روايات

رواية نيران الغجرية الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية البارت الحادي والثلاثون

رواية نيران الغجرية الجزء الحادي والثلاثون

نيران الغجرية
نيران الغجرية

رواية نيران الغجرية الحلقة الحادية والثلاثون

غيرة ليست في محلها.
____________
يقولون إحذر من عدوك مرة ، و إحذر من صديقك ألف مرة.
نعم إنك لن تتألم ، ولن تتأثر لو هاجمك الأعداء، بل لو تآمروا عليك، لو خانوك، لو تحالفوا مع من هم أشد عداوة لك !! كل ذلك لن يخرج عن حيز التوقعات، والاستقراءات، والتصورات، لنتائج مثل تلك الحالات !!

لكن الأدهى، والأمّر، بل الأكثر فاجعة، والأشد ألماً، والأدوم أثراً ، هو خيانة القريب، وغدر المؤتمن !! ولذلك يقول المثل ( حرّص ولا تخوّن) !!

و كان عادل هو أكثر عدو خان و تخفى في هيأة إبن ،أخ صالح ، و عم !
لقد مثل لسنوات دور إبن العائلة الطيب ، الذي يقف مع أقربائه ولا يفكر بأذيتهم ، بل ومن ليس مهتما بالثروة و السلطة لأن أخاه الأكبر مستكلف بكل شيء.

غير أنه لا أحد يعلم بما كانت تضمره روحه منذ سنوات ، بالتحديد منذ إستيلاء رأفت على معظم أسهم الشركة و أخذ عمار منصب المدير التنفيذي.
حينها بدأ يفكر بشكل جدي بخطورة عدم إمتلاكه لولد ذكر يقف معه و يسانده و يكون وريثا لملكه.

وجد عادل نفسه ضعيفا لأنه حتى إبنتاه الإثنتان لم تكونا مهتمتان بمجال عمله فكلتاهما درستا في مجال الموضة و الأزياء ولا تفكران بنشاط الصناعة ، ليس مثل رأفت الذي لديه ولد بطول الحائط يسهر على تحقيق النجاح في عمله فيعلو بذلك مركز والده.

كما أن اكبر حصة من الأرباح كانت تنتقل لإبن أخيه كل مرة بصفته مدير تنفيذي و أكبر مستثمر فبفي المشاريع ، و مازاد الطين بلة أنه عندما تم فتح وصية الأب الأكبر كان مكتوبا فيها أن نسبة عالية من الميراث ستنتقل إلى حفيد العائلة و زوجته المستقبلية إضافة لأراض و شقق سيحصل عليها إبن عمار اذا تزوج إبنة من العائلة.

حينها بدأ يفكر جديا في كلام فريال التي صمت أذنيه وهي تتلو عليه فوائد زواج إحدى إبنتيهما من عمار.
و بما أن منال كانت مرتبطة برجل آخر كما أنها لا تتفاهم مع إبن عمها ، وقع نظره على طفلته الصغرى ندى و التي كانت مقربة من عمار بشكل مفرط حتى ظنه يحبها ، و كبرت في عينيه فكرة زواجهما من أجل الحصول على كل تلك الثروة.

إلا أنه كتم رغبته بداخله ولم يفصح عنها لأي أحد خاصة زوجته التي لا تستطيع التوقف عن الثرثرة فوق رأسه ، و إدعى رفضه لهذا الارتباط قائلا بأنه لن يزوج إبنته لرجل لا يرغب بها.
في ذلك الوقت نجح في زرع رجل مخلص له داخل رجال عمار العاملين على خدمته كما وضع جهاز تتبع أسفل سيارته في جزء يصعب الوصول إليه.

و كلف بعض الأشخاص بملاحقة عمار أينما كان بكل حرية لأنه حتى لو أدرك الأخير ان هناك من يلحق فسيتهم والده رأفت مباشرة.
لقد تحرك عادل و نفذ خططه بكل ذكاء و مهارة ، عندما علم بأنه تزوج من امرأة غجرية ثارت أعصابه و أقسم على جعلهما ينفصلان.

فبدأ بجمع المعلومات عن خصوصياتهما و نجح في إقتحام شقتهما عبر الرجل الذي أرسله في هيأة عامل صيانة ، و وضع جهاز تنصت صوتي كما أنه أدرك من تتبع مكالمات هاتف عمار بأنه يضع كاميرات مراقبة يرى بها مريم و أيضا جهاز تتبع و تصنت على هاتفها موصول بهاتفه هو.

فحصل على هاتف عمار الذي تركه يوما على سطح مكتبه في الشركة ، و خرب جميع الأجهزة التي يستطيع بها معرفة نفس مريم الذي تتنفسه.
ثم بدأ بالتجسس عليهما و علم بأسرارهما و مشاجراتهما ، و حينما وصله خبر أن مريم حامل سمم الشكولاطة التي أرسلها عمار مع سليم.

و بعد فقدان مريم الوعي ذلك اليوم كان يعلم أن سيده سيستعين به ليساعده في نقلها إلى المستشفى فركب السيارة و قال له مدعيا القلق بأنه سيسلك طريقا مختصرا ليصل إلى أقرب مشفى من أجل إنقاذ زوجته.
لم يكن عمار في حالة تسمح له بالجدال فهتف بالإيجاب ، و بالفعل أخذهما سليم إلى المكان الذي خطط له سابقا …

flash back

( كان عمار ووليد بجوار باب الغرفة التي تقبع فيها مريم وهو يقف أمامهم بحجة تلبية طلباتهم إن احتاجوا لشيء ما.
نظر الى سيده الذي كان جالسا على المقعد يسند مرفقيه إلى ركبتيه وقد جمع يديه معا مغمضا عيناه ويهز قدماه بوتيرة سريعة.
و للصدق لم يبدو على عمار أنه بخير بتاتا ، حالته كانت غريبة خاصة عندما ارتفع نسق أنفاسه و بدأ يهمس بكلمات لم تصل إليه.

لذلك قرر إستغلال الوضع فطلب بأدب من السيد وليد بأن يخرج صديقه ليستنشق بعض الهواء وهو سيظل ينتظر هنا خروج أحدهم من الغرفة ليستفسر عن حالة سيدته.
وبعد محاولات عدة من وليد رضي الآخر بالخروج لبضع دقائق ، و بقي سليم واقفا يتذكر إتفاقه مع الطبيب الفاسق الذي يملك سوابق و فضائح خلال مسيرته المهنية.

حيث كان الإتفاق بأن يخفي عن عمار سبب الإجهاض الحقيقي ، و بالتالي ستخسر مريم طفلها و تنفر زوجها الذي رفض حملها.
حينها حتى عندما تعود لشقتها برفقته سوف تبقى حاملة البغض إتجاهه ، وهو سيفتعل ما يزيد الفجوة بينهما حتى ينفصلا نهائيا.

فتح باب الغرفة أخيرا و خرج الطبيب الذي سرعان ما اكفهر وجهه و تمتم بحنق :
– ايه ده يا استاذ سليم احنا اتفقنا تجيبلي مريضة تسقط البيبي مش تموت تحت ايدي ، جرعة السم اللي خدتها كانت عالية جدا ولولا تدخلنا في اخر لحظة كانت هتروح من ايدينا و ساعتها مكناش هنعرف نخبي الحقيقة عن جوزها.

تشنج سليم متسائلا بلهفة :
– و هي عامله ايه دلوقتي ؟ زي ما اتفقنا يا دكتور عمار بيه مش هيعرف حاجة عن اللي حصل.

– حالتها مستقرة بس و حصل اللي اتفقنا عليه البيبي اتوفى و الطقم الطبي اللي معايا كلهم تحت سيطرتي من غير ممرضة او اتنين بس متقلقش مش اول مرة اشتغل الشغلانة ديه.

في نفس الوقت ظهر عمار قادما من بعيد يسرع في خطواته على عجل بعد تصرفيه لصديقه الذي لم يرد أن يراه وهو بهذه الحال..
اقترب من الطبيب مسرعا :
– دكتور انت خلصت طمني مريم عامله ايه هي كويسة ؟

تنحنح الأخير و أخفض رأسه مدعيا شخصية رجل شريف لا يحنث بقسمه الذي قطعه عند بدئه العمل ، ثم تنهد بإستياء مزيف و أخبره بأن زوجته بخير و لكنها أجهضت لعدة أسباب طرحها عليه الطبيب بشكل مقنع لتبدو و كأنها حالة إجهاض طبيعية.

و للأسف لم يكن عمار على علم كبير بالحالات الطبية ليعلم بكذب الآخر ، ولم تكن قوته تكفي للإستفسار أكثر خاصة بعد إصابته بالإرهاق النفسي قبل الجسدي.
فأغمض عيناه زافرا بحدة و اختل توازنه قليلا بعدما استقبل هذا الخبر القاسي بصمت … )

back

أفاق عادل من سكرة شروده و قال مبتسما :
– يومها احنا كنا مخططين نقتل ابن عمار وبس و كفاية مريم اللي هتكره جوزها و تبوظ علاقتها معاه اكتر.
بس اللي مكناش متوقعينه ان الممرضة اللي مبتقدرش تكتم كلمة واحدة في بوقها تروح تعزي مريم و تقعد تمدح في عمار ماهي الغبية كانت فاكرة ان جوز مريضتها عارف بكل حاجة فهي فضلت تمدح وتقولها ازاي هو ماسك نفسه رغم اللي حصل معاهم.

افترت شفتي سليم عن إبتسامة بغيظة وهو يعلق على كلامه :
– الصدفة ديه كانت لمصلحتنا احنا لأن مريم هانم فجأة اتقلبت و بقت تشك في عمار قامت طلعت من الاوضة و هربت … وانا كنت شايفها ومع ذلك عملت نفسي مش واخد بالي.

همهم و تجعدت ملامحه فجأة هامسا بنقمة :
– انا كنت فاكرها اختفت نهائي ، بس مريم ديه طلعت أقوى من اللي كنا متخيلينه لو اعرف انها هتفضح بنتي ليلة فرحها كنت زودت الجرعة و قتلتها من سنة ونص.

– يا فندم مع الاسف احنا مبنقدرش نعمل اي خطوة ضدها حاليا لان الناس عيونهم علينا و كمان رأفت بيه عرف ان حضرتك كنت مخطط يحصل تسرب غاز في شقتها عشان تموت و كويس افتكر تصرفك ده رد فعل عشوائي و حل المشكلة ع الساكت.
لو عملنا حاجة تانية هيشك في نيتنا.

جز عادل على أسنانه و أحكم قبضته على سطح المكتب الموضوع عليه عدة أجهزة للتنصت ، لقد كان هو من نال أكبر حصة من الصدمة ليلة ظهورها أمام الجميع ، لم يكن يتخيل حتى في أحلامه أن تقتحم المرأة التي قتل إبنها زفاف صغيرته و تفسده و تفضحهم.

هو لا ينكر أن غضبه و صدمته ذلك اليوم كانا حقيقيان ، صحيح أنه يعلم بزواج عمار مسبقا و يعلم أن رأفت و سعاد اشتركا معه في حفظ السر.
و لكن العصبية و الصراخ عليهم كان بسبب الحال الذي وقعت به العائلة و أيضا لأن خطته أفسدت بالكامل عندما قارب على إتمامها.
غير أنه لم يستطع الإفصاح عن هذا بالطبع لذلك خرجت كلماته على شكل إتهام.

منذ يوم ظهورها و عادل غاضب و متخوف في نفس الوقت من أن يعرف عمار بما حدث لمريم فيشرع في البحث عن القاتل ، ثم يتصالح معها و يعودا الى بعضهما.
هو لا يعلم لماذا لحد الآن لم تصارحه بشأن حادثة التسمم ، إعتقد في بادئ الأمر أنها ليست متأكدة من هوية المجرم لذلك هي لا تتكلم.

و لكن بعدما استمع إلى حديثها مع صديقتها تأكد من أن مريم تظن في زوجها السوء ، الغبية تقول أنه يدعي البراءة لذلك لن تتكلم بل ستجعله يعترف بنفسه أمامها.

و لماذا سيعترف عمار بشيء لم يقم به أساسا ؟

– طيب و بالنسبة لعلاقته مع بنت حضرتك دلوقتي ؟ جوازه منها فرصة كبيرة ليكم.
طرح عليه سليم هذه الفكرة فهمهم عادل بموافقة له ولكنه و نظر بعينيه إلى وجه مساعده مجيبا بهدوء :
– ايوة هو فرصة كبيرة لينا و انا لحد من اسبوع بس كنت مخطط اكمل في جوازة ندى و عمار مهما كان بس بعد اللي حصل لبنتي فهمت اني ضغطت عليها و انها مش عايزاه عشان كده قررت اشيل الفكرة ديه من دماغي.

قضب الآخر حاجبيه بإستفهام :
– و ده مش هيرجع عليك بخسارة ؟ مكتوب في الوصية ان الاراضي و الشقق لعمار و مراته خاصة لو اتجوز واحدة من العيلة.

ضحك عادل بإستمتاع ثم أدار شاشة الحاسوب إلى مساعده يريه نسخة بالأبيض و الأسود من وصية والده الأب الأكبر لعائلة البحيري. ، و هتف مشيرا إلى سطر لم يكن يأخذه بالحسبان لفترة طويلة :
– اقرا الجملة ديه و الشرط ده بالذات.

أمعن في مطالعتها جيدا و شرع بتهجئة الكلمات التي مفادها … أن هذه الحصص ستنتقل إلى حفيد العائلة و زوجته في حالة كان رجلا كفؤا ، قياديا يدرك كيف يُسَيِّر أعمال الشركة و له سمعة جيدة في محيط العائلات العريقة.
و أنه إن لم يمتلك هذه الصفات فلن يحصل إلا على ما قسمه القانون بالعدل عليهم ، سواء اذا تزوج من إبنة العائلة أم من غيرها.

أصدر سليم صوتا يدل على فهمه مقصد سيده بينما حدد عادل خطته الآتية :
– دلوقتي احنا نركز على هدفنا الجاي … احنا هنبعد مريم عن اي طريقة للتفاهم مع عمار و هنساعدها بشكل غير مباشر عشان تأذيه و فنفس الوقت وجودها جمبه وهي بتخطط ضده هتخلي عمار مش مركز في شغله و انت عارف يا سليم ان مجلس الادارة مبيرحمش اي حد بيقصر في شغله حتى لو كان المدير التنفيذي اللي تعب و سهر ع مشاريع ضخمة و اداهم ارباح ضخمة … يعني عمار لازم ينطرد من كرسي المدير و اخد انا مكانه.

و هذا ما سوف يسعى إليه في الأيام القادمة ، سيستغل كره مريم لصالحه و ينتزع من عمار ما له حق هو فيه ، يكفيه ما أخذه رأفت منه لن يسمح لولده بفعل نفس الشيء ، ولن يمنعه أي سبب عن فعل ذلك.
حتى لو ، كان عادل يحب عمار و يعتبره بمثابة إبن له !

_______________
بعد يومين.

كانت قابعة في غرفتها تطالع نفسها في المرآة وهي جالسة على المقعد مقابلة إياها ، في جو صامت لا يقطعه سوى صوت والدتها الجالسة على الاريكة وهي تدردش من حين لآخر.
تنهدت بإرهاق تساير خبيرة العناية بالشعر التي طلبتها منال رفقة خبيرة التجميل على أساس أنها أحضرتهما من أجلها هي بما أنها ستستعد لسهرة ليلية مع نساء الطبقة المخملية.

لتقترح والدتها على ندى أن تخضع هي أيضا لجلسة مع الخبيرة لعل مزاجها يتحسن قليلا.
فلم تجد سببا للرفض لذلك جلست بإستسلام تراقب محاولات أمها و شقيقتها و هما تحاولان بشتى الطرق إظهار لطفهما كوسيلة لتعويضها على ضغطهما عليها طوال الفترة الماضية.

ابتسمت بفتور وهي تسمع فريال تهتف بتساؤل :
– انتي متأكدة انك مش عايزة تروحي مع منال تحضري سهرتهم هتغيري جو.

نفت ندى وهي تشم خصلة من شعرها المغذى بمستحضرات تم إستورادها من أجل نساء عائلة البحيري :
– لا يا مامي أنا حاسة بتعب ومش عايزة اخرج من البيت.

تنهدت الأخيرة بيأس منها و نهضت مغادرة غرفتها ، و بمجرد فتحها الباب تصادمت مع عمار الذي كان يرفع يده إستعدادا للطرق ، فحملقت به فريال و قالت بفتور :
– عمار خير في ايه.

انتفضت ندى الجالسة بالداخل تزامنا مع سماع إسمه فتوقفت عما كانت تفعله و أرهفت السمع له وهو يردد بصوته الرخيم :
– عايز اتكلم مع ندى شويا لو سمحتي.

اكفهرت ملامحها بإمتعاض و قبل انا تناديها قامت إبنتها بنفسها و خرجت إليه ، نظرت له بهدوء فبادر هو بالسؤال :
– عاملة ايه دلوقتي.

هزت كتفيها مجيبة ببساطة :
– Like what you see with your eyes ( مثل ما تراه بعينيك ).

عمار يود الإطمئنان عليها و التحدث معها بخصوص موضوع معين ، و لكنه أدرك أن التكلم هنا غير ممكن بوجود كل هذه الأعين المتطفلة فتنحنح و رسم إبتسامة لطيفة على وجهه مقترحا :
– ايه رايك نخرج برا منه نغير جو و منه نقدر نتكلم اكتر براحتنا.

أشرقت ملامحها التعيسة و لمعت عيناها بسرور ولكنها طمست هذا الوجه المبتسم ببلاهة ، و إدعت الحمحمة بقصد إظهار نبرة مبحوحة :
– الصراحة انا حاسة نفسي تعبانة شويا.

هز رأسه بتفهم و استدار ليغادر لكنها توقفت مستطردة :
– تعبانة بس فنفس الوقت حاسة بالزهق و عايزة اخرج … و مفيش غيرك اقترح عليا اروح معاه لمكان غيرك ف مش هعرف افوت الفرصة ديه من ايدي.

حدجتها فريال بذهول و استنكار وهي ترى إبنتها تدعي عدم إهتمام أحد بها غيره ، لقد نبت الشعر على لسانها محاولة إقناعها بالخروج مع شقيقتها و لكنها رفضت بإستمامة معللة التعب و الإرهاق أما الآن فقد أشرق وجهها مرحبة بفكرة التسكع مع عمار.

زفرت بعدم رضا و لكن ندى لم تهتم وهي تستمع إلى عمار الذي إقترب منها مقترحا :
– متأكدة انك بتقدري تجي معايا لو مش قادرة عادي.

نفت برأسها مجيبة عليه :
– It’s okay … انت موجود عشان تاخد بالك مني.

افترت شفتاه عن ابتسامة لبقة و أخبرها بأنه سينتظرها لحين تتجهز ، و بمجرد ذهابه التفتت ندى إلى الخادمة التي كانت واقفة على الجانب منذ البداية ثم أخبرتها بأن تنادي منال.
و عندما جاءت شقيقتها و دلفت لحجرة تبديل الملابس الواسعة ، تفاجأت بها تبعثر في فساتينها و أحذيتها وقد ذهب خمولها بالكامل و استعادت نشاطها المعروف.

رفعت حاجبيها بتعجب و تساءلت :
– في ايه يا ندى ايه سر الحماس ده مش كنتي رافضة تروحي معايا.

– انا مش جاية معاكي.
هتفت بهذا ثم حملقت بها غامزة :
– عمار عرض عليا اطلع معاه.

تفاجأت منال بها و انزعجت و لكن ندى لم تبالي بل أخرجت كل أثوابها الجديدة و عرضتهم عليهم هاتفة :
– عايزة لبس مناسب يطلعني حلوة و جميلة بس في نفس الوقت مش Over و لسه كمان هعمل شعري و الميكاب هياخد وقتي.

تضايقت الأخرى اكثر وكادت تعترض إلا أن والدتها دلفت و أشارت لها بعينيها أن تصمت ، فندى ليست في حالة جيدة هذه الفترة لذلك ليس من المناسب أن تجادلها خاصة وقد أخرجها عمار من حالتها الكئيبة بعرضه هذا بعدما كانت معتكفة في غرفتها ترفض التجاوب معهم.

بعد ساعة نزلت ندى وهي ترتدي فستانا قصيرا ذو أكمام باللون الزهري ، قصير يبرز ساقيها البيضاويتان و متسع من جهة الصدر مع انتفاخ طفيف من الأسفل ، و اختارت معه حذاء ابيض ذو كعب غير مبالغ به و لم تنسَ تسريحة شعرها مع زينة خفيفة.

توقفت أمام عمار الذي وصلته رسالة تفيد بأنه تم قبول مريم في الشركة و ستعين كمتدربة في قسم الترجمة الذي يقبع تحت رئاسة يوسف.
تنحنح عندما انتبه لوجودها و ابتسم بود قطعته سعاد التي حضرت و سألتهما بتجهم :
– انتو خارجين مع بعض ولا ايه.

تجاهلتها ندى التي لم تتكلم معها منذ تلك الليلة بعدما كشفت أنها كانت تعرف بزواج عمار و التزمت الصمت.
فإستكلف الآخر بإجابتها لتشهق ندى بخفة متمتمة :
– انا نسيت تلفوني في الاوضة هطلع اجيبه.

راقبتها سعاد وهي تبتعد ثم التفت الى إبن زوجها هامسة بإنزعاج :
– انت واخدها ورايحين فين يا عمار مش شايف الجو بينكم متوتر ازاي و هتقول ايه ل ابوها لما يعرف.

– انا بعت ميسيج لعمي و قولتله محتاج اكلمها و اعتذر منها يعني احنا طالعين نصفي حساباتنا و نقفل موضوعنا نهائي مش اكتر يا سعاد هانم.

تنهدت بإمتعاض ثم نظرت له و استطردت :
– طيب انت كويس … شايفاك مضايق في ايه.

اكفهرت ملامحه و تخضبت بتهكم ليرد عليها :
– طول ما جوزك بيعمل حاجات من ورا ظهري و بيتحكم في حياتي و الناس اللي تخصني مش هبقى كويس.
– ليه كده.
– مش هو شغل مريم عندنا في الشركة اهي اتقبلت و هتجي تنورنا قريبا.

انقلبت أسارير سعاد بخنق وقد عجزت هي أيضا عن فهم تصرفات زوجها ، تحول فجأة من كاره لتلك الفتاة إلى آخر يدبر لها عملا عنده و يمنع أي محاولات لثنيه.
حتى عادل الذي من المفترض أن يكون أكبر معترض لهذا الأمر وافق بل و شجع أخاه على ذلك !

لمحت ندى آتية فربتت على كتف عمار و ابتسمت له بحنان :
– كل حاجة هتتحسن يا حبيبي متتعبش نفسك بالتفكير.

رد لها إبتسامة ثم اتجه الى ندى التي سارعت تغلغل يدها ممسكة بذراعه و غادرا القصر …

_______________

بعد تلقيها لرسالة عبر بريدها الالكتروني من شركة البحيري تعلن على أنه تم قبولها كمتدربة في قسم الترجمة ، شرعت في البحث عن المعلومات العامة للشركة و القسم الذي انضمت إليه بالذات.
و لم تنكر انبهارها وهي تقرأ المقالات الإيجابية و المادحة من طرف شركات كثيرة قد تعاملت معها من قبل.
و كان اسم عمار رأفت البحيري مع المتصدرين في قائمة أكثر المدراء التنفيذيين نجاحا وقد حصل على جوائز كثيرة في عدة احتفالات مؤكدا بذلك على أن شركة البحيري للصناعة نتعد من أضخم المؤسسات.

لمعت عينا مريم وهي تتخيل أن يدخل اسمها هذه القائمة ذات يوم ، أن تكون ناجحة و يمدح الجميع عملها و يحترمها غير مبال بالطبقة المنتمية لها أو بأصولها الغجرية.
لم تتح لها الحياة تلك الفرصة سابقا ، فلقد منعها عمها من العمل وثم تزوجت عمار الذي حبسها بين جدران شقته ، و لكنها الآن لن تفشل و تستسلم ، بل ستسعى للنجاح في كل ما تريده ، مهما كان الثمن غاليا.

أغلقت مريم الصفحة التي كانت تتابعها و بقيت تتصفح المواقع الأخرى بدون تركيز حتى لمحت عيناها شيئا صدمها.
اعتدلت في جلستها بسرعة وانكبت على الشاشة تطالع صورا حديثة لعمار و ندى منشورة على إحدى الصفحات.
حيث كان الاثنان في قمة أناقتهما و ندى تتأبط ذراعه و تمشي بجواره ، و صورة اخرى توضح جلوسهم في مطعم فاخر ثم أخرى وهي تركب سيارته.

كانا منسجمان للغاية ، عمار بهيأته الراقية دائما و تلك الفتاة بطلة ساحرة تخطف الأنفاس لدرجة أن التعليقات كلها أصبحت تمدحهما و تتنبأ بعودتهما لبعض و إكمال زواجهما ، وفي الحقيقة حتى مريم أُثير الشك بداخلها !

تضايقت أنفاسها و اعتصر قلبها و هي تتمعن في صور ندى جيدا ، رباه إنها فاتنة الجمال بل من أكثر النساء جمالا في العالم ، بعيون ملونة بديعة و بشرة بيضاء و شعر حريري أشقر إضافة لمقتنياتها الثمينة من ملابس و اكسسوارات تجعل المرء ينبهر بذوقها في اختيار ما يناسبها.
و ما أحرق روح مريم أكثر ، هو حقيقة أنه ليس بغريب أن يكون عمار قد فُتن بجمال إبنة عمه التي تعيش معه تحت نفس السقف و تقضي أوقاتها معه ..

و لكن كان ثمن هذا الإفتتان غاليا ، فلقد خانها مع ندى في الوقت الذي كانت فيه مريم تتلضى على نيران اللوعة متوسلة حبه ، و يبدو أن ما فعلته لم يجدي نفعا فها هو عمار يكرر جولاته مع الأميرة المدللة بينما يرفض منحها الطلاق ، و هي لا تفهم هل يرفض تطليقها فقط لكي لا يمنحها التعويضات المالية التي تريدها أم أن هناك شيئا آخر !!

و في دواخل نقطة صغيرة جدا من قلب مريم ، وبينما كانت غارقة في غمرة شرودها ، لم تتبين أن الضيق الذي أصابها لم يكن سوى بسبب الغيرة و ليس الحقد بعد الخيانة …
و حتى أنها لم تلاحظ بأنها كانت تتمنى لو تحصل على نصف اهتمامه الذي يمنحه لندى بدون حساب
و أن يكون رفضه للطلاق ليس فقط لكي لا يمنحها التعويضات المالية التي تريدها ، بل بسبب شيء آخر ، حب مثلا !
_______________
ستوووب انتهى البارت
رايكم بيه و هل توقعتو يكون عادل السبب في كل حاجة حصلت لعمار و مريم ؟ رايكم بدوافعه اللي خلته يعمل كده ؟
ندى هتقدر ترجع عمار ليها من جديد
مريم هترجع تتعلق بعمار ولا هتعرف تسيطر على مشاعرها ؟

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية نيران الغجرية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *