روايات

رواية نيران الغجرية الفصل الرابع والأربعون 44 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية الفصل الرابع والأربعون 44 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية البارت الرابع والأربعون

رواية نيران الغجرية الجزء الرابع والأربعون

نيران الغجرية
نيران الغجرية

رواية نيران الغجرية الحلقة الرابعة والأربعون

خيانة من صديق ؟
___________________
” يجب ان تعي انك لا تستطيع انقاذ إنسان لا يريد إنقاذ نفسه ، و أن أغلب البشر فقط يبحثون عن المواساة او تغيير لحظي سطحي ، و القليل جدا منهن يبحث عن تغيير عميق جذري حقيقي.
لأنه أمر صعب والعقل البشري يريد المحافظة على وضعه المريح و يرفض التغيير جملة و تفصيلا ” #مقتبس

– تقدر تتسطح ع الانتريه ده عشان تسترخي.
قالت مشيرة الى المقعد الصوفي الفاخر فنظر عمار نحوه للحظات قبل أن ينهض و يذهب ليتسطح عليه بالفعل ، حاول إغماض عيناه للتركيز و لكن شعوره بعدم الأمان منعه فغمغم باِضطراب :
– هو لازم احكي كل حاجة.
– انت جاي هنا علشان اساعدك مش عشان اجبرك تعمل حاجة انت مش عايزها.
– طيب تحبي ابدأ منين.

ردت عليه ريماس بعفوية لتخفف عنه عبء الموقف :
– من اي مكان تحبه يا عمار غمض عينيك و ركز.

كان لصوتها تأثير ساحر ساهم في تهدئة أعصابه فتثاقلت جفونه و أغلقها محاولا تصفية ذهنه من الشوائب حتى زارته ذكرى ذلك اليوم … حينما رأى الغجرية لأول مرة …
– كنت قاعد مع واحد من معارفي عميد في الكلية لما قالي انه جه لعندي عشان يعرض عليا القي خطاب في حفلة التخرج لكلية ألسن و فعلا انا قبلت عرضه.
بس وانا بخطب لمحت بنت قاعدة في الصف التاني ولا التالت و عماله تقلب شهادتها بين ايديها و عينيها المكحلة بتلمع بفرحة و فخر كانو باينين اوي.
كان شعرها طويل … طويل جدا و كيرلي و تجعيداته قربت تغطي القبعة اللي فوق راسها و حاطة روچ فاقع على شفايفها … تعرفي يا دكتورة انا من اول ما شوفتها حسيت بكهربا في جسمي و لقيت صعوبة في اني اكمل الخطاب سحرها كان مغطي ع المكان رغم انها مش اجمل واحدة يعني.
بس كان فيها حاجة مميزة اوي مقدرتش اعرف ايه هي ولما لاحظت اني عمال ابصلها اتوارت و قامت خرجت من القاعة فسمعت رنين الخلخال بتاعها … الرنة بتاعته لسه في وداني لحد دلوقتي.

توقف عن الحديث غارقا في تلك اللحظة فتمتمت الطبيبة التي كانت تتابعه بتركيز بالغ :
– حاولت تدور عليها و تعرف هي مين ؟

ابتسم عمار مجيبا :
– دورت عليها وعرفت اسمها مريم عبد الرحمن و مكتفيتش بكده لا انا كمان لما عرفت انها يتيمة و عايشة مع عمها اللي اجبرها ترجع للقرية بتاعتهم روحت عرضت عليه يجوزهالي في السر مقابل مهر مبيحلمش بيه حتى ، وهو وافق و اتجوزتها.

– مريم كانت موافقة ؟
– لسانها كان بيقول نعم بس وشها بيقول حاجة تانية … مش هكدب عليكي يا دكتورة انا مكنتش مهتم برأيها الصراحة لاني فكرتها وافقت علشان الفلوس بس بعدين عرفت ان كان ليها ظروف أجبرتها تقبل بزواج سري.
مريم كانت هادية و مطيعة بشكل كبير … مبتتجرأش ترفع وشها وهي بتكلمني و صوتها خافت ع طول ، و ده اللي عجبني فيها لانها مناسبة لواحد عايز يحبس زوجته بين أربع حيطان و يخليها متتحركش من دون إذنه … و بالمقابل كنت بعاملها بطريقة حلوة و اجيبلها اللي تتمناه يعني كنت بعوضها مش كده.

رفعت حاجباها وهي تدون شيئا ما على الورقة ثم قالت :
– مفكرتش تقعد معاها مرة و تسألها ان كانت مرتاحة في الوضع ده.
– لأ مسألتش عشان كنت متأكد من ان مريم هتبقى راضية بأي وضع مقابل مترجعش لبيت عمها يعني انا استغليت ظروفها و مشيتها ع مزاجي.

همهمت ريماس و تساءلت بهدوء مجددا :
– انت ليه حطيتلها قيود و قوانين و حبستها بين اربع حيطان بشكل يخليها ترضى بالسجن ده مكنتش بتثق فيها ؟

نفى عمار مجيبا :
– عمري ما وثقت فيها و دايما كنت متوقع انها تخونني علشان كده حطيت كاميرات في الشقة و جهاز في تلفونها يخليني اعرف كل اللي بتعمله عليه.

– و السبب ده يرجع ل انك شوفت منها حاجة تخليك تشك فيها و تجبرك تراقبها ولا انت كده كده كنت هتراقب مراتك في كل الأحوال حتى لو اتجوزت واحدة غير مريم.

بدأ الانفعال يتسرب الى عمار و كان هذا واضحا من تشنجه و انكماش حاجبيه بضيق ، ثم فتح عيناه ببطء و تمتم بضياع :
– معرفش بس انا دايما كنت بشك في مريم حتى وهي نايمة جمبي و بقول مستحيل اسيبها تخرج و تدخل لوحدها او تكلم حد غيري … ع الاغلب غيرتي كانت بسبب اني قادر أشوف تأثيرها على الرجالة من حواليها زي لما أثرت فيا انا.

طرقت الطبيبة بالقلم على سطح المكتب بخفة لتردف بدهاء :
– أو لانك بتعاني من نقص في الثقة ف اللي حواليك بشكل عام لانك عشت حالة خيانة من قبل … حبيبتك السابقة خانتك ولا شوفت اتنين مرتبطين واحد فيهم خدع التاني و بالتالي انت بقيت خايف تعيش نفس اللي عاشه هو.

نبرتها المتزنة و الواثقة جعلت عمار يشعر و كأنها تعري دواخله و تكشف مراكز ضعفه بدون مجهود كبير منها ، كأن القشرة التي أحاطها حول أسراره طوال هذه السنين بدأت تتشقق و تخرج ما يخفيه ، من جهة هو مرتاح حقا لفكرة البوح و لكن ناحية أخرى لا يشعر بنفسه مستعدا لهذه الخطوة.
و لذلك هز رأسه و هتف بصوت خرج مبحوحا :
– انا مش قادر اتكلم اكتر … مش مسألة ثقة او خايف تطلعي سري لبرا بس الكلام اللي حضرتك عايزاني اقوله انا بقالي مخبيه سنين طويلة اوي ومكنتش اتجرأ حتى اني اتكلم عنه بيني وبين نفسي … صعب اوي.

انتفض جالسا يتنفس بوتيرة سريعة و نبضات قلبه عادت تدق بقوة من جديد فنهضت ريماس من مكانها و ذهبت لتجلس مقابلة إياه ، وضعت يدها على يده و أردفت بطمأنة :
– عمار اهدى قولتلك انت مش مجبر تعمل او تقول حاجة مش عايزها بالعكس احنا هنا علشان نساعد بعض و المساعدة ديه مش هتتحقق غير وانت مرتاح.

نظر الى يدها الموضوعة على خاصته ثم افترت شفتاه عن ابتسامة مرهقة وهو يقول :
– اول مرة الاقي حد يتفهمني و ميجبرنيش اضغط على نفسي و نظرات عيونه مش بتلومني على سكوتي شكرا.

– العفو ده شغلي و متقلقش احنا لازم نبني رابط ثقة بيننا يخلينا نرتاح و ده هيحصل مع الوقت متستعجلش اساسا مناقشتنا اللي استمرت ساعة كاملة تعتبر كويسة جدا بالنسبة لأول جلسة لينا و اكيد هنتطور اكتر في المستقبل.
تعمدت ريماس التكلم بضمير الجمع لكي تظهر له بأنه ليس وحيدا في هذه التجربة بل هي معه و ستقوم بمجهودات شبيهة بخاصته لتنجح في معالجته.

فتنهد عمار و شكرها ثم غادر وهو متفاجئ من نفسه لأنه توقع أن يقتحم الندم قلبه بعدما تحدث عن حياته مع شخص غريب إلا أنه لم يداهمه غير الإحساس ببعض الراحة و كأن صخرة كبيرة انزاحت من فوقه.
لذلك صمم بالضغط على نفسه قليلا ليتخلص من عقدة الصمت و البوح بكل شيء ربما تتحسن حياته و تصبح أكثر اطمئنانا …

و بالفعل استطاع النجاح في ذلك درجة بدرجة وقد ظهر ذلك في جلساته مع الطبيبة في الايام الموالية ، فبعد مرور اسبوعين بدأ عمار يتكلم عن ماضيه و باح لها عن رؤية والدته وهي تخون والده مع شخص مجهول حيث كانت تستغل طفلها فتأخذه معها بحجة التنزه كي لا يشك أحد بها و تحذره من اخبار أبيه بالحقيقة و إلا سيحاسب.
ثم وفاتها بمرض خبيث و ارساله الى المدرسة الداخلية ليقضي حياته منبوذا يصارع كوابيسه و هلوساته بمفرده حينها اكتسب شخصيته الكتومة التي تميل للعنف عند الغضب وأبعد الجميع عنه حتى قابل مريم و كانت هي الأداة الوحيدة التي أفرغ فيها غضبه …
_______________
– بقولك هو عرف كل حاجة كنت مخبياها و هددني بعيلتي بس بعدين قالي بدل ما يأذيهم هما هيندمني انا لو عرف اني كنت غلطانة في حقه و ظالماه بتهمة بشعة.
رددت مريم بسخط وهي تتحدث مع هالة على الهاتف فأجابت الأخرى مستفهمة :
– طيب ليه متكلمتيش يا مريم ، لو يعرف منك انتي احسن من انه يعرف من غيرك ان ابنه اتقتل.

– هو انتي ليه عمال تحطي احتمالات ع اساس ان عمار بريء يا هالة معقول ابطل اتهمه بس عشان كام كلمة منه وبعدين انا كنت هقوله على كل حاجة لو مدخلش عليا وهو بيهددني انتي لو شوفتي وشه و ازاي كان متعصب كنتي عرفتي …

أنه لن يسامحها اذا ما تبين أنها الظالمة ،فكرت مريم بهذا الأمر وهي تؤنب نفسها لأنها حتى لو اتضح خطؤها و ظلمها فهذا لن ينفي حقيقة خياناته المتعددة مثلما أخبرها والده ولن ينسيها قبلته لإبنة عمه ولا اهاناته و تعنيفه النفسي لها حينما كانت تعيش تحت إمرته.
تنهدت ثم قالت مغيرة الموضوع :
– استراحة الغدا خلصت ولازم ارجع لشغلي هنكمل كلام لما ارجع المسا ، بقولك انتي هتخلصي دوامك امتى.

ردت عليها هالة بإمتعاض :
– امتحانات الميدترم قربت و لسه مجهزتش الأسئلة للتلاميذ عندي عشان كده يمكن اتأخر شويا.

هزت مريم رأسها بتفهم وودعتها لتزفر هالة بإرهاق و تكمل عملها في قاعة المعلمين التابعة للمدرسة الإعدادية التي تعمل فيها.

*** من ناحية أخرى كانت مريم تتجه نحو قسم التدريب عندما تقابلت وجها لوجه مع عمار الذي دخل لتوه الى الشركة ، ألقى عليها نظرة عابرة و تجاوزها ليذهب الى غرفة مكتبه فبدأت سكرتيرته سلمى تملي عليه جدول أعماله اليوم ثم قالت بجدية :
– في اجتماع مع الوفد الايطالي بعد ساعتين يا فندم و بعدها مناقشة لميزانية مشروع البناء و عندك كمان عشاء عمل مع العملاء في مطعم *** الساعة 10 المسا.

– رأفت بيه و عادل بيه هيكونو موجودين معانا في العشا ؟
– أيوة يا فندم.

أومأ بإيجاب و سمح لها بالخروج ثم اتصل بأحدهم ليسمع بعد ثوان صوت الطرف الآخر :
– أهلا وسهلا يا عمار بيه.

– أهلا … عملت اللي قولتلك عليه ؟
غمغم لصلابة فرد الثاني :
– ايوة يا فندم نفذنا اللي أمرتنا بيه حضرتك و راقبنا خطوات سليم بس ملاحظناش حاجة غريبة عليه يعني هو اول ما يخلص شغله بيروح لبيته حتى النهارده جه مع جماعتنا و روح معاهم بعد ما اتكلم مع رأفت بيه شويا و ….

قاطعه عمار بإنتباه :
– استنى انت قلت اتكلم مع مين ؟

– مع رأفت بيه والد حضرتك.

قضب حاجباه بتجهم وهو يسأله :
– معرفتش الموضوع اللي كانو بيتكلمو فيه ؟
– لأ هما كانو في المكتب و مطولوش اوي يدوب عشر دقايق.

توقف عمار عن التحرك بكرسيه و أمره بمتابعة مراقبته ثم أغلق معه وهو يتساءل عن سبب لقاء سليم ووالده اليوم في غرفة مكتبه و ماهو الموضوع الذي جمعهما أساسا ، هل هو حديث عادي أم شيء آخر.
تأفف يهز رأسه ليلقي الأفكار التي اجتاحته و ردد :
– اكيد اتكلمو في حاجة عادية ديه مش اول مرة بعدين لو سليم طلع متعاون مع رأفت بيه مكنوش التقو في اوضته و قدام الكل كمان.

حاول اقناع نفسه بهذه الفكرة و التف الى أشغاله لينهض بعد قليل من الوقت و يذهب الى غرفة يوسف ، استقبله الأخير و طلبه منه الجلوس مرددا :
– كنت هبعتلك ع الايميل شوية details عشان الميتينج الوفد هيوصل بعد نص ساعة تقريبا احنا جهزنا كل حاجة و جبنا افضل المترجمين من عندنا و …

استمر في الحديث بجدية و عمار يستمع اليه بتركيز حتى قال مستدركا :
– انت قولت مين من المترجمين اللي هيبقى حاضر معانا ؟

– الاستاذ هاشم هيبعتلنا محمود و زينب كمساعدة ليه انت عارف قد ايه هما شاطرين في شغلهم.

همهم و صمت لثوان قبل أن يستطرد :
– بس هما دايما متكفلين بالاجتماعات بتاعتنا احنا عايزين شخص جديد يا يوسف.

عقد حاجباه مستغربا :
– زي مين مثلا.

– مريم.
هتف ببساطة فشهق الآخر بذهول :
– What ؟ عايز مريم اللي لسه مخلصتش تدريبها.

اومأ عمار بتأكيد :
– ايوة انا عايز اديها فرصة و اشوف القدرات بتاعتها.

رمقه يوسف بدهشة منتظرا ان يقول له بأنه يمزح غير أن الآخر كانت ملامحه في منتهى الهدوء و الثبات فتمتم :
– Are you serious ?عمار مريم لسه مخلصتش تدريبها و صعب تقدر تتحمل المسؤولية ديه.

– صحيح مخلصتش تدريب بس انت عارف قد ايه هي مجتهدة و قدرت تثبت نفسها في فترة قصيرة بعدين انا عشت معاها و شفتها وهي بتقرا كتب اجنبية ب 5 او ست لغات و نطقها للكلام سليم جدا و كمان احنا هندخلها مع محمود هي هتكون مساعدة ليه بس وهو المسؤول عليها عشان نضمن ميحصلش اي غلط.

تردد يوسف في القبول ولكن الأخير استطاع اقناعه ، و بعد وقت كانت مريم تقف أمام قاعة الاجتماعات بملامح ثابتة تخفي وراءها خوفا و ترددا كبيران بعدما فاجأها السيد يوسف بضمها إلى اجتماعهم كمترجمة مساعدة ، و بقدر حماسها لأن تكون معهم في هذا الحدث المهم تملكها الإحساس بالاِضطراب بسبب نقصان ثقتها في نفسها.

غير أنها حاولت تمالك أعصابها و بعث الأمان بداخلها وهي تهمس :
– ده كان حلمك يا مريم و النهارده بدأتي اول خطوة مينفعش تخافي عشان مفيش مكان هنا للي بيخاف … انتي قدها.

أغمضت عيناها تستنشق الهواء و تنفثه على مهل قبل ان تنتبه للمدعو محمود الذي ستكون مساعدة له في الاجتماع فبدأت تتحدث معه حول موضوع العمل و شيئا فشيئا تسرب خوفها منها وهي تتعمق في النقاش معه حتى حان وقت بدأ الإجتماع.
دخل عمار مع عادل و رأفت و يوسف و الأعضاء المترجمين بصحبة الوفد الإيطالي مرحبين بهم بطريقة لائقة ثم انتقلوا سريعا إلى الموضوع الأساسي و تسلم محمود دفة ترجمة الكلام العربي إلى اللغة الإيطالية و العكس و كانت مريم تركز معهم دون أن تحظى بالشجاعة الكافية للتدخل حتى هتفت على حين غرة عندما لاحظت أن محمود تجاوز بعض الكلمات :
– هو بيتكلم عن القروض من البنك اللي متعودين يتعاملو معاه مش اي بنك وخلاص.

حادت نحوها الأعين فجأة فتنحنحت و تابعت :
– السنيور بيقول لو سيولة الشركتين مش كفاية هيحتاجو لمصادر تمويل تانية يا اما يطلبو قرض من بنك **** يا اما يعرضو أسهم الشركة عشان يضمو مساهمين جدد برؤوس أموال أكبر و بكده نسبة السيولة هترتفع و تقدرو تغطو تكاليف المشروع.

نظر لها عمار بهدوء بعدما أشار له يوسف بأن ما تقوله صحيح فتنهد و التف الى بقية الأعضاء يناقشهم بجدية حول امكانية قبول الاقتراح أو رفضه حتى طالعها مجددا مغمغما بصلابة :
– مش هنقدر نقولهم على قرارنا دلوقتي لازملنا شويا وقت نناقش المسؤولين في قسم المالية الأول.

رمقته مريم بنظرات تتساءل بها ان كان يقصدها هي فهز رأسه مؤكدا لها لتلتف الى الوفد الإيطالي و تترجم لهم كل الكلام بالتفصيل بدون إهمال اي نقطة ، استمر الإجتماع لساعة أخرى تحت اشراف المترجمين محمود و مريم حتى انتهى و نهض الأعضاء بعدما تحقق الاتفاق بينهم.

صافحوا بعضهم البعض و قابلت مريم رئيس الوفد الذي صافحها مرددا بلكنة ايطالية مميزة :
– È bello incontrare traduttori che sanno parlare un accento perfetto come lei, signora ( من الرائع مقابلة مترجمين يتقنون التحدث بلهجة متقنة مثلك سيدتي )

ابتسمت مريم بود و أجابته :
– Grazie signore, è molto gentile da parte sua ( شكرا لك سيدي ، هذا لطف منك (

هز رأسه لها بإحترام و انتقل الى البقية ، وبعد خروجهم من القاعة تحدث محمود بإعجاب :
– لهجتك في اللغة صحيحة جدا لدرجة افتكرتك ايطالية برافو عليكي يا مدام مريم.
– متشكرة اوي حضرتك.

انضم اليهم يوسف و شكرهما على مجهوداتهما فاِبتسم محمود برسمية و غادر بينما التفت الأخيرة اليه متسائلة بحماس :
– ايه رأي حضرتك يوسف بيه.

سعد لسعادتها الظاهرة بوضوح على وجهها فأجابها بعاطفة لم تتبينها :
– بكل صراحة … you surprised me ( لقد فاجئتني ) ، متوقعتش اول تجربة رسمية ليكي تبقى ناجحة كده I am proud of you.

التمعت عيناها ببهجة وهي تستمع لرئيسها وهو يقول لها بأنه فخور بها ، ثم نظرت له و سألته :
– حضرتك اللي طلبت انضم للميتنج صح ؟

كاد يوسف ينفي سؤالها ويخبرها بأن عمار صاحب الفكرة و أقنعه بها بعد تردد كبير منه لكن مريم قاطعته عندما تابعت باِمتنان صادق :
– انا مش عارفة اشكرك ازاي ديه اول مرة حد يثق فيا كده و يديلي فرصة اظهر نفسي … Thanks.

لسبب ما تبكم الآخر ولم يود افساد هذه اللحظة و قطع نظراتها الجميلة التي ترمقه بها الآن فتنهد و هتف :
– انا معملتش حاجة موهبتك هي السبب و انا متأكد من انك هتقدري توصلي لأحلامك و تنجحي لو استمريتي بالشكل ده.

ربت على كتفها بخفة و غادر بينما عضت مريم على شفتها التي افترت عن ابتسامة واسعة انقطعت فجأة عندما سمعت صوته الخشن يردد من خلفها :
– بقيت اقلق من فرحتك ديه اوعى تكوني مخططة تحرقي الشركة او لقيتي طريقة عشان تخلصي مني علشان كده انتي مبسوطة.

اقترب عمار منها متأملا إياها وهي ترتدي بلوزة سوداء أنيقة مع تنورة بنفس اللون من الجلد تصل لركبتيها وقد انتعلت حذاء بكعب عال نسبيا تلاءم مع قامتها التي تشبه خاصة عارضات الأزياء.
بشعرها الذي ربطت بعضا منه في الخلف و تركت الباقي ينسدل على كتفيها و ظهرها ، في حين انكمش وجه مريم المزين بمكياج خفيف في سخط منه و استدارت اليه مجيبة :
– ياريت متربطش كل حاجة بيك انت مش محور الكون يعني … عمار بيه.

رفع حاجباه باِستمتاع من ردها السريع ثم هتف ساخرا :
– من شهرين بس انا كنت محور الكون بالنسبة ليكي نسيتي لما قعدتي تخططي ضدي و تخلي الناش تتكلم عليا حتى انك دخلتي الشركة عشان تأذيني ولا خلاص مخططاتك اتغيرت وبقيتي عايزة تنالي رضايا علشان ادخلك للاجتماعات.

تضايقت مريم مفكرة أن كرهها و حقدها بدأ ينخفض ناحيته أساسا ولم تعد تفكر في تدميره مثلما كانت في السابق و هذا الشيء يزعجها و يخرجها عن صوابها ، و لكنها لم ترد اظهار ذلك فرددت بثقة :
– مش محتاجة انال رضاك عشان اظهر مقدراتي و اظن انك اتأكدت من النقطة ديه لما حبيت تجربني جوا الميتينج.

و على عكس ما توقعت وجدت عمار يبتسم لها بصدق و يغمزها بخفية هامسا :
– مش محتاج لاني سبق و جربتك في الإيطالي لما كنتي في حضني.

– انت بتقول ايه و امتى حصل ده كله.
تشدقت مريم برعونة و استنكار بينما يقترب منها و ينخفض ناحية أذنها هامسا ، بنبرة رجولية مثقلة جعلت القشعريرة تسري في عمودها الفقري :
– ليلة الأوبال.

و أنفاسه التي لفحت بشرتها وهو يهمس لها بكلمات تذكرها بتقاربهما السابق أدت الى انجرافها في تلك الذكرى بدون وعي منها …
حينما حضر في إحدى الليالي و أعطاها خاتم مرصعا بجوهرة الأوبال …
ثم قضى وقته جالسا بجانبها يستمع الى العبارات التي دونتها من كتبها الأجنبية المفضلة وبعدما حاول مناكشتها و أخبرها بأنه لا يصدق أمر إيجادها التحدث بلغات متعددة تضايقت منه فصالحها على الفور …

Flash back
( داعب عمار وجنتها مكملا بنبرة رخيمة :
– متزعليش كده و قوليلي حاجة بلغة انتي بتعرفيها … الإيطالي مثلا علشان اعرف استفدتي من الكورسات اللي كنت بتاخديهم ولا لأ.

إختفى عبوس مريم لدى سماع كلامه عن أنه يفتخر بها ولا تعلم لما توترت عندما طلب منها قول شيء بالإيطالية …. يا إلهي هي حقا تتقنها جيدا و تجيد التحدث بها ولكنها تخجل من فعل هذا أمامه.

رطبت شفتيها بحرج عندما كرر طلبه و أخيرا أخذت نفسا عميقا ثم همست بثقل بعدما رفعت رأسها تتأمل وجهه الوسيم :
– I tuoi occhi sono così belli che desidero contemplarli per il resto della mia vita, senza speranza per un momento.

رفع عمار حاجبيه بذهول معجب لشدة سلاسة كلماتها و إتقانها للهجة الإيطاليين و كأنها واحدة منهم ثم إبتسم بعبث :
– انتي كنتي بتعاكسيني صح.

جفلت مريم و شهقت بمفاجأة :
– عرفت ازاي انت بتفهم إيطالي ؟

رنت ضحكاته الرجولية في المكان لصدق حدسه بينما خجلت هي و إحمرت وجنتاها.
– لأ انتي بصيتي لوشي و بعدين عينيا ع وجه الخصوص فقدرت احزر …. كنتي بتقولي إيه بقى ؟

تجمدت مكانها عندما شعرت بيده توضع على ساقها العارية ضاغطة عليها بخفة فهتفت متلعثمة بحرج وقد نضب وجهها بشكل واضح :
– كنت بقول …. أن عينيك حلوين لدرجة لو قضيت حياتي بأمل فيهم مش هزهق خالص. )
Back

تنهدت مريم بحرارة بددتها سريعا وهي تبتعد عنه بعدما التصق بها ، و لدهشتها رأت نظرات الرغبة تتوهج في زيتونيتاه فاِرتجفت حصونها و اضطربت بذعر من مشاعرها الغبية هذه و ذكرياتها لذلك تركته و غادرت دون النظر خلفها.
تاركة عمار يطالع أثرها إلى أن همس أخيرا :
– انا فخور بيكي.

________________

على الساعة العاشرة مساء.
و على طاولة كبيرة في إحدى المطاعم الفاخرة جلس عمار و رأفت و عادل مع مجموعة من الزبائن في عشاء عمل رتبوه سويا كي تيح لهم فرصة التعرف على بعضهم و مناقشة أفكارهم قبل توقيع العقد.
فتحدث عميل منهم :
– شركتكم معروفة و شغلكم الناجح معروف كمان و اكيد فرصة سعيدة لينا اننا نتعامل مع حضراتكم بس احنا سمعنا شوية شائعات على المدير التنفيذي و مش عارفين اذا صحيحة او غلط.

رمقه عمار مبتسما ببرود :
– قولي حضرتك سمعت ايه بالضبط وانا هقولك لو صحيحة ولا غلط.

– طبعا الكل عارف باللي اتعرضتله عيلة البحيري في اخر الشهور ديه الشركة بتاعتكم اتأثرت بالفضيحة اللي حصلت و بعض المستثمرين انسحبو من الشراكة ما بينكم صحيح انتو قدرتو تصلحو الوضع في وقت قصير بس سمعنا ان حضرتك يا عمار بيه لسه متأثر و بقيت تقصر في شغلك حتى مجلس الإدارة اشتكى و كان هيعمل تصويت على سحب المنصب منك لولا انك صلحت غلطاتك.

ضغط رأفت على يده بحنق بينما أعجب عادل بهذا الوضع و سعد لكون ان أخطاء عمار ذاع صيتها لدرجة جعلت الزبائن متخوفين من العمل معه.
و رغم ذلك فإن الغاء العقد سيضر به هو أيضا أراد التدخل الآن و الإظهار لهم مدى وعيه و جديته غير أن عمار أوقفه عندما وضع كاس العصير بجانبه و اعتدل في جلسته مرددا بثقة تليق بمنصب المدير التنفيذي :
– جمال بيه الكلام اللي قولته في الاول كله صحيح ايوة احنا our company تأثرت بالمشكلة اللي اتعرضنا ليها و بعض المستثمرين انسحبو بس ده خلى المنافسين في السوق يستغلو فرصة المكان اللي سابوه فاضي و طلبو يتعاملو معانا عشان عارفين النجاحات اللي هنحققها لما تعدي الفترة اياها.
و فعلا معداش شهر الا و قصتي اتنست و الشركة رجعت افضل من الاول و ده طبيعي لان كل مؤسسة بتمر بظروف معينة متقدرش تمنعها زي شركة حضرتك اللي انخفضت أسهمها بعد ابنك ما اتحبس في قضية الممنوعات و رجعت ارتفعت تاني.

نظر العملاء لبعضهم البعض بينما تابع الآخر :
– بالنسبة ليا انا شخصيا ف ايوة كنت لسه متأثر بالحادثة و Board of Directors اشتكى مني بس لما شافو اني قدرت احل المشكلة في أسبوع واحد بس اتراجعو في كلامهم ، بيني و بينك مش اي حد عنده الفرصة يلاقي executive director ( مدير تنفيذي ) زيي قادر على انه يعالج مشكلة السيولة و التمويل و يقنع المعارضين في فترة قصيرة.
اللي اقصد اقوله هو ان كل واحد مننا بيمر بظرف معين بس لو عالجه هتبقى نقطة تتحسب لصالحه و اللي بقدر اوعدكم بيه انا دلوقتي هو اني هشتغل على العقد قد ما اقدر عشان ينجح زي الباقيين بشرط نشوف نفس الشغل منكم و الا هنضطر نفسخ العقد قبل ما نتعمق فيه … مستر جمال.

نظر السيد جمال اليه ثم إلى زملائه ليعود و يقول له باِبتسامة :
– الكلام اللي سمعناه عليك صحيح بردو … حضرتك عندك قدرة رهيبة في الإقناع متأكد ان ثقتك في نفسك ديه و ذكاءك هيبقو مفيدين لينا جدا.

رفع كأسه كنخب للشراكة و تبعه البقية ليكملوا تناول عشائهم تحت نظرات رأفت الفخورة و أخرى حقودة من عادل الذي يفشل كل مرة بالإيقاع بعمار ، بينما شرب الأخير رشفة من عصيره ثم انحنى على والده هاتفا بنبرة لا يسمعها غيره :
– منين سمعو دول بالمشكلة اللي حصلت في مجلس الإدارة عرفو منين بالتصويت اللي حضرتك قدرت توقفجو قبل ما يعلنو عليه اصلا.

تنهد رأفت و هز رأسه بحيرة :
– مش عارف انا كمان اتفاجأت بس الواضح في كتير عايزين يوقعونا و يوقعوك انت بشكل خاص يا عمار.

حاد بعينيه ناحية عمه الذي انغمس في الحديث ثم حمحم مستطردا :
– سمعت ان سليم كان عندك النهارده خير في مشكلة.

– عادي طلبته في شغل وهو مقصرش ، لازم استأذن منك قبل ما اخد واحد من رجالتك ولا ايه ؟

ضيق وجهه في ابتسامة زائفة و نفى برأسه مجيبا :
– لا طبعا براحتك يا رأفت بيه … بس ياريت تقلل من أكل الموالح اللي ع السفرة عشان ضغطك ميعلاش انت عارف الدكتور قالك اي في اخر مرة.

أشار بعينيه للأطباق المتميزة بكثرة موالحها ثم نظر الى هاتفه الذي تلقى رسالة من مساعده يخبره فيها أن مريم أخذت دواما إضافيا اليوم من السيد عادل و ظلت بمفردها فى قسم الترجمة تعمل على إحدى الملفات ، بهت وجهه و دهش من محتوى الرسالة فوجه كلامه الى عادل بخفوت حاد :
– هو ايه الشغل ده اللي اديته لمتدربة يخليها موجودة في الشركة لساعات اضافية.

رد عليه ببرود :
– انا شفت شغلها في الميتينج و فكرت ابعتلها ملف زيادة تدرسه علشان نشوف قدراتها انت عارف فترة التربص بقالها يدوب كام شهر وتخلص ولازم نختار اللي هنوظفهم.

ضغط عمار على أسنانه و غمغم من بينها :
– و انت اخترت مريم لوحدها من بين كل المتدربين يا عمي … البنت لسه لحد دلوقتي قاعدة لوحدها في الشركة و مخلصتش شغل.

توقف عن الأكل و رمقه باِستغراب مصححا له :
– لا مكنتش لوحدها انا اخترت خمسة غيرها و بعدين المتدربين كلهم خرجو من ساعتين المفروض تكون روحت معاهم.

تأفف عمار بخنق ثم استأذن و ذهب الى الحمام ليتصل بها ولكنها لم ترد على مكالمته فتمتم :
– هو ده وقت كبرياء مش بتردي عليا ليه … ماشي اعملي ما بدالك مليش دعوة بيكي اقعدي لوحدك هناك وانا هكمل العشا بتاعي.

*** بعد عشرين دقيقة.
نظر الى البناية أمامه باِمتعاض ثم للكيس الورقي الذي يحمل الوجبة المفضلة عند مريم وقد ابتاعها لها بعدما وجد نفسه يغادر المطعم و يستقل سيارته مسرعا كي يأت اليها فزفر بغلظة و نزق متشدقا :
– اكيد لقت صعوبة في الملف و صممت متروحش غير وهي مخلصاه اه يا مريم انتي جايبة العناد ده كله منين مش فاهم.

انتشل الكيس و دخل للشركة التي كانت فارغة إلا من رجال الأمن و سار في الأروقة المظلمة وهو يحمد ربه أنه علم بوجودها وحيدة هنا فعمار يعلم جيدا أن مريم لا تحبذ الجلوس بمفردها خاصة اذا كانت الأبواب مغلقة و بالتأكيد هي جالسة الآن تصارع نفسها كي لا يسيطر خوفها عليها فتفر هاربة …
ظهرت ابتسامة خفيفة على وجهه وأدها سريعا عند سماعه صوت همهمات غير واضحة تصدر من القسم المطلوب.

وقف عمار مكانه بتفاجؤ و أرخى أذنيه ليصله صوت رجولي مدمج مع صوتها فاِعتقد أن زميلا معها لا يزال هنا لذلك تابع خطواته..
غير أنه عندما أطل من الباب الزجاجي لمح ما أطاح بصوابه و جعل الغربان السود تطير حوله ..
كانت مريم شبه متسطحة على الأريكة الجانبية و رجل ما يجلس مقابلا لها و لا يفصل بينهما سوى سنتيمترات قليلة ، ينحني عليها و يمرر يده عليها وهي مستسلمة تماما بينما يقبض على كفها الآخر و يحدثها …

ولم يكن ذلك الرجل سوى … صديقه يوسف !

________________
ستوووب انتهى البارت
رايكم بيه . عمار هيقدر يتعالج تماما مع ريماس ؟ مريم هتتأكد من براءته ولا تكتفي بالبعد عنه ؟
رايكم بموقف مريم في الشركة و ثقة عمار بقدراتها ؟
رايكم و تحليلاتكم لآخر مشهد يا ترى ايه تفسير تقارب مريم و يوسف و عمار هيعمل ايه بعد ما شافهم ؟

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية نيران الغجرية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *