رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الفصل السادس والعشرون 26 بقلم آية محمد رفعت
رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الفصل السادس والعشرون 26 بقلم آية محمد رفعت
رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) البارت السادس والعشرون
رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الجزء السادس والعشرون
رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الحلقة السادسة والعشرون
ما أصعب هذا الشعور القاتل الذي أصابه في تلك اللحظة!، لوهلةٍ شعر بالكره والضغينة تجاهه… تجاه صديقه المقرب، ولكن ليس بيديه حيلة فيما يهاجم جسده وقلبه الجريح، فبالنهاية هو رجلاً قبل أن يكون زوجها، وكلمة رجل يا سادة مشتقة من الغيرة، فإن لم يغار على أهل بيته لم يستحقها، بعد عناء أطال معه لدقائق إستطاع”يحيى” أخيراً السيطرة على إنفعالاته، ثم رسم بسمة صغيرة مصطنعة وهو يسألها بهدوءٍ:
_ماله “آسر” يا “ماسة”؟
قالت بدموعٍ سبقتها بالحديث، وإصبعها يشير على الصور التي تجمعهما سوياً:
_” آسر” كان بيلعب مع “ماسة” على طول، ومكنش بيخلي حد يضربها أو يضايقها، أنا عايزاه يرجع..
اشتعلت مقلتيه بغضبٍ حاول السيطرة عليه، ولكنه فشل فخرج صوته حاد:
_يرجع إزاي يعني وأنتي مالك بيه!
خافت من نبرة صوته العالية ومع ذلك دبدبت بقدميها في الأرضٍ بطفولية وهي تبكي بصياحٍ منفعل:
_أنا عايزة آسر…. هو فين أنا عايزااااه..
كلما نطقت إسمه أمامه، كظم غيظه ولكنه يطرحه أرضاً لينتصر عليه، فلم يعد يحتمل سماع اسمه يردد على شفتيها، بالرغم من الحب والاحترام الذي يكنه إليه ولكنه بالنهاية لن يحتمل الكلام المسموع وخاصة إن كان على لسان زوجته!
نفث عن غضبه حينما جذبها من معصمها بالقوةٍ، ليخرجها أولاً من غرفة “آسر” ثم أغلق بابها ليصرخ بها بتعصبٍ شديد تشهده لأول مرة:
_أخر مرة أسمعك بتقولي الكلام ده والا هقطعلك لسانك فاهمـــــــــة؟
ارتعبت “ماسة” فبكت بخوفٍ، واستدارت تبحث عن ملجئ لحمايتها، فكان من المنصف لها حينما رأت “ريم” و”عمر”يسارعان للطابق الأعلى فور سماعهما صوت صراخه، فاقتربت ريم منه أولاً وهي تتساءل بقلقٍ:
_في أيه يا ابني؟
اختبأت “ماسة” بأحضانها وجسدها الهزيل يرتجف بشراهةٍ، فطبطبت عليها بحنان وهي تتطلع لعمر الذي اقترب منه متسائلاً بذهولٍ:
_أيه اللي حصل؟
تحولت نظرات “يحيى” تجاهه ثم قال بجفاءٍ قبل أن يختفي من أمامهما:
_أفضل إنك تسألها يا خالي..
وتركه وغادر من أمام عينيهما، فأخرجتها “ريم” من أحضانها، لتسألها بلهفةٍ:
_في أيه يا حبيبتي!
قالت بكلماتٍ غير منتظمة:
_”يحيى” وحش، زعق لماسة…. يحيى وحش….
ثم استكملت ببكاءٍ:
_أنا عايزة آسر هو فين؟…. آسر بيحب ماسة ومش بيزعقلها.
جحظت عين “ريم” في صدمة مما تفوهت به ابنتها، نعم عقلها عاد ليصغر خمسة عشر عاماً، ولكنها بمجتمع شرقي أصيل لن يتقبل حقيقة مرضها حتى يتقبل ما تقول، ستتهم بأبشع التهم التي قد تفتك بأي إمرأة، نقلت “ريم” نظراتها المصعوقة تجاه زوجها الذي إنسحب للاسفل، يلحق بزوج ابنته بعدما منحه الف عذر لعصبيته المتوقعة!
*********
بالأسفل…
جلس “يحيى” أرضاً، مستنداً بظهره على أحد الأشجار، يحاول بكافةٍ الطرق أن يخمد النيران التي التهمت قلبه، ولكنه كلما تذكر كلماتها عاد ليشعل فتيل الغضب من جديدٍ، فأغلق عينيه وسلم رأسه على أحد فروع الشجرة، محاولاً أن يشرد في لحظات الماضي المحمل بقصة حبهما ولكنه لم يستطيع حينما استمع لصوت أخيه الصغير يخرجه من دوامته حينما قال:
_أبيه “يحيى”، بدور عليك من الصبح عشان نتسابق على الخيل..
فتح عينيه على مهلٍ، وهو يجيبه دون طاقة:
_مش دلوقتي يا”طارق” بعدين..
لم يتقبل الصغير حديثه فقال بتصميمٍ:
_لا دلوقتي، أنا مصدقت أن ماما تخرج من البيت لأنها بتزعقلي لما أركب خيل..
خرج عن طور صمته وسكينته، فصاح به بحدةٍ:
_أنت مبتفهمش، قولتلك بعدين!
تجمعت الدموع بعين الصغير، وكاد بأن يبكي، فشعر بيدٍ تربت على كتفيه، فما أن استدار حتى وجد “عمر” يقف من خلفه، ليربت على ظهره بحنانٍ قبل أن يخبره:
_معلش يا حبيبي “يحيى” تعبان شوية لما يبقى كويس هيتسابق معاك وهيعلمك كل حاجة.
تقبل “طارق” ما قاله خاله، فغادر من أمامهما على الفور، أما “عمر” ففور مغادرته جلس جوار “يحيى” بصمتٍ طال لأكثر من نصف ساعة، ليقطعه يحيى حينما قال بارتباكٍ:
_أنا عارف إن حضرتك زعلان مني، بس صدقني غصب عني الموضوع صعب.
ابتسم “عمر”، فلم يود أن يبدأ هو بالحديث، تركه يبدأ هو عله يخرج ما بداخله، ليجيبه بثباتٍ:
_أنا مش زعلان منك يا يحيى، أنا راجل وفاهم كويس الا أنت حاسس بيه يا ابني..
ثم ربت بيديه على ساقه قبل أن يستعطفه:
_بس أنت المفروض تكون عرفت وفهمت حالة”ماسة” ، أنت كنت بتدافع عنها وجنبها فجأة تتقلب ضداها وتبقى عدواني فأكيد بالنسبالها هيبقى الموضوع صعب..
سيطر الحزن على معالمه، فاخرج “عمر” هاتفه ثم قربه من يحيى الذي تابع ما يفعله بفضولٍ، ففتح عمر المحادثة التي جمعته بالطبيب المختص بحالة “ماسة” ليرى رسالتين صوتية مرسلة اليه منذ دقيقتين بعدما أرسل له “عمر” رسالة مكتوبة بما حدث منذ قليل مع ابنته بالتفصيل، فحرر عمر زر أول تسجيل ليسمع يحيى صوت الطبيب وهو يقول
«اللي حصل مع ماسة ده طبيعي يا أستاذ عمر، لأن زي ما حضرتك قولت رجعت تعيش في البيت اللي قضت طفولتها فيه، يعني وارد انها بتستعيد كل ذكرياتها اللي متعلقة بطفولتها، ودي إشارة ممتازة جداً ، إن في أمل كبير إنها تستعيد ذكرياتها كاملة وتتخطى الحاجز النفسي اللي هي بتمر بيه، وأكيد ان في ذكريات بتربطبها بمكانٍ معين هتهاجمها، بمعنى إنها لما تدخل أوضة عاشت فيها قبل كده من الوارد انها تشوف بعض المشاهد اللي عاشتها، زي اللي حصل ليها لما دخلت اوضة ابن عمها ده…»
بدأت معالمه تترسخ قليلاً لتذكره ما حدث لها حينما ولجت لجناحهما الخاص، وخاصة حينما فتح “عمر” التسجيل الأخير:
«حالة ماسة صعبة مش سهلة يا استاذ عمر، ولو مكنش في معاملة خاصة ليها صدقني الحالة هتتكنس وهتخسر على الايجابيات والتطورات اللي وصلتلها، أنا عارف أن الموضوع صعب وخاصة انها تفتكر علاقة كانت سابقة ليها، بس ده الخيط اللي هتقدر بيه تفتكر اللي فاتها كله،عشان كده لازم الشخص ده يكون جنبها الفترة الجاية»
فور انتهاء التسجيل أغلق “عمر” الهاتف ثم تطلع ليحيى بقلة حيلة، فقال يحيى بضيقٍ شديد:
_يعني أيه!!
رد عليه “عمر” بحزنٍ:
_والله يا ابني مانا عارف…
نهض “يحيى” عن الأرض ثم ابتسم وهو يجيبه ساخراً:
_المفروض دلوقتي اني أخدها وأروح لآسر واقوله من فضلك خليك جنب مراتي!!!!… لا والمضحك كمان أن خطيبته اللي هتبقى مراته بكره هتسمح بده!!
وقف عمر هو الاخر ثم قال بلهجةٍ تحمل وجع عالم بأكمله:
_عندك حل تاني!
جز على أسنانه حتى كاد بكسرهما، فلكم جزع الشجرة بغضب أفتك بيديه التي نزفت الدماء، فاسرع عمر تجاهه ليمنعه من اعادة ما فعله وهو يصيح به بانفعالٍ:
_ده حل للي أنت فيه يعني!
تطلع تجاهه ثم قال بانكسارٍ:
_أهو أهون من الوجع اللي جوايا..
وتركه وغادر للأعلى، أما عمر فاتصل بفهد يقص عليه ما حدث…
**********
ازدادت ظلمة الليل ومازالت غافلة ، أما هو فكان يجلس على المقعد المقابل للفراش، يرتشف عصيره ببرودٍ، ليتأملها بنظرةٍ غامضة، يشرد بها تارة ويشرد بمخططه المحفز تارة أخرى، وجدها تتحرك بنومتها وتحرك ذراعيها يميناً ويساراً بتكاسل، حتى فتحت عينيها فوجدته يجلس جوارها، جحظت “روجينا” عينيها في صدمةٍ حقيقية، وهي تبحث عن هاتفها وتردد بخوفٍ:
_أنا لسه هنا!
وصرخت بهلعٍ وهي تتفحص ساعة هاتفها:
_ يا نهار أسود الساعة ١٠!
ونهضت سريعاً عن الفراش وعاتبته بعنفٍ وهي تبحث عن ملابسها:
_ازاي مش تصحيني يا “أيان”…الوقت إتاخر اوي بابا وآسر هنا مش في الصعيد هيبهدلوني دلوقتي..
ظلت نظراته الباردة تلاحقها، ليجيبها بثباتٍ:
_محبتش أزعجك… وبعدين الحل بسيط أوي قوليلهم كنت مع جوزي وأكيد محدش هيفتح بوقه بكلمة.
ارتدت حجابها سريعاً، وهي تجيبه بحدةٍ:
_ده وقت هزار ده…ربنا يستر وميكنش حد فيهم رجع البيت..
وهرولت لحقيبتها وكتبها تحملهما بإهمالٍ ثم قالت:
_أنا همشي دلوقتي..
تابعها برومادية عينيه ثم قال:
_تحبي أوصلك؟
أشارت له بالنفي وهي ترتدي حذائها:
_لا بلاش الله يكرمك مش ناقصة مشاكل مع” أحمد” زي المرة اللي فاتت..
أطبق بيديه على كوب العصير، فتهشم بين يديه، فشهقت فزعاً وهي ترى الدماء تنزف من يديه، فأسرعت تجاهه ثم قالت بلهفةٍ:
_أيه اللي عملته ده!
لف معصمه حول يدها التي تحاول رؤية يديه به، ثم قال بغضبٍ مميت:
_قولتلك الف مرة متتردديش إسمه قدامي تاني..
وهوى على وجهها بصفعةٍ قوية أسقطتها أرضاً أسفل قدميه، رفعت “روجينا” يدها لتتحسس خدها المتورم بصدمةٍ، فقالت ببكاءٍ:
_أنت بترفع إيدك عليا!
حدجها بنظرةٍ قاسية قبل أن ينحني ليجذبها تقف أمامه من جديد، ليحذرها بشراسةٍ:
_ومش بس كده هقطع لسانك لو جبتي سيرة الحيوان ده تاني، ولو سمحتيله يقربلك هقتلك وهشرب من دمك، سامعـــــــة!
ابتلعت ريقها الجاف بصعوبةٍ بالغة، فقالت بألمٍ:
_سيب ايدي..
وجذبت يدها منه ثم إنحنت تلملم أغراضها ببكاءٍ شديد، ونهضت عن الأرض لتغادر فوقف أمامها مجدداً، رفعت عينيها تجاه ما يعيق طريقها بخوفٍ، فما أن رفع يديه حتى ألقت كتبها وحقيبتها لتحمي وجهها منه، وجسدها يرتجف خوفاً، أبعد أيان يدها التي تحمي وجهها ثم قال بصرامةٍ:
_بصيلي..
إنصاعت لما قال، ورفعت وجهها تجاهه، فقال ببطءٍ علها تستوعب كلماته:
_أنا مش هتأسفلك والجو ده، لاني حذرتك مرة واتنين ومفيش تحذير تالت ليكي يا “روجينا” ياريت تكوني فهمتي كلامي…
لعقت شفتيها بخوفٍ شديد، وخاصة حينما ضيق عينيه بضيقٍ:
_مش سامع ردك!
تحرر لسانها المعقود لتجيبه بهمسٍ:
_حاضر..
قرب وجهه منها ثم قال من بين اصطكاك اسنانه:
_حاضر أيه؟
ارتعبت منه فقالت ببكاء:
_مش هتكلم عنه تاني..
ارتسمت بسمة رضا ونصر بما استمع اليه، فإنحنى ليجذب أغراضها الملقاة ثم وضعها بيدها وهو يشير إليها:
_كده تعجبيني… في أوبر تحت مستنياكِ… يالا عشان متتأخريش.
عملت منه الكتب وحقيبتها، ثم هرولت للأسفل بخطواتٍ سريعة..
********
بغرفة “يحيى”
القى بثقل جسده على الفراش، ليصفن بسقف الغرفة، ما يحدث له ليس بقليلٍ، بل هو مساوامة منصفة بين رجولته وقلبه، طال شروده ومازالت الحرب مشتعلة لا نصر بها ولا هزيمة، عقله وقلبه يحاربان باستماتةٍ، فخرج من تلك الحرب الدامية على صوت صرير مزعج يأتي ناحية الخزانة، فإشرأب بعنقه ليرى ماذا هناك؟
فوجدها تختبئ خلف الشماعة القصيرة التي يعلق عليها بعض الملابس، إبتسم رغماً عنه وهو يرآها تختبئ خلف شيئاً لا يخفي منها شيء، الا وجهها، جسدها ظاهر من حوله، فقال بابتسامته الجذابة:
_تعالي يا “ماسة”..
أدلت بوجهها من حلفه وهي تساءله بخوفٍ:
_خايفة…
أشار لصدره باستغرابٍ:
_مني أنا!
أومأت برأسها عدة مرات كإجابة صريحة على سؤاله، فسألها بابتسامةٍ ثابتة:
_ليه بس… أنا مش هعملك حاجة..
وضعت إصبعها على فمها تفكر بمصدقيةٍ حديثه، وحينما احترت بإجابة صريحة، قالت:
_يعني أنت مش هتقطعلي لساني زي ما قولت..
اتسعت إبتسامته وهو يرد عليها:
_لا يا روحي مش هعملك حاجة… تعالي..
ابتسمت حينما استمعت لما قال، ثم أسرعت بخطواتها تجاهه، فجعلها تجلس جواره، ثم مرر يديه على وجهها الملائكي وهو يردد:
_أنا عمري ما أعمل حاجة ممكن تأذيكي في يوم من الأيام، أنا عايش حياتي كلها مستني اللحظة اللي ترجعي فيها زي الأول، ده الأمل الوحيد اللي مخليني صابر ومستحمل فوق طاقتي..
ضيقت عينيها بعدم فهم لكلماته، ولكنها فهمت كلمة واحدة فقالت بحزنٍ:
_هو أنا لسه تعبانه يا” يحيى”؟
أطبق على شفتيه بقوةٍ، يحتمل الوجع الذي تسلل إليه بسؤالها هذا، فقرب رأسها ليضعها على صدره، ثم ضمها إليها وهو يردد بألمٍ:
_هتبقي كويسة يا روح قلب “يحيى”، هترجعي زي الأول وأحسن مهما كان التمن..
كلماته صرحت بانتصار قلبه بتلك الحرب الشرسة، ربما وجودها بذاك التوقيت كان بمثابةٍ داعم لقراره، فجذب هاتفه ثم ارسل برسالة لعمر بأن يرتب امور سفر”ماسة” معه بالغد…
*********
وقفت السيارة أمام مدخل العمارة، فهبطت “روجينا” ثم انحنت تجاه نافذة السائق لتمنحه الأجرة، فرفض تناول ما بيدها قائلاً:
_”أيان” باشا محاسب وبزيادة يا هانم..
وغادر بالسيارة من أمامها، فتأملت رحيله بنظرةٍ شاردة بزوجها الغامض هذا، ولكن لم يسعفها وقتها باعادة تدبير امورها المتعلقة به، بل هرولت للاعلى سريعاً قبل أن يتمكن أحداً من رؤيتها، فما ان وصلت للشقة حتى طرقت على الباب وعينيها تتفحص الباب المقابل لها، تخشى أن يفتح الباب أحداً من الشباب، ولكن صدمتها الحقيقة حينما وجدت “آسر” من يفتح باب الشقة، ليتطلع لها بنظرةٍ مخيفة اتبعها سؤاله الحازم:
_كنتي فين لحد دلوقتي؟
ابتلعت ريقها بصعوبةٍ شديدة ثم قالت:
_بعد ما طلعت من الكورس روحنا أنا وبنات أصحابي إتعشينا في مطعم بره..
ثم تابعت بقولها:
_أنا عارفة اني اتاخرت بس والله يا آسر صمموا اني أكل معاهم… حقك عليا.
احتدت نظراته، فأشار لها بالدخول أولاً، فما أن ولجت حتى استمعت لصوت والدتها والجميع بالداخل يجلسون بالصالون بصحبة والدة تسنيم وزوجة خالها، فراقب الجميع ما يحدث وخاصة حينما صاح بها منفعلاً:
_بس أنا منبه عليكي إنك تكوني هنا على ٨ بالكتير، مش عارف ليه دايماً بتكسري كلامي… أنتي مش هترجعي الا لما أعمل حاجة بعيدة عن طباعي..
صراخه جعل “راوية” تهرع اليهما، فتساءلت بذهولٍ:
_في أيه يا آسر بتزعق كده ليه؟
أشار لها بتعصبٍ:
_نبهتها ٩٠مرة مترجعش البيت متأخر بس هي ولا على بالها قاعدة مع صحابتها وبيتعشوا ولا هممها حاجة..
ضمتها رواية لصدرها وكأنها تحاول حمايتها من غضب ابنها، ثم قالت بتبريرٍ:
_معلش يا حبيبي، اديها بتهوي نفسها مع صحابتها..
اتنقلت نظراته تجاهها ثم رد عليها بهدوءٍ:
_يعني يا ماما صحابتها وحشنها اوي مهي طول النهار معاهم بالجامعة، ولو افترضنا انها عايزة تقعد معاهم في نهار للكلام ده مش بليل..
استعطفته قائلة:
_خلاص يا حبيبي مش هتعمل كده تاني، اهدى عشان خاطري الناس جوه مش عايزين حد يحس بينا..
هدأ من روعه ثم أشار لها بتحذيرٍ شرس:
_المرادي عشان ماما بس صدقيني لو كررتيها مرة تانية متلمويش الا نفسك..
هزت رأسها عدة مرات، فاصطحبتها رواية للداخل سريعاً…بينما ظل هو محله يراقبها بنظرةٍ غامضة..
*********
ما الذي أصابه؟ هل جن أم تخلى عنه عقله! لماذا يشعر بالغيرة الحارقة حينما تذكر إسم خطيبها أمامه مع إنه ابن عمها بنهاية الأمر؟ لماذا شعر بعدم رضا حينما رفع يديه عليها!
ألقى “أيان” المزهرية الموضوعة على الكومود المجاور له بعصبيةٍ بالغة، وهو يحاول إيجاد أجوابة مقنعة لأسئلته الغريبة، وحينما لم يجد وضع أمامه حديث خالته العالق بذهنه عما حدث لوالدته على يد هذا النذل، لذا عادت شعلة الإنتقام لتشعل نار من جديدٍ، ليردد بفحيحٍ صوته المختنق:
_قريب أوي هجيب رأسك تحت رجلي أنت وابنك يا “فهد”..
********
بغرفة”حور”
لم تغادر الابتسامة وجه “تسنيم” منذ عودتها، لأول مرة تشعر بطاقةٍ غريبة لمواجهة مخاويفها، نعم باتت على يقين بأن آسر هو سر قوتها الغريبة تلك، تأكدت بأنها على استعداد مواجهة الماضي والحاضر والمستقبل… نعم لأجله هو ستفعل كل شيء… ستتمسك به حتى أخر أنفاسها.. تريده قلباً وقالباً….
تذكرها لمواقفه النبيلة معها باتت تلاحقها حتى صباح اليوم التالي، نعم كان هذا الصباح مميز للغاية بالنسبةٍ إليها، اليوم سيعقد قرآنها لتصبح زوجته على سنة الله ورسوله الكريم (عليه أفضل الصلاة والسلام)، اليوم سيوضع إسمها جوار إسمه، ظلت بحالة الشرود تلك حتى انتهت “حور” من وضع بعض اللمسات التجملية على وجهها، فتطلعت لنفسها بنظرةٍ إعجاب وهي ترى نفسها بذلك الفستان الذي إختاره لها بنفسه.
فتحت والدتها باب الغرفة لتخبرها بحماسٍ:
_بابا وخالك وصلوا يا “تسنيم”..
رسمت ابتسامه تخفي بها توترها لمعرفتها بأنه هنا، ولنكن على صدق لما تكن حالة خوفها يشابه ما كانت تشعر به من قبل، الآن تشعر ببعض الارتياح لوجود” آسر” جوارها، حتى ولو لم يكن معها بنفس الغرفة، يكفي بأنه بنفس المنزل الذي يحويها أحد غرفه، خرجت “تسنيم” لتجد “تالين” و”حور”و”أحمد” يزنون الرواق وباقي الشقة استعدداداً لتلك المناسبة، حتى “روجينا” شغلت بعض المهرجنات الشعبية وهي تغمز لها قائلة:
_الف مبروك يا مرات اخوي..
ابتسمت على كلماتها الاخيرة ثم تحركت تجاه “رؤى” التي تشير إليها من خلف باب غرفتها لتجدها لا تعلم كيف تعقد حجابها الأبيض، فعاونتها بأرتدائه، وظلوا سوياً بالداخل لحين وصول المأذون لعقد القرآن..
********
في ذلك الوقت وصلت السيارات من الصعيد وكان “فهد” و”سليم” باستقبالهما، فما ان هبط عمر حتى أسرع ليقف أمام فهد، الذي ربت بيديه على كتفيه وهو يخبره:
_هتتحل يا واد عمي.
منحه ابتسامة صغيرة، ثم تحولت عينين على “إسر” الذي هبط للتو، لينضم إليهما، ففور أن رأته “ماسة” حتى شددت على يد “يحيى” وهي تشير إليه تجاهه:
_آسر أهو..
منحه “فهد” نظرة عرف مغزاها، فمنذ امس وهو يشدد عليه بمساعدة “يحيى” ولكن مع مرعاة التحفظ التام بينه وبين “ماسة”، حتى لا يستفز ابن عمته فإن كانت” ماسة” ليست بعقلها فهو رجلاً ويعي الصواب من الخطأ، لذا اقترب منها “آسر” ثم قال بابتسامةٍ هادئة:
_ازيك يا ماسة عاملة أيه؟
ضحكت بطفولية وهي تجيبه:
_حلوة… فين الباربي اللي قولتلي عليها، مش هتأخدني تجبهالي!.
رفع “آسر” نظراته تجاه “يحيى” ثم عاد ليتطلع إليها والجميع يراقب رد فعله، فقال بمكرٍ:
_ أنا للأسف النهاردة مشغول أوي… ولازم نلاقي حل سريع عشان ماسة متزعلش صح؟
ذمت شفتيها وهي تجيبه بحزنٍ:
_صح…
تابع بخبثٍ:
_ كده يبقى مفيش غير حل واحد..
قالت بلهفةٍ:
_أيه!
أشار بعينيه قائلاً:
_”يحيى” فاضي ومفيش وراه حاجة، أيه رأيك تروحي معاه وتجيبي الباربي وترجعوا بسرعة؟
اتسعت ابتسامتها ثم جذبت يد يحيى لتشير له بحماس:
_يلا يا يحيى بسرعة قبل ما المحل يقفل.
قال وهو يهم بالخطى خلفها:
_طيب حاضر، اهدي بس..
وعاونها على الصعود للسيارة ثم عاد ليقف أمام آسر، ليرفع يديه تجاهه بابتسامةٍ صافية:
_مبروك يا عريس .
تطلع ليديه بضيقٍ، فسحبها يحيى واحتضنها، ابتسم آسر ثم همس له جوار آذنيه:
_الكورة هرجعها لملعبك تاني..
فهم مغزى حديثه، فودعه بابتسامةٍ تنم عن ثقته الكبيرة به، ليغادر لسيارته مجدداً، وفور رحيلهما بالسيارة، اقترب منه “عمر” ليضم يديه لصدره ثم قال بدموعٍ لحقته:
_شهم طول عمرك يا ابني..
اجابه بحزنٍ على حاله:
_هتبقى كويسة والله يا عمي، بس أنت خليك قوي..
منحه ابتسامة صافية:
_عندي ثقة كبيرة في ربنا…
ضمه “فهد” ثم أشار له بحزمٍ يحوي المرح بين نبراته:
_هنقضيها احضان إياك.. ورانا يوم طويل يلا..
ضحك وهو يحمل حقيبته ثم صعدوا جميعاً للأعلى..
*******
انتهت “تالين” من لصق أخر بلون على سقف الردهة، فإشارت لها “حور” على البقعة الفارغة قائلة:
_حطي واحدة هنا كمان يا تالي..
قالت وهي تتأملها:
_بس دي بعيدة يا حور مش عارفة هطولها ولا أيه؟..
وحاولت الوصول لأخر حافة المنضدة المعدنية لتضع البلون الاخير، فانفلتت ساقيها عنه ثم تهاوت أرضاً في نفس اللحظة التي ولج بها “عبد الرحمن” بحقائب “ريم” للداخل، فتلقائياً ألقى ما بيديه ليلتقطها قبل أن تستقر أرضاً، فتحت عينيها الشبه مغلقة لتتأمل لماذا لم تشعر بألم احتكاكها بالأرض، فتورد وجهها حينما وجدته يتمسك بها، تطلعت إليه بتوترٍ ثم هبطت عن ذراعيه وهي تشير له بالبلون الذي بيدها:
_انا أسفة والله ما أقصد، دي حور كانت عايزاني أعلق البلونة هنا وانا آآآ…
انقطع حديثها حينما وجدته يتأملها بشرودٍ، فربما لم يستمع لكلماتها من الاساس، ولكنها تفاجئت به يجيبها:
_ولا يهمك… المهم إنك متأذتيش..
قالت على استحياءٍ:
_لا أنا كويسة… شكراً على مساعدتك..
وتركته وهرولت سريعاً للمطبخ و”حور” تتابعها بضحك لم يتركها الا حينما جذب “أحمد” البلون ليفرقعه برأسها وهو يصيح لها بمرحْ:
_فين اللزق!!! هقع من على السلم المريب ده وانتي في دنيا تانية، بتبصي على أيه؟
حكت رأسها وهي تردد بألم:
_آآه مش كده يا عم.. ما تقول ناوليني اللزق الله..
رفع حاجبيه بسخطٍ:
_انتي عارفة انا ناديت عليكي كام مرة..
القت “حور” اللصق والمقص أرضاً ثم جذبت “روجينا” التي تختار المهرجان المناسب لتشير له قائلة:
_أما انت بجح بصحيح خلاص خلي خطيبتك تقوم بطلباتك بقا..
وتركته وولجت للمطبخ لتعاونهما، أما هو فتابعها بنظرة ساهمة بها، ليشعر بضيق صدره في تلك اللحظات التي ساعدته بها “روجينا”، وكأنها سحبت الهواء المنعش برحيلها!
*******
انقضت الساعات سريعاً حتى أتت تلك اللحظة الحاسمة حينما جلست كل فتاة مقابل حبيبها، وبعد خطبة مطولة من المأذون وضع العقد أمام آسر ثم أشار له على المكان الصحيح للتوقيع، فمنحها نظرة تعمقت بجمال عينيها قبل ان يضع إسمه على الورقة، ثم مررها لها فختمت اسمها جوار اسمه بنفس الورقة، لتعود للتعلق بنظرة عينيه الدفئة، وكل هذا يحدث أمام نظرات ذاك اللعين الذي يتابع ما يحدث بتأففٍ شديد وكأنه يستكتر الزواج لإبنة أخته..
أما”رؤى” فما أن وضع المأذون العقد أمامها بعدما وقعه “بدر”، حتى سلطت نظراتها الباكية عليه، وكأنها تتردد بتوقيعها، فبداخلها تشعر بأنه يستحق امرأة أفضل منها، على الاقل ليست ملطخة، وما زادها ألماً حينما تابع المأذون بكلماته لخالد الذي ردد بقبول ابنته البكر الرشيد، توقفت عند تلك الكلمة وكأنها طعنت بألف خنجر، تعجب الجميع من بكائها وانتظارها الطويل بعدم توقيع العقد، حتى أن البعض بات يتساءل عما بها تلك العروس الباكية، ففهد قد حرص على عدم كشف سرها لأي أحد من أفراد العائلة، حتى من اكتشف الأمر القاه ببئر صعب أن يبوح بمكنوناته، مسد” خالد” على ظهر ابنته ثم قال:
_امضي يا حبيبتي..
رفعت عينيها الباكية تجاه “بدر”، الذي قرأ بوضوحٍ ما تشعر به بتلك اللحظة، فنهض عن مقعده تحت أنظار الجميع ليقترب منها، ثم جلس جوارها ليمسك يدها، وبأبهامه حركهما حركات دائرية برقةٍ حول يدها وهو يشير لها بحبٍ:
_وقعي يا ست البنات..
طيب جرحها ودواه بحرافيةٍ، وكأنه بتلك الكلمات المبهمة منحها تقديراً لها عما تعني بالنسبة له، فابتسمت من وسط دمعاتها لتسحب نظراتها عنه لتلك الورقة فوضعت اسمها جوار، ليعلن المأذون بأن الزواج قد تم على أكمل وجه، فما أن انتهى من ذلك حتى ضمها بدر أمامهما دون خشية من أحداً…
فما أن حدث ذلك حتى تطلعت”تسنيم” لمن يجلس جوارها بخوفٍ، فإبتسم وهو يهمس لها بمكرٍ:
_لا أنا عاقل..
ابتسمت بسعادة بددت حينما استكمل همسه:
_قدام الناس بس، لكن لما نكون وحدينا الله أعلم بقا..
لكزته بصدره بغيظٍ، فتعالت ضحكاته الرجولية، مما زاد حقن من يتابعهما..
قطع تلك اللحظات صوت “عبد الرحمن” المرتفع حينما أشار ليحيى وأحمد قائلاً:.
_الليلة دي عندنا يا شباب يلا…
لم يفهم أحداً مغزى الحديث سوى “آسر” وبدر، فتقدم “احمد” و”يحيى” لحمل الطاولات التي تحيط بكل ثنائي، ثم وضعوا فلاشة خاصة بالمهرجنات، ليتراقص “أحمد” مقابل “عبد الرحمن” الذي جذب “بدر”، أما” يحيى” فجذب “آسر”، لتنحصر الردهة برقصاتهم الرجولية، حتى أن” سليم” انضم اليهما ليمنح “آسر” عصاه فلواها بين يديه بحرافيةٍ، لم يكن المكان مرحباً بانضمام الفتيات أبداً، فجلست كلاً منهن تراقب محبوبها خلسة، حتى كونوا مكان خاص بهن بنهاية الردهة، ليشكلوا حلقة دائرية حول العروس، في حين أن الجميع يرى بعضه البعض، فلم يمنع ذاك الازدحام احتضان نظرات “آسر” لها، فكلما كانت تتطلع تجاهه كانت تجده يتطلع لها بابتسامةٍ سلبت عقلها قبل ان تفتك بقلبها، ولكن ترى هل ستظل الفرحة تحوم بها؟..
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء))