رواية نعيمي وجحيمها الفصل الرابع والستون 64 بقلم أمل نصر
رواية نعيمي وجحيمها الفصل الرابع والستون 64 بقلم أمل نصر
رواية نعيمي وجحيمها البارت الرابع والستون
رواية نعيمي وجحيمها الجزء الرابع والستون
رواية نعيمي وجحيمها الحلقة الرابعة والستون
يعني حضرتك… بتطلب مني إني اطلق كاميليا!
هتف بها كارم بلهجة مريبة لجاسر لم تريحه في الحديث ولكنه أكمل بالهدوء الذي بدأ به:
-أنا مش بطلب منك يا كارم، انا بس عايز نلم الإشكال اللي حاصل ده، أنا معرفش إيه اللي حصل ما بينكم، بس متأكد ان انتو الاتنين محترمين وليكم اسمكم، فمنعًا يعني للمشاكل والكلام والأشاعات نلم احسن.
خرج صوت كارم بحدة لم يعتدها منه جاسر قبل ذلك:
-دا بدل ما تعقلها عن اللي بتعمله وتعرفها غلطها؟
رد جاسر ببوادر الغضب:
– اعقلها ازاي يعني؟ هو انا اعرف مكانها أصلا يا كارم؟ انا بكلمك عشان نحل الموضوع ده بشكل ودي، عارف ان كاميليا غلطت بس كمان اكيد في سبب ورا عملتها دي، وبرضوا مش هسألك عنه.
هتف كارم فاقدًا السيطرة:
-في سبب أو مفيش انا مش هسيبها ولا اسيب حقي، انا مش لعبة في إيديها عشان تسببلي الحرج دا قدام أهلي والمجتمع اللي انا عايش فيه واسكت، كاميليا هترجع ورجليها فوق رقبتها.
أجفل جاسر عن هذا الوجه الجديد لكارم، لأول مرة يرى انفعاله، لأول مرة يرى هذه التعنت والعنجهية لذلك حاول التماسك حتى لا ينفعل هو الاَخر وتتوسع الدائرة:
-ليه رجليها فوق رقبتها يا كارم؟ الجواز دا بالذات لازم يبقى بالمعروف، هي مَقدرتش يبقى تروح لحال سبيلها، انا بكلمك كأخ .
-كأخ!
هتف بها مستنكرًا ليتابع:
-متقول يا جاسر باشا، ان موضوع الهروب دا جه على هواك، عشان الهانم تتجوز عم طارق صاحبك اللي هيموت عليها؟
برقت عيني جاسر ولاح الغضب على وجهه بشدة، ليردف له بتحذير:
-خلي بالك يا كارم، إنت بقيت تتجاوز حدودك معايا.
اومأ له المذكور بابستامة جانبية ساخرة:
-خلاص يا باشا، بلاها حدود ونشيلها خالص، انا مستقيل عن كل أعمالي معاك، لأني بصراحة حاسس أني خدت خبرة كويسة تأهلني إن افتح شركات وأعمال ليا لوحدي.
أمام هذه العنجهية المبالغ فيها لم يملك جاسر سوى أن يبادله الرد بالمثل:
-زي ما تحب يا كارم، اكيد طبعًا انا مش هغلب اني الاقي بدل الواحد الف… يحلو مكانك.
مط بشفتيه كارم وهو ينهض عن مقعده يزرر في سترة حلته، ليقول بأناقة اعتاد عليها:
-تمام يا جاسر باشا، انا هحاول من دلوقتي اسلم اعمالي للمساعدين بتوعي عشان استقالتي تبقى على مكتبك في أقرب وقت.
نهض جاسر مقابله ليصافحه بكل هدوء قائلًا:
-بالتوفيق .
تقبل المصافحة بندية ثم ذهب من أمام جاسر الذي تركزت ابصاره عليه حتى اختفى، وقد اكتشف اخيرًا ان هذا الرجل مختلف تمامًا عما كان يظنه عنه سابقا.
أما كارم وفور أن خرج من مكتب جاسر، تناول الهاتف ليجيب عن مكالمة احد الأشخاص له:
-أيوة…… تمام خليك متابع ومتتحركش من مكانك.
❈-❈-❈
واقفة بوسط الردهة أمامه، وجهها كالبدر وابتسامة مشرقة زادت من روعتها حتى جعلته ينسى الظرف وينسى المكان الغريب الذي هو به معها الاَن، فلم يشعر بقدمه التي خطت بسرعة ليقترب منها، ليتناول على الفور يدها بلهفة مرددًا بإسمها على لسانه وكأنه لا يصدق رؤيتها ولا بشعوره بلمسة كفها التي بين يديه:
-أنا بحلم ولا دي صورة اخترعتها في خيالي؟ هو انتي بجد واقفة قدامي؟
ضحكت بحرج لتُخفي بكفها على فمها، ثم أومأت بعيناها إليه حتى ينتبه للمراة التي وقفت تراقبهم بتعجب، فتحمحم ينزع كفها منه بصعوبة، وقال بصوت واضح للمرأة:
-متشكر أوي يا حجة انك عرفتيني ووفرتي عليا شرح كتير، بصراحة كنت خايف أوي، لملاقيش ترحيب او ارجع من عندكم مكسور الخاطر.
هتف المرأة مرحبة بحفاوة:
-كف الله الشر يا بني، وما نرحبش بيك ليه ان شاء الله؟ دا ضيوف الست كاميليا، كأنهم ضيوفنا والله، اتفضل يا بيه اتفضل، بيتك ومطرحك اتفضل.
خطا معها ليلجا لداخل المنزل الواسع، درج خشبي كبير وأثاث من الأرابيسك محفورة اخشابه بدقة الصانع، واصالة صاحبه، أجلسته المرأة على الصالون الكلاسيكي بهيئته القديمة بفعل الزمن والثمنية أيضًا، فجلست كاميليا على الاَريكة القريبة منه، اما المرأة فرفضت الجلوس قبل مضايفته رغم إلحاح طارق عليها بالرفض،
وحين خلت الساحة لهم، سألها على الفور طارق:
-بيت مين ده؟ والست دي تقربلك إيه؟
مطت شفتيها تجيبه بهدوء يشوبه الدلال الخفيف:
-دي ست طيبة، والبيت ده كمان ملك لراجل طيب، وانا قاعدة هنا في حماه
اعجبته هيئتها فجعلته يتطلع إليها جيدًا، بالعباءة الريفية بألوانها الزاهيه والتي زادت بشرتها صفاءًا وبهاءًا، شعرها الحريري المنطلق وابتسامتها التي تحاول أن تخفيها، جلستها وهي واضعة وسادة صغيرة على حجرها، ذكرته بخجل الفتيات الصغيرات في هذه اللقاءات التي تقام للتعارف بين الأهالي، ليجد نفسه يتفوه بالكلمات بغير تفكير:
-هو انتي ليه جميلة اوي كدة النهاردة ليه؟
رفعت كتفيها وأنزلتهم فورًا لتردف له بغبطة من داخلها:
-يمكن عشان شوفتك .
-يا سلام .
تفوه بها ثم سار يضحك بابتهاج لم يقوى على إخفاءه، حتى استدرك لوضعهما، فخبئت ابتسامته ليسألها بعد تنهيدة خرجت من العمق:
-عملتي كدة ليه يا كاميليا؟
خبئت ابتسامتها هي أيضًا وهي تجيبه:
-قصدك على إيه بالظبط؟ ع اللي عملته في نفسي ولا فيك ولا قصدك على هروبي من الفرح؟
رد وعيناه تأسر عينيها:
-كله، انا قصدي على كله يا كاميليا، ما هو انتي لو ادتيني فرصة، كنت هثبتلك…..
قاطعته بقولها:
-مكنش ينفع، عشان انا كنت أصلًا بهرب منك لما وافقت بيه، انا مكنتش عايزة اتجوز اساسًا، بس ظهورك في حياتي والحب اللي بقى يقيدني ناحيتك كان خطر كبير ولازم اتفاداه بأي حاجة تبعدني عنك، حتى لو كانت الجواز من إنسان معرفش عنه غير الظاهر بس، وهي الصورة الحلوة اللي بيخدع بيها الناس كلها.
-عمل معاكي أيه عشان يخليكي تهربي منه في يوم الفرح؟
باغتها بسؤاله المباشر، فصمتت قليلًا قبل أن تجيبه بتفكير:
-لو قولتلك إنه حاول إنه.. يجبرني…
اشتعلت عينيه ليسألها بوجه مظلم:
– حاول إنه يجبرك على إيه يا كاميليا؟
اومأت بعيناها بنظرة ذات مغزى، لترا تجهمًا على ملامح وجهه لم تشهد على مثله من قبل، ليهتف بأنفاس متهدجة تصدر من حريق يسري بداخله:
-دا اللي كنت متوقعه على فكرة وخايف منه.
سألته باستفهام:
-كنت متوقع إيه يا طارق؟
زفر يخرج كلماته بصعوبة:
-اللي انتي بتلمحي عليه دا أنا كنت متوقعه، وكان بيحرق قلبي في كل مرة اتخيل إنه يحصل، دا كاتب كتابه عليكي يا كاميليا، ولو هنتكلم بصراحة بقى مافيش راجل حيبقى معاه واحدة ست زيك، وعارف إنها حلاله، ومش هيفكر في كدة، إلا إذا كان غبي أو زاهد، وكارم لا ده ولا ده.
أومأت تستوعب غضبه بتفهم ليكمل سائلًا:
-وعرف يوصل للي هو عايزه؟
احمر وجهها لتنفي بهز رأسها بحرج غير قادرة على الإجابة بالصوت، بشكل جعله يبتهج بداخله، وبنفس الوقت يكبت ابتسامة ملحة على وشك الظهور، ثم قال بخشونة:
-ولما هو كدة محاولتيش تفركشي من قبل كدة؟ ليه انتظرتي ليوم الفرح؟ ليه توصلي الموضوع إنه يتعقد بالشكل ده؟
ردت بصوت رقيق امتزج بحزنها:
-ما هي المشكلة إني اكتشفت عيبه الكبير وطبعه المؤذي في الاخر بس، كارم شخصية متسلطة جدًا متقبلش النقد ولا تقبل أي حد يراجعها في كلامها، دا غير اني لما فكرت بس مجرد تفكير بعد اللي عرفته عنه، إني افارق ونخرج بالمعروف زي ما دخلنا بالمعروف، ساعتها حاول معايا زي ما قولتلك وكان عايز يكسرني، عشان ميبقاش لي حق في التراجع، او هو بالفعل كسر جوايا حاجات لا يمكن هقدر……
قطعت فجأة لتلتقط أنفاسها وتحاول السيطرة على الرجفة التي زحفت بداخلها حتى ظهرت اهتزاز صوتها بعد ذلك مع تذكرها لهذه الأوقات العصبية:
-انا كنت هبوس على إيده يا طارق عشان يسيبني، كارم قدر بجبروته، يخرج الأشباح اللي كنت بخاف واهرب منها طول عمري، بعد اللي حصل، كان عند استعداد اموت نفسي ولا إن تجمعني بالبني اَدم ده أي صلة تاني.
اطرق برأسه متأثرًا بكلماتها ثم ما لبث ان يردف بصوت يملأه الحزن:
-بس هو لسة جوزك على فكرة ولا انتي ناسية كاتب كتابه عليكي؟
وصله صوتها بلهجة يملأوها الحماس:
-لا ما انا هخلص منه وقريب قوي كمان.
رفع رأسه إليها ليرا إشراق وجهها الذي عاد مع المتابعة فيما تتحدث عنه:
-والله زي ما بقولك كدة، رغم حصاره ليا وذكائه الحاد في التعامل معايا، انا قدرت والحمد لله بمساعدة زهرة…
-زهرة مرات جاسر؟
رددها من خلفها كسؤال، وأومأت هي برأسها له تجيبه مبتسمة:
– ايوة هي فعلًا، قدرت تبقي همزة الوصل بيني وما بين الراجل اللي انا قاعدة في حماه هنا وبيساعدني دلوقتي في الانفصال من كارم.
قطب يسألها بتفكير:
-مين هو الراجل ده اعرفه؟
-اممم.
زامت بفمها لتجيبه بمرح:
-هتعرفه ان شاء الله وتتعرف عليه لما تشوفه.
يا اهلا ياباشا نورت الدار.
هتفت بها المرأة تجفلهما عما كانا يتحدثان به، فارتفعت انظار طارق نحوها ليجدها تسير أمامه بصينية كبيرة من الطعام لتضعها على السفرة الكبيرة، والقريبة منهمها، فردد على الفور لها بحرج:
-إيه دا أيه دا؟ يانهار أبيض هو انتي حضرتي أكل بجد؟ في إيه يا جماعة انا لسة واصل، طب لحقتوا تجهزوا أمتى طيب؟
ضحكت المرأة وهي تقترب منه لتجيب على قوله بمرح :
-إحنا الأكل عندنا جاهز وخير ربنا والحمد لله كتير، يعني بس بنسخن ونحضر على طول.
تبسم طارق للمرأة صامتًا، فهتفت كاميليا بجواره:
-أم عليوة مبتكدبش على فكرة، دا اللي حاصل فعلًا، انا من ساعة ما جيت ومش قادرة اقولك هي وجوزها بيعملوا معايا إيه؟ طول الوقت بيزغطوا فيا بالأكل الفلاحي بتاعهم، وانا بصراحة من الطعامة مبقدرش أرفض ولا اقول لأ.
طالعها يقول بشقاوه:
– مصدق يا كاميليا من غير ما تقولي، ماهو باين عليكي .
سمعت المرأة لتضحك من خلفهم بخبث وهي تبتعد عنهما، لكزته كاميليا بخجل قابله هو بمشاكسة مرددًا لها:
-كسفتك صح؟ قولي قولي ماتتكسفيش.
اجفلها بجرأته وهذه الملاحظة الغير بريئة منه، لهذا لم تملك سوى التهرب من عينيه، فنهضت فجأة بدعوى الذهاب نحو الطعام قائلة:
-طب يا شاطر، قوم يالا عشان نتغدا، ريحت الأكل فتحت نفسي بجد.
وقف طارق يقول:
-خلاص بقى، يبقى انا همشي دلوقتي.
هتفت المرأة بوجه عابس أمام اندهاش كاميليا من فعله:
-ازاي يعني؟ هو انت بتشتمنا يا سعادة البيه ولا إيه؟
تبسم لعفوية المرأة ليرد بلطف:
-يا حجة افهمي، انتو اتنين ستات ومينفعش انا قعادي هنا في وسطيكم اساسًا، بصراحة انا مكنتش فاكر إن البيت فاضي كدة.
شهقت المرأة ضاربة بكف يدها على صــ درها تقول بلهفة:
-فاضي دا أيه يا سعادة البيه، امال عليوة وابو عليوة راحو فين؟ ثواني اروح أندهمولك من جوا، دقيقة وعيالك.
قالتها المرأة لتعدوا بخطوات مسرعة داخل البيت الواسع، ليُلتف طارق نحو كاميليا سائلًا:
-ابو عليوة دا الراجل اللي انتي بتقولي عليه.
نفت بهز رأسها لتتجه نحو الطعام وهي تشير له قائلة:
-شايف شكل الأكل اللي معمول بنفس طيبة طالع حلو ازاي.
اقترب مثلها يلقي نظرة نحو الوليمة المعدة من اطيب الأطعمة كالمحاشى واللحوم والطيور بأنواعها، ثم رفع رأسها إليها يقول بمشاكسة:
-مش بقولك باين عليكي.
❈-❈-❈
وفي مكان اَخر
وعلى رمال البحر والموج يداعب بمياهه اقدامهم في الأسفل، كانا الثنائي يواصلا السير والأحذية بأيدهم، في هذه المنطقة الساحلية المختصرة، يضمها من بذراعه من كتفها، وهي مستندة برأسها على صدره، يغمرها دفئه، وبذراعها التي تلفها حول ظهره من الخلف، فكانت تردد ضاحكة:
-مش عارفة هتوصلني معاك فين تاني يا بن رقية، شكلي كدة اخر طريقي هيبقى على مستشفى المجانين عدل.
زام يلكزها بقبضته حتى جعلها تضحك، ثم قال يدعي الحزم:
-رقية حاف برضوا يا بيئة، وعاملة نفسك استاذة وبنت مستشار.
ضحكت بصوت عالي لترد بمرح:
-و لا استاذة ولا بنت مستشار، أنا من يوم ما حبيتك اصلًا وانا نسيت اسمي وفصلي كمان، مش بقولك اَخري مستشفى المجانين.
شدد بذراعه يزيد من ضمها ليقول وهو يُقبلها على أعلى رأسها:
-وانا بعشق التراب اللي بتمشي عليه، من اول مرة شوفتك فيها في المكتب اللي كنا بنتدرب فيه، وانا من ساعتها مخي وقف عن التفكير، وقلبي اتعلق بيكي، ومبقتش شايف أي ست تاني غيرك، باينك عملتيلي عمل باين ولا أيه؟
ضحكت مرة أخرى لتقول بتأكيد:
-والله لو كان حلال لكنت عملته على طول ومستنتش، على الاقل كنت افك عقدة لسانك، وانا قاعدة قدامك سنين وانت محاولتش في مرة تلمحلي حتى، دا انا ريقي نشف يا راجل على كلمة منك، وانا بلمح بشكل مباشر وغير مباشر
تنهد يجيبها بادعاء التأثر:
– عارف اني تعبتك معايا في الإنتظار سنين على ما نطقت، وسنين تاني على ما اتخطبنا وغيرهم كمان، على ما اتجوزنا، انا حاسس انك خللتي في انتظاري يا نوال، دا حظ إيه دا اللي وقعك معايا بس يا بنت الناس؟
توقفت فجأة لترد رافعة رأسها إليه وعينيها تواجه خاصتيه:
– دا أجمل حظ على فكرة، هي الست مثلًا بتلاقي الحب ولا الراجل اللي يستاهل كل يوم، لا يا حبيبي، دي بتبقى حاجة نادرة أوي في الزمن ده، انا عرفت حظي لما لقيتك، عشان كدة مسكت فيه بإيديا واسناني.
ضحك خالد يدفعها بكفه على رأسها بهزار ثقيل يردف:
-وانا كنت عارف من الأول إن مينفعش معايا غير واحدة مجنونة، العاقلة مكنتش هتعمر معايا أبدًا.
قهقهت لترد بمرح:
– يعني مجنونة عشان بحبك، طب يا سيدي انا قابلة، اهم حاجة اني اتجوزتك.
هذه المرة لف ذراعه على عنــ قها ليُقبل أعلى رأسها، ويسير بها مرة أخرى، فاستدركت فجأة متذكرة:
-اه صحيح يا خالد عرفت أن فرح كاميليا وكارم ماتمش؟
عقد حاجبيه يسألها بقلق:
-ليه يعني؟ حصل حاجة لا قدر الله؟
ردت نوال تجيبه:
-مش عارفة، بس انا سألت زهرة، وقالتلي خير ان شاء الله متقلقيش.
سمع منها خالد ليردد خلفها رغم استغرابه:
-يارب يكون خير.
❈-❈-❈
بداخل الشقة التي شهدت مولد شخصيتها الجديدة، كما شهدت على انهيارها ودموع الندم التي ذرفتها بعد الهزة القوية التي ضربتها بمعرفة الحقيقة وعلمها بالطريق الخطر الذي كانت تسير فيه، والمصير الذي كان ينتظرها لو استمرت قبل ان تستفيق منه.
أحضرها إمام معه في زيارة إلى شقيقته التي استقبلتها بالمودة الصادقة كعادتها قبل ان يجلسا ثلاثتهم في صالة المنزل وبصحبتهم الصغيرة روان التي تعلقت بغادة ولا تريد تركها، حتى هتفت عليها والدتها:
-يا بنتي قومي من على حجر البنت كفاية بقى؟
-الله يا ماما ماتسبيني قاعدة شوية، ما انا قاعدة ساكتة اهو ومبعملش شقاوة زي عمر
تدخلت غادة على قول الصغيرة:
-ما هي قالتلك أهي يا خلود مبتعملش شقاوة، لزوموا إيه بس تمشيها؟ دي حتي زي قمر وكيوتة.
قالتها وختمت لتطبع قبلة على وجنتها، بادلتها الطفلة بواحدة مثلها على الفور، ليُعقب إمام على فعلهم:
-معناها يعني انهم اتفقوا يا خلود، واطلعي انتي منها.
ردت غادة ضاحكة:
-حرام عليك متفتنش ما بينا، اوعي تكوني بتاخدي على كلامه يا خلود، دا انتي حبيبتي.
تبسمت لها المذكورة هي الأخرى تقول:
-وانتي اكتر كمان يا غادة، بس معلش بقى، خلي البت دي تقوم من جمبنا، عايزين نقعد مع بعض شوية يا قلبي.
اومأت لها غادة بطاعة قبل أن تعود لتقبيل الطفلة ومهادنتها ببعض الكلمات حتى اقتنعت روان لتنهض عنها تستأذن والدتها:
-طب عن إذنك بقى يا ماما أنا هدخل اللعب جوا مع عمر في اؤضته.
-إذنك معاكي يا حبيبتي.
قالتها خلود لتُعقب فور انصرافها:
-قال وبتستأذن كمان؟ يا ختي ع الأدب!
رددت غادة مستنكرة بالضحك:
-يعني ولا هو كدة عاجب ولا كدة عاجب.
لوحت خلود بكفيها في الهواء أمامها تقول بدرما:
-يا ستي والله عاجبنا، هو في حد في الدنيا يكره الأدب؟ بس احنا عايزينك في كلمتين ضروري دلوقتي يا غدود، يعني مكنش ينفع يتقالوا قدام مقصوفة الرقــ بة اللي مشيت دي.
قطبت تسألهما باستفهام:
-كلمتين إيه بالظبط؟
اجابها إمام بلهجة صارمة، جادة:
-عن موضوع جوازنا يا غادة، انا كلمت الست الوالدة، وعايزين ناخد ميعاد بقى يا بنت الناس .
اضافت على قوله خلود ممازحة:
-ايوة يا غادة وحياتي عندك، عايزن نفرح بالواد المسكين دا بقى، دا غلبان والله، واحنا مصدقنا نلاقي واحدة ترضى بيه.
سمع قول شقيقته ليعلق:
-الله يسترك .
ضحكت غادة من قول الشقيقين قبل ان تعي لمطلبهم جيدًا، فتنهدت بشرود حتى بدا عليها الهم، مما اثار القلق بقلب خلود لتسألها:
– ايه يا غادة شكلك اتغير ليه كدة؟ هو في مشكلة تمنع ولا حاجة؟
جائتها الإجابة من إمام الذي خمنها وحده:
-أكيد أمك صح؟ هو انتي فاتحتيها ورفضت ولا لسة مقولتيش
تنهدت باضطراب وهي تردف:
-بصراحة خايفة، لانها قالبة عليا ومش طايقة مني أي كلام اليومين دول، خصوصًا بعد اللي شافته في فرح خالد وزود كمان فرح كاميليا اللي متمش امبارح ده بالحاجات الخيالية اللي كان عاملها الأستاذ كارم، هتموت على عريس من العينة دي، طب اهي العروسة هربت ومفرقش معاها كل اللي تعمل.
أومأت لها خلود عن اقتناع:
-فعلًا يا غادة عندك حق، مش بالأفراح ولا بالتكلفة العالية هي، الأهم هو الحب اللي بيجمع الطرفين، او زي ما بيقولوا بالبلدي كدة، الوفق، ان ربنا يوفق قلبين، بس انتي برضوا لازم تحاولي معاها شوية شوية كدة وحاولي تبقي مصممة على رأيك ومتضعفيش معاها، عشان ما تزيدش بالضغط عليكي، اللي زي والدتك بتبقى عايز الشخصية القوية قدامها
بدا على غادة أنها تستوعب الكلمات جيدَا من ملامح وجهها التي بدت شديدة التركيز، فتدخل إمام سائلًا:
-لكن انتي معرفتيش كاميليا راحت فين؟ ولا حتى عرفتي السبب اللي خلاها هربت من كارم؟
ردت تهز كتفيها:
-لا معرفتش أبدًا، لأنها مقالتش قدامي خالص، رغم إحساسي الأكيد انها معرفة زهرة، بس انا عذراها بصراحة، دا انا عملت معاهم بلاوي.
قالت الاَخيرة بلهجة ساخرة ممتزحة بالندم الذي تحاول تخفيه.
تبسم إمام يقول لها بلهجة مطمئنة ونظرة لا تفشل أبدًا في دعمها بالأمان:
-شوية شوية وهترجع ثقتهم فيكي ياغادة، متقلقيش.
❈-❈-❈
في حديقة المنزل كانت تتابع ضحكات ميدو مع عامل الحديقة الذي كان يسقي الزهور وهو يلاعبه بخرطوم المياه، وذلك بوجود عامر ولمياء التي كانت تتحرق بداخلها للسؤال ولكن بأفعال الصغير ومشاغباته الدائمة كانت دائمًا ما تتراجع خصوصًا مع ضحكات عامر الذي بدا مستمعًا برفقة الصغير وبأقواله أيضًا:
-الواد دا عفريت اوي يا زهرة، غلبني النهارده يجي مية مرة واحنا بنلعب البلاي ستيشن، لا وحلنجي وبيعرف يوقعني.
ضحكت زهرة وعقبت لمياء:
-زكي زي اخته ما شاء الله، رغم إنه ميشبهاش غير في لون البشرة الفاتحة، لكنه مدي على أخته التانية دي اللي شوفتها امبارح، هي اسمها رباب باين؟
اومأت لها زهرة بارتباك ثم عادت سريعًا نحوه وقد قرأت في عين لمياء التساؤل، فقالت لتشتيتها:
هو فعلا فيه شبه من رباب.. بي على فكرة يا طنت انا كنت عايزة اقولك على حاجة كدة
– حاجة إيه؟
سألتها لمياء لتجيبها الأخرى
– يعني كدة حاسة ان سرير البيي فيه حاجة مش مظبوطة، خايفة إن يكون في عيب في رجله من تحت ولا.. بصراحة مش عارفة.
ظهر الفزع على وجه لمياء لتهتف غاضبة:
-انتي بتتكلمي جد؟ طب ولما هو كدة مقولتيش من الاول ليه؟ مستنية لما يجي البيي وميرتحش فيه؟ انا قايمة اشوفه بنفسي، ولو كان زي ما بتقولي كدة، هرجعه واشتري واحد النهاردة.
قالت كلماتها ونهضت لتعدو للداخل على الفور، اخفت زهرة ابتسامة ملحة، عرفها عامر والذي كان متابعًا بصمت، ليردف لها بمغزى:
-بقيتي مش ساهلة يا مرات جاسر، شكلك كدة اتعلمتي منه يا حفيدة رقية .
ردت له ضاحكة ببرائة:
-الله يسامحك يا عمي مش هرد عليك.
زام بفمه بنظرة ماكرة قبل أن ينتبه على جاسر الذي وصل من الناحية القريبة، يعدو سريعًا نحو الدخول للمنزل، يومئ بتحية بكف يده في الهواء لوالده، قبل أن يلتف نحو زهرة بوجه متجهم ونظرة صامتة، ثم أكمل وتجاهلها دون تحية أو أي شئ.
انتبه عامر لهذا التغير، فتوجه لزهرة سائلًا:
-مش بعادة يعني، هو جاسر زعلان منك؟.
ارتبكت واصفر وجهها لتنهض مستئذنة بالأنصراف:
-معلش يا عمي، ممكن تخلي بالك من ميدو عشان اروح اشوف جاسر.
أومأ عامر يردد لها:
-روحي يا بنتي روحي، وانا هفضل مع ميدو متقلقيش
❈-❈-❈
بحثت عنه في غرفتهما وحينما لم تجده وصلت لغرفة المكتب، فوجدته مستلقيًا على الاَريكة بعد ان خلع سترته، ليظل بالبنطال الأسود والقميص الأبيض المنشي.
شعر بوجودها فور ان ولجت للغرفة، فالتف على الفور يعطيها ظهره، غمرها الحزن على الفور، لعدم توقعها لفعلته، جسرت قلبها وخطت لتجلس بقربه على الاَريكة، تحمحمت لتخرج جملة مفيدة رغم الغصة التي شقت حلقها:
-هو انت لسة زعلان مني يا جاسر؟
لم تحصل منه على رد لتتابع بصوت مختنق:
-بلاش تقسي قلبك عليا يا جاسر، انا عارفة انك زعلان عشان مبلغتكش باللي هعمله مع كاميليا، بس انت خليك مكاني، صاحبتي وطلبت المساعدة في أمر يخص حياتها كلها والوقت ضيق بالاضافة كمان لوضعك الحساس مع اللي اسمه كارم بشغله معاك.
وضعت كفها على ظهره لتفاجأ بتشنج عضلاته من الخلف، فتابعت بإصرار:
-يا جاسر قدر بقى، ومتقساش عليا ابوس إيدك، انا روحت بالحراس ومقعدتش مع الراجل غير دقايق قليلة في المكان العام، سلمته فيها الورق اللي يخص كاميليا ورديت على كام سؤال وقومت بسرعة، دا غير إنه راجل محترم وكبير في السن.
-انا مبتكلمش عن سنه أو شكله ، انا بتكلم على إنك معبرتنيش.
قالها بعد أن التف إليها بحدة أجفلتها في البداية، ثم ما لبثت أن يتخلل قلبها الإرتياح، فيكفيها استجابته للحديث معها، حتى لو قسى بكلماته عليها.
-كان لازم تديني فكرة يا زهرة، مش تعيشي معايا جو البرود، وانتي بتخططي وتنفذي من ورايا.
ظلت على وضعها تتأمله بصمت ليتابع بلهجة تفيض باللوم:
-بتخبي عني انا يا زهرة؟ وفي أمر جلل زي ده؟
أيضًا لم ترد، ولكنها فاجأتئه بتناول كف يده لتقبلها وتقول برقة:
-سامحني وانا مش هعملها تاني أبدًا، ارجع لطبيعتك معايا وانا انفذ كل اللي تأمرني بيه، وكل اللي تقوله يتنفذ.
فعلتها العفوية مرت عليه كسحابة أمطرت فجأة لتُطفئ نيران مشتعلة منذ عقود، لقد أخمدت حريق قلبه وأنسته بلفتتها البسيطة جذوة الغضب التي اشعلت رأسه نحوها، ولكنه ومع ذلك لن يرفع راية الصلح هكذا على الفور وبكل سهولة، لذلك كان الصمت هذه المرة من نصيبه هو رغم استمرارها بالرجاء والألحاح:
-رد بقى يا جاسر والنبي، بلاش سكوتك دا بقى.
تنهد ثقل يجيبها:
-عايزاني اقول إيه؟
اقتربت برأسها منه لتردف بمرح:
– تقول سامحتك وتسامحني بجد وتنسى بقى.
أومأ برأسه مسبلًا أهدابه بتفكير، قبل أن يرد:
-اقول مسامحك، بس هنسى ازاي بقى وانا قلقان وخايف من اللي جاي .
قطبت لتسأله باستفهام:
-وتخاف ليه بقى؟ ما انا قولتك عن الراجل دا اللي بيحمي كاميليا وهيساعدها في الطلاق، ولا اللي اسمه كارم ده قالك حاجة زعلتك؟
تجمد بنظرته الغامضة لها للحظات اثارت بقلبها القلق، قبل أن يجيبها اخيرًا:
-انا حاولت مع كارم النهاردة، كان نفسي يبقى الموضوع من ناحيته عشان اضمن الأمان بجد، بس للأسف كارم فاجأني برده….
صمت برهة أمام ترقبها ثم تابع:
-كارم قدم استقالته
❈-❈-❈
وعند كاميليا التي تركت طارق مع عليوة الصغير واسرته بعد ان انتهاء وجبة الغداء، ليتسامر ويتحدث معهم، بعد أن صعدت هي لغرفتها وبدلت عبائتها ثم قامت بتصفيف شعرها أمام المراَة، حتى تعود وتقضي هذه الدقائق المتبقية معه قبل مغادرته، القت نظرة اَخيرة على هيئتها في المرأة وهمت أن تعود قبل أن تفاجأ بدفعة عنيفة للباب، صرخت على اثرها قبل أن تفاجأ بعدوها أمامها بهيئته المخيفة بابتسامة قاسية يردف لها:
-زوجتي العزيزة، أخبارك إيه دلوقتي؟
مع فرط فزعها واستيعابها السريع للأمر افتر فاهها لأطلاق صرخة كتمها هو سريعًا بعد أن وثب إليها بثانية واحدة كفهد بري، ليهدر بفحيح وهو يقيد حركتها عن المقاومة أيضًا:
-بتهربي مني في يوم فرحنا يا كاميليا؟ عايز تذليني قدام أهلي ومصر كلها.
حاولت نزع نفسها عنه ونزع قبضته على وجنتيها وفكيها، ليزيد هو بضغطه بعنف قائلًا:
-وكمان معرفة طارق طريقك عشان تخونيني معاه، دا انا اموتك ولا تبقى لحد غيري،
مع الأخيرة استطاعت نزع فبضته لتصيح بتحدي:
-وانا الموت عندي اهون من إني اتجوز واحد مجنون زيك، انت مكانك في السريا الصفرا مش بين الناس العاقلين .
سمع منها واتسعت ابتسامة مستخفة بخط رفيع على وجهه، ليرد بهدوء مريب وهو يمسح بأنامله على وجنتيها وشفتيها:
-انا مجنون حقيقي…. وانتي بقى تستاهلي جناني.
اردف الاَخيرة ثم باغتها بقبلة قاسية، حتى إذا نزع نفسه عنها صرخت بوجهه:
-انت مش بس مجنون، انت كمان حيوااان.
تجاهل نعتها له ثم تناول شعرها يلف الخصلات على يديه يردد لها:
-انتي لسة شوفتي حاجة، دي مجرد عينة، لسة اللي مستنيكي كتير يا حبيبتي، دا أنا هخليكي جارية تحت رجلي.
اردف الاَخيرة ليتحرك مغادرًا وهو يسحبها بعنف من شعرها، مستمتعًا بصراخها ومقاومتها الضعيفة بضربه بقبضتيها بعشوائية، ليستمر حتى هبط بها ألى ألطابق الأرضي فتفاجات بكم الرجال المدججين بالسلاح في قلب الردهة الأمامية والصالة، وعليوة الصغير محاصر ومثبت كوالديه من قبل الرجال الضخام وأسلحتهم، ثم تفاجأ بصياح طارق وقد قيدت حركته بصعوبة من قبل مجموعة من الرجال:
-سيبها يا حيوان وقابلني راجل لراجل بدل ما تجبر واحدة عليك غصب عنها.
بابتسامة ذئب التف له ثم عاد إليها قائلًا:
-صاحبك فارد عضلاته ووخداه الشجاعة، متفهميه يا حلوة، اَخر واحد عملها معايا كان مصيره ايه؟
-قولها انت مصيره أيه يا كارم .
جائت إليه من الأعلي بصوت جهوري تعلمه الأذن جيدًا، واخترق أسماعها العديد من المرات، التف يرفع رأسه للأعلى ليصدق تخمينه برؤية صاحب الوجه المألوف إليه سابقًا، رغم التجعد الكبير على البشرة و عامل الزمن الذي ترك اثره عليه بقوة، ليتمتم هو على الفور بعدم استيعاب :
-فوزي البحيري، والد كريم.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية نعيمي وجحيمها)