رواية حان الوصال الفصل العشرون 20 بقلم أمل نصر
رواية حان الوصال الفصل العشرون 20 بقلم أمل نصر
رواية حان الوصال البارت العشرون
رواية حان الوصال الجزء العشرون
رواية حان الوصال الحلقة العشرون
الصباح
هو الفكرة الجميلة في عقولنا، يوم جديد، يحمل املًا جديد، شروق الشمس التي تفرد ضياءها على بقاع الأرض، ونسمات الهواء الرقيقة، مع الهدوء الذي يعم الأجواء، لتبعث في القلب الحماس للإنجاز وفعل المستحيل.
ليت باقي اليوم يصبح على هذا المنوال، فلا يصيبنا فتور ولا ضجر ولا إحباط.
#بنت_الجنوب
تحدثت بهجة بلهفة وهي تدور داخل المحل الجديد، تشرح على كل زاوية ما ستقوم بفعله مع اخوتها الذين أصابهم الانبهار بدورهم:
– وبكدة يبقى حققنا حلم ابويا وعملنا وكالة بدل اللي ضاع حقنا فيها، ايه رأيكم يا عيال؟
عبرت عائشة عن فرحتها:
– ايوة يا بيبو يا جامد، انا خلصت امتحاناتي، ايدي على ايدك من بكرة، همشيهولك زي المسطرة.
ضحك الثلاثة على قولها لتعلق جنات:
طبعا وتاخدي فرصتك على خلق الله في طولة اللسان، كدة ضمنت انك هتطفشي الزباين .
عبست عائشة بضيق جعل الثلاثة يعودون للضحك حتى توجهت بهجة بالسؤال نحو شقيقها الوحيد الصامت منذ ولوجهم، رغم انبساط ملامحه هو الاخر :
– ايه يا عمنا، انت الوحيد اللي متكلمتش، بتضحك وبس، ولا كأنك قايم بدور المتفرج وسطنا.
خرج صوت ابهاب بابتسامة مرح يفاجأها بقوله:
– اصل بصراحة رغم انبهاري، لكن عندي رأي مختلف، اخاف اقوله متقبليش.
ردت تحفزه بمشاكسة رغم اندهاشها:
– وافرض يعني مختلف ، قول يا سيدي واحنا يا ناخد بكلامك، يا نرميه ورا ضهرنا، دي حاجة اسهل منها ما فيش.
– ماشي يا ستي، تشكري على زوقك، بس انا بتكلم جد، اصل شايفك متمسكة بموضوع الوكالة رغم ان احنا منفهمش اوي فيها، يعني فرص نجاحها مش مضمونة، بدليل ان بابا نفسه الله يرحمه كان مدي مسؤولية ادارته لعمي اللي طمع في كل حاجة لنفسه بعد كدة .
اسنرعى انتباهها بكلماته، لتتخلى عن عبثها وتشاركه الجدية:
– عندك حق، بس دا المشروع اللي على قد فلوسنا، اي حاجة بعد كدة، هتبقى فوق مقدرتنا، وانا بصراحة…. عايزة مصدر دخل مفتوح عشان كمان شغلي مش مضمون…. وو.. ممكن اسيبه في أي وقت.
تقطعها بالكلمات الاخيرة جعلها الشك يتسلل اليهم ، والتساؤلات اصبحت على افواه ثلاثتهم:
– تسيبي المصنع يا بيبة، طب ليه ؟
– وطنط نجوان، هتسبيها هي كمان؟
– استنوا انتوا الاتنين، فهمينا يا بهجة، انتي قصدك ع المصنع ولا نجوان؟
– الاتنين.
قالت تشير بأصباعيها السبابة والوسطى، لتوضح أكثر:
– مش عيب فيهم، بس انا زهقت وعايزة يبقى ليا حاجتي الخاصة، افتح واقفل وقت ما انا عايزة مبقاش تحت امر حد.
وجهة نظرها كان بها من المنطق ما جعل الثلاثة يقتنعون بها، رغم حزنهم على ترك نجوان، ليأتي التشجيع من ايهاب الذي عبر عما يدور برأسه:
– حلو اوي، طب ايه رأيك بقى بمشروع بتكلفة اقل ومضمون ان شاء الله، بدل الوكالة نفتح كافيه، ع الاقل انا ليا خبرة فيه، بحكم شغلي في الاجازات، دا انا مجرب الشغل في كذا واحد، وعارف الدنيا بتمشي ازاي، دا غير انى مستعد اكلم اصحابي يساعدوني في تجهيزه بأقل الإمكانيات وفي نفس الوقت يبقى في احسن صورة .
الموقع هنا حلو اوي ، وليكي عليا لما نيجي تشغله بعد كدة، تبقى الدنيا اسهل والذ بكتير، ها ايه رأيكم؟
بصوت واحد خرج رد جنات وعائشة.
– انا موافقة،
– وانا كمان موافقة
– كدة متبقاش غيرك يا بهجة، ايه رأيك؟
ابتسامة ساحرة أطلت على ملامحها الرقيقة، يغمرها الاعتزاز لنضج شقيقها الصغير في التفكير وتحديد الهدف المناسب، فلا تملك الا رفع يدها في تأييده هي الأخرى:
– وانا موافقة بالثُلث.
❈-❈-❈
هبط الدرج قادمًا من غرفته في الطابق الثاني، ليخطو نحوهم بوجه مشرق لفت ابصار نبوية التي كانت تطعم في هذا الوقت والدته، يغمرها الاندهاش برؤية هذا التغير الذي طرأ عليه، ليختفي التجهم ويحل محله الاشراق بصورة يراها الاعمى، وليس البصير فقط، حتى القى بالتحية نحوهما، بابتسامة زادت من وسامته:
– صباح الخير يا حلوين.
هللت المرأة في ردها له:
– يا صباح النور ع البنور، عيني عليك بارده النهاردة يا رياض باشا.
ازداد اتساع ابتسامته حتى أطرق بشيء من خجل، ليسحب احد المقاعد ويشاركهم الجلسة حول طاولة الطعام، في مقابل والدته التي كانت تلوك الطعام بتأني وابصارها منصبة عليه، ليبادلها النظر مردفًا:
– دا عينك انتي اللي حلوة يا دادة، عاملة ايه يا نجوان هانم؟
لم تجيبه بالطبع ، وظلت تتابع طعامها وكأنها لم تسمعه،
تدخلت نبوية تتكلف بالرد بحرج:
– دي ما شاء الله عليها، اليومين دول بقيت احسن بكتير اوي عن اللي فات، هي بس دلوقتى صاحية مقريفة عشان لساها صاحية، تحب احضرلك تاكل معاها؟
اومأ يصرفها بلطف حتى يستطيع الانفراد بوالدته:
– لا يا دادة الف شكر، روحي انتي وانا هاكل من نفس الطبق اللي بتاكل فيه ماما..
سهمت المرأة ببصرها، فاغرة فاهها بدهشة، لا تستوعب العبارة، حتى عاد عليها مكررًا:
– ما خلاص يا دادة بقولك، روحي بس اعمليلي فنجان قهوة .
تحمحمت نبوية بحرج لتجر اقدامها وتذعن لأمره ذاهبة، ف اقترب هو اكثر بكرسيه نحو تلك الشاردة، يتناول من يدها اللقيمة التي كانت على وشك الدخول الى فمها، لتحط بفمه هو، يلفت انتباهها قائلا:
– اظنك مش هتمانعي اكلها من ايدك ، زي ما كنا بنعمل زمان.
استطاع بلفتته ان يسحب منها استجابة لحديثه على غير ارادتها، لتتوقف عن الطعام وتنصب ابصارها نحوه، فتبسم وقد وصل لهدفه قائلا:
– مدام انتبهتي، يبقى انتي اكيد افتكرتى، ودي في حد ذاتها تقدم كبير اوي.
اشاحت بوجهها عنه بشيء من ضجر وكأنها لا تريد التذكر، فواصل هو :
-،براحتك يا نجوان هانم، ع العموم بمناسبة انتباهك دا ، انا حابب افرحك، مصطفى عزام ابن اختك وحبيبك ، مراته خلفت من يجي اكتر من شهر في لندن بعد عذاب سنين في الانتظار، اكيد لازم تفرحيلهم، ما انتي كنتي الوحيدة اللي مسانداه في جوازه منها عشان بيحبها.
لم يفوت عليه انها ظلت بحالة الصمت ترهف السمع، بعدما جاء بذكر مصطفى، وقد تأكد له الاَن انها حطت بأقدامها على ارض واقعهم، بعد سنوات من الشرود ف عوالم اختلقتها، لتنزوي بها بعيدا عن الجميع.
نهض فجأة ينفض يديه من اثر الطعام، ليميل برأسه نحوها فجأة يهمس بمكر:
– على فكرة هو رجع امبارح والدنيا عندهم قلبان بمناسبة الحدث السعيد، انا حابب اخدك معايا لو تقبلي يعني؟
قالها وتحرك مغادرًا، ودون ان يلتف ببصره نحوها، وقد تيقن داخله بحسن استيعابها للحديث. وكأنه رأى بأم عينيه، ملامح الأسى التي اعتلت تعابيرها من خلفه.
❈-❈-❈
وفي ناحية اخرى
استيقظت تلك الجميلة، تتحسس برودة الفراش وقد خلى مكانه بجوارها، بعدما نهض وتركها منذ وقت لا تعلمه، لتنهض باحثة عنه، فوقعت عينيها عليه، داخل الشرفة جالسًا بشرود، هذه اول مرة تحدث منذ زواجهم ، الا يوقظها هو على كلمات الغزل ولا مداعباته في تدليلها، وإعطاءها الثقة في انوثتها .
ثم تجده الاَن بهذا الشرود في جلسته، لفت كتفيها بالشال الثقيل لتذهب اليه وتبادره بإلقاء التحية الصباحية.
– صباح الخير على اللي صحي من جبلي وسابني.
التف يجيبها بابتسامة مختلفة عن تلك اللهفة التي تقابلها منه كل صباح:
– صباح الخير يا قلب شادي، تعالي اقعدي جمبي، الهوا هنا يرد الروح.
اقتربت بالفعل وفتور حل بها لتجلس في المكان الذي اشار عليه ، فتسائلت على الفور بقلق:
– شادي هو انت في حاجة مزعلاك؟ شكلك ميطمنش.
تحمحم ينفي برأسه لكنه عاد سريعًا يجيبها:
– مش عايز اقلقلك ، بس انا فعلا مضايق، التليفون كنت عامله بوضع الصامت قبل ما انام امبارح، الصبح لقيت كذا محاولة اتصال من رحمة، خوفت لتكون حاجة حصلت لماما، قولت اتصل واشوف، لقيتها بتقولي انها راحت على بيت حماها امبارح مع جوزها يزورهم، عشان خالي خميس مضايق على رأيها ومخنوق، المهم انها عرفت هناك ان ولاد خالي خليل عزلو وسابو البيت من غير ما يبلغوا حد بمكانهم.
توقف يزفر انفاس خشنة بصوت وضح ما يعانيه، يشيح ابصاره للناحية الأخرى، مما اجبرها للتساؤل:
– يعني هو دا اللي مزعلك، انا اعرف ان بهجة عاجلة واخواتها كبار يعني ان شاء الله ميتخافش عليهم.
عاد اليها بملامح يكسوها الحزن:
– انا عارف كل اللي بتقوليه يا صبا، لكني برضو مخنوق، بهجة واخواتها مش هسيبوا بيتهم الملك، وبالصورة دي، الا اذا كان فاض بيهم، خالي خميس ومراته وولاده قادرين يطفشوا قبيلة بحالها، اشحال المساكين اليتامى….. قلبي بيتقطع مية حتة من جوا يا صبا، للمرة الثانية اعجز عن حمايتهم.
صدرت الاخيرة بانفعال، صدح من قلب الكبت، وكأنه كان في انتظارها ليخرج صرخته:
– نفسي اعرف عملوا ايه معاهم عشان يوصلوهم للدرجة دي؟ انا مش فاهم دلوقتي، اروح أمسك في خناق خالي خميس اللي سابهم من غير ما يعرف حتى المكان اللي هيعزلوا فيه، ولا احاسب ولاده على تناحتهم، دمي بيغلي ومش عارف اعمل ايه.
امتدت يدها لتقبض على كفه الكبيرة، تحاوطها بدفء كفيها الاثنان، تهون بحنان:
– لا دا ولا دا يا شادي، انت هدي اعصابك ودور عليهم ، شوف راحوا فين واسألهم الاول عن السبب، عشان تعرف بعدها تحدد موقفك.
رد بقلة حيلة:
– ما انا مش عارف يا صبا، بتصل برقم بهجة مقفول، باينها غيرت الخط كمان ، حاسس مخي كأنه مشلول .
– بعد الشر عليك من الشلل، اهدى انت كدة الاول ومن غير عصبية ولا توتر، اكيد هتلاقي حل يوصلك لعنوانهم.
تمتم بتمنى خلفها وقد ساهمت كلماتها في التخفيف عنه:
– يارب يا صبا يارب .
تذكر فجأة يخبرها بما اذهب عنها السكينة:
– اه صحيح نسيت اقولك، مرات خالي درية وبنتها جايين النهاردة يباركوا رجوعنا من شهر العسل .
عبست ملامحها فجأة ليرتفع طرف شفتها باستهجان مرددة:
– يا سلام، وهما اصحاب واجب جوي يعني، ولا شهر العسل كمان بجي مناسبة!
لا يدري كيف تحول مزاجه من غضب وسخط شديد، الى تسلية وضحك متواصل، لا يستطيع التوقف عنه، خلف تعقيبها العفوي، وتذمرها الذي اصبحت تعبر عنه بالضربات المتتالية على ذراعه ، تتمتم بالكلمات الحانقة.
❈-❈-❈
دلف بها داخل الغرفة بخطوات وتيدة، وبحرص تام وضعها على الفراش، ليريحها قليلًا، بعد قضاءها ليلة كاملة ونصف يوم تحت الرعاية الطبية المكثفة في المشفى، بعد محاولة الخطف الفاشلة والاغماء.
كان صامتًا طوال الوقت، أو بكلمات مقتضبة يحدثها ويسألها عن صحتها، حينما يريد أن يطمئنها، حتى وهو قد اتى بها الى المنزل الاَن، مازال على حالته، مازل على وجومه، ولكن هي لن تكست على الصمت اكثر من ذلك:
– عصام، انت ساكت ليه مبتتكلم؟
رد يجيبها منشغلا بخلع سترته، ثم يشرع بخلع الباقي:
– واتكلم اقول ايه يا امنية؟ وانتي لسة تعبانة؟
تحاملت لتجلس بجذعها عن الفراش :
– بس انا عايزة اسمعك وتسمعني، دا انا حتى اتوقعت ان حد منكم، انت او امين يجي يحقق معايا، لكن محصلش.
مازال محتفظًا بتلك النبرة الهادئة:
– وهنحقق معاكي ازاي بقى وانتي تعبانة وواخدة مهدىء؟ نامي يا امنية نامي، ولا استني صحيح.
قال الاخيرة ليخلع اخر جزء من ملابسه، ويستبدله بأخرى بيتيه مريحة، ثم اقترب منها، ليخلع عنها حذائها فانتفضت تبعد قدميها للخلف قائلة بحرج :
– لا ابعد انت ، انا هقلع الجزمة وهدومي لوحدي.
التقط قدمها بحزم متمتمًا:
– انا جوزك مش غريب عنك،
اضطرت في الاخير ان تستكين ، ثم ابدل لها ملابسها هي ايضا.
حتى اذا انتهى ليلقي بهم داخل سلة الملابس المتسخة، سألته مباشرة:
– عصام، سكوتك دا مش مريحني، وانا عايزة اتكلم عشان افهمك ان البني ادم اللي حاول يخطفني يبقى……
– ابراهيم
جفلت لتبرق عينيها فجأة، تتسائل كيف علم؟
– ايوة هو فعلا، ربنا ياخده كان هيعمل بيا حادثة، بالسرعة الشديدة اللي كان بيسوق بيها، انا مش فاهمة، دا جاب الغباء دا كله منين عشان يعمل معايا كدة؟ بس انت عرفت ازاي ؟
اقترب يجيبها مركزًا عينيه بخاصتيها وبهدوء يثير الريبة:
– الكاميرات جابته يا امنية وهو بيجري وبيسيب العربية، قبل ما البوليس يقفشه، السؤال بقى، انتي ركبتي معاه ازاي؟
– مكنتش اعرف ان هو اللي سايق والله يا عصام، دا كان متنكر، وانا راجعة من السوبر ماركت ومحملة، مركزتش ابص في شكل السواق.
رددت بها بدفاعية، فلم تجد منه سوى استجابة، بهز رأسه يدعي التفهم، قبل ان يشيح ببصره يتناول المنشفة قائلًا بفتور:
– انا داخل اخد شاور افك عضم جسمي.
ثم انصرف لداخل المرحاض بالفعل، وكأن الأمر ليس بهذه الخطورة، وكأنه…….
استدركت تفتح عينيها على وسعها مرددة بما وصل اليه ذهنها:
– معقول تكون شاكك فيا يا عصام!
❈-❈-❈
في مقر عمله، وقد تصادف اليوم اجتماعه بشريكه لبحث عدد من الملفات بينهما، ولكن ذهنه كان مشغول في التفكير بها ، وتحسر يسري بداخله، يجعله يشعر بالتشتت لعدم الالتقاء بها منذ الصباح، رغم ان المسافة بينهم لا تتعدى الامتار ، وبداخل مبنى واحد، وطابق واحد، ليته امتلك الجرأة ليسحبها من يدها امام كل أعضاء المكتب من موظفيه، الاَن فقط شعر بغباءه في السماح لها بالاستمرار في العمل في نفس المكان الموجود به.
ليته ذهب معها لرحلة خارج المدينة بأكملها،. يقضي شهر عسل، لينسى معها العالم، وهذا العمل الذي فقد التركيز به من الاساس، حتى انه كان يجاهد بصعوبة ليستوعب امام شرح الاخر، والذي انتبه عليه عدة مرات بفراسته حتى عبر عن استيائه:
– جرا ايه يا عم رياض بس، دي اول مرة تبقى معايا كدة؟ ايه اللي واخد عقلك يا حبيبي؟
تحمحم يعتدل بجذعه نافيا باعتراض:
– يعني هكون سرحان في ايه بس؟ تقدر تقول كدة صداع مأثر عليا، اسف لو مش مركز معاك.
– لا يا حبيبي الف بعد الشر عليك من الصداع، طب المها انا ونأجل النقاش لميعاد تاني.
اومأ بابتسامة صفراء:
– اسف لو فيها تعطيل .
– لا يا حبيبي مفيش تعطيل .
تمتم بها كارم، يلملم الملفات والاوراق، ثم يختطف النظرات نحوه بمكر مشاكسًا:
– انا قولت بعد يوم الاجازة اللي اختفيت فيه، هترجع مروق وعقلك صاحي، لكن شكلى اتوقعت غلط، وبدل ما تفوق غطست اكتر …
قطب يطالعه بعدم فهم:
– هو ايه اللي غطست اكتر؟ انت بتتكلم بالالغاز يا كارم.
تبسم باتساع لينهض عن كرسيه مغمغفا:
– لا يا حبيبي ما تشغلش نفسك، اتمنى بس الصداع ميستمرش اكتر من كدة، لتبقى حوسة، اروح انا اشوف اللي ورايا ، سلااام.
قالها ثم خرج ليزفر الاخر، يكتنفه الضيق وعدم الارتياح، للتلميحات المستمرة هذه الايام من شخص داهية كهذا، ولكن ماذا بيده؟ وماذا يفعل كي ينفي عن ذهنه هذه الفكرة، وهو يلتقطها كالصقر، فلا يحتاج حتى للتلميح.
وبدون ان يشعر، وجد يده امتدت لتلتقط الهاتف من فوق سطح المكتب يتصل بها، حتى اذا جاءه الرد منها، امرها على الفور :
– سيبي اللي في ايدك وتعاليلي حالا من الباب الخلفي للمصنع، انا مستنيكي في العربية.
انهى المكالمة لينهض، فيتناول اشياءه كعلاقة المفاتيح والهاتف والنظارة، وسحب اقدامه للخروج على الفور حتى اذا مر بمديرة مكتبه خاطبها:
– لورا انا خارج دلوقتي، أجلي أي حاجة لغاية ما ارجع بعد شوية او بكرة.
لاحقته بسؤالها قبل ان يذهب:
– طب والملفات المهمة والمطلوبة وضروري البت فيها، دا كمان يتأجل؟
مط شفتيه بابتسامة ليس لها معني:
– عادي يا لورا ابعتيلي ع الايميل، وانا هشوف اللي يستاهل الاستعجال .
– طب ما تقولي انت رايح فين عشان افهم .
صدر السؤال منها فور ان اعطاها ظهره للمغادرة، ليتوقف ويلتف اليها بهدوء لا يخلو من تحذير:
– اروح مطرح ما انا عايز، انت تسألي ليه يا لورا؟
ابتلعت رمقها بحرج شديد لتبرر:
حضرتك انا بسأل بس عشان الشغل مش عشان……
قطعت مجبرة بعدما اماء لها بكف يده في الهواء، بحزم ينهاها:
– انا مش هكرر كلامي، في حاجة مهمة تبلغيني، بعد كدة مفيش داعي لأي اسئلة تاني، سلام.
❈-❈-❈
اذعنت لتنفيذ الأمر، برغم حنقها المبالغ فيه من فعله، وما قد يتسبب به من حرج لها امام زملائها في المكتب، كي تخرج في هذا الوقت المبكر عن ميعاد الانصراف .
اقتربت من السيارة المصطفة في نفس المكان الذي وصفه لها، لتفتح الباب الامامي فتنضم للجلوس بجواره، متمتمة بضجر:
– ها ايه الأمر المهم بقى عشان تستدعيني في نص يوم العمل ؟ وتخليني انزل على ملا وشي كدة عشان اقابلك؟
اجابها بتنهيدة حارة وراسه تقترب منها:
– وحشتيني.
ارتدت بجذعها للخلف شاهقة بإجفال ، حينما انتبهت، لما كاد ان يقوم به، وقد اوشك على تقبيلها، لولا انها انتبهت على اخر لحظة ، لتبتعد سريعًا ويلتصق ظهرها بنافذة السيارة بزعر قائلة:
– انت كنت هتعمل ايه؟
ضحك بتسلية لرؤيتها على تلك الهيئة، يجيبها مرددًا:
– بقولك وحشتيني يا بهجة، يعني عادي جدا اقربلك واعبر عن اشتياقي بطريقتي..
– يا سلام، يعني وحشتك تقوم تبوسني في العربية وفي نص النهار، كدة عادي.
هتفت بها معترضة، ليباغتها الاخر مرددًا:
– عندك حق طبعا، احنا لينا بيت يلمنا .
بذهول شديد، طالعته يدير محرك السيارة، حتى كاد ان يسير بها، لتنهاه بغضب:
-تروح بيا على بيتنا ازاي يعني؟ انا لسة دوامي مخلصش، عايز رئيس المكتب يقول عليا ايه؟
– عنه ما انتهى، ما انا كمان ورايا شغل، نروح وبعدين نشوف اللي ورانا.
– وشكلي قدام الراجل، هيقول عليا ايه؟
صاحت بها علُه يستوعب ، ولكنه فاجئها كالعادة بقوله:.
– يقول اللي يقوله بقى، يعني انا اكون سايب شغل بملايين يا بهجة، وانتي جاية تسأليني على منظرك قدام عبد الفضيل! اما انتي غريبة والله.
– غريبة.
❈-❈-❈
الساعة الاَن تعدت الحادية عشر، لكن لابأس، فقد استقيظ اليوم باكرا الى حد ما عن باقي الايام السابقة، ليتحمم ويرتدي ملابسه سريعًا، ينثر عليه العطر بكثافة، متجاهلا صوت الهاتف الذي يدوي منذ ساعات ، ولكنه غير مهتم ، ولن يهتم، فلن يشغله الاَن سوى شيء واحد، بعدما عرف مساء الأمس من سائق السيارة النقل التي اقلت الاثاث بعنوانها،
سوف يصلح خطأ الماضي، سوف يظهر لها الاَن تغيرا شاملا بشخصيته، لن يصير بعد الاَن الجبان الذي لم يقوى على الوقوف امام اهله لاستعادة حقها، ف ليتحدى اباه وجبروت والدته والجميع، لقد فعلت خيرا بابتعادها، ليأخذ فرصته كاملة الاَن، ولا يعكر صفوه التدخل من احدهم، وما فشل فيه سابقُا، لن يتكرر بعد اليوم.
اغلق باب شقته ليهبط الدرج بحماس يملؤه، حركات رشيقة تنم على سعادته بما قادم نحوه، القى بنظرة سريعة على المنزل الخالي، يتنهد باشتياق، ثم توجه بأبصاره للأسفل، ليصعق برؤية ما جعله يرتد بجسده للخلف قليلًا، ولكنه سرعان ما تماسك ، ليجسر نفسه ويتصرف بطبيعية، رغم القلق الذي اصبح يسري بداخله، مع انتباهه لهذا التجهم الذي يعلو ملامح والديه، حتى الملعونان اشقاءه، تبًا، وكأنهم واقفين في انتظاره،
وفي الأسفل صاح خميس بستقبله بابتسامة ساخرة:
– اهلا اهلا بالباشا اللي صحي بدري النهاردة ، ومستناش للعصر يأدن عليه زي كل يوم، تكونش يا خويا قلبك حاسس.
عبس سمير بتوجس يرد على توبيخ ابيه:
– قلبي حاسس بإيه؟ وانتوا ايه واقفين بربطه المعلم كلكم كدة ليه؟ اللي يشوفكم يقول في مصيبة حصلت.
جاء الرد هذه المرة من والدته، التي زجرته بحدة:
– انت بتقول فيها، ما هو انت بتناحتك دي والبلالة اللي عايش فيها، هتحصل المصيبة بجد، انت ما بترودش على تليفونك ليه من الصبح يا زفت انت؟ لزمته ايه في ايدك دا من اساسه؟
القى بنظرة سريعة نحو الهاتف بعدم اهتمام قائلا:
– كنت عامله صامت ومكنش ليا مزاج ارد على حد ، ايه اللي حصل بقى؟
– اللي حصل هو ان ابنك ممكن يموت لو ملحقناهوش .
بصقت بها شقيقته الصغرى بصورة اجفلته ، ليتولي سامر التوضيح:
– مراتك حصل معاها ولادة مبكرة، والولد تعبان جدا، اهلها كانوا بيتصلوا عليك عشان تحضر معاهم، ولما يأسو منك اتصلوا على ابوك، ابنك لازم تلحقه لا تحصل معاه مضاعفات لا قدر الله وميتحملش.
بدت ملامح الصدمة جليا عليه، حتى تشوش بحيرة، ما بين الذهاب الى الوجهة التي كان يقصدها، وما بين طفله المريض، ولكن حيرته لم تستمر كثيرا، فقد حسم خميس الامر يهدر به:
– انت لسة هتفكر يا خويا، اتحرك يلا خلينا نروح نشوفهم، ع الاقل نوري وشنا اللي اسود من عمايلك، وانت يا سامر اتولى شغل الوكالة النهاردة لحد ما نرجعلك.
❈-❈-❈
– بتعملي ايه يا بهجة؟
هتف بها عقب خروجه من المرحاض، حينما وقعت عينيه عليها ترتدي ملابسها على عجالة امام المراَة، فالتفت نحوه بإجفال تجيبه وبيدها تلف الحجاب حول رأسها :
– يعني هكون بعمل ايه؟ بلبس طبعا عشان امشي .
سمع منها ليزفر بضيق متوجها نحوها، ينزع عنها الحجاب بيده قائلا بضيق:
– وكنتي ناوية بقى تمشي من غير ما تقولي، ولا حتى تنتظريني على ما اخرج من الحمام؟
طالعته بأعين متسائلة، تخطف النظرات نحو الحجاب الذي كان ممسكا به، ثم القاه من يده ليسحبها اليه بعد ذلك يردف بنبرة تحولت للدفء:
– دا احنا حتى ملحقناش لسة نقعد ساعة على بعضها.
قالها ثم صار يمسد بأنامله على جانب وجهها ويزيح شعرها للخلف، بنعومة تثبط من عزيمتها، حتى خرج صوتها برجاء:
– ارجوك بقى، انا مينفعش النهاردة كمان اتأخر على نجوان هانم، غيبت عنها كتير الايام اللي فاتت.
اقترب يدفن انفه بين خصلات شعرها الكثيف، يتمتم بوله، وهو يستنشق عبيرها:
– طب اعملك ايه؟ وانا ما صدقت الاقيكي بين ايديا، مش قادر اسيبك ولا ابعد عنك يا بهجة، عايز اليوم كله ابقى في حضنك وبس، شوفي بقى حظي ، وانا معاكي في نفس المبنى، وميفرقش عننا غير حاجة بسيطة، ومع ذلك مش قادر اطولك، ولا احتى اجيلك مكانك في مكتبك واطل عليكي واكلمك،
مكنتش اعرف ان شغلك جمبي هيتعبني بالشكل ده، يا ريتني ما وافقت على الشغل من اساسه بعد ما اتجوزتك.
ابتعدت برأسها تتمعن النظر بوجهه لتستشف صدق حديثه،
هذا الرجل سيفقدها عقلها بالفعل، ان لم يكف عن هذه الرقة المبالغ فيها، وإظهار اللهفة وتلك المشاعر التي يبثها لها في لحظات الوصال.
أم ان هذا امر طبيعي، وهي الوحيدة التي ليس لديها من الخبرة ما يجعلها تتقبل ذلك، وتبادله اياه، حتى لو كان الزواج بغرض ال….
نفضت رأسها لتستعيد بأسها واضعة النقط على الأحرف:
– انا لو بطلت شغل من عندك ، يبقى هبطل من كله والتفت للمحل بالمرة، الشغل دلوقتي هو الحجة اللي بخرج من خلالها عشان اقابلك على ما……
– ما تكمليش بقى.
قاطعها بنزق يشدد من احتضانها، مرددًا بضجر:
– هو انتي حرام تعدي اللحظة من غير ما تفكريني، سيبيلي عواطفك ولو لدقايق، عشان خاطري يا بهجة، عشان خاطري.
ماذا تفعل؟ ومن اين تجد القوة لرفض ذاك البحر الهائج من المشاعر، حتى وهي تقاوم بكل قوتها، تغلبها امواجه العاتية، فتبتلعها بداخلها على غير ارادتها.
بعد قليل
نزل بها للطابق الأول. وما زال يضمها اليه بذراعه، يغمرها بدفئه ورائحة عطره المميزة، غير عابئًا بالوقت الذي يؤرقها هي، ولكنها تصبر نفسها، حتى لا تزعجه بالتذكير المستمر كما اوضح.
– انا كنت عايز اخرج بيكي نتغدى في اي حتة برا النهاردة……..
فور ان افتر فاهها للإعتراض، تابع يوقفها:
– بس عشان عارف انك مشغولة طبعا شيلت الفكرة من دماغي…… أو بمعنى أصح أجلت…..
زفرت قليلًا بارتياح ثم قالت:
– كويس اوي، لأن انا مخي مش معاك اساسا، وبصراحة بقى حاسة بعدم ارتياح .
توقف يبعدها عنه قليلًا يسألها بنبرة يتخللها الحزن:
– ليه يا بهجة؟
ابتلعت تجيبه بصراحة:
– اولا عشان منظري في الشغل طبعا، كتر الانصراف هيثير التساؤول والفضول، وانا بصراحة مش عايزة حد يقول نص كلمة عليا .
ضاقت عينيه بتفكير سريع:
– خلاص يبقى ننظمها،…… انتي كل يوم تخرجي على ميعادك، وتيجي على هنا تقضي الوقت اللي فاصل من دوامك مع الست الوالدة، مع اني شايف انك تتخلي عن واحدة فيهم دلوقتي، وتوفري وقتها ليا انا…..
سهمت بنظرها نحوه تستوعب معنى الاخيرة، مع انها بدت واضحة كوضوح الشمس ، يريد منها اكبر وقت للتفرغ اليه، اللعنة، ايريد منها الغرق اكثر من ذلك!
لترفض قاطعة؛
– لا طبعا مينفعش، هقعد ف البيت هنا لوحدي في انتظارك اعمل ايه؟ خليها زي ما هي ماشية كدة،
اومأ بحاجبيه:
– براحتك يا بهجة، يبقى كدة خلينا في الحل الأول.
اومأت باستسلام، وتنهيدة خرجت من العمق:
– ماشي
❈-❈-❈
من يريدك بحق او يخاف عليك، سيفعل المستحيل حتى يجدك.
وهذا ما فعله، فلم يهدأ له بال منذ بداية اليوم، ظل يبحث حتى عثر على احدى الخيوط التي اوصلته الى فرد منهم.
جنات والتي كانت خارجة من جامعتها في هذا الوقت، في طريقها للعودة الى المنزل، لتفاجأ بالصوت الأجش من خلفها، مناديًا بإسمها:.
– جنات ممكن دقيقة.
التفت اليه، تهديه ابتسامتها المعتادة، لتعلق بمرح:
– ايه ده ؟ شادي العريس؟ لا مش معقول .
اقترب منها يصافحها بغيظ:
– انا برضو اللي مش معقول؟ ولا انتوا اللي هجيتو من غير ما تبلغوا حد بمكانكم، دي عمايل برضوا يا جنات؟
بدى جيدا من حجم العرق الذي يغطي جبهته وقميصه، طول الوقت الذي قضاه في انتظارها، ليخرج ردها باعتذار:
– انا اسفة يا شادي، ان كنا قلقناك، بس انت مكنتش فاضي عشان شهر العسل طبعا، لكن احنا اكيد عمرنا ما كنا هنخبي عنك المكان اللي عزلنا فيه جديد.
زفر بشيء من الارتياح، ليتخصر قائلًا:
– بداية مبشرة اوي يا ست جنات، بس انا عايز اطمن بنفسي، واعرف الظروف اللي خليتكم تعملوا كدة، وامتى وازاي دا حصل؟
أومأت بترحيب:
– خلاص يبقى تتفضل معايا على بيتنا، وانا افهمك كل حاجة في طريقنا .
– تمام اوي، يبقى اوصلك بعربيتي بالمرة.
❈-❈-❈
وجدتها كما وصفت لها الدادة نبوية، داخل الحديقة تتأرجح بالارجوحة، بشرود اصبح ملازمًا لها كما علمت من المرأة، فاقتربت منها لتجلس بجوارها، تتحدث بعفوية كما اعتادت عليها في الفترة الأخيرة ، بعدما تطورت العلاقة بينهم ، لتصبح اكثر دفئًا وتفهمًا عن السابق:
– الحلو اللي قاعد سرحان وفي حاله، ايه اللي شاغل باله؟
خرجت من شرودها نجوان تطالعها بصمت دون رد فتابعت بهجة بالمزاح كي تستجيب لها:
– اه يا عم بتتمرجحي، الدنيا تضرب تقلب ولا هامك، والله برافو عليكي
لم يصدر منها اي رد فعل سوى انها كانت تتمعن النظر اليها وفقط، عيناها تحمل الكثير والكثير، ولكن لا تنطق ولا تربحها بذرة استجابة، حتى هتفت بها بهجة:
– انتي فيكي حاجة غريبة النهاردة، زعلانة عشان غيبت عنك، ولا في ايه بالظبط؟
ايضا لم تنطق لتفقد بهجة فيها الامل وتنهض فجأة قائلة:
– ع العموم انا جمبك هنا في أي وقت تعوزيني او تعوزي أي حاجة .
ما ان اعطتها ظهرها وخطت خطوتين حتى وصل لاسماعها:
– شبهه.
التفت اليه بتسأؤول:
– انتي قولتي حاجة؟
استقامت واقفة عن الارجوحة تمتم بلها بما يثير الريبة:
– شبهه، شبهه.
قالتها وتحركت تذهب من امامها، لتزيد من زهول بهجة في تفسير ما حدث:
– هو مين اللي شبه مين؟ هو انتي ايه حكايتك يا نجوان هانم معايا بالظبط في الالغاز.؟
ظلت لمدة من الوقت تتابع اثرها بتساؤلاتها وحيرتها، حتى شعرت بأنامل تداعب وجنتها، لتلتف اليه متفاجئة بحضوره:
– انت هنا من امتى؟ مش قولت وراك مشوار مهم تبع العملا.
تبسم يفرد نفسه امامها:
– ما انا فعلا ورايا مشوار مع عميل مهم، بس بصراحة مقدرتش ادخل اغير من غير ما اطل عليكي، كنت واقفة بتكلمي نفسك ليه؟
تنهدت بحيرة تخبره:
– مش عارفة اقولك ايه؟ بس مدام نجوان عليها طلعات وكلام مش مفهوم بصراحة
قطب يسألها بتوجس:
– هي قالتلك ايه؟
– بتقولي شبهه، شبهه، قصدها ايه مفهمتش.
سمع منها لتتبدل ملامحه فجأة، يزفر بخشونة وغضب مكبوت:
– سببك منها يا بهجة ومتركزيش معاها.
اومأت بطاعة، رغم الفضول الذي يجتاحها لمعرفة القصد من كلماتها .
فتماسك هو يزيح عنه الغضب، ليداعبها ممازحًا:
– بس انتي شكلك زي القمر هنا، ايه رأيك اعتذر عن ميعاد العميل واقضي باقي اليوم معاكي .
شهقت تتحرك من امامها تغمغم اثناء ذهابها:
– هنا في البيت، دا انت ناوي على فضيحة بجد ، انا ماشية وسيباك .
قهقه من خلفها، ليصلها الصوت المحبب لهذه الضحكة التي لا تسمعها منه الا حينما يكون معها فقط.
❈-❈-❈
في المنطقة عشوائية، وداخل احدى المنازل المصنوعة
من الصفيح اضجع بجذعه على الاريكة اليالية يتحدث مع زميله في المحبس سابقا بكل ثقة:
– ياض زي ما بقولك كدة متخافش، انا معايا محامي عقر، يعني حتى لو قفشوني متلبس هخرج منها صاغ سليم ، هو بس كرشه واسع شوية وبياخد فلوس بالهبل
اومأ بتفهم ذاك الشاب النحيف، بملابسه الضيقة وحلاقة الشعر المرتفع للأعلى بصورة تثير الاستفراز ، ليجلس على الكرسي المقابل له، معبرا عن مخاوفه:
– ماشي يا عم هيما مقولتش حاجة، انا اهم حاجة عندي ان متلطش معاك، المسألة مش محتاجة عوق، عشان الشغل ميقفش، المعلم بتاعي صعب ومبيرحمش.
اصدر ابراهيم من فمه صوت استهجان يتمتم بسخرية:
– دا على اساس انك موظف في الحكومة يا اخي، امال لو تاجر كبير، ولا ديلر عليك القيمة كنت عملت ايه؟ دا انت اخرك بياع برشام ع الطريق ومساحيق مضروبة، اسمع ياض، ليك فلوس اغرقك فيها ، وحماية لو اتطور الأمر، فهمت بقى يا عزوز الكلب
– اه
تمتم الاخير بها، ليتذكر السبة فيهدر معبرا عن استيائه:
– طب من غير شتيمة طيب، انا هاديك الامان بفلوسك،
طول ما بتصرف هتلاقيني تحت امرك، انما يوم ما توقف ، معلش بقى يا زميلي اعذرني، اصل بصراحة بقى جيتك كدة فجأة مكنتش عامل حسابها.
ردد ابراهيم من خلفه:
– ولا انا وحياة غلاوتك. كنت عايز بس اهددها واجيب اخرها، لكن الحظ بقى قلب فجأة ، بعد ما كل حاجة كانت ماشية بالتمام .
– عشان ضميرك الوسخ.
تمتم بها عزوز بصوت خفيض اثار استرابة الاخر ليهدر به:
– بتبرطم بتقول ايه ياض؟
نهض عزوز نافيا:
– مبقولش حاجة يا رياسة، خد راحتك انت وانا هروح اشوف شغلي، بس معلش في دي السؤال، كنت عايز اعرف يعني الباشا هنفضل مستضيفينه لحد أمتى؟
– مش كتبر يا اخويا، هي يس الليلة لزوم التكتيك، ومن بكرة هشوف المحامي يقولي ايه، ياللا غور بقى من وشي، حضرلي حاجة اكولها، اتحرك ياللا بلاش تناحة.
تحرك الشاب مزعنا لأمره، وفمه يغمغم بالسباب الوقح، على هذا المتبجح الذي اتى بدون استئذان يحتل البيت ويتأمر عليه.
❈-❈-❈
انتهى اليوم المزدحم، لتعود الى منزلها، موطنها، وواحة الدفء التي تجد بها امانها وسكينتها ، فتحت الباب لتلج المنزل على صوت الضحكات الصاخبة من اشقاءها،
فتضع الاكياس الكثيرة من يدها على الارض تود المشاركه معهم، مبادرة بالقاء التحية،
، مساء الخير….
توقفت عن الاكمال متفاجئة بالضيف الجديدة، والذي استقبلها بابتسامة غير مفهومة:
– مساء الخير يا بهجة، البيت روعة ما شاء الله، مبروك عليكي المكافأة اللي جابته
شحبت بوجه انسحبت منه الدماء متسائلة عن القصد من تلميحه، تعتب على اشقاءها ذكر هذا الأمر امامه، وهو الذي شهد بنفسه توقف الصراع في محاكم الدولة، بفشل حصولها عليها وانتصار الخصم.
لتضرع داخلها للخالق
– استر يارب
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية حان الوصال)