روايات

رواية نيران الغجرية الفصل الثاني والخمسون 52 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية الفصل الثاني والخمسون 52 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية البارت الثاني والخمسون

رواية نيران الغجرية الجزء الثاني والخمسون

نيران الغجرية
نيران الغجرية

رواية نيران الغجرية الحلقة الثانية والخمسون

” أحيانا … لا نحتاج للأعداء لكي نعرف معنى الأذى ”
( – انتي مش اول واحدة دخل معاها عمار في علاقة زي ديه.
– انا مش محتاج اكدب عليكي لو حبيتي تقدري ترجعي و تسألي عمار اذا كلامي صح ولا غلط … قولتلك انك مش اول بنت في حياته ولو شغلتي دماغك شويا هتفهمي اني بقول الحقيقة …
عمار زيه زي أي شاب تاني عنده نفس المقومات هو عرف كتير قبلك و بعدك بس كانو للتسلية و حتى انتي زيهم لكن الفرق الوحيد انك كنتي صعبة المنال شويا علشان كده اضطر يكدب عليكي و اشتراكي من عمك بفلوسه. )

بينما تجلس بجانبه في السيارة ، راحت تسرد عليه أحداث ذلك اليوم بالتفصيل عندما كانت مريم ستتصل بعمار ففوجئت برأفت الذي صادفها و أخبرها بأن غلطة يجب عليها تصليحها لكي لا يضيع إبنه زير النساء ، و أخبرته أيضا بالمبلغ المالي الذي أعطاه لها مقابل ألا تخرج أمام عمار مجددا …
لم تنسى أي حرف بل حرصت على إعلامه بكل شيء فهي لا تريد الوقوع في فخ الكذب مجددا.
و عندما انتهت ، نظرت اليه فوجدته بتقاسيم وجه جامدة ، عيناه مظلمتان ويبدو كمن كبر بعشرين سنة في بضع دقائق فقط.

لم ترد مريم أن تتواجه معه بهذه الطريقة لأنها تعلم مدى الألم الذي سيعاني منه عمار ، لقد تعرضت هي لنفس الخيبة في السابق من عمها و زوجته لذلك تعلم جيدا مقدار سوء ما سيشعر به.
أما عمار … فلم يحد بصره عن المقود الذي يحدق فيه منذ ركب السيارة ، و لكن عقله كان مكان آخر كليا.

و قلبه انشغل بِعدِّ أجزائه التي انشطرت ومن الواضح أنه سيعجز عن لملمتها هذه المرة ، كان يشعر وكأن الجمرات تشتعل في صدره او سياط من نار تجلده بلا رحمة ، أو حتى ان العالم أظلم عليه فلم يعد يقوى على رؤية لون غير الأسود.
كم عدد الخيبات التي يستطيع المرء أن يتصدى لها في حياته ؟ أو كم العدد الأقصى للخيانات التي يتعرض لها الإنسان منذ ولادته لحين مماته ؟

لقد لاقى الكثير في منذ طفولته ، إهمال والده و خيانة أمه ، زوجة اتهمته بأبشع الأشياء و مؤامرات من قريب لا يعرفه ، و الآن يكتشف بأن الرجل الذي بدأ يفكر جديا في أن يسامحه ويفتح معه صفحة جديدة هو من طعنه للمرة الثانية !
ولم يكن جرح عمار بخصوص أن رأفت جعله يظهر بهيأة القاتل و أبعد زوجته عنه أكبر من جرح كرامته المهدورة و كبريائه الذي نزف دما لأن أباه قد قتله عندما شوه سمعته و نكل بجثته لسنتين !

احتشدت أنفاسه بداخله و تصببت قطرات العرق من جبينه و احمرت عيناه فبدى كوحش بشري جريح ، و قطع الغضب خلاياه ليضرب بقبضته على المقود و ينطلق بالسيارة بسرعة مخيفة أرهبت الجالسة بجانبه ولكن مريم لم تنطق بحرف أو تعترض لأنها رأت مدى آلام عمار في هذه اللحظة.
بعد دقائق وصلا الى الشركة و أرسلها عمار لقسمها أما هو فنهب الأرض وهو يمشي عليها بخطوات واسعة ووجه جامد لفت الأنظار اليه.

و عندما اقتحم غرفة مكتب والده الذي كان يرص علب الأدوية أمامه ليتناولها في الميعاد المحدد له من الطبيب ، رمقه بإزدراء و كره نضح من عينيه ليتعجب الآخر ويقول :
– في ايه يا عمار.

أغلق الباب و اقترب منه مغمغما بصوت قاتم :
– لسه فاضل ايه تاني معملتوش.
– نعم ؟
– انا عملتلك ايه خلاك تكرهني كده انت ازاي طلعت بالسوء ده … ازاي هان عليك ابنك اللي عملت فيه كل حاجة وحشة من لما وعي ع الدنيا … رد عليا !

نهض رأفت من مكانه و دنى منه بتوجس و رأسه ينذره بالشكوك التي غزته و تحقق شكه عندما صرخ عمار :
– انا عرفت كل حاجة يا رأفت بيه مريم قالتلي ع اللي عملته و قولته عليا.

– عمار انا …
تهدج بتقطع لكن الآخر قاطعه على الفور مبتلعة الغصة المؤلمة بحلقه :
– لما خسرت ابني و مريم هربت انت شوفتني قد ايه كنت متوجع ومقهور عليهم … ساعتها طلبت منك لأول مرة فحياتي انك تساعدني عشان تلاقيها بس جيت و كدبت عليا.
قولتلي انك ملقتهاش ونصحتني انساها بس انت … انت لقيتها وقولتلها عني حاجات بشعة لدرجة … مبقتش قادر حتى ابصلك.

وقف رأفت يستمع لكلمات عمار المتهمة و المعاتبة ، صرخ و ادمعت عيناه وهو يبدي مشاعره و انكساره من والده حتى قاربت أنفاسه على الإنقطاع فتمتم وقد بدأ يشعر بوخزات مؤلمة في صدره :
– انا عملت كده علشانك … البنت مكنتش مناسبة ليك خالص وانا قصدت احميك منها.

اندهش من حديثه و استنكره بحدة :
– تحميني ؟ مين طلب منك تعمل كده انت مين عشان تقرر مين اللي تناسبني ومين اللي متناسبنيش !
ايوة طبعا لان من لما كنت ولد صغير اتعلمت امشي ع الخطوات اللي انت بترسمهالي اتعودت ع اني انفذ أوامرك ولما شوفت اني بدأت اعيش حياتي بعيد عن عيلتكم و اسمكم و مجتمعكم حسيت بالخطر و خفت ع السلطة بتاعتك علشان كده روحت لمريم و هددتها و حكيتلها عن حاجات محصلتش اصلا !

أنهى عمار كلامه و أولاه ظهره غير منتبه لوالده الذي استند على المكتب وهو يضع يده على صدره بتألم ثم وقف بجمود فجأة و عادت عقاله لصوبها وهو يربط الخيوط ببعضها البعض حتى همس :
– يبقى انت اللي عملت كده فعلا … انا دلوقتي اتأكدت.

تجعد وجه رأفت بإستغراب و عدم فهم ليلتفت له الآخر و تلمع عيناه بالصدمة و الإتهام قائلا :
– محدش غيرك عرف بجوازي السري و عنوان بيتي وانت اللي كنت بتبعت رجالتك ورايا عشان يشوفوني بروح ع فين… انا كنت مستغرب اشمعنا انت ظهرت يوم هروب مريم بالضبط بس دلوقتي فهمت …. انت … انت اللي قتلتلي ابني.

شحب وجه الآخر و ابيضت شفتاه برهبة من سوء الإتهام و ضاقت عليه ضلوعه بينما يترجع نظرات الحقد و الإزدراء من إبنه الوحيد ، يا الهي لم يتوقع يوما أن يكون سيئا في عيني ولده لدرجة يتهمه فيها بهذه الجريمة البشعة ، يقتل حفيده ؟ هل كرهه عمار وفقد الثقة والأمان به لهذا الحد ! مهلا هل مات الجنين مقتولا من الأساس !
أغمض عيناه من هول ما ينزل عليه ، و تزامنت وخزات قلبه مع حروف عمار المتثاقلة :
– انا شوفتك اكتر من مرة مع سليم اللي اتضح انه باعني وبيشتغل مع غيري وهو دفعله عشان يسمم مريم … شوفتك وانت بتديله فلوس و سمعتك وانت بتكلمه عن المهمة اللي محدش لازم يعرفها بس فضلت بكدب نفسي.
قلت مستحيل ابويا يوصل للمرحلة ديه صحيح هو عمره مااعتبرني ابنه و احترم حياتي وقراراتي بس مش معقول يحب ينتقم مني ف ابني اللي لسه مشافش الدنيا.
بس دلوقتي كل حاجة اتكشفت … و طلعت انت ورا اللي حصل.

هز رأسه نافيا بلهفة و تقدم منه خطوة بطيئة :
– لا يا عمار … لا يا ابني انا …

– أنا مش ابنك !
هدر الآخر صارخا بقهر غلبه الغضب و تابع :
– اللي يعمل كده ف اقرب الناس ليه ميستحقش يبقى أب يا رأفت بيه تعرف انا شايف ايه دلوقتي ؟ مجرم حرمني من كل حاجة في حياتي ضيعلي طفولتي وبعدني عن اللي بحبهم و جبرني اعمل حاجات مش عايزها … شايف واحد عديم الرحمة كل همه مصلحته حتى لو هيأذيني … شايف واحد قاتل.

و تصدعت ملامحه بكل معاني الكره و البغض في لحظتها وهو يبصق كلماته القاسية :
– مش هسامحك على اي حاجة عملتهالي … انا بكرهك !

كانت آخر كلمات سمعها رأفت الذي أحس بروحه تنسحب منه وهو يشعر بالألم ينطلق من صدره الى ذراعيه و ظهره ، فضغط بيده على مكان الضيق و في لحظات كان يهوي على الأرض !
و تسربت الدماء من وجه عمار الذي تحول سخطه في ثوان الى فزع اشتد به و خوف قسم ضلوعه فانتفض جاثما على الأرض و رفع رأسه والده لركبه مرددا بصوت لم يكد هو نفسه يسمعه :
– رأفت بيه … رأفت بيه …

تسارعت أنفاسه برعب وهو يرى شحوبه المخيف فصرخ مناديا المساعدة قبل أن يعود و يطرق على وجه رأفت فلم يشعر بدموعه التي تساقطت بغزارة هاتفا :
– متسيبنيش … ب … بابا !

___________________
ستووب انتهى الفصل ، عارفة انه قصير بس والله العظيم مقدرتش اكتب اكتر من كده انا في فترة امتحانات و محتاجة تدعولي بالتوفيق فضلا وليس أمرا
رايكم بالفصل ؟ ايه اللي هيحصل لرأفت ؟
رايكم في تصرف عمار وهل كان عنده حق في اللي قاله و عمله ؟

سُكون.
___________________
جسد مرمي على الأرض … أصوات متداخلة و فوضى عارمة … صافرة إسعاف تعلو بدرجة مزعجة صمت أذنيه …
لم يكن يستوعب ما يحدث حوله و كأن طاقة سوداء حطت فوق رأسه و فصلته عن العالم ، فقط يمسك بيد والده المسجي على السرير داخل سيارة الإسعاف و يناظر ببهتان ملامحه الشاحبة التي تم تغطية معظمها بقناع الأكسجين ..
كان كل شيء يمر بسرعة الضوء ولم تبدو حالته أحسن من أبيه أساسا الفرق الوحيد بينهما أن رأفت كان مغمضا عيناه أما الآخر فلم يرمش حتى.

و عندما وصلوا للمستشفى و سارع الطاقم الطبي لإستقباله مدخلين المريض لغرفة العمليات حينها أمسك عمار بالطبيب بقوة و طالعه بحدقتين حمراوتين هامسا :
– اعمل كل حاجة عشان تنقذه … هو لازم يعيش يا دكتور … مينفعش يموت دلوقتي.

– احنا هنعمل كل اللي بنقدر عليه ادعوله.
همهم الطبيب بمراعاة لحالة الإبن ثم دخل للغرفة بينما يتأمل عمار الفراغ بأنفاس مختنقة متذكرا سقوط رأفت بين يديه منذ دقائق و كيف صرخ بجنون طالبا النجدة ، كل شيء حدث بسببه ، لم يكن عليه أن يكلم والده بهذه الطريقة السيئة خاصة وهو يعلم بوضعه الصحي كان يجب عليه أن يراعيه.
حسنا ولكن رأفت هو المجرم الذي قتل طفله و أبعد زوجته عنه … كلا لم يقتل الجنين لقد أخبره بأنه لم يفعل.

لكن كل الدلائل تصب ضده من عليه أن يصدق الآن ؟ يا الهي كيف للإنسان أن يستطيع مجابهة كل هذا !
ضغط عمار على رأسه وهو يهزه بهستيرية قبل أن ينتبه ليوسف و وليد قادمان مع عادل الذي اقترب منه سريعا و هاجمه بغضب :
– ايه اللي حصل لأخويا انت عملتله ايه خلاه في الحالة ديه !

و عندما لم يرد عليه دفعه من كتفه هاتفا برعونة :
– مش كفاية المشاكل و الفضايح اللي سببتها لأبوك و لعيلتنا عايز منه ايه تاني.

وقف وليد في وجهه مغمغما بجدية :
– عادل بيه لو سمحت مش وقته الكلام ده.

جز على أسنانه بعصبية وهو يفكر بأنه لم يكن يتوقع أن يسوء الوضع بين عمار و رأفت لهذه الدرجة ، لقد توقع بأن يكون عمار قد اقترب من اكتشاف الحقيقة و بدأ في مراقبة سليم لذلك اتخذ تدابيره ولم يعد يتكلم في مكتبه او في أي مكان يستطيع الآخر الوصول إليه…
و من ناحية أخرى جعل سليم يشكو لرأفت كاذبا بأنه يعاني من مشاكل مالية و يحتاج مساعدته بدون ان يعرف أي حد و شقيقه الكبير لم يقصر و قدم له مبلغا ماليا أمام عينا عمار الذي ظن به سوءا.

و هاهي توقعاته قد تبين بأنها صحيحة عندما كان يمر على غرفة المكتب ووصل لأسماعه كلمات حمل و سم و جنين فاِتضح له بأن عمار ابتلع الطعم و ظن أن أباه هو المجرم و أنه يحقق في موضوع تسمم مريم منذ زمن طويل ، و ليس ببعيد عليه أن يكون قد وضع جهاز تنصت او كاميرا مراقبة في غرف الجميع !
قضب حاجباه و ابتعد عنهم وهو يقول مدعيا عدم المعرفة :
– لازم تعرف يا عمار لو حصل حاجة لأخويا هتبقى انت السبب.

ثم تركه و جلس على مقعد بعيد نسبيا بينما زفر يوسف وهو يربت على كتف صديقه قبل أن ينتبه لرنين هاتفه فاِستأذن و ذهب لمكان فارغ ثم أجاب :
– الو ايوة يا مريم.

كانت الأخرى تتلضى على الجمر منذ أن سمعت بما حدث للسيد رأفت بعد تحدثه مع عمار و أرادت الذهاب الى المستشفى لولا أن رئيس القسم لم يسمح لها بالمغادرة فإتصلت بيوسف و سألته مباشرة بمجرد أن فتح الخط :
– يوسف بيه ايه الاخبار رأفت بيه ماله حصله حاجة ؟

– دخلوه لأوضة العمليات و محدش طلع من ياعتها عسان يعرفنا بوضعه بس الواضح ان حالته خطيرة.

عضت على شفتها بإرتباك و تساءلت :
– طيب عمار … عمار عامل ايه.

– هو كمان مش كويس و منهار جدا بس انا و وليد معاه وم هنسيبه.
رد عليها بقتامة و سكت لثوان قبل أن يطرح عليها سؤاله :
– انتي بتعرفي ايه اللي حصل بين عمار و اونكل رأفت ؟ لانكم كنتو مع بعض لما دخلتو للشركة وبعدين هو راح يكلم ابوه وكان متنرفز اوي what happened ؟

ازدردت لعابها لاعنة نفسها بداخلها لأنها السبب في كل ما حدث كان عليها أن تخبر عمار بطريقة مناسبة لكي لا يغضب الى هذه الدرجة وحده الله يعلم ماذا حدث بينه و بين والده لتكون النتيجة بهذا الشكل.
ثم تنحنحت و أجابته متهربة :
– لا احنا التقينا برا و دخلنا مع بعض مش عارفة اللي حصل مابينهم بس ممكن رأفت بيه كان تعبان من الاول يعني معتقدش ان عمار يكون السبب في حالته.

همهم يوسف بعدم اقتناع و ودعها منهيا المكالمة ثم ذهب الي حيث يجلس الآخرون …

بعد لحظات حضرت ندى و سعاد التي كادت تتوقف أنفاسها من هول ما حدث لينهض عمار و يمسكها بينما تردد بإنهيار :
– ابوك حصله ايه رد عليا هو فين رأفت فين يا عمار.

رد عليها و أخبرها بأنه تعرض لنوبة قلبية ولم يخرج أحد بعد من غرفة العمليات ليطمئنهم و حاول تهدئتها وهو يقول لها بأنه سيكون بخير ، و في الحقيقة كان هو أكثر من يحتاج للمواساة في هاته اللحظة إلا أنه لم يكن محظوظا بالقدر الكافي ليحصل على هذه الرفاهية في خضم الأحداث خاصة عندما نهض عادل و اقترب منهما مرددا بإتهام :
– اسألي ابنك ايه اللي خلى ابوه يتعب كده بعد ما دخل لمكتبه وقعد يزعقله.

انتبهت لكلامه و نظرت لعمار من خلف دموعها المتكاثفة و همست :
– قصده ايه … انت اتخانقت مع ابوك ليه و بسبب مين.

تدخل عادل مجددا وهو يرد بإستهجان :
– اكيد بسبب الست اللي واخداله عقله لانهم دخلو مع بعض للشركة و كان باين عليهم مش ناويين ع خير ابدا.

وضعت يدها على مكان قلبها و سألته بحدة :
– الكلام اللي بيقوله عمك صحيح … رد عليا !

لم يعرف ان كان عليه النفي و الكذب عليها أم مواجهتها بالحقيقة و كيف أنه كشف سر رأفت وبما أنها زوجته فطبعا هي تعلم بما دار بين والده و مريم وعن الإتهامات التي رماها على إبنه.
و اختار أن يصمت حاليا إلا أن سعاد لم تسمح له وهي تصرخ بغضب :
– انت ايه فهمني ليه بتعمل كده في ابوك بسبب واحدة ملهاش قيمة معقول مش شايفه ازاي عماله يصلح علاقته معاك حرام عليك.

اقتربت منها ندى و أسندتها لتجلسها على المقعد و طالعت عمار بشفقة قبل أن تذهب لجانب زوجة عمها و تواسيها …

__________________
لم تمر بضع ساعات اضافية إلا وكان قد انتشر خبر تعرض رجل الاعمال رأفت البحيري لوعكة صحية جعلته يصارع الموت و كعادة الأخبار الزائفة لم يخلو الأمر من الإشاعات حول وفاته و مرضه بسبب مشاكل في العمل او افلاس العائلة نتيجة انسحاب بعض المستثمرين في الشركة.
و تجمعت الصحافة أمام بوابة المشفى منتظرة لمح أي فرد من آل البحيري و لكن الأمن تدخل و خفف من حدة تجمهرهم الى حين صدور أوامر أخرى.

و بعد وقت مر عليهم كالسنوات خرج الطبيب وبشرهم بنجاح العملية و استقرار حالة المريض ولكن يجب عليه المبيت في غرفة العناية و متابعة وضعه بدقة ، خرجت تنهيدة راحة عميقة من أفواه الجميع و تنفس عمار الصعداء وكأنهم ألقوا دلو ماء بارد على لهيب قلبه ولم يشعر بنفسه إلا وهو يردد كلمات الشكر و الحمد حتى مر الوقت سريعا و جاء الليل محملا معه عبء التفكير المضني و المشاعر المتخبطة.

وقف أمام الحاجز الزجاجي ينظر من خلاله الى والده المسجي على السرير و عدة أسلاك موصولة به ثم أسند جبينه بتعب ليشعر بأحد يقف بجواره و كانت سعاد التي رفضت العودة الى القصر قبل أن يستيقظ رأفت فسألها عمار :
– ليه محدش قالي ان قلبه بقاله فترة تعبان.

– رأفت هو اللي مرضيش انك تعرف عشان عارف قد ايه انت مضغوط الفترة ديه و محبش يشغلك اكتر.

قضب حاجباه و التفت اليها متهكما :
– يشغلني ؟ يعني مرضه بقى بيشغلني دلوقتي يا سعاد هانم هي ديه حجتكم المرة ديه.

نظرت له الأخرى مستفهمة :
– قصدك ايه بالمرة ديه مش فاهمة.
– حضرتك كنتي عارفة صح.
– ب ايه.

تنفس عمار بعمق و واجهها مباشرة :
– ان رأفت بيه كان عارف مريم مختفية فين و قابلها و كدب عليها بخصوصي وخلاها تفكر اني واحد …

لم يقوى لسانه على المتابعة فزفر بخنق و حدجها بنظرات كان من شأنها أن تربك سعاد فتنحنحت و أبعدت عيناها متمتمة :
– هو كان عايز يحميك بس ومش قصده حاجة تانية لانه عارف و فاهم انكم مختلفين عن بعض جدا ومحدش هيقدر يتعايش مع التاني.

جز على أسنانه و مرر يده على عنقه مغمغما :
– لسه بتقولولي عشان مصلحتي … مصلحة ايه ديه فهميني انتو ازاي بتقدرو تعملو كده و انتي … انتي يا سعاد هانم ع اساس انك بتحبيني و بتعتبريني زي ابنك يبقى ليه تخدعوني بالطريقة ديه !

شهقت سعاد بلوعة و ردت عليه مسرعة :
– لا والله انا معنديش أعز منك انت و ابوك و حتى ساعة لما عرفنا بجوازك بالسر كنا حاطين فبالنا احتمال تعلنو الزواج بس لما شوفنا حالتك و ازاي مريم ديه معملتش حساب لأي حاجة لما هربت رأفت قال ان واحدة زيها مستحيل تقدر تعمر معاك … و فعلا ده حصل وشوفت بعيونك المشاكل اللي حصلت من ورا مريم ديه حتى متصلتش بيك ولا جت تطمن عليك يا عمار انت مستوعب نوعية البنت اللي بتخانق ابوك عشانها ؟

أمسكت يده ولكنه سحبها سريعا كأن صعقة كهربائية أصابته و ابتعد عنها بضع خطوات هامسا :
– انتو عرفتو امتى اني متجوز في السر ؟

– رأفت كان فاكر ان البنت ديه عشيقتك و عرفنا عنوان البيت يوم الحادثة ساعتها انتو اتخانقتو و قولتله انك متجوزها يا عمار انت مش فاكر ؟

بهتت ملامحه و شرد في تلك اللحظان و استطاعت ذاكرته التقاط ملامح رأفت وهو مصدوم عندما أخبره بأنه عقد قرانه على مريم ، اندهاشه كان يبدو حقيقيا حتى أن وجهه شحب وهو يردد كلمة الزواج بين شفتيه ، كيف يستطيع التمثيل بهذه السهولة ؟
أم أنه حقا بريء وليس له يد في الموضوع ، و لكن ماذا بخصوص مقابلته مع مريم و تعامله السري مع سليم و كذبه الدائم عليه يا الهي من يجب عليه أن يصدق الآن !

أسند عمار ظهره على الحائط خلفه و تأفف بملل و إرهاق محدثا نفسه :
– انا مش عارف اصدق ايه و مين مش فاهم لازم اعمل ايه …

تأملته سعاد بشفقة و كادت تكلمه إلا أنه تركها و ذهب ليجلس في الرواق الفارغ مفكرا في الموضوع و فجأة طرقت على باله مريم وكيف أنها حقا لم تكلف نفسها عناء الإتصال به على الأقل ، هي تعلم جيدا بماذا دار بينه و بين والده و رأت خوفه و رعبه عندما رافقه للمستشفى اذا لماذا لم تسأل عنه ، هل هو لا يهمها الى هذه الدرجة بينما يفعل كل هذا من أجلها ؟
شعر بيد تربت على كتفه فرفع رأسه و رأى ندى تقف أمامه وهي تبتسم بعاطفة حاملة بين يديها كوبا من القهوة لتهتف :
– بما انك ناوي تفضل سهران فكرت اجبلك Coffee.

التقط الكوب شاكرا اياها و شرد مجددا فجلست بجواره و قالت :
– متقلقش يا عمار اونكل رأفت هيبقى كويس ان شاء الله الدكتور قال ان حالته مستقرة بكره يقوم بالسلامة.

هز رأسه ببطء لتصمت قليلا ثم تردف بتوتر :
– و كمان عايزة اعتذر منك بسبب اللي قاله بابي انت عارف قد ايه بيحب أخوه الكبير هو عما كده من قلقه و خوفه عليه.

ابتسم متمتما بإيجاز بينما يرتشف بعضا من محتويات الكوب :
– صدقيني كلام ابوكي مبيجيش حاجة جمب اللي مزعلني و منرفزني علشان كده مفيش داعي تعتذري.

اومأت وهي تشعر بالحزن عليه ولم تستطع منع مشاعرها عن الخروج من الصندوق الذي دفنتها به منذ مدة فأمسكت بيده الموضوعة فوق ساقه و هتفت بمودة :
– مهما حصل بيننا و مهما اتخانقنا و زعلنا من بعض افضل عارف دايما اني هبقى معاك فكل حاجة زي ماانت كنت جمبي في اوقات فرحي و حزني.

حاد بزيتونيتاه ناحيتها يطالعها بإمتنان قائلا :
– انتي ازاي بتقدري تبقي باللطافة و التفهم دول … محظوظ اللي عنده واحدة زيك في حياته يا ندى.

ابتسمت ندى و ضمته اليها فأسند عمار رأسه على كتفها و حدث نفسه :
– ياريت كانت زيك.

_________________
ترجلت من سيارة الأجرة مطالعة بعض رجال الصحافة المجتمعين حول الباب فأولتهم ظهرها و طلبت احدى الارقام :
– مستر يوسف انا واقفة قصاد المشفى بس الصحافة هنا مش هقدر ادخل من غير ما ياخدو بالهم مني.

استمعت الى رده ثم اردفت :
– لو سمحت حضرتك عارف اني حاولت اطلع من الشركة بدري بس مسمحوليش لان عادل بيه منعهم انا … عايزة اشوف عمار و اطمن عليه … تمام شكرا انا مستنياك.

اغلقت الخط و غيرت اتجاه سيرها لتذهب في الطريق المعاكسة فتلتقي بيوسف الذي غادر من الباب الخلفي و قال لها بحذر :
– لازم تدخلي و تكلميه بسرعة و تطلعي فورا قبل حد مايشوفك يا مريم.

أماءت فورا و تحركت معه ليدلفا بدون انتباه أحد من الخارج ثم صعد معها للطابق الذي يتواجد به عمار و هتف :
– هتلاقيه قاعد في ال hallway جوا او في الاوضة اللي حاجزها يلا ادخلي.

ابتسمت مريم بشكر و ركضت الى حيثما أشار لترى عمار و تطمئن عليه ولكن فجأة توقفت قدماها و تسمرتا في الأرض عندما رأته يجلس بجوار ابنة عمه و يحتضنها ….
تفاجأت بهذا المنظر و ظلت تطالعهما بعدم استيعاب قبل أن تضغط على شفتها من الداخل بضيق و تستدير لكي تغادر ، ولكن توقفت على حين غرة متذكرة بأن عمار زوجها هي و مهما حدث بينهما ستبقى الأولى من بقية النساء.

كما أنها تعلم جيدا بأنه لا يكن مشاعر حب لندى تلك و حسب الطبيعة الغبية التي تخص عائلاتهم فهو يرى بأن احتضانه لها أمر طبيعي و نوع من المواساة فقط لذلك لن تسقط مريم في نفس الفخ مجددا و إن كان على احداهن دعمه ستكون هي وليس امرأة غيرها.
تنفست بعمق و اتجهت اليهما بخطوات ثابتة لتنتبه لها ندى و تتسع عيناها بدهشة من وجودها ثم وقفت مطالعة اياها بخنق.
أما عمار فغر فاه و همس :
– انتي … بتعملي ايه هنا و دخلتي ازاي !

لم تجب عليه مريم فتنهد و رمق ندى بنظرات ذات معنى لتمط الأخرى شفتها مردفة :
– اوك مش هقول لحد انها جت … انا مروحة دلوقتي و طلبت من يوسف يوصلني هرجع بكره الصبح عايز حاجة مني قبل ما امشي.
– لأ شكرا.

ابتسمت ندى و ضمته مجددا ثم حدجت مريم بتعالٍ و غادرت وهي تشعر بالضيق لمجرد رؤيتها ، بينما نظر عمار لتلك التي تقف ببرود ثم أمسك يدها و سحبها خلفه الى الغرفة المحجوزة ليدخل و يهتف بدهشة :
– انتي قدرتي تدخلي ازاي لو حد شافك …

قاطعته ببساطة :
– اطمن محدش شافني مستر يوسف ساعدني.

اغتاظ منها ومن يوسف ليزفر بقوة مستطردا : – انتي بتعملي ايه هنا ؟ لو جاية تشمتي في الراجل اللي شاكين فيه او عشان ترمي عليا تهم الخيانة تاني ف للأسف انا مش حمل مناهدة دلوقتي و تقدري …

قاطعته مريم مجددا ولكن هذه المرة وهي ترمي رأسها على صدره و تلف ذراعيها على كتفيه ، تجمد عمار بصدمة و شعر بشلل في أضلاعه و حواسه من فعلتها و معانقتها له ولم يكد يبدي ردا حتى سمعها تردد بخفوت :
– انا جاية بس عشان اشوفك و اطمن عليك بقالي من الصبح بحاول اوصلك بس مقدرتش … انا عارفة انك مقهور و متعصب مني و ده حقك لاني لو واجهتك من زمان مكناش هنوصل للوضع ده.
بس افضل فاكر ان سواء والدك كان السبب في اللي حصل ل ابننا او لأ انت ملكش دعوة ومش مذنب.

أغمض عمار عيناه بسكون ولم يتحرك أبدا و لكنه أخفض رأسه ليدفنه في خصلات شعرها و كم تمنى لو يبادلها العناق غير أن هذا كان ثقيلا عليه.
لم يعد يقوى على حب او كره او قرب او ابتعاد ، هو لا يريد الآن شيئا سوى النوم و الاستيقاظ و رؤية أن كل شيء بخير.
صدقا لا يتمنى غير الراحة ….
__________________
ستوووب انتهى البارت
رايكم فيه عادل هيعمل ايه بعد ما عرف ان عمار كشف كل حاجة ؟
عمار هيدي فرصة لنفسه انه يستوعب و يفهم قبل ما يعمل اي حاجة ؟
هل فعلا مريم اتغيرت ومبقتش تتسرع زي الاول ؟

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية نيران الغجرية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *