روايات

رواية نيران الغجرية الفصل الثاني والثلاثون 32 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية الفصل الثاني والثلاثون 32 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية البارت الثاني والثلاثون

رواية نيران الغجرية الجزء الثاني والثلاثون

نيران الغجرية
نيران الغجرية

رواية نيران الغجرية الحلقة الثانية والثلاثون

بين الحب و الهوس.
________________
أسدل الليل ستاره … وارتمى القمر في أحضان السماء يبثها حديث الشوق والحنين …

وتلألأت نجوم السماء تباهي ساكني الأرض وتحملهم على مجاراتها في العلو واللمعان..

خيم الظلام وبدأت الأفكار تلو الأفكار و تعلو في رؤوس البشر .. حياتهم رتبة يملؤها التزمت .. يحملون الغد والمستقبل وهو لم يأت بعد !!

و منهم تلك التي وقفت على ضفة نهر النيل تراقب بعينيها الخضراوتين أضواء المدينة المنعكسة على مياهه ، بعد تجولها مع ابن عمها الذي أخذها لأحب الأماكن لديها و أدخلها إلى مطعمها المفضل رغم أنه لم يحبه يوما.
تسربل برموشها و ترسم مشاهد في مخيلتها لعمار وهو يطلب الصفح منها ، ثم يعرض عليها الزواج و السفر بعدها الى مكان بعيد …
حيث لا وجود للغجرية و قصصها ، حينها يمكن أن تختفي تلك اللمعة التي تظهر في عيني عمار المتوهجتين كلما تم ذكر سيرتها ، فتعيش برفقته ، و تعود ندى البحيري التي تجعل نساء و فتيات طبقتها تشتعلن حقدا و غيرة كلما مرت من جانبهن بخيلائها المعتاد.

تنهدت ندى بحسرة بددها حضور عمار الذي ذهب ليركن سيارته و يعود إليها ، ابتسم لها فبادلته بأخرى منطفئة و عادت تنظر إلى المياه منتظرة ما كان سيقوله لها صباح اليوم.
جاء ببالها عدة تصورات للحديث القادم ، غير أنها لم تكن تتوقع ماهيته حينما بدأ بالكلام في هدوء :
– كنا لسه راجعين انا و انتي من ايطاليا ، يومها اتصل بيا مدير جامعة **** اللي بيبقى صاحب أبويا و عزمني ل graduation party ( حفل التخرج ) ، و هناك انا شوفتها.

ضغطت بأصابعها على باطن يدها بعنف حتى كادت تدمي نفسها ، و رغم شعورها بالعصبية من التكلم عنها إلا أنها لم تستطع منع فضولها من رغبته في اكتشاف تفاصيل تعرف ابن عمها على تلك تلك الغجرية التي دمرت حياتها ، فصمتت و انتظرته أن يكمل.

انتشل عمار نفسه من نشوة الذكرى التي غرق بها حينما زارت خياله بهيأتها البربرية ليتابع :
– مش هكدب عليكي ، أنا اعجبت بمريم و بكل تفصيلة منها و اتجوزتها ، مكنش ينفع العيلة تعرف بجوازي لانها مستحيل تتقبلها علشان كده انا خبيت علاقتنا ، و بعدين عرفت انها حامل.

نجح في الحياز على كامل انتباهها لتنظر اليه بدهشة لم تخفيها و تشدقت بتفاجؤ :
– حامل !

– في اليوم اللي انتي قربتي مني فيه و بوسنا بعض.
تمتم بهدوء وهو يلاحظ شحوبها فأكمل قبل أن تظن بأنه يلومها :
– مريم اتصلت بيا بعدها بفترة وانا مردتش عليها و رجع البواب اتصل بيا و قال انه سمع مراتي بتصوت و تعيط ، روحتلها جري عشان اعرف ايه اللي حصل و في الاخر لقيتها غرقانة في دمها ، مريم سقطت.

شهقت ندى بخفة و وضعت يدها على فمها بمجرد تخيل ما حدث ، رغم كرهها الكبير للمرأة إلا أن لا أحد يستحق أن يعيش ألم موت طفله.
خاصة عمار الذي وجدته يغلق عيناه بقوة و أنفاسه تتسارع كمن يعيش ذلك الألم مرة أخرى ، و صمتت بينما يردف بصوت متهدج :
– لما وديتها للمستشفى و عرفتها باللي حصل اتفاجأت بأنها اختفت … قلبت المكان و انا بدور عليها بس ملقتهاش كلفت رجالتي يدورو عليها و للصدفة كل طريق بيوصلني لمكان كان بيتقفل فجأة في وشي لحد ما استسلمت و اتقبلت غيابها ، و غيبتها استمرت سنة ونص و رجعت ظهرت تاني و الباقي انتي عارفاه كويس.

ها هي اللمعة التي تتوهج في زيتونيته كلما تكلم عنها تظهر مجددا الآن ، إستطاعت ملاحظتها ببراعة رغم أن عمار يحاول إخفاء تأثره بذكرها ، ترى مالذي فعلته تلك البربرية لتجعل رجلا مثل عمار يقع في شباكها هكذا.
رغم أنها فضحته ، افترت عليه و أطلقت الإشاعات و شوهت سمعته هو و عائلته ، و لكنه ما زال يغرق في نشوة إسمها حتى !

عضت ندى على شفتيها و ظهر البريق هذه المرة في عينيها هي ، إلا أنه كان بعيدا عن الحب تماما فالشعور الذي تعيشه الآن هو الحقد و الكره فقط.
لذلك وجهت نظرتها إلى مياه النيل منطلقة لبث كلماتها الساخرة :
– مفيش واحدة عندها عزة نفس تقبل تتجوز واحد في السر بس طبعا مريم طمعت في فلوسك و شهرتك علشان كده وافقت ، و رجعت هربت منك بعدين ظهرت و فضحتك و فضحتني ، و يا عالم مع مين كانت عشان ترجع بالقوة ديه كلها.

كان مقصدها واضحا لعديم العقل حتى ، فهي تلمح لهروب مريم مع رجل ما أعاد صقلها و تدريبها لكي تعوة راغبة في الأموال.
لذلك أغمض عمار عيناه محاولا السيطرة على أعصابه التي يفقدها كلما مرت هذه الخاطرة على باله ، و لم يعلق على ندى لأنه يعلم بالعواقب الوخيمة اذا ما تعمق معها في هذا الموضوع.

نفثت ندى أنفاسها ثم تشدقت بروية :
– طيب انت ليه جت و طلبت ايدي.

– بعد مريم ماهربت و انا اتقبلت غيابها ، بدأت سعاد هانم تزن عليا عشان انساها و اكمل حياتي مع ست تليق بيا ، و رشحتك انتي بما انك كنتي أقرب واحدة ليا و حتى تيتا ربنا يرحمها قالتلي نفس الكلام ، ساعتها انا بدأت افكر في الموضوع لأنك بالفعل بتناسبيني من ناحية كل حاجة.
و بعد اللي حصل بيننا كنت حاسس بالذنب اتجاهك و كمان مريم كده كده مش مبينة … عشان كده طلبت ايدك للجواز.

تأوهت ندى بألم و انسابت دموعها المعبرة عن حالتها المؤسفة ، لتهمس بتحشرح وهي تتمنى لو ينكر ما ستقوله :
– يعني انت محبتنيش و اتجوزتني واجب وخلاص … معقول مقدرتش تحبني ولو شويا.

انتفض عمار و اقترب منها يضم وجهها بين كفيه هاتفا بصدق :
– انا بحبك يا ندى … غنتي من أعز الناس لقلبي اكتر واحدة بتفهميني و بتخففي عني بس انا مش هقدر أحبك غير كصديقة وبس.

شهقت بلوعة و همهمت غارقة في بكائها :
– مادام ديه كانت مشاعرك ليا ليه خدعتني و خبيت عني الحقيقة ، ليه حطيتني في موضع الغبية و لعبت بمشاعري انا بسببك و بسبب مراتك اتفضحت ومبقتش قادرة ابص في وش الناس ليه.
عمار You ruined my life ( أنت دمرت حياتي ) انت مستوعب !

هز رأسه بأسف و الندم يقطر منه :
– صدقيني مكنتش عايز الوضع يوصل بيننا لكده كل حاجة حصلت غصب عني مكنتش اتمنى تنزل دمعة من عنيكي بسببي يا ندى …
انا حاولت اكتر من مرة احكيلك على مريم بس رأفت بيه و سعاد بيه كانو بيمنعوني في كل مرة حتى يوم الفرح كنت هوقف كل حاجة عشان مش هقدر اعيشك في كدبة بس رجع أبويا منعني … متوقعتش يحصل اللي حصل انا اسف.

نفضت ندى يديه و ضربته بقبضتها على صدره بغضب مرير :
– و هيفيدني ب ايه Your apology يا عمار ! انت ضحكت عليا و الحقيقة ديه مش هتتغير دلوقتي حياة كل واحد منكم هتتصلح و انا هفضل العروس الغبية اللي اتفضحت ليلة فرحها محدش هيرضى بيا ولا حد هيحترمني زي الاول و انت …
انت بعد كام يوم هسمع انك رجعت لمريم بعد ما فضحتك و فضحت عيلتك هتسامحها ع اللي عملته في بنت عمك ياللي بتقول انها اعز الناس لقلبك و انا شايفة ده كويس لان رغم كل عمايلها انت لسه ساكت و معملتش حاجة !

زفر عمار الهواء بعصبية حادة و بدأ وجهه في التعرق بشكل جعلها ترتاب قليلا إلا أنها ظلت تتابعه وهو يدلك عنقه بيده المرتجفة حتى استدار اليها و هتف بحرارة :
– مش هقدر اعمل حاجة لمريم وانا مش فاهم اصلا سبب اللي بتعمله ده ، في اسرار مخبية عني وكل لما اوصل لباب يفهمني بيرجع يتقفل في وشي مباشرة.

ندى انا مش هتخلى عنك هفضل معاكي بس بصفتي ابن عمك وبس ، عارف اني غلطت في حقك كتير و دمرت اللي كان بيننا بس والله العظيم لو عرفت ان ده اللي هيحصل صدقيني مكنتش هخبي عليكي قصة مريم ابدا ، حقك متسامحنيش بس على الاقل لازم تعرفي انك … انك مميزة جدا في حياتي.
– مميزة بس انت مبتحبنيش.

رطب عمار شفتاه و عاد يمسك وجهها بين يديه هامسا بصوته الرجولي الرخيم :
– انتي بتستاهلي واحد احسن مني ، راجل بيحبك لنفسك ومستعد يعمل كل حاجة علشانك و يحققلك اللي تتمنيه ، راجل طيب زيك و معندوش مشاكل في حياته و في ماض …

قطع كلماته التي انجرفت بغير وعي منه و استعاد نفسه سريعا مستطردا :
– بتستحقي راجل مفيش في قلبه و عقله غيرك و متأكد هتلاقيه.

ختم جملته بإبتسامة باهتة ثم جذب رأسها لصدره و لف ذراعه حولها يضمها وقد شعر بحمل ثقيل ينزاح من على ظهره بعد شرح كل ما كان يعتريه اتجاهها.
و في قرارة نفسه يدرك أنه جرحها و لكن هذا الجرح سيعيدها إلى رشدها ، و كم تمنى أن تفهم كلامه و تستمر في حياتها …

غير أن ندى لم تكن لديها نية للفهم أبدا !!

________________
بعد إنتهاء مشوارهما و إيصالها إلى القصر ، بقي جالسا في سيارته مع سجائره يدخن و زيتونيتاه تنظران إلى الزجاج الأمامي بشرود.
فكرة أن مريم ستدخل لمكان عمله بعد يومين ، و تعمل بجانبه مثل أي موظف عادي و كأن شيئا لم يحدث تصيبه بالجنون.

لو يعرف فقط سبب قوتها هذه و كيف أرضخت والده و عمه سيكون ممتنا حقا ، خير له من الوقوف مثل الأحمق يشاهد حركاتها المستفزة دون أن يكون قادرا على فعل شيء !

جز عمار على أسنانه بغيظ ليشغل سيارته و ينطلق نحو وجهة معينة ، وصل بعد فترة إلى البناية فترجل منها و صعد على لشقته.
فتح الباب وولج بخطوات هادئة وهو يمرر بصره في المكان.

و للغرابة كانت أبواب جميع الغرف مفتوحة على مصراعيها ، و الأضواء مشتعلة و النوافذ مواربة رغم البرد الذي يتسلل منها.
ثم وجدها مستلقية على أريكة واسعة في المكتبة خاصتها ، تحتضن كتابا بيد و اليد الأخرى تمسك بهاتفها ، و عيناها مغمضتين بسلام.

ابتسم عمار بيأس عليها ، من يراها الآن نائمة في هدوء بقميصها الأحمر و شعرها المجعد المنسدل حولها ، لا يصدق كونها أكثر امرأة مخادعة و مفترية في العالم كله ، ولا أنها هي نفسها من تتحدى عائلة كبيرة و تهددها بالإنتقام ، مريم عبد الرحمن ، إبنة الغجر اللعينة.
أفاق من شروده و أطل عليها من فوق ليلمح اسم الكتاب الذي بحوزتها ، ليسحبه بطرف أصابعه بحذر ثم وضع الكتاب جانبا و نهض يغلق النافذة.
و عندما رفع الغطاء و كاد يضعه على مريم وقعت يده على ذراع الأخيرة ففتحت عينيها و انتفضت شاهقة بقوة لتعود الى الخلف و تضع يدها على صدرها …

طالعها عمار بذهول تبدد عندما تذكر أن مريم لديها رهاب من اللمس وهي نائمة ، حيث أنها لا تستيقظ على أي صوت مهما كان علوه ولكنها بمجرد لمسة طفيفة عليها وهي نائمة بمفردها ، يجف الدم في عروقها فتنهض مرتعبة.
ضغط على أسنانه بضيق من نفسه و هدأ من روعها هاتفا :
– اهدي متخافيش ده انا.

رمقته بشزر من خلف خصلات شعرها المشعثة و لفت بصرها في المكان محاولة كسب الوقت لإخفاء الرجفة من صوتها ، ثم تمتمت بنزق :
– انت ايه اللي جابك هنا.

رفع حاجباه ساخرا من سؤال الفتاة التي كانت في الماضي تقفز عليه محتضنة إياه بجنون عندما تراه ، ثم حك ذقنه و أجابها ببرود :
– جت اشوف اذا في افتراء جديد ناوية تطلعيه عليا … على الاقل ابقى عارف يعني لما ادخل للسوشيال ميديا و الاقي الدنيا مقلوبة عليا.

كانت سخريته واضحة لمريم فعضت على شفتها بغيظ ثم التقطت هاتفها و عبثت به قليلا لتضعه أمام وجهه مبتسمة :
– والله مفيش داعي اعمل اي حاجة انت قايم بالواجب وزيادة.

نظر عمار إلى حيث تشير و تفاجأ لرؤية صوره مع ندى من توجلهما اليوم ، في الحقيقة هو لم يكن متفاجئا من الصور نفسها لأنه تعود على إهتمام الإعلام بعائلته منذ القدم و لكن ما سبب دهشته هو الكلام المكتوب أعلى صورهما.
فالبعض يقول أن عمار و ندى البحيري تصالحا و سيعودان لإكمال زواجهما بعد تخطيهما للفضيحة و البعض يتساءل عن سبب وجودهما سويا و الأخر يكتب كلماته بكل ثقة عن تحديد تاريخ زواجهما القادم بعدما فشلت خطط الأعداء في إفساد علاقتهما.

و كانت الدهشة العظمى من نصيب مريم التي أدارت شاشة الهاتف لعينيها ف اتضحت لها عن طريق الصدفة صورا جديدة تم نشرها منذ قليل ، عمار و ندى على ضفة النيل يعانقان بعضهما بلوعة تحت ضوء القمر في مشهد رومانسي بحت.
ضغطت أصابعها على شاشة الهاتف تنظر للصور بعفرتة وهي تشعر بشياطينيها تحوم حولها ، تلبسها الجنون و فارت دماؤها وهي ترى أن كل ما تفعله لم يكن ذو جدوى فهاهو الوغد لا يتأذى بما تفعله بل يستمر في حب تلك المدللة و قضاء الوقت معها ، سحقا !

و لكن رغم كل ما يعتريها الآن ، لم توضح مريم ماهية مشاعرها ، و اختارت رسم الجمود على وجهها لكي لا يعلم بأنها تضايقت.
إلا أن عمار إدعى عدم الاهتمام مرددا :
– الكلام اللي زي ده احنا اتعودنا عليه خلاص و مبقاش يهمنا ، يومين تلاتة و الناس هتتشغل في قصة غيرنا.

” تقصد انك اتعودت على خيانتك و قذارتك ” ، ابتلعت مريم كلماتها في داخلها و لم تحبذ نطقها ليصل إلى مسامعه ، فهي تعلم وهو أيضا يعلم جيدا بأن هذه الصور خير دليل على علاقته العاطفية مع ندى.
ليس حاليا فقط بل منذ سنين عندما كانا سويا و كانت مريم ترى صوره معها فتكذب نفسها وهي تقول بأنهما مجرد صديقان ، حتى اكتشفت الحقيقة ذلك اليوم …

شهقت للهواء عندما أدركت بأنها بدأت تنجرف في سيل ذكرياتها المريرة ثم حمحمت و رفعت رأسها إليه ، حدقت فيه و هتفت مغيرة الموضوع :
– مقولتليش سبب الزيارة الكريمة ؟

لمعت عيناه بمكر حينما طرأت له فكرة نسبية عن إحتمال شعورها بالغيرة عليه ، و لكنه رد بهدوء :
– انا عرفت انك اتقبلتي كمتدربة في Translation Department ( قسم الترجمة ) في شركتنا … جت اباركلك و اتمنالك الحظ السعيد.

لم تعلق عليه فأقبل عليها عمار بقامته و شرع يركز عيناه على خاصتها ، ثم انتقلت إلى شفتيها و بعدها شعرها ، و انتهى الأمر به يطالع جسدها الملتحف في قميص نوم خفيف فتوجست مريم منه و تراجعت إلى الخلف بنفور تلقائي.

تنهد الأخير و عاد يركز في عينيها يستطرد بصوته المتهدج :
– بصي انا مش عارف ازاي نجحتي في انك تدخلي شركة البحيري … و صحيح لسه مش عارف انتي كنتي فين و مع مين وليه بتعملي كده.
بس عايز اقولك مادام قدرتي تبقي متدربة في شركتنا من غير واسطة … و مادام المسؤولين شافو ال C.V بتاعك و قبلوه يبقى انتي فعلا عندك قدرات و فرص توديكي للنجاح.
علشان كده انا بنصحك تشيلي اي نوايا سيئة من دماغك و تستغلي الفرصة ديه عشان تنجحي و تحققي مرادك.

كل سنة بيتم اختيار 10 متدربين من أصل 80 و كلهم ملفاتهم بتشرف يعني اعتبري نفسك محظوظة عشان اتقبلتي و تعملي كل اللي تقدري عليه عشان تبقي موظفة رسمية في الشركة ، بمعنى لو عندك نية غير الشغل شيليها دلوقتي يا اما اسحبي ملفك لاني انا اول واحد هيقفلك لو فكرتي تعملي غلط واحد بس … انتي فاهمة !

أنهى كلماته وهو يطرق بأصابعه على وجنتها بخفة مبتسما لها فإحتدت عيناها بغضب منه ولكن قبل أن يتسنى لها الصراخ عليه وجدته يتحرك و يغادر الشقة ، لهثت مريم أنفاسها بحنق و قالت :
– طبعا انا دخلت الشركة علشان اشتغل و انجح … بس كمان عشان اخليك تخسر في نفس الوقت !

________________
صباح اليوم التالي.
نزل عمار إلى طاولة الإفطار و وجد العائلة متجمعة ، ألقى تحية الصباح و جلس بهدوء بعدما لاحظ أن وجوههم مكفهرة بضيق فإستطاع توقع السبب ليتنهد و هو قول :
– بما انكم مضايقين و ساكتين كده يبقى احتمال تكونو سمعتو بصوري انا و ندى اللي نزلت امبارح بليل و قريتو الاشاعات علينا.

وضعت منال الشوكة جانب الصحن و نظرت له مجيبة :
– ايوة شوفنا و سمعنا و الاتصالات مش راضية توقف من الصبح و الكل بيسأل اذا كلام رجوعك انت و ندى صح ولا لأ … احنا لينا حق نضايق يا عمار ، Isn’t that right ؟

ارتكزت العيون عليهما منتظرين تعليقه على كلامها و معرفة إن كانت تلك الإشاعات صحيحة أم كاذبة.
فرطب عمار شفتاه و إحساس الدوار يعاوده ، ثم زفر ووضع كوب العصير لينظر إليهم متشدقا بصوت مرتفع وواثق :
-انا عارف ان الصور و الكلام ده ازعجكم جدا و مش بلومكم لان حقكم بس انا و ندى امبارح خرجنا عشان نقدر نتكلم براحتنا و نحل المشاكل اللي بيننا.
و فعلا انا شرحتلها كل اللي حصل و اعتذرتلها و اتمنيتلها حياة سعيدة مع راجل يستاهلها و هي وافقت على كلامي و اتفهمته و الموضوع اتقفل ع كده.
و الصور اللي نزلت ديه اخدوها من وقت ماكنت بتكلم معاها بس الكلام اللي عليها مش حقيقي يا جماعة و انا حضنتها بحسن نية مش اكتر.

ضيق عادل على قبضته و رفع رأسه يحدجه بلهجة حادة :
– حسن النية ديه كانت قبل ما تخبي علينا جوازك و تخطبها بس بعد اللي حصل بينكم مبقاش ينفع تقربو من بعض كده.
انا وافقت امبارح على خروجتكم يمكن حالة ندى تتحسن بس ده مش معناه ترجع تلعب ببنتي تاني خلاص انت رفضت تكمل الجوازة و هي كمان يبقى خلاص مش عايزكم تحتكو ببعض تاني.

و مع الأسف لم يستطع رأفت معارضة كلمات أخيه المحقة في كل شيء فهز رأسه بتأييد مضيفا :
– اللي بتقوله صحيح مفيش داعي تظهرو مع بعض تاني لان كلام الناس هيكتر عليكم.

استمر النقاش حول هذا الأمر و ندى تلتزم الصمت كعادتها في الآونة الأخيرة ، من يراها يظنها مستسلمة حزينة بسبب الأخبار التي انتشرت عنها و لكن شخص وحيد لم تستطع خداعه.
فبعدما أنهت فطورها و استأذنت تصعد إلى غرفتها ، فاجأتها منال تطرق الباب و تدلف بملامح منزعجة لتسألها بتعجب :
– في ايه ؟

ردت عليها مباشرة :
– انتي اللي عملتي كده صح ، انتي خليتيهم يصوروكي مع عمار و يطلعو الاشاعات ديه.

تفاجأت ندى ف إستدارت تدعي الانشغال بهاتفها متحدثة بإضطراب طفيف :
– مفيش الكلام ده ، This is nonsense.

– متنكريش لاني سمعت امبارح قبل ما تخرجي مع عمار و انتي بتكلمي صحفي من جريدة *** و بتتفقي معاه ع موضوع معين وبعدها بكام ساعة تطلع شائعات عليكي انتي و عمار …. و للمفاجأة اللي عمل كده هو نفسه ال Journalist اللي حضرتك كنتي بتكلميه !

لم تعلق عليها ندى و اكتفت بالضغط على أصابعها في توتر و عصبية ، فدنت منال منها و وضعت يدها على كتفها تلفها إليها ، متحدثة بنبرة حاولت جعلها لينة قدر الإمكان :
– حبيبتي … يا روحي انتي ليه عملتي كده مش قولتي مش عايزاه في حياتك طيب ليه عملتي الحركة ديه.

سالت دمعة من عينها مسحتها سريعا وهي تتشدق بصوت متحشرج :
– انا عملت اللي كان لازم يتعمل من زمان يا منال … مستحيل اسمح لعمار يرجع لمريم تاني عشان كده هعمل كل حاجة تسبب سوء تفاهم بينهم.

تصاعدت وتيرة أنفاسها بغضب من أفكارها تلك فوبختها بحدة :
– و انتي مالك بيه يا ندى مش كنتي بتقولي عمار خدعني و كدب عليا ومش عايزاه اومال لما اخيرا ماما و بابا اقتنعو اشمعنا اتعلقتي بيه تاني …. هو مش ليكي افهمي ابن عمك بيحب المتخلفة اللي اسمها مريم وده واضح جدا و الا ….

قاطعتها الأخيرة بصراخ مجنون وهي تدفع شقيقتها و تكلمها بهذه الطريقة لأول مرة :
– مش بيهمني عمار بيحب مين المهم انا بحبه يا منال و صدقيني هخليه يرجعلي … هرجعه ليا تاني لانه من حقي أنا وبس !
________________
في شركة البحيري للصناعة.
كان في مكتبه يتحدث مع مساعده بخصوص التحديثات التي طرأت على نظام العمل حتى سأل:
– التجهيزات خلصت في Translation Department ( قسم الترجمة ) ؟
– أيوة يا يوسف بيه فاضل بس نستقبل المتدربين الجدد.

اومأ برضا و شدد عليه بحرص :
– انا مش عايز تفصيل صغير ناقص لازم تبقى كل حاجة كاملة عشان نقدر نشتغل كويس معاهم مفهوم.

هز رأسه بإحترام :
– ايوة يا فندم متقلقش.

إبتسم يوسف و نظر إلى ملفات المتدربين ليسمع طرق الباب ثم دلف وليد.
ف التف إلى مساعده و سمح له بالخروج قائلا :
– you can leave.

بعد خروجه اقترب منه وليد و هتف بتساؤل :
– ال preparations خلصت ولا لسه.

– فاضل حاجة بسيطة.

ابتسم وليد و ربت على كتفه مدمدما :
– انا شايف ان القسم ردت فيه الروح من لما استلمته انت و بدأت الشغل فيه برافو عليك يا چو.

شكره بلباقة ثم استدرك :
– عمار فين انا مشفتوش من يومين مجاش للشغل النهارده ؟
– لا هو هنا احنا لسه مخلصين الميتنج بس فضل قاعد مع عمي رأفت و عمي عادل عشان المراجعة … صحيح انت سمعت اخر الاخبار ولا لسه.

تجهم يوسف و اكفهرت ملامحه :
– ايوة سمعت … و شوفت صور عمار و ندى.

ألقى بطرف عينه على صورة مريم في ملفها المرصوص مع بقية الملفات ليجد نفسه يهمس بإستياء :
– اكيد هي زعلت.

******

دلف عادل إلى غرفة مكتبه و جلس بضيق و انزعاج من نتيجة الإجتماع ، لقد جاء عملاء جدد و قدموا عرضا كبيرا للشركة سيزيد من أرباحها اذا نجح.
بالطبع هو لم يغضب من هذا فعادل أكثر من يود النجاح ، و لكنه وجد نفسه غير مرئي للجميع.

كل الأعضاء كانوا مهتمين بالتعاقد مع عمار نفسه و مدحه بعمله و تفانيه ، لقد توقع بعدما انخفضت أسهم الشركة و بدأ مجلس الإدارة بالشكوى من انخفاض أداء المدير التنفيذي بأن سمعته و مركزه لن يعود كما في السابق.
إلا أن عمار أحرز هدفا في المرمى مجددا و استطاع بشكل ما إعادة إعتباره.
لذلك يجب على مريم الدخول الى الشركة في أسرع وقت و استغلال كرهها ضد إبن أخيه جيدا حتى يتسنى له الوصول لهدفه.

أفاق من تفكيره على رنين هاتفه فإعتدل في جلسته و أجاب بحذر :
– ايوة يا سليم في ايه.

رد عليه الطرف الاخر :
– اسف يا فندم على ازعاج حضرتك بس الموضوع ضروري … انا عرفت ان عمار بيه اتفق مع ناس يركبو كاميرات مراقبة في شقته تاني … و كمان يركب GPS في تلفون مراته علشان يقدر يتجسس عليها و يعرف اللي مخبياه … و ده مش فمصلحتنا يا عادل بيه.

همهم عادل بهدوء و رفع رأسه لفوق مفكرا لثوان قبل أن يبتسم بمكر و يهتف :
– مادام عايز يتجسس على مراته و احنا عارفين التجسس عيب يبقى لازم نوقفه.

صمت قليلا ثم استطرد بتهكم :
– جه وقت مريم تعرف ان جوزها كان بيتجسس عليها في الشقة بتاعتها.

________________

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية نيران الغجرية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *