رواية حان الوصال الفصل التاسع عشر 19 بقلم أمل نصر
رواية حان الوصال الفصل التاسع عشر 19 بقلم أمل نصر
رواية حان الوصال البارت التاسع عشر
رواية حان الوصال الجزء التاسع عشر
رواية حان الوصال الحلقة التاسعة عشر
تلك السعادة اللي نحيا على حلم الوصول اليها، ذلك الفرح الذي ظل دائمًا غائبًا عنا، وحينما أتى……. أتى ناقصًا، هل كان سوء حظ منا؟ ام هي الاقدار التي تتلاعب بنا؟
#بنت_الجنوب
بحرص تام نهضت من جواره، بعدما استيقظت لتجد نفسها داخل أحضانه، ذراعه تطوقها، وانفاسه مازالت تشعر بها على بشرتها،
خطت حتى وصلت الى المقعد الوحيد بهذه الغرفة الشاسعة، فسقطت عليه بثقلها، تضم ركبتيها الى صدرها، فتتأمله باضطراب وخوف، لا تصدق ما حدث، لقد أصبحت زوجته بالفعل.
هذا الرجل الغافي امامها باسترخاء، اصبح زوجها قولا وفعلا، كيف سحبها بمعسول كلماته وجعلها تحلق في سماء عشقه؟ حتى غاب عقلها وتاهت ف بحوره،
هل كانت مغيبة العقل؟
لا لم تكن مغيبة، بل كانت سعيدة ومستجيبة للمساته، وقد كان هو كالساحر معها، يدلل انوثتها، ويشعرها بقيمتها كامرأة فاتنة لم تجد الاهتمام الكافي لتنال ما تستحقه،
لقد قال كثيرا من كلمات الغزل وعاملها بنعومة تفوق الخيال،
لتنام في النهاية قريرة العين، منعمة بدفئ حضنه، ورائحة عطره التي تغمرها بقربه الشديد، ثم يهل صباح اليوم الجديد، وتستفيق على حقيقة وضعها، بعدما انقشعت السحابة الوردية التي كانت تطير بها في عالمه الجميل .
– انتي صحيتي امتى من جمبي وسبتيني؟
انتفضت ينتشلها الصوت الرخيم من غمرة شرودها، لتلتف اليه وتجده مضجعًا بجذعه العاري امامها على قائم التخت، فتتهرب بأبصارها عن النظر اليه مباشرة، وتجيبه بكلمات متقطعة من فرط خجلها:
– ماا… دي عادتي….. دايما بصحى بدري.
تبسم ثغره باتساع، مستمتعًا بلون الحمرة الذي كسى بشرتها وحيائها الذي كلفه كثيرًا من الصبر والتروي بالأمس حتى نال السعادة بوصالها في نهاية الأمر،
ليزيد بمشاكستها الاَن:
– مش معقول يا بهجة تكوني لسة مكسوفة بعد اللي حصل ما بينا؟
برقت خضرواتيها بإجفال تأثرًا بجرأته، لتعض على شفتيها بارتباك شديد ظهر في حركة جسدها وهي تزيد من ضم اقدامها اليها، فتنكر ببلاهة، ومزيدا من التلعثم:
– لاااا مش مكسوفة ولا حاجة، ااا…. دا حتى انا بقول….. اقوم احسن واروح امشي.
في الاَخيرة كانت تنزل بقدميها على الأرض، لتستقيم بجسدها وتشرع في التحرك، فهتف هو يوقفها معتدلا بجسلته:
– تقومي تروحي فين يا بهجة؟ استني هنا.
اذعنت لأمره تجيبه:
– واستنى ليه؟ الساعة زمانها داخلة على سبعة، الحق اروح بيتنا ، وانت ممكن تريح الساعة دي، او تروح الشغل في الميعاد اللي تحبه.
– ومين قالك اني رايح الشغل اساسا النهاردة؟
تمتم بها ثم نهض يقف مقابلا لها، ليقترب وتمتد ذراعه ليزيح بيده شعرها للخلف، مردفًا:
– طب بذمتك، تبقى صباحيتنا النهاردة واسيبك واروح الشغل، حد يجيله قلب يسيب الجمال ده؟
دنى برأسه نحوها، حتى كاد ان يقبلها ولكنها تراجعت بحدة قائلة:
– بس انا مينفعش اتأخر عن اخواتي، امبارح اتحايلت بمدام نجوان وقولت انها لوحدها، لانك مسافر والدادة مش معاها، النهاردة هقول ايه؟
بحزم لا يخلو من لين جذبها فجأة اليه، يقنعها بهدوء:
– طيب وجودك عندهم دلوقتى ايه لزمته؟ مش دا برضو ميعاد شغلك في المصنع ولا انتي ناسية؟
سهمت نظرتها باستيعاب قائلة:
– ايوة بس انا متعودة احضرلهم فطار و…
قاطعها يقربها اليه مرة اخرى مرددًا:
– وايه يا بهجة؟ اللي اعرفه ان اخواتك مش صغيرين ولا اطفال عشان تجري تفطريهم قبل ما تروحي الشغل…. ولا انتى عايزة تهربي مني؟
– ها….. طب وشغلي في المصنع؟
تمتمت بها تطالعه بتيه، بعدما مال بوجهه نحوها، حتى اصبحت انفاسه تلفح بشرتها مردفا بهيام:
– مصنع ايه كمان يا شيخة بس؟ وهو دا وقته؟ بقولك صباحيتنا وانتي عايزه تجري وتسبيني.
رفعها فجأة من خصرها من الخلف، يعتقلها بذراعيه حتى لم تعد اقدامها تلامس الارض، شفتاه عرفت طريقها، لتطوف على كل جزء تصل اليه من بشرتها، حتى وصلت لمبتغاها، في قبلة عاصفة اذابت البقية الباقية من مقاومتها،
حتى سقط بها فوق الفراش، ليعتدل، كي يحل ربطة المئزر الذي كانت ترتديه وقد عقدتها عدة عقدات، ليعقب بضجر:
– انتي امتي لحقتي تلبسي الروب ده وتتكلفتي بيه كدة؟
وجدت صوتها بصعوبة تجيبه:
– وانت نايم، عشان مكانش جايلي نوم.
ضحك بخبث مرددًا وهو ينزعه عنها:
– ويعني جالك نوم لما لبستيه، طب انا هطيره منك خالص النهاردة.
❈-❈-❈
وفي منزلهم الجديد،
كان الثلاثة على مائدة الطعام يتناولون وجبة الإفطار التي أعدتها جنات سريعًا، قبل ذهابها الى الجامعة هي الأخرى، بعد اتصال شقيقتها بها منذ لحظات تخبرها بالذهاب الى عملها وعدم استطاعتها للحضور في هذا الوقت، فكانت هي تقوم بدورها الاَن:
– خلص أكلك كله يا ايهاب عشان تركز وتستوعب، وانتي يا عائشة، متسبيش حاجة في اللانش بوكس بتاعك، لازم تاكلي عشان تكبري.
بابتسامة ساخرة ردت الاخيرة :
– حاضر يا ابلة، مش هسيب ولا حاجة عشان اكبر.
-‘بتتريقي عليا يا عائشة؟
– لا يا ستي، وانا اتريق ليه بس؟
تمتمت بها تنفي ببراءة ردا على شقيقتها، ليتدخل ايهاب هو الاخر يعقب بدوره:
– عندها حق يا عائشة، بلاش اسلوبك ده يا مصيبة احنا فاهمينك.
– انا برضو؟ والنعمة مظلومة.
قالتها بدراما اضحكت شقيقيها، قبل ان تنهض فجأة وتسألهم:
– طب انا خلصت وعايزة اروح مدرستي، مين فيكم اللي هيوصلني مدام بيبو مش موجودة؟
تطوع ايهاب والذي انهى طعامه هو الاخر:
– اوصلك انا يا ستي، خليها تعرف انها سايبة وراها رجالة .
ايوة بقى يا هيبو يا جامد.
هللت بها جنات وهي تتابع مغادرتهم، لتعلق عائشة بمزاحها كالعادة:
– دا راجل دا ؟
على الفور نالت جزائها، بلطمة خفيفة على رأسها من الخلف، يظهر لها حزمه:
– راجل غصب عنك يا مقصوفة الرقبة، امشي يا بت انجري قدامي، امشي.
لتذعن بطاعة تتقدمه، امام ضحكات جنات التي لا تتوقف لمشاكسات الاثنان.
❈-❈-❈
ولجت الى غرفة زوجها صباحًا تحمل فنجان القهوة عقب انهاءه الافطار سريعًا من اجل تلك المكالمة الهامة التي قام بها مع شريكه الجديد، يدفعها الفضول لسؤاله:
– القهوة يا قلبي زي ما طلبت.
رد يجيبها اثناء ارتداء ملابسه:
– تسلم ايدك يا قلبي، بس انتي كلفتي نفسك ليه؟ ما كانت جابتها واحدة من الشغالين .
وضعتها على الطاولة الصغيرة التي تحتل جانبا من الغرفة، لتقول بمكر تجيده:
– وانا روحت فين لما واحدة من الشغالين تجيبها؟ كيمو حبيبي اخدمه بعيوني.
التف اليها فاغرا فاهه، قاطبُا حاجبيه للحظات بتفكير وتوجس، فتقابله هي بهذه النظرة البريئة لتثير تسليته، ف اقترب وتناول فنجان القهوة مرددًا:
– تسلم عيونك يا جميل ، اكيد المحلسة دي وراها طلب مخصوص، قولي على طول يا رباب ومن غير مقدمات، جوزك مستعجل.
– ليه بقى مستعجل، انت ميعادك اساسا تسعة.
ارتشف يتلذذ بطعم المشروب الساخن قبل ان يجيبها:
– ما انا ناوي اروح المصنع اطل عليه الاول، رياض اتصل بيا وقالي انوب عنه عشان النهاردة مش موجود.
سمعت الاسم ليعود اليها الفضول:
– حلو اوي مدام جيبت سيرته، مش هتحكيلي بقى حكايته؟
– احكيلك حكايته دلوقتي يا رباب؟ وانا بقولك مستعجل.
وضع الفنجان وتحرك مسرعًا ليرتدي سترته، فلحقت به تلح :
– وحياتي عندك يا كارم، انت كل مرة كدة تعلقني، تقولى كلمتين عن الغامض بسلامته وتسيبني بقى اضرب والف في التخمينات، انا عايزة اعرف بقى النهاردة سر عزوفه عن الستات.
تطلع الى هيئتها وهي تضرب الارض بقدمها وكأنها طفلة وليست زوجة وام، فقال لها ليزيدها شغفًا:
– طب مدام كدة بقى، خدي الجديدة عشان تتعلقي اكتر، رياض الحكيم شكله واقع لشوشته مع البنت الجديدة جليسة والدته.
اصدرت شهقة عالية برقت لها عينيها لتتشبث به بإصرار:
– دا بجد؟ وحياتي لو بجد لتحكيلي دلوقتي حالا، حالا يا كارم وحياتي عندك.
اطلق ضحكة مجلجلة لينزع كفيها عنه ثم يهرول من امامها مرددًا بمرح:
– لما ارجع من الشغل بقى يا قطة، دا لو افتكرت اصلا .
استمر بضحكاته حتى اختفى لتعلق هي في اثره:
– ماشي يا كارم، وديني ما انا سيباك المرة دي.
❈-❈-❈
والى مجيدة التي خرجت من غرفتها مجفلة على صوت الشجار الصباحي بين ابنها وزوجته:
– طب انا قولت مش هتخرجي النهاردة يا لينا، يعني مش هتخرجي، وريني بقى هتكسري كلمتي ازاي هاا؟
– طب مدام انت وصلتها لكدة، يبقى عند بعند وانا خارجة يا امين، وخليني بقى اشوف تحكمات حضرتك دي هتوصل بينا على فين؟
– هتوصل للطريق المعروف يا حبيبتي، تحبي اقولك هو فين ؟ ولا على ايه اهو المأذون في الشارع اللي ورانا، انا اجيبهولك دلوقتي عشان نختصر.
– باااااس
صرخت بها مجيدة توقف هذيان ابنها امام زوجته المتمردة بغباء رغم طيبة قلبها التي تشهد بها، واقتربت بأعين حمراء توجه خطابها بحزم نحو الاثنين:
– لحد هنا وتوقفوا ستوب انتوا الاتنين ، انا اسكت وافوت على كله، لكن توصل لطريق الماذون اقطع رجليكم انتو الاتنين، شغل العيال بتاعكم يمشي في كل حاجة إلا دي .
اطرقا الاثنان بخزي امامها، شاهدين على أنفسهم بالخطأ، ليدافع ابنها مبررًا:
– هي اللي بتطلعني عن شعوري يا ماما بعمايلها، كل كلمة تراجعني فيها، لا بتسمع كلام ولا حتى بتقدرني.
رفعت لينا رأسها اليه بخضة تشير بسبابتها نحو نفسها بعدم تصديق:
– بقى انا مبقدركش يا أمين؟ طب ايه اللي عملته عشان يثبت كلامك ده؟
ثار بها:
– والخناقة اللي بنتخانقها دي بسبب ايه؟ مش عشان جناب حضرتك مش قابلة توقفي يوم واحد من غير شغل، حتى وانتي عارفة بالعزومة اللي عاملها النهاردة لعصام ومراته.
دبت بقدمها على الارض صارخة:
– بقولك عندنا اجتماع مهم ، يعني لازم احضر، دا غير ان العزومة بالليل، يعني اقدر ارجع بعد ما اخلص الاجتماع على طول واحضر العزومة، دول نفرين بس ياناس، هو احنا هنعمل وليمة؟
– اه يا حبيبتي وافرضي نفرين، طب انا بقى عايز اعملها وليمة بجد.
صاح بها فجاء الرد من والدته:
– خلاص يا حبيبي فهمنا، انت عايز وليمة تشرفك قدام صاحبك، وانا بقى لزمتي ايه في البيت هنا؟ دا غير انها قالتلك انها على ما ترجع من شغلها، يعني هتنجز معايا ان شاء الله، انت بقى مش ليك وليمة تشرف وخلاص.
– وانا هساعد معاكي يا ماما.
كان هذا صوت شهد التي خرجت من غرفتها على صوت الصياح، ليأتي رد زوجها بحنق هو الاخر:
– وانتى قاعدة مكانك على الكرسي يا شهد، وكمان مش كتير عشان ضهرك .
– كتر خيرك يا بشمهندس مش عايزين نتعبك معانا
قالها امين بنبرة ساخرة قابلها شقيقه بوجهه العابس:
– دا عشان العريس والعروسة يخصونا احنا كمان يا حبيبي، مش عشانك .
تبسمت مجيدة لمشاكساتهم التى لا تنتهي لتتوجه نحو ابنها صاحب المشكلة:
– وكدة يبقى فاضل الحلو ودا على انيسة من امبارح موصياها عليه، عندك اعتراض تاني يا غالي؟
تهللت ملامحه بابتسامة ينفي:
– لا خلاص يا ماما، مدام في حلو من حماتي العزيزة، يبقى تغور مطرح ما هي عايزة تغور.
اجفلت لينا بقوله، لياتي ردها على الفور، تضرب بقبضتيها على ذراعه وصدره:
– ايه تغور دي؟ ايه تغور دي ؟ مش تحسن الفاظك يا حضرة الظابط المحترم، في حد يقول كدة لمراته ام ابنه اللي جاي في الطريق؟
امسك بقبضتيها داخل كفيه، يتمتم غائظًا لها:
– وان محسنتش هتعملي ايه؟
– ااه ايدي بتوجعني يا امين وانت قارص جامد.
تأوهت بها تعبر عن المها، مختلطًا بعتبها ونعومتها حتى تأثر بضعفها ولانت قبضته :
– طب بطلي انتي تستفزيني الاول ، وانا مش هقرص عليكي .
نزعت يدها منه قائلة بنبرة يشوبها الدلال :
– انا برضو اللي بستفزك ولا انت اللي قاسي وبتحب تيجي عليا .
– اناااا؟ شالله تعدميني لو قاصد .
– بعد الشر عليك .
مصمصمت مجيدة المتابعة بشفتيها، لتغمغم بغيظ منهما:
– شوف يا اخويا قلبو ازاي في ثانية، دا انتو اللي داخل ما بينكم خارج .
عقب ابنها الاخر بعبوس:
– دلع مريء يا ماما.
استدارت كي تعقب على قوله، ولكنها تفاجأت به منشغلًا في الحديث مع زوجته يهمس في اذنها هو الاَخر بصوت هامس يجعلها تضحك، لتغمغم هي عائدة لغرفتها:
– يا ولاد المجنونة، بقيت انا زي العزول وسطيكم.
❈-❈-❈
متكئًا على الاريكة الوحيدة بداخل شرفته، ينفث الدخان من سيجارته وكوب الشاي الساخن يرتشف منه بتلذذ وهو يرهف السمع لصوت تسجيلات المكالمات التي استطاع الحصول عليها بتهكير الهاتف الخاص بخالته، غير مراعيًا لحرمة القرابة او الحلال او الحرام، او حتى مروءة تمنعه من التنصت على الأحاديث الخاصة بالنساء.
منذ الأمس وهو ينتظر على احر من الجمر، تلك المكالمة التي تجمع بينها وبين ابنتها العزيزة التي تمردت عليه ونالت الحظ لتصبح امرأة اخرى، غير تلك التي كان يتحكم بها، ويخضعها بأقل مجهود،
وقد أتت الاَن ليستمع بتركيز شديد لكل جملة قد يأتي من خلفها فرصته:
– ايوة يا امنية، البت رؤى مطلعة عيني ع الرحلة اللي بتزن عليها، يرضيكي يعني تبات ليلتين في بلد غريبة ملهاش اهل؟
دوي صوت ضحكتها في البداية ثم جاء ردها:
– يا ماما بلد غريبة ايه بس؟ دي بتقولك الغردقة، وهي اساسا طالعة تبع الجامعة ووسط اصحابها متقلقيش عليها انتي، خليها بس تيجي بدري تاخد الطقم اللي كانت مكلماني عليه، عشان انا مش مسئولة لو جات وملقتنيش موجوده.
– ليه يا بت رايحة فين؟
– يا ماما ما انا قولتك، عندنا عزومة عند طنط مجيدة، امين صاحب عصام عازمنا ع العشا، دا غير اني لازم اخرج الاول اشوف حاجة البيت والناقص في المطبخ.
– امممم يعني شهد هي اللي عازماكي، اخص، ومهانش عليها تعزمني انا واختك معاكم؟ كنا هنتقل عليهم يعني ولا معندهمش مقدرة لنفرين زيادة؟
– ماما انتي سمعاني بقولك ايه؟ شهد ملهاش دعوة، امين هو اللي عازمنا، بلاش طريقتك دي الله يخليكي، ومتنسيش تنبهي على رؤى زي ما قولتلك، بنتك بتنسى وانا معنديش خلق لقمصتها، سلام بقى.
– سلام يا ختي، ما انا عارفة مليش بخت معاكم.
– الله يسامحك يا ماما، هسيبك بقى وهقفل.
❈-❈-❈
وفي داخل المصنع حيث كانت منهمكة بعملها كالعادة في هذا الوقت، في انتظار قدومه كي يطلع على ما انجزته بمهارتها كالعادة،
وكانت المفاجأة حينما صعقت لقدوم شريكه الاخر، يلقي التحية بعمليه:
– صباح الخير يا لورا، هاتيلي الملفات المطلوبة بسرعة على المكتب ورايا .
تجمدت لمدة من الوقت، حتى ملكت زمام امرها، لتلحق به بعد ذلك، تدلف خلفه الى المكتب، ثم تضع الملفات امامه برسمية قائلة:
– الملفات يا فندم.
تمتم ممتنًا يطلع عليهم على الفور:
– شكرا يا لورا، اما اخلصهم هنهدلك على طول.
كاد ان يغرق بالتركيز فيهم، ولكن حينما وجدها لم تتحرك رفع رأسه اليها باستفسار:
– في حاجة يا لورا؟
تشجعت بجرأة تسأله:
– انا بس مستغربة انك تحل محل رياض باشا النهاردة من غير ما يبلغني.
تبسم يجيبها بهدوء:
– لكنه اتصل بيا انا وبلغني احل محله يا لورا، ولو مش مصدقة روحي اتصلي واسأليه .
بدى عليها الحرج وهي تبدي أسفها :
– انا بعتذر يا فندم، مش قصدي ابدا اي حاجة وحشة.
– مفيش داعي للأسف يا لورا اتفضلي روحي شوفي شغلك.
قابلت امره هذه المرة بطاعة لتخرج على الفور تاركة غرفة المكتب، ليعود هو للاطلاع على الملفات مرددًا بضحك:
– حتى مديرة مكتبك نسيت تبلغها بغيابك يا رياض، اقطع دراعي ان ما كنت بتلعب بديلك يا خلبوص.
أما عنها وفور ان حطت بجسدها على كرسي مكتبها حتى صارت تهاتفه العديد من المرات، ومحاولاتها تبوء بالفشل مع استمرار الرسالة التي تخبرها بغلق الهاتف، حتى فاض بها لتغمغم بحنق:
– يعني قافل تليفونك في وشي انا وتتصل على شريكك عادي! ماشي، ما شي يا رياض.
❈-❈-❈
خرجت اليه، بعد ارتدائها قطعة من تلك الملابس التي تمتلئ بها الخزانة، بنصف كوم وتصل الى اسفل ركبتيها، لم ترى ابدا في نعومة قماشها، ولا بأناقتها رغم انها بيتيه، حتى بدت عليها وكأنها امرأة اخرى، تشبه اللاتي تراهم في التلفاز وعلى شاشات الهاتف.
وان كانت هي شعرت بذلك فما بالها بذلك الخبير الذي صار يتطلع اليها بانبهار، لم يكن خاطئًا حينما راهن على رقيها وفتنتها التي كانت تدفنها اسفل الملابس الباليه والباهتة.
هتف يستقبلها من خلف طاولة البار للمطبخ الضخم:
– ايوة بقى، طلي كدة ونوري دنيتي من تاني، انا بقالي ساعة مستنيكي، كل دا في الشاور يا بهجة؟
ردت بحرج وصوت رقيق:
– معلش ما انا سرحت شعري كمان.
غمز بعيناه يغازلها:
– ما انا خدت بالي يا قلبي، بس مش كنتي استنيتي اسرحولك بنفسي؟
خجلت ان تعطيه رد فدهشتها به لا تتوقف، ليطلق ضحكة صاخبة يشير اليها لتنضم معه، حتى اذا دلفت اليه بداخل ذلك الشيء الضخم والذي يشبه الغرف بمساحته الشاسعة.
حينما اقتربت ضمها اليه يقطف قبلة خاطفة من وجنتها، ثم أجلسها على احد المقاعد امام الطاولة التي تتوسط المطبخ، يدللها قائلا :
– انتي تقعدي هنا زي البرنسيس على ما احطلك الاكل اللي عملته بإيدي.
– عملته بإيدك!
رددت بها بدهشة قابلها هو بضحكة صاخبة مرة اخرى ليردف :
– سخنته يا ستي، بس على فكرة انا فعلا ناوي في مرة ادوقك اكلي، ما انا كنت ساكن لوحدي لفترة طويلة وكان من ضمن هواياتي الطبخ.
مازالت تلفها حالة الانبهار والاندهاش، هذا الرجل الغامض الذي يعاملها الاَن كأميرة، يظهر لها مواهبه وبساطته في الحديث وكأنها بالحق اصبحت شيء هام له.
وضع امامها عدد من الاصناف، وبحماس شديد وضع لها قطعة كبيرة من صنية المعكرونة التي أمامها، معلقًا:
– عايزك بقى تدوقي النجرسكو الاول، دا انا جايب جوليا من بلدها مخصوص عشان تعملهولنا، اصلها ممتازة فيها.
تسائلت بدهشة اعتلت ملامحها:
– انت قصدك ع البنت اللي شوفتها امبارح؟ انت بجد جايبها من بلدها عشان كدة؟!
ضحك للمرة التي ما تعد تذكرها، يقول بمرح:
– يا ستي هي كانت جاية مصر اصلا، وانا لما سألت مدير مكتب التشغيل دلني عليها، اشترطت عليه تكون بتعرف تعمل كل اصناف المكرونة الإيطالي لأني بعشقها، هي والنجرسكو طبعًا، وبصراحة البنت طلعت ممتازة، دوقي كدة.
قال الاخيرة يضع بفمها، شوكة ممتلئة من طبقه، تناولتها لتلوك بها داخل فمها، تتزوق الطعم الرائع، حتى ابدت إعجابها:
– هي فعلا عاملاها حلو اوي، بس انا مستغربة صراحة انك تجيب واحدة اجنبية تخدمنا ولا عشان…..
اقترب بكرسيه يلتصق بها، مردد بصوت تغيرت نبرته:
– عشان ايه؟ قصدك يعني عشان متعرفش تطلع خبر جوازنا، تصدقي ممكن يكون صح، رغم انها كان ممكن تكون مصرية برضو عادي، اصلا انا مش بشغل عندي أي حد، بس انا لما جيبتها مكانش دا غرضي…… انا كان غرضي ساعتها الاقي الأكل اللي بحبه في المساحة اللي اخترتها عشان ارتاح فيها……. معاكي يا بهجة.
كان قريبا بوجهه منها حتى يزيد من ارباكها حتى انها لم تكن لديها القدرة لتجاريه رغم عدد التساؤلات الكثيرة بداخلها، وهو كان خبيرا في سرقة تركيزها معه، يطعمها بيده كما أنه لا يتوقف عن مداعباته، وعقلها لا يستوعب اكتشاف شخصيته الجديدة منه.
❈-❈-❈
وفي منزل خميس الذي خرج من غرفته بوجه متجهم يغمغم بالكلمات الحانقة والبذيئة، يلعن البيت وساكنيه، وقد فاض به منهم على حسب قوله :
– مصيبة تاخدكم كلكم، ولا نفر فيكم يفتح النفس.
فور ان صفق الباب بقوة وغادر، تحركت سامية تاركة الشرفة التي كانت تتنصت منها، لتركض متجهة نحو والدتها داخل الغرفة.
هتفت بالسؤال فور ولوجها، ورؤية المذكورة جالسة على كرسيها، بهيئة كانت خير دليل على سخونة الأجواء؛
– ماما، شوفت ابويا وهو خارج من عندك بيزعق، ايه اللي حصل؟
زفرت تشيح بوجهها عنها قائلة:
– روحي يا ختي اسأليه هو، انا روحي في مناخيري، ومش طايقاه ولا طيقاكم معاه.
مالت نحوها بميوعة تقصد المزاح معها:
– طب مش طايقاه هو، مالنا احنا بس يا درية؟ غلطنا فيكي مثلا ؟ ولا هو يطلعهم عليكي وانتي تطلعيهم علينا يا دردر.
نزعت ذراعها الذى تطوقها به، تنهرها بحدة:
– لأ يا ختي مش بطلعهم عليكي ولا بتبلى، عشان انتو السبب فعلا، اخواتك اللي هاجين على روسهم يلفوا على مقصوفة الرقبة اللي غارت وطفشت، واحد سايب مراته على وش ولادة، والتاني ما حد عارفله طريق، بيجي البيت زي الغريب ، ياكل بس وينام .
– يعني انا الوحيدة اللي عاقلة فيهم.
صاحت بها:
– انتي اكتر واحدة فيهم معوجة، الراجل صاحب ابوكي كلمه تاني ودا مصدق، جاي راجع من عنده يبخ فيا، ان انا السبب في دلعك المريء، واني لو ست زي باقي الستات، كنت عرفت ازاي اخليكي توافقي ، عشان يخلص ع الاقل من همك.
عبست سامية بملامح مكفهرة:
– يعني هو يقرف من خيبة الولاد يقوم يجيبها فيا، ما انا نصيبي قاعد وفي اي وقت ممكن يحصل.
– امممم.
زامت بها درية بفمها بسخرية لتمصمص بشفتيها معقبة:
– دا على اساس انه هيحصل بجد، وانتي باصة في العليوي، ومعلقة نفسك بالحبال الدايبة.
– لا ياما مش دايبة، وهيحصل ان شاء الله قريب.
كان الرد بصمت ونظرة مستخفة زادت من تصميمها ، لتردف بحزم:
– استهزأي يا ماما براحتك، بكرة افكرك بكلامي ده، المهم دلوقتي عايزين نروح نبارك لشادي بعد ما رجع من شهر العسل.
اصدرت صوتًا مستهجنًا تعبر عن رفضها:
– شوف يا اخويا اقولها ايه تقولي ايه؟ بت انتي عايزة تروحي روحي لوحدك يا اختي، انا لا عندي مرارة ليه، ولا لأي حد يفرح قدامي، طول ما انا مرزوعة في الهم بسببكم.
نهضت تمطرها بالقبلات ، لتلح عليها وترجوها:
– وغلاوتي عندك ياما، روحي معايا ان شاءالله حتى المرة دي وبس، ع الاقل عشان تتباهي قدام عمتي وناس العروسة بطقم الدهب اللي جبتيه قريب، ويعرفوا مين هي درية مرات الحج خميس .
❈-❈-❈
ترجلت صباح من الحافلة الخاصة بالعمل ، لتحط بأقدامها على قارعة الطريق المؤدي الى منزلها داخل الحارة الضيقة، برشاقة تناقض حجمها الضخم، فهي لا تظل محلها ابدا، تنهك نفسها بالعمل وخدمة البشر من الجيران والاقارب والاحباء، حتى لا تستسلم لوحشة الوحدة بعد وفاة زوجها وخلاء المنزل عليها وحدها، دون ابناء انجبتهم، ولا اخوة رزقها الله بهم.
– ست صباح ست صباح.
دوى الصوت المنادي بأسمها وقبل أن تستدير لصاحبه، وجدته يقف مواجها لها:
– انا اهو قدامك يا ست صباح.
صاحت به غاضبة:
– انت هتعملي زي فرقع لوز يا جدع انت، وكل مرة الاقيك تتصدر طريقي، خلي بالك المنطقة هنا كلهم حبايبي، يعني لو بس أشرت هتلاقيهم كلهم هجموا عليك دلوقتي.
– اطرق برأسه يبدي اسفه:
– عارف اني غلطان يا ست صباح اعذريني ، بس انا قلقان ونفسي اطمن، ولاد عمي معرفش مكانهم ، وبهجة، كل ما اروح استناها عند المصنع ما بشوفهاش، مش فاهم انا بتستخبى مني دي ولا ايه؟
عند ذكر بهجة، طغى ارتباك خفيف يعتلي ملامحها، لكنها سرعان ما استطاعت السيطرة عليه، لتظهر الحدة في حديثها:
– وافرض بتستخبى منك ولا مش عايزاك تشوفها اصلا، ما تحترم رغبتها، سيبوها بقى ترتاح هي واخواتها، دول اغلب من الغلب، هو انتوا لا ترحموا ولا تسيبو رحمة ربنا تنزل.
صدرت الكلمات بعفوية منها حتى شعرت بالندم حينما رأت تأثيرها عليه، لتعود ملطفة بعض الشيء:
– لمؤاخذة يا اخينا، انا كدة ست اللي في قلبي على لساني، ولساني دا مالهوش رابط.
– ولا يهمك يا ست صباح، ع العموم انا مش هسألك تاني، بس برضو مش هسكت غير بعد ما اطمن عليهم، عن اذنك.
سحب اقدامه وتحرك مغادرًا من امامها، لتغمغم هي في اثره:
– اذنك معاك يا خويا، شكلك كدة فيك حاجة طيبة بس عايزة تتنضف.
❈-❈-❈
انهت جولتها بعدما ابتاعت عددا من المشتريات ، وكانت في طريقها للذهاب، توقفت على اول الطريق، تبتغي إيقاف سيارة تقلها الى منزلها، فتوقفت احدى السيارات القريبة سريعًا امامها.
تبسمت بارتياح تدخل المشتريات اولا ثم هي من الخلف، تخاطب السائق بامتنان:
– متشكرة اوي، جتلي بسرعة ووفرت عليا الوقت.
جاءها الرد بنبرة ليست غريبة عنها.
– العفو يا هانم انتي تؤمري.
اصابها الهلع، تكذب اسماعها ولكنه أكد، يلتف اليها فيخلع الشارب والذقن المزيفان، والنظارة التي كانت تخفي العينين، متمتمًا بوعيد:
– ايه رأيك في المفاجأة يا امنية؟ وحشتيني، قولت لازم اشوفك.
رغم الخوف الذي كاد ان يوقف قلبها، إلا ان رؤيته وتلك الذكريات التعيسة التي خلفها بداخلها كانت لها الفضل في شحن قوتها من الداخل، لتهدر به بازدراء :
– وحش ياكلك، انت اتجننت يا حيوان انت؟ ولا مش واخد بالك انا متجوزة مين دلوقتي؟
اصدر ضحكة قميئة يفوح منها العفن القابع في نفسه الخبيثة:
– قصدك على حالظابط عصام اللي قبل يتجوزك حتى بعد ما قولتله اللي فيها، وع العمايل اللي كنت بعملها معاكي في المخزن؟ لا بصراحة طلع راجل اوي .
– راجل وغصب عنك، بس انت هتعرف الكلمة دي منين؟ وهي ابعد من خيالك المريض اصلا، وقف العربية حالا، لاتصل بجوزي يسحلك ع السجن ويخليك تمسح حماماته.
كز على اسنانه ليضغط على مقود السيارة يزيد من سرعتها بعدما صعد بها نحو الطرق السريعة، مرددًا بغيظ:
– طب خليه يعملها ولا يوريني مرجلته وانا كنت اسلط عليه الجماعة اللي اتلميت عليهم في السجن، يدفنوه حي.
ضحك بجنون مستمتعًا برعبها:
– انا عضمي بقى ناشف اوي، والفضل طبعا يرجع ليكي يا غالية، انتي والسنيورة شهد .
زاد من حدة السرعة حتى ايقنت بقرب النهاية لتضرب بقبضتها على كتفه وظهره:
– وقف العربية خليني انزل، بقولك خليني انزل.
– ليه بس يا وحش؟ لتكوني خوفتي كمان؟
الى هنا ولم تعد بها قدرة على المواصلة لتسقط للخلف فاقدة وعيها تماما، حتى انتبه عليها في المراَة الامامية:
– ليوقف السيارة على جانب الطريق، ثم ترجل ليرى ما بها في الخلف، كان نصف جسدها كان مسطحًا على، الكنبة الخلفية، فظهر له وجهها وجسدها بصورة سال لها لعابه، ليبتلع ريقه برغبة واضحة، رغم قلقه من هيئتها، فدني يربت بكفه على خدها، وعيناه تجول عليها بوقاحة:
– بت يا امنية، انتي اغمى عليكي صح ولا بتمثلي زي عوايدك؟،…. انتي يا بت، شكلك بتمثلي زي عوايدك.
استقام فجأة مقررا امرا ما برأسه، زينه بعقله شيطانه، ظنا منه انها قد تصبح فرصة للانتقام، واخضاعها بعد ذلك، ولكن صوت سرينة البوليس التي دوت فجأة عن قرب جعله، يركض سريعًا، ويترك المكان برمته هاربًا الى وجهة ما.
❈-❈-❈
شرودها هذه المرة كان مختلفًا، حالة غريبة من السكون، لأول مرة تشعر بها الدادة نبوية، هذه ليست تلك المرأة التي كانت تغلبها في الركض والبحث عنها، اما عن الحزن، فهو اصبح كالوشم يزين ملامحها الجميلة.
اقتربت لتجلس مقابلة لها في الشرفة التي تلتزم الجلوس بها منذ ساعات :
– مدام نجوان القمر، تحب تطلب حاجة اعملهالها؟
استجابت تلتف اليها بابتسامة، وصمت دام للحظات، قبل ان يخرج ردها :
– بهجة.
تبسمت نبوية بمرح:
– بهجة، ما انا قولتلك من شوية ان عندها ظرف طارئ يمنعها تيجي النهاردة كمان، يبقى نديها عذرها بقى.
اومأت برأسها تعود للنظر نحو الحديقة مرة اخرى، دون ان تضيف بأي شيء، فواصلت نبوية حثها على الكلام، بفتح مواضيع شتى، ولكنها لم تستجيب.
❈-❈-❈
اما في شرفة اخرى ومكان اَخر، كان يقف هو خلفها يشير لها بطول ذراعه:
– شايفة يا بهجة، اهي الارض اللي هناك دي كلها أرض بابا الله يرحمه، بس هو مكانش مهتم بالزراعة، ولا الكلام ده، كل اللي كان همه شغف الموضة والأزياء ، كان مجنون على رأي ماما، ودا اللي حببها فيه.
التفت اليه تعقب بصدق ما تشعر به:
– اكيد مش الجنان بس اللي حببها فيه، اللي بيحب ما بيشوفش عيوب حبيبه اصلا ، دي حاجة بتبقى من عند المولى .
ظل صامتًا لفترة من الوقت يلامس نعومة بشرتها بأنامله، او يزيح خصل الشعر الحريري للخلف، بنظرة غير مفهومة جعلتها تحسم مردفة:
– على فكرة انا لازم اروح، مينفعش اتأخر عن كدة.
زفر يقلب عينيه بسأم يعقب ردا لها:
– تاني برضو بتفكريني؟ دا انا ما صدقت اني فصلت عن العالم كله بقربك، انا مشبعتش منك يا بهجة.
لماذا تتغير نبرته حينما يتحدث معها في هذا الشأن ، يجعلها تشعر باحتياجه اليها، وكأنه طفل وجد امانه بقربها، لكن وما ينتظرها من مسؤوليات، ماذا تفعل بها؟
– مينفعش اتأخر اكتر من كدة، مش عايزة اخواتي يقلقو .
تنهد هذه المرة باستسلام ليضمها اليه بشدة، وكأنه لا يريد تركها ابدا:
– شوفيلك حل، انا لازم في اقرب وقت اخدك واروح بيكي رحلة تستمر لأيام، انا حاسس الوقت عدى ثواني، ولا مش ساعات ولا دقايق.
استسلمت لغمرته لها، غير قادرة على التعقيب او الجدال، فها عقلها قد عاد اليها، بعدما حطت على ارض الواقع ، تفكر فيما ينتظرها من مواجهة لأشقائها، رغم عدم علمهم بزواجها، ولكنها تحسب حساب الكذب الذي اعتادت عليه هذه الايام .
❈-❈-❈
وقف خلف حجرة الكشف يراقب الطبيبة وهي تفحصها، بغضب يحرق كل خلية من جسده، دماءه كلهيب بركان خامد، ينتظر الفرصة ليحرق الأخضر واليابس .
زوجته هو تتعرض لهذا الموقف، خطف واغماء داخل سيارة اجرة بوسط الطريق ، يقسم متوعدًا لمن فعل ذلك بأشد عقاب يناله، لن ينتظر حكم قاضي او محكمة، حتى او اضطر لارتكاب جريمة.
– ايه الاخبار، فاقت ولا لسة؟
كان هذا صوت امين الذي فور ان علم بما حدث، ترك ما بيده من عمل، وأتى على الفور .
أومأ يجيبه بصوت مختنق:
– الدكتورة اديتها حقنه مسكنة، وقالتلي اصبر عليها على ما تهدى.
– ساله بحرج:
– طيب هي فحصتها كويس؟ اتأكدت انها كويسة عضويا ولا اتعرضت لاي…. اعتداء، من أي نوع.
– لا الحمد لله ، المجرم اللي خطفها ملحقش يعمل معاها اي حاجة ، الاغماء كان طبيعي نتيجة الخضة والانفعال ، انا مش عارف حصل معاها ايه، بس تفوق وتقدر تتكلم، ساعتها هعرف اتصرف .
ربت امين بكفه على ذراعه العضلي بدعم ومؤازرة، ليتدارك هو ويسأله:
– صحيح ياريت تتصل بالجماعة وتديهم اي عذر عن حضور العزومة، بس بلاش تقلقهم، انا حتى متصلتش بوالدتها ولا اهلي، مش عايز لمة ووجع دماغ.
– حقك يا حبيبي، متشلش هم، كل حاجة هتمشي تمام وزي ما انت عايز.
قالها امين بمهاودة، وعقله يدور في ناحية واحدة، فهو على علم تام ان عصام ابدا لن يغفل عنها، ولكنه كتوم كالعادة.
❈-❈-❈
عادت لمنزلها ووسط شقيقتيها، ولكن تلك التغيرات التي حدثت ببشرتها التي كانت محرومة من الاهتمام ، جعلتها محل اهتمام لهما الثلاثة، وقد بدت لهما وكأنها تبدلت،
فما كان منها سوى اكمال الصورة لكي تجيد حبكتها، بعدما اصر هو الاخر على اخذها لعدد من الهدايا والملابس التي أتى بها اليها، كي ترتديها في حياتها العادية، وليست فقط معه:
– الله يا بهجة يعني انتي دخلتي مركز تجميل وكمان كل الهديا دي بتاعتك انتي؟ طب ليه مقولتليش كنتي روحت معاكي واخترتلك؟
ابتلعت ريقها تجيب عن سؤال جنات التي شغفها الحماس:
– يا بنتي ما بقولك، انا قبضت المكافأة من هنا، وست الريسة اصرت تاخدني من ايدي على البيوتي سنتر، والمول المشهور في وسط البلد، رأسها والف سيف اني اجدد من نفسي، وابقى انسانة تانية، الحمد لله ان الهدوم عجبتكم وشكلي بان عليه النضافة.
قالت الأخيرة بمزاح، لتزيد عليها عائشة:
– بان عليكي بس، دا انتي بقيتي طبق بنور ، ما تاخدينا انا والبت الغلبانة دي نقرب من حلاوتك شوية يا بيبو ، وبالمرة تبقششي علينا ونزيط احنا كمان.
ضحكت بهجة في رد لها:
– وهو انتي محتاجة تجميل يا مقصوفة الرقبة في سنك ده، بس لو ع الزيطة ، نظيطك عادي، ياللا شالله ما حد حوش.
– ايوة بقى .
هللت بها الاثنتان، يواصلن معها الحديث المرح، حتى عاد شقيقهم الرابع، والذي ما ان وقعت عينيه على بهجة حتى عبر عن اعجابه:
– ايه الحلاوة دي يا بيبو، لا تكوني روحتي لبنان واحنا مش دريانين.
– يا لهوي حتى انت يا ايهاب!
❈-❈-❈
وضعت رأسها على الوسادة اخيرا، بعد انتهائها من سرد مجموعة الأكاذيب التي اصبحت تجيدها امام اخواتها، كي تبرر لهم التغيرات التي تحدث معها ومعهم.
غير راضية عما يحدث ، ولكن تصبر نفسها انها فترة وستمر، بعدها ستنسى الزواج والرجال وكل شيء ، كل شيء،
اخرجها من شرودها صوت الهاتف الذي دوى فجأة برقمه، لتتوقف لحظات بتفكير عن سبب اتصاله في هذا الوقت المتأخر من الليل، قبل ان تحسم وتجيبه:
– الوو….
جاءها صوته كنغمة هادئة تطرب الاسماع:
– الوو يا بهجة قلبي، انتي نمتي ولا لسة؟
تمالكت تجيبه بصعوبة بعدما بادرها بغزله:
– لا طبعا لسة منمتش، انا يدوب مخلصة رغي مع اخواتي وحاطة راسي ع المخدة، يعني عشر دقايق بس، وكنت هروح في سابع نومة،.
– يا بختك.
توقفت تصلها صوت انفاسه، ثم واصل بنبرته الدافئة:
– انا بقى مش قادر يا بهجة، عمال اتقلب ع السرير، بمين وشمال ، وكل حتة فيا بتصرخ بإسمك، مش قادر انسى قربك ولا حضنك، انا هموت واضمك دلوقتي يا بهجة.
ازبهلت بحالة من التيه، تلجم لسانها لحظات حتى قالت :
– انا مينفعش اجيلك طبعا، حتى لو ينفع، ما اقدرش اسيب اخواتي.
وصلها صوت ضحكة خافتة منه ليردف:
– يا بهجة متقلقيش انا مبطلبش منك تيجيني.
– امال انت عايز ايه؟
تمتمت بها بحيرة:، فجاء رده المباغت لها:
– كفاية ابقى معاكي ع التليفون يا بهجة، تتكلمي ولا حتى تقعدي ساكتة، كفاية احس بنفسك معايا لحد ما اقدر انام، فاهماني يا بهجة؟
– فاهماك طبعا فاهماك.
رددت بها في استجابة له، وبداخلها تغمغم:
– دي باينها ليلة طويلة.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية حان الوصال)