رواية نعيمي وجحيمها الفصل الحادي والستون 61 بقلم أمل نصر
رواية نعيمي وجحيمها الفصل الحادي والستون 61 بقلم أمل نصر
رواية نعيمي وجحيمها البارت الحادي والستون
رواية نعيمي وجحيمها الجزء الحادي والستون
رواية نعيمي وجحيمها الحلقة الحادية والستون
حينما يتوجع صدرك بالأحزان وتضيق عليك الأماكن، فابحث عن القلوب الطيبة؛ هي الوحيدة التي بيدها أن تحتويك وتخفف عنك، فما أحوجنا إلى فرد منهم في وحدتنا .
❈-❈-❈
في منزل صديقه القديم وبعد ان فاض به من كل شئ، قادته أقدامه إلى هنا، فربما دفء المشاعر الصادقة يهون عليه ما يشعر به الآن.
-مفاجاة حلوة اوي دي يا طارق، نورتنا يا حبيبي.
هتفت إليه أنيسة بكلمات تفيض بالمودة الصادقة بالفعل، فبرؤية طارق او جاسر الذي يأتي نادرًا نظرًا لمشاغله الكثيرة، ينتعش قلبها هي بتذكر فقيدها، براحة تسكنها انه مازال يحيا بقلوبهم مثلها.
طارق والذي كان يجاهد للتصرف بطبيعية معها، حاول الرد بابتسامة مصطنعة:
-الله يحفظك يا خالتي، هو انا غريب يعني عشان ترحبي بيا؟ دا انا صاحب بيت زي ما بيقولو.
ردت إليه أنيسة بتأكيد:
-طبعًا يا حبيبي، دا بيتك ومطرحك، ربنا ما يحرمني من دخلتك عليا، انت ولا جاسر كمان، دا انا بشوفتكم بتتردلي روحي وبحس انه حبيب قلبي لسة عايش ما بينا كمان.
قالت الأخيرة بنبرة باكية، لحقها طارق بفطنته كالعادة:
-لا لا بقولك ايه يا انيسة، مش عايزين بكا الله يخليكي، المرحوم جوا قلوبنا دايما بالفرحة، لأنه كان بيحب الفرح، ولا انتي نسيتي؟
نفت برأسها ومسحت بأبهامها الدمعة التي تساقطت سريعًا لترد مبتسمة:
-لا طبعًا ولا عمري هنسى….
قطعت بنتهيدة من العمق لتكمل بتأثر:
– دا كان طول الوقت ضحك وتنطيط، ولا بيزعل ولا وشه يكشر على أي حاجة، كان ابن موت زي ما بيقولوا، الله يرحمه بقى
ردد خلفها بالترحم على صديقه، ثم قال ليغير مجرى الحديث، ويخرج المراة من كاَبتها:
-مقولتليش بقى، البت اللي عاملة فيها عيانة دي، خفت ولا لسة؟
-عاملة فيها عيانة!
صاحت بها لينا من مدخل الغرفة، وقد أتت بالصدفة الآن، لتكمل وهي تلج بخطواتها لباقي الغرفة امام ابتسامة والدتها التي توقعت الشجار الاَتي بين الاثنان:
-يعني اكون عاملة عملية وقاطعين حتة من جسمي، وانت برضوا بتتصرف بأنانية رئيس العمل اللي ميهموش غير الإنجاز في عمله، حتى لو على حساب الموظفين الغلابة اللي زيي.
سمع طارق لمحاضرتها ليرد باستخفاف واستنكار:
-قطعوا حتة من جسمك؟! دي زايدة يا اما، انتي هتعيش عليا، ما انتي زي القرد اهو قدامي ياختي .
شهفت امامه تخمس بكفيها:
-الله اكبر ، الله اكبر، انتي هتجيب أجلي بعينك المدورة دي فيه ايه يا عم؟
هتف يرد بوجه عابس:
-في إيه انتي؟ اتعدلي يا بت، بتخمسي وتكبري على أساس اني هحسدك يعني؟ على ايه يا ختي بلا حسرة، خليني ساكت احسن
صاحت لينا بوالدتها:
-شايفة يا ماما، عمايل الظالم المفتري ده؟
ضحكت انيسة لترد وهي تنهض من جوارهم:
-حتى لو شايفة، برضوا مش هرد عليه، انا هروح اعمل حاجة سخنة نشربها، وانتوا ناقروا واخبطوا في روس بعض مع نفسكم.
قالتها وتحركت للخارج على الفور، فهتفت لينا من خلفها:
-ست جبانة .
اطلقت انيسة ضحكة عالية ولم تلتفت لها، وتكفل طارق بالرد:
-لمي نفسك ومتغلطيش ع الست الطيبة، بدل ماجيب حقها بجزا محترم تاخديه في الشغل عندي .
شهقت مستنكرة:
-عايز تنقص من مرتبي عشان هزار خفيف مع أمي هنا في البيت؟
اجاب طارق بامتعاض:
– عشان عارفك مادية حقيرة، والقرش بس هو اللي بيجيب النتيجة دوغري معاكِ .
قضمت على شفتيها تغمغم بغيظ وهي تدعي الزوق:
– الله يسامحك، مش هرد عليك عشان انا مؤدبة.
-مؤدبة اوي .
قالها ساخرًا بابتسامة لم تصل لعينيه، استدركت لينا لحالته الغريبة في ادعاء المزاح، بوجه متغير، لتفاجأه بسؤالها:
هو انت زعلان عشان كاميليا هتتجوز؟
رد بخشونة:
– انتي ليه بتقولي كدة؟ حد قالك ان في ما بينا حاجة مثلًا؟
اجابته بكل سهولة:
-لا طبعا محدش قالي، بس انت أي حد يشوفك جمبها هيعرف قد ايه انت بتحبها، وهي كمان نظرتها ليك، بتفضح قوي اللي جواها.
سمع منها طارق ليغمض عينيه بتعب فكلماتها كانت تزيد من عذابه بتأكيد ما يشعر به ويعلمه جيدًا بداخله، فتمكن من الرد اَخيرًا:
-تحبني او تكرهني بقى، هي اختارت بعقلها اللي شايفاه يناسب، يعني خلاص.
– معقولة، يعني هي تكون بتحبك وتختار غيرك؟
قالتها لينا بعدم استيعاب، ليزيد هو بقوله:
-دي بعتتلي دعوة الفرح مع خطيبها.
ردت لينا بغضب:
– ياه لدرجادي هي قلبها قاسي، طب وانت هتعمل أيه؟
اجابها بتحدي:
هحضر طبعًا، مش هي عايزة كدة، انا بقى هوريها إن ميهمنيش.
قالها واحتدت عينيه بنظرة قاسية في الفراغ أمامه، وكأنه يرى صورتها الآن، صمتت قليلًا لينا تأثرًا لحالته، قبل ان تقول اَخيرًا:
-انا حاسة قوي بيك، لاني بحب وعارفة، والنعمة لو نيازي عملها لكون فاتحة كرشة هو وعروسته في فرحهم، ولا يهمني من حد.
خرج من شروده على كلماتها ليطالعها بنظرة غريبة قبل ان يرد عليها:
– دا مين دا اللي هتفتحي كرشه؟ انتي بتغيري على الواد ابو فروة ده؟
هتفت غاضبة بوجهه:
– متقولش عليه ابو فروة، نيازي جميل على فكرة، وانا عجبني كدة.
كز على أسنانه ليهتف بها:
-مين اللي عاجبك عشان شكله الجميل؟ انتي بتتكلمي على الواد العبيط ده؟ غوري يا بت من وشي متخلنيش اتعصب عليكي.
صاحت هي بدورها:
– انا قاعدة في بيتنا على فكرة يعني مينفعش تطردني؟
تناول إحدى الوسادات يرفعها امامها بتهديد:
– طب اخفي من قدامي في أي أوضة هنا، انا عفاريت الدنيا بتنطط في وشي دلوقتي يا لينا.
تخصرت بتحدي صائحة:
– طب مش متحركة من مكاني يا طارق ها.
لوح بكفيه في الهواء امامها يريد خنــ قها، فرأسها العنيد دائمًا ما يذكره بالآخرى، ولكنه انتبه على الضحكة العالية لأنيسة وهي تعود إليهم بصنية الحلويات والمشروب الساخن متمتمة:
-مفيش فايدة فيكم، عاملين زي ناقر ونقير، يعني حرام تبقوا عاقلين في الدقايق اللي اغيبها عنكم .
تناول طارق احد أطباق الحلويات سريعًا، يغمغم بضيق قبل يتناول منها:
-بت مستفزة، دايما تعصبني.
ردت من خلفه مستنكرة وهي تتطلع اليه وهو يتناول في قطع الكيك بشهية:
– لا وانت اسم عليك باين عليك زعلان اوي؟
رمقها بنظرة غاضبة فسبقته أنيسة في الرد بعفويتها:
-بس يا بت متبصيش لاخوكي، كل يا حبيبي وميهمكش منها.
خطف طارق نظرة سريعة نحو لينا المحتقنة منه، ليغمغم لأنيسة:
-تسلم ايدك يا سوسو، الكيكة حلوة اوي .
– بالهنا والشفا يا حبيبي.
قالتها انيسة لتزيد من غضب ابنتها التي دائمًا ما ينتابها غيظ طفولي من اتفاقهم الدائم عليها.
❈-❈-❈
– مكنتش متخيل اني هنبسط اوي كدة النهاردة.
قالها كارم هامسًا بجوار أذنها القريبة من رأسه وهو يراقصها على انغام اغنية رومانسية انطلقت في فقرة مخصصة للعروسين وبعض الازواج او العشاق والمخطوبين، ردت كاميليا هامسة هي الأخرى:
– وانا كمان مكنتش اتوقع انك هتيجي من الأساس
اجاب مقربًا رأسه منها في الأمام:
– ما انا فعلا مكنتش عايز اجي عشان العريس دا اللي معرفوش، بس لما افتركت ان انتي هتحضري فضيت نفسي مخصوص وجيت متأخر زي ما شوفتي كدة، انا عايزة ماسبكيش لحظة لحد اما يجي ميعاد فرحنا اللي بعد ايام ده، متتخيليش انا منتظرهم على شوق ازاي؟
أومأت تسبل أهدابها عنه مبتسمة بصمت رغم شعورها بعدم الارتياح للمسات كفه على ظهرها، مدعية التجاهل، والذي كان يصله هو كتجاوب ليزيد بضمه لها وهمساته مع تمايلهم على النغمات الهادئة:
-كاميليا انتي ساكته ليه ومبتروديش؟
سألها لترفع رأسها إليه، فتجيبه وهي تقابله بالنظر بخاصتيه:
-ما انا مستمعتة بالجو الرومانسي بتاع الاغنية، ودا يغني عن الكلام اساسًا.
تطلع إليها صامتًا لعدة لحظات بنظرات غامضة، لم تفهم مغزاها إلا عندما اقترب برأسه ليهمس بجوار اذنها بصوت مغوي:
-واللمسة تغني أكتر، بكرة لما يجي ميعادنا هخليكي تعرفي الحكاية دي كويس، ولو حابة…. نروح من دلوقتي عشان بصراحة بقى انا نفسي بجد.
كتمت شهقة بداخلها لتخفي هذه القشعريرة التي سرت مع همسته، لتجده عاد بالنظر إلى عينيها مرة أخرى يردف برجاء:
-إيه رأيك لو نروح دلوقتي، وانا هخليها لمسات بس عشان انسيكي بيها اللمسات اللي فاتت.
جاهدت لاغتصاب ابتسامة وهي تجيبه بتماسك مزيف:
-فيه أيه يا كارم؟ دي كلها أيام قليلة بس اللي فاضلة على ميعادنا، مش قادر تصبر يعني؟
-بصراحة لأ
قالها وتنهد بقوة ليردف وهو يزيد بضمها إليه:
-بس عشان خاطرك استنى.
صمتت تدعي التقبل وهي تكتم انفاس الإعتراض بداخلها مع كل ما يقوم به للفت انظار الجميع نحوهما، متعمدًا اظهار انسجامهم كعاشقين، مشهد اثار استياء جاسر الذي كان يراقبهم من محله ونيران من الغضب تشتعل بداخله منهما، حتى انعكس عليه الغضب نحو زهرة التي كانت تراعي ميدو الصغير وتقوم بأطعامه بجوارها، ليُجفلها بجذبها من ذراعها فجأة:
-في إيه يا جاسر؟
سألته مستغربة هيئته الغاضبة، لتجده اقترب منها يهدر بنظرة مخيفة كازًا على أسنانه:
-سيبي الواد ده وانتبهيلي شوية .
أومات له بخوف قبل ان تذهب لميدو تحدثه بمرح:
– ميدو يا حبيبي ايه رأيك تقعد هنا ما تتحركش من مكانك على اما اشوف عمو عايز ايه؟ ولا اقولك تقعد شوية مع البت صفية وخواتي الصغيرين احسن؟
– هقعد مع صفية والعب مع البنات.
قالها ميدو وذهب على الفور نحو المذكورة لتستقبله مرحبة بالقبلات، فلاحقتها زهرة بقولها:
– خلي بالك منه يا صفية.
اومات لها الأخرى بالموافقة، ليزداد احتقان جاسر في الهتاف بها:
– في إيه يا زهرة ؟ ما تعمليلوا baby sitter احسن.
اشارت إليه ليُخفض صوته ثم ردت بهدوء:
-إهدي شوية، ليه العصبية دي؟ الناس هتاخد بالها مننا .
هم ليعلوا بصوته ولكن تدارك لما قالته، فهمس بغيظ:
– ما انتي بصراحة تحرفي الدم، قعدالي تدلعي وتراعي في اللي اسمه ميدو ده واخواته قاعدين في الفرح على كيفهم، واحدة مهيصة مع أصحابها والتانية عملالي فيها رومانسيات مع خطيبها.
ردت بلهجة معاتبة:
-طب وفيها إيه يا جاسر لما اراعيه؟ اعتبرني بدرب نفسي يا سيدي عشان البيبي اللي جاي، ثم إن اخواته اللي انت بتعلق عليهم دول يعني مالهم؟ ماهي واحدة عايشة سنها في الهزار مع أصحابها والتانية بترقص مع خطيبها…
– واحنا بقى عواجيز الفرح، اللي قاعدين لمراعية الأطفال.
قالها بمقاطعة أجفلتها، فردت بابتسامة مستترة:
-إيه يا جاسر؟ دي مش طبيعتك على فكرة، هو انت إيه اللي معصبك بالظبط؟
أجابها على الفور بانفعال:
-مش معبراني، سيباني من اول الفرح، مرة مع ستك تهزروا وتتودودو، ومرة تانية مع العيل ده اخو السنيورة اللي منسجمة مع خطيبها، ولا اكنها على علاقة معاه بقالها سنين.
ذهبت بعينيها زهرة نحو ما يرمي إليه ثم عادت تحدثه بمهادنة:
-طب يا حبيبي سيبك انت منهم دول ومتزعلش نفسك، وقولي بقى ايه يرضيك؟
-نرقص.
-نعم .
كرر بلهجة اشد تصميمًا:
-بقولك قومي معايا دلوقتي، نقوم نرقص رومانسي زي الناس دي فاهمة ولا لأ؟
سألته ببعض الحرج:
-طب والبيبي يا جاسر، وشكلي وانا حامل كدة، دا مفيهوش أي نوع من الرومانسية يعني عشان تبقى عارف.
نهض يتناول كفها يقول بإصرار:
-مالكيش دعوة بحد، انا عايزك كدة، قومي يالا .
انصاعت تستجيب لمطلبه على مضض لخجلها، فتحولت لضحكة مرحة، حينما توقفت الاغنية وانتهت الفقرة، لتهتف ببلاهة:
– الأغنية وقفت.
– هشغل غيرها .
-قالها وتحرك على الفور من جوارها، دون ان تعلم وجهته وسط الزحام، ثم تفاجأت بهتاف مقدم الحفل:
-طب يا جماعة الفقرة هتبقى رومانسية برضوا، لكن هتبقى خاصة بجاسر باشا الريان ومراته بس
قالها الرجل مشددًا على كلمته الاخيرة لتتحول جميع الرؤس نحوها، وتزداد هي حرجًا مع مشهده وهو يقترب منها ليتناول كفها ويتحرك بها نحو الساحة التي
توسطت القاعة ليلف ذراعه نحوها ويراقصها، فاقتربت هي من رأسه لتهتف بخجل شديد:
-دي عملة برضوا تعملها فيا يا جاسر؟ حرام عليك الناس كلها بتبص علينا .
كتم ضحكته بصعوبة ليرد عليها بحزم:
-ومدام عارفة ان الناس كلها بتبص علينا، يبقى اندمجي كدة وانسجمي معايا، وياريت تخلي الناس كلها تشوف ابتسامتك، ابتسمي ياللا.
حاولت ان تفعل كما أمرها، ولكن ومع شعورها بالنظرات المصوبة نحوهم، عادت إليه بنبرة باكية:
– مش مسامحاك عليها دي يا جاسر، وربنا ما مسحاك.
لم يقوى بعد ذلك كتم ضحكته المجلجلة ليخبئ رأسها في كتفه، مرددًا:
-معلش هبقى اصالحك بعدين.
استمرت الفقرة بالرقص الهادي للاثنين، بعد ان سرقا الأضواء عن الجميع، واختلفت النظرات الموجهة نحوهم، ما بين حاسدة، ومعجبة، ومشبعة بالحب من الأحباب، مع بعض الهمزات واللمزات الخبيثة.
وفي الجانب الاَخر، كانت غادة مازالت واقفة مع إمام، حتى شردت مع نظرة جاسر والذي كان معروفًا لديها كمدير شركتها الصارم والمتجهم الوجه دائمًا، يحتوي زوجته الاَن ويراقصها بفرحة تبدوا ظاهرة على وجهه دون خجل من هيئتها كامرأة حامل، وهي تبدوا بخجلها المعروف، تخبئ رأسها بحلته وكأنها تحتمي به من عيون الجميع حولها، زهرة والتي دائمًا ما كان ينتابها الغيظ منها ومن إدعائها التواضع كما كانت تظن، وتتهمها انها قليلة الطموح بفكر ضعيف، تراها اليوم امرأة أخرى، قواها العشق، بعد أن من الله عليها به دون سعي منها او جهد
استفافت من شرودها على نداء إمام بإسمها، فالتفت إليه بأعين متسائلة، فوجدته يسألها بقلق
-سرحانة في إيه يا غادة؟
حركت كتفيها تجيبه:
-عادي يعني متخدتش في بالك انت.
رد بحدة واضعًا كفيه في جيبي بنطاله:
-ازاي يعني مخدتش بالي وانت عينك متشالتش من ع الباشا ولا مراته.
تطلعت لملامحه الخشنة وقد زاد عليها جمود هيئته وهذه النظرة التي تطل من عينيه، ليصلها مغزي ما يرمي إليه، فردت بشبه ابتسامة:
– مش اللي في بالك يا إمام، أنا خلاص عقلت ومعدتش بفكر في اللي بيدور دماغك انت دلوقت.
لم يجيبها ولكن ظل صامتًا يطالعها بنظرة متشككة، فتابعت هي له بنبرة صادقة وقد تكتفت بذراعيها:
-عارفة ان عندك حق أنك متصدقش، وعلى فكرة، انا نفسي مكنتش اتخيل إن يجي عليا اليوم واكلمك بالعقل ده، من غير ما يستفزني منظر بنت خالي وهي بترقص مع جوزها الباشا الكبير… بس هقولك على حاجة يا إمام ودي لا يمكن تشك فيها، انا بنت بلد وامي على قد قسوتها وتفكيرها الغلط، لكن اهم حاجة زرعتها فيا، هي ان شرف الواحدة مننا غالي أوي وميتعوضتش ولو بكنوز الدنيا، شوف انت بقى، لو مكنتش انقذتني وربنا ماردتش بستري في ليلتها، كان هيبقى إيه إحساسي لما اصحى الصبح والاقي نفسي…..
أوقفت فجأة لتقضم شفتها السفلى وتحتجز دمعة على وشك الظهور، لتردف:
-انا لو قعدت عمري كله اوفي جميلك مش هعرف يا إمام، الإنسان مبيحسش بطعم الحياة غير لما يبقى على وشك إنه يفقدها، انا بقى معرفتش قيمة نفسي غير بعد ما حسيت بفضل ربنا عليا لما نجاني قبل ما أضيع:
تبسم لها إمام رافعًا حاحجبه ليردد بإعجاب:
-شاطرة يا غادة،اهو انا اتأكدت دلوقتي بس انك عقلتي، لما قولت عن قيمة نفسك، عشان فعلا انتي غالية، وغالية عند اللي يصونك.
صمت قليلًا يحاول السيطرة على لسانه، وعدم التهور، ويبدوا انها فهمته لذلك فاجئته بقولها:
-لو عايز تتجوزني قول، لأن إن كان عليا أنا موافقة.
رد يسألها بذهول:
-اتتي بتتكلمي جد يا غادة؟
-والله بتكلم جد، بس انا عندي مشكلة صعبة اوي.
قالتها والتفت عيناه هو نحو ما تنظر إليه، ليتفاجأ بنظرة إحسان النارية المسلطة عليهم، فعلم ما تقصده على الفور.
❈-❈-❈
بعد انتهاء الحفل وفي شقتهم الجديدة وقد فضلا قضاء اول ليلة بها، ثم السفر صباحًا لقضاء شهر العسل في إحدى المدن الساحلية، وبتصرف حامل المسؤلية دائمًا لم يقوى على تجاهل الاتصال بوالدته والاطمئنان عليها بنفسه، والتي سوف تقضي هذه الأيام مع سمية وبناتها، نظرًا لصلة القرابة التي تجمعها مع محروس والد زهرة:
-ايوة يا أمي، يعني انتي كدة تمام ومش ناقصك حاجة؟….. يا ستي بطمن عليكي حرام يعني…… بلاش قباحة يا رقية، عيب عليكي انت ستة كبيرة وبطلي ضحك بقى الله يرضى عنك……. تاني يا أمي، برضوا بتضحكي، طب اقفلي بقى عشان انا مش فاضيلك اساسًا….. ماشي يا ستي كملي ضحك براحتك.
اغلق الهاتف يغمغم بالكلمات الحانقة على والدته والتي لا تمل من مشاكسته حتى في يوم كهذا، استدار بجسده ليلتف نحو غرفته، فتسمر بوقفته، وقد تعلقت عينيه على من تتصدر على مدخلها، وهي ترتدي مئزرها الأبيض الشفاف، ليُظهر ما ترديه من منامة قصيرة بالأسفل وما دونها أيضًا بسخاء، شعرها البني الرائع اطلقته بحرية، وابتسامة وجهها الصبوح تزيدها روعة وهي تخاطبه بدلال:
-أطمنت بقى على خالتو رقية؟
ضحك يردد خلفها بمكر:
– اه اطمنت على خالتو رقية، ودماغي دلوقتي بقت فاضيية من أي حاجة تشغلها.
ردت بابتسامة ازدادت اتساعًا:
-طب كويس، عشان انا كمان كدة اطمنت .
– يا جمالو.
قالها ثم صفق بكفيه ليقول بمرح وهو يقترب منها:
-يا ما شاء الله ع السرعة، مسافة الوقت اللي انا كلمت فيه والدتي، الأستاذة لحقت تغير فستانها وتلبس كمان اا….. دا عشان الحر صح؟
قهقهت ضاحكة لتجيبه وهي تلوح بكفيها:
-اه فعلًا دا الجو حر قوي.
– يا شيخة!
تفوه بها ثم لف ذراعيه ليضمها بقوة واشتياق سنوات كثيرة مرت في معايشة هذا الحلم الذي طال انتظاره، وهي لم تكن اقل منه، لفت ذراعيها حوله مشددة هي الأخرى، وزادت بقبلة على وجنته جعلته يلتف برأسهِ إليها، يخاطبها بإجفال:
-ايه دا يا أستاذة؟ انتي اللي بتسبقي برضوا؟
ردت تجيبه باقتناع:
-مش انت حلالي، يبقى خلاص بقى هتكسف من إيه؟
طالعها بذهول صامتًا للحظات قليلة قبل ان يفاجئها برفعها من أسفل ركبيتها ليحملها بين ذراعيه، شهقت هي من فعلته، فرد هو متبسمًا بمرح:
-مش انتي جيبتي سيرة الحلال، يبقى نخش بقى بقلب جامد، مش كدة ولا أيه؟
اومأت براسها له تضحك بمرح، ليكمل هو بابتهاجه نحو غرفتهم مرددًا بالمزاح الذي جعلها تقهقه من جديد:
-توكلنا على الله.
❈-❈-❈
بعد عدة أيام قليلة
كان الميعاد المنتظر لحفل الزفاف الفاخر بمدعويه والأشياء التي اعدها كارم به لأبهار الجميع، حتى يصبح هذا الحفل كما خطط له سابقًا، حديث الناس لأيام قادمة.
بغرفتها وبعد أن تزينت وارتدت الفستان الأبيض الذي أتت به من ارقى دور الازياء الباريسية كما اشترطت عليه من قبل، لتبدوا بالفعل كالأميرات، وجمالها الساحر يفتن كل من يراها، كانت تطالع هيئتها في المراَة بعد ان انتهت من كل شئ واصبحت جاهزة.
– ها أيه رأيكم بقى الفستان لايق عليا؟
قالتها مخاطبة الفتيات من خلفها، شقيقتها وغادة ومعهن زهرة التي ردت بأعين يملأها الحب:
-انتي قمر اصلا والفستان وكأنه مرسوم عليكي…
صمتت قليلًا ثم أكملت بمغزى:
– بس الاهم انك تبقى انتي مرتاحة فيه.
بادلتها ابتسامة صامتة ولم تُجيب، فتدخلت غادة تقول بانبهار:
-جملية اوي يا كاميليا، تقولي للقمر قوم وانا اقعد مطرحك.
ردت إليها بابتسامة ودودة:
-تسلميلي يا غدود ربنا ميحرمني منك، عقبالك .
هتفت غادة مهللة:
-ايوة والنبي ركزي عليها دي، دا انا خلاص فاض بيا يا جدعان، ونفسي ابقى عروسة بقى، ادعولي ربنا يهدي العاصي.
مازحتها كاميليا:
– ياولد دا شكل الحكاية فيها إن وحوارات، ايه يا غدود؟
اعترضت غادة بصوت ضاحك:
-ما انا قولت ربنا يهدي العاصي، هو انا لازم افسر يعني، انتوا بس ادعولي بالتساهيل.
-يا ستي ربنا يسهلك
قالتها كاميليا قبل ان تفاجأ بقول شقيقتها رباب التي تحدثت بمرح:
-تجنني تجنني يا احلى اخت في الدنيا، انا لازم النهاردة اتصيت على حسابك، عشان الناس كلها تعرف ان اختي قمر، تعالي هنا، قالتها وهي تقترب منها بالهاتف وتوجه الكاميرا نحوهما.
تبسمت لها كاميليا باضطراب وهي تقبل التصوير معها للحظات قليلة قبل ان تزيح الهاتف، وتقول لها:
-تمام بس متنزليش أي حاجة دلوقتي، غير بعد الفرح ما ينتهي.
ردت رباب هاتفة باعتراض:
-وليه بقى التأخير؟ دا انا عايز انزل دلوقتي حالًا في الإستوري، ولما يبتدي الفرح بجد، انزل بقى في الفيدوهات، وان شالله حتي اعمل بث مباشر، انا عايزة كل البنات في الكلية يشاورو عليا بصفتي أخت العروسة صاحبة الفرح اللي يجنن ده.
صمتت كاميليا بملامح واجمة فكلمات شقيقتها التي تلقيها بمرح ولا تلقي لها بالًا، كانت تزيد من عبء ما لا تُطيق حمله، تدخلت زهرة لتُنقذ الموقف:
-ما تسمعي كلام اختك يا رباب، ولا انتي عايزة حد ينشها عين يجيب أجلها لا قدر الله في عز فرحتها.
رددت خلفها رباب بارتياع:
-ينشها عين! قصدك تتحسد يعني؟ يانهار اسود .
استغلت زهرة لتزيد بقولها:
-اه طبعًا ولا انتي فاكراني بهزر كمان في الحاجات دي؟
اهدي يا قلبي وسيبي كل حاجة تيجي لوقتها.
بدا على وجه رباب الاقتناع وانعكس ذلك على كاميليا ببعض الارتياح، أما غادة فعقبت مستنكرة لزهرة:
-ينشها عين! دي كلمة تقولها مرات راجل له قيمته زي جاسر الريان، هو انتي يا بنت انتي مش ناوية تتقدمي أبدًا؟ بقى دي لغة واحدة جوزها رجل اعمال؟
ردت مستجيبة للمزاح:
-ولا حتى زوجة كمسري، انا كدة يا بنتي، دي لغتي وانا فخورة بيها، حد له عندي اعتراض؟
– لا طبعًا يا أختي خدي راحتك.
قالتها كاميليا لتشارك معهن المزاح، وتدخلت أيضًا رباب ليتبادلن الضحكات والأحاديث المرحة حتى سمعن طرق الباب، قبل ان تلج منه والدة كارم ومعها بعض الفتيات من عائلتهم، فهللت لها المراة بمرح:
-بسم الله ماشاء الله، أيه الحلاوة دي، تجنن يا بنات، ولا إيه رأيكم؟
قالتها المرأة وانطلقت اصوات الفتيات والنساء بكلمات الإعجاب نحو كاميليا وهي تدعي الاستجابة لهم، حتى دلف إليهن كارم، بهيئته المبالغ فيها في الأناقة لينتشر الهرج وتتبعهما كاميرات الهواتف، حتى احتضنها لتبدوا الصورة ما أجملها، قبل أن يقبلها على جبهتها ويتناول ذراعها ويخرج بها، خرجت الفتيات من أقاربه ومعهن والدته وشقيقتها، فلم يظل سوى زهرة ومعها غادة التي سألتها على الفور:
-هما كدة على طول نازلين؟ مش برضو لسة الوقت بدري ع الفرح؟
أجابتها زهرة:
– دول رايحين يعملوا سيشن في الفندق هنا، وبعدها هترجع تاني هنا ع الاوضة، روحي انتي حصليهم انا مش هقدر امشي وراهم عشان ظروفي.
فهمت غادة ما تلمح به زهرة عن حملها، فهمهت بالدعوات قبل أن تستأذنها بعجالة:
-حبيبتي ربنا يقومك بالسلامة يارب، ارتاحي انتي، وانا هخرج بسرعة بقى عشان احصلهم واشوف الحاجات العليوي دي بقى .
ضحكت لها زهرة وهي تتابعها حتى خرجت، لتخلو الغرفة بعد ذلك عليها وحدها.
❈-❈-❈
– يا بني قولتلك مكنش لازم تيجي خالص النهاردة .
هتف بها جاسر نحو صديقه الذي دلف معه داخل القاعة الفخمة بعد أن أصر على أن يحضر معه، فرد طارق وعينيه تجول في المكان وعلى هذه الأشياء المبالغ فيها:
– متحاولش معايا يا جاسر، انا مصمم اني افوق من الوهم اللي عايش فيه، ودا مش هيحصل غير لو دوست على قلبي أو كويته بالنار، واظن ان مافيش اقوى من كدة كوي
زفر جاسر يحرك رأسه بقنوط، من وضع صديقه ومن وضع هذه المجنونة التي قبلت بغيره، انتبه على رؤية كارم وهو يترك مجموعة من الرجال الذين تبدوا على وجههم صرامة الرتب العالية، وأقترب بابتسامته ليصافح جاسر الذي هنأه على مضض، ثم ازداد اتساع ابتسامته وهو يصافح الاَخر:
– طارق باشا، نورت الفرح، بجد أسعدتني بمجيتك.
رد طارق يهنئه بتماسك يحسد عليه:
-انا اللي اسعد، الف مبروك.
رد كارم:
– الله يبارك فيك عقبالك.
أهداه طارق ابتسامة صفراء، ولحق جاسر حتى لا يخرج الأمر عن السيطرة:
-طب نسيبك احنا تستقبل بقية المعازيم، يالا بينا طارق.
قالها وسحب المذكور من ذراعه نحو أحد الطالاوت الكبيرة ليجلس عليها معه، رد طارق بحريق اشتعل بصدره:
-الواد دا مستفز جدًا يا جاسر، متعمد يحسسني ان في ما بيني وما بينه طار بايت، مش عارف انا ايه حكايته معايا.
رد جاسر بحزم:
-انا نبهت عليك من الاول متجيش، لكن انت اللي مصر تعذب نفسك، انا بقول بقى نص ساعة كفاية عليك وتروح.
حرك طارق رأسه بالنفي قائلًا بإصرار:
-انا مش متحرك من هنا، غير بعد ما اشوفها واحط عيني في عينها وانا بباركلها عشان تعرف ان انا كمان بايع مش هي بس.
التوى ثغر جاسر ليعقب على قوله بعدم رضا:
-وهتستفيد إيه يعني بعدها؟ غير ان عذابك هيزيد؟ بصراحة انا قرفت منكم انتو الاتنين، ومشتفش حد في غباءكم.
بشبه ابتسامة ادعاها طارق، رد وهو يطوف بعينيه على أرجاء القاعة:
– بس ايه الجنان ده؟ الواد ده مجنون بالمظاهر.
انتبه جاسر لما يشير إليه صديقه وعقب هو الاَخر بدهشة:
-دا حقيقي على فكرة، من زمان وانا اعرف عنه الصفة دي، بس مكنتش متخيل أنها للدرجاي
❈-❈-❈
في الجزء الاَخر من الحفل، تسمر الرجل محله يتطلع على شاشة هاتفه بعدم تصديق، من وقت أن جائته هذه الرسالة منذ دقائق، وهو كالتائه، يعيد ويكرر القراءة، ويتطلع بالرقم جيدًا فهذا رقم ابنته، والرسالة منها كما تخاطبه، إذن كيف يمكنه ان يستوعب هذا؟
-أيه يا عمي؟ مش كفاية كدة بقى، عشان تطلع للعروسة على اتفاقنا، ولا اطلع اجيبها انا ولا إيه؟
هتف كارم فور وصل إليه، فنهض الرجل من محله ليرد بارتباك:
-والله يا بني انا كنت طالع من شوية، لكن الرسالة دي هي اللي لخبطتتني، بس ان شاء الله خير وانا هتأكد بنفسي.
اوقفه كارم فجأة ليسأله بارتباب:
-رسالة إيه؟
قالها وانتبه فجأة على الهاتف الذي مازال ممسكًا به والد كاميليا، فتناوله ليقرأ التالي:
“والدي العزيز، متزعلش مني يا حبيبي، إنت أكتر واحد عارف إني قد المسؤلية وعمري ما هربت من حملي اللي شيلته من قبل ما اكمل العشرين، بس انا النهاردة مكانش قدامي حل تاني، والظرف المرة دي كان فوق طاقتي، سامحني يا والدي، انا سيبت الفرح وهربت”
رفع كارم رأسها عن الهاتف يسأله بأعين تطلق شررًا وعقل يرفض التصديق:
-يعني إيه الكلام ده؟ دي قاعدة فوق في الجناح بالفستان الأبيض، واحنا من شوية كنا بنصور السيشن، إيه الهزار السخيف ده؟
– هو فعلًا هزار سخيف وانا طالع اجيبها بنفسي .
قالها والد كاميليا وهو يتحرك باضطراب، ورد كارم ليسبقه:
-وانا لسة هستناك؟ انا طالع اشوف بنفسي.
قالها ليعدوا بخطواته مسرعًا نحو جناح عروسه في الطابق الثاني من الفندق، بدون حتى ان ينتبه لمن يهتف عليه بإسمه، بشكل اثار انتباه جاسر وطارق أيضًا.
وصل إلى الجناح في الطابق الثاني ليفاجأ بهذه الحالة الغريبة من السكون، وحالة الذهول المسيطرة على معظم من بالغرفة، رباب شقيقة كاميليا والتي كانت تبكي بصمت وزهرة في جانب وحدها مع ميدو الصغير صامتة، أما غادة فكانت مع بقية الفتيات أقارب كارم، تكتنفها معهن حالة من الذهول الشديد، هتف بهن بتوجس وغضب وابصاره نحو رباب وزهرة :
-إيه مالكم في إيه؟ فين كاميليا؟
لم تجيب واحدة ممن يقصدهن، وردت فتاة من إحدى أقاربه:
-والله ما نعرف يا كارم، احنا كنا بنهيص هنا معاها بعد السيشن، فقامت هي من وسطنا وقالت هدخل الحمام، سيبناها وقعدنا نرقص مع بعض، ولما طالت المدة، خبطنا كتير، وفي الاخر فتحنا لما ملاقيناش رد ولقينا ده.
أشارت بكفها نحو الفستان الأبيض والملقى على فراش التخت، والذي ما أن وقعت عليه عينيه، تهدجت أنفاسه وتلاحقت بتسارع شديد ليقترب ويتناول قماش الفستان، بأعين جاحظة تشتعل بنيران الإنتقام، وقد تأكد من مغزى الرسالة التي أرسلتها لأبيها، ليهدر نحو الجميع كازًا على أسنانه:
-انا عايزة افهم، الكلام دا حصل ازاي؟ يعني إيه تدخل وتغير فستانها وانتوا ماتشوفوهاش ولا اكنكم عميتوا؟
ردت غادة:
– يا استاذ كارم، رغم اني لحد دلوقتي أنا مش مستوعبة، بس يعني عشان تفهم اللي حصل، اولا حمام الجناح هنا قريب من مدخله، واحنا هنا كنا بترقص ع الاغاني وبنهيص، هي بقى غيرت وخرجت ازاي؟، بصراحة انا مش فاهمة.
صاح بها بعدم اقتناع:
-انتي مش فاهمة ودول مشافوش حاجة، اسأل مين انا بقى؟
رفعت رأسها رباب تقول من بين بكاءها:
-والله يا كارم، انا مش فاهمة هي عملت كدة ازاي؟ دي مش شخصية كاميليا أبدًا.
اقترب برأسه منها يقول من تحت:
-انتي مش مصدقة على اختك، وانا مش قادر استوعب، يبقى الحل إيه بقى؟
شهقت رباب وعينيها زاغت حول الفتيات ثم ردت بحرج وهي تخرج له ورقة من حقيبتها وتضعها بكفه:
-انا لقيت الورقة دي يا كارم مع الفستان، واسفة إني قريتها.
سمع منها ليطالع المكتوب في الورقة الموضوعة بيده:
” كارم باشا ازيك، معلش بقى، عشان مش هقدر اكمل في المسلسل السخيف ده، عندك الفستان قلعته بصراحة عشان مش مرتاحة فيه، وعقد الالماظ شوفلك واحدة… ترضى تقيدها بيه”
انهي قراءة الكلمات ليزأر بصوته كوحش بري اخاف الفتيات فهممن بالخروج ولكنه صاح على الجميع:
– ولا واحدة رجليها هتعتب برا الجناح دلوقتي فاهمين؟
تكومن الفتيات حول بعضهن بارتياع يغمغمن بصوت خفيض خوفًا من هيئته، فتجاهل هو ليتناول الهاتف سريعًا ويتصل على رقم يعرفه:
-ايوة يا أمين سيب أي حاجة في أيدك وتعلالي حالا ع الجناح بتاعي، من غير ماتحسس بيك اي حد….. بسرعة الله يخليك.
انهى المكالمة ليفاجأ بزهرة التي وقفت وبيدها لم تترك ميدو، لتقول باعتراض:
– انا لازم اخرج حالا، جوزي بيرن عليا وعايزني انزله
سمع منها وتطلع إليها بصمت فاغرًا فاهه لعدة لحظات قبل أن يقترب منها ويرد نحوها مضيقًا عينبه:
-زهرة هانم مرات جاسر بيه، مش غريبة دي ان انتي الوحيدة، اللي قاعدة ساكتة ومش باين عليك أبدًا انك زعلانة من اللي عملته صاحبتك؟
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية نعيمي وجحيمها)