روايات

رواية ديجور الهوى الفصل التاسع والخمسون 59 بقلم فاطمة طه سلطان

رواية ديجور الهوى الفصل التاسع والخمسون 59 بقلم فاطمة طه سلطان

رواية ديجور الهوى البارت التاسع والخمسون

رواية ديجور الهوى الجزء التاسع والخمسون

ديجور الهوى
ديجور الهوى

رواية ديجور الهوى الحلقة التاسعة والخمسون

-يا بنتي ما تبعتيله رقم ابوكي أنتِ مخك تعبان يا ملك؟!.
كانت ملك تجلس مع بشرى اليوم في منزلها -بعدما تركها هلال أمام المنزل وذهب لتوصيل شمس إلى محطة القطار-
تحدثت ملك مدافعة عن حالها وهي تنظر لها بضيقٍ:
-ليه تعبانة مالي؟!.
أردفت بشرى ساخطة على تصرفات صديقتها الغير مفهومة:
-يعني الواد اشتكي لهلال، بعتلي رسالة، يقولي أنك مش عايزة تبعتيله رقم ابوكي ولما قالك هيدور على الاكونت بتاعه بلكتيه من الاكونت التاني دي تصرفات طبيعية؟!.
هتفت ملك بصراحة:
-لا مش طبيعية شكلي توكسيك ولا ايه؟!..
ردت عليها بشرى ساخرة وهي تقوم بتقطيع بعض الفواكة وتقف في المطبخ وبجانبها ملك التي أخذت قطعة من الموز:
-لا مش شكلك ده أكيد، أنتِ توكسيك لنفسك يا ملك مش ليه، شكلك حبيتي تفضلي تحبيه لوحدك وتفضلي مكملة العلاقة في خيالك ومش عايزاها على أرض الواقع..
أردفت ملك بابتسامة واسعة وهي تتحدث بعفوية:
-شكلي كده، اصلي بخاف أبان مدلوقة و…
قاطعتها بشرى بابتسامة عريضة وساخرة:
-لا مدلوقة ايه هو شايفك هطلة دلوقتي، وشوية وهيزهق منك ومن تصرفاتك..
قالت ملك ساخرة:
-شوفوا مين اللي بيتكلم وبينصح الله يرحم..
تحدثت بشرى بكبرياء:
-أياكي تتكلمي لأني على الأقل كنت الاول مش فاهمة ومش حاسة وكل حاجة جت بسرعة، لكن أنتِ بقالك سنين بتحبي الواد في صمت وهتموتي علشان يعبرك ولما عبرك اتجننتي تقريبًا.
أردفت ملك وهي تعقد ساعديها بعدما أخذت تفاحة ووضعتها في فمها لتأخذ منها قطعة:
-بتقل عليه..
تحدثت بشرى ساخرة:
-لا التقل مش كده ده كده هيفطس منك..
سألتها ملك بجدية لا تليق بما تقوله:
-اصل افرضي هو جاي يخطبني شفقة منه وعلشان هو حس اني بحبه؟! وبعدين بعد كام سنة يكتشف انه مبيحبنيش يروح سايبني وانا يجيلي تروما، وكمان..
قاطعتها بشرى ليس لها قدرة على سماع أي تفاهات أكثر من ذلك:
-اخرسي يا ملك علشان أنتِ اتجننتي والله انا هبعتله اقوله ملك مش عايزاك وخلاص، الواد يريح دماغه منك، وخدي بالك لو مبعتيش الرقم خلال الاسبوع ده هو اقسم أنه ما هيفتح الموضوع تاني لأنه بقاله شهور على كده…
أردفت ملك بانزعاج واضح وشحبت ملامحها:
-وهو ماله بيتفرعن اوي كده ليه اخر قطعة يعني؟! الرجالة على قفا مين يشيل..
-علشان كده انا هقوله ان الرجالة على قفا مين يشيل يشوف مصالحه بقا ويريح دماغه لغايت ما تلاقيلك راجل مش شايف نفسه ولا بيتفرعن عليكي..
هتفت ملك بنواح:
-الله يسامحك يا بشرى عايزة تكسري قلبي؟!.
قالت بشرى بعدم فهم:
-يا بنت الناس أنتِ عايزة ايه متعصبنيش انا جبت أخري منك، انتِ بتحبيه؟!.
بصراحة مطلقة كانت تجيب عليها ملك:
-اوي يعني دي مش حاجة باينة عليا يعني أنتِ أكتر واحدة عارفة.
سألتها بشرى بجنون:
-اومال ايه المشكلة؟!!!..
-مش عايزة أبان بحبه فهماني.
قالت بشرى بلهجة زائفة بعدما أخذت نفس طويل:
-خلاص اديني رقم ابوكي علشان اتمسح من عندي وانا هقوله انك مغصوبة عليه؟!.
ضيقت ملك عيناها وهي تسألها باهتمام كبير وجدية:
-هو ده ينفع؟! هتعمليها ازاي طيب اقنعيني الأول اشوف ادائك..
______________
تجلس الصغيرة نور معها بين أحضانها..
تحاول تأهيل وتدريب نفسها على الأمر منذ ولادة نور “ابنه بكر ودعاء”…..
هي تقضي وقت طويل معها إذا كان في شقة دعاء، أو حينما يكون الجميع في شقة توفيق، او حتى حينما تكن دعاء مشغولة تأخذها وتصعد بها إلى شقتها، كان الأمر جميلًا وجديدًا عليها..
لم ترى فردوس طفل صغير يكبر أمامها؛ لم تمر بتلك المرحلة لم يكن لها أقارب في أعمار أصغر منها، ولا أشقاء لذلك كان الأمر لطيفًا جدًا مع نور التي تشكلت بينهما رابطة قوية جدًا تحديدًا منذ أن حملتها بين ذراعيها حينما ولدت دعاء…
كان الذهاب مع العائلة بالنسبة لفردوس ليس شيء طبيعي، أو من الممكن أن تفعله هي….
مازالت لا تعلم كيف من الممكن أن تكون علاقتها المستقبلية وتعاملاتها بوجود شريف…
أن تتنازل شيء، وأن يكن شريف أمامها كل يوم شيئًا أخر…
تحديدًا شريف الذي لم يعد شقيق زوجها فقط بل أصبح يحمل دماء من تحمله في أحشائها، صلتها به لم تعد شيء أصبح من الممكن انكاره ابدًا لذلك التزمت الجلوس في شقتها….
تركت دعاء “نور” معها لأنها ذاهبة إلى المدرسة بسبب استدعاء لها من المدرسة من أجل ريم لذلك تركت الصغيرة معها لغياب أغلب أفراد العائلة وتحديدًا لأن الطقس اليوم غريبًا الذي يحمل رياح محملة بالأتربة، وتقلبات جوية مختلفة….
بسبب هذا الاستدعاء لم تذهب دعاء مع العائلة وذهبت إلى المدرسة وها هي تجلس أمام فردوس بعدما أخذت الصغيرة في أحضانها:
-معلش بقا دوشتك بـ نور سيبتهالك ومشيت..
كادت فردوس أن تتحدث لكن أسترسلت دعاء حديثها مداعبة أياها:
-الصراحة انا كنت عايزة اسيبها أكتر من كده وأكون بجحة بس قولت بلاش يعني اذا كان حبيبك عسل متلحسوش كله يدوبك خليت ريم تستحمى وعملت ليها سندوتشين وأنا واقفة بهدومي حتى مغيرتش وسيبتها تأكل ونازلة ليها من تاني..
أردفت فردوس بفضول وقلق في الوقت نفسه:
-هو ايه بقا اللي حصل في المدرسة وعملولها استدعاء ولي أمر ليه؟!.
تمتمت دعاء باستنكار:
-متفكرنيش، البت ضربت زميل ليها وعضته في ايده الواد ايده مزرقه، امه كانت هتعمل لينا محضر وكانت مبهدلة الدنيا..
ضيقت فردوس عيناها وهي تسألها بدهشة:
-وايه اللي خلاها تعمل كده؟! يعني عمرها ما اتعاملت بالاسلوب ده مع فهد او مع عيال ام شيماء..
هتفت دعاء ساخرة:
-ولا حتى مع عيال اختي، سألتها عملتي كده ليه تقولي، الواد قالي أنتِ قصيرة كانت هيجيلي العصب السابع من الإجابة دي أصلا…
ضحكت فردوس رغمًا عنها متحدثة بعدم تصديق:
-يعني عضت الواد بالشكل اللي بتتكلمي عليه ده علشان قالها أنها قصيرة معقول؟!.
عقبت دعاء بنبرة جادة:
– قعدت اتكلم معاها كتير وفهمت انه بقاله فترة بيتريق عليها لغايت ما جابت أخرها، وصحابهم في الفصل قالوا كده، روحت انا بقا اديتهم في المدرسة انه اتنمر عليها وانه رد فعل طبيعي وانا روحت زعقت راحت امه زعقت هي التانية وفي الاخر المديرة حاولت تلم الموضوع.
ثم أسترسلت دعاء حديثها بكبريائها وثقتها المعهودة:
-مهوا في المواقف اللي زي دي بقا أنا أحب أخد اللي قدامي بالصوت علي صوتك حتى لو أنا وبنتي اللي غلطانين وفي الاخر العيال اتصالحوا وأنا كلمتها كتير واحنا راجعين ولسه نازلة ليها انا قولت مسيبش نور اكتر من كده علشان كفايا كده.
أردفت فردوس بتلقائية:
-ولا تعب ولا حاجة أنتِ عارفة أن انا بحبها تقعد معايا، وبالعكس هي هادية جدًا…
داعبت دعاء وجه ابنتها متحدثة بتهكم:
-والله يا فردوس هي مش بتبقى هادية إلا مع الناس الغريبة العفرته كلها بتشيلها ليا أنا بليل…
ثم أسترسلت حديثها بعفوية:
-أنا كلمت بكر وأنا في الطريق قالي انهم جايين.
______________
مُنذ أن عَرفتك
وَأنا أستشعِر مَعنىٰ أن يَبقىٰ المرء
حاملًا في أطراف صدره
كُل هـٰذهِ الطمأنينة .
#مقتبسة
أُحبُّكِ ، هَكذا متبوعةً بِفاصلة ، لأن حبُّكِ
مُنهمِرٌ بِداخلي لا توقِف مَجراهُ النُقاط .
#مقتبسة
” بـنـي سـويـف ”
عادت شمس إلى المنزل بروح خائفة جدًا بأن كل تلك الأحلام التي انتظرتها في عقلها هي وحدها، في الواقع هذه هي الحقيقة لم يعدها شريف بأي شيء….
لم يكن بينهما وعد..
لكنها بقيت على أمل ضعيف جدًا بداخلها…
حاولت في النهاية ألا تفكر بتلك الطريقة..
هي فقط تريده بخير ليس عليها بناء أوهام ليس لها أي داعي..
بل حاولت وصف حبها له بأنه رُبما تعلق وإعجاب به، وكانت تلك مسميات ضعيفة جدًا وباهتة أن تصف ما تشعر به تجاهه، تخطت مشاعرها كل الحدود…
بمجرد عودتها استقبلتها والدتها بوجه غاضب ومنزعج وعلى الأغلب كان باكي خلال اليومين الماضيين..
تحدثت شمس بنفاذ صبر:
-مالك يا امي؟!.
قالت سوسن بعتاب واضح:
-مالي أنتِ كمان مش عارفة مالي؟! لما تسبيني زي الكلبة هنا لوحدي، ولا بشوف حد ولا معايا حد، قاعدة وشي في وش الحيطة علشان تقعدي مع ست بشرى، ده بالنسبالك عادي؟! خلاص امك ملهاش لازمة في حياتك؟!.
تنهدت شمس باختناق..
لما تصف سوسن نفسها بأنها أمها…
بل الحقيقة أنها تتصرف وكأنها هي التي تكون ابنة شمس ومسؤولة منها..
ردت شمس عليها بمنطقية:
-أنتِ مضايقة علشان كنت سايباكي لوحدك، ولا مضايقة علشان كنت مع بشرى بالذات؟!
نظرت لها سوسن باختناق وامتنعت عن الإجابة لتتحدث شمس بنبرة جادة:
-كده الإجابة وصلت، بشرى اختي ودي حقيقة لازم تتقبليها..
ثم أسترسلت حديثها بنبرة عادية:
-انا ملحقتش ابات مع بشرى أصلا تقريبًا هي ليلة واحدة، ومش منطقي اروح ابات عندها لأن جوزها كان معاها
قاطعتها سوسن بعدم فهم:
-ازاي يعني مش أنتِ قولتي أنه مسافر؟!.
هزت شمس رأسها نافية متحدثة بتوضيح:
-ده اللي قولته قدامك وقولته قدامه، انا روحت هناك علشان اروح اشوف شريف يوم خروجه من السجن…
قاطعتها سوسن شاهقة ثم تحدثت بعنف:
-يعني أنتِ سافرتي علشان تشوفيه وكمان جوز اختك عارف وهي عارفة؟! مفكرتيش هيقولوا عنك ايه…
كانت المقاطعة تلك اللحظة من نصيب شمس متحدثة بسخرية:
-أنا كان لازم اشوف شريف وهو حر بأي ثمن، وصدقيني مش هيقولوا أكتر من اللي ممكن يقولوه على واحدة كانت رقاصة، بلاش نفتح في القديم أحسن..
أنقلب وجه سوسن وهي تتحدث بنبرة منطقية:
-محدش بيفتح في القديم غيرك يا شمس، وأنتِ شكلك مصممة على كده، يعني احنا بنحاول نخلي ابوكي ينسى اللي فات فأنتِ تروحي تجري وراه برضو؟! وهو وعدك بحاجة لكل ده؟!
قالت شمس بنبرة عفوية:
-موعدنيش بحاجة، بس اللي جوايا ليه كفيل انه يخليني اعوز اشوفه حر حتى ولو بمسافة بعيدة هو ميعرفش اني كنت موجودة من الأساس، كنت بتفرج على صورة حلوة ليه مع عيلته وجودي أنا اللي مبوظها، زي ما أنا دخلت عيلة ابويا كنت الحاجة اللي بوظت شكل الصورة حتى ولو كانت مش احسن حاجة، ودي أنا في حياة أي حد.
نظرت لها سوسن بأسى واضح وكانت على وشك الحديث لتغمعم شمس بنبرة عادية لا ترغب في سماع أي شيء:
-يلا قومي حضري لينا الغداء وبلاش دراما ملهاش لازمة، هنام ليا ساعتين عقبال ما تخلصي…
_______________
حضر أحمد شقيق بشرى حفل زفافها..
علم بأمر تلك الأخت التي ظهرت مرة واحدة، لم يحاول مواساة والدته…كما أنه لم يصدر منه رد فعل عاطفي تجاة شمس، بل تعرف عليها بطريقة سطحية كـ من يتعرف على زميلة له في العمل…
هذا الشيء أثر في نرمين بشكل كبير وأحزنها، لأول مرة تدرك بأن ابنها تغير مع الجميع ليس مع والده فقط، وكأن العيش في الدول الأوروبية قد يُجردك في بعض الأحيان من المشاعر والود..
يجعلك مرغمًا أن تُصاب ببرودة تترسخ بداخلك مرة، بعد مرة، بعد مرة حتى تشعر في أحدى المرات بأن الصفات المكتسبة طغت على أصولك…
وتحديدًا إذا كانت الأصول مُمدرة ومنهكة…
انشغلت في البداية مع ابنتها بعد الزواج، تذهب لزيارتها مرة في الأسبوع وترافقها زينب، وكانت تأتي بشرى في البداية مع هلال لكن في شهورها الأولى في الحمل لم تفضل الطبيبة سفرها كثيرًا…
لكن لا شك بأنه بالرغم من المسافة أنها مشغولة معها، يوميًا يكون بينهما مكالمة (فيديو كول) وتطبق بشرى فيها نصائح أمها وجدتها من أجل الطعام التي تصنعه…
في الحقيقة والدة هلال لم تؤثر في تلك النقطة فهي تدرك جيدًا معنى أن تكن هناك فتاة مدللة متزوجة حديثًا، صغيرة السن كـ بشرى تقطن في محافظة غير محافظة أهلها لذلك هي كل أسبوع تقريبًا تأتي محملة بالأطعمة المختلفة التي تتوقف على التسخين فقط، وحتى إذا لم تأتي ترسل الطعام مع هلال، أو مع العاملة التي تساعدها في المنزل…
وهذا الشيء جعل بشرى ممتنة لها جدًا، لكن في الوقت ذاته تحاول بين الحين والأخر فعل شيء بنفسها وطهي الطعام من أجل زوجها الذي بات يُشكل جزء كبير جدًا من يومها بشكل خاص ومن حياتها بشكل عام، لا تصدق متى تمت الخطبة، متى حدث حفل الزفاف؟!..
والآن هي تحمل جنين في أحشائها!!!
لو أخبرها أحد بهذا من قبل بأن كل تلك الأشياء سوف تحدث لها بتلك السرعة لأخبرته بأنه مجنونًا…
ولأنها في شهورها الأولى لا تذهب إلى العمل يوميًا لكنها في المنزل تذاكر وتحاول الاجتهاد بشكل مختلف في دراساتها العليا…..
****
منير هذا قد فقد عقله..
هذا ما تقوله نرمين هذا الأسبوع الخامس على التوالي الذي يرسل فيه منير باقة ورد إلى المنزل، بالرغم من أنها تتشاجر معه يوميًا عبر الهاتف مخبره أياه بأنها ترغب في الطلاق ولا ترغب في أية حلول بديلة لكنه يخبرها بأنه يرغب في فرصة لتغلق المكالمة في وجهه..
الحياة بينهما أصبحت غريبة في الفترة الأخيرة، هو لم يهديها في شبابه باقة من الزهور ليفعلها في كِبرها.
لذلك قررت اليوم الذهاب إلى منزل والدته الشجار معه وجهًا إلى وجه، ذهبت واستقبلتها العاملة وبعدها استقبلت زينب متحدثة:
-اهلا يا نرمين يا بنتي تعالي اقعدي..
تحدثت نرمين بانزعاج واضح:
-منير فين؟!.
اندهشت زينب من غضبها ومن طريقة سؤالها عنه، لكنها عقبت بتوضيح:
-منير لسه ماشي من ساعة تقريبًا، راح في طريقه لاسكندرية عنده مشكلة تقريبا في فرع من الفروع..
-على حظي مشي.
قالت نرمين تلك الكلمات وهي تجلس على الأريكة باختناق، لم تكن تظن بأنها غير موجود، منذ أن خضع إلى تلك العملية وهو يقضى وقته هنا عكس السابق…
أصبح نادرًا ما يذهب إلى الإسكندرية فقط يجلس ليهتم بعائلته، والدته، بشرى وحتى شمس، حاول فعل المثل مع ابنه أحمد لكن محاولاته فاشلة جدًا معه ولكنه مستمر في المحاولة…
جلست زينب بجانبها قائلة برفقٍ:
-مالك يا نرمين حصل حاجة جديدة؟!.
تمتمت نرمين وهي تنظر لها:
-المشكلة أن مفيش حاجة جديدة، ابنك لسه مطلقنيش وكل شوية يبعتلي حاجات ويبعتلي ورد أخرة الكلام ده أيه يعني هو احنا عيال صغيرة؟!.
تحدثت زينب بتوضيح:
-اخرته أنه عايز يرجعلك ومتمسك بيكي، وبيحاول يصلح ما بينكم.
أردفت نرمين بسخرية طفيفة:
-بيحاول يصلح اه، اللي فات صعب جدًا وطويل سنين مش هتيجي في عمر الواحد تاني..
نظرت لها زينب بأسى متحدثة بنبرة هادئة:
-بس اللي جاي يستاهل نحاول علشانه، وبعدين أنا عارفة ايه اللي قالقك وشاغل تفكيرك من غير ما تقولي..
سألتها نرمين بعدم فهم:
-هيكون ايه اللي قالقني يعني وأنتِ تعرفيه؟!.
عقبت زينب بنبرة جادة وحكيمة:
-أنتِ قلقانة أن منير يرجع لام شمس، تحديدًا وأنتِ على ذمته..
شعرت نرمين بأن هناك دلو من الماء المثلج قد اسكبه أحدهم عليها!!
كيف؟!
كيف استطاعت زينب أن تفهمها بهذا الشكل؟!!!!!!
نعم هذا شيء يزعجها ويجرح كرامتها بالإضافة إلى مشاكلها مع منير نفسه…
قرأت زينب سؤالها في عيناها لذلك تحدثت:
-انا حاسة بيكي يا بنتي احنا عِشرة سنين حتى لو فيهم مشاكل او فيهم ايه، كلنا اطبعنا بطباع بعض وفهمنا بعض، انا معاكي في أي قرار؛ بس أنا باكدلك ان منير استحالة يرحع للست دي من تاني اصلا هو مش بيشوفها وشمس بتيجي هنا لوحدها لما بتيجي..
ابتلعت زينب ريقها ثم غمغمت بنبرة جادة وواضحة ونصيحة صادقة من قلبها:
– هو ملهوش اي علاقة بيها ووالله ابني مكنش يعرف حاجة فعلا اه ده صحيح ميقللش من اخطائه لكن دي الحقيقة وعلشان كده لو لسه في اي حاجة جواكي من ناحيته او من ناحية بيتكم وانك عايزة حياتكم تستمر حتى ولو واحد في المئة اديله فرصة بعد ما تعلميه الأدب لو مش حابة روحي اخلعيه….
قالت زينب حلها الثاني بنفاذ صبر…
_______________
قرأت قبل قَليل بأن : الحبّ رزق ليس مشقّة.
#مقتبسة
انقطعت الأخبار عنه…
منذ إتيانه إلى المعمل قبل عدة أشهر وهو قد اختفى…
لكنها حاولت قدر المستطاع بألا تهتم…
ولا تجعل الأمر يشغل حيز كبير من تفكيرها…
أعطت كامل تركيزها إلى يومها وعملها، عائلتها، دبلومتها التي بدأت بها حديثًا، يومها مشغول إلى درجة كبيرة، لم تصل يومًا أن يكون على عاتقها إنجاز كل تلك المهمات في يوم واحد؛ هي حتى حينما مرضت والدتها جلست من العمل لأنها لا تستطيع التركيز في أكثر من شيء وليس لها جهد يكفي لهذا..
لكن الآن الأمر مختلف تمامًا هي مشغولة جدًا إلى الحد الذي يجب أن يجعلها ألا تفكر في أي شيء، لكنها كانت تفكر به رغمًا عن أنفها كانت كلما تحاول مراقبته على مواقع التواصل الإجتماعي تقوم بتهذيب نفسها بأنه لا يجب عليها فعل هذا..
ومن الغريب جدًا بأن خلال الأشهر الماضية خلال محادثاتها مع نورا والمكالمات الروتينية التي تدور بينهما بين الحين والأخر لا تتفوه نورا بحرف عنه، بل حتى لا تذكر اسمه عكس المعتاد، وخجلها وتهذيبها لنفسها جعلها تتعقل…
لم تحاول جعل نفسها إضحوكة لذلك لم تحاول السؤال عنه رغم تتوقها لذلك….
في يوم روتيني…
بعدما انتهت من عملها مبكرًا وبعدها من محاضراتها، ذهبت لزيارة جهاد التي تمر بوعكة صحية طفيفة وتجلس في منزلها حاولت مساعدتها في أي شيء، لكنها حينما ذهبت وجدت كل شيء على ما يرام كانت شقيقة جهاد تمكث معها؛ بعدما قضت وقتًا معهما عادت إلى المنزل حتى تقوم بطهي الطعام الذي تأخر وأصبح الغداء…عشاء…
تجلس الآن على السفرة بجانب والدها كلاهما تناول الطعام بعدما سألها والدها عن حال جهاد وبعد الأسئلة التقليدية ختمت داليا الأمر:
-معلش أخرت الأكل النهاردة..
هتف والدها بحنان:
-مش مهم يا بنتي ربنا يعينك أنتِ لفيتي البلد كلها النهاردة وتعبتي..
ابتسمت داليا له ثم عادت تستكمل طعامها إلى حين أن توقف هو عن الطعام متحدثًا:
-في حد كلمني النهاردة.
لا تفهم لما توقف!!
دون التصريح بهاوية المتصل على غير العادة هو يتفوه مرة واحدة بما يريد قوله ومع ذلك سألته داليا بهدوء:
-مين اللي اتصل بيك؟!.
أردف والدها بتوضيح وتكملة:
-واحد اسمه خالد بيقول كنتي شغالة معاهم في المعمل القديم..
توقفت عن الطعام وفي منظر هزلي بالنسبة لها سقطت الملعقة منها على الطاولة وابتلعت ريقها وهي تسأله:
-وبعدين؟!..
غمغم والدها بدهشة من تصرفها الذي ظهر بأن هناك شيئًا ليس كما يعتقد أنه رُبما (عريس صالونات) كما يطلقون عليه:
-طلب مني يجي هو ووالده وانه عايز ميعاد يجي فيه يزورنا لأنه حابب يتكلم في موضوع شخصي، طبعا هو واضح هو قصده ايخ بس هو منمق في الكلام جدًا، بس يعني مش شكلك متعرفيش زي ما كنت متخيل..
هل عليها أن تكذب؟!..
أم تكن صريحة معه؟!..
الاختيارت لم تكن كثيرة، وكلاهما يحمل قدر من المخاطرة لكنها أختارت الثاني…
كانت تعقيب والدها على الحديث هذا كله مُبهم:
-طيب وأنتِ رأيك ايه؟! ومدام رفضاه من الأول ملهوش لازمة نجيبه بقا ونحرجه هو ووالده.
قالت داليا بحيرة حقيقية:
-مش عارفة..
الغريب شعورها من الممكن بالخسارة…
عندما تم طلاقها في المرة الأولى قبل حفل زفافها لم تشعر بالخسارة أبدًا أو حتى تدرك حجمها، كانت رعايتها لوالدتها أهم من اي شيء بالنسبة لها بعدما قامت بحساب الأمر بعقلها ومنطقيًا..
في المرة الثانية انفصالها عن كمال كان شيء منطقي بحت بالنسبة له، حسنًا رُبما عاتبت نفسها على تسرعها، لكنها لم تندم لأنها اتأخذت القرار الصحيح وفقًا حساباتها ومقاييسها المنطقية كما أعتادت دومًا…
لكن الآن هي تشعر بالخوف من الخسارة..
خسارة مشاعر حقيقية تولدت بداخلها مختلفة عن أي مرة، مشاعر تجعلها تشعر بالرهبة من رفضه تحديدًا أنها ستكون الأخيرة حسب وصفه لها لن يحاول مرة أخرى..
خوف من القبول الواضح أيضًا في الوقت ذاته تحديدًا أنها ستكون التجربة الثالثة في حياتها، وفي كل تجربة حتى في المعادلة والعملية الحسابية التي تصنعها مع عقلها تفقد شيئًا وجزء من داخلها؛ لكن تلك المرة هي تراهن على قلبها وهذا شيء مخيف بعض الشيء….
أنقذها صوت والدها وهو يغمغم:
-أيه رأيك تصلي استخارة وتفكري على العموم أنا اديتهم ميعاد بعد اسبوع لسه، فكري كويس يا داليا وادي نفسك الفرصة والوقت دول أهم حاجة يا بنتي بلاش تتسرعي زي كل مرة………
_____________
“‏تتوهجين بشكلٍ واضح عندما يُحبكِ رجلاً حنونًا يعتني بقلبكِ”
#مقتبسة
” في الحادية عشر مساءًا ”
كانت تتناول العشاء معه بعدما عاد من العمل، تحدث هلال بنبرة هادئة:
-كلمتي شمس شوفتيها وصلت ولا لا؟!.
أردفت بشرى موضحة:
-اه كلمتني أول ما وصلت وقالتلي انها هتنام خلاص وبعدين أنتَ لسه بتسأل دلوقتي ده زمانها اتخطفت.
ضحك هلال ثم تحدث مفسرًا:
-والله انا وصلتها محطة القطار وبعدين روحت اتلهيت في المكتب في كذا وعقبال ما افتكرت اتصل بيها لقيت موبايلها مقفول قولت يمكن فاصل شحن او حاجة.
ردت بشرى عليه بانزعاج واضح:
-اه هي قالتلي هتقفل موبايلها علشان هتنام وعايزة تفصل شوية، بس اعصابك في التلاجة يا هلاف انا لو مكانك كنت حطيت مئة احتمال يخلوني اتجلط وانا واقفة، وأنتَ مفكرتش حتى تتصل بيا تقولي موبايل اختك مقفول؟!.
أخذ ملعقة من الأرز المتواجد أمامها ثم غمغم:
-مبحبش اتوكع المصايب يعني..
تجاهلت بشرى ما يتفوه له وأردفت بجدية واضحة:
-لولا أنها أصرت عليا انا مكنتش قولتلك نوديها، وبعدين أنتَ قولتله انها كانت موجودة؟!
أردف هلال بهدوء:
-لا طبعا مكنش في وقت اقول وهو وسط اهله وفي نفس الوقت دي حاجة أنا مبقاش ينفع اتكلم فيها بأن شمس بقت في مقام اخت ليا تحت اي اعتبار، ومينفعش اجيب سيرتها مع راجل غريب بالنسبة ليا لكل وقت له تصرفاته.
عقدت بشرى حاجبيها وهي تنظر له بغموض أو تحاول فهمه، هلال لغز كبير بالنسبة لها، احيانًا لا تستطيع تمييز تصرفاته من منها الصحيح ومن منها الخطأ؟! وأحيانًا تجد به صفات متناقضة تمامًا عن بعضها..
لا تجتمع في شخص واحد…
شعر بأنها تنظر له بطريقة غريبة، سألها هلال باستغراب:
-باصة ليا كده ليه؟! وبعدين كلي أنتِ عماله تتكلمي على ملك وعلى شمس من ساعة ما قعدنا ومش بتأكلي يعتبر..
-يعني بحاول افهمك.
عقب هلال مداعبًا أياها وهو ينظر لها ببراءة:
-اعتقد أنك اتاخرتي أو أنك بطيئة في الاستيعاب لأن المرحلة دي عدت خلاص أنتِ حامل مني ولسه بتحاولي تفهميني؟!!.
عقبت بشرى بانزعاج:
-وليه متقولش أنك غريب وغامض ساعات.
ترك الملعقة من بين يديه وتحدث معها وهو يمد يده والتقط راحة يديها الموضوعة على الطاولة:
-مش غريب ولا غامض أنا عارف أنك بتقارني اللي بقوله دلوقتي وبين اللي عملته مع شريف، اشرحلك انا عملت كده علشان كنت بنقذ وضع وعارف اني غلطت بس شريف حالته كانت غير أي حد، أنا مكنتش مشجع علاقة شريف وشمس ولا كنت مشجع أي علاقة شريف بيدخلها مع واحدة وهو هربان وعايش باسم حد تاني..
ابلتع ريقه وهي تسمعه باهتمام وانصات:
-ولما عرفت وضع شمس انها بدور على ابوها وانها كانت ايه انا رفضت الموضوع اكتر من الأول، بس انا مش وصي عليهم في النهاية، ووافقت اني اودي شمس علشانك أنتِ اللي اصريتي لكن شمس بقت اخت مراتي لذلك انا من واجبي احافظ عليها لأنها زي اختي الأول مكنتش تخصني…
تحدثت بشرى بنبرة مغتاظة:
-انا مضايقة بجد اني بقتنع بكلامك.
عقب هلال بنبرة مرحة:
-انا مقنع فعلا واكتشفت الموضوع ده معاكي اكتر.
غمغمت بشرى بخجل وحيرة كبيرة بعدما أخبرتها شمس تقريبًا قصتها مع شريف من البداية إلى النهاية:
-طب تفتكر هو ممكن يجي يتقدم ليها وينسى انها كانت يعني رقاصة؟! هل ممكن في راجل ينسى حاجة زي دي؟!.
داعب أصابعها النحيلة والقصيرة بين يديه متحدثًا بتوضيح:
-بصي يا بشرى علاقات الحب معقدة جدا، او علاقات البشر عموما تحديدًا اللي بين راجل وست مينفعش طرف بعيد يحكم ممكن ينسى ولا ممكن مينساش، طب ده ينفع وده مينفعش، ملهاش قانون ولا ليها قاعدة، ولا حتى اللي ساعات بيسامح على حاجة كبيرة ده معناه انه بيحب اكتر واللي مبيسامحش ده محبش بالعكس ساعات اللي بيمشي بيكون علشان هو اكتر واحد حب.
سألته بشرى بعدم فهم شعرت بالحيرة من حديثه:
-يعني قصدك ايه؟!.
-قصدي اني مقدرش اقول يا بشرى في راجل يقبل بكده ولا لا، لاني لو قولت هقول من وجهه نظر حد ثالث ممرش ولا حس بالمشاعر اللي ما بينهم ولا اتحط في الموقف نفسه، ولا يعرف مقدار تحمل وطاقة كل واحد فيهم، لكن لو على الحب شريف محبش حد زي ما حب شمس الباقي يرجع لطاقته وللنصيب…
أردفت بشرى بانزعاج وهي تنهض من مكانها وتقف أمامه متحدثة باستنكار:
-ماشي يا أسامة يا منير، اللي عمال تتغنى بالحب وعن العلاقات، واضح أنك خبرة في الموضوع اوي ومجرب كتير وعندك نظريات وأبحاث، قولي بقا جبت الكلام ده منين وبتحب مين؟!.
ضحك هلال وهو يعقب وهو ينظر لها رافعًا رأسه:
-هو لازم اكون عيشت العلاقات دي بنفسي، ده كفايا اللي بنشوفه..
ثم حاوط خصرها متحدثًا بنبرة حقًا تذيبها وتخجلها:
-وبعدين أنا بحبك أنتِ هحب مين يعني؟!..
انتهت الجلسة والنقاش لصالحه…
واستطاع أن ينقذ نفسه….
لكنها كانت الحقيقة هو يحبها جدًا..
بشرى هي الانسانة الوحيدة التي تناسبه ولا يوجد غيرها….
______________
‏وإنّكِ مُسَكني وسَكَني وسَاكنَتي وسِكّتي وسُكّرتي.
#مقتبسة
في المساء…
كان مساء مختلف ورائحته مختلفة، بالنسبة لكمال وجميع العائلة شريف في المنزل نائم في شقة والدته هذا هو الحلم الذي حلم به الجميع وفي بعض اللحظات ظنوا بأن تلك اللحظة لن تأتي لأنها طالت جدًا..
تناول كمال الطعام بالأسفل، كان هناك وليمة تقريبًا على شرف رجوع شريف إلى عائلته أخيرًا كان الجميع يجلس على السفرة في شقة توفيق ماعدا فردوس امتنعت حينما أخبرها كمال ولم يضغط عليها، يعرف بأن الأمر ليس سهلًا ولم يكن يومًا سهلًا…
لكن يتمنى على الأقل في المستقبل القريب أن يكون الوضع ألطف من الآن، الزمن كفيل بإصلاح كل شيء، على الرغم من حلاوة وكثرة الطعام لم يتناول كمال كثيرًا حتى يصعد ويتناول الطعام معها لانه يعرف أن من عادات فردوس الجديدة بأنها لا تتناول الطعام بمفردها تحديدًا بعدما أصبح نومها إلى حد ما منتظم معه، حتى أنها تستيقظ وتحضر الفطور لهما قبل أن يذهب إلى عمله…
ظل كمال جالسًا مع عائلته إلى حين قرر شريف بأن يخلد إلى النوم، لأنه يشعر بالارهاق الشديد لذلك أنسحب كل شخص إلى شقته، ومنهم كمال الذي صعد إلى الأعلى…
كانت فردوس تحضر الطعام في وقت متأخر لأنها في انتظاره، ولم يخب ظنها هو جلس وتناول الطعام معها بهدوء لكن لم يجمعهما حديث واضح أو طويل بل كلها كلمات مختصرة من قِبلها يرد عليها كمال بالمثل…
في الحادية عشر قبل منتصف الليل..
كانت هي تأخذ حمامها، وجاءت إلى الغرفة، أثناء إتيانها تسمع كمال يتحدث مع شخص في الهاتف ولكنها لم تستطع تحديد هاويته رجل أم أمرأة؟!…
لا تعلم حقًا كمال أحاديثه في الهاتف مبهمة ومختصرة جدًا في العموم حتى معها..
بمجرد دخولها إلى الغرفة وجدته يتحدث:
-خلاص تمام، سلام.
ثم وضع الهاتف بجانبه وهنا نظرت له نظرة شك كـ أي زوجة أصيلة وهي ترفع المنشفة التي كانت تضعها فوق رأسها وأخذت تبحث عن مجفف الشعر وهي تسأله بتعليق سخيف:
-بتكلم مين وأول ما شوفتني قفلت ليه؟!
تحدث كمال وهو يرفع حاجبيه بسبب تعليقها الغريب:
-بتكلميني أنا؟!.
أجابت عليه وهي تضع مجفف الشعر على (التسريحة):
-أيوة بكلمك أنتَ على حد علمي يعني مفيش حد غيري أنا وأنتَ في الشقة وأنا سمعاك بتتكلم وأول ما شوفتني قفلت..
ضيق كمال عيناه وهو يعقب ساخرًا:
-اول ما شوفتك قفلت؟! ده خيالك رسم سيناريو ما شاء الله.
عبست ملامحها وهي تنظر له باستهجان..
لا شك بأنها تثق في كمال ثقة عمياء، لكن هناك شيء بداخلها ينزعج كلما تتذكر زواجه بأخرى حتى ولو كان له أسبابه هي لا تنسى الأمر وهناك مقوله تحاول ألا تصدقها بأنه من يفعل مرة، يفعلها كل مرة حتى لو تغيرت الأوضاع…
تحدث كمال بنبرة عادية:
-على العموم قبل ما دماغك تشتغل زيادة عن اللزوم وتاخدك لبعيد انا كنت بكلم داغر علشان جاي بعد بكرا ومش قايل لحد وهروح اخده من المطار، أما قفلت اول ما دخلتي ده علشان المكالمة خلصت في نفس الوقت.
أردفت فردوس بحماقة:
-أنا بس كنت بسأل سؤال عابر مش قصدي حاجة.
-اه سؤال عابر..
مرت ساعة وكل شخص منهما يعبث في هاتفه، وفردوس تنظر على هاتفه بين الحين والأخر بطرف عينيها وهو يمسك هاتفه بيد واليد الأخرى فنجان القهوة الذي صنعه لنفسه..
ودون مقدمات وهي تلمح هاتفه بطرف عينيها مد كمال يده لها بالهاتف بطريقة افزعتها بعض الشيء:
-خدي شوفي عايزة تشوفي ايه؟!، بدل عينك اللي شوية وهتخرج من مكانها دي.
حاولت فردوس الدفاع عن نفسها متمتمة:
-بسم الله الرحمن الرحيم، هو أنتَ بتشوف من جنبك؟! وبعدين أنا بس بشوفك بتتفرج على ايه فضول غلطت أنا في أيه؟!.
كان قد انهى قهوته فترك الفنجان على الكوميدنو ثم مد أحدى ذراعيه ليجذبها ناحيتها وتكن في أحضانه واليد الأخرى ممسك بها هاتفه:
-اتفضلي شوفي عن قُرب بتفرج على، وبعدين أنا بقلب في الفيديوهات وخلاص مش بتفرج على حاجة معينة….
-انا شكلي من الزهق دماغي لافة شوية انا مش قصدي حاجة عموما أنا زهقانة اوي من القعدة في البيت طول الوقت، وحاسة اني…
قاطعها وهو يغلق هاتفه ويضعه بجانبهما على الفراش:
-متحسيش، مش يمكن علشان الدكتورة مسافرة بقالها اسبوعين ومبتروحيش الجلسات بتاعتك حاسة انك مخنوقة مش اكتر؟!.
تحدثت فردوس بعدم اقتناع:
-يمكن..
هتف كمال بعد دقيقة أخذ يفكر فيها في المهام التي تقع على عاتقه غدًا بعد عمله:
-خلاص هشوف كده هكلمك لما أقرب أخلص شغل لو محصلش أي حاجة ومكنش ورايا حاجة تظهر ليا فجأة هخلص واكلمك ونخرج ايه رايك؟!.
تنهدت ثم غمغمت بتقديى لمحاولته لارضائها وسط تلك الظروف:
-يمكن.
ثم حاول أن يتجاذب معها أطراف الحديث متمتمًا:
-وبعدين راح فين حماسك، ده الدكتور هيقول لينا اول الشهر الجاي ولد ولا بنت..
هتفت فردوس وهي تضع يدها على بطنها التي بدأت في البروز منذ بداية شهرها الرابع لكن ليست بشكل كبير تحديدًا حينما ترتدي ملابس فضفاضة هو يظهر فقط حينما تكن في المنزل وترتدي ملابس بسيطة ولا تتكون من طبقاتٍ عدة:
-انا متحمسة ايوة بس النهاردة فاقدة الشغف هرجع بكرا لحماسي من تاني أكيد، أنا هحب اللي هيجي سواء ولد او بنت بس مش عارفة حاسة أنها بنت….
ثم سألته بطريقة عفوية:
-أنتَ حاسس ايه؟!.
-ايه اللي أنتَ حاسس ايه دي؟! يعني هتغيريه لو قولت حاجة وطلعت حاجة تانية..
أردفت فردوس بسخرية:
-مين فينا بقا اللي بيضايق التاني؟! انا غلطانة اني بسألك يعني؟!.
-كل اللي يجيبه ربنا كويس اهم حاجة تكوني صحتك وصحته او صحتها كويسة..
قالت فردوس بعدما تثاءبت، من يصدق بأن فردوس باتت تشعر بالنعاس في منتصف الليل:
-يارب..
احتضنها بحب واحتواء لتسأله بنبرة ناعسة وهي تعبث في ذقنه بأصابعها:
-أنتَ مبسوط؟!.
من طريقة سؤالها بعد صمت دام لدقائق رغم أنها لم توضح الأمر، لكنه يعلم بأنها تقصد شعوره بإتيان شريف وحريته أخيرًا..
-مبسوط دي كلمة قليلة، أنا مرتاح، مرتاح بشكل مخليني لأول مرة خايف أنام علشان لو كل اللي بيحصل ده حلم حلو مصحهاش منه، رغم اني بقالي سنين بنام وبصحى على أمل أني كنت عايش في كابوس وهفوق منه.
تمتمت فردوس بنبرة عاطفية مختنقة:
-نام وارتاح يا كمال أنتَ تستحق ده أنك تنام ومطمن أنك هتصحى على الواقع اللي اتعدل وبقى منطقي يمكن…
ترك قُبلة على رأسها ووجنتيها ولم يتفوه أحد بحرف أخر بل عرف النوم طريقه إليهما.. وللحق لم يكن كمال هو الذي يشعر بالراحة فقط بل كانت فردوس مرتاحة الضمير رغم صعوبة الوضع…
___________
استيقظت في الخامسة صباحًا..للحديث مع داغر، في البلد الذي يقيم فيها تكن الساعة السابعة وهو موعد استيقاظه..
تحب الحديث معه قبل أن يذهب إلى العمل، وحينما انتهت من المكالمة، خرجت من الغرفة لتطمئن بأن والدتها مازالت نائمة والوضع على ما يرام….
خرجت إلى الخارج حينما شعرت بحركة خفيفة…
وجدت شريف يجلس على الأريكة وبين أصابعه تتواجد (سيجارة)، غمغمت أفنان وهي تضيق عيناها:
-ايه اللي مصحيك بدري أوي كده؟!.
أردف شريف بلامبالاة وهو يطفئ السيجارة:
-مش عارف يمكن علشان نمت بدري زيادة عن اللزوم وفوقت ومش عارف أنام تاني، وبرضو علشان لسه مش مرتاح هنا مكان جديد جدًا بالنسبالي..
هتفت أفنان بعفوية وهي تأتي لتجلس بجانبه:
-حاسة المكان هنا مريح كتير..
تمتم شريف بهدوء:
-يمكن، هو فهد بيبات كتير عند جدك كده؟!.
قالت أفنان بنبرة هادئة وابتسامة مرتسمة على ثغرها:
-في الغالب اه، بيبات معاه كتير من ساعة ما جينا هنا، بصراحة مكنتش متوقعة ان علاقته بجدو هتكون كده..
عقب شريف بابتسامة هادئة مبادلًا أياها:
-كويس جدًا..
-حتى علاقته بفردوس ودعاء كويسة جدًا، الصراحة علاقته بفردوس بتخوفني ساعات بس يعني واضح ان فردوس اتغيرت كتير ونسيت يمكن أو بتحاول تتعايش مع وضعها الجديد واهي حامل ربنا يتمم حملها على خير.
فردوس أصبحت لغز بالنسبة إلى شريف..
لا يصدق حتى هذا اليوم بأنها تنازلت…
بالرغم من أنها عرفت الحقيقة لم يتوقع أن تفعل أبدًا، حتى أنه أحيانًا كان يستنكر ويبغض حب كمال لها ولا يجد هناك أي مبرر منطقي قد يجعله يستمر مع أمرأة مثلها، فعل شقيقها هذا الفعل بأخته..
كان يجد فردوس وحسن في نفس الكفة تقريبًا، وعلى ما يبدو أنه أخطأ في تقديره..
قاطعته أفنان من شروده:
-سرحت في ايه؟!.
رد شريف عليها بنبرة خرجت منه عفوية:
-مفيش بسمعك، بحاول اتعود على التغييرات الجديدة اللي حصلت في حياتكم كلكم..
يبدو أنه الوحيد الذي لا يمتلك أي إشعار جديد…
أو حدث جديد…
أردفت أفنان بنبرة خافتة:
-ايه رأيك اعمل شاي بلبن وسندوتشات نفطر مدام احنا الاتنين مش جاي لينا نوم..
هتف شريف بإيجاز:
-ماشي بس استني الأول انا كنت عايز أسالك على حاجة.
تمتمت أفنان بانتباه وأذان صاغية:
-أسأل.
-بس لو فضلتي تقولي ليه ومش ليه هتعصبيني، مدام انا مقولتش ليكي على حاجة لوحدي بلاش اسئلة.
هتفت أفنان بعفوية:
-حاضر وانا من امته يعني ضغطت عليك؟!.
نظر لها شريف بـشكٍ:
-طب احلفي.
تمتمت أفنان بنبرة حانقة:
-يلا يا شريف أنا مش عيلة صغيرة علشان تحلفني بقا، وبعدين هو سؤال في الجغرافيا السياسية يعني ما تسأل..
سألها شريف بتردد وهو ينظر لها:
-حصل اي نوع من انواع الكلام بينك وبين شمس، يعني كلمتك، أنتِ كلمتيها أي حاجة؟!!!!.
هزت أفنان رأسها متمتمة ببراءة:
-لا محصلش.
-خالص.
-ايوة خالص بس أنتَ بتسأل ليه؟!.
صاح شريف مستنكرًا:
-يا بنتي أنتِ جنس ملتك ايه؟!!! يعني لسه قايلك متسأليش ولا تقولي ليه، تروحي قايلاها في وشي..
هتفت أفنان مدافعة عن نفسها:
-خرجت مني بتلقائية مكنش قصدي.
نظر لها بانزعاج واضح، لكنه لم يكن منزعج منها ليكون صريحًا بل هو منزعج من هلال، يرغب في قتله أو ضربه أو فعل أي شيء…
عند رؤيته في الصباح حاول سؤاله عن شمس ليخبره بأنها في البلدة بالتأكيد…
حاول معرفة أي معلومة أو اي شيء منه لكنه كان غليظ لا يطاق اليوم، ليخبره بأنها اخت زوجته ولا يستطيع الحديث عنها مع رجل غريب عنها..
وقتها كان يرغب شريف في لكمه لولا وجود عائلته…
ألا تعلم موعد خروجه؟!
هي تعرف أرقامه وإذا فقدتها، لو أرادت معرفتها لكانت فعلت…
لو أرادت الوصول له كانت فعلت…
لكن منذ عودته هو يضع الهاتف بجانبه يحاول أن يصبر روحه بأنها بالتأكيد سوف تتصل…..
الشيء الذي ازعجه بأنه حينما اتصل بها أجابت عليه أمرأة ذات صوتٍ غريب حينما سألها عن شمس أخبرته بأنه (الرقم غلط)..
يبدو أنها غيرت أرقامها…
اللعنة…
لا تهمه الأساس يبدو أنه يعاني فراغ ليس أكثر ويجب ان يشغل نفسه في اقرب فرصة، حينما وجد أفنان تجلس بحانبه وتنظر له بعدما طال صمته محاولة أن تحلل أفكاره…
تحدث شريف بنبرة أفزعت افنان حقًا:
-أنتِ مبحلقة فيا كده ليه، يلا مش كنتي ناوية تعملي شاي بلبن ولا ادخل انام؟!
________________
يوم جديد استيقظت فيه أفنان مُبكرًا في موعد استيقاظ داغر حتى تتصل به لكنه لم يجب عليها، أعادت الاتصال مرة أخرى ولا يوجد إجابة ظلت جالسة على الاريكة بانزعاج وقلق في الوقت ذاته…
“في البناية”
كان كمال يصعد وهو يجر حقيبة معه وكذلك داغر، تحدث كمال بنبرة هادئة:
-بقيت الشنط لما ارجع هحطها قدام شقة جدك وابقى خدها بقا، انا اصلا هروح متأخر ساعتين هحاول انام شوية..
كانت الحقائب كثيرة أكثر من الوزن المسموح به وقام بالدفع من أجل هذا، لأنه يعتبر قد جاء بكل ما كان له في تلك البلدة أصبحت شقته هناك فارغة تقريبًا من ملابسه ومتعلقاته الشخصية تمامًا فقط ما يتواجد بها الأثاث من أجل الفترة التي سيذهب بها وهي شهر ونصف تقريبًا من كل عام…
هتف داغر بنبرة معترضة:
-ما تسيبهم قبل ما تمشي، لأني مش هطول أنا رايح البيت دلوقتي بعد ما أسلم عليهم.
عقب كمال بعدم فهم:
-وليه كده؟! ما تخليك شوية على الاقل لغايت الغداء..
تحدث داغر باعتراض:
-لا أنا هروح البيت أفنان وفهد ممكن يجوا براحتهم في أخر اليوم، لكن أنا هرتاح وأنا في بيتي..
لا يريد كمال بعد القيادة الطويلة من هنا إلى القاهرة، ومن القاهرة إلى هنا..
ومازال هناك الذهاب إلى عمله..
أخر ما ينقصه في الصباح هو النقاش مع صديقه يمتلك عقلًا صلبًا، الشيء الوحيد الذي يتشابه فيه شريف وداغر هو رأسهما الذي ستجعل من يحدثهما يرغب في كسرها….
أردف كمال بهدوء:
-ماشي يا داغر أعمل اللي أنتَ عايزه واللي يريحك بس على الأقل قبل ما تمشي شوف جدك صحي ولا لا وسلم عليه، يلا أنا هطلع علشان يدوبك أريح وأنام
-ماشي..
صعد كمال إلى شقته تاركًا صاحب العقل الصلب يفاجئ أفنان كما يرغب ودون أن يكون متطفلًا على تلك اللحظة التي يجب أن تحمل قدر من الخصوصية…
ولا يظن بأنه من الممكن أن يحصل عليها بتواجد شريف ويتمنى أن يكون خالدًا في سابع نومه…
_____________
بداخل الشقة كانت تجلس على الأريكة بوجه عابس وهي ترسل له رسالة للمرة الثلاثين تقريبًا والعلامة التي تظهر هي علامة واحدة ليس هناك تغطية لا تعلم….
لكن فجأة أصبحت العلامة علامتين…
ثم تحولا إلى اللون الأزرق..
ظهر لها أنه يكتب..
كانت الرسالة الغير متوقعة:
-بتعملي ايه؟!.
أرسلت أفنان له:
-قاعدة، أنتَ لسه صاحي ولا ايه؟! راحت عليك نومه ولا ايه؟!.
الرد غير مناسب لأسئلتها:
-افتحي الباب.
قرأت أفنان الرسالة أكثر من مرة..
تحاول فهم عن أي باب يتحدث؟!!..
أرسلت له بعدم تفكير:
-باب أيه؟!.
لكن مؤخرًا رسالتها كان يزينها علامة واحدة…
عن أي باب يتحدث؟!!..
هل هو نائم ويرسل لها أي شيء؟!
احتمالات غريبة جدًا تأتي في عقلها إلا أنها سمعت طُرقات خافتة ولحوحة تأتي من باب الشقة التي غالبًا ما كانت تجلس بالقُرب منه، نهضت أفنان من مكانها وتجد كلما أقتربت من باب الشقة يظهر الصوت واضحًا بشكل دهشها..
وضعت يدها على المقبض الخاص بـ الباب وفتحته بترقب لتجده هو أمامها بعد مدة طالت عن سنة تقريبًا….
شهقت ووضعت يدها على فمها تحاول استيعاب تلك اللحظة وتفاقم الشوق تدريجيًا، لا يعلم من منهما الذي سارع باحتضان الأخر لكنها بين أحضانه الآن خرجت منها ضحكات خافتة وسعيدة بحق…
هذا ثاني شيء أسعدها بعد يومين من خروج شريف………
ابتعدت عنه بعد دقيقتين تقريبًا متحدثة بسعادة وحماس رهيب رغم عدم تصديقها الكلي من أنه هنا:
-أنتَ هنا بجد؟! ليه مقولتش ليا؟!..
ترك قُبلة على جبهتها:
-حبيت اعملها ليكي مفاجأة، وحشتني جدًا جدًا.
-وأنتَ أكتر بكتير، ازاي تخبي عليا؟!
ثم نظرت على الحقائب المتواجدة خلفه:
-أنتَ جيت لوحدك ولا ايه؟!.
أجابها بهدوء وهو يتأملها وهو يحاول أن يشبع عينه برؤيتها لكن لا يظن بأن فقط الرؤية قد تكفي أو تعبر:
-كمال اللي جه جابني من المطار..
عبست أفنان معقبة باعتراض:
-هو كمال كان يعرف وخبى عليا؟! مش كفايا أسرار بقا بينكم انتم الاتنين…
ضحك داغر، ضحكة بدأت في الظهور منذ مدة معها هي وحدها:
-مقدرش كمال حبيبي هو واخته.
ضحكت هي الأخرى بخجل على تعقيبه اللطيف ثم سمعته يسألها بلهفة حقيقية:
-فهد نايم طبعا؟!.
-لا تحت عند جدو، ادخل احضرلك فطار شوية شريف وماما هيصحوا….
تجاهل ما قالته وتحدث بشوق حقيقي لفهد، شوق أب يرغب في رؤيته طفله:
-لو معاكي مفتاح تحت انزلي هاتيه وصحيه علشان عايز اشوفه، او اتصلي بجدك….
______________
-يعني ايه ترجع القاهرة؟!.
كان هذا تعقيب توفيق على حديث شريف…
بعد الغداء كان يجلس كمال وشريف سويًا مع توفيق في شقته، أصر توفيق في الصباح على داغر بأن يجلس حتى يتناول الغداء معهما وبعدها يرحل إلى منزله برفقة عائلته كما يشاء وبعد صرامة توفيق وإصراره لم يجد داغر حل سوى القبول بالأمر…
بعد رحيله جلس الثلاثة سويًا حاول توفيق معرفة ما ينوي عليه شريف في حياته المستقبلية بعدما أصبح حرًا…
أردف كمال بنبرة هادئة:
-ازاي هترجع القاهرة وتشتغل في المقاولات وسمسار من تاني بعد ما خلاص ثائر اختفى من حياة الكل، أزاي ترجع للناس بـ اسم تاني بعد الاختفاء ده، ومشبعتش يا شريف بُعد عننا؟!.
عقب شريف موضحًا لهما:
-يا جماعة انا اكيد يعني هكون نص الاسبوع هنا ونص الاسبوع هناك، اما حوار ثائر وشريف يعني انا كان ليا سمعة مش كل اللي بيشوفني كنت بوريله بطاقتي يعني، انا اصلا نادرًا ما كنت استعملها وحوار الأسماء ده له كذا حل، لكن أنا مش هعرف أبدا من جديد هنا، العمر مفيهوش وقت لحاجة جديدة..
هتف توفيق محتجًا على قرارات حفيده:
-يعني بدل ما تقعد مع جدك في أخر ايامه وامك وعيلتك وتقعد وسطيهم وتفكر تستقر وتتجوز عايز لسه تلف شوية كمان…
تحدث شريف وكمال في الوقت ذاته:
-بعد الشر عليك..
وأضاف كمال بهدوء:
-ربنا يطول لينا في عمرك ويخليك لينا..
ثم حاول الحديث مع شقيقه بمنطقية:
-شريف أنتَ قعادك في القاهرة من جديد ده أفشل قرار ممكن تاخده، وهتفضح نفسك بعد ما كل حاجة خلصت، والمفروض انك عايز تروح تسكن في المنطقة اللي كنت متجوز اتنين منها…
أبتلع ريقه ثم تحدث بتوضيح للوضع:
-أنتَ متخيل الستات دي ممكن تعمل فيك ايه؟! ممكن تبلغ عنك انتَ بتعمل في نفسك مصيبة من جديد أنك تلبس في قضية تزوير؛ مكانك الصح أنك تبدأ من هنا، وخد رأي هلال…
المشكلة بأن هلال كان يصرخ في وجهه في الهاتف مخبرًا أياه بأنه سوف يصيبه بجلطة في يوم من الأيام بسبب عناده، ولم يختلف رأيه عن كمال شيئًا..
قال شريف مفكرًا بصوتِ عالي:
-ابدأ من هنا ازاي؟! واعمل ايه، اكيد مش هروح اشتغل في شركة السياحة، ولا هشتغل محامي بعد ما بقيت رد سجون يعني ومبقاش ينفع عموما اني افكر لنفسي بعد السن ده ممكن اشتغل ايه أنا مبقتش عيل في العشرينات…
صمت كمال وتوفيق لثواني..
إلا أن تحدث كمال مقترحًا:
-تبدأ في اللي بتفهم فيه، مدام أنتَ عاجبك موضوع المقاولات اعمل شركة مقاولات هنا، وكلنا نساعدك، مدام أنتَ ليك خبرة في الموضوع حتى لو بسيطة، ليه متستغلهاش..
هتف شريف معترضًا:
-من محافظة لمحافظة؟! وبعدين أنا كده هبدأ من الصفر برضو هنا..
تحدث كمال بعقلانية تحت نظرات توفيق التي تحاول استيعاب حديث حفيده كمال:
-مش من الصفر ولا حاجة بالعكس أنتَ هنا ليك سمعة واسم وعيلة، واحنا هنساندك، حتى ولو من الصفر دي حاجة أنتَ فاهم فيها، وبعدين لو انتَ حطيت الموضوع في دماغك مش هتبقى حاجة صعبة أنتَ اللي بتعقدها على نفسك..
أردف شريف متهكمًا:
-سمعتي اني رد سجون..
هنا تحدث توفيق بانزعاج:
-الناس بتنسى، ودي مش اول قضية قتل حصلت في البلد، ولا أنتَ اول ولا اخر واحد اتسجن لأي سبب من الأسباب وخرج واشتغل وعمل لنفسه حياة من جديد، أنتَ بس معقد الموضوع زيادة..
قال كمال بنبرة ذات معنى:
-متوجعش قلب امك عليك يا شريف هي لما صدقت أن كلنا هنبقى حاوليها..
عقب توفيق بعد كمال:
-وياريت تفرحها بيك بقا..
ضيق شريف عيناه وعقد ساعديه وظهر في مظهر الطفل لمدة ثواني:
-أنا مبفكرش في الموضوع ده دلوقتي…
___________
سبعة أشهر تقريبًا..
نعم سبعة أشهر يوميًا يحاول فيهما البدء من جديد بمساعدة عائلته، يحاول جعل شركته معروفة يحاول كسب ثقة الناس وهذا الأمر كان صعبًا جدًا بالنسبة لشخص خرج من السجن حديثًا لكنه كان يحاول بمساعدة عمه وكما…
اليوم شريف في طريقه إلى القاهرة، دعوة من هلال لحضور (سِبوع) حفل ولادة ابنة هلال وبشرى الأولى….
الحماس يكاد يأكله..
لأنه بالتأكيد سوف يراها…
مر أكثر من سنة ونصف تقريبًا، أقترب على العامين لم يراها بهما وبالرغم من اتصالاته المستمرة بـ هلال وذهابه كثيرًا لمقابلته إلا أنه لا يتفوه بحرف جديد سوى أنها مع عائلتها…
كاد أن يكسر أنفه لكن دون أي نتيجة هو لا يعترف وأخيرًا أرسل له دعوة هدية…
“بيسان هلال عادل النشرتي”
اختار هلال وبشرى الاسم بعناية شديدة بعدما كان الحيرة تأكلهما بينه وبين اسم كان ” بـيـان ” لكن وقع الاختيار على بيسان..
طوال الطريق يسأل نفسه..
كيف أصبحت؟!.
هل تغيرت؟!.
لا يعرف أي شيء…
الأشهر الماضية كان يحاول بشتى الطرق البحث عنها على مواقع التواصل الإجتماعي لكن كل المحاولات بإءت بالفشل هناك ألاف الحسابات باسم شمس منير، أغلبهم تضع صور شخصية لها جعلته يعلم بأنها ليست هي.
وحسابات أخرى كثيرة تضع صور ليست شخصية ولكنها لا تظهر هاوية صاحبتها..
بحث في الأصدقاء عند هلال لكن ليس هناك اي فائدة، وحساب زوجته خاص لا يستطيع رؤية من يتواجد عندها…..
ذهب إلى المكان…
ليجد هلال برفقة زوجته يأخذون بعض الصور الفوتغرافية بواسطة أحد الاشخاص….
ألقى التحية على عادل وزوجته، وبعدها جلس على أحد المقاعد وعيناه تبحث عنها بين الجميع، لكن أين هي؟!….
لم تأتِ؟!…
خرجت منه تنهيدة منزعجة جدًا..
لم يدم حزنه طويلًا وهو يسمع بشرى بصوت عالي بعدما توقفت الأغاني:
-شمس راحت فين؟! شوفوا شمس فين علشان تتصور معايا انا وبيسان..
أين هي؟!..
كان يبحث الجميع…
….وراء الحواجز الذي تم وضعها، كـ جدار أو خلفية للصور الفوتغرافية كانت شمس تقف مختبئة حينما رأته يأتي من بعيد مختفية بـ قلبها الذي كاد الجميع أن يسمعها، وتصبح أعلى وأوضح من تلك الأغاني الصاخبة والعالية…
أجفلت شمس على صوت والدها الذي جاء من خلفها:
-شمس أنتِ بتعملي ايه هنا!؟..
تحدثت شمس بارتباك واضح:
-أنا بس بشوف الحاجات دي كويسة ولا لا خايفة تقع على حد حساها بتتهز…
لم يفهم منير ما تقوله لكن هيئتها كانت عجيبة، تحدث بانزعاج:
-مش سامعة؟! اختك عماله تنادي عليكي علشان تتصوري معاها يلا..
ظهر منير فجأة وخلفه تسير شمس تحت نظرات الجميع التي كانت طبيعية جدًا لولا نظرات أحدهم الذي كان يبحث عنها إلى ان كاد أن يسأل أي شخص يمر عنها….
تركت نرمين مكان لـ شمس حتى تقف بجانب أختها بشرى، وكان نوعًا ما طريقة تعامل نرمين معها الفترة الأخيرة ألطف مقارنة بالسابق – لكن ليس بينهما ود طبعًا- ، وبعد أشهر طويلة من التفكير عادت نرمين إلى منير الذي كان بدأ في التغيير تدريجيًا مقدرًا أمرأة شاركته أكثر من ثلاثين عامًا من عمره ويكن لها الاحترام والحب هذا ما أدركه بعد محاولات كثيرة وأفعال لم تجد جيدة بحقها..
عاد بشروطها محاولًا تعويضها…
كان شريف يتفحصها بشكل واضح تقريبًا…
كانت هيئتها محتشمة وواثقة…
أنيقة لم تقصد بها تغيير شكلها، صدقًا كانت مختلفة بشكل كبير، وكأنها باتت تناسب الملابس التي ترتديها ليست فقط مجرد شيء تختفي فيه من أعين الناس….
نفس التنهيدة التي تنهدتها شمس عن رؤيته منذ سبعة أشهر خرجت منه هو تلك المرة هامسًا باسمها لنفسه:
-شــمــس….

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ديجور الهوى)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *