روايات

رواية حان الوصال الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم أمل نصر

رواية حان الوصال الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم أمل نصر

رواية حان الوصال البارت الحادي والعشرون

رواية حان الوصال الجزء الحادي والعشرون

حان الوصال
حان الوصال

رواية حان الوصال الحلقة الحادية والعشرون

لذة الوصول
هل أتى عليك الوقت وشعرت بها؟ تلك الخفقة القوية التي تنتابك في تحقيق الحلم، وامتلاك الشيء الذي تذوقت مرار الصبر في سبيله، رجفة الأطراف حينما لامسته او امسكت به بين يديك.
ما أصعبه من احساس وما أجمله؛ حين يمر عليك شريط الذكريات وما مررت به من مصاعب حتى وصلت لتلك اللحظة
اذاقكم الله واذاقنا حلاوة الوصول اليها .
#بنت_الجنوب
رغم مرور اكثر من شهر على مولده، وحمله له عدة مرات ، الا انه حتى الاَن مازال تغلبه العاطفة بفرحته، فلا يقوى على كبت تلك الدمعة التي تفر من عيناه تأثرا بمجيئه الى عذا العالم، قطعة غالية من حبيبة قلبه حصل عليها اخيرا، بعد عناء ومشقة وعذاب في انتظار المستحيل، ولكنه حدث في الاخير بفضل الله وكرمه.
– تاني يا مصطفى برضو بتدمع؟ انا الأحسن اني احرم عليك ما تشيلو بعد كدة .
قالتها نور، وهي عائدة بعبوة الحليب التي اعدتها للطفل، لتأخذ مقعدها بجواره ، تجلس متربعة على الفراش، فتدعي الحزم وهي تتناوله من ذراعي ابيه بحرص، والذي ظهر التأثر في صوته وهو يشاكسها:
– لو تقدري اعمليها، او امنعي انتي نفسك من العياط لما
يسهرك طول الليل وميرضاش ينام.
فغرت فاهاها باستنكار وذهول:
– بتتريق عليا يا مصطفى، طب عقل انت ابنك الاول وخليه يهدى عن جنان الليل وانه ميتعبش مامته في الوردية اللي بيستلمها عليها.
قهقه ضاحكًا بصخب، ليعقب بمرح كلما خرج منها هذا الحديث:
– حاضر من عيوني، بطل تتعب مامتك يا ولد.
صدرت الاخيرة مخاطبًا لطفله لتتبسم هي قائلة:
– يا سلام عليك يا مصطفى، انا كدة ضمنت انه سمع الكلام، الف شكر بصراحة لسيادتك.
اومأ واضعًا كفه على صدره:
– العفو يا قلب مصطفى، مفيش داعي للشكر اساسًا.
انفجرت ضاحكة، لتميل برأسها على صدره، ويضمها بذراعه هي والطفل الذي تطعمه، يستمتع بدفء عائلته الصغيرة ، في لحظات يسرقها من الزمن، يهرب فيها من التزماته وأعماله التي لا تنتهي حتى في وقت نومه
❈-❈-❈
كما توقعت ورغم انه استمر طويلا في جلسته مع اشقاءها، وهي حاولت التصرف بصورة طبيعية معه، تجاهد لإخفاء الارتباك في حضوره، الا انه استطاع في الاخير ان ينفرد بها داخل الحديقة الصغيرة عقب استئذانه في الذهاب وقيامها هي بتوصيله، ليقف الاَن مواجهًا لها، يطالعها بصمت ابلغ من الف كلام،
ورغم التوتر الذي كان يعصف بها، الا انها ابدت ثباتًا يثير الاندهاش امامه، مما شجعه على الأستفسار مباشرةً:
– ليه كدبتي على اخواتك يا بهجة، والبيت دا اساسه انتي جبتيه ازاي؟
حينما صمتت قليلًا اردف :
– انا عارف اني مليش حق في السؤال، بس انا مش قادر يا بنت خالي، الخوف اللي طير مني الراحة من ساعة ما عرفت بعزالكم من البيت، هو نفسه الخوف اللي عاصر على معدتي دلوقتى، وانا دماغي هتشت ورايحة في مية اتجاه، من بعد ما عرفت بقصة المكافأة اللي اتحكم فيها من زمان لصالح الخصم .
استمرت لبرهة اخرى من الوقت قبل ان تحسم قرارها من الداخل قائلة:
– بس انت متأكد، وعارف بأخلاقي كويس.
– دي مسأله مش محتاجة سؤال، انتي بس اتكلمي واي حاجة هتقوليها انا هصدقها، المهم تريحي قلبي يا بنت خالي، فلوس البيت والمحل جات منين يا بهجة؟
– من جوزي
اجفل يستوعب الجملة القصيرة، لتعيد عليه هي بتأكيدها:
-،ايوة يا شادي، انا متجوزة في حلال ربنا، واحد مقتدر فوق ما تتخيل، هو اللي مكني بفلوسه اشتري البيت والمحل، ولو طلبت هيديني تاني كمان، بشرط اني احتفظ بجوازي منه في السر
– في السر!
ردد بها بصدمة وعدم تصديق، لتتجاوز هي غصتها في شيء مخزي كهذا امامه، فتأكد:
– ايوة يا شادي، انا بقولك الحقيقة اهو ، حتى وانا عارفة ان ممكن انزل من نظرك ، بس انا معملتش حاجة حرام، ولولا ثقتي فيك، ما كنت ابدا هقولك
أطرق برأسه يحاول التريث واستيعاب المفاجأة، حتى لا يغلبه غضبه في إفساد الأمر، وقد اعترفت له بالحقيقة التي اخفتها عن اخوتها جميعا، ليعود اليها متماسكا بصعوبة:
– وليه مقولتيش ع الاقل حتى لاخواتك يا بهجة؟
اجابته بثبات:
– مقدرتش،…… مقدرتش اهز صورتي في عيونهم ، مقدرتش اعرضهم للاختيار ما بين موافقتهم على جوازي والانتقال لهنا بعيد عن اذية عمي ومراته ، وما بين رفضهم ورفض كل شيء يجي من ناحية جوازي.
زفر يغمض عيناه بألم، رافعًا رأسه للأعلى بخزي، كيف يلومها؟ ومن اين يجد الجرأة وقد تركها تواجه رياح الظلم وحدها، حتى حينما حاول حمايتها، كاد ان يزيد بالمس بسمعتها نتيجة سوء الظن الذي تعرض له من ابناء عمها ، حتى تنقطع قدمه من الصعود اليهم ولا حتى التدخل في شئونهم.
– شادي انا اعترفتلك عشان واثقة فيك.
قالتها بغرض التخفيف عنه، جاهلة ان بفعلتها قد زادت عليه، ليرد بعتب:
– لو كنتي واثقة فيا كنتي بلغتيني يا بهجة، كنتي ووقفت معاكي حتى لو ضد رغبتي ، المهم كنت حاولت، ان مقدرتش احوله لجوز بأشهار ع الاقل كنت عرفته انك مش لوحدك.
اطرقت بخجل وقد اصاب بقوله، ولكنها حاولت التبرير على تردد:
– هو انسان كويس، وبيعمل كل حاجة عشان يسعدني، بس عنده ظروفه اللي تمنعه ما يشهر جوازنا.
رد بعنف:
– مهما كانت الظروف ، مفيش حاجة تمنع اعلان جوازه منك لو بيحبك بجد، او حتى كان أجل على ما تتحسن الدنيا معاه يا بهجة، ليه اخطف سعادة منقوصة في السر وانا ممكن اخدها كاملة بشوية صبر؟
ابتسامة صغيرة لاحت على زاوية فمها بسخرية
فقال، ابن خالها يتحدث عن الحب والصبر، ولا يعلم بالحقيقة المرة في الاصل من هذا الزواج، بعدما اخبرها قاسي القلب صراحةُ انها مجرد رغبة، حتى لو افعاله كانت غير ذلك بعد الزواج ، لكنها ابدا لن تنساها او تعلق نفسها بوهم حب قد يهلكها، وهو جعلها مسألة بيع وشراء، وهي وافقت على هذا الأساس، حتى تنتهي مدة هذا الاتفاق، وتخرج ع الاقل سليمة القلب .
وحتى ذلك الوقت، لن تخبر احد بالحقيقة المرة، تحتفظ بها لنفسها، اما ابن خالها فيكفيه الاطمئنان على على مصدر المال ولا اكثر من ذلك .
– رياض الحكيم صح؟
انتفضت بإجفال بعد ذكره الاسم لتبرق عينيها نحو باستفهام، فاستطرد هو بفراسة:
– مش هو برضو مدير المصنع اللي اتكفل بعلاج اخوكى على نفقة المستشفى المساهم فيها، انا مش غبي يا بهجة عشان ماخدتش بالي من نظراته ليكي ساعة ما شوفته في المستشفى،
لم تتمكن من الرد لتسبل اهدابها عنه بخجل شديد، اكد له صحة ظنه، ليردف بغيظ:
– اقسم بالله لو شوفته قدامي دلوقتي، لاباركله من قلبي بلوكامية تظير صف سنانه.
❈-❈-❈
عاد الى المنزل محملا بمزيد من التعب والهم، وقد اعتقد ان بالعثور عليهم ومعرفة محل سكنهم سيرتاح، ولكن ما حدث هو العكس تماما ، فبلقاءها ومعرفة السر الذي تخبئه عن الجميع، يشعر انه لن يعرف طعم الراحة بعد اليوم في القلق عليها، حتى ترسو على بر اَمن.
– شادي، اخيرا جيت .
كان هذا صوت زوجته والتي اقتربت تهمس بالكز على اسنانها:
– كدة برضو تعملها فيا يا شادي؟ ساعة بحالها اتصل بيك ومتردش.
القى بنظرة نحو شاشة الهاتف فتأكد من العدد الهائل من المكالمات منها، ليبرر بأسف:
– معلش مخدتش بالي، بس ليه الاتصالات دي كلها؟
ضربت قدمها بفعل طفولي تهمس بحنق شديد اثار التسلية بداخله رغم ارتيابه، حتى اوضحت:
– بتصل عشان جوز البلاوي اللي مستنينك، جال ايه عشان يباركوا، على اساس انهم اصحاب واجب جوي، انا من مخنوجة منهم ومش طايجة نفسي.
– هما مين؟
تمتم بها وقبل ان تجيبه، وصل لأسماعه صوت الضحكة الرقيعة من ابنة خاله خميس، لتيقن الان من السبب الاساسي لغصب زوجته:
– هي سامية قاعدة هنا من امتى؟
ردت على مضص:
– بقالها يجي ساعة هي وامها جوا، وانا رايحة جاية عليها بالعصاير والحلويات عشان مش طايجة اجعد معاهم
تبسم بحنان يهادنها:
– معلش حقك عليا، انا هروح اغير هدومي واروحلهم، هما عند ماما جوا صح؟
اومأت بهز رأسها، ليخطف قبلة سريعة من وجنتها، ثم تحرك صوب غرفته، لتتناول هي صنية العصائر وتدخل بها اليهم، بداخل حجرة والدة زوجها
– العصير يا جماعة.
– تعالي يا حبيبتي اقعدي بقى كفاية، هما الجماعة اغراب يعني.
قالتها والدة زوجها تشير لها لتجلس بجوارها على الفراش، تلك المرأة الحنونة، والتي تتعامل مع الجميع بطيبتها، رغم علمها الجيد بنوياهم:
– منورة يا مرات اخويا،
درية وقد اشتعلت عيناها بالحقد وذلك التوافق بين اخت زوجها وزوجة ابنها، لتتمتم بتصنع:
– البيت منور بأهله يا حبيبتي، عندها حق يا صبا احنا فعلا مش اغراب .
اومأت لها الاخيرة تغتصب ابتسامة صغيرة في رد لها، ثم تسأل بانتباه:
– ربنا يديم الود يا خالتي، هي فين سامية صحيح مش شايفاها؟
جاء الرد من والدة زوجها:
– استأذنت تدخل الحمام، اصلها مزنوقة.
سمعت صبا لتغمغم داخلها بحنق وتوجس:
– مزنوقة برضو ولا راحت تزود ع المكياج عشان تعجب. ابو برودها
وبداخل المرحاض كانت المذكورة تقف في وسطه بحيرة، تبحث بعيناها عن هذا الشيء الذي امرها الشيخ الدجال بإحضارها،
فقد كان كل شيء نظيفًا من حولها، المناشف المعلقة والستائر وو…. هنا توقفت ابصارها على سلة الملابس ، لتركض نحوها وتبحث داخلها، ملابس نوم وأخرى داخليه له ولها، يبدو أنها تم خلعها اليوم، ليزداد الغل بقلبها، على تلك السعادة التي كانت لابد ان تكون من نصيبها
اخرجت المقص الصغير من الجيبة التي ترتديها، كم ودت لو مزعت به تلك المنامة الى قطع صغيرة، ولكنها بذلك سوف تلف الانظار ، لذا لم تجد امامها، سوى قص شريط طويل منها ، لتضعه في كيس بلاستيكي ، ثم تدفسه داخل جيب جيبتها، وتخرج من المرحاض فتلتقي ابصارها به يدلف الى الغرفة التي تجمع النساء،، فتتنهد متمتمة:
– مسيرك تبقى ليا، هانت .
❈-❈-❈
بحث عنه في عدة اماكن يعلمها، كما سأل العديد من الأصدقاء المشتركين بينهما ، حتى تمكن اخيرا من معرفة المكان الذي يتواجد به، قهوة عتيقة ، تناسب المثقفين والفنانين، الأشخاص الذين يبتغون الهدوء او السرية كما يرى الان، بجلوسه في احد الاركان يتهامس مع احد الأشخاص….. لم يتمكن من معرفته وقد نهض فجأة يغادر من الباب الثاني للقهوة.
ود امين ان يركض خلفه، ليعلم بهويته ولكن الفتي كان سريعا بخطواته والاخر ايضا قد انتبه لحضوره، ليستقبله بابتسامة يجيدها بشكل مستفز:
– امين باشا حاضر المكان ، دا ايه النور ده.
صافحه الاخير على مضض ليجلس على الكرسي المقابل له يبادره الحديث:
– اعمل ايه يا خويا وانت بتخفتي زي الزيبق ومحد بيعرفلك طريق جرة، بتهبب ايه من ورايا يا عصام؟
سمع منه ليرسم دور البرائة:
– انا يا باشا؟ يعني هكون بهبب ايه بس؟ دا انا حسيت نفسي مخنوق وقولت اجي اهدي اعصابي وسط الشعرا والفنانين ، زي ما انت شايف اهو، حاجة في منتهي الرقي والحلاوة.
– اممم
اصدر امين صوت استهزاء، ليعلق بسخرية:
– اه صحيح عندك حق، جاي تروق نفسك بعد اللي حصل للمسكينة مراتك، واللي لسة تعبانة من اللي حصلها .
امتقعت ملامح وجهه بغضب جامح، وقد استطاع الاخر بقوله ان يخرجه عن دور البرود الذي يرسمه، فخرج صوته بعتب:
– وايه لزوم الكلام دا بس يا باشا؟ ما انت عارف ان فيا اللي مكفيني.
هدر بع امين يكز على اسنانه بالهمس:
– عشان عارفك كويس وعارف دماغك، والسكون المبالغ فيه دا منك اكيد وراه مصيبة،
– مصيبة ايه بس يا باشا؟ ما احنا ماشين في الإجراءات القانونية وبندور ع الزفت ده وعلى يدك، يبقى ساكت ازاي انا بقى.
قابل امين انفعاله بتأكيد :
– ما دا اللي انت عايز تقنعني بيه يا حبيبي، اوعى تكون فاكرني بلعت حكاية عربية الشرطة اللي ظهرت فجأة تنقذ امنية من ايد الحيوان ده، انت تحت ايدي بقالك سنين يابني، يعني حافظك اكتر من نفسك ..
بملامح مكشوفة رغم انكاره، ردد نافيًا:
– والله براحتك يا باشا لو مش عايز تصدقني، انا راجل قانون وماشي في حق مراتي بالقانون، مبمعملش اكتر من كدة.
– يا راجل .
تمتم بها امين بملامح متشككة:
– اطلبلي حاجة اشربها ياللا، بدل ما اطلع غل الصداع اللي في دماغي عليك دلوقتي، ما هو مش هيبقى قرف في البيت، وقرف في الشغل وبرا الشغل،
ضحك عصام يشير للنادل:
– عنيا يا باشا اطلبلك اللي انت عايزه، تعالي يا بنتي هات قهوة مظبوط للباشا .
❈-❈-❈
والى امنية التي كانت تتحدث مع شقيقتها شهد عبر الهاتف، بأسى وحزن:
– معاملته مش مريحاني يا شهد، حاساه بيشك فيا بس مش لاقي اثبات، دا مش عصام اللي انا عارفاه.
تنهدت شقيفتها عبر الهاتف بحزن معقبة:
– لو بيشك فيكي مكانش قعدك في بيته ثانية ولا بقى عليكي، جوزك اكيد متأثر باللي حصل ، ومحدش يلوم عليه صراحة، ابن الكلب ابن خالتك هبب الدنيا الله يخرب بيته، انا مش فاهمة دا امتى هيتهد؟
– ابراهيم الغل هو اللي بيحركه يا شهد، دا بني ادم بيزعل لو شاف حد سعيد، اسأليني انا من ايام ما كنت معمية على عيني وبحبه، وانا عارفة فيه الصفة دي ، ودلوقتي هو بينتقم مني عشان خرجت عن مساره، وربنا كرمني باللي اعلى منه، حسبي الله ونعم الوكيل.
– عارفاه يا امنية من غير ما تشرحي، ان شاء الله يموت بالسم اللي جواه ، قومي انتي صلي وخلي تكالك على الخالق، دا مفيش احن منه .
– ونعم بالله، بس انا تعبانة اوي يا شهد، عضمي كله واجعني وحاسة نفسي عايزة انام وبس.
– الكلام من ساعة الحادثة
– لا بصراحة من قبل، عشان مكدبش
استرعي انتباه شهد كلماتها، لتصمت للحظات بتفكير، قبل ان تعقب قائلة:
– طب بقولك ايه، انا عايزاكي توصفيلي الاعراض اللي عندك بالظبط.
❈-❈-❈
في احدى النوادي الاجتماعية وقد التقى به، ليرفها عن انفسهما من ضغط العمل المستمر، ليتبادلا اللعب على طاولة البلياردو، فكان الحديث الدائر بينهما :
– مصطفي شكله هيعمل حفلة كبيرة بمناسبة رجوعه من لندن وفرحته بالمولود العزيز، يا سلام بقى ع الطفل المحظوظ، هيورث الشهرة من والدته وامبراطورية مصطفى عزام .
تبسم رياض وهو يصوب بالعصى الخاصة باللعب على الكرة حتى اسقطها في حفرة الطاولة المخصصة لذلك ، فاعتدل بجذعه يعقب على كلمات الاخر:
– مش شرط يا كارم ، ممكن تبقى الدنيا كلها تحت رجليك وبرضو مش سعيد ولا حاسس انك محظوظ، واسألني انا.
توقف الاَخير متكئا على عصاه، المستندة على الطاولة، وقد استرعت انتباهه الكلمات لتجعله يتأمله بتفكير قائلًا:
– انت بتتكلم عن نفسك صح، مع اني اعرف ان والدك كان منفتح جدا ع العالم ووالدتك كمان، ايه اللي كان بيمنعك يا حبيبي عن الانبساط وانت في بلاد الحرية، سهر وشرب وستات وسهولة في التعليم كمان، فين المشكلة فين بقى؟
وعلى عكس ما توقع من غضب يجده منه في كل مرة بتطرق لهذه المواضيع الشائكة، ازداد اتساع ابتسامة الأخر، ليردد مًقرا؟
– وانت مدام حصرت السعادة في الشرب والحرية والستات، تبقى المشكلة فيا انا يا عم كارم، مش كدة برضو .
– اكيد طبعا .
قهقه ضاحكا ليشجعه على المزيد من التدخل، في لحظة الصفا التي لا تأتي كثيرا:
– خلاص يبقى نسيبنا من كل ده ونركز بس مع الحب، انا نفسي جربت كل حاجة، بس اللي وصلت ليه في الاخر، هو ان قعدة واحدة مع مراتي حبيبتي بالدنيا كلها، انت بقى محسيتش بالحاجات دي.
لم يجيبه، ليلهي نفسه بإسقاط الكرات، رافضًا التعبير عن مكنونات صدره، حتى فهم عليه كارم ليشاكسه:
– مدام سكت يبقى جربت ودوبت كمان، بس اشطة يا باشا، انا مش هزود عليك ، لكن ساعة ما تحتاجلي ولا تحب تسمع نصيحة انا موجود يا عم ازودك بخبرتي
هذه المرة جلجلت ضحكته ليردد ساخرًا:
– يعني يوم ما احتاج النصيحة اجيلك انت يا كارم!
– والله لمصلحتك، دا انا استاذ ورئيس كمان، تحب احكيلك عن انجازاتي .
❈-❈-❈
دلفت درية داخل الوكالة بأنفاس لاهثة لتجلس على على احد المقاعد، حتى اذا انتهى ابنها من صرف اثنين من الزبائن، اقترب ليجلس قبالها متحدثًا بحنق:
– خلصتي مشوارك ياما، مع ان مكنش ليه لزوم والله واحنا في الظروف دي
ردت والدته باستهجان:
– وانت كنت شوفتنا رقصنا يعني،، دي زيارة عادية لابن عمتك وبالمرة شوفنا اخوك وعياله….. مقولتليش بقى، ابوك ولا اخوك حد اتصل فيهم .
– اه ياما اتصل ابويا، بيقول ان الواد حالته ميطمنش، والاكيد انهم هيباتو النهاردة يشوفوا ايه اخرتها مع الدكاترة،
قالها سامر بانفعال جعل القلق يسري بقلب درية لتعبر عن مخاوفها:
– ليه يا دي الحوسة؟ هو ايه عنده بالظبط؟
اجابها بضيق يضع مجموعة من النقود داخل الخزانة:
– انا عارف بقى، جوزك بيتكلم من طرف مناخيره وابنك مانع الكلام خالص، وانا هنا موحول لا عارف اروح وراهم ، ولا اسد هنا مكانهم…….خلي البت سامية تجهزلي لقمة انا عايز اقفل بقى لحد كدة، تعبت
ردت وهي تنهض بتأثر بعد معرفتها بما يحدث لحفيدها والذي تعشمت بمولده ان يزيد بربط ابنها من زوجته، فتعود الى منزلها مرة اخرى بسببه:
– خلص وتعالى هجهزلك انا، هي استأذنت مني، وراحت لواحدة صاحبتها.
صرخ بها يدفع من يده القلم الذي كان يقيد به في الدفتر الكبير:
– دلوقتي ياما، والساعة داخلة على عشرة، طب هترجع امتى؟ البت دي معدتش صغيرة ، اقرصي عليها شوية بقى، كتر الدلع هيبوظها واحنا مش ناقصين
مطت شفتيها بامتعاض مرددة:
– اهي عندك اهي، لما تيجي اقرص عليها انت براحتك، انا اصلا بصدع منها لما تيجي تتحايل عليها، وما بصدق اخلص من زنها
غمغم سامر، ناظرا في اثرها :
– ويعني عشان تخلصي من زنها تقومي توافقيها على كل اللي هي عايزاه، الله يسامحك ياما.
❈-❈-❈
اما عنها فقد كانت في هذه اللحظة جالسة امام المدعو بالشيخ، يتأمل القطعة التي قصتها من المنامة يتحسسها بيده وكأنه يستلهم منها شيئًا ما ، وابصاره يخطفها نحوها كل دقيقة، بنظرات غير مفهومة يخبرها:
– شكلك بتعزي البنية دي اوي، خدت منك حاجة كنتي هتموتي عليها.
ردت تصدقه:
– ايوة والله يا سيدنا، هي خطافة رجالة اصلا، تستاهل كل اللي يحصل فيها .
افتر فاهه بضحكة قميئة، وتلك النظرات الغير مفهومة يقول:
– انا عارف يا سامية من غير ما تقولي، وهعملك اللي انتي عايزاه، بس انتي كمان مش تتعبينا في اللي نطلبك منك.
– عيوني
هتفت بها تشير بالسبابة على الاثنتان، فاتسعت ابتسامته قائلا:
– تسلم عيونك، روحي وتعالي بكرة ، اكون جهزت الحاجة اللي انتي عايزاها.
انتفضت بلهفة وفرحة متمتمة:.
– ربنا يخليك يا سيدنا.
لترحل بعد ذلك تاركة ذلك الرجل ينظر في اثرها، ويتلاعب بانامله على الذقن الطويلة بتفكير .
❈-❈-❈
متسطحة على الفراش، متكورة على ذاتها، تذرف الدمعات بعدم توقف، تشعر بالخزي لصورتها التي اهتزت امام ابن عمتها الذي طالما كان يحترمها، وعدد الكذبات التي اصبحت تتقنها امام اخوتها، وهي ابدا لم تعتاد على ذلك ،
حتى حزنها الاَن لا تملك التعبير عنه امام احد، لمن تشكو وهي المذنبة في حق نفسها وحق الجميع.
وكأنه اتي على التفكير به، اضاءت شاشة الهاتف امامها برقمه لتغمص عينيها بتعب:
– مش وقتك خالص يا رياض .
حينما لم يتوقف عن الدوي اضطرت للإجابة على مضض:
– الوو…..
– الوو يا بهجة قلبي ، اخبارك ايه دلوقتي؟
ردت بحزن ظهر في نبرة صوتها:
– كويسة والحمد لله
– كويسة ازاي يعني؟ الصوت دا بيقول ان في حاجة، وحاجة كبيرة كمان.
لم تقوى على الصمود اكثر من ذلك، لتشهق غير قادرة على وقف دموعها، مما زاد من قلقه عليها، فصار يردد متسائلًا:
– يا بنتي ليه بتعطي؟ اتكلمي بقى يا بهجة متعصبنيش.
ردت بعد مدة من الوقت بصوت بالكاد يسمع:
– حاسة نفسي مخنوقة، صوتي منحاش وصدري طابق عليا، مخنوقة يا رياض والله مخنوقة
زفر بصوت عالي ، حتى شعرت بأنفاسه تخترق اسماعها ليهتف امرا.
– طب البسي اي حاجة وانزلي حالا قبليني
رددت بعدم اسنيعاب:
– اانزل اقابلك فين بالظبط؟
– انزلي قبليني تحت بيتكم في الشارع الخلفي يا بهجة .
قالها بجدية لم تتقبلها لتعترض رافضة:
– لا طبعا مينفعش الساعة دلوقتي داخلة على عشرة، انت بتتكلم ازاي ؟
– وانا قولت انزلي يا بهجة، انا خلاص داخل على شارعكم بعربيتي.
– يا نهار اسود ، يعني مصمم وبتتكلم جد كمان، لا رياض مش نازلة.
صمت قليلًا فأعتقدت انه قد اقتنع حتى سمعت صوت قوي لصرير سيارة ، فقال هو:
– انا تحت بيتكم دلوقتي، يا تنزلي انتي من سكات، يا هتلاقيتي طالع عندكم، والحجة موجودة، نجوان هانم طلباكي عندها ضروري.
– يخرب بيت جنانك
تمتمت بها ، لتهرول نحو اقرب نافذة تؤدي للخلف فوجدته بالفعل في انتظارها، وعينيه مصوبة نحوها .
واقفًا بهيبته، يضع كفه في جيب بنطاله، اسفل السترة والاخرى يمسك بها الهاتف، بهيئة تصلح صورة لإحدى مجلات موضة، شعرت بقلبها يكاد ان يغادر قفصها الصدري، وقوة خفقانه على غير المعتاد تسمع للغرفة المجاورة، لتزبهل تطالعه بصمت حتى صرخ بأذنها:
– مستنية ايه تاني يا بهجة بقى، ولا انفذ تهديدي
❈-❈-❈
تطلعت حولها مزبهلة لعدد كبير من اليخوت، تزين ذلك المرسى الذي اتت اليه مرافقة له، بعدما اجبرها بجنونه لتنزل من منزلها في هذا الوقت ثم يطير بها بسيارته، حتى توقف هنا.
– انت جايبنا هنا ليه؟
تبسم باتساع ، ليترجل من السيارة ثم يلتف اليها ويفتح الباب المجاور لها يأمرها:
– انزلي من العربية.
اعترضت برفض:
– لنزل فين يا رياض؟ الساعة عشرة دلوقت…..
– بهجة انزلي..
هتف بها بمقاطعة حادة جعلتها تطيعه، ليصعد بها بعد ذلك الى داخل احدهم، وهي مازالت بحالة من التشتت، تراقبه يذهب إلى قمرة القيادة ، ليشعل المحرك ثم يعود اليها بابتسامته الساحرة فتتمتم بقلق وتوتر:
– يا لهوي عليا، دا بيمشي في النيل، انت رايح بيا على فين .
جذبها اليه، يضمها بقوة لا تخلو من حنو، يهمس بأذنها بصوت دافيء:
– ممكن تنسى كل هموك معايا الساعة دي، انا مش هتأخر بيكي، ليكي عليا ارجعك قبل اتناشر المهم انك تسيبلي نفسك، ونعيش مع بعض اللحظات الجميلة دي
ابعدها عن حضنه قليلًا يطالع الوجه البهي ، وقد انعكست الانوار عليه حتى يزيدها فتنة، ليمسد عليه بانامله بحنان مردفا:
– انتي جميلة اوي يا بهجة، وانا تقريبا ما شوفتش واحدة بجمالك، انك تحتفظي بجمال روحك مع جمال الشكل اللي وهبهولك ربنا ، دي حاجة متحصلش غير قليل اوي، وانا حاسس اني محظوظ ان لقيتك، بتكلم بجد ، الكلام دا طالع من القلب.
للمرة الالف يسرقها من حالها بسحر كلماته، وحتى تلك الكراهية التي تشحذ بها ذاتها في كل مرة كي تقاومه، ينثرها بلمسة حانية منه، فتطير كرماد يختفي مع الهواء.
لماذا يفعل كل ذلك؟ لماذا لا يجغل الامر يسير كما رتبت في ذهنها حتى لا تخرج بخسائر
– مالك سرحانه في ايه؟
سألها لينتشلها من حالة الشرود، فاضطرت للإجابة تتحمحم حتى يخرج صوتها:
– مش عارفة يمكن متلخبطة، او يمكن الجو نفسه مأثر معايا، هو اليخت دا تبعك.؟
علم ان بسؤالها الاخير، هناك نية واضحة للتهرب من الاجابة عن ما يريد معرفته منها، لذلك فضل ان يجاريها ولا يضغط عليها،
ابعدها قليلًا ليتناول كفها، ثم يسحبها، ويصعد بها حتى وقف بها على سطحه موجها ابصارها نحو النيل وذلك الجو الساحر الذي يبعث على الطمأنينة حتى انساها بالفعل حزنها،
يضمها بذراعيه، يهمس بصوته الهاديء:
– اليخت دا انا وارثه عن المرحوم والدي، يعني تحت امري في اي وقت، المرة دي متتحسبش يا بهجة، المرة الجاية لازم تبقى رحلة لعدد أيام كاملين اخطفك من العالم، وتبقي ليا لوحدي
وفي اي وقت تحسي انك مخنوقة ولا مضايقة، تعاليلي وانا عمري ما هرفض اسمعلك يا بهجة.
التفت برأسه اليه بأعين ترقرقت بها الدموع، ماذا تصف وماذا تقول، يرحب بها لتلجأ اليه، وهي في الاصل السبب الاساسي لتعبها.
وبدون ان تتفوه ببنت شفاه وجدت نفسها ترتمي بحضنه الامن ، تود ان تصرخ بها، تلك الكلمة العالقة بجوفها تنتظر منها فقط الاشارة ، لتتنطق بها امام الملأ، ولكن العقل اليقظ دائمًا يلجم اللسان على التفوه بها
…بحبك

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية حان الوصال)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *