رواية وسولت لي نفسي 2 الفصل السابع عشر 17 بقلم روان الحاكم
رواية وسولت لي نفسي 2 الفصل السابع عشر 17 بقلم روان الحاكم
رواية وسولت لي نفسي 2 البارت السابع عشر
رواية وسولت لي نفسي 2 الجزء السابع عشر
رواية وسولت لي نفسي 2 الحلقة السابع عشر
يظنُّ الناسُ بي خيرًا
وإني لَشَرُّ الناسِ إن لم تَعْفُ عنّي يا ربّ
إِطلَاق البَصر يُذهِب الرضَا شيئًا فَشيء.
“لا تمُدَّنَّ عينيك”.
_________________
ربما لينة قلبك سبب نجاتك يوماً.
” انت!! معقول.. ”
نظر له زين وهو يضيق حاجبيه بتعجب فهو لم يسبق له رؤية هذا الرجل من قبل ورغم ذلك تقدم عدة خطوات نحوه وهو يلقي عليه التحية أولاً وهو يهتف باسماً:
“السلام عليكم ورحمة الله وبركاته… حضرتك تعرفني!؟”
ظل الرجل ينظر إلى ملامحه وهو شارد بها وكأنه يحاول التأكد من شيء ما ثم هم للتحدث ولكنه تراجع عما كان يريد قوله حتى هز رأسه بالنفي بعدما أجاب التحية وهو يقول:
“لأ يابني معرفكش.. كنت بشبهه عليك بس”
هز زين رأسه بإيماءة ثم وقف بالقرب منه وهو يقول بهدوء:
“طب تسمحلي أقعد معاك يا راجل ياطيب شوية!”
أبتسم له الرجل بسمة صغيرة وهو يهز رأسه بالموافقة فأقترب منه زين حتى جلس أمامه بينما ظل الرجل صامتاً ينظر إلى زين ينتظر أن يعلم سبب قدومه.
وما إن لاحظ زين نظراته المتعجبة والفضولية نحوه حتى هتف وهو يقول موضحاً الأمر:
“انا كنت بلف على المرضى أزورهم وأشوف لو محتاجين حاجة وقولت أعدي أقعد معاك شوية وأشوفك لو محتاج حاجة..”
تبسم الرجل ولكن كانت بسمته متألمة ظهرت جيداً على ملامحه الحزينة.. لقد أتى الغريب يهتم لشئونه ولم يفعل أبنائه! بل تركوه هنا وحيداً يسارع المرض!.
أبتلع الرجل ريقه بألم ثم أردف وهو يقول:
“فيك الخير يابني… عملت اللي عيالي معملهوش معايا”
لم يتحدث زين.. بل ظل صامت ينتظر أن يكمل الآخر حديثه فعادة كبار السن لا يجدون من يسمعهم وهذا يجعلهم يشعرون بالحزن لذا كان زين دائما يتعمد الذهاب إلى كبار السن سواء يعرفهم ام لا ويجلس يستمع إليهم.
وبالفعل تابع العجوز حديثه رغم أنه لا يعلم زين ولكنه يريد التحدث وإخراج ما يجيش بصدره ويخنقه:
“بعد ما ضيعت عمري كله عليهم وأهدرت صحتي علشان أعيشهم أحلى عيشة كانت النتيجة اى!؟ سابوني لوحدي بعد ما مبقوش عايزيني في حاجه”
سقطة دمعة حارقة من عينيه وهو يشعر بالذل والقهر الشديد ويشعر بعجزه ثم تابع بحسرة:
“دا انا مكنتش برضى أقعد ولا أرتاح ولا أجيب لنفسي حاجه كل فلوسي كانت ليهم كنت بشتغل ليل نهار علشان أخليهم مستورين وعايشين مبسوطين وأحلى عيشة”
علت شهقاته وقد أخذ يبكي كالطفل الصغير الذي فقدته أمه في منتصف الطريق.. اثنان يشبهان بعضهما كثيراً الطفل الصغير والعجوز الكبير.
تأوه زين وهو ينظر إليه بحزن شديد ولا يدرى بما يقول فما وجد شيء يفعله سوى أنه ظل يربت على كتفه كمحاولة لموساته دون أن يتحدث تاركا له المجال في إخراج ما بجوفه وهذا حث العجوز على الإستكمال وهو يقول بدموع:
“بس أكتشفت إني كنت غلطان في الآخر.. انا سبتلهم فلوس بس مزرعتش جواهم الحب كنت بس مخلي وقتي كله على الشغل وأديهم الفلوس.. ولما أحتاجتهم بقوا يدفعولي فلوس المستشفي .. بس انا مكنتش عايز فلوس ولا عايز أتعالج في المستشفي انا كنت محتاجهم جنبي بس.. كنت محتاج أحس إني تعبي وشقاي طول عمرى مرحش هدر.”
صمت يتنهد وهو يأخذ أنفاسه وقد شعر بالإجهاد الشديد لكثرة حديثه.. فمنذ أن أتي ولا يتحدث معه سوى بعض الأطباء كي يسألوه عن حالته فقط.
أعطاه زين كوباً من الماء فرتشف منه الآخر وهو يحمد الله ثم صمت قليلاً وقد تحسنت حالته وتوقف عن البكاء وهذا جعله يكمل حديثه بهدوء وهو يقول:
“كان ليا جاري كانت حالته المادية على أده ورغم كدا كان مبسوط ومش فارق معاه وكان يقولي دايما انا صحيح مسبتش لعيالي فلوس كتير بس سبتلهم حب بينهم وبين بعض يخلوني أموت وانا مطمن عليهم..كان يقضى أكتر وقته معاهم ويقولي انا بربيهم لكن الفلوس مبتربيش وياما نصحني كتير وانا اللي مكنتش مقتنع باللي بيعمله وشايف إنه حرمهم من حاجات كتير وهو شايفني بجيب لعيالي كل حاجه.. تعرف يوم ما تعب مكنش معاه الفلوس اللي يكشف بيها ورغم كدا كانوا كلهم جنبوا وحواليه ولموا من بعض وفضلوا يعالجوه ومات وهو وسطهم.. لكن انا حتى لو مُت محدش هيحس بيا.”
أرجع رأسه إلى الوراء وشريط حياته يمر أمام عينه ويتمنى فقط لو يعود به الزمن قليلاً ليصلح ما أخطأ ولكن لا شيء يعود وبقي الندم يأكله.
“انا غلطت فعلا في حقهم وفي حق نفسي.. ظلمتهم وظلمت نفسي.. ووزعت الورث عليهم لإني عارف لو مت هيقتلوا بعض وحاربوا بعض وانا عايش وبيكرهوا بعض تخيل بقى لما أموت هيعملوا في بعض اى! انا ربنا يسامحني على كل اللي عملته وأكيد اللي انا فيه دا من غضب ربنا عليا”
كان حديثه غير مرتب ولكن هذا ما أستطاع التحدث به…. ربت زين على يده وهو ينظر له ببسمة ثم تنهد وهو يقول بهدوء:
“لأ ربنا مش غضبان عليك ولا حاجه إن شاء الله وإلا مكنش بعتني مخصوص ليك رغم إني معرفكش.. انت ندمت وتوبت إلى الله.. الندم حلو وبيغسلك من جوه بس كُتر الندم لما بيذيد عن حده مش حاجه كويسة”
تنهد الرجل وهو يمسح على وجهه وكأنه كان بحاجه إلى سماع هذا الحديث بينما تابع زين وهو يقول:
“الحب والمودة والرحمة مبتتبنيش من يوم وليلة.. دي بتحتاج سنين علشان تتبني اما الفلوس بتروح وتيجي
في لحظة ودا اللي ناس كتير اووي متعرفهوش.. بيعيشوا عمرهم كله يعملوا في فلوس وفاكرين إنهم كدا بيأمنوا مستقبل عيالهم وناسيين إن الأمان الحقيقي هو إنهم يتعلموا ازاي يحبوا بعض ويكون في قلبهم رحمة
الفلوس أوقات كتير بتكون نقمة مش نعمة”
صمت يرى تأثير حديثه على الرجل الذي كان يستمع إليه بإنصات شديد وللحق فهو حزين لأجله.. أضاع عمره وهو يأمن أولاده والأخير ماذا! مُلقى وحده لا يسأل عنه أحد
لقد أنشغل بتكوين أموال لهم دون أن يهتم لشئونهم ففعلوا معه المثل وأنفقوا عليه الأموال دون أن يهتموا لشئونه.
“انت أعترفت بغلطك ودي حاجه كويسة بس بلاش تندم نفسك أكتر من كدا.. وربنا سبحانه وتعالى عليم بوجعك ومطلع على ندمك وهو قادر على كل شيء.. أدعيه يهدي أولادك ويحنن قلبهم عليك ولسه فيه وقت إنك تصلح اللي فات المهم متجلدش نفسك أكتر من كدا علشان متتعبش.. انت غلط بس بدون ما تقصد ودا غلط ناس كتير اوي مش انت لوحدك المهم إنك أستوعبت دا ولسه فيه وقت حتى ولو يوم واحد”
لم يتحدث العجوز بس ظل ينظر إلى زين نظرات غريبة تعجبها زين حتى أقترب منه الرجل ثم رفع يده بهدوء نحو زين وببطء شديد مرر يده على وجهه ولحيته وكأنه يحاول التأكيد بأن من أمامه حقيقي وليس من وحي خياله..، بينما زين ينظر إليه مشدوهاً ومتعجباً مما يفعل.
“تعرف أول ما دخلت أتصدمت لما شوفتك ليه!”
هز زين رأسه وهو لاحظ نظرات هذا العجوز المصدومة عندما دخل ولم يقتنع عندما أخبره أن يشبه عليه لا أكثر.. بينما تابع الرجل وهو يقول:
“بقالي أسبوع بشوفك في الحلم بتيجي تقعد معايا.. والغريب إنك قولتيلي نفس الكلام!”
توسعت عيني زين بصدمة.. هذه أول مرة يرى بها هذا الرجل فكيف يراه بالمنام! بينما أكمل الرجل حديثه وهو يقول ببسمة:
“لما شوفتك في الحلم كان وشك أبيض ومنور اوي وطول الحلم وانت مبتسم وكل مرة كنت بنام زعلان كنت بتجيلي في الحلم لدرجة إني مش قادر أفرق اذا كنت انت فعلاً حقيقة قدامي ولا حلم بس في كل الأحوال يابني انت فيك شىء لله وواثق إنك هتشوف خير كتير في حياتك وربنا هيجعلك من أهل الفردوس حتى لو قابلتك صعاب”
يالله جاء ليخفف عن هذا الرجل همه فحدث العكس وهو من يشعر بالراحة الآن..لقد أتى هنا وهو يشعر بالهم الشديد والآن تبدل كل هذا ويشعر بالسعادة بل والدهشة أن أحدهم رآه في رؤية دون أن يعرفه.
“انا كنت باجي هنا من زمان وأمُر على الزيارات وبالتحديد اللي مفيش حد بيزورهم وبقالي فترة إنشغلت ومبقتش آجي لحد ما حصلتلي مشكلة وكنت زعلان ورغم إني بقول الحمد لله إلا إن من جوايا بقول ليه يحصل كدا! تعرف لولا اللي حصل دا مكنتش هاجي هنا بسبب إنشغالي ف دلوقتي عرفت إن اللي حصل دا خير علشان أجي هنا ليك يا راجل يا طيب”
ثم أبتسم بخفة وهو ينظر إليه مكملاً حديثه:
“تخيل إن ممكن ربنا أبتلاني مخصوص علشان آجي هنا وأزورك! مش قولتلك إن ربنا مطلع على حزنك وسبحانه وتعالى مبينسيش حد!”
أغروقت عيني الرجل بالدموع وهو ينظر له ببسمة ممزوجة بألم حتى هتف:
“انا في اللحظة دي مبتمناش حاجه غير إني أشوف عيالي زيك بس دي أمنية مستحيلة”
“مفيش حاجه بعيدة على ربنا وهو قادر على كل شيء.. أدعيلهم كتير بالهداية وإن ربنا يحنن قلوبهم ومتنساش تدعيي لأبنك زين معاهم”
توسعت بسمت الرجل وقد خرجت منه شهقة وتساقطت دموعه وهو يقول:
“انا مستاهلش إنك تكون أبني”
رق قلب زين له حتى أقترب منه يحتضنه ثم قّبل رأسه وأخذ يواسيه ويلقي عليه بعض الكلمات كي تهدأ من روعه وأن الله غفر له وأخذ يدعو لأولاده بالهداية.
🌸أستغفر الله العظيم وأتوب إليه🌸
انا لما أكبر عايزة أطلع شرطية والبس لبس زي اللي بيلبسوه علشان أقبض على المجرمين والناس الوحشة”
تحدثت الصغيرة وهي تجلس على قدمي والدتها التي كانت تمشط لها شعرها على هيئة ضفاير وتقص لها أحلامها المستقبلية فضحكت والدتها وهي تّقبل وجنتيها ثم أردفت:
“بس الشغل دا مش بتاع البنات يا عيودة.. دا شغل الرجالة”
أستدارت لها عايدة ثم تحدثت بتذمر وهي تضع يدها حول خصرها قائلة:
“لأ يا ماما مفيش شغل للبنات وشغل للولاد اى حد يقدر يشتغل اللي عايزه طالما هو قادر وانا هبقى قادرة أشتغل ظابطة وانا قوية والكل بيقول عليا شاطرة وذكية”
أجلستها والدتها مكانها مجدداً ثم أكملت ضفائر شعرها وهي تقول:
“لأ ياحبيبتي البنات مينفعش يشتغلوا في الشغل دا..، دا شغل الرجاله وهم اللي يقبضوا على المجرمين والحرامية لكن البنوته الشطورة تشتغل شغل بنات تبقى دكتورة أو مدرسة أو ممرضة أو متشتغلش خالص زيي وتقعد تربي أولادها وتهتم بجوزها”
قضبت عايدة حاجبيها متذمرة وهي غير راضية عن حديث والدتها لذا هتفت بضجر قائلة:
“لأ مش صح انا بشوف ناس كتير شغالة عادي وكمان بيكونوا أقوياء والناس كلها تخاف منهم وانا عايزة اكون زيهم وشخصية قوية والناس كلها تعملي حساب كدا”
قهقهت والدتها دون أن تأخذ بحديثها على محمل الجد فهي مازالت صغيرة بالنهاية ونظل نتخيل العديد من الأشياء التي لا تحدث إلا بخيالنا لا أكثر.
“البني آدم منا بيعمل لنفسه شخصية بأدبه وأخلاقه مش بالمكانه اللي هو فيها… سهل تخلي الناس تهابك وتحترمك علشان بيخافوا منك بس مش سهل تخليهم يحترموكي علشان بيحبوكي”
“منا هبقى شرطية علشان أحميهم وكمان اكون قوية وأقدر أحمي نفسي ومحدش يقدر يضايقني”
أنتهت من ضفائرها التي بدت جميلة للغاية فنظرت إليها ببسمة وهي تقول:
“ربنا سبحانه وتعالى جعل للبنت سند يحميها سواء أخوها أو أبوها أو جوزها لما تتجوز.. المهم يكون ليها سند تتكأ عليه لإنها محتاجة دايما للحماية والأحتواء
بكرة تكبري وتتجوزي وجوزك اللي يحميكي ويحطك في عينيه انتِ بس أجتهدي وشدي حيلك لحد ما يجيلك الفارس اللي هياخدك منا ويخلي باله منك ويحميكي بعنيه”
كانت عايدة متسطحة أرضاً وهي شبه متغيبة عن الوعي وبعض كلمات والدتها تردد داخل أذنها الآن… هل كانت والدتها محقة عندما أخبرتها هذا!
هاهي نتيجة عنادها ملقاه أرضاً في مكان لا تعلم ماهيته و.. ويدها مقيدة بسلاسل من حديد ماذا كان سيحدث لو سمعت حديث والدتها منذ البداية! ماذا كان سيحدث لو سمعت كلام هذا المقدم المغرور وظلت مكانها دون أن تتصرف من عقلها!؟.
هل أقتنعت للتو بأنها ضعيفة ستظل تحتاج إلى الحماية! هل كان القائد محق عندما أخبرها أن تتراجع! لا هي ليست ضعيفة ولا تحتاج إلى حماية أحد وحتى إن كان المقدم بنفسه مكانها لكان حدث هذا معه أيضاً فهذا المجرم هجامها من الخلف دون أن يعطيها فرصة للدفاع عن نفسها اذا فهي ليست ضعيفه.
ظل كل هذا يدور بعقلها وهي تشعر بألم شديد داخل رأسها والرؤية غير واضحة أمامها لذا أغمضت عيناها مجدداً وأستسلمت إلى تلك الدائرة السوداء التي تسحبها حيث الظلام.
🌸سبحان الله وبحمده… سبحان الله العظيم🌸
وعند ياسمين..
صعدت إلى الطابق الأعلى والذي يقنط فيه بيت عمها وهي تشعر بالتردد الشديد وتعلم جيداً بأن چنة لن تقبل أن تذهب معها ولكنها ستحاول معها لعلى يحدث معجزة وتوافق على القدوم.
طرقت باب المنزل ثلاث طرقات فقط حتى سمعت صوت أقدام أحدهم وهو يتجه نحو الباب حتى فُتح لها وخرج منه مصطفى ابن عمها فتراجعت هي خطوتين إلى الوراء ثم غضت بصرها عنه وهي تلقي عليه التحية قائلة:
“السلام عليكم ورحمة الله وبركاته”
“وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. أزيك يا ياسمين تعالى أدخلي”
أجابته وهي مازالت تقف على بعد مسافة منه:
“الحمد لله بخير… معلش ممكن تناديلي چنة من جوة علشان عايزاها”
أفصح لها الطريق وأبتعد قليلاً عن الباب وهو يقول ببسمة:
“تعالى أدخليلها هي جوة”
لم تتحرك بل ظلت واقفة مكانها ثم أردفت وهي تقول:
“لا مش مستاهله انا كدا كدا همشي على طول”
علم بأنها لن تدخل وهو موجود لذا خرج من الشقة وتراجعت هي للخلف حتى مر من أمامها وهو يدعوها للدخول قائلاً:
“أدخلي انا كدا كدا كنت خارج”
شكرته ياسمين ثم دلفت إلى الداخل وقد كانت تشعر بالخجل منه فهي لا تختلط برجال كثيراً ولا حتى هو وعندما تذهب لإحدى أصدقائها تتأكد أولاً بأن ليس لديها أخوة بالمنزل وإلا لا تذهب.
وصلت إلى غرفة چنة ثم طرقت الباب حتى سمعت صوتها تسمح لمن بالخارج بالدخول وبالفعل فتحت ياسمين الباب ثم تقدمت منها وهي تلقي عليها السلام فأجابت چنة وهي تنظر لها بتعجب تسألها عن سبب قدومها فجأة.
شعرت ياسمين بالتردد ثم تحدثت وهي تقول بهدوء:
“كنت عايزاكي تيجي معايا نروح نشوف روان ونطمن عليها”
نظرت لها چنة بدهشة من طلبها هذا… هل تطلب منها أن تذهب إلى تلك المدلله والتى أخذت حبيب أختها! حتى وإن كانت تمر بظروف قاسية فهذا ليس مبرر.
أجابتها چنة وهي تقول بلامبالاه:
“معلش يا ياسمين انا مش فاضية شوفي حد غيري”
نعم كانت تتوقع هذا ورغم ذلك لم تيأس بل أردفت وهي تقول:
“صدقيني مش هنأخر هنطمن عليها بس انتِ بنفسك شايفة الظروف اللي هي فيها وهي حامل وأكيد تعبانة”
أمتعض وجه چنة بشدة لا لن تذهب مهما حدث فهي وإن كانت حزينة عليها ولكن أيضاً لن تزورها في المنزل..لذا أردفت وهي تقول بتصميم قبل أن تستجيب لحديث ياسمين:
“انتِ عارفة كويس اوي يا ياسمين إن انا وروان مبنقبلش بعض وانا مستحيل أروحلها ف شوفي حد تاني”
شعرت ياسمين بالغضب من حديثها لذا أقتربت منها وهي تقول بعصبية:
“من امتى وانتِ مبتقبلهاش يا چنة!؟ احنا أتربينا كلنا سوا وكنا أكتر من أخوات ولا علشان زين أختارها هي كرهتيها وانتِ عارفه كويس إن زين لا عمره كان ولا هيكون لإيثار!؟ روان ذنبها اى بقى”
وقفت چنة أمامها وقد أستشاطت غضباً هي الأخرى قائلة:
“ذنبها إني بشوف أختي كل يوم بتموت بسببها.. ذنبها إنها أتجوزت الشخص الوحيد اللي أختي حبته
ازاي عايزاني أحب واحدة متجوزة اللي أختي بتعشقه!
حطي نفسك مكاني يا ياسمين قبل ما تتكلمي”
رفعت ياسمين رأسها ثم نظرت إليها وهي تهتف بقوة:
“وانتِ مقولتيش لأختك إن زين مش ليها ليه!؟ زين إن مكنش أتجوزت روان كان هيتجوز غيرها وعمره ما كان هيتجوز إيثار برضو وانا وانتِ عارفة دا.. وبعدين انا مش فاهمة اى الجحود اللي بقى في قلبك دا بدل ما تبصي للظروف اللي هي فيها وأمها اللي لسه ميتة متعصبة علشان متجوزة اللي أختك بتحبه..!؟ وهي ذنبهاااا ايييه فوقي بقى وأفهمي إن أختك هي واهمة نفسها وزين مش نصيبها وهتعيش عمرها كله كدا”
نطقت ياسمين آخر حديثها بصوتِ عالِ وعصبية شديدة وقد أخرجت تراكماتها بوجه چنة التي بقيت تنظر لها دون رد فعل بينما تابعت ياسمين وهي تقول بغصة:
“كنت فاكرة إن لسه فيه أمل اننا نرجع زي زمان بس الظاهر إني غلطانة يا چنة.. شكرا يا بنت عمي”
خرجت من الغرفة بغضب دون أن تنتظر رد فعلها وما إن خطت قدمها خارج الغرفة حتى أبصرت إيثار تقف أمام الغرفة وقد سمعت كل ما دار بينهما.
نظرت لها ياسمين قليلاً ثم خرجت من الشقة بأكملها وهي مازالت تشعر بالغضب منهم جميعاً.
🌸سبحان الله وبحمده… سبحان الله العظيم🌸
كانت حور جالسة تقرأ وردها اليومي بعدما أنتهت من ترتيب المنزل وتحضير الطعام لذا أخذت تقرأ وردها اليومي بترتيل وتجويد وصوتِ عالِ.
كان صوتها يعم ويملئ المنزل رغم أن صوتها ليس بالعذب إلا أنه بدا مريح لمن يسمعه.. كانت تقرأ وهي مندمجة وتستشعر كل كلمة تتفوه بها وليس مجرد قراءة عابرة.. بل هي تقرأ كلام الله وهل يوجد كلام أجمل منه لتقرأه براحه!.
تتسآل كيف حال الأشخاص الذين يعشيون دون القرآن!؟ إلى أين يذهبون حين تضيق بهم الدنيا زرعاً!؟ يالله أنها بنعمة كبيرة وهي تمتلك هذا الكنز العظيم بين يديها
واى نعمة قد يدركها الإنسان أكثر من كلام الله عز وچل!.
أنتهت من القراءة ثم أخذت تردد الحمد.. تحمد الله أنها هداها لهذا وما كانت لتهتدي لولا أن هداها.. نعم هذه نعمة كبيرة غافلين عنها يجب أن نحمد الله عليها ولكن القليل من العبادين هم الشكورين.
دخل ليث المنزل دون أن يصدر اي صوت بل كان عقله منشغلاً وما إن رأته حور أمامها فجأة حتى فُزعت قليلا وهي تقول بخضة:
“خضتني يا ليث”
أبتسم ليث بسمة صغيرة ثم جلس على أقرب مقعد قابله فاقتربت منه وهي تقول بمزاح:
“أخص عليك يا ليث فين الحضن بتاع ميمس!”
بينما هو لم يبدى أي ردة فعل بل طالعها ببسمة متكلفة جاهدة ليرسمها وقد لاحظتها هي ورغم ذلك أقتربت محتضنة إياه عنوة وهي تقول بضحك:
“خلاص هحضنك انا”
أبعدها عنه قليلا حتى أجلسها جواره وهو يتنهد بينما هي نظرت له قليلاً وهي تضيق عينيها قائلة:
“اى محستش إنك أحسن! دا بتوع علم النفس مأكدلي إن الحضن بيخفف الحزن وبيزيل الوجع.. شكل الحضن دا معملش مفعوله تعالى أحضنك تا….”
وقبل أن تقترب منه مجدداً زفر ليث وهو يقول:
“أقعدي ياحور بقى”
لوت حور شفتيها بحنق وهي تنظر له ثم عادت تجلس مكانها مجدداً حتى أردفت:
“طب عملت اى النهاردة في شغلك!؟”
“ولا حاجه الشركة خلاص بتعلن إفلاسها وكمان هتكون مديونة وأغلب الممتلكات هيتصدر عليها”
تأوهت حور بألم وهي تشعر بوجعه وحجم المصيبة التي حلت عليهم وكان أول شيء يتردد على لسانها:
“إنا لله وإنا إليه راجعون..”
ورغم ما كان يشعر به إلا إنه رفع رأسه ينظر إليها وهو يقول:
“هو انا بقولك حد مات! بقولك الشركة بتعلن إفلاسها!؟”
“ومين قالك إن الجملة دي بتتقال في الاموات بس!؟ ربنا سبحانه وتعالى قال والذين اذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ف دي مش مقتصرة على الموت بس لأ دا على اي مصيبة تحصلنا نقول كدا ودا كلام ربنا مش كلامي”
هز رأسه متفهماً دون أن يجيب بينما هي ورغم حزنها إلا أنها أبتسمت وقد رأت حالته أفضل عن المرة السابقة وأصبح متماسك قليلاً فنظرت له وهي تسأله قائلة:
“لو أتخيرت بين الشركة والفلوس وكل اللي عندك ولا صحتك!؟ مش هقولك تفقد صحتك كاملة هقولك تفقد بصرك أو متقدرش تمشي هتختار اي!؟”
“هختار صحتي طبعا بدون ما أفكر”
هزت رأسها ببسمة ثم أكملت وهي تسأله مجدداً قائلة:
“طب لو أتخيرت بينهم ولا بين أبوك وأمك هتختار اي!؟”
ومجدداً أجابها دون تفكير وهو يهتف:
“بابا وماما أكيد”
بقي آخر سؤال تود سؤاله ولكنها تشعر بالتردد خشية أن لا تكون نفس الإجابه لذا أبتلعت ريقها وهي تقول:
“طب ولو أتخيرت بين كل اللي تملكه وبيني هتختار اى!؟”
سيظن الجميع بأنها مجنونة لهكذا سؤال لانه حتى ولو لم يختارها فسوف يخبرها الآن بأنه سيختارها ولكن حور تعلم ليث جيداً وتعلم ما يقوله صادق ام كاذب.
صمت ليث يفكر في الإجابة وهذا آلمها كثيراً فقد ظنت أنه سوف يجيب دون تردد ولكنه أخذ ثواني يفكر حتى أجاب:
“انتِ برضو”
لم ترضيها تلك الإجابة رغم أنه كان صادق.. ولكن تلك الثواني الذي أخذ يفكر فيها شككتها في حبه لها.
ورغم ذلك أبتلعت تلك الغصة ثم أردفت بهدوء وهي تقول:
“البلاء درجات يا ليث.. كان ممكن الأبتلاء يكون في صحتك تصحى من النوم تلاقي نفسك كفيف او مش قادر تتحرك على رجلك او يجيلك مرض تصرف عليه كل فلوسك وبرضو متخفش.. او تبتلي في بابا محمود وماما تهاني او يكون الابتلاء فيا.. ربنا سبحانه وتعالى مبيكلفش حد فوق طاقته لازم تكون عارف دا كويس
ماما زمان كانت تقولي إن الإبتلاء بيكون نازل من سابع سماء كبير ومش هيتحمله العبد لكن من رحمة ربنا بينا إن ربنا بيخففه من سابع سما..
احنا في نعم كتير اووي لا تعد ولا تحصى.. شوف أهل غزة واللي بيحصل فيهم بل احنا عندنا بيت غيرنا مرمى في الشوارع وكمان عندنا أهل غيرنا في دار الايتام ميعرفوش حتى أهاليهم بل وعندنا صحة وغير مبيتنفسش الإكسجين غير بجهاز ومبيتحركش غير بكرسي واحنا بنتحرك على رجلنا.. غير بيموت من شدة الألم واللي عندهم كانسر واللي بيغسل كلى ورغم كل اللي بيبقوا فيه بس سبحان الله بتلاقيهم راضيين والأعجب إن فيه منهم بيكون فرحان بالإبتلاء دا علشان هيرفعه درجة عند ربنا… بسأل نفسي كل يوم احنا فين من الناس دي! عندهم صبر ورضى غريب علشان مدركين إن الجنة تستحق وكمان الأهم إن يكون صبرنا على البلاء دا نابع من جوانا مش مجرد إني صابر علشان مفيش ف أيدي حاجة أعملها.. ”
يستمع لحديثها بشرود وهو يفكر بكلامها ويستشعر نعم الله الكثيرة عليه ولكنه ليس من الحامدين الشاكرين لذا كان أول ما ينطق به الآن بعد حديثها:
“الحمد لله على كل حال”
أبتسمت حور ثواني حتى نظرت إليه بتردد.. تؤد السؤال عما يجيش بصدرها رغم أنه ليس هذا الوقت المناسب ولكنها لا تسطيع الكتمان أكثر لذا هتفت دون سابق إنذار وهي تقول:
“ليث انت فعلا ندمان إنك أتجوزتي!؟ عارفة إنك قولتها وقت عصبية بس الكلام وقت العصبية بيكون صادق”
تنهد ليث بل هو ليس بمزاج يسمح له بالتحدث فهو يشعر بالإرهاق والتعب الشديد ولم يكن إرهاقه جسدي فقط بل والنفسي أيضاً ورغم ذلك أجابها بهدوء وهو يقول:
“مش صحيح إننا وقت الغضب بنقول اللي جوانا انا لما بتعصب مش بدرى انا بقول اى اصلاً وانتِ عارفه إنك أجمل حاجة حصلتلي يا حور ودا كلام قولته بدون ما أقصد”
أومأت له وهي تهز رأسها بتفهم ثم وقفت من مكانها وهي تقول بهدوء:
“هروح أحضرلك العشاء”
🌸اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد🌸
كان أحمد جالساً مع سهير بمنزلها وحده دون أن يأتي بأسماء أخته كما فعل المرة القادمة وهذا جعل سهير تتعجب وهي تسأله عن عدم قدومها معه فأجاب وهو يقول موضحاً:
“للاسف مكنتش فاضية النهاردة ومعرفتش تيجي وانا كنت هأجل الزيارة لولا إني كنت كلمت عمي أحمد عرفته إني جاى وعلشان كدا أتحرجت أكلمه أعتذر.”
نعم هو بالفعل طلب من أخته المجيء معه ولكنها كانت منشغلة وهذا جعله يشعر بالسعادة وقد أراح ضميره فهو كان يريد الجلوس معها بمفردها كي يستطيع التحدث معها بحرية وعندما أتت أخته لم يستطيع أخذ حريته معها.
كان يستطيع الإعتذار من والدها ولكنه لم يفعل لإنه لا يرغب بهذا هو ففط أراح ضميره وأقنع نفسه بأن هذا رغماً عنه بعدما سولت له نفسه.
فاق من شروده على صوتها وهي تسأله قائلة:
“هو انت بتكلم الدكتور زين الفترة دي!؟”
تعجب أحمد من سؤالها وقبل أن يسألها مستفسراً عن السبب سبقته موضحة له وهي تقول:
“روان صاحبتي برن عليها بقالي فترة تليفونها مغلق وقلقت عليها ف كنت بسألك لو بتكلم الدكتور زين علشان كدا ولا لأ”
وكأنه للتو أنتبه فهو بالفعل بعدما أخبره زين منذ آخر مرة التقيا بأنه سوف يسافر ولم يره من بعدها بل وكلما هاتفه إما يجده مغلقاً او لا يجيب على الإتصال وقد ظن بأنه مشغول لا أكثر ولكن حديث سهير جعله يشعر بالقلق.
تحدث وهو يقول بقلق:
“انا بكلمه بقالي فترة مبيردش وأحيانا تليفونه مغلق.. هعدي عليه في البيت إن شاء الله النهاردة أشوفه”
أومأت له بالموافقة وقد ذاد قلقها أكثر على روان وهي تخشى بأن يكون مكروه أصابها فهي مختفية منذ مدة.
أخذ أحمد يتحدث معها قليلاً حتى نظر إليها مطولاً وهو يقول ببسمة:
“تعرفي إن من أول مرة شوفتك فيها وانا أعجبت بيكي! دعيت ربنا بعدها إنك تكوني من نصيبي رغم إن الموضوع كان مستحيل وانا حتى معرفش عنك اي حاجه.. بس كنت زعلان لإني كنت واخد عهد على نفسي إني محبش اى واحدة غير اللي هتكوني زوجتي بس
وقتها كنت خايف وزعلان إني معملتش بالوعد دا وأعجبت بواحدة مش حلالي لكن الحمد لله ربنا أستجاب دعائي وطلعت انتِ البنت اللي من نصيبي”
وكأنها أصبحت حلاله الآن! هو يعلم جيداً أن الوقت مازال مبكراً على هذا الحديث بل هي مازالت أجنبية عنه ولكنه حقاً لا يستطيع التحكم بحديثه.
كان يريد أيضاً أن يخبرها أن هناك فارق كبير بينهما من حيث الماديات وهذا جعل ارتباطه بها مستحيلاً ورغم أنه خطبها بالفعل إلا أن هذه النقطة تجعله يشعر بالنقص كلما نظر إليها ولكنه يحاول تجاهل هذا الشعور.
بينما هي أبتلعت ريقها وهي ترى بأنها لا تستحقه
هو من جاهد نفسه وعف قلبه عن الحرام كي ينال حلال الله وهي اول فتاة بقلبه.. بينما هي من فعلت الكثير من الاشياء السيئة وحادثت العديد من الشباب وأعطت مشاعرها إلى ياسر دون أن يكون هناك رابط شرعي بينهما!.
كلاً منهما يجلس ويفكر فيما يشغله.. هو يرى بأنها تفوقه كثيراً من حيث الماديات ومن الطبقة العالية وهناك فارق كبير بينهما.. وهي ترى بأنها لا تستحقه وهو أنقى منها كثيراً وأقرب إلى الله عنها.
وبقي السؤال ذاته يتردد داخل عقلها! هل تخبرها عن ماضيها ام لا! ولكن هو من سيكمل حياته معها اذا هذا يعني أنه يجيب أن يعلم ماضيها وهي هكذا تخدعه! ولكن إن علم بالتأكيد لن يثق بها مجدداً لذا هي لن تخبره وستنسى ما حدث وها هي قد فتحت صفحة جديدة من حياتها.
🌸سبحان الله وبحمده… سبحان الله العظيم🌸
كانت ياسمين بغرفتها تحمل قطتها كي تخفف عنها قليلاً حدة ما تشعر به ومازالت غاضبة وبشدة مما يحدث حولها وترى الأمور تسوء حولها والأهم كيف ستذهب إلى روان وحدها!؟ ولا تريد أخذ أحد من أصدقائها لإن مشاكلهم خصوصية لا تريد لأحد أن يعلم بها.
ماذا ستخبر أخيها عندما يعود! يالله تشعر بالضياع ولا تعلم ماذا تفعل.. وأثناء ما هي جالسه وجدت باب غرفتها يُفتح فجأة وتدخل منه چنة مرتدية ثياب الخروج ثم أقتربت منها وهي تقول بإقتضاب:
“البسي يلا علشان منأخرش”
تفآجئت بها ياسمين وهي تتعجب ما سبب تغيير رأيها بهذه السرعة ورغم ذلك أومأت لها دون أن تجيب بينما خرجت چنة تنتظرها أسفل العمارة وأثناء سيرها وهي شاردة أصطدمت بشخص ما حتى كادت أن تسقط بينما الآخر أبتعد عنها مسرعاً كمن لدغته عقرباً أثر لمسه لها.
نظرت له بغضب وهي تعدل من ثيابها قائلة:
“مش تحاسب يا أخ انت”
شعر أحمد بأن هذا الصوت ليس بغريب عنه فرفع رأسه ينظر إليها بعدما كان غاضضاً بصره فإذا بها چنة ابنة عم رفيقه والذي كان يعرفها منذ أن كانت صغيرة..
بينما هي شعرت بأن ملامحه مألوفة بالنسبة لها ولكنها لم تتعرف عليه بسبب لحيته وملامحه التي تغيرت كثيراً.
نظر أحمد إلى ثيابها المتبرچة وما تضعه على وجهها وأيضاً تلك الرائحة التي تتعطر بها وقد شعر بالحزن والغضب في آنِ واحد وقد تغيرت كثيراً ولكن ليس له اي سلطة عليها لذا أردف مبتعداً عنها وهو يرحل قائلاً:
“انا آسف مكنتش أقصد”
رحل أحمد متوجهاً نحو منزل صديقة وهو يدعو لها داخله بالهداية بينما هي بقيت تنتظر ياسمين وللحظة فكرت بتغيير رأيها وعدم الذهاب سرعان ما تراجعت عن تلك الفكرة وأن بالأخير هذه إبنه عمها وتمر بظروف سيئة..
نزلت إليها ياسمين بعدما أرتدت ثايبها فنظرت چنة إلى ثيابها من الأعلى إلى أسفل ولا تعلم لمَ ولكنها فجأة كانت تحسدها على ما هي عليه الآن!.
سارت معها ياسمين متوجهين نحو منزل خالة روان ووالدة عمر وقطع الصمت صوت چنة وهي تقول:
“مش شايفة إن روان مدلعة وأوفر!؟ مش أوفر على حزنها لإن اللي ماتت أمها بس زين عملها اى علشان تسيبه وتمشي حتى لو نفسيتها تعبانة! وكمان تطلب منه الطلاق علشان بس سابها أسبوع وراح شغله!؟ وللعلم انا مبقولش كدا علشان انا مضايقة منها بس فعلا هي تصرفاتها أوفر ومش عارفة ازاي زين صابر عليها كل دا”
نعم.. بالظبط هذا ما كانت تفكر فيه ياسمين.. فأي أن كانت الظروف التي تمر بها روان ما فعلته ما أخيها ليس مبرراً وتشعر بالغضب منها رغم حزنها عليها.. فالجميع كان سيكون معها ولكنها من أختارت أن تبقى بمفردها.
ورغم أن چنة محقة وتوافقها الرأي إلا أنها لن تغتابها وتخوض بها الحديث وهي من كانت تعتبرها أختها ومازالت وأيضا زوجة أخيها اذا فهي ليست بالحقيرة كي تغتابها حتي ولو أخطأت.
أردفت في محاولة للدفاع عنها وهي تقول:
“متحكميش على حد من غير ما تكوني مكانه.. الله أعلم هي حاسه ب اي.. يمكن روان مدلعة بس هي بتحب زين ومظنيش أنها ممكن تتخلى عنه بسهولة فالله أعلم اى اللي حاصل معاها وبلاش نسيء الظن فيها”
أبتسمت چنة بسخرية وهي تكاد تقسم بأن ياسمين تقول هذا الحديث من وراء قلبها بل وتشعر بالغضب من روان حتى أكثر منها ولكنها لا تبوح بهذا وربما هذا الشيء جعل ياسمين تكبر في نظرها.
وعند روان كانت راقدة على الفراش تنظر إلى السقف دون حراك او حتى أن ترمش بأهدابها.. فقط تنظر أمامها تفكر في كل شيء مرت به..
أخذ عقلها يراجع شريط حياتها منذ أن تيتمت حين كانت صغيرة وحتى تيتمت للمرة الأخرى بعدما أصبحت كبيرة.
عندما أصيبت بكانسر وعندما أنخطفت أكثر من مرة بل وعندما تقدم إليها زين ثم تركها والكثير من الأشياء والصعاب التي مرت بها.
وكأن حزن واحد لا يكفيها حتى اجتمعت جميع أحزانها عليها الآن! تساقطت دموعها بحرقة دون أن تشعر بهما وتردد سؤال واحد داخل عقلها.
ما الذي فعلته كي يحدث معها كل هذا! أي ذنب فعلته كي تنل ما هي عليه الآن! الا يحق لها أن تشعر بالسعادة ولو قليلاً! لمَ الحياة قاسية علبها إلى هذا الحد!
قلبها يؤلمها بشدة ولا أحد يشعر بها بل يرونها المخطئة
وللعجيب بأنها ترى نفسها مخطئة أيضاً هي لا تعلم سبب كل ما يحدث معها سوى أنها محطمة تماماً وتشعر بأن قلبها مفتت من شدة الوجع الذي تشعر به الآن.
تحاملت على نفسها حتى توقفت أمام المرآة ثم وقفت تنظر إلى ملامحها الذابلة وشحوب وجهها و.. للحظة شردت بملامحها حتى تراجعت خطوتين إلى الوراء..، هذه.. هذه ليست ملامحها! هي ترى الآن ملامح شخص لا تعرفه بل ملامح غريبة عنها وقبيحة وليست ملامحها الجميلة!.
شهقت بألم وهي تضع يدها على وجهها تخفي تلك الملامح وكم كرهت ذاتها وكرهت كل شيء حولها الآن.
جلست أرضا بإنيهار ثم أخذت تصرخ بشدة وهي تلقى كل شيء حولها فدخل في هذا الثناء عمر وأيضا خالتها التي فُزعت على صوت صراخها فجأة..
أقترب منها عمر يحتضنها بشدة ويحاول تهدئتها وخالتها التي حاولت أيضاً مواساتها وهي تبكي على حالتها التي تذداد سوء يوما بعد يوم..
أجلسها عمر على الفراش وهو مازال يحتضنها بينما كانت هي منهارة تماما وتشعر بالضياع حولها وتريد لو تختفي او تنام ولا تستيقظ إلا عندما ينتهي كل هذا
لتصرخ بوجع وهي تبكي قائلة:
“ياماما بتسيبني لوحدي ليه انا بموت من غيرك”
أجهشت في بكاء مرير وعمر يشعر بالعجز وهو يرى حالتها تذداد إلى الأسوء.
🌸أستغفر الله العظيم وأتوب إليه🌸
وصلت ياسمين مع چنة أمام المنزل وقد طرقت ياسمين الجرس حتى وجدت والدة عمر هي من تفتح لها الباب فشعرت ياسمين بالتوتر الشديد وهي تلقي عليه السلام أولا ثم أردفت:
“أزيك يا طنط عاملة اى”
كانت ناريمان والدة عمر تشعر بالحزن الشديد ورغم ذلك ما إن رأت ياسمين حتى تلبثها الغضب ولكنها تذكرت ترجى عمر بأن تستقبلها جيدا لذا أجابتها وهي تقول بإقتضاب:
“أدخلوا روان في الاوضة اللي هناك”
تقدمت ياسمين وهي تمسك يد چنة ثم سارت نحو الغرفة التي أشارت عليها وما إن ابتعدوا عنها حتى هتفت چنة بضجر قائلة:
“مالها الولية دي بتكلمنا من مناخيرها ليه”
“عيب يا چنة دي مهما كانت كبيرة أدعيلها ربنا يهديها”
تأففت چنة من مثالية ياسمين وإن كانت مكانها ما كانت لتسمح لتلك السيدة بأن تحدثها هكذا.
دخلت غرفة روان فوجدت عمر يجلس جوارها بعدما هدئت وما إن رأهم حتى وقف يرحب بهم وهو يبتسم بوهن بينما نظرت ياسمين إلى ملامحه الباهتة ولأول مرة ترى عمر بتلك الحالة فهي أعتادت عليه دوما بشوش
ومرح ولكن حاله تبدل كثيراً ولم يكن حال روان بأفضل منه بل كانت أسوء وهذا جعل ياسمين تقترب منها بلهفة وقد شعرت بألم ما إن رأت هيئتها تلك.
أحتضنتها وهي تربت على رأسها وتتلو عليها بعض آيات الله وكلما قرأت عليها كانت الأخرى تبكي وجسدها يهتز ويرتجف.
بينما چنة تقف تتابع من بعيد ما يحدث وقد شعرت حقا عليها بالشفقة فبعدما كانت تراها تبالغ ما إن رأتها هكذا حتى حزنت عليها وقد شعرت بالضيق من نفسها لإنها ظنتها تبالغ فهي تراها أمامها الآن متعبة للغاية.
أقتربت منهما حتى جلست بالقرب منهم بينما خرج عمر من الغرفة كي يأخذون راحتهم ولعلها ترتاح ولو قليلاً.
“بس ياروان أستهدي بالله متعمليش في نفسك كدا علشان خاطرى”
بينما روان تبكي فقط ما عادت تفعل شيء سوى البكاء وهذا آلم ياسمين كثيراً وقد أغروقت عيناها بالدموع هي الأخرى ولكنها تماسكت فلا يجب عليها الضعف الآن.
“هي في مكان أحسن مننا بدل ما تدعيلها بالدعاء بتعملي كدا! هي لو كانت موجودة مكنتش هتكون مبسوطة وانتِ بالشكل دا.. أدعيلها بالرحمة وهنبقى نروح نزورها دايماً وتشوفيها وتقعدي معاها وهي اصلا هتفضل معاكي وجواكي طول الوقت”
ظلت ياسمين تلقي عليها الكثير من العبارات التي من المفترض أن تريحها بينما روان لم تكن معها من الأساس بل كانت شاردة تنظر حولها بضياع ولم تنتبه لشيء مما تفوهت به ياسمين سوى على صوتها وهي تقول:
“يلا ارجعي معانا يا روان وكلنا جنبك ومش هنسيبك.. وكمان زين تعبان اوى من غيرك وهيتجنن علشانك”
وما إن سمعت اسمه حتى أهتز جسدها وأمتعض وجهها لا لا تريد أن تراه وهذا جعلها تدخل في هستريا من البكاء لاحظتها ياسمين جيداً لتتراجع عن قولها وهي تهتف:
“طب خلاص أهدي ياروان ولو مش عايزة تيجي أقعدي لحد ما نفسيتك ترتاح”
تنهدت ياسمين بتعب وهي ترى أيضاً بأن جلوسها هنا لم يريحها بل تذداد حالتها فجلست معها قليلا تحدثها وقد كانت روان ليست معها وهذا جعل ياسمين تستأذن وهى ترحل مع چنة وما إن خرجت من المنزل حتى تساقطت دموعها بألم وهي تتذكر حالتها جيداً.
يالله ما الذي أوصلها إلى تلك الحالة!؟ فوالدتها مر على وفاتها مدة ومن المفترض أن تتحسن حالتها لا تسوء!
عادت إلى المنزل وقد صعدت چنة إلى منزلهم دون أن تتحدث بشيء بينما وجدت ياسمين زين في إنتظارها على أحر من الجمر فتوجهت نحو شقته ثم جلست وهي تتنهد ولا تعلم بما تجيبه.
“كان مالها روان يا ياسمين لسه تعبانة!”
أومأت له وهي تهز رأسها مما جعل زين يمسح على وجهه وهو يغمض عيناه فتحدثت ياسمين مبتلعة ريقها وهي تقول بحزن:
“انا حسيت فيها حاجه غريبة يا زين وشها شكله متغير وخست جامد وكمان عينها وارمة من العياط وكل ما أجيبلها سيرتك او إنها تيجي هنا تتعب أكتر”
صمتت تنظر إليه وهي تعلم بأن حديثها هذا مؤلم له ثم تابعت:
“بفكر تروح عند دكتور نفسي لإني مش لاقية سبب يوصلها للي هي فيه دا وكل يوم حالتها بتسوء أكتر”
بينما ظل زين صامت وهو يفكر بشيء ما فنظرت له ياسمين وهي تقول بتعجب:
“يا زين انت معايا!؟ بتفكر ف اى!؟”
أردف زين وهو يقول:
“حاسس إنها مأذية أو معمولها حاجه ودا السبب الوحيد اللي يخلي روان تكرهني”
توسعت عين ياسمين بصدمة وقد أخذت تربط جميع الأحداث وقد بدا لها هذا سبب مقنع لكل ما يحدث معها بل وتتعجب كيف غابت تلك الفكرة عن عقلها..
بل ونظرت إلى زين بصدمة بعدما تذكرت شيء هام.. شيء أخفته عن الجميع وما كان يجيب عليها فعل هذا
بل وتشعر بالخوف من رد فعل أخيها عندما يعلم بهذا الخبر ولكن لا فرار فعليه أن يعلم.
أقتربت منه بخوف حتى وقفت أمامه تشعر بالتوتر ثم أردفت وهي تعلم تماما بأن ما هي مقبلة على قوله لن يذد الأمور إلا سوءاً بل وسوف يخرج الوحش داخل أخيها.. فما هو الأمر ياترى!؟
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية وسولت لي نفسي 2)