روايات

رواية نيران الغجرية الفصل الخامس والخمسون 55 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية الفصل الخامس والخمسون 55 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية البارت الخامس والخمسون

رواية نيران الغجرية الجزء الخامس والخمسون

نيران الغجرية
نيران الغجرية

رواية نيران الغجرية الحلقة الخامسة والخمسون

المواجهة.
__________________
” من الجميل أن تخضع للقوانين و المنطق في حياتك … ولكن لا مانع من تجاوزها أحيانا و العيش كما تريد أنت ! ”
– ندى … تقبلي تتجوزيني.

لم تكد تفق من أثر قبلته حتى احتلت الصدمة مكانا بقلبها وهي تستمع لما يقوله ، هل عرض عليها يوسف الزواج حقا أم هي من تتخيل ؟ حسنا يبدو من ملامحه أنه جدي للغاية ولا يمزح ولكن مالذي دهاه !

ترجمت ندى أفكارها على لسانها وهي تتمتم بتيه :
– انت … انت قلت ايه.

– اللي سمعتيه صحيح انا عايز اتجوزك طبعا ان كان ده مناسب ليكي.

رمقته بذهول و استلت من حضنه متراجعة الى الخلف وهي تقول :
– يوسف انت مستوعب اللي بتقوله منين طلعت القصة ديه دلوقتي.

ظل الآخر على ثباته بينما يجيبها :
– انتي قولتيلي من شويا ازاي هنقدر ننسى ذكريات الماضي و كنتي زعلانة لانك مش فاهمة نفسك و مشاعرك و انا حاسس زيك ف ليه منساعدش بعض و نتعالج سوا.

– ايوة بس ده جواز مش لعبة مينفعش ن…

اقترب منها و أمسك بيدها مرددا يحاول اقناعها :
– عارف انها مسؤولية كبيرة بس احنا عشنا كل حياتنا واحنا بنخطط وبنحط كل الاحتمالات ليه منتهورش المرة ديه و نعمل حاجة احنا عايزينها … من غير مانتردد ولا نفكر في كلام الناس .. نعمل حاجة احنا اللي عايزينها.

صمتت ندى وهي تستمع اليه وقد تملكتها الحيرة مما يقوله يا الهي لم تتوقع أبدا أن تعيش شيئا كهذا لذلك بللت شفتيها و طالعته مستجمعة قواها قائلة :
– بص يا يوسف انت شاب كويس و چنتل وفيك كل المواصفات اللي اي بنت تتمناها … بس مينفعش ناخد القرار ده و نتجوز لمجرد اننا عايزين ننسى اللي بنحبهم وانا عارفة كويس انك لسه متعلق بمريم علشان كده مليش استعداد اعيش نفس التجربة و اتجوز بعدها العلاقة تتدمر لنفس السبب.
مستحيل تقدر تنسى حد ساكن جواك عن طريق واحد تاني.

تنهد يوسف و هز رأسه متفهما لكنه لم يتراجع فأمسك يديها و ضغط عليهما مرددا :
– انا فاهم التجربة اللي مريتي بيها بس الاختلاف هنا اننا مش مخبيين حاجة هن بعض بالعكس احنا صريحين من البداية بخصوص مشاعرنا صحيح مبنقدرش ننسى شخص بحد تاني بس مفيش مانع لو حاولنا و بوعدك انك مش هتشوفي حاجة وحشة مني هتبقى في فترة خطوبة ولو محستيش نفسك مرتاحة صدقيني مش هجبرك تكملي.

عضت على شفتها بإضطراب فرفع يوسف وجهها اليه و همس بينما ينظر لخضراوتيها بلطف :
-انا حاسس بإنجذاب ناحيتك يا ندى الايام اللي قضيناها مع بعض فرقت معايا كتير انا شوفت فيكي الطيبة والرقة و الامان و الصدق و حاسس ان ممكن انتي كمان تنجذبي ليا و الموضوع بيننا يتطور … ادي لنفسك وليا فرصة.

تنفست بعمق و ردت عليه :
– انا مش عارفة اقول ايه … سيبلي فرصة افكر ممكن.

– براحتك انتي مش مجبرة ع اي حاجة.
هتف بها على الفور لكي لا يجعلها تشعر بأنه يضغط عليها ثم ابتسم و داعب وجنتها … و بدون ارادة منه وجد بصره ينتقل لموضع شفتيها و تذكر تقبيله لها منذ دقائق و لاحظت ندى ذلك فخجلت و أشاحت بوجهها عنه …

__________________
– زي ماقولت مفيش حاجة تثبت ان سليم اتوفى في حادث مدبر كل التحقيقات بتقول كده.
هتف وائل الذي كان يجلس على مكتبه و يقدم بعض الأوراق لعمار فركز فيها الآخر بنزق متمتما :
– قد ايه الشخص ده ذكي لدرجة انه بيعمل حساب لكل حاجة ومش بيسيب أثر وراه و الأحلى اننا كل مرة بنلف ونرجع نقف في نفس المكان.
– مادام قدر يعمل كل ده و مسابش أثر يعني ان بقاله كتير بيخطط ازاي يخلص من سليم عشان ميكشفوش بالتالي الشخص ده احتمال كبير يكون اكتشف اننا بندور عليه و عايزنا نلعب ع المكشوف.

لعن عمار تحت أنفاسه ثم غمغم بنقمة :
– الواطي ازاي بيقدر يكشف كل تحركاتنا معقول هو حاط جواسيس وسطينا انا مش فاهم … و كمان خايف على مريم تقعد لوحدها في الشقة وهي تحت مراقبة واحد قاتل هي كمان خايفة ومش عايزة تتكلم عشان متضغطش عليا بس انا حاسس بيها و زودت الحراسة تحت العمارة و حطيت bodyguard في الشقة اللي جنبها بيراقب اللي بيدخل و يطلع من غير محد ياخد باله بس مع ذلك قلقان عليها.

وائل :
– معتقدش ان عندهم مشكلة مع مراتك هما مشكلتهم الاساسية معاك حتى لما سمموها كانو عايزين يأذوك انت شخصيا بس مع ذلك كويس انك خدت احتياطاتك ولو عايز بقدر انا كمان احط حراسة ليها برا بس مينفعش تنقلها لمكان تاني لانه كده هيعرف انك حاطط فبالك احتمالية تتأذى و هيتسغل النقطة ديه ضدك انت فاهمني.

زفر عمار بحدة و شعر بالصداع يداهمه فدلك صدغيه قليلا ثم ركز مع الآخر قائلا :
– طيب سليم اكيد كان عنده ورق و سجلات تخص تعامله مع الحيوان ده معقول ملقيتوش حاجة.
– انسان بالخبث ده اكيد مكنش هيقتل سليم قبل ما ياخد كل الدلائل اللي ضده ممكن يكون طلب يسلمه كل حاجة وبعدها يسافر … ده في حال لو قتله فعلا.

ضغط على أسنانه بعصبية و حدجه متحدثا بإنفعال مكتوم :
– وائل انا متأكد ان سليم مات مقتول واحد شاطر في السواقة زيه مستحيل يعمل حادث وهو ماشي بسرعة متوسطة ولو الحادث كان طبيعي فعلا و مات استحالة ميسيبش حاجة وراه.

لاحظ غضبه من نظراته المصوبة نحوه فحاول تهدئته مرددا بجدية :
– الدلائل حاليا كلها بتثبت اننا غلطانين بس التحقيقات لسه مخلصتش ممكن نوصل لحاجة تأكدلنا اننا ماشيين صح.
– ماشي انت قولتلي لقيتو ايه في عربيته بتاعته.
– اغراض عادية تلفون و باسبور وهدوم فشنطة السفر و فلوس و ادوية ضغط بما انه مريض وكمان قطرات العيون.

تنبه عمار و رفع وجهه اليه بسرعة متسائلا :
– انت قلت ايه قطرات عيون ؟
– ايوة ليه في حاجة.

تأهب في جلسته و شرح له :
– سليم نظره بيضعف بليل عشان كده بيحط القطرات ديه في حال لو ركب العربية هو ممكن يكون نسي يحطها علشان كده مركزش في السواقة و عمل الحادث !

حك وائل طرف ذقنه مجيبا :
– واحدة منهم كانت مستعملة يعني نظره مكنش هيتشوش مادام استخدمها الا في حالة … لو القطرات فيها حاجة.

أماء عمار بتأكيد فأخذ الآخر هاتفه و طلب رقم إحدى المحققين و طلب منهم أن يرسلوا عينة من الأدوية الى مركز التحليل ثم أغلق الخط و أردف :
– كانو هيبعتو حاجاته لأخ سليم الاصغر كويس اننا لحقناهم و النتيجة هتطلع في اسرع وقت الصراحة انا شكيت في الاول قلت ممكن يكون واخد حاجة أثرت عليه بس مركزتش اوي لان الاحتمال ده ضعيف.

تحدث عمار بهدوء :
– المهم التحقيقات تكون سرية مش بعيد الريس بتاع سليم يوصل للفريق بتاعك.
– اطمن احنا واخدين كل احتياطاتنا.

___________________

الحقيقة تهرب من البئر …
تقول أسطورة القرن التاسع عشر ان الحقيقة والكذب التقيا يوما ، فقال الكذب للحقيقة :
– انه حقا ليوم جميل.
نظرت الحقيقة حولها في ريبة ، ثم رفعت عيناها الى السماء ، لترى أن اليوم بالفعل كان جميلا ، فقضت وقتا طويلا بصحبة الكذب في ذلك اليوم …

ثم نظر اليها الكذب و قال :
– الماء في البئر رائع ، هل نستحم سويا ؟

نظرت الحقيقة اليه في ريبة للمرة الثانية ، ثم لمست المياه لتجدها رائعة حقا فخلع الإثنان ثوبيهما و نزلا للإستحمام في البئر.
و فجأة ، خرج الكذب من البئر مرتديا ثوب الحقيقة و ركض بعيدا.
و خرجت الأخرى غاضبة من البئر و ذهبت وراءه في كل الأماكن بحثا عن ثوبها فنظر البشر الى عُري الحقيقة و أشاحوا بوجوههم في غضب و استهجان ، أما الحقيقة المسكينة فعادت الى البئر و اختفت للأبد من فرط خجلها.

ومنذ ذلك الحين يسافر الكذب حول العالم مرتديا ثوب الحقيقة ، فيُلبي أغراض المجتمع و يشبع رغباتهم و يريح ضمائرهم بتزيينه للغو و الخدع ، فيمتن له الناس و يرفضون أن يروا الحقيقة عارية !!

أغلقت الكتاب عند نهاية قراءتها لهذه الفقرة وهي تشعر بأن تلك الكلمات تعبر عن قصتهم بالتفصيل فهي قد خُدعت بالكذب المغطى بلباس الحقيقة و غفلت عن الاستفسار و التأكد لتطالها أشواك الخطأ و تهاجم البريء تاركة المجرم يتمتع بحريته لمدة طويلة.
و الآن بعدما اكتشفوا خدعة “الكذب” انطلقوا يبحثون عن الحقيقة التي غطست في بئر الغدر ورفضت الخروج !

تنهدت مريم بتعب فنهضت ووضعت الكتاب على الرف و اتجهت الى الشرفة تجلس بها ريثما تشعر بالنعاس و تنام مباشرة لكي لا تظل مستلقية على سريرها لساعات وهي تفكر في ذلك القاتل المجهول ، أساسا منذ وفاة المدعو سليم في حادث سيارة و هي لا تشعر بنفسها أنها بخير مجرد تفكيرها بأنها مراقبة من طرف الشخص الذي قتل طفلها و مساعده و لعب عليهم كفيل بأن يحرمها الراحة و الإطمئنان.
حتى انها كانت ستقول لعمار ولكن كبرياءها لم يسمح لها بإظهار خوفها لكي لا يسخر منها أو يدعوها بالجبانة.

و ماذا سيفعل لها لو أخبرته لقد وضع الحراسة عليها مؤكدا أنها بأمان عندما طلبها صباحا لغرفته في المكتب مخبرا إياها بآخر المستجدات و أنهم قاموا البارحة بأخذ إحدى العينات الى مخبر التحليل وهم بإنتظار النتيجة الآن ، ليته يعلم بأن كل هذا ليس كافيا لإطمئنانها ولكن يبدو أن العيش بمفردها مقدر عليها سواء كانت علاقتها به جيدة أم لا في الحالتين ستقضي حياتها وهي وحيدة بين الجدران.

استفاقت مريم من شرودها على صوت احتكاك إطار عجلات سيارة في الأرض فأطلت من الشرفة و تفاجأت حين وجدته عمار شهقت بدهشة و استقامت سريعا و قلبها يكاد يقفز فرحا لأنه جاء اليها ثم بدأت بالركض هنا و هناك ترتب بعض البعثرة التي أحدثتها هاتفة بعجلة :
– هو مقالش ليه انه جاي يا ربي ده مريض نظافة هيقول عليا ايه دلوقتي.

لقد كانت تحدث الفوضى في السابق استفزازا له كي ينزعج و يكف عن المجيء اليها و لكن الآن … الآن … اللعنة كفي عن التفكير الفارغ.
اتجهت الى المرآة تعدل شعرها ورشت بعضا من العطر عليها ثم جلست في الصالة و أمسكت بهاتفها مدعية الإنشغال حتى فتح الباب و سمعت صوت خطواته ليظهر أمامها بعد ثوان قائلا :
– مساء الخير.

وقفت مريم و تقدمت اليه مجيبة :
– مساء النور … غريبة ازاي خطرت ع بالك فجأة انت بقالك كتير مجيتش.

ابتسم عمار بهدوء :
– عايزاني امشي يعني.

حمحمت الأخرى وهي تضع خصلة من شعرها خلف أذنها :
– لا انا مستغربة بس … تحب تشرب حاجة.
– لا مش عايز قوليلي انتي كنتي بتعملي ايه.
– كنت قاعدة في اوضة المكتبة بقرا.

نظر اليها عمار متذكرا الأيام التي كانت مريم تقرأ فيها كتبا يختارها هو بنفسه فيجلس و يتأملها حتى تنتهي ، و عندما ذهبت ذاكرته الى المحظور تنحنح مستعيدا نفسه ليتشدق :
– صحيح انا بقالي كتير مشوفتش المكتبة انتي ضفتي عليها كتب تانية ولا لسه زي ماهي.
– لأ كنت مشغولة و مجبتش حاجة.

رفع عمار حاجبه بتهكم :
– مشغولة بخططك و ازاي تقدري تفضحيني ولا ايه.

تأففت مريم وهي تقلب عينيها بتملل فاِبتسم بتسلية ليقول :
– طيب خلاص متقفشيش …. و أكمل بهمس :
– انا جت اطمن عليكي و بالمرة اشوف البودي جارد اللي حطيته متخفيش كل حاجة تمام و انتي في أمان.

كلامه كان كالماء على نيرانها فتنهدت براحة نسبية و قالت بهمس مماثل :
– شكرا … بس مكنش في داعي يعني انا بقدر ادبر نفسي.

تقلصت زاوية فمه بإستهجان من نكرانها لكنه كف النظر عن ذلك بل عاد ليتكلم بنبرته الإعتيادية :
– عموما البيت بيتي وبقدر اجي في الوقت اللي بحبه.

شعرت بأنه يقصد كلامه حقا فعقدت يديها أمام صدرها و هتفت :
– بس مش هتاخد راحتك فيه زي لما بتاخدها في قصركم ومع الناس اللي بتحبك و بتحبها … خاصة الأمورة بتاعتك.

فهم عمار أنها تلمح على ندى و تذكر كيف فاجأتهم منذ قليل وهي تقول لهم ببرود بأنها موافقة على زواجها بيوسف بعدما جاء عمه عادل و قال لها بأن الأخير طلب يدها منه و عندما جلس مع إبنة عمهو سألها عن الموضوع أخبرته بأنه عرض عليها الزواج يوم أمس و ظلت تفكر في الأمر حتى اتصلت به صباحا و أجابته بالموافقة.
ابتسم و همهم بهدوء :
– ذكرتيني بندى كنت قاعد معاها من شويا.

ضغطت على يدها و تأهبت حواسها تنذرها بإنفجار قريب بعدما شعرت بشياطينها تدور من حولها فاِلتوت شفتاها في ابتسامة مزيفة متمتمة :
– اه بجد يا سلام.

جلس على الأريكة وهو يتابع :
– في حد اتقدملها وهي وافقت.

استقامت مريم في وقفتها و اختفت ملامح الغضب من وجهها و حلت مكانها الدهشة فقال عمار :
– اتخيلي مين العريس ؟ يوسف.

– انت بتتكلم جد !
قالتها بغير تصديق و ذهبت تجلس بجواره مكملة :
– مستر يوسف و ندى ازاي و امتى يعني صحيح انا شفتهم مع بعض اكتر من مرة في الشركة او برا بس متوقعتش يكونو حبو بعض.

أخرج الآخر علبة سجائره و رد عليها بمنطقية :
– لا الموضوع موصلش للحب بس انا قعدت معاها و فهمت منها انها مرتاحة ليه و عموما يوسف صاحبي و عارفه هو راجل كويس و محترم و هتبقى مبسوطة معاه انا مطمن عليها.

مطت شفتها بإستنكار منه و حدثت نفسها ” هل يعتبر نفسه الواصي عليها أم ماذا ” ، و لكن لم يمنعها ذلك من الشعور ببعض الراحة هي لا تنكر بأنها كانت تعيش تأنيب الضمير بعدما تهورت و أفسدت زفافها بتلك الصورة البشعة من ناحية غضبت منها لأنها مقربة من عمار على الدوام ومن ناحية أخرى لم تستطع منع نفسها من أن تجد من يحبها و ينسيها ما عاشته … أساسا هي أخطأت في حق العائلة بأكملها ستكون سعيدة لو تخطوا ما حدث بسببها.

رن هاتفها فجأة بوصول رسالة من مجموعة الواتساب التي تخص المتدربين و كان أحدهم يطلب بعض الأوراق الازمة فإنشغلت في إرسالها عبر الايميل ولم تنتبه لعمار الذي لم يكن يعلم ماهية تلك الرسائل إلا أنه وبدون ارادة منه راودته نفس أحاسيس الماضي … الشك و انعدام الثقة و توقع الخيانة فسحب نفسا عميقا و نفثه على مهل محاولا تشويش أفكاره و لكنه لم يستطع.
اللعنة ألم يتخلص من هذا الهاجس بعد أليس من المفترض أن يكون قد شفي حسنا لقد تغيب عن جلسات الأسبوع الماضي و ربما ساءت حالته في هذه الفترة لأنه لم ينهِ علاجه.

ترى من الذي تحدث مريم الآن و لماذا هي مركزة جدا فيما تفعله هل هي تحدث صديقتها أم أحد آخر ، رجلا مثلا و من الممكن أن يكون الشاب الذي رآها واقفة معه صباح اليوم.
يا الهي عمار إهدأ و حاول السيطرة على نفسك لا تسمح لمخاوفك بأن تعيدك لنقطة الصفر.
أغمض عيناه متنفسا ببطء مثلما علمته ريماس و ظل يجرب التركيز في أشياء أخرى حتى نطقت مريم بينما لاتزال تتصفح الهاتف :
– هي الملفات اللي اتبعتت امبارح ضروري نترجمها كلها في اليومين دول ؟

حدجها بإقتضاب مغمغما :
– ايوة ليه.
– احنا مش هنقدر نلحق عليها كلها وانا لسه مخلصة ملف واحد النهارده و تعبت فيه كتير اهو في واحد من ال trainees طلب مننا نسخة من الملفات اللي عملناها و بيسأل اذا في تاني كمان.

ظلت مريم تتكلم بإنزعاج غير منتبهة لعمار الذي ألقى نظرة على هاتفها ليتأكد مما تقوله ثم تجهمت ملامحه بضيق واضح لأنه ظلمها بشكه هذه المرة أيضا ، و لكنه لم يرد ان يظهر ذلك فتنحنح و قال :
– انك تشتغلي في شركة كبيرة زي شركة البحيري فده مش سهل ولازملك جهد و تعب علشان تحصلي ع الوظيفة بس.
– طيب و اذا حبيت ابقى زيك مديرة تنفيذية.

ضحك الآخر و سألها مستفهما :
– ليه عايزة تاخدي مني المنصب ده انتي كمان ؟

– تؤ بس نفترض حابة اخد منصب كبير زي المستر يوسف مثلا هو فنفس مجالي.

نفث دخان السيجارة ثم اقترب منها يرد عليها بهدوء :
– ملازمش تقولي تعبت او كده كتير حاولي تنجزي مهام قد مابتقدري و تكوني في المركز الاول دايما و متسيبيش اي فرصة تضيع من ايدك و متستلميش من اول فشل و أهم حاجة تكوني واثقة بنفسك و قدراتك … و ع الاغلب انتي بتقدري لانك موهوبة و شاطرة اوي يا مريم.

كانت تبدو عليه الجدية التامة وهو يمدحها و يثني عليها لمعة الفخر التي بعينيه لطالما تمنت رؤيتها في عيون والديها و لكن لم تحظى بتلك الفرصة ، ابتسمت مريم باِمتنان و سألته باِضطراب :
– هو انت … انت هتروح دلوقتي صح.
– عايزاني امشي ؟
– لا خالص ااقصد يعني براحتك.
– طب مادام براحتي انا هقضي الليلة هنا.

انشرحت أساريرها و زفرت براحة وهي تتمالك نفسها لكي لا تقفز عليه و تحضنه شاكرة إياه لأنها ستنام هذه الليلة بإطمئنان لم تعشه منذ أيام ثم ذهبت لتضع هاتفها في الشاحن و عندما عادت لم تجده ، للحظة اعتقدت أنه غير رأيه و غادر و عبست لكن عند سماع صوت يصدر من المكتبة ارتاحت و دخلت اليه.
رأته يقف أمام الرفوف يحاول إختيار كتاب ما و حين لاحظ وجودها سألها :
– تحبي تقرأي ايه.
– انا لسه مخلصة كتاب من شويا ف اختار انت على ذوقك المرة ديه بشرط انت اللي تقرا.

همهم عمار برضا وهو يجد ما يبتغيه فجلس مستندا على الوسائد الهوائية و اتخذت مريم مكانا لنفسها بجانبه و إستندت على الأريكة وهي تتأمله ، تستمع لصوته الرخيم وهو يقرأ عليها من أحد كتب الأساطير الإغريقية التي يحبها ..
تتذكر في الماضي عندما كان يجلس معها داخل غرفة المكتبة التي أنشأها لها و يختار كتابا ليجعلها تقرأ منه فيظل يتأملها بينما هي غارقة في سحر الحروف المكتوبة ثم ينتهي بها الأمر وهي في حضنه تحت تأثير لمساته و همساته.
و هاهي الآن تستمع اليه هذه المرة ، كم بدى مختلفا عن السابق فبغض النظر عن وسامته التي تزداد كل يوم و لكن أصبح به شيء مختلف …

لم تعد زيتونيتاه تحملان نفس القسوة التي عانت منها في السابق ، لم تعد تشعر بنظراته التي كانت تلقي عليها إتهامات لا مبرر لها ، و لكن لمعته المميزة اختفت ، اللمعة الخاصة ب “الغجرية” ، و كأنه ليس جالسا مع نفس المرأة التي تزوجها …

أم هي من تغيرت ؟ تحولت من البريئة المسالمة إلى أخرى حقودة تدعس على كل حاجز يصادفها في طريقها اذا هل كلامه الذي القاه عليها منذ أشهر صحيح ، عندما دفعها على الحائط و أخبرها بأنها اصبحت سيئة لدرجة لا توصف و أنه كان منخدعا بها طوال تلك المدة !

ظلت مريم تراقبه مرة تعبس و مرة تبتسم حتى بدأت تشعر بثقل في عينيها و سحابة النوم تأخذها … فغفت وهي جالسة بجواره …
و مرت دقائق أخرى لينتبه فيها عمار لنومها فأغلق الكتاب ووضعه جانبا ثم ارتكز على جانبه يسند رأسه على يده متأملا إياها ، لقد مر وقت طويل على آخر مرة رآها بها وهي نائمة ، و كم بدت جميلة برموشها السوداء الطويلة و شفتيها الناعمتين.
تلمس بيده الشامة أسفل شفتيها من جهة اليمين ، و الأخرى القابعة بجانب أنفها و يا الهي كم اشتاق للمس بشرتها هذه.

و الى رؤية شعرها الذي يتبعثر و يعود لطبيعته المجعدة حينما يختفي مفعول التصفيف ، كم يحب مطالعة تفاصيلها الساحرة بلا كلل ولا ملل من قال أن عمار البحيري سيعشق امرأة فعلت به مالم يتجرأ أحد عليه.
لقد ظن في البداية أنه يسايرها ليعلم ما تخفيه فقط و أنه بعد انكشاف أسرارها سينتقم منها و يؤذيها مثلما أذى من قبلها ، اعتقد أنه سيحطم مريم و يجعلها تعاني و تبكي بدل الدموع دما حتى أنه كان سيفعل ذلك حقا غير أنه قد فشل فشلا ذريعا.

بل وجد نفسه يتحول من القاسي الجاحد الى آخر صبور يحتضنها عند انهيارها و عاطفي يراقصها في الحفلات و يقبلها و يجذبها اليه فقط ليرى عينيها عن قرب و سند يأتي اليها لكي لا تخاف من الوحدة.
وفي نفس الوقت هناك عدة حواجز تمنعهما عن بعضهما ، هو لا يقدر على مسامحتها ، لا تنجح محاولاته في نسيان حقيقة أنها اتهمته ببشاعة و أذت عائلته و ألقت عليه كلمات لا تمت للإحترام بصلة ، لقد ذلته مريم و حرمته من حقه في الحزن على طفله لأنه في تلك الأثناء كان يبحث عنها.

و لكنه يحبها و اللعنة على هذا الحب ، يعشقها و تسعد خفقات قلبه عند رؤية ابتسامتها الجميلة يود استفزازها كي يرى الى أي مدى ستصل سلاطة لسانها هو مُتيم و مغرم بها لحد الجنون و سيظل كذلك ولو جفت البحار !
انحنى عليها عمار يحدق فيها بهوس ثم طبع قبلة على شفتيها وشعرت هي به لكن نعاسها كان أقوى من يقظتها فهمهمت بإسمه و غرقت في نومها الثقيل …
ابتسم عليها و نهض من مكانه ليحملها بين ذراعه و أخذها لسريرها ثم دثرها لكي لا تبرد و خرج الى الشرفة يدخن وعند انتهائه دخل مجددا و وقف يفكر قليلا حتى ابتسم و نزع سترته و قميصه لينام عاري الصدر كعادته ولكن هذه المرة وهي بجانبه.

ترى كم مر على آخر ليلة تشاركا فيها نفس السرير ؟ ربما في ليلة مرضها عندما انقضى الوقت وهو يعتني بها و الشعور بالذنب يجلده لأنه أهملها حتى وقعت مغشيا عليها ولو لم يأت للشقة بالصدفة فالله وحده يعلم ما الذي كان سيحدث لها.
مد يده ثانية وبدأ يداعب شعرها ووجهها و عنقها حتى اقترب بجسده و التصق بها ظن أنها لن تحس به ولكن مريم فاجأته عندما دخلت في حضنه و لفت يدها الباردة على بشرته الساخنة فلسعته و زادت مشاعره ثورانا في نفس اللحظة.
يا الهي هل كان يجب عليها أن تفعل ذلك الآن أم كذب عليها أحدهم و أخبرها بأن عمار أصبح صنما لا يشعر ! ابتسم بيأس و طبع قبلة على شعرها هذه المرة و دفنه أنفه في خصلاتها يشمها بلوعة حتى تملكه سلطان النوم …

_________________
صباح اليوم التالي.

استيقظت على نور الشمس ولكن ليس وهي تنام على وسادتها كالعادة و تتدثر بالغطاء خوفا من البرد بل على شيء مألوف … و رائحة مألوفة !
فتحت عيناها بإتساع فجأة و رفعت رأسها لتصدم بعمار الذي كانت تلتصق به وكأنه على وشك الهروب فإنتفضت جالسة غير مستوعبة لما يحدث هل هي تتخيل أم أن هذه حقيقة مالذي يفعله هنا و كيف نامت معانقة اياه.
لقد حلمت بأنها تحتضنه وهو يقبلها ثم يمرر يده على وجنتها مهلا لحظة ألم يكن ذلك حلما هل أمضيا الليلة معا ؟ نعم يبدو ذلك فهو أخبرها بأنه سيبيت هنا و الغبية غفت وهي تتأمله لتستيقظ وتجد نفسها في هذه الوضعية ترى مالذي سيقوله لها عندما يفيق يا الهي لن تسلم من سخريته.

ضربت مريم على جبينها بيأس ووجدت نفسها تعود و تنظر اليه ، رباه كيف يكون المرء وسيما وهو نائم هكذا بشعره الكثيف المشعث و رموشه الجميلة و … شفتاه.
ولكن توجد علامات سوداء باهتة أسفل عينيه يبدو أنه أيضا لم ينم جيدا منذ وقت طويل حسنا لن تفرط به و توقظه فليرتاح قليلا.
ابتسمت على أفكارها و تحركت لتذهب إلا أنها شهقت عندما تم سحبها من خصرها على حين غرة فاِلتصق ظهرها بصدره و همس لها :
– قفشتك المرة ديه كنتي بتعملي ايه.

– انت … انت كنت صاحي.
تلعثمت في الكلمات فراوغها عمار بمتعة :
– انتي نسيتي اني بصحى من اقل حركة ولا ايه يعني مش زيك بس متغيريش الموضوع انتي كنتي بتعملي ايه.
– معملتش حاجة.
– كدابة كنتي بتراقبيني و بالعلامة حطيتي ايدك عليا اضافة ل انك كنتي حضناني طول الليل.

احمرت وجنتاها من الخجل و لعنت نفسها لأنها انقادت الى رغبتها غير أنها استجمعت شتات مشاعرها و استدارت اليه هاتفة :
– و انت كمان بوستني اكتر من مرة و استغليت ان نومي تقيل ومش هقدر اصدك صح ولا لأ.

رفع حاجبه بإعجاب بجرأتها و قرص أرنبة أنفها هامسا بصوت متحشرج من آثار النوم :
– مش محتاج استغل نومك انتي عارفة اني بقدر اعمل اي حاجة و في أي وقت.

تأففت بحنق و استلت منه لتنهض و تقول :
– انا هعمل فطار و نروح بعدها للشغل.

كاد يتكلم و لكن قاطعه رنين هاتفه ففتح الخط بترقب :
– ألو يا وائل.
– صباح الخير يا عمار معلش اتصلت بيك بدري بس قلت لازم تعرف نتيجة التحليل طلعت.

اعتدل في جلسته و احتدت ملامحه فتوترت مريم من تغيره و ارتبكت بينمت يستمع الآخر للكلام :
– زي ما اتوقعنا قطرات العيون المستعملة كان فيها مادة دخيلة بتحرق العين و بتضعف النظر لو حد حط منها قطرة واحدة بس كفيلة أنها تخليه يعاني من التهاب حاد و بالتالي لو كان بيسوق هتحصله حاجة أكيد.

أغمض عيناه بإنفعال و أطلق سبابا جعل مريم تتيقن أن المكالمة ليست مطمئنة فوضعت يدها على موضع قلبها الذي ضاق و جلست بجانبه لعلها تلتقط كلمات تفهم منها ما يحدث.
تابع وائل بجدية :
– و ده بيأكدلنا ان حادث سليم مدبر و الريس بتاعه اتخلص منه لما عرف اننا بنراقبه و بندور من وراه يعني القاتل دلوقتي بيلعب معانا ع المكشوف اعتقد مفيش داعي نفضل نشتغل في السر من هنا ورايح.

أغلق عمار الخط و بقي مركزا على الفراغ وقد تجهم وجهه و احمرت عيناه بعصبية لتنقلب أساريره رأسا على عقب في بضع دقائق فقط ، ازدردت لعابها و تمتمت بتوتر :
– في ايه … سليم مات مقتول صح.

لم يجب عليها بل نفض يدها التي أمسكته و غادر الفراش متجها الى الصالة فلحقت مريم به و تفاجأت عندما وجدته يقف أمام المكان الذي زرع فيه جهاز التنصت ليردد بصراحة :
– اعتقد مفيش داعي نخبي اكتر من كده اللعب بقى ع المكشوف و انا عارف كل اللي عملته و اللي خليت سليم يعمله قبل ما تقتله بس مادام وصلت بيك الحقارة للدرجة ديه يبقى لازم اقولك حاجة … انا لسه موصلتلكش ومعرفتش انت مين وليه بتعمل كده بس وربي هلاقيك اقسم بالله هعرف اوصلك و ساعتها … موتك هيبقى ع ايدي !!
________________
ستووب انتهى البارت
رايكم فيه يا ترى ندى ويوسف هتنجح علاقتهم ؟
رايكم بمشاهد عمار و مريم هل هو هيقدر يسامحها وتقدر هي تتجاوز اللي حصل ؟
الاسرار انكشفت و عمار اتواجه مع المجرم يا ترى ايه اللي هيحصل بعد كده

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية نيران الغجرية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *