقد تبدد بابتسامة رائعة منه.
– انتوا بتتخانقوا ولا إيه؟
هتف بها طارق بالقرب منهم والتفا الإثنان نحوه، فرد جاسر بلهجة خشنة إليه:
– ملكش دعوة خليك في نفسك، وقوم يالا انصرف زي اللي مشيوا
كشر طارق بوجهه إليه قبل أن يلتفت إلى لينا التي أتت تخاطبه:
– طب احنا كدة هنروح يا فندم ولا هنستى شوية؟
– استني شوية.
أجاب بها طارق قبل أن يلتفت نحو جاسر الذي تحدث إلى لينا:
– خلصتي جامعتك ولا لسة بتدرسي؟
وكأنها كانت في انتظار السؤال، لتردف بالإجابة الطويلة:
– بصراحة يا فندم انا خلصت ومخلصتش في نفس الوقت، لسة عندي دبلومة وبعدها ان شاء الله هقدم درسات عليا ودا بقى هيقعد سنين .
ختمت بتنهيدة طويلة:
– مشوار طويل وربنا يستر.
– ربنا يعينك إن شاء الله ويوفقك،
قالها ردًا على كلماتها ليلتف على قول زهرة التي تدخلت قولها معهما:
– لا بجد ربنا يعينها، شكلك بتتعبي قوي .
قالتها بنبرة محتقنة لم تخلو من التهكم؛ الذي أسعد الاَخر رغم تصنعه اللا مبلاة معها .
وفي الناحية الأخرى القريبة وبعد انصراف معظم الحضور همت لتنهض، لتفاجأ بكفه يده تمسك بأعلى ركبتها يوقفها، كتمت شهقة لتسألها هامسة بحذر:
– بتعمل إيه يا كارم؟ شيل إيدك حالًا دلوقتِ؟
أجابها بهدوء رافعًا كفه:
– حاضر، بس انتِ ماتقوميش من جمبي غير لما اخلص ترتيب الملفات اللي قدامي، ولا انت هيرضيكِ يعني تخرجي وتسبقي خطيبك.
تسارعت أنفاسها تحدجه بغضب وهو يبادلها بابتسامة واثقة وقد نجح بتشيتها وصرف انتابهها عن الاَخر ،
ضغطت بصعوبة حتى لا تنفجــ ر بوجهه تنهره على تصرفه الغير لائق معها وانتظرت حتى انتهى ليرفع رأسه إليها بابتسامة مستفزة متناولًا كف يدها ليقبلها قبل أن ينهض ويسحبها معه، فتحركت معه اَليًا حتى توقفا أمام جاسر الريان الذي كان يرتدي سترة حلته بجوار زهرة التي عرفت كاميليا من تغير وجهها فاقتربت لتسألها، تاركة زوجها مع هذا المدعو كارم ليتفقا على بعض الأمور بينهم سريعًا، مستغلة انشغال طارق في الناحية الأخرى مع السكرتيرة الحسناء والتي أتت تناوله بعلبة مياه غازية الاَن:
– إيه مالك؟ وشك مقلوب كدة ليه؟
– لا مافيش حاجة، ما تشغليش نفسك انتِ.
قالتها بإنكار مفضوح وانفعالها الظاهر يبدوا مع تلاحق أنفاسها في صعود وهبوط صــ درها بتسارع، لتزداد زهرة اصرارًا لمعرفة ما بها:
– يا بنتي اتكلمي لو في حاجة تعباكي، شكلك مش مريحني .
أومأت لها برأسها تحاول طمئنتها:
– طمني قلبك انتِ ما فيش حاجة….
قطعت فجأة على صوت الصياح والضحك الذي أتى من ناحية الأخرى وقد فارت علبة الكنز حتى تناثرت فقاعاتها على الأرض وحلة طارق والذي كان يضحك بصوته العالي:
– يخرب عقلك، مش تخلي بالك يا بنت انتِ.
ولينا تتأسف بصوتها العالي بمرح مكشوف:
– أنا اَسفة يا فندم مكنش قصدي.
التفت كاميليا لزهرة بنظرة تفيض بالغيظ قائلة:
– أنا ماشية عشان ما ارتكبش جريمة.
قالتها وذهبت بخطواتها السريعة دون حتى انتظار كارم، تابعتها زهرة تنظر في أثرها لتنقل عينيها نحو زوجها الذي أصابته عدوى الضحك مع الإثنان قبل أن يجفل على تحديقها به، فالتف لكارم يدعي عدم الإنتباه، لتغمغم هي بصوت خفيض:
– روحي يا بعيدة ربنا يهدك.
❈-❈-❈
على طاولة السفرة التي توسطت الشقة وبصحبة الأطفال الصغار أبناء شقيقته كان يتناول طعام فطوره والذي تأخر على غير عادته، بعد أن استئذن رئيسه لإجازة من عمله اليوم بحجة مرافقته لوالدته المريضة، يلوكه سريعًا بفمه وبغير تركيز أو حتى استجابة لمداعبات الصغار الفرحين بمجئ خالهم للمنزل ومبيته أيضًا، دائما ما يتخطى مشاكله والصعوبات التي تواجهه بالابتسامة والضحك، لا يعير للدنيا همًا، ولا يشغله شئ، إلا هذه المرة فما يحمله بداخله اكبر كثيرًا من تجاوزه،
يلوم نفسه لاختيارها السير في هذا الطريق الشائك، يلوم قلبه الذي تعلق بالسراب، ولكن ومنذ متى حكم القلب بأيدينا؟
– مش هتدخل تشوفها يا إمام؟ دي البنت مفلوقة من العياط.
هتفت بها شقيقته بعد خروجها من الغرفة، التف إليها يرد بلهجة خشنة:
– سيبها تتفلق أحسن.
تفاجأت شقيقته برده العنيف فجلست بجواره تخاطبه بدهشة:
– دي مش طبيعتك دي يا إمام؟ عمرك ما كنت قاسي كدة.
رمقها بطرف عينيه دون رد وتابع في وضع همه في تناول الطعام الذي لم يشعر له بطعم على الإطلاق،
فاقتربت شقيقته برأسها منه تتمعن النظر إليه وابتسامة ذات مغزى بتعمد اثارت انفعاله، ليهتف نحوها :
– عايزة إيه يا خلود؟
همست إليه برجاء :
– صعبانه عليا قوي والله .
زم شفتيه يتطلع إليها بغيظ قبل أن يحسم أمره بالنهوض عن المائدة متجهًا نحو الغرفة الموجودة بداخلها.
اطرق بقبضته على الباب مستئذنًا قبل الدخول إليها، ليجدها مازالت تبكي بحرقة كما قالت شقيقته، تحمحم يقسو بلهجته حتى لا يلين معها:
– واَخرته إيه البكا دا بقى؟ ماخلاص ربنا ستر واديكي خرجتي سليمة.
تماسكت عن البكاء قليلًا كي تستطيع الرد
– بعد ما كنت هروح في داهية وشكلي بقى عرة وانا بخرف بالكلام من غير ما احس، منها لله ربنا ينتقم منها .
مصمص بشفتيه ليرد ساخرًا:
– دلوقتي ينتقم منها؟ بعد ما كنتِ معتبراها صاحبتك وما بتحمليش عليها نص كلمة، هي والمعوج اخوها اللي كانت معشماكي بالجوز منه.
رفعت رأسها إليه صارخة بوجهه بحدة:
– ما كفاية تقطيم فيا بقى يا جدع، مش شايفني منهارة من البكا قدامك، ولا البعيد أعمى ما ييشوفش.
لوح بقبضته في الهواء امامها يقول من تحت أسنانه:
– لمي نفسك يا غادة، انا على اَخري أساسًا منك .
هتفت غير عابئة بسخطه:ش
– وتبقى على اَخرك ليه بقى؟ ما انبسطتش ولا اتسليت من الفرجة بعد ما سجلت وصورتني بحالتي الزفت دي إمبارح.
الحمقاء دائمًا ما تبرع في إخراج شياطين غضبه، هم لأفحامها برد قاس ولكن صوت بكاؤها الحارق جعله يتراجع، تقديرًا لحالتها وما أصاب كرامتها من امتهان
زفر يستجدي الصبر وطولة البال ثم اقترب منها فجأة
يتناول الهاتف ليدفعه بطول ذراعه على الحائط المقابل لها، فنزل متهشمًا لعدة إجراء، انتفضت هي مجفلة على فعلته، فسألته بعدم إستيعاب:
– كسرت التليفون ليه؟ دا شكله غالي قوي.
– في ستين داهية.
صرخ بها ليتبع قائلًا لها :
– يا بنت الناس لازم تفهمي كويس إني لما صورتك امبارح، دا مكنش عشان امسك عليكِ ذلة، انا صورت عشان عارف دماغك الزفت ماكنتش هتصدق كلمة من اللي بقولوا ، كان لازم اثبتلك بالصوت والصورة .
صمت يرى رد فعل كلماته عليها مع توقفها عن البكاء وهي تتطلع إليه بصمت لعدة لحظات قبل أن يخرج صوتها بالسؤال:
– طب انت عرفت منين؟
أجفل بسؤالها ليرتبك عن الرد قليلًا قبل أن يجيبها بمرواغة:
– عرفت زي ما عرفت بقى، انت مالك؟ المهم دلوقتِ هتقولي لأهلك إيه عن سبب غيابك؟.
صرخت فجأة تلطم بكفيها على وجنتيها مردفة بجزع :
– يا نهار اسود صحيح، دا انا امي مش بعيد تدفني حية عشان بياتي برا البيت ، يا مصيبتك السودة يا غادة، يا مصيبتك السودة…
– بس يا بت.
هدر بها يقاطعها بعنف، فتابعت هي:
– ما انت بتقولي بس عشان انت مش في مكاني، ما انت لو عندك شوية تقدير ، كنت روحتني على بيت اهلي، مش تجيني هنا على بيت اختك.
ضرب بكفه الغليظة على خزانة الملابس الصغيرة للأطفال بعنف يقاطعها:
– بس بقى الله يخربيتك….. انتِ بتفهمي ازاي يا بنت انتِ، عايزانى اروحك بيت اهلك بدماغك العالية بتاعة امبارح، عشان اجيب لنفسي مصيبة؟
بدا على وجهها الإقتناع، فتابع بلهجة مشاكسة :
-ولا انتِ عايزاهم يدبسوني فيكِ؟
زمت شفتيها بغضب وهي تشيح بوجهها عنه، لتلتفت مرة أخرى ولكن على صوت شقيقته الطبيبة:
– هدوا شوية يا جماعة، صوتكم واصل لاَخر الشارع .
ارتفعت رأسه للسماء سريعًا قبل أن يتراجع لشقيقته ليضمها بذراعه الضخمة ليقبلها على أعلى رأسها مردفًا:
– معلش بقى يا ست الدكتور، عملنالك وش وازعجناكِ.
تبسمت له شقيقته بمودة وهي تبادله القبلة على وجنته مرددة:
– ياقلب الدكتورة إنت، يا سيدي ازعجني براحتك، هو انا اطول إمام باشا برنس الحتة يجي عندي ويشرفني ويبات عندي كمان، دا أيه الهنا دا يا ولاد؟
– الهنا على عيونك يارب .
قالها ليتبادل مع شقيقته الحديث المرح، غافلين عنها وهي تراقب هذه الدفء الأسري بين الأخ وشقيقته، لتهبط بعينها على ما يرتديه من بيجامة بيتية كبيرة ناسبت جسده العضلي الضخم ، وقد تحلي عن الحلة السوداء المخيفة والخاصة بعملة، لترى له وجه اَخر غير الذي اعتادت عليه.
❈-❈-❈
بجوار حوض زهور النباتات النادرة كان عامر واقفًا يتأملها بتفحص شديد وهو يدور عليها ليستكشف الجديدة منها وألتي أزهرت، فيبحث أيضًا عما التي أصابها المرض حتى يشملها بالرعاية الازمة، وفي خضم إنشغاله انتقلت عينيه بالصدفة لينتبه على رجوع زوجته من الخارج، والتي أخذت مقعدها في انتظاره، تحت المظلة الخشبية الكبيرة بوجه واجم يكسوه الهم، ترك ما كان يفعله واتجه لينضم على الاَريكة الاخرى بجوارها مبادرًا بفتح الحديث:
– اَخيرًا جيتي يا لميا؟ دا انا افتكرتك هتقعدي اسبوع.
التفت إليه ترد بجمود:
– اسبوع يا عامر! لا يا سيدي اطمن اديني جيت، هي ليلة عدت وخلاص.
– أممم
زام بها يعتدل بظهره للخلف واضعًا قدمًا فوق الأخرى ليتابع:
– يعني على كدة بقى اطمنتي ع البنت قبل ما تيجي؟
حدقت به بنظرة فهمها عامر جيدًا قبل أن ترد بتنهيدة كبيرة :
– يعني! انا سيبتها بعد ما فاقت وقدرت تاكل وتشرب، بس انت عرفت منين يا عامر؟
سمع منها ليلتوي ثغره على زاوية، استهجانًا من سؤالها:
– ما فيش حاجة بتستخبى يا لميا، وإن كان والدها يعرف يكتم كويس على الصحف والمجلات، فيستخبل هيقدر يوقف الناس عن الكلام، الناس ما بتصدق تلاقي حاجة زي دي، وخصوصًا في الوسط بتاعنا ومركز والدها سابقًا…
أومأت تطرق برأسها لتتهرب من عينيه، واستطرد هو:
– انا مش عايز اقلب في القديم ولا عمري هفرح في حد، خصوصُا مع ناس كان في ما بينا وما بينهم صلة قرابة كبيرة، بس بصراحة، دي النتيجة الطبيعية للإنحلال…
التفت رأسها على الفور إليه بنظرة نارية، ليقابلها هو بعدم اكتراث متابعًا:
– انا قولتلك اني مش فرحان فيه، بس انتِ شوفتي بنفسك ولا هتنكري؟
اشاحت بوجهها عنه رافضة الرد، ليصمت عامر قليلًا ثم نهض من جوارها مغمغًا:
– ع العموم ربنا يعينها وياخد بإيدها هي ووالدها، دا مهما كان برضوا كان في ما بينا وبينه عيش وملح.
❈-❈-❈
– جيبتوا المطبخ واتفقتوا على أوضة النوم كمان، بجد والنبي يا خالي؟………… طبعًا الاستاذة زوقها حلو ، انا اعرف واحدة صاحبتي جابت النوع ده، حاجة أصيلة وتعيش…….. أكيد طبعًا هاجي واشوف الشقة والجهاز كله، دا انا هموت واشوفها أساسًا……… يا حبيبي يا خالي ربنا يسعدك ويتم فرحك على خير……. انسى مين يا عم؟ قي حد ينسى رقية برضوا؟ كلها كام يوم واروحلها قريب ان شاء الله.
أنهت المكالمة تتنهد راحة واشتياق لهذا اليوم السعيد، وهو زفاف خالها على حب عمره بعد انتظار طال لسنوات وسنوات .
– عرفتي ميعاد الفرح امتى بالظبط؟
همس بجوار اذنها ليجفلها، انتفضت في البداية ولكنها تداركت سريعًا لتلتف بجذعها نحوه وهو جالسًا بجوارها ع التخت يتابع عملها على حاسوبه الخاص، فقالت ساخرة:
– وبتسأل ليه؟ ناوي توجب معاه وتجيبله فرقة زفة مثلًا؟ ولا هتزود الجميلة وتجيب مطرب شعبي يحي الفرح؟
افتر ثغره بابتسامة واسعة اظهرت أسنانه ليردف بمرح قبل أن يرفع الحاسوب ويضعه على الكمود بجواره:
– الله بقى دا الحلوة مزاجها رايق وليها نفس تقلش كمان.
– شيل إيدك عني يا جاسر احسنلك.
هتفت بها بمجرد اقترابه منها ليرمقها بتساؤل، فردت هي سريعًا:
– ايوة ما تقربليش ولا تيجي جمبي، عشان انا مش طايقاك أساسًا.
رفع كفيه في الهواء يتسائل بدراما وابتسامة مستترة:
– ليه يا ست انتِ؟ هو انا عملتلك إيه بس عشان تغضبي عليا بالشكل ده؟
برقت عينيها نحوه لتجيب بالضغط على اسنانها:
– من جهة عملت فانت عملت كتير أوي النهاردة، عمال تاخد وترغي مع البت اللهلوبة دي، ولما شوفتها بتتمايص مع طارق السهن دا كمان، بدل ما تشخط فيهم وتوقف المهزلة دي في غرفة الإجتماعات، لا دا انت قعدت تضحك لهم وكأنك بتشجعهم، من غير ما تفكرهم حتى إن دي شركة محترمة وميصحش الضحك كدة بصوت عالي فيها
كبت ابتسامة ملحة ليرتخي بظهره على الوسادة من خلفه يتطلع إليه بصمت استفزها لتصيح عليه بحدة:
– ما ترد عليا يا جاسر ساكت ليه؟
أجابها بهدوء:
– لا حول ولا قوة إلا بالله، طب عايزانى اقول إيه بس؟ وانتِ مخنــ وقة منها مش عارف ليه، مع ان البنت ممتازة وكل تصرفاتها عادية .
– عادية ازاي يعني؟
أردفت بالسؤال شاعرة بنفسها على وشك الإنفجــ ار من بروده لتكمل:
– انا حاسة البنت دي بتعلب على طارق، وصاحبنا مسلم لها .
اعتدل فجأة وقد ذهب عن وجهه الهزل ليرد بجدية:
– زهرة ارجوكِ ما تغلطيش في لينا، البنت محترمة وانا مشوفتش منها غير كل خير.
رفرفرت بأهدابها تستوعب كلماته، ثم همست بلهجة باكية :
– ولما انت ماشوفتش منها غير كل خير؟ ما اتجوزتهاش ليه يا جاسر؟ مدام ممتازة ومحترمة، وحلاوتها تهبل كمان، سبتها ازاي من إيدك دي؟
اقترب ليضمها بذراعه ليرد بلهجة حانية :
– وحتى ولو كانت ملكة جمال، انت برضوا أحلى منها .
التفت برأسها إليه تسأله بتشكك:
– أحلى منها ازاي يعني؟ انتِ بتكدب عليا يا جاسر؟
– واكدب عليكِ ليه؟ أينعم هي حلوة وزي القمر…..
قالها ولم يستطيع إكمالها حينما قاطعته:
– يعني شايفها حلوة وزي القمر يا جاسر .
– بس شايفك انتِ أحلى.
لحق نفسه سريعًا لينهي الجدال بقبلاتها الشغوفة، متيقيًا ان هذا هو الحل المفيد له ولها .
❈-❈-❈
بداخل شرفة غرفتها الحبيبة وبعد أن فاض بها من التفكير المرهق الذي لم يتركها لثانية واحدة منذ تركها الشركة هاربة من حصار كارم وتصرفه الغريب نحوها، وكيد طارق وهذه الفتاة التي تعمل معه ، وكأنه أتى بها قاصدًا لها،
لقد ملت وتعبت من هذه الحروب والدائرة التي تدور بداخلها دون توقف، وقد خاب ظنها حينما وافقت على غيره هروباً منه، وقد تأكدت مما تحمله بداخلها نحوه، وبما ان النيران تحرفها في الحالتين، كان الأولى هو الأبتعاد وليس التورط وارتباطها بهذا الشخص الغامض؛ والمغلف بعناية تفقدها ميزة اكتشافه وما يخبئه خلف هذا القناع الجميل.
انتبهت على صوت صفير من خلفها فالتفت لتصعق متفاجئة به داخل غرفتها، تقدمت نحوه تستقبله بغضب:
-إنت إيه اللي جابك هنا؟ وفي اوضتي كمان يا كارم ؟
تطلع بعيناه المتفحصة على ما ترتديه من بيجامة بفماشها القطني الخفيف، ليُظهر انوثتها بنعومة، بربع كم في الأعلى، قصيرة لأسفل ركبتها التي توقفت عينيه عليها قليلًا، قبل أن يرفعهما مضطرًا على صحيتها:
– رد عليا يا كارم، انت دخلت هنا ازاي؟
تبسم يجيبها بهدوء وعيناه تمسح على ملامح وجهها الفتان وشعرها المسترسل على جانبيه بعدم إهتمام ليضيف إليها مزيدًا من السحر ، فخرج صوته يحمل مزيجًا من الإنبهار والإعجاب بقوله:
– قمر يا كاميليا قمر !

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية نعيمي وجحيمها)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *