رواية حان الوصال الفصل الثامن عشر 18 بقلم أمل نصر
رواية حان الوصال الفصل الثامن عشر 18 بقلم أمل نصر
رواية حان الوصال البارت الثامن عشر
رواية حان الوصال الجزء الثامن عشر
رواية حان الوصال الحلقة الثامنة عشر
ذاك الواجب الثقيل المُلزم به، تلك المسؤلية التي تطوق عُنقك ، ولا تجد منها مناصًا ولا يصح منها الهرب، فهو ماضيك وان تنصلت منه، تخليت عن ذاتك.
هذا هو ما كان يشعر به الاَن، وهو يقف خلف السور السلكي، يراقب ذلك الصغير وهو يركض بالكورة مع عدد من فريقه، كي يلحق ويسجل بها هدفا ضد فريق الخصم، لقد كبر عن اخر مرة قد رأه بها منذ سنة تقريبًا، يتكفل برعايته ويرسل المال شهريا ومع ذلك لا يعرفه عن نفسه ولا يتصل به اتصالاً مباشرًا، وكيف يفعل؟ ومن اين يجد العزيمة لمواجهة الاثر المتبقي من الماضي الأليم.
– كنت عارفة انك هتيجي المرة دي. ما هو مش معقول يعني تقضي في البلد يومين ومتشوفش اخوك.
ضغط على عينيه بغضب خانق، يكبت سعيرًا من نيران تسري بداخله؛ بعد سماع صوتها الذي دوى في اسماعه كفحيح الأفعى ، وتذكيره بالحقيقة التي يود ان يطمسها من تاريخة، ولكنه يعجز عن ذلك.
التف اليها بعد مدة من الوقت، ليُقابل بهذه الابتسامه الساخرة، متوقعة ان تجد منه الانبهار، بملامح الوجه التي زادت عليها بعدد من التعديلات كنفخ الشفاه وبعض الاجزاء من بشرتها، كي تزيد من انوثتها وفتنتها، وكل هذا طبعا من مال ابيه الذي يرسله من اجل شقيقه، وهي كالعادة تبدده بإسرافها،
ليرد على سخريتها بمقت:
– انا فعلا جاي اشوف اخويا، واشوف بالمرة الفلوس، بتوصله، ولا بتروح على عيادات التجميل الخاصة بوالدته.
عبست ملامحها بإجفال لتلميحه السخيف في نظرها، لترد بحدة؛
– وافرض بيروح جزء منها على عمليات التجميل لوالدته، ما هو انا ليا حق برضو، مش كفاية اني قابلة على نفسي ان اكون منفيه عن بلدي واتلقي صدقتك ليا ولاخوك كل شهر.
رد يفحمها بفظاظته:
– بلاش ترسمي دور الضحية، عشان النفي دا كان اختيارك من الاول يا ناريمان، انتي فضلتي تبعدي، وتخدعي الناس بأنك موتي عشان غضب عيلتك، تعيشي هنا في احلى مستوى بالحرية اللي انتي عايزاها بفلوس بتجيلك كل شهر من غير تعب……..
زفر انفاس خشنة اطلقت دخانا من انفه بتهديد خفي هي فقط من تعلمه:
– حاولي تحافظي كويس على اَدم وتاخدي بالك منه، عشان دا الخيط الوحيد اللي مخليني صابر على كل أخطاءك، لو طاله أي اذى حتى لو كان نفسي، انا مش هرحمك، والحنفية اللي مفتوحالك مش هتطولي منها مليم واحد بعد كدة.
– انا مسمحلكش يا رياض، لأني لا بغلط ولا بعمل اي حاجة تضر ابني، ولا انت عايز تلاقيلي أي حجة وخلاص؟
هتفت بها مدافعة، ليقابلها مرددًا باستهزاء:
– لا انا مش عايز اخدها حجة لاني مش هحتاج اساسًا وقت ما احب انفذ اللي في دماغي، انا بتكلم ع الغراميات، مع ناس موظفين وطلاب جامعة….. طب حتى اعملي حساب انك كنت متجوزة واحد من نسل الباشوات، ازاي الواحدة ترخص من نفسها كدة؟
لقد صفعها بفظاظته، حتى شعرت وكأنه مطرقه اهتزت لها رأسها، تبًا له من قاسي لا يعرف الرحمة بنقده ولا بتقدير وضعها كامرأة وحيدة، ولكنها ليست بالهينة حتى تصمت على اهانته:
– يعني انت جاي تحاسبني عن علاقه انتهت من ٦ اشهر مع مدير البنك اللي كان هيموت ويتجوزني لولا انا مرضيتش عشان خاطر ابني،
اما بقى عن طالب الجامعة، فدا مسكين ابن جارتي ، اعمله ايه؟ بيحبني وبيموت فيا رغم فرق السن، انا طبعا مدتلوش ريق حلو، لكنه بيطادرني في كل حتة ومبيزهقش، مش ذنبي اني جميلة يا رياض، جميلة وصغيرة كمان، انا مفرقش عنك غير سنة واحدة لو تفتكر، يعني في عز شبابي.
عندما ظل على جموده يحدقها بصمت، تابعت هي كي تؤثر في عاطفته:
– انا يمكن بيضيع كل فلوسي في اللبس والمظهر، عشان اعوض حرماني من اهلي وبلدي، ولا دي كمان هتعتبرها تمثيل؟
عقب ببساطة ينزع عنها هذا الغطاء الذي تحتمي به:
– محدش ضربك على ايدك يا حبيبتي، من النهاردة اطلعلك باسبور وترجعي ع البلد دا لو عندك الشجاعة.
ردت بابتسامة تتصنعها لتعقب بصفاقة ليست بغريبة عنها:
– وماله يا قلبي، اخد حبة الشجاعة وارجع اواجه اهلي، وبالمرة كمان اعرف نجوان هانم ان ليها ريحة من المرحوم…… اااه.
صرخت بالاَخيرة حينما باغتها بالقبض على رقبتها ، يضغط عليها بقوة، وعيناه اصبحت كتلة ملتهبة من الجحيم:
– حاولي تكرري تهديدك تاني يا ناريمان، وانا هخليكي تحصلي اللي راح.
حرباء متلونة، حتى وهي في اقصى لحظات ضعفها، وروحها بيده، تبسمت رغم الالم الذي يحيط برقبتها:
– لو تقدر اعملها يا رياض، هبقى مبسوطة اوي انى اموت على ايدك.
– انتي ايه؟ شيطانة، اموتك بجد عشان اريح البشرية منك؟
mama-
صدر النداء ليدق ناقوس الخطر برأسه، لينزع قبضته عنها بعنف والتف نحو الفتى الصغير ذو السبع سنوات، والذي توقف عن اللعب ليقف مواجهًا له، يفصل بينهم السور السلكي، بنظرة سريعة قطعها على الفور ليحرك اقدامه ويغادر هذا المكان برمته.
حاملا فوق ظهره هذا الهم الثقيل، بفضل هذه المرأة التي كانت السبب في ان يخسر والديه، وقبلهم نفسه.
❈-❈-❈
أسفل الشجرة التي اصبحت مكان التقائهم في وقت الاستراحة، حضرت صباح تحمل بيديها عدد من الشطائر المعدة بمنزلها لانها تفضل ذلك، مع كوبين من الشاي أتت بهم من كافتيريا المصنع، لتشاركها هذه الجالسة بشرود بهم .
تهتف نحوها بصوت واضح كي تلفت انتباهها:
– الشاي، الشاي والسندوتشات يا منيلة روحتي فين؟
استجابت لها بهجة بابتسامة تتناول الكوبين الساخنين. منها كي تضعهم على المقعد بينهما، وتجلس الأخرى وتضع الشطائر بجانبهم، تدعوها بأمر لا يخلو من مزاح:
– كلي معايا يا بت والهي نفسك بحاجة بدل الفكر اللي خلاكي خسيتي في يومين بس .
شهقة أجفال مكتومة برقت بها عينيها نحوها، لتتحول الى خجل شديد، زحفت على اثره السخونة لوجنتيها، فتدرجت بهم الحمرة ، بعدما فهمت على قصدها، لتنهاها بارتباك:
– ايه اللي بتقوليه دا يا ريسة، مش خايفة حد ياخد باله من البنات .
ضحكت لتضع الشطيرة بحجرها مرددة:
– لا يا ختي مش خايفة، انتي اللي شكلك متاخدة، وواضح اوي.
– يالهوي انتي بتتكلمي جد هو انا باين على شكلي اوي كدة؟
تمتمت بها بهجة برعب تنقل ابصارها نحو البشر المارة من حولهم، لتشفق عليها، رغم شعورها بالتسلية، فتعلق بمشاكسة:
– باين ايه يا بت؟ هو حد يعرف حاجة، كلي كلي دا انتي جبانة اوي واي حاجة بتصدقيها.
اذعنت لتقضم من الشطيرة قطعة صغيرة مغمغمة:
– الله يجازيكي يا ريسة بتتمألسي عليا عشان متوترة حبتين .
تأثرت صباح رغم غضبها المكبوت من الطريقة، ولكنها لا تقوى على التنصل من مسؤوليتها نحوها:
– تتوتري ليه يا ختي وانا جنبك؟ اي حاجة نفسك تسألي فيا، او اي مساعدة انا موجودة، ها، هيوصل النهاردة من السفر؟
اومأت بهز من رأسها وصوت بالكاد يخرج منها:
– محددش الساعة كام بالظبط، بس قالي جهزي نفسك واستعدي النهاردة ليلتنا.
– دا جريء اوي.
غمغمت بها صباح بدهشة تتعدى الذهول، لا تتخيل ان ابن الحكيم يخرج منه هذا الحديث، ولكن لما العجب، فهو بالنهاية رجل وهي امرأة فاتنة حتى لو بشيء قليل من الاهتمام، فما بالها لو تزينت واخذت حقها من الدلال، ولكنها بريئة بشدة وهذا ما يثير خوفها،
لذلك سارعت في طمأنتها:
– ارفعي راسك يا بهجة وبصيلي، انتي النهاردة هتبقي مسؤليتي.
❈-❈-❈
حينما عادت معها الى داخل المبنى، كانت المفاجأة من نصيبها، وهي تراه امامها يلج من الناحية الأخرى للمبنى، ترافقه اصوات العاملين بالتحية، والتهنئة بعودته من السفر، فكان يأتي رده اليهم باقتضاب كعادته وهو يواصل طريقه، فتلتقي ابصارها بخاصتيه، في انسجام بصري دام للحظات، حتى اكتنفها احساس انه على وشك القدوم نحوها وخطفها بين ذراعيه.
بالطبع كان هذيان صنعه عقلها ، بدليل قطعه لهذا الحبل الوهمي، ليتوقف امام مصعده، فتنهدت هي بيأس، ذاهبة لمصعدها، المصعد الخاص بالموظفين زملائها، فتذكر الفرق بينها وبينه وتعود لعقلها،
غافلة عن ابصاره التي تعلقت بها من الخلف، حتى اختفت داخل المصعد وصعد بها، اما عنه، فقد كان في حالة من الشوق، تكاد ان تفضحه،
منذ متى تخللت هذه الفتاة روحه وجعلته متعلقا بها بهذه الصورة؟ كيف استطاعت ببرائتها اختراق القلب الجليدي بعد سنوات من تركه متجمدًا ، حتى عادت هي تبث الروح به وتعيده للحياة، حينما يراها يفقد اتزانه ويفقد السيطرة على مشاعره، يومان مروا وهي بعيدة عنه، يتواصل معها عبر الهاتف كلما غلبه الشوق اليها كما يحدث الاَن وقد زاد لأضعاف برؤيتها، قد يتوقف قلبه ان لم يعانقها الاَن وفورا
حينما وصل لطابقه، كانت هي قد سبقته في الخروج من مصعدها متجهة الى الناحية الأخرى في عملها، ليحرك اقدامه سريعًا نحو مكتبه، فتقابله بالطبع لورا التي وقفت على الفور تستقبله بلهفة واضحة:
– رياض بيه حمد الله ع السلامة، امتى وصلت؟
بادلها الرد بابتسامة يتصنعها واقدامه تعرف طريقها نحو غرفة مكتبه، لتلحق به هي ايضا:
– الله يسلمك يا لورا، انا نازل حالا من المطار، يدوب غيرت هدومي وجيت هنا على طول، اخبار الشغل ايه؟
كان في الاخيرة قد جلس على كرسيه خلف المكتب، فجاء ردها اليه بحماس:
– كله تمام وبيرفكت، كارم بيه بيجي يطل يخلص المطلوب وانا اكمل الباقي بمعرفتي.
برغم ارتياحه لقولها الا انه كان يجاهد بصعوبة للرد باتزان فعقله المتشتت لا يرى شيئا الاَن غيرها:
– عال عال، انا كنت متأكد اني سايب ورايا اللي يسد، ان كان كارم، ولا انتي يا لورا، كل يوم بكتشف قد ايه تستاهلي ثقتي فيكي.
سمعت منه لتغمر الفرحة قلبها، هذا الفظ حينما يرفق عليها بأقل كلمة ثناء يقلب كيانها بالفعل، فما بالها لو حدث ما تتمناه وتحول للغزل؟
– تحب حضرتك اجيبلك حاجة تشربها، ولا اخليك تطلع على جدول بكل اللي تم وانجزناه في غيابك؟ انا من رأي ترتاح شوية الاول احسن.
سألته بحماس اشتعل برأسها كي تثبت جدارتها اكثر وتنال مزيدا من الاستحسان، ولكنه صدمها بقوله:
– لا يا لورا اجلي كل حاجة دلوقتي وابعتي لبهجة خليها تحضر حالا.
رفرفت اهدابها تستوعب ما التقطته اسماعها، هل هو بالفعل قد اتى بسيرة هذه الفتاة الان؟
– بهجة! بهجة مين حضرتك؟ احنا بنتكلم ع الشغل.
اعتدل بظهره لخلف الكرسي يجيبها بثبات وتحدي:
– وانا بتكلم عن بهجة عايز اطمن منها ع الاهم، وانتي فاهمة طبعا .
افحمها بالرد لتغلق فمها عن الجدال، بعدما اوصل لها انه يريد الاطمئنان على والدته اولا من هذه الملعونة المرافقة لها، لتذعن راضخة لأمره، ثم تخرج الى مكتبها وتطلبها بصفة رسمية.
أتت بهجة بعد لحظات على اثر استدعائها، تهديها ابتسامة صفراء قائلة:
– بلغني ان المدير باعتلي يا أنسة لورا.
اومات تشير بكفها نحو مدخل الغرفة بعنجهية وتعالي دون ان تكلف نفسها عناء الرد، فتحركت بهجة نحو ما اشارت لها، تكتم سبة بذيئة، لتطرق بخفة على الباب المثقل فأتى قوله امرًا على الفور:
– ادخل.
سمعت منه، لتدفع الباب وتدلف الى داخل الحجرة الضخمة، فتواجهت معه مباشرة وقد كان واقفا بجوار النافذة، تخاطبه برسمية:
-افندم حضرتك عايزني في حاجة؟ حمد ع السلامة الاول.
اومأ برأسه واقدامه تتحرك بتأني نحوها،
– الله يسلمك يا بهجة، انا فعلا عايزك، عايزك اوي.
قال الاخيرة وقبل ان تستوعب وجدت ذراعيه التفت نحوها فجأة بضمة هي الاقوى، يقبلها بشوق جارف، حتى انها تخشبت في البداية بين يديه لا تعي بما يفعل، لكن سرعان ما استعادت وعيها لتحاول دفعه عنها، ولكنه كان كالمغيب، يرتشف من شهد ثغرها وكأنها قبلة الحياة، تنعش قلبه ليضخ الدماء مرة اخرى، حتى صار كالمغيب، غافلا عن مقاومتها حيث كانت تضرب بكلتا كفيها ليحل وثاقه عنها، ويتركها تلتقط انفاسها،
حتى اذا ارتخت ذراعيه قليلًا نزعت نفسها منه، ودفعته عنها فجأة لتبتعد بمسافة كافية للأمان، فتمُلك اخراج صوتها اخيرا بالاعتراض، رغم عدم انتظام انفاسها بعد:
– انت ازاي تعمل كدة؟…. وفي المكتب!
تقدم خطوة تراجعت قبالها خطوتين للخلف، حتى صدر رده لها بضيق:
– وفيها ايه يا بهجة هو انا غريب عنك؟ ولا انتي نسيتي صفتك ايه بالنسبالي؟
– لأ منسيتش، بس برضو ميصحش.
تمتمت بها سريعًا لتعدل من هيئتها تردف بنبرة ضعيفة اظهرت حزنها رغم اعتزاز شخصيتها:
– الأمر بالنسبالك ممكن تاخده عادي، بس انا مينفعش ومقبلش، انا مراتك على سنة الله ورسوله، مش واحدة…
قاطعها على الفور بصرامة مردفًا:
– بس متكمليش .
هذه المرة كان الاسبق ليلتقطها سريعًا من ذراعها ويقربها منه قائلا بنبرة يتخللها الصدق:
– انتي أغلى واحدة على قلبي يا بهجة، وانا كنت مشتاقلك اوي ومازلت…. مسافر عنك بقالي تلت ليالي ويومين كنتى عايزاني استقبلك ازاي اول ما اشوفك؟.
خجلت لتطرق برأسها ، ولكنه أبى إلا ان يخاطب زمردتيها، ليرفع وجهها اليه من ذقنها قائلا:
– بتخبي عيونك عني ليه؟ انا بسألك تجاوبيني، ولا انا موحشتكيش زي ما وحشتيني؟
تاهت الفتاة بعدما اسرها بمعسول كلماته، وكأنه يلقي عليها تعويذة من السحر، يخطفها من عالمها الى شيء اخر بعيدًا عنها، ذلك العالم الجميل الخفي، محدود العدد عليها وعليه فقط، فيعود اليها مُلحًا بالسؤال:
– عايز اسمعها منك يا بهجة، وحشتك زي ما وحشتيني ولا لأ؟.
بماذا تخبره؟ وهي يكتنفها العجز في حضرته، تريد التعبير عما يعتربها بقوة ولكنها دائما ما تصطدم بهذه الحقيقية المؤلمة، الغرض الأساسي من زواجهم،
اذا لماذا هو يتطرف بعيدا عن هذا الاتفاق، ويضعها في هذه المتاهة؟
– لدرجادي السؤال صعب يا بهجة؟
اعادها اليه بصوته الرخيم وانامله تمر بنعومة على وجنتيها تفقدها المقاومة وتزيد من تشتتها، لتزيح كفيه عنها قائلة بتعب:
– رياض باشا معلش اعذرني….. المشاعر دي غريبة، والظرف نفسه بتاع الجوازة يخليني….
– مستغرباها؟
اومأت بهز رأسها:
– اه بصراحة، لأن انت من الاول محدد الغرض من الجوازة.
صمت قليلًا ثم اجابها بهدوء وهو يجلس على ذراع المقعد ليُقابلها بعدما اجلسها على طرف المكتب:
– وافرضي هو كدة زي ما بتقولي، هو دا يمنع اننا نشتاق لبعض ونقول كلام حلو كمان؟
– لحد ما تنتهي الرغبة.
قالتها كإضافة على قوله، لم يعلق عليها، بل ظل صامتًا لتردف هي:
– وبعد ما يعدي الشهر او الشهرين، نفترق وكأن ما في شيء كان، صح؟
مال بجذعه نحوها سائلًا:
– ومين اللي قال شهر ولا شهرين؟ كتبناها شرط في كتب الكتاب مثلا؟
صارت تطالعه بازبهلال قابله هو بابتسامة متابعًا:
– بلاش نحط ارقام والحاجات دي يا بهجة، سيبي الأمور تمشي.
– لحد ما تنتهي الرغبة.
عادت بها وكأنها تذكره بها وتذكر نفسها، لتلوح ابتسامة متسلية على طرف فمه دون ان يعلق.
فتستعيد هي بأسها وتحاول النهوض للانصراف:
– انا بقول كفاية كدة عشان اشوف شغلي ولا انت عايزني في حاجة تاني؟
نهض هو الاخر وقبل ان تتحرك بخطوة كان هو الاسبق، ليهمس بجوار اذنها:
– اعملي حسابك هتخرجي من الشغل على بيتنا على طول، عم علي هيستناكي وياخدك ، وهناك هتفهمي كل حاجة .
بحرج صارت تسيطر عليه بصعوبة:
– ومدام نجوان؟ ما هي ممكن تسأل عن سبب غيابي.
اقترب منها قائلا بصوت يذيب الحجر:
– متشيليش همها انا هلاقيلها حجة كويسة، المهم زي ما قولتلك.
وقبل ان تجادل مرة اخرى، اجفلهما فتح الباب ، وصوت كارم يدوي:
– انا جيت على طول اول ما قالولي انك رجعت من السفر و……
قطع الكلمات على طرف لسانه وكأنه ظبطه بجرم ما رغم عدم وجود ما يبرهن ذلك، لكن درجة القرب بين الاثنان هي ما جعلته يتوقف، ولعلمه التام بشخص رياض المتحفظ، والذي امتقعت ملامحه، ليطالعه بغضب مكتوم يأمرها:
– خلاص روحي انتي يا بهجة واعملي زي ما قولتلك .
تحركت على الفور تتوجه نحو باب الخروج امام ابصار كارم والذي رافقها بعيناه حتى غادرت، غير منتبهًا لذلك الذي كان يعض على نواجزه غيظًا وتعقد حاجبيه بغضب يجاهد لإخفاءه، حتى انتظره ليقترب معانقًا له عناقًا رجولي، تقبله بشيء من عنف لم يخفى على ذاك الداهية، ليتبسم ويلاطفه بمكر :
– براحة يا عم، هو انت لدرجادي مشتاقلي؟
ابتسامة صفراء ارتسمت على ثغره في رد له:
– الظاهر كدة فعلا، بس انت مقولتليش انك في المصنع كنت جيتلك بنفسي اسلم عليك؟
جلجلت ضحكة صاخبة من كارم وهو يجلس مقابلا له :
– ما انا لسة واصل يا عمنا، وعلمت بس لما وصلت، اندفعت افتح الباب من لهفتي عشان اسلم عليك، حتى ما استنتش استأذن لورا، شكلك وحشتني بجد يا صاحبي.
رد في محاولة لمجاراته:
– وانت كمان يا كارم، عرفت من لورا انك مكنتش مقصر، انا بجد بشكرك.
– لا مفيش داعي للشكر يا سيدي، احنا شركا، يعني دا شيء عادي ما بينا.
غمغم بها كارم، ثم عض على شفته السفلى مردفًا بفضول ماكر:
– بس دي اول مرة اشوف حد من الموظفين عندك.
كان متوقعًا سؤاله، ورغم غضبه الشديد، الا انه استطاع السيطرة عليه، ليجيب بنبرة جعلها عادية:
– لا دي بهجة مش موظفة عادية، كنت بسألها عن ماما.
– بتسأل على مامتك ليه؟….. ايه ده؟ لتكون دي جليستها الجديدة اللي قولت انها من عمال المصنع.
اومأ بضجر ، يكتنفه الندم الشديد لذكر هذا الامر
امام شخص مثل كارم، والذي واصل بابتسامة رائقة:
– بس بصراحة انا استغربت، البنت شكلها ميدلش خالص انها بتشتغل، حلوة اوي زيادة عن اللزوم بالنسبة لواحدة في ظروفها.
– متتكلمش عنها كدة يا كارم احترم نفسك.
صدرت منه بصيحة بضربة قوية بكف يده على سطح المكتب اجفلت الاخر، لكن سرعان ما اثارت ابتسامة متسلية داخله ، ليخفف بمزاح:
– ايه يا باشا انا مغلطتش، انا بس بقول رأيي .
– متقولش يا كارم، عشان انا مبقبلش بالكلام ده خالص، لا عليها ولا على غيرها.
صدرت منه بحدة جعلت الأخر يصمت على الفور، وبداخله يجزم ان هذه الفتاة لها مكانة خاصة لدى هذا المتحفظ الغامض، اخيرا قد وجد له صلة ما بصنف النساء، لقد كاد ان يراوده الشك في هذا الأمر.
❈-❈-❈
بنسخة يملكها، وضع المفتاح في مغلق الباب الخارجي، ليدفعه بعد ذلك بعدما تمكن من فتحه، ثم يلج داخل الشقة التي هلت منها رائحة ما فور دخوله، ليواصل تقدمه متأففًا بضجر، وعيناه تجوب على الاثاث والوضع الكارثي الذي حل به من اهمال، حتى صار يثير الازدراء.
أعقاب سجائر منتشرة على الارض في كل مكان يدعس عليها بأقدامه أثناء سيره، عدد كبير من اكواب الشاي احتلت الطاولة امامه ، ملابس هنا وهناك.
تتبع مصدر الرائحة النتنة حتى ساقته قدميه الى المطبخ، ليصطدم بجبل الاطباق المتسخة في حوض الغسيل، وفي جانب ما على الارض، اكتظت سلة المهملات بالقمامة وبواقي الطعام الملقاة بها، حتى اختمرت وتجمعت حولها الحشرات.
لم يحتمل اكثر من ذلك ليرتد باقدامه للخلف ، ضاغطًا بإصبعيه على أعلى فتحتي منخاره مغمغمًا:
– اف، الهي يقرفك يا بن الخايبة خلفة تعر.
توجه بعد ذلك على الفور نحو غرفة النوم التي كانت مفتوحة من الاساس، ليجد ابنه كما توقع غافيًا على تخته كالأموات.
نائمًا على وجهه بالعرض بجذعه العاري يرتدي فقط البنطال البيتي، والفوضى تعم الغرفة في كل شيء،
ليهدر بصوت عالي بغرض ايقاظه:
– قوم يا زفت الطين، هتفضل نايم لحد العصر.
انتفض سمير معتدلا بجذعه على الفور، ليُفاجأ بوالده امامه متخصرا بجسده القصير البدين، وملامح مكفهرة زادت من هلعه:
– في ايه يابا؟ ايه اللي حصل؟
ردد خلفه باستهجان:
– اللي حصل؟! هو انت كمان بتسأل يا روح امك، نايم في زريبة ولا البهايم، وجاي تسألني ع اللي حصل، انت ياض انت حلوف ما بتحسش، مستني ايه عشان تعدل من حالك وتبقى راجل زي باقي الرجال؟
صار يطالعه بعدم تركيز، يستنكر وصلة الشتائم تلك من داعي، ليعقب بضجر:
– جرا ايه يابا لدا كله؟ مصحيني على وصلة تهزيق معتبرة، ليه يعني؟ مش راجل في ايه بقى؟
صرخ به بانفعال يقارب الهياج:
– انا بتكلم على مراتك يا زفت، البت على وش ولادة وانت قاعد هنا وسط البيت اللي خليته عفن بإهمالك ولا معبر، مستني ايه تاني ياض؟ لما تولد وابنها يروح المدرسة ولا نسيتها من اساسه.
ازاح بأبصاره عنه يغمغم بكلمات غير مفهومة زادت من استفزاز والده:
– بتبرطم بتقول ايه يا زفت؟ النهاردة تتصل باخوها وتشوف معاه حل، الواد عايز يعمل قيمة لاخته معاك، على الاقل خده على قد عقله لحد ما ترجع البت ولا عاجبك حالك كدة؟
لم يعلق واكتفى بالصمت فهو لا يملك النية من الأساس لإرجاعها وهذا ما يعلمه والده، ولكنه عاد يؤكد مرة اخرى:
– اللي في دماغك تنساه يا بن درية، نفذ اللي بقوله واتصل على اهل مراتك، وشقتك شوفلك حد يرتبها، على الاقل تعيش زي باقي البني أدمين.
– واشوف حد ليه يابا؟ ما مراتك وبنتك قاعدين، كلم انت واحدة منهم تشفق على ابنك الغلبان.
– الاتنين مش فاضين يا اخويا، امك راحت السوق، وأختك خرجت تزور واحدة صحبتها .
بصق كلماته وخرج من حيث ما اتي، ليعلق سمير في اثره:
– صحاب مين؟ هي سامية بتعرف تصاحب اساسًا؟
❈-❈-❈
– اتفضلي يا حبيبتي، سيدنا الشيح قدامك اهو.
قالتها المرأة وهي تدلف بها داخل الغرفة الشاسعة والتي تدخلها لاول مرة، رغم زيارتها للمنزل منذ ايام، تشير لها بيدها نحو الرجل الذي اخذ موضعه متربعًا على اريكة صغيرة تخصه وحده، يختفي وجهه اسفل شاش طويل يغطي جانبي وجهه، وقد ظهر امامها لحيته الطويلة السوداء، يمسك بيده مسبحه، يتمتم بكلمات لا تصل اليها،
تتقدم نحوه برهبة وخوف يتملكها فهذه الأجواء تثير بقلبها رعبًا رغم طمأنة حالها انه خوف وقتي وسيمر، فوالدتها مرت به قبل ذلك كثيرا واعتادت عليه في تنفيذ ما تريده،
– قدمي رجلك شوية يا سامية وتعالي يلا قولي حاجتك.
انتفض جسدها مع سماعها للصوت الأجش الذي صدر منها، لتبتلع ريقها وتخطو سريعًا حتى وصلت اليه، فجلست مكان ما اشارت لها المراَة مساعدته، لتصبح مقابله.
فتحققت من ملامح الوجه الذي يملأه الشعر دون تهذيب ، رجل اربعيني، النظرة اليه فقط تثير الرعب بقلبها، والذي ازداد اضعاف حينما رفع عينيه اليها:
– اهلا يا سامية، عايزة ايه يا بنتي؟
حُشرت الكلمات داخل جوفها، حتى اصبحت تبحث عن صوتها للحديث كي تجيبه، فهتف يطمأنها بسخرية:
– ايه يا بنتي، هو انا للدرجادي شكلي يخوف؟
تدخلت على الفور مساعدته:
– لا يا سيدنا تخوف دا ايه؟ هي بس من الرهبة، دي حتى امها كذا مرة تيجي عندك، يعني مش غريبة عننا .
– عارفها طبعًا، مش برضو امك درية؟
اهتزت رأسها عدت مرات، وقد تشجعت بذكر والدتها:
– ايوة ايوة يا شيخنا، انا بنتها بس النهاردة جيالك من غيرها عشان حاجة تخصني.
صمت يحدقها بعيناه العميقة قليلًا وكأنه فهم على المقصد من زيارتها، ليقول:
– اتفضلي يا سامية، قولي على طلبك، وانا اوعدك ان اللي عايزاه هيحصل.
شهقت بلهفة انستها الرهبة والخوف من الرجل:
– صحيح يا شيخنا، هتنفذلي صح اللي انا عايزاه؟
بوجه جدي اشتد فجاة، ليعود بها بنفس الرهبة الاولي:
– لو محتاجة أاكدلك على قدراتي، مستعد اثبتلك دلوقتي يا سامية.
حركت رأسها بعدم فهم للمغزى المقصود من خلف كلماته، فتحدثت في محاولة لتملقه كي ينفذ لها ما تريد:
– مش محتاج تثبت يا شيخنا، انا شوفت العمل اللي جاب نتيجة مع امي، دلوقتي بقى عايزة اللي يخصني انا، واللي تؤمر بيه يا شيخ انا تحت امرك .
مط طرف فمه بابتسامة غير مفهومة، يعقب على كلماتها:
– رغم اني عارف طلبك، بس برضو هسمع منك، قولي يا سامية باللي انتي عايزاه، متخليش في نفسك حاجة.
❈-❈-❈
زغروطة كبيرة صدحت في قلب المنزل من رحمة، في استقبال شقيقها وعروسه بعد العودة من رحلة العسل، في حضور زوجها ووالدتها، ووالدي العروس مسعود ابو ليلة وزوجته زبيدة التي مازالت تتشبث باحضان ابنتها وعيناها تغيم بالدموع:
– اتوحشتك جوي يا بتي، اول مرة تبعدي عني كدة يا مضروبة الدم .
علق ابو ليلة يدعي الضيق:
– شوف يا خوي شغل الحريم، دا على اساس انها كانت هتجعد العمر كله جدامك، ما معروف من زمان البت مكانها فاضي، ولا انتي اول مرة تجوزي بنته؟
– لاه مش اول مرة، بس دي اخر العنقود، واكتر واحدة جعدت معايا منهم، خدت الغلاوة كلها المضروبة.
ضحك الجميع على قولها بما فيهم شادي الذي كان ملتصقًا بوالدته هو الاخر:
– معلش يا حماتي، اهو البيت قصاد البيت، يعني مش هتلحق توحشك اصلا.
صمتت زبيدة بحزن فتكفل زوجها بالرد:
– لا ما احنا راجعين ع البلد يا غالي.
شهقت رحمة متسائلة:
– ليه يا عم ابو ليلة؟ ما انتوا قاعدين جمبنا والحال عال العال .
– خلاص بجى هنجعد ليه؟ نرجع لبلدنا نراعي الارض ونريح شوية من شغل الشقا بين العيلة والاحفاد.
صدر الاعتراض من صبا رغم علمها بالقرار مسبقًا:
– وانا هتسبوني لوحدي هنا، ما جولتلك يا بوي، ياجوا هما خواتي هنا ويسكنوا معانا، ولا هيا العيشة متنفعش غير في البلد.
زفر ابوليلة يغمغم نحوها:
– شوف البت، تفكر غير في مصلحتها، يعني يا جلعانة انجل عيلة سالمة من مطرحهم، لمكان مش متعودين عليه عشان خاطر جنابك؟ يا بت حتى ان كنتي أتجوزتي، برضوا مش عايزة غير تنفذي اللي في مخك؟
ضحك زوجها يربت على ظهرها بدعم في رد له:
– معلش يا عمي، انت قولت عليها من الاول انها دلوعة، وانت عودتها على كدة، ع العموم يا صبا انا برضو جوزك موجود وعيلته هي عيلتك ولا ايه يا ماما؟
– طبعا يا قلب امك. دي نن العين من جوا.
قالتها والدته لتعلق رحمة بسماحتها كالعادة:
– وبصراحة بقى هي من حقها، يعني ان مكانش القمر بتاعنا يدلع، من يحقله غيرها؟
جاء رد زبيدة في تعقيب على قولهم:
– ربنا يديم المودة ويبعد عنهم العين، ويريح جلبهم ويرزقم بالخلف الصالح يارب .
تمتم الجميع من خلفهم، واولهم شادي الذي اصبح يتحرق داخله لرؤية ثمرة الحب بينه وبين حبيبته.
❈-❈-❈
خرجت من الباب الخلفي للمصنع تقطع الطريق القصير حتى وجدت امامها سيارة العم علي فى انتظارها، يوميء لها بابتسامته كالعادة، بادلته هي بحرج، رغم علمها بمعرفته بالزواج، بل وكان شاهدا عليه،
ترجل باحترام يفتح لها الباب الخلفي، معلقًا لها بمزاحه:
– اتفضلي يا هانم، والله لما قولت انها تليق عليكي ما كدبت.
اومأت بحرج وابتسامة تغتصبها بصعوبة:
– ربنا يخليك يا عم علي دا من زوقك.
عاد الرجل الطيب الى مقعده ليتحرك بالسيارة، مستمرًا في الحديث معها:
– والله دا انتي اللي زوق وعسل، بقولك ايه، احنا مينفعش نمشي كدة سكيتي، تحبي اشغلك ايه بقى؟ بتحبي القديم ولا الجديد.
اومأت بهزة من كتفيها، فهي ليست بمزاج يسمح لها بالسماع من الأساس، عقلها المشوش، يدور بلا هوادة، لا تصدق بما قادمة على فعله الاَن، على الرغم من انها اصبحت زوجته رسميًا.
قابل الرجل صمتها بمزيد من المزاح، يخلق حديث من الهواء، كما أنه اشغل المزياع ليطرب اسماعها، كي يخرجها من حالة الشرود التي تعصف بها، فمر عليها الطريق بسهولة،
حتى توقف بها امام احدى صالونات التجميل الشهيرة ، والتي لطالما رأت اعلاناتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقبل ان يصدر سؤالها، اجابها بعملية:
– دي اوامر الباشا يا هانم، انزلي بقى عشان نلحق ميعادنا .
رددت خلفه بسأم:
– تاني هانم، ما بلاش منها دي يا عم علي.
ترجل الرجل يسبقها، ثم توقف بجوارها، يفتح لها باب السيارة بكل احترام قائلًا:
– هانم وست والهوانم، انزلي بقى يا برنسيسة.
استجابت لتترجل مرددة خلفه باستهجان:
– كمان برنسيسة، ما قولنا بلاش يا عم علي .
ضحك يسبقها بخطواته مرددا بتصميم:
– قولي براحتك، وانا برضو هقول براحتي.
بعد لحظات كان يقدمها الرجل لامرأة تبدو وكأنها اجنبية، تحدق بها من اعلى لأسفل بتقيم لم يعجبها، لكن سرعان ما اجفلتها بابتسامة عملية تحدثها وبلغة عربية لا تتقنها:
– اتفضلي معايا يا هانم .
توجهت بهجة بسؤالها نحو العم علي:
– اتفضل معاها اروح فين؟ هي عايزاني في ايه الست دي؟
تبسم الرجل قائلا بتسلية:
– يا ستي روحي معاها، دي هتعاملك معامله ملوكي، انا افهم ايه بقى في حاجات الستات عشان اشرحلك، يلا بقى، عايز اروح اشوف مصالحي، وقت ما تخلصي هتتصل بيا، سلام يا ست العرايس.
قالها وذهب يتركها في حوزة المرأة، لتردد من خلفه بتوعد، قبل ان تستجيب للذهاب مع المرأة :
– ماشي يا عم علي.
تحركت مع المرأة بعد ذلك لتمر بالعديد من المراحل التي ولأول مرة تخوضها او تسمع عنها من الاساس، واشياء لم تعمل لها حسابا قبل ذلك. لتنتهي من كل شيء اخيرا ، بارتداء هذا الفستان الذي تفاجأت به والعديد من القطع ف انتظارها، لا تدري متى أتى بهم، وكأنه تم صنعه خصيصا لها .
فتقف الاَن امام مراتها، لا تعرف نفسها.
❈-❈-❈
وعند نرجس التي كانت عائدة من السوق، تحمل سلة كبيرة، حشرت بداخلها العديد من المشتريات، حتى اصبحت تحملها بصعوبة، والثقل يؤثر على سيرها نحو بناية سكنها بخطوات متأنية، لتفاجأ برفعها فجأة من فوق كتفها، وصوت ابراهيم يدوي :
– رايحة فين يا خالتي بس بالشيلة التقيلة دي؟ مش خايفة لتقسم ضهرك ولا يجيلك الغضروف منها .
بدهشة فاقت الارتباك، تطلعت اليه لا تصدق فعلته، فهذه اول مرة يفعلها، ولكنها لا تملك الان الا الامتنان لفعله:
– تشكر يا حبيبي تشكر، انا مش عايزة اتعبك.
رفعهم بسهولة ليحملهم عنها فوق كتفيه، مرددًا بمروءة جديدة عليه:
– تعب ايه بس يا خالتي؟ هي دي حاجة مستاهلة.
وقبل ان ينبث فمها ببنت شفاه، فوجئت بسحب هاتفها من يدها من احد الفتيان التي تركض سريعًا بالدراجة ليطلق هو صيحته:
– يا بن الكلب… مش هسيبك، امسكي يا خالتي جايلك حالا.
ترك السلة على الارض وهرول خلف الفتى، يتركها في وسط الطريق، بحالة من التشتت، تتطلع هنا وهناك، وذهول يكتنفها عما حدث .
اما هو فقد وصل بعد لحظات، لبجد الفتى في انتظاره، في جانب ما من الطريق ، بعد ان ابتعد بمسافة كافية عنها، ليعطيه الهاتف بعمليه قائلًا:
– اتفضل يا ريس، كله تمام.
تناوله منه يسأله بمزيد من التأكد:
– يعني عملت المطلوب منك ياض.
لوك الفتى بالعلكة داخل فمه قائلا:
– ما قولتلك يا ريس كله تمام ، يعني كل اللي في تليفونها بقى عندك، انت بتكلم الجينيس.
لطمه بكف يده على رأسه من الخلف مرددًا بمزاح ثقيل:
– انت هتعملي فيها بيل جيتس، على تليفون صغير هكرته، اخفي من وشي دلوقتي بقى يا ظريف.
– امرك يا ريس.
قالها الفتي وانطلق بدراجته، ليتناول هو الهاتف ويعود به نحو الأخرى بابتسامة شقت فمه مرددًا بانتشاء:
– كدة ماشين صح اوي، احب انا التكنولوجيا.
❈-❈-❈
كانت الساعة تقارب السابعة حينما تفاجأت بالخادمة تخبرها بوجوده في انتظارها في الحديقة، لتنهي محادثاتها عبر الهاتف مع رئيستها صباح التي لم تتوقف منذ ان تركتها.
لتغادر الغرفة التي لم تفارها من وقت ما وصلت برفقة العم علي، والذي لم يقصر معها بالمزاح ولا بالثناء على حسنها بعدما ارتدت الثوب الذي يليق بها بحق، ثوب الهوانم كما يشبهها .
لتخرج اليه الاَن عبر الممر الداخلي للحديقة، فتفاجأ بالانوار والشموع المنتشرة بكثرة وبحرفية مقصودة لتجعله جوا شاعريا رومانسيا، وهو يقف في استقبالها، يرتدي فقط القميص الابيض على بنطال يشبهه، وهيبة تخطف الانفاس،
ماذا فعلت بنفسها؟ ليتها ما وافقت على القرب منه من الاساس.
– قمر يا بهجة، واحلى من القمر كمان.
قالها فور ان اقتربت منه، ليلتقط يدها ويقبلها، وعيناه لم تفارق تفصيلة صغيرة منها.
من زينة وجهها الناعمة، والتي زادتها بهاءًا، والشعر الحريري بقصة رائعة جعلته متموجًا على جانبي وجهها وظهرها من الخلف، ثم هذا الفستان الذي اختاره بإحساسه، ضمن مجموعة انتقاها خصيصًا لها،
منسدلا على الجسد الممشوق، يضيق على بعض المناطق لتزيد من فتنتها في عينيه، وخجلها امامه، ثم ندمها حينما اطاعت المرأة في ارتداءه.
– ايه مالك؟ مكسوفة؟
اومأت بارتباك يعصف بها:
– بصراحة اه، خصوصا مع الجو ال……. انا شايفة انه مش ضروري على فكرة .
تبسم لإصرارها المتعمد في تذكيره بهذا الامر الذي اصبح يمقته من كثرة سماعه منها، ف اقترب يباغتها بلف ذراعه حول خصرها من الخلف، ليضمها اليه فجأة، ويأمرها بصرامة:
– ممكن تشيلي اي فكرة من دماغك وتركزي بس في لحظتنا مع بعض؟
تمتمت بحرج شديد وكلمات متقطعة، فقربه المهلك يقبض على معدتها ويجعلها تتلوى بالداخل:
– لحظتنا ازاي يعني؟ انا مش فاهمة احنا واقفين هنا ليه اصلا .
تبسم باتساع، مستمتعًا بإرباكها، ثم وبحركة سريعة ضغط على جهاز التحكم عن بعد لتشتعل موسيقى اجنبية رومانسية كانت تعلمها قبل ذلك، ولكنها الاَن لا تستطيع التفكير ولا تذكرها حتى، بعدما سحبها فجأة ، يراقصها قائلا:
– انا بقولك سيبي نفسك يا بهجة، ركزي بس معانا وفي لحظتنا، انا عايز اعيش اللحظة دي معاكي دلوقتي، انسى العالم وانسى نفسك ومفتكريش في غيرك، انتي وبس .
تطلعت اليه بتشتت، عيناها تحمل الف سؤاا، وجسدها اصبح يتناغم مع خطوته، يخطفها بسحر كلماته ولكن عقلها الدئوب يفيقها من تلك التعويذة في كل لحظة، لماذا هي من دون الجميع؟ لماذا يختصها بتلك المشاعر وذلك الاتفاق؟ ليتها تعلم حتى تستريح.
قطع فجأة يوقفها:
– انا شايفك لسة سرحانة برضو، تحبي نتعشى الاول ولاااا.
– ولا ايه؟
سألته ببرائة تقارب الغباء، ليًقابل ردها بابتسامة ماكرة قائلا:
– انا بقول نأجل العشا شوية وندخل على طول في ولااا
لم تعي ما الذي حدث بعدها، كيف انتقل بها من الحديقة الى هنا بداخل غرفته.
يضمها اليه بقوة وقبلاته لم تتوقف سوى حينما انزلها على اقدامها ، ليغمغم بنبرة لامست قلبها:
– تعرفي النعيم يا بهجة؟ انا دلوقتي بس عرفت ايه النعيم ، قربي منك هو النعيم اللي ممكن استغني بيه عن العالم كله .
لم تجد صوتها لترد ، وقد ضاع كما ضاعت هي في بحر عشقه، لتتوه داخل امواجه، فلا تدري اين ترسو بها، الى بر النجاة، ام تبتلعها ظلمته.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية حان الوصال)