روايات

رواية نيران الغجرية الفصل الخامس والثلاثون 35 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية الفصل الخامس والثلاثون 35 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية البارت الخامس والثلاثون

رواية نيران الغجرية الجزء الخامس والثلاثون

نيران الغجرية
نيران الغجرية

رواية نيران الغجرية الحلقة الخامسة والثلاثون

الحياة العملية.
______________
” من أنت ؟
– قبل أن أقص شعري أو بعد !
– مالفرق ؟!
– قص الشعر بالنسبة للمرأة ليس مجرد مقص و شعر متناثر و هيأة جديدة ! إنها تستبدل دواخلها أيضا ” #ليتني امرأة عادية#هنوف_الجاسر

تمر علينا فترات يصعب علينا نسيانها ، ليس لقوة ذاكرتنا أو إستحالة تخطي تلك الذكريات ، بل لأنها حُفرت في قلوبنا و أصبحت جزءا منا.
تظل عالقة لا تمحى سواء بالهروب أو بالتجاهل.
فيُمسي الحل الوحيد هو طمسها و قمعها مع قمامة الماضي ، حتى لو كلف ذلك محو هويتنا التي كنا عليها.

و هذا ما فعلته هي !

وقفت خارجا أمام الشركة الضخمة تحدق في علوها الذي ظنت أنه لا ينتهِ ، و حادت بعينيها نحو البوابة الخارجية تراقب الداخلين و الخارجين منها …
كان هذا اليوم الأول للمتدربين اللذين تم اختيارهم لعدة أقسام تابعة لمؤسسة البحيري ، حيث سيتم إستقبالهم من طرف فريق المسؤولين و شرح نظام سير العمل تاركين لهم بعدها الخضوع لفترة التربص و بعد إنتهاء المدة المحدودة سوف يتم إختيار أعضاء يستلمون وظائفهم بشكل رسمي.
أما من لم يحالفهم الحظ في التوظيف فيكفيهم أخذهم لشهادة التدرب في شركة البحيري.
و ستعمل مريم على أن تكون من النوع مكان !

أخذت نفسا عميقا و خطت بقدميها خطوات واثقة إلى الداخل ، و بعد دقائق كانت تقف بجوار باقي المتدربين يستمعون لكلام نائب مسؤول قسم الترجمة وهو يرحب بهم …
لاحظت مريم نظرات البعض إليها و همسات البعض الآخر حول أن زوجة المدير التنفيذي التي فضحته جاءت اليوم كمتدربة و تقف معهم كأنها لم تفعل شيئا.

ولكنها لم تعرهم إهتماما بل ركزت على كل حرف يقوله مساعد السيد يوسف الذي لم تلمحه لحد الآن ، ثم وقع بصرها على مكتب النائب و التمعت عيناها وهي تطمح لأن تكون هي الجالسة عليه يوما ما …

_______________
تنهد بسأم وهو يعيد رأسه إلى الخلف و يغمض عيناه لعله يحظى ببعض الراحة من الصخب ، لكن الآخر لم ينتبه لهذا وهو يكرر سرد نفس القصة للمرة العاشرة تقريبا :
– و ياريت قدرت مساعدتي و شكرتني لا ديه كانت عاملة زي الكتكوت المبلول منطقتش بكلمة طول الطريق لما كنت شايل معاها.
بس اول ما لقت نفسها وصلت لبيتها قامت تلمح و تغلط فيا … استنى ديه طلعت مخطوبة كمان و جايبة الحاجات ديه عشان خطيبها.

عند نطقه للجملة الأخيرة ببلاهة فشل عمار في كتم ضحكته فأطلق قهقهة صغيرة انكمش لها وجه وليد وهو يسأله منزعجا :
– انت بتتريق عليا ؟

– لا بس ضحكت لما اتخيلت شكلك عامل ازاي و انت واقف في الشارع لوحدك بتكلم نفسك بعد الصدمة ديه.
برر له عمار و ضحك مجددا ثم تنحنح و ارتخت تعبيراته عندما اعتدل في جلسته و هتف بمنطقية :
– انت عارف ان حتى لو هالة مش مخطوبة مفيش فرصة ليكم انتو الاتنين صح ، البنت ديه بتكرهني اوي و بتحرض مريم عليا دايما ف اكيد هي مش هتقبل ترتبط بصاحبه خاصة في الفترة ديه.

هز وليد رأسه على مضض ليستطرد الآخر مستنكرا :
– و بعدين انت ساعدتها عشان هي بنت واقفة لوحدها في حته مقطوعة ولا بس عشان كنت ناوي تشقطها يعني لو عارف من الاول انها مخطوبة كنت هتمشي و تسيبها ؟

– لا طبعا انا كده كده كنت هساعدها … بس اكيد مكنتش هشيل معاها لوازم عريس الغفلة بتاعها في الاول و الاخر انا اعجبت بيها من اول نظرة مش كده.
هتف سريعا يبرئ نيته ثم صمت قليلا و اتسعت ابتسامته ليقول بمكر :
– ولا اقولك كويس مفيش فرصة لينا اخاف ارتبط بيها و يجي يوم تفضحني قدام الناس زي صاحبتها.

تجهم عمار بغيظ و رمى عليه القلم الذي بيده شاتما إياه ثم عاد و شرد مجددا ، لاحظ وليد ذلك فقام و سحب الكرسي ليجلس مقابل رفيقه تماما.
طالعه قليلا ثم ربت على كتفه هاتفا بجدية :
– عمار … انت عارف انك بتقدر تكلمني في اي حاجة تضايقك صح … انا معاك في كل خطوة انت بتعملها.

إبتسم له مجاملا و أومأ بموافقة ليعود لصمته ، فتنهد وليد بحسرة مفكرا بأن عمار كتوم لأقصى حد.
ففي حين انه لا يبوح بما يخالجه ولا يفصح عن همومه لأحد ، إلا أنه يجيد الاستماع لشكاوي غيره و مواساتهم عند كربهم.

لقد كان عمار يستمع لمشاكل وليد و يوسف منذ مراهقتهم و دائما ما يهون عليهم و يواسيهم عندما يحتاجون لذلك لكنه في نفس الوقت لا يُعرب عن أحزانه و ما يشغل باله ليس قلة ثقة نحو أصدقائه و لكن طبيعته الكتومة تحول دون ذلك ، و هذا ما يزيده بؤسا.

قطع تفكيره صوت رنين هاتف المكتب فأجاب عمار :
– ايوة يا سلمى … تمام خليهم يبعتولي المتدربة مريم عبد الرحمن لمكتبي بعد نص ساعة.

أغلق الخط مغمغما :
– المتدربين وصلو.

هز وليد رأسه ولم يستطع منع نفسه من التعليق بإنزعاج :
– مش عايز ابقى حشري قدامك يا عمار بس ياريت تاخد نصيحتي بعين الاعتبار … مراتك ديه انا مش عارف ايه اللي بينها و بين والدك عشان يقبل يشغلها عنده بس عارف كويس هي دخلت الشركة ليه.
فلو سمحت حاول تبعد مشاكلك الشخصية عن الشغل عشان ميتأثرش بالسلب من غير حاجة الاوضاع مش كويسة مش عايزينها تسوء اكتر … يلا عن اذنك رايح اشوف شغلي.

غادر الأخير الغرفة أما عمار فنهض ووقف أمام النافذة الزجاجية الكبيرة المطلة على شرفة هذا المكتب الضخم ، وضع يده في جيبه و طالع الفراغ مفكرا …

ليلة أمس كشفت مريم بشكل لا يصدق حقيقة تجسسه عليها في السابق ، لا يزال غير مستوعب حدوث ذلك حقا فلقد قضى الليل بطوله عاجزا عن النوم يشعر بالغضب و الحنق من الأمر برمته لأنه بعد الآن لن يستطيع تركيب أي جهاز لمراقبتها و بالتالي لن يكتشف سبب ما تفعله و ما الذي ستفعله مستقبلا.
سحقا لماذا كل شيء يسير عكس مراده هل هذه صدفة أم … مخطط من طرف أحدهم !

طرق الباب فجأة فسمح عمار بالدخول و التفت ينظر إلى مساعده سليم الذي أتى بأمر منه.
طالعه لثوان بقتامة قبل أن يغمغم :
– تعالى يا سليم قرب هنا.

دنى منه بخطوات ثابتة و تمتم :
– تحت أمرك يا فندم عايز حاجة مني.

– اقعد.
هتف بصرامة فتوجس سليم لكنه إمتثل لأمره على أي حال ، جلس على الكرسي و راقب عمار وهو يشعل سيجارته ثم يبدأ بتدخينها مرددا :
– انت عارف انك واحد من رجالي اللي بثق فيهم صح.

أظهر وجها جامدا وهو يرد عليه :
– ايوة و ده شي بيشرفني حضرتك.

همهم الآخر و تعمق في النظر إليه ليهمس :
– كنت اكتر واحد عارف اسراري و الخطوات اللي بعملها و صراحة لولاك مكنتش هقدر اعمل حاجات كتير.

سكت لثوان يراقب ملامح رجله بثبات قبل أن يكمل :
– اومال ايه اللي حصلك دلوقتي … انت ملاحظ انك متراجع كتير في اخر فترة ؟ مقدرتش تعرف مريم كانت فين ولا اللي بيتها وبين رأفت بيه ومين اللي بيساعدها … حتى لما كلفتك تتعاون مع واحد علشان تركبو كاميرات مراقبة جديدة في الشقة اتعطلتو و ضيعتو وقت لحد لما مبقاش ينفع تتحط ابدا لان مريم كشفتني.

أسرع سليم يبرر تقصيره :
– يا فندم صدقني حضرتك انا بحاول اا…

– هشش.
أوقفه عمار مانعا إياه عن مواصلة الحديث ثم انحنى عليه و همس بثقل :
– اسبوع واحد بس يا سليم … لو مجبتليش اي معلومة تفيدني في غضون اسبوع انا هفهم انك مبقتش تشتغل معايا يمكن بقيت ضدي و بتجرب تعطلني عشان سبب معين.
و بالتالي انت هتترفد من شغلك و شوف هتشتغل فين و مع مين بعد كده.

إصفر وجه سليم و أدرك جيدا أن عمار بدأ يشك في ولائه بسبب تقصيره المتعمد في العمل هذه الفترة ، و من الواضح أنه لن يكسب ثقته مجددا حتى يجلب له المعلومات عن زوجته.
و لكن كيف سيفعل هذا في حين أنه يخطط ضده ، يجب عليه إخبار سيده عادل بما يحدث لكي يجد له الحل سريعا.

فهز رأسه بإيجاب و أردف بإحترام :
– سامحني على اي تقصير يا عمار بيه انا هعمل كل االلي اقدر عليه علشان اجيلك اللي عايزه.

همهم عمار برضا ثم أولاه ظهره قائلا :
– تقدر تمشي دلوقتي.

إستقام سليم و غادر بينما بقي الآخر يطالع فراغه وهو يفكر في أن سليم قد تراجع في تأدية مهامه بشكل مثير للريبة حتى بدأ يشك في أنه يتعمد الإطالة في أمر البحث عن مكان إختباء مريم طوال السنة الماضية.

و اذا كان حقا يطيل في مهمته فهل هذا بسبب شخص أقوى من عمار شخصيا ، ربما أصبح سليم تابعا لوالده رأفت و ينفذ أوامره بدلا منه.
أو هدده بشيء ما و نبهه بضرورة ابتعاد عمار عن الحقيقة التي تجعل مريم تكرهه هكذا ، أو حتى أن سليم لا علاقة له بالخيانة بل أن رأفت تدخل بنفوذه و منع أي طريق يستطيع العبور منه و الوصول إلى أسرار مريم !

تأفف بصوت عالٍ و حاوط رأسه الذي يكاد ينفجر من الصداع بالفعل ، بعد مغادرة العيادة يوم أمس قام بإقتناء الأدوية التي وصفها له الطبيب حسين و نصحه بشربها و الخلود للنوم سريعا مبتعدا عن كل ما يزعجه.
غير أن الوضع كان معاكسا تماما فبعد ما عاشه مع مريم لم يزره النوم حتى ساعات الفجر الأولى ، و لكنه لا يمكنه إنكار أن هذا الشجار عاد بمنفعة له …

وهو معرفته بأن تلك الغجرية لا تزال تتأثر بقربه … لقد تعمد التقرب منها لأجل معرفة إن كان لا يزال يملك تأثيرا عليها و نال مراده عندما رآها تعود لحالتها القديمة بين ذراعه.
و بهذا يكون عمار أحرز هدفا قويا في مرماها سيجعلها لا تقوى على رفع وجهها في خاصته مجددا و تحديه ، لأنه في كل مرة سيذكرها بإستسلامها بين ذراعيه اذا صرحت بكرهها له !

إبتسم بمكر تلاشى عندما رن هاتف مكتبه و أخبرته مساعدته بأن المتدربة مريم عبد الرحمن قد أتت ، فسمح لها بالدخول ثم التفت الى الشرفة ثانية وهو يفكر بضيق في أن مريم بالتأكيد لفتت أنظار الرجال اليها بسبب هيأتها الغجرية المتمثلة في شعرها الطويل المموج بجنون و ثوبها المنفتح من جهة الصدر و الكتفين ثم خلاخيلها و اكسسواراتها المثيرة للضجة ، اللعنة ستمر على أبصار الجميع بعدما كان لا يراها رجل غيره !

تشتت انتباهه حينما سمع طرق الباب ثم فُتح و دلف الزائر ، انتظر عمار سماع صوت رنين الخلخال لكنه لم يفعل فإعتقد بأن شخصا آخر قد جاء إلا أن صوتها المألوف فاجأه :
– انت طلبتني.

استدار عمار اليها ليكلمها لكن فجأة تجمدت ملامح وجهه و شعر بالكون يدور بغير إتزان وهو ينظر إلى تلك المرأة … الغريبة !
جحظ عيناه الزيتونيتان و فتح فمه بذهول ممررا بصره عليها بدون إستيعاب ، و للحظة فكر بأن المرأة التي تقف أمامه ليست مريم الغجرية ، بل فتاة أخرى لا يعرف عنها شيئا.

كانت بهيأة لم يرها عليها في السابق أبدا ، إختفى فستانها المبهرج و حل مكانه سترة سوداء و بنطال جلد من نفس اللون
الحذاء المسطح الذي كان يظهر خلخالها لم يعد له وجود مع ذلك الحذاء ذو الكعب العالي ، ثم … يا الهي.
نصب عليها أنظاره كالمهووس الذي لا يكاد يميز بين الحقيقة و الخيال ، زيتونيتاه تبحثان عن ذلك الشعر المجعد بعنفوان محبب غير أنه كان يبصر شيئا آخر.

برى خصلاتها تصل إلى منتصف ظهرها بعدما كان يتجاوزه بكثير ، إختفت تموجاته و أصبح مسبلا كالحرير ، حتى كحل عينيها الثقيل و أحمر الشفاه الفاقع لم يعودا موجودان ،مالذي فعلته هذه المرأة بنفسها !
ظل عمار يتأملها بدون تصديق حتى هز رأسه و بلل حنجرته اللي أحس بجفافها ليهمهم في الأخير :
– انتي … عملتي ايه.

مسحت كل ما كان يحبه و يجذبه إليها ، إكتفت مريم بقول هذه الجملة بداخلها و ظهر ردها على شكل إبتسامة توحي بالكثير ، نعم لقد غيرت كل ما يميزها ، لم تعد هناك غجرية يغازلها بوقاحة و يذكرها بحب الماضي ، لم يعد لديها فرق عن باقي الموظفات في هذه الشركة.
هي لم تفعل ذلك لأنها تخجل من حقيقتها ، بل لأن كل تفصيلة منها قد مرت من تحت عينيه و يديه جاعلة منه متفاخرا كونه أول من حصل عليها ، و فعلته ليلة أمس أثبتت كم أنه حقير متجسس.
لذلك سوف تعمل مريم على قطع كل رباطها به ، ثم التخلص منه و طرده من حياتها نهائيا !

لهذا قالت بنبرة متزنة :
– انا عملت ايه ؟ حضرتك اللي طلبتني يا استاذ عمار.

رفع حاجباه وقد فهم ما تحاول فعله فإقترب منها بهدوء ثم وقف أمامها ، و غمغم بنبرة متثاقلة :
– بتقولي هعمل نفسي مش فاهمة و ابدأ معاك الحرب الباردة يعني …
طيب تمام يا مدام مريم النهارده أول يوم ليكي في التدريب و هنشوف شغلك طول الفترة المحددة علشان نعملك موظفة رسمية في الشركة ولا تكتفي بشهادة تدريب و تطلعي و متبصيش لمؤسسات البحيري تاني.

ردت عليه مريم بثبات :
– انا جاية هنا مش عشان اخد شهادة و امشي … رسمت طموحات كتيرة من قبل ما ادخل الشركة و دلوقتي بما اني عديت الباب ده يبقى مستحيل ارضى قبل ما اخليها حقيقة.

لم تتوقع أن تظهر إبتسامة عمار على وجهه وهي تلقي كلماتها ، ظنت أنها قد تستفزه فيستهزئ بها و لكنها للحظة خيل لها أنها رأت إعجابا في عينيه ناحيتها ، إلا أنها درأت خاطرتها مستمعة لكلماته الرتيبة وهو مازال يتأمل هيأتها الجديدة بقوة :
– يبقى لازم تورينا شطارتك عشان نعرف لو كنتي طموحة بجد ولا مجرد كلام فاضي ملوش لازمة …. good luck to you.

هزت رأسها بدون جواب و غادرت المكتب ، بينما تداعى ثبات عمار الزائف فضرب بقبضته على الجدار ساحبا أنفاسه الثائرة بصعوبة.
اللعنة لقد جنت مريم لدرجة أن تنزع كل ما كان يميزها و هذا فقط لأنه أبدى إعجابا بتفاصيلها – السابقة –
كيف وصل بها العته الى هذا الحد بل كيف تستطيع التخلص من شعرها الذي كانت تتغنى به في وجوده ، ما بال الغجرية هكذا !
________________
بمجرد خروجها من الغرفة ، أراحت ظهرها على الباب و أغمضت عيناها تخرج أنفاسها التي احتبستها طوال وجودها بجواره.
لا تصدق أنها استطاعت التحكم بأعصابها و عدم الصراخ عليه و التصريح بكرهها له بل مثلت البرود و لعبت دور الامبالاة وهي تراه يحدق في مدى تغيرها.

إستقامت مريم في وقفتها مستعيدة رباط جأشها فلا وقت لديها للإنهيار الآن ، و لكنها عندما رفعت يدها لتداعب خصلاتها المجعدة و تعيدها إلى الخلف كحركة تلقائية منها بسبب تعودها على فعل ذلك حينما تتوتر.
توقفت فجأة و تذكرت أنها لم يعد لديها ذلك الشعر الغجري و عليها التأقلم مع وضعها الجديد ، فأخذت نفسا عميقا و تحركت تضع خطواتها على الأرض بثقة إلى أن صادفت السيد رأفت في طريقها.

فنظر إليها هو ولم يذهل بشكلها الجديد لأنه رآها من كاميرات المراقبة منذ أول دخولها للشركة صباحا ، تقدم منها لتبدأ مريم الحديث :
– أهلا و سهلا يا رأفت بيه.

– اهلا مريم … عاملة ايه في اول يوم فتدريبك اقتنعتي ان ملكيش مكان هنا من اول نظرة ولا لسه عاوزة تجربي بنفسك.
تساءل بإستهزاء قاصدا التقليل منها و إزعاجها لكن مريم لم تعطه ما يريده فلقد ابتسمت له و أجابته ببرود متقن :
– سمعت كلام شبه كلام حضرتك من عمار و انا هرجع اقول نفس الرد … انا جاية علشان اخد وظيفة في الشركة ديه ومش هرتاح غير لما ابقى من أشطر الموظفين في شركتكم … و ده وعد مني.

بهت رأفت و لم يجد حروفا تليق بجوابها فهزت رأسها و أضافت :
– لو مفيش حاجة تانية توقفوني عشانها ف انا بستأذن عشان اروح اشوف شغلي.

أفسح لها للمرور و راقبها وهي تسير بخيلاء متجهة لقسمها ، ثم شرد في الفراغ بعدما زارته خاطرة عن زوجته المتوفاة فيروز قبل سنوات طويلة جدا.
حين صادفها لأول مرة في مكتب والده المتواضع ، و شاهدها بإنبهار وهي تمشي مسدلة شعرها رافعة أنفها للسماء بغرور لاقَ بها كثيرا و غير عابئة بنظرات الرجال التي تتبعها بإعجاب و حالمية لتلك الأعين الزيتونية الامعة.
و اليوم بعد مرور 35 سنة على أول لقاء بينهما … رأى لمعة عينا فيروز تعود و تظهر على حدقتي مريم ، فأدرك حينها أنه يجب عليه إبعادها عن عمار و طردها من قلبه ، بأنه إن لم يفعل.
سيلقى إبنه نفس مصير والده !
_________________
دخل يوسف إلى الشركة و اتجه سريعا نحو قسمه الذي استضاف متدربين جدد اليوم ، دلف اليهم و ابتسم ببشاشة لرؤيتهم ثم قال :
– First, I apologize for the delay ، كنت عايز ابقى اول واحد يستقبلكم بس مع الاسف حصلتلي ظروف منعتني من اني اجي بدري.

تابع الترحيب بهم و التكلم عن حماسه لفترة التدريب هذه و أنه متأكد من نجاحهم.
و عند إنتهائه انخرط الجميع في عمله بينما مرر يوسف عيناه على مجموعته يبحث عن شخص معين توقع رؤيته و خاب ، فتنهد بإحباط و فكر بأنه حصل شيء جعلها لا تأت إلى الشركة.
غير أنه قد التمعت عيناه و شقت الإبتسامة وجهه بتلقائية عندما سمع صوتها يصدر من خلفه :
– مستر يوسف.

التفت إليها و كان مثل الجميع له نصيب من الدهشة لرؤيتها ، طالعها من أعلى لأسفل دون أن يظهر ذلك لكي لا تتضايق ، و تفاجأ حقا من التغير الذي طرأ عليها و لكن هذا كان أفضل.
انها تبدو أجمل بكثير في هذه الهيأة بدل شعرها المموج و ملابسها التي كانت تظهر إختلافها عن البقية ، على الأقل تبدو مريم الآن كفتاة تنتمي للمدن المتحظرة و بالتأكيد هيأتها الحالية أفضل مليون مرة من القديمة.

تنحنح يوسف و تقدم منها مبتسما :
– مدام مريم … I am really glad to have you with us … فرحت لما لقيتك هنا.

ابتسمت له بمجاملة فتابع مضيفا :
– ايه رايك في Translation Department ( قسم الترجمة ) ، اتعرفتي على سيستم التدريب ولا لسه.

تنهدت مريم و نفت بإستياء :
– لأ ملحقتش اعرف حاجة عنه لان عمار … عمار بيه طلبني لمكتبه اول ما دخلت.

هز رأسه متفهما ليقترح عليها بلطف :
– تمام ديه فرصة ليا عشان اعرفك على القسم لاني كمان لسه واصل و لقيت المتدربين بدأو في الشغل … تعالي معايا.

أشار لها بالتقدم فذهبت معه و كانت منبهرة بضخامة القسم الذي يعتبر دعامة أساسية لكل مؤسسة تسمح لها بالتواصل مع مختلف المؤسسات الأجنبية.
يعمل لدى الشركة فريق عمل كبير من المترجمين والمراجعين المتخصصين والمحررين الأجانب المقيمين بمصر وخارجها، ويتعاون مع القسم بعض أساتذة الجامعات المتخصصين في مجال الترجمة؛ لحل الإشكالات التي تواجه المترجمين، وإتاحة خدمة الاستشارات الفنية في مجال الترجمة المتخصصة.

تابع يوسف الشرح بالتفصيل حتى انتهى فشكرته و ذهبت تتخذ مكانها على كرسيها ، بينما ظل الآخر يطالعها من بعيد بإبتسامة إلى أن إستفاق من سكرته و همس :
– انت بتعمل ايه يا يوسف … اصحى مينفعش تعمل كده ديه … ديه مرات صاحبك !

___________________
ستوووب انتهى البارت.
عارفة ممكن تقولو ده مفيهوش احداث بس صدقوني كل حوار بيحصل هيبقى مهم للأحداث الجاية.
رايكم بتغير شكل مريم
رايكم فيه يا ترى هيحصل ايه بعد دخول مريم للشركة ، يا ترى وليد عنده حق لما حذر عمار من مريم ؟
ايه اخرة اعجاب يوسف بمرات صاحبه.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية نيران الغجرية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *