روايات

رواية نعيمي وجحيمها الفصل الثامن والستون 68 بقلم أمل نصر

رواية نعيمي وجحيمها الفصل الثامن والستون 68 بقلم أمل نصر

رواية نعيمي وجحيمها البارت الثامن والستون

رواية نعيمي وجحيمها الجزء الثامن والستون

نعيمي وجحيمها
نعيمي وجحيمها

رواية نعيمي وجحيمها الحلقة الثامنة والستون

– خرج من السجن؟ ازاي يعني؟
هتف بالسؤال نحو محدثه في الهاتف بعدم تصديق، ليظلم وجهه بعد ذلك وهو يستمع إلى التفاصيل تباعًا، ثم يهدر بالرجل غاضبًا:
-إزاي يعني عرف ينفد من كذا قضية؟ دا كفاية قضية محروس والتهمة لابساه لابساه؟ لا وكمان رفقي نحاس هو اللي يدافع عنه، ودا عرف يجيب أجره منين أساسًا؟
صمت قليلًا يستمع لقول الرجل عبر الأثير، ثم هتف موبخًا:
-كان لازم تقولي في ساعتها وانا اشوف الموضوع ده تم ازاي؟ وعشان اللحق اتصرف وقتها وان شالله حتى أغير كل فريق المحامين بتوعي….. تمام يا سيدي اقفل بقى من عندك.
أغلق مع الرجل ثم نهض عن مكتبه، نحو الشرفة الزحاجية في حائط المكتبة، ينظر منها لخارج المبنى، علٌه يهدئ هذا النيران التي تسري بداخله، أن يفقد حيلته مع فرد مجرم كهذا، قام بأذيته وأذية أقرب قطعة من قلبه، بل كان هاجس لها من قبل التعرف عليه وبعد أن تزوجته أيضًا، تنهد من عمق صدره يمسح بأنامله على طرف ذقنه بتفكير متعمق، فلابد من إيجاد الطريقة الأمثل لإعادة هذا المجرم إلى محبسه، حتى ينال عقابه المستحق، ولا بد في البداية أن يجده.
التفت رأسه على طرق خفيف على باب الغرفة قبل ان يلج منه خالد بعد أن أرسل له منذ دقائق:
-صباح الخير.
تفوه بالتحية وهو يتقدم بعملية حتى جلس على الكرسي المقابل للمكتب، يضع عدد من الملفات التي كانت بين يديه على سطحه وهو يردف بالقول متحمسًا:
-أنا جيبتلك كل أوراق المناقصة اللي قولت عليها وكمان كلمت البنك عشان الصفقة الجديدة والتفقت معاهم على…..
-بس بس يا خالد.
هتف بها جاسر قبل أن يخطو هو الاَخر ويجلس محله خلف المكتب، طالعه خالد باستفهام حتى وجده يخاطبه بصوته الأجش:
-سيبك من كل أخبار الشغل دلوقتي، أنا عايزك في حاجة تانية خاصة متتحملش التأجيل.
ردد خالد خلفه سائلًا بدهشة:
-حاجة ايه دي اللي متتحملش التأجيل؟
طالعه جاسر بنظرة غامضة قبل أن يسأله:
-إنت كنت عارف إن فهمي صنارة أخد براءة من كل القضايا اللي عليه، ومخدتش حكم غير في قضية زهرة وكمان مخفف.
-إيه؟
هتف بها خالد متفاجًأ، قبل أن يُكمل:
-لا طبعًا معرفش وهعرف ازاي؟ انا مش متابع القضية، دا غير إني كمان كنت مشغول أوي الفترة اللي فاتت، بالفرح وتجهيزه، دا غير شهر العسل وشغلي معاك بعدها، بس هو ازاي يعني براءة؟ دا انا اعرف ان الولد شاهد على نفسه وعلى صنارة، دا غير البلاوي اللي طلعوها من شقته والناس كلها في الحتة شافت بعنيها .
زفر جاسر يطرق بكف يده على سطح المكتب بعنف يقول بغيظ:
-وانا كمان كنت مشغول عن المتابعة مع المحامين، خصوصًا في الأيام الأخيرة من حمل زهرة، وبعد الولادة وحفلة السبوع دي اللي أصرت عليها والدتي، والمحامي اللي مكلفه بالقضية بيقولي انه خرج بلعبة من رفقي نحاس.
قطب خالد سائلًا باستفسار:
-رفقي نحاس مين؟….. إنتي قصدك على المحامي المشهور ولا انا سمعت غلط؟
-لا مسمعتش غلط يا خالد، هو نفسه المحامي الكبير بتاع القضايا المشهورة، لكن اللي هيجنني، هو الحيوان ده عرف يجيب أجره منين؟ ولا هو الواد ده بيشتغل على كبير يعني ولا أيه بس؟
تغضن وجه خالد بالغضب يردد:
-بصراحة معرفش، انا معرفش تجارته دي واصلة لفين، عندنا في الحتة نعرف من زمان إن مشيه مش مظبوط وانه بيتاجر في البرشام، مفيش اكتر من كدة، بس انا برجح إنه يمكن يكون مسنود من حد كبير .
أكمل على قوله جاسر:
-وأكيد الكبير ده واحد وســ خ زيه، من تجار الصنف… بس على مين؟ أنا مش هسيبه غير لما اطلع عليه القديم والجديد، ولازم اخليه يتعاقب على كل البلاوي اللي عملها.
أومأ له خالد برأسه يقول بحماس:
-وانا من جهتي هروح اطل على بيتنا القديم، واشوفه رجع نشاطه في الحتة ولا لأ.
❈-❈-❈
ومن داخل النادي المشهور، هتفت ميري فور أن وصلت لتجلس وتنضم مع صديقتها تحت المظلة الشمسية على الطاولة المخصوصة لهم:
-شوفتي قلة الأصل يا ميرفت، حتى خالتي، خالتي اللي كانت بتعزني زي بنتها اللي مجبتهاش، تعمل فيا انا كدة؟
ناظرتها ميرفت باستفهام جعل الأخرى تتناول الهاتف لتأتي بالصورة المقصودة وترفعها أمامها ففهمت على الفور، لتقول لها مدعية الإشفاق:
-ما هو دا المتوقع يا ميري، ولا انتي تفتكري يعني إنها هتحبك أكتر من ابنها ودلوقتي مراته كمان، بعد ما جابت لهم الطفل اللي بيتمنوه من زمان، مشكلتك انك طيبة قوي يا ميري، ومعرفتيش تحققي نص اللي عملتوه البنت دي في الشهور القليلة من جوازها بابنهم.
قالت الاَخيرة، بخبث قاصدة به قهر المذكورة والتي هتف بتصديق:
-ويعني كنت هحققه ازاي يعني؟ وصاحبنا ده مكنش مديني فرصة حتى اقرب منه؟
-عشان ظالم وبيكيل بمكيالين.
قالتها ميرفت لتزيد من غضب الأخرى، وهي تحدق بصورة عامر الذي كان يضحك بملئ فمه وامرأته لمياء لا تقل عنه سعادة في صورة عائلية مع جاسر وزوجته والدي الطفل بمناسبة حفل الأسبوع الذي أقيم للمولود، بحنكة شديدة كانت تشاهد بقناع الا مبالاة، لتخفي حقدها الدفين مما تراه، وتعوض ما ينقصها بالكلمات الشامتة في ألأخرى، مستغلة غباءها:
-بقت بني أدمة تانية، بعد ما نضفها جاسر الريان بجوازه منها، وعلمتها لميا الزوق الراقي في اللبس كمان، مكنتش اتخيل أنها تنساكي وتتقبلها بالسرعة دي؟ دا إيه دا يا شيخة، طب تفتكر اختها اللي وصيتها عليكي قبل ما تموت.
تنهدت ميري بأعين ترقرقت بها الدموع، وقد نجحت ميرفت بكيدها:
-محدش بيفتكر دلوقتي يا فيفي، دي مصدقت اني اتورطت في جوازي من مارو عشان تخلص مني، ومن وصية ماما، انا لا يمكن اسامحها ع اللي بتعمله، ولا يمكن هحن لها أبدًا.
تبسمت ميرفت داخلها بانتشاء، مستمعتة بهذه الحالة التي أصبحت عليها ميريهان، فقالت بمحبة زائفة:
-عندك حق طبعَا يا حبيبتي، بس انتي ليه تشيلي ولا تقهري في نفسك، ما تحملي انتي كمان، وجيبي بيبي يفرح والدك ويورث الفلوس الكبيرة لوالد جوزك تاجر الســ لاح الشهير..
-ياي.
تفوهت بها ميريهان بقرف، لتردف باشمئزاز:
-يعني انا اكون عايز اخلص من العيلة البيئة واتطلق من ابنهم، وانتي عايزاني اخلف منهم، مكنتش اعرف انك بتحبيني اوي كدة ميرفت.
قالت الأخيرة بتهكم، اثار ضحك الأخرى لتقول لها:
-لدرجادي انتي مخنوقة من مارو؟ أمال كان عاجبك ازاي بس قبل الجواز؟
زفرت بقوة ميريهان قبل أن تجيبها:
-لحد دلوقتي مش قادرة تفهميني يا فيفي، يا حبيبتي قبل الجواز كان وقتنا محدود، نضحك، نرقص، نقضي وقت جميل، لكن بعد الجواز بقى ولما شوفت عيلته، مش عايزة اقولك ع الإنشكاح إللي بحس بيه، لما يجي عندنا حد من عيلته، او نروحلهم احنا، واشوف بقى تصرفاتهم البيئة والمتخلفة…
توقف لتكمل بنبرة باكية:
-انا مقهورة قوي يا ميرفت، من ساعة ما شوفت صور البنت دي اللي خدت مكاني في عيلة الريان، لأ وكمان تبتت رجلها وبقت وكأنها فرد منهم، وانا…. ابقى مرات واحد والده بيبع ســ لاح.
❈-❈-❈
أنهت إطعام ابنها وخرجت من غرفتها الجديدة في الطابق الأرضي تحمله على يديها، حيث الجلسة التي ضمت جدتها رقية وزوجة ابنها نوال ومعهما لمياء وعامر الذي كان جالسًا بالقرب يباشر إحدى أعماله على حاسبه، وهو يرتشف من فنجان قهوته، والذي ما أن رأى زهرة انتفض تارك كل شئ على صوت رقية التي هتفت على حفيدتها معترضة:
-خرجتي ليه يابت بالواد؟ مش خايفة لتبردي؟
-وفيها إيه بس يا سيتي؟ الجو هنا دافي أساسًا.
قالتها بحرج قبل أن يتناول منها عامر الطفل يضيف هو الاَخر:
-لا وكمان شايلاه بنفسك، مش تندهيني طيب عشان اساعدك، دا إيه التسيب ده؟ حبيب جدو .
قال الأخيرة مهللًا بمرح نحو الطفل، اعتلى وجه زهرة ابتسامة مشرقة لفرحة الرجل، وخطت لتنضم إلى مجموعة النساء لتُجفلها لمياء بندائها على زوجها:
-شيل الولد كويس يا عامر.
اومأ لها بمهادنة، لتردف له باعتراض:
-طب انا عايزة افهم، هتشغل ع اللاَب وانت شايل الولد ازاي بس؟.
رد عامر يعدل من وضع الطفل على حجره، بعد ان عاد لجلسته أمام الحاسوب:
-ملكيش دعوة، انا هعرف اخد بالي منه.
حدجته بغيظ ثم تمتمت بتحذير:
-طب خلي بالك بقى ليميل منك كدة ولا كدة.
أومأ برأسه مرة أخرى مكشرًا بوجهه بطريقة فكاهية اثارت الضحكات والإبتسامات منهن، حتى هي لم تقوى على كبح ابتسامة مستترة، فخاطبتها نوال بتأثر:
-شكله فرحان أوي ب مجد الصغير، ربنا يحرسه ويبارك فيه.
تنهدت لمياء لتقول لها:
-الله يبارك فيكي يا حبيبتي انتي كمان ويقومك بالسلامة، أكيد رقية هتفرح بيه، بس معتقدتش انها هتبقى مجنونة أوي كدة بيه زي صاحبنا ده.
قارعتها رقية بعفويتها:
-دا على أساس ان انتي اللي عاقلة أوي؟ اشحال إن ما كنتي بيتخانقي معاه يوماتي على شيلة العيل .
ردت لمياء تكبح ابتسامتها:
-يعني بتعيبي علينا يا رقية، طيب لما نشوف احنا العقل بتاعك ده مع الطفل اللي جاي.
شهقت رقية قائلة:
-ليه يا حبيبتي؟ لهو انتي فاكراني هسمح لحد تاني يشيله معايا عشان اديلوا فرصة إنه يتخانق اساسًا كمان؟
صدحت ضحكاتهن جميعًا على قول رقية لتردد لمياء خلفها:
-طب والله جدعة، ياريت اقدر اعملها مع عامر عشان اريح مخي بقى.
هتف عليها المذكور من محله وهو يقبل الطفل على وجنته:
-دا بعينك.
قالها وزادت ضحكاتهن حتى خرجت إليهن سمية من المطبخ الكبير وخلفها ابنتها فتمتمت بمودة:
-ربنا يدوم عليكم الضحك يارب
قالتها ثم انضمت إليهن مع ابنتها لتردف:
-احنا حطينا الحاجة كلها في التلاجة وانا فهمت البت الطباخة جوا ازي تسخنهم.
عقبت لمياء بعدم استيعاب:
-طب والله انا ما فاهمة، إيه لزوم التعب بتاعكم ده؟ ما الخير الكتير يا جماعة، فرقت إيه يعني الفرخة اللي بنشتريها احنا من الفرخة اللي بتجيبوها انتم؟
ردت رقية بزهو:
-فرقت يا غالية إن انا اللي مربياهم، فراخ بلدي، عشان يرموا العضم، مش الحاجات البراني دي اللي بتتربى في المزارع، وما حد عارف هما بيعلفوها إيه؟.
توسعت عيناها لمياء بدهشة فتدخلت زهرة تقول بلطف:
-قصدها يا حماتي، إن دي عوايد نشأت عليها ومينفعش تتخلي عنها.
أومأت لها لمياء بتفهم، فقالت نوال لرقية:
-طب اعملي حسابك عليا أنا كمان وجهزي للحدث التاريخي من دلوقتي، انا ناوية أقعد عندك بعد ما اخلف عشان اَكل من فراخك اللي بتعمليها بالسمنة البلدي يا رقية.
-طبعًا يا بت دا لازم، لهو انتي فاكرة امك هتعرف تهتم بيكي اللي تأكلك الاكل اللي هيتخنك قدي، أكيد لا.
قالتها رقية بثقة وتفكه أضحكت الجميع وزادت من شعور الإعجاب لدى لمياء، التي اصبحت تندمج بالحديث الطريف معهن، حتى عاد جاسر من عمله مصطحبًا خالد معه، والذي هتف متفكهًا فور وصوله:
-يا هلا يا هلا، طب مش تقولوا يا جدعان إن المدام عندكم، يعني العيلة كلها هنا.
قالها واقترب ليرحب ممازحًا بزوجته ليتخذ مقعده بعد ذلك بجوار زهرة ووالدته، أما جاسر والذي قَبل رأس امرأته لتهديه ابتسامة رائعة منها، قبل أن يذهب نحو ابنه الذي يحمله والده على حجره، ليُقبله أيضًا ويداعبه فور أن وصل إليه، قبل أن يخاطب والده باستياء:
-تاني برضوا يا والدي شايل الولد، هو احنا جايبين المربية دي وظيفها إيه بالظبط؟
رد عامر بحزم:
-وهو شيل الولد شغلانة يا ولد انت، دا احب ما على قلبي جدو ده.
تبسم جاسر بابتهاج يغمر قلبه رغم التعب الذي كان باديًا على وجهه ف لفت انتباه زوجته إليه، وأبيه أيضًا فور أن توقف عن تقببل الطفل، فسأله بقلق:
– مالك يا جاسر؟ هو انت تعبان؟
سأله باندهاش:
– ليه بتقول كدة يا والدي؟
قال عامر بفراسة:
-عشان شكلك المتغير يا حبيبي، ولا انت مش واخد بالك من نفسك، دا انا بعرفك من ملامحك المشدودة ولا حواجبك دي اللي بتتعقد أكتر ما هي متعقدة.
تبسم جاسر لطرافة الحديث مع والده، ونفى برأسهِ ليقول مطنئنًا:
– لا ماتقلقش نفسك انت يا باشا، دي شوية مشاكل بس في الشغل نتيجة الغياب في الكام يوم اللي فاتوا.
– ياراجل.
قالها عامر بعدم تصديق ليردف قائلًا:
-ع العموم تمام، ربنا يبعد عنك المشاكل والتعب يا سيدي.
أممم خلفه جاسر وارتفعت عيناه إلى الجهة الأخرى نحو زوجته بنظراتها المتسائلة، ليومئ لها بابتسامة جعلها تبدوا طبيعية حتى يطمئنها هي الأخرى، قبل أن يتجه بأنظاره نحو صفية والتي كانت منشغلة بالحديث الدائر بين خالد ومزاحه مع زوجته ووالدته، فتوقف قليلًا بتفكير قبل أن يهتف عليها بإسمها:
-صفية.
التفت إليه مجفلة ليفاجأها بقوله:
-ممكن معلش تيجي ورايا المكتب عشان عايزك دقيقتين.
قالها واستدار على الفور ذاهبًا، ليجعلها تغمغم مستغربة نحو زهرة:
-هو عايزني في إيه؟
مطت شفتيها زهرة واهتز كتفيها بعدم معرفة، فتدخل خالد والذي بدا أنه فهم مقصد جاسر ليقول لها:
-ما تروحي تشوفي عايز إيه؟ هو هياكلك، حركي رجلك يا بت اخلصي.
على صيحته الأخيرة، أذعنت صفية لتلحق بجاسر سريعًا.
وبداخل الغرفة الواسعة والمزودة بمكتبة ضخمة لمجموعة متنوعة من الكتب العربية والمترجمة، طرقت بخفة على بابها ثم تقدمت بعد ان سمح لها بالدخول:
-ادخلي يا صفية، إنتي لسة هتستأذني.
ولجت إليه بخطوات مترددة وحرج، عيناها ذهبت على الفور نحو المكتب الذي وجدته فارغ، وجاءها الصوت من خلفها:
-أنا هنا ياصفية، تعالي.
وجدته على الاَريكة الجانبية فتقدمت حتى جلست بحرج على الكرسي المقابل له، فبادرها على الفور قائلًا:
-صفية بلاش توتر وكسوف عشان عايزاك في حاجة مهمة، وياريت الكلام يبقى سر دلوقتي ولما تخرجي من عندي تخترعي أي حاجة غير اللي هقوله.
أومأت رأسها بتوتر تقول له:
-تمام حاضر، بس هو فيه أيه يعني انا بدأت اخاف.
تنهد جاسر يحاول السيطرة على أنفعاله حتى لا يخيف الفتاة، ثم خاطبها بحرص:
-كنت عايز أسألك يا صفية، هو انتي لسة بتروحي بيتكم القديم او الحتة نفسها؟
ردت بلهفة:
-ايوة طبعًا، مش كل صحابي اللي اتربيت معاهم هناك .
-تمااام.
تفوه بها بتفهم، ثم تابع بسؤاله الاَخر:
-طب انا كنت عايز أسألك عن الراجل اللي اسمه فهمي صنارة، تعرفي بقى إن كان رجع لنشاطه الإجرامي ولا بيع الب…..
-استنى يا عم جاسر .
قالتها صفية مقاطعة له لتتبع بسؤالها:
-انت مين قالك ان فهمي صنارة خرج من السجن؟
-ليه هو انتي متعرفيش انه خرج من السجن من اكتر من اسبوع؟
قالها جاسر باستغرابٍ ازداد بعد ذلك مع قولها:
-لا طبعًا معرفش،لأني كل يوم بروح الحتة ومع ذلك ولا مرة شوفته فيها، دا غير ان صحباتي نفسهم، مفيش واحدة فيهم قالتلي خرج.
ذهل جاسر من إجابتها الغريبة، ف افتر فاهه يناظرها صامتًا لعدة لحظات، ثم تمتم بفمه:
-يا سلام .
❈-❈-❈
-أنا لحبيبي وحبيبي إلي
يا عصفورة بيضا، لا بقى تسألي
لا يعتب حدا ولا يزعل حدا
أنا لحبيبي وحبيبي إلي
وحبيبي إلي
أنا لحبيبي وحبيبي إلي
يا عصفورة بيضا، لا بقى تسألي
لا يعتب حدا ولا يزعل حدا
أنا لحبيبي وحبيبي إلي
على نغمات الاغنية الخالدة للرائعة فيروز كانا يرددان كلماتها خلف المذياع في السيارة التي كان يقودها طارق بيد والأيد الأخرى ممسكة بيدها، ينقل أنظاره من الطريق وإليها، وهي جالسة بجواره في الكرسي الأمامي، مستندة برأسها للخلف، وشفتيها تتمتم بالأبيات مستلذة طعم الكلمات بفمها وسحر الالحان على أسماعها:
-حبيبي ندهني قالي الشتا راح
رجعت اليمامة، زهر التفاح، حبيبي
حبيبي ندهني قالي الشتا راح (حبيبي)
رجعت اليمامة، زهر التفاح
وأنا على بابي الندي والصباح
بعيونك ربيعي نور وحلي
أنا لحبيبي وحبيبي إلي
لا يعتب حدا ولا يزعل حدا
أنا لحبيبي وحبيبي إلي
-حبايبي جوز العصافير، خلو بالكم والنبي من الطريق، مش عايزين نعمل حادثة، وخلو المشاعر الفياضة دي لبعدين…. مع نفسكم
هتفت بها لينا والتي كانت جالسة في الكنبة الخلفية، زفر طارق ليتمتم ببعض الكلمات الحانقة منها، لتغمض كاميليا عينيها بيأس مع ابتسامة مستترة، لتوقعها الحديث القادم، والذي بدأه خطيبها:
هو انتي مبتزهقيش يا لينا؟ كام مرة انبهك يا زفتة واقولك، خلي عندك دم يا بني اَدمة وبطلي تقطعي علينا كدة قفش، بتطيري المود الجميل مني، الله يخرب بيتك.
ضحكت كاميليا، وجاء رد الأخرى بكل بساطة:
-أديك قولت بنفسك، بتطيري المود، افرض بقى في الحالة اللي انت عايشها دي وبتبص للسنيورة بتاعتك برومانسية، يدخل فينا سواق غشيم مثلًا بعربيته، هتفيدك بإيه الحالة ساعتها؟
ردد طارق على الفور بقلة حيلة:
-اعوذ بالله، يا ساتر منك ومن لسانك يا شيخة، اعمل فيكي إيه بس؟ أعمل فيكي إيه؟
كاميليا والتي أجفلها الرد تطلعت لانعكاس صورة الأخرى في المراَة، وهي جالسة بتحفز، فالتفت إليها برأسها تسألها بذهول:
-أنا اللي عايزة اعرفه بس، انتي ازاي بتقدري تعمليها دي؟ في الشغل بتبقي الموظفة الكيوت، وكل اللي كل على لسانك في التعامل معانا، حاضر يا فندم، تؤمر بحاجة يا فندم، برا الشغل بقى، تقعدي كدة زي ما انا شايفاكي دلوقتي، العجوز الشمطاء.
-العجوز الشمطاء!
رددتها لينا باستنكار، ثم تابعت:
-انتي قولتيها بنفسك، في الشغل! يعني لازم اعمل كنترول واعرف اسيطر على مشاعري، لكن برا الشغل، أعبر بقى براحتي.
هتف لها طارق معقبًا:
-عبري يا ختى على كيفك واجلطيني، سيبك منها يا كاميليا البت دي، مفيش فايدة منها .
لوت ثغرها لينا ترمقه بفيروزتيها مكشرة بوجهها، ف التفت عنها كاميليا تقول بيأس مبتسمة:
-مش معقولة، بجد مصيبة
❈-❈-❈
أنا شاكرة قوي جميلك معايا يا رفقي….. طبعًا كل اللي طلبته اتحط في حسابك، حتى اسأل السكرتير بتاعك…… طبعًا أكيد إنت تستاهل، دا كفاية انك خرجتني من القضايا اللي عليا من غير ما تظهر في الصورة، واَخيرًا كمان الولد دا اللي دافعت عنه، بشكرك تاني انك مصرحتش بإسمي قدامه، ولا قدام أي حد…… انا عاملاه مساعدة مش أكتر، يعني يعتبر عمل خيري، عشان إنسان مظلوم اتلفقتلوا قضايا ظلم من واحد ظالم عشان يخرج والد مراته من السجن….. ربنا يجازيه بقى، المهم انا بجدد شكري قبل ما اقفل معاك .
أغلقت المكالمة لتلقي الهاتف على الاَريكة بجوارها، ثم التفت لهذا الرجل الذي كان واقفًا خلفها مع عدد من حراسها الشخصين، يطالعها بابتسامة لم تعجبها وأعين متسائلة، لا تخلو من وقاحة النظرات.
رمقته بازدراء لتجلس واضعة قدمُ فوق الأخرى، وصرفت الرجال من جواره بإشارة من كف يدها ، قبل أن تتحرك شفتيها لتُخاطبه بتعالي:
-إنت بقى فهمي اللي كان جاسر الريان حاطك في مخه،
تبسم بزواية فمه فظهر جزء من أسنانه المصبوغة بالصدأ، ليثير اشمئزازها وهي تسمع لأجابته:
-إنتي قولتي بنفسك يا هانم، هو اللي حاططني في دماغه، عشان كدة بقى لفقلي التهم الكتيرة دي وكان عايز يوديني في داهية منه لله.
أطلقت ضحكة عالية ساخرة لتُعقب على رده:
-إنت هتعملهم عليا يا صنارة؟ وليكونش صدقت الكلمتين اللي قولتهم للمحامي من شوية، انا عارفة السبب الأساسي لكره جاسر ليك….
توقفت لتردف بغمزة بطرف عينها:
-وهو طبعًا عشان عينك على مراته، اللي انت حاططها في دماغك من زمان ونفسك تتجوزها.
تسمر بوقفته مذهولًا من علم هذه المرأة الغريبة بهذه الأشياء التي لا يعلمها سوى عدد قليل في محيطه، مسح بسبابته وإبهامه على طرف فكه ليُخاطبها بشك:
-واضح كدة إن حضرتك عارفة الحكاية من أولها، وبكدة بقى انا اقدر افهم من دماغي، إن وقفتك معايا بالمحامي الأبهة يدافع عني ويخرجني، فدا عشان غرض في دماغك؟
أومأت برأسها تجيبه كموافقة بابتسامتها، فتابع استنتاج عقله الخبيث:
-والغرض اللي في دماغك ده مش شريف،
هذه المرة ردت بإعجاب:
-تعجبني دماغك.
أكمل يذهلها بسؤاله:
-إنت عايزة تضربي جاسر الريان بيا؟
التمعت عينيها ببريق غريب، ف ردت بوجه جامد بعد أن وصل للنقطة التي تبتغيها منذ البداية:
-واضح ان دماغك حلوة وبينك كدة مش هتخليني اندم على أي مليم دفعتولك.
اشتدت ملامحه هو الاَخر واحتدت عينيه ليفاجأها بصفع رقبــ ته بكف يده وهو يردد لها:
-على رقبــ تي جميلك ده، انا معرفش اللي بينك وبين جاسر الريان، بس مدام مصلحتنا واحدة ضده، ف انا تحت أمرك في كل اللي تطلبيه، ومدام ظاهر كدة ان دماغك الماظ بعد الترتيبات اللي عملتيها معايا بعد خروجي من السجن، ف انا بسلمك اهو الراية، عشان تخططي وانا انفذ.
قال الأخيرة وهو يشير بكف يده على صدره ليختم بقوله:
-أنا من إيدك دي لإيدك دي يا ست الكل.
تبسمت بانتشاء وقد أسعدها هذا التناغم السريع بينها وبين هذا الفهمي، فتفوهت اَخيرًا وهي تُشير بيدها على إحدى المقاعد أمامها:
-حلو أوي، تعالي بقى اقعد هنا عشان افهمك بالظبط انا مخططة لإيه!
❈-❈-❈
توقف بسيارته أمام البناية بعد أن أوصل لينا لمنزلها، همت للترجل هي الأخرى فجذبها من مرفقها يوقفها فجأة:
-استني هنا رايحة فين؟
نزعت ذراعها لتنهره بحزم زائف:
-إوعي كدة متقربليش ولا تلمسني خالص
-ليه يا حبيبتي بتتكهربي؟
قالها فجأة، فحاولت هي بصعوبة السيطرة على ضحكاتها، لتردف بلهجة راجية:
-يا عم كفاية بقى هزار وخليني انزل، قعدتنا في العربية كدة وحشة، ولا منظرنا قدام الجيران.
عبس بوجهه ليومئ لها برأسهِ بتفهم، في محاولة للتصرف بجدية، ولكنه وفور ان همت بالتحرك، لاحقها بعرضه:
-طب هو انا ينفع انزل معاكي اسلم على والدك؟
تبسمت له قائلة بترحيب:
-أكيد طبعًا يا طارق، البيت مفتوحلك في أي وقت .
انتابه الحماس ليترجل سريعًا قبلها، ولكنه استدرك وفترت حماسته، ليتراجع عما انتواه، استقامت بجسدها فور خروجها من السيارة، لتسأله:
-وقفت ليه مش ناوي تنزل؟
اجابها بحرج:
-لا خلاص بقى، ٠خليها وقت تاني.
-ليه يا طارق؟ مش قولت نازل؟
سألته با ستغراب، ورد يجيبها بانفعال:
-يا بنتي اليوم كله معاكي في الشغل، منظري هيبقى إيه قدام والدك، لما اهل عليكم من غير مناسبة.
– يا طارق متبقاش حساس كدة.
قالتها في محاولة لأقناعه، فهتف عليها بحزم:
-إمشي يا كاميليا الله لا يسيئك، أمشي بلا حساس بلا نيلة .
أطاعته بابتسامة مستترة لتذعن وتذهب على الفور نحو وجهتها لمدخل البناية، ليتمتم خلفها:
-وربنا بقى يصبرني المدة اللي فاضلة دي ع الفرح، يارب
ولجت لداخل الشقة لتجد ميدو في استقبالها يضحك بغمازتيه لتُقبله باشتياق مرددة:
-عامل ايه القمر بغمزاتك؟ عامل إيه يا ولا؟
رد ميدو بمرح:
-الحمد لله يا ست كاميليا، عمو طارق بقى عامل إيه؟
دنت لتجيبه وهو تقبله مرة أخرى:
-عمو طارق كويس وبيوصلك البوسة دي.
استقامت لتسأله:
-المهم بقى، والدك ولا وخواتك فين؟
اجابها وهو يتناول دفاتره من حقيبة المدرسة:
-بابا خرج وقالي انه رايح لواحد صاحبه، وخواتك، كل واحد في اوضته، وانا بقى خارج عشان درس السنتر، سلام .
رددت خلفه ضاحكة.
-سلام .
تابعته حتى خرج من الشقة، ف استدارت للذهاب نحو غرفتها، ولكنها فضلت الذهاب إلى شقيقتها اولًا، لتطمئن عليها، فهذه الفترة أصبحت بالكاد تراها بينهم في المنزل، ولا تعلم إن كان السر بانشغالها هي بالعمل واتصالات طارق الدائمة لها، أم هو استغراق الأخرى في استذكار دروسها في الجامعة.
همت للطرق على باب الغرفة ولكنها وجدته مفتوح قليلًا بمواربة، وشقيقتها تظهر لها جالسة على طرف التخت، تتحدث في الهاتف بصوت بالكاد يسمع مع أحدهم، استنتجت من عقلها أنها مكالمة من إحدى صديقاتها، فهمت بفعل بشئ لم تفعله منذ مدة طويلة، لتدفع بيدها الباب فجأة بغرض تخويفها:
-تتتتتا.
أجفلت رباب من فعلتها شاهقة برعب حتى سقط الهاتف من على أذنها، فضحكت كاميليا مرددة:
-خضيتك صح؟
توقفت لتزيد الضحكات بصوتها العالي مقهقه بهستيرية على رؤية شقيقتها ولون وجهها المخطوف، مما اثار غيظ الأخرى، لتتناول من على الأرض الهاتف سريعًا وتغلق بعنف المكالمة ثم صرخت بها:
– ما كفاية بقى ضحك، في إيه؟
توقفت كاميليا على اللهجة الحادة التي تخاطبها به شقيقتها وهذا العبوس والغضب الشديد على وجهها، فقال باعتذار:
-اسفة يا رباب لو مقلبي زعلك، بس دي مش اول مرة احنا نعمل كدة في بعض.
ردت بحدة غير مبالية:
-اه بس احنا بقالنا فترة طويلة بطلنا المقالب من فترة طويلة، تقريبًا من ساعة ما كبرت انا وعقلت.
ردت غير مستوعبة الكلمات:
-يعني انتي كبرتي وعقلتي، واختك العبيطة مش عارفة انها كبرت؟
سمعت رباب لتُشيح بوجهها للناحية الأخرى، تزفر بغيظ، فخاطبتها كاميليا برقة، رغم ما تشعر من تغير بشقيقتها:
-انا يا رباب كنت جاية اطمن عليكي، عشان بقالي مدة مبشوفكيش معانا في قعدتنا مع بابا، انتي دايمًا حابسة نفسك الأوضة….
-عشان بذاكر، ولا انتو مش عارفين اني في اَخر سنة في الجامعة؟
اومأت لها كاميليا قائلة:
-ربنا يقويكي يا حبيبتي.
لهجتها الرقيقة معها جعلت ربنا تخفف من لهجتها لتردف لها ببعض اللطف:
– ع العموم انا اَسفة لو زعقت فيكي، بس انا اتخضيت بصراحة.
تبسمت كاميليا تقول لها:
-يا حبيبيتي وانا مش زعلانة، المهم بقى كنتي بتكلمي مين؟
اردفت الأخيرة وهي تجلس بجوارها على التخت، فردت شقيقتها، تجيبها ببرائة:
-أكيد كنت بكلم واحدة صاحبتي ، امال هيكون مين يعني؟
❈-❈-❈
أمام المراَء الصغيرة والمعلقة على الحائط توقفت تلقي بنظرة اَخيرة على زينة وجهها وشكل الحجاب على الفستان الجديد، بعد أن أخبرها بقرب مجيئه ودخول البناية التي بها شقة والديها، مصمصت خلفها إحسان تقول بتهكم:
-واقفة على رجلك قدام المراية تتزوقي وتتسبسبي في انتظار البار نديلوا، واللي مجاش في الدنيا من حلاوته ولا جماله.
سمعت غادة والتفت ترد ببرود وابتسامة كادت ان تجلب لوالدتها الجلطة:
-طب ما هو فعلًا مجاش في الدنيا واحد في حلاوته ولاجماله، ده مش برنس الحتة وبس، لااا دا برنس قلبي من جوا، قاعد كدة ومستربع، ربنا يخلهولي يارب.
-ربنا ياخدك.
هتفت بها إحسان بغل وهي تستدير عنها وتغادر من أمامها، بعد أن افحمتها ابنتها بردها المستفز كالعادة منذ أن ارتبطت بهذا الملعون الذي سحبها من محيطها وكأنه يشكلها كما يريد، لتُصبح فتاة أخرى لا تعلمها، وليست ابنتها التي أنجبتها وتربت على يديها.
و عند غادة، والتي شعرت براحة لنجاحها هذه المرة بصرف والدتها عنها سريعًا قبل أن يأتي إمام ويستمع لحديثها وكلماتها السيئة في ظهره، وهي لا ينقصها، يكفيها المعاملة الجافة في حضوره، لتجعل شعور بالقلق يكتنفها في كل جلسة له معهما، مع الخوف الشديد أن يمٌل ويتركها من أفعال والدتها المقصودة، بعد أن وجدت أمانها اخيرًا معه.
صدح صوت الجرس فخطت سريعًا لتستقبله بلهفة ظهرت على إشراقة وجهها بهذه الابتسامة التي زينته بفرحتها وكأنها طفلة صغيرة، لتنعاد عليه ببهجة غمرت قلبه ناحيتها ف يتفوه فمه بدون تفكير:
-اللهم صلي ع النبي، وكأن القمر هو اللي فتح في وشي طاقة الهنا يا خواتي.
ضحكت بمرح لتقول له:
-طب استني ادخل الأول وبعدها غازل براحتك، ولا هتفضل واقف كدة على باب الشقة، ادخل ياعم ماتلمش علينا الجيران.
قالتها لتفسح له الطريق، فدلف معها ليفاجأ بوقوف إحسان بتجهمها المعتاد، وحاجبها الرفيع مرفوعًا بشر، غمغم بصوت خفيض:
-اعوذ بالله، هي الخلقة دي ما بتتعدلش أبدًا؟
لكزته غادة بمرفقها ترمقه بنظرة خاطفة محذرة، ف استدرك هو سريعًا بذكائه يهلل بتصنع:
-حماتي ازيك يا ست الكل يا قمر.
اومأت تجيب التحية على مضض، فتجاهل ليكمل:
-عاملة إيه يا غالية؟ دا امي موصياني ابعتلك السلام مخصوص.
بنظرة كاشفة ردت بعدم تصديق.
-فعلًا!… طب ابقى سلملي عليها وقولها إن إحسان قوية، قوية قوي.
لم يغفل عن مغزى كلماتها، ومع ذلك تابع مدعي عدم الفهم رافعًا أمام عينيها أكياس الفاكهة:
-ربنا يديكي الصحة يارب، خدي كدة شوفي جايبلك إيه، اتنين كليو جوافة يستاهلوا بقك، وعليهم اتنين موز منقط، عشان يسهل الدنيا معاكي لو حصلك إمساك من أكل الجوافة، خدي يا غادة.
هتف بالاخيرة نحو خطيبته متعمدًا ليلتف برأسه عن إحسان التي تصلبت بأعين يتطاير منها الشرر وهي تراه يعطي ابنتها من اليد الأخرى، علبة كبيرة مغلفة، وهو يقول لها:
-وانتي بقى يا قمر، جايبلك الجاتوه اللي بتحبيه وتشكيلة تانية لأحلى الحلويات اللي يستاهلوا جمالك.
اطبقت عليهم غادة بفرحة تهديه ابتسامة ممتنة بسعادة قائلة:
– تسلملي يا حبيبي، ربنا ما يحرمني منك ولا من أي ماجيبك… ادخل بقى، ولا انت هتفضل واقف كدة في المدخل؟
هم ليتحرك ولكنه توقف فجأة يسألها بجدية:
-طب من البداية كدة أبوكي قاعد ولا لأ، عشان لو مش موجود يبقى اخدها كدة من قاصرها وامشي، مش عايز اتفاجأ زي المرة اللي فاتت واعرف في نص القعدة انه مش موجود، انا راجل اعرف الأصول والعيبة.
ردت غادة وهي تجذبه من ساعده ليسير معها:
-لا يا سيدي اطمن هو موجود، بس نايم وانا حالا هروح اصحيه.
استسلم أمام لسحبها، يغمغم داخله:
-الحمد لله، اينعم هو قعدته زي قلته، بس ع الأقل مقيد في الشهادة راجل .
إحسان والتي تابعت ذهابهم بغيظ يأكلها، تمتمت من تحت أسنانها، هي جايبلها الجاتوه والحلويات، وانا الجوافة والموز المنقط عشان يسهلي، دا انت اللي هتنقطني يا بعيد ببرودك ده.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية نعيمي وجحيمها)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *