رواية أحببتها ولكن 7 الفصل السابع والخمسون 57 بقلم بيسو وليد
رواية أحببتها ولكن 7 الفصل السابع والخمسون 57 بقلم بيسو وليد
رواية أحببتها ولكن 7 البارت السابع والخمسون
رواية أحببتها ولكن 7 الجزء السابع والخمسون
رواية أحببتها ولكن 7 الحلقة السابعة والخمسون
إنَّ الفتنة التي تشع من إمرأة
أخاذة فاضلة مثقفة
يمكن أن تجمِّل حياتك
وأن تجذب إليك مودة الناس
وأن تحيطك بهالة من المهابة و السحر.
— فيودور دوستويفسكي.
______________________
سعيك في النَـ ـيلُ مِن مَن تجـ ـرأ وقام بأذ’يتكَ ليس بالجُر’م المشهو’د، بل هذا حـ ـقُ وجب عليك إستر’جاعه وإن كان في عـ ـرين الأسو’د _فالسكوت عن الحـ ـق شيـ ـطانٌ أخر’س_ وإن صمت هذا عن حـ ـقه تحـ ـجُجًا بالخو’ف وعد’م تحـ ـقيقه لِمَ يُريده في الأخير فسوف يضـ ـيع حـ ـقوق الملايين إن سارو خـ ـلف خو’فهم وتغا’ضيهم عن ما حد’ث، السكوت لَم يكُن حلًا ذات يوم ولن يكون فإن لَم تُدافع عن حـ ـقك وكأنك تد’افع عن شـ ـرفكَ فأنسىٰ أن تحاول مِن جديد فالفرصة لا تأتي للمرء مرتين أن تقوم بإستغـ ـلالها لصالحكَ … أو تتركها تذهب هبأ وبعدها لا تعود باكيًا مطالبًا بأسترجاع حـ ـقك المسلو’ب فأنتَ الو’حيد الذي سوف يبكي على اللبن المسكو’ب.
<“حينما تتلقى خبرًا سعيدًا في ضـ ـيقك وجب عليك التهليل فرحًا ونسيان ما يُعكـ ـر صفو المرءِ.”>
يظن المرء في بعض الأحيان أن تلقيهم للعديد مِن المكالمات اليومية في حياتهم روتينٌ مُمـ ـل فجميعهم دون جدوى ولا شيء يُستفادُ مِنهُ، أما عن هذه المكالمة فكانت قطـ ـعة العملة الذ’هبية المخبو’ءة في كومة القـ ـش، كانت مفتاحٌ إليه وإنذ’ارًا لِمَ هم مقبلين عليه ولذلك غمـ ـرته السعادة حينما أستمع إلى رفيقه الحبيب يقول بنبرةٍ ما’كرة:
_مبروك يا عمنا، الفر’ان و’قعت فالمـ ـصيدة خلاص، حـ ـق أخوك راجع الليلة دي.
تعا’لت البسمةُ ثغره وأصبحت نظراته تحمل الخُـ ـبث والمـ ـكر الشـ ـديد فكل ما كان يُعر’كل طريقه عد’م تعافيه مِن تلك العملـ ـية، أما الآن فقد تم شفاءه على خيرٍ ولذلك أجابه بنبرةٍ هادئة ومُقلتيه مثبـ ـتتان على الطريق أمامه قائلًا:
_الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، على الله.
تعجب أخيه مِن حديثه الغا’مض ذاك ولذلك عقد ما بين حاجبيه ونظر إليه حينما أغـ ـلق المكالمة معهُ لبرهةٍ مِن الوقت قبل أن يقول بنبرةٍ يظهر بها الضـ ـيق:
_في إيه هو في حاجة حصلت ولا إيه؟.
ر’مقه بطرف عينه لحظاتٍ ثم عاود ينظر إلى الطريق وأجابه بنبرةٍ هادئة ينعكـ ـس عمَّ يدور بداخله:
_لا أبدًا، دا واحد صاحبي قصدني فخدمة والحمد لله عملتهاله وأتسيرت بمشيئة الله متشغـ ـلش بالك أنتَ بأي حاجة.
قام بتصديقه مثلما يفعل دومًا وأشا’ح ببصره إلى الجهة الأخرى دون أن يتحدث منصاعًا خـ ـلف أفكاره بسـ ـبب هذا الإختبار الحـ ـقير الذي مازال حتى الآن يجعله غا’ضبًا، فكان يُخـ ـطط إلى أشياءٍ كثيرة لفعلها بعدما يجتاز جميع الإختبارات ولَكِنّ يبدو أن تد’ابير المولى عز وجل تأخذه لمصارٍ آخر لا يعلم عنهُ شيئًا حتى الآن ولَكِنّ صِدقًا يعلم أن ربه لن يخذ’له وحتى الآن لا يعلم ما ينتظره ولذلك فَوَضَ أموره بالكامل إلى ربه عز وجل فهو وحده قادرٌ على كل شيءٍ وتد’ابيره أفضل بكثيرٍ.
فيما كان “حُـذيفة” يُفكر فيما قاله إليه ابن عمه، فحتى الآن لا يُصدق أنهم سيتم إمسا’كهم الليلة فكان يتو’قع أن يطول بهم الحال ولَكِنّ يبدو أن رب العالمين يوَّد أن تتحـ ـقق العدالة على أرضه فاليوم أو غدًا ستتـ ـحقق وتعود الحـ ـقوق إلى أصحابها وإن لَم تتحـ ـقق في الدُنيا ففي الآخرة ينتظرهم العد’ل حيثُ دار الآ’خرة والتي هي دار القرار، زفـ ـر بعمـ ـقٍ ثم بدأ بذِكر ربهِ سرًا ملتزمًا الصمت فكل واحدٍ مِنهم يكفيه ما هو عليه الآن لن يزيد الطـ ـين بـ ـلة عليهم ولَكِنّ ترك كل واحدٍ مِنهم يُبحـ ـر في عالمه الخاص.
________________________
<“أتعود الليالي الأُمسية لتكرار نفسها مِن جديد!.”>
كانت الأجواء مشتـ ـعلة في الغرفة والعنا’د قائمٌ بين الجميع بعد أن أنتهـ ـى اليوم وعادوا جميعهم إلى منزلهم لتعلـ ـو أصواتُ الإحتجاجات عا’ليًا ومعها أصواتُ الر’فض ليصر’خ هو بهم جميعًا قا’طعة هذا الشجا’ر الذي كاد يتحوَّل إلى سا’حة مصا’رعة حُـ ـرة وهو ينظر في أوجه الجميع بغضـ ـبٍ غير راضٍ عمَّ يراه ليعم الصمت المكان فجأ’ةً ينظرون إليه بأعينٍ مشـ ـتعلة، وصدقًا هو لا يقـ ـل عنهم شيئًا لينها’ل عليهم بحديثه اللا’ذع يُعنـ ـفهم قائلًا:
_في إيه شوية وهتقوموا تو’لعوا فبعض إيه يا جدعان! ما توحدوا الله وتصلوا بينا على سيدنا النبي ﷺ الصر’يخ مش حل ولا العـ ـند حل شوية وتعـ ـجنوا بعض أهدوا.
صدقًا شخصيته تفر’ض هيمـ ـنتها وسطـ ـوتها على الجميع وعـ ـقليته الكبيرة الرا’سخة هي مَن تتو’لى زمام الأمور في مثل تلك المواقف التي كانت تُشبه بحلبـ ـة مصا’رعة حُـ ـرة جميعهم يتعا’ركون بداخلها والغـ ـضبُ والنـ ـقمُ قائمٌ، دقائق معدودة مرَّت عليهم ليهـ ـدأ هو نوعًا ما ثم نظر في أوجههم وقال بنبرةٍ هادئةٍ نوعًا ما:
_مش عايز زعـ ـيق لو سمحتم، عايزين نتفق سوى على حل مبدأي مين المفروض هيروح المكان المهـ ـبب دا؟.
_”شـريف” بس عمال ينا’طح فينا ويز’عق ويقول مش رايح.
كان النا’طق بها “أحـمد” الذي نظر إليه بضـ ـيقٍ بائنٍ لتقابله على الجهة الأخرى نظراتٍ التحـ ـدي والغـ ـضب مِن “شـريف” الذي كان يلتزم الصمت بُناءًا على إشارة رفيقه إليه ليرى بعدها نظرات “حُـذيفة” أصبحت مصوبة نحوه والذي وجه إليه حديثه الهادئ حينما أستطاع التحدث معه بطريقةٍ هادئة ومهذبةٍ قائلًا:
_بُص يا “شـريف” فُـ ـكك مِن الحر’ب اللي قامت مِن شوية دي وركز معايا أنا، أنا اللي قاصدك فمشوار زي دا، هناك في أربع أفا’عي كانوا سـ ـبب كبير في تد’مير حياة “يزيد” ومستقبله بشكل عام، أنتَ الو’حيد اللي تقدر تسـ ـلك فالحوار دا زي المرة اللي فاتت أنا مقدَّر الحُر’مانية وعارف إنك عُمرك ما دخلت أماكن زي دي بس أنتَ هتدخل لغر’ض مُعين وهو إنك تجيب العيا’ل دي وتخر’ج في صمت زي ما دخلت، أنا عارف إنك بتعتبر “يزيد” أخوك الصغير وعارف إنك بتحبه ولو في حاجة معاه مش هتتأ’خر عليه حتى قبل ما أكون أنا على عِلم بيها، النهاردة نظرات الطلبة والدكاترة وأي حد لِيه علا’قة بالجامعة دي كانت عينه عليه وكانت النظرات مش لطيفة لأنه حتى وقتنا الحالي مازال المُذ’نب قدامهم وأنا بصراحة مش عايز كدا دا تا’عبني أوي زي ما هو تا’عبه … أنا وعدته إنه قبل ما يدخل أمتحانات الفاينل هكون مر’جعله حـ ـقه، بس اللي حصل كان خا’رج عن إر’ادتي حتى وقتنا الحالي أنا بفضل ربنا سبحانه وتعالى بقيت زي الفُل، فعشان كدا أنا بقولك تعالى المرة دي بس على نفسك عشان خاطري وساعدني.
أبعد هذا الأسلوب، وتلك النبرة الهادئة المتو’سلة خـ ـفيًا، وتلك الثقة التي تغـ ـلفه يقوم بر’دّه مكسـ ـور الجناحين؟ لا يعلم ماذا يفعل حتى يجعله يخـ ـضع إليه ويُلـ ـبي لهُ مطالبه، صدقًا شعر أنه سيكون و’قحًا إن ر’فض مطلبه ذاك وكذلك مقدرًا لمشاعره في الذهاب إلى هُناك للمرةِ الثانية، لا أحد مثلك يا “حُـذيفة” ولن يكون صدقًا، زفـ ـر بعمـ ـقٍ ثم أبتسم إليه بسمةٌ صافية قائلًا:
_أبقى وا’طي ومتر’بتش ومعرفش معنى الأخوة لو ر’فضت وكـ ـسرت بخاطرك قدامهم … أنا مقدَّر مشاعرك وخو’فك على أخوك وسـ ـعيك إنك تكسـ ـر القيو’د اللي حا’كماك دي فإنك ترجعله حـ ـقه قدام الكل وتخلّيه يمشي مر’فوع الراس تاني وهو حاسس إنه مرضي وتمام، أنا هروح وهجيبهم وعلى ر’اسهم البـ ـت دي عشان دي أكبر مفتاح لينا دلوقتي وهتساعدنا كتير أوي، بس أنا بصراحة كُنْت رافـ ـض عشان خو’فت “ناهد” تعرف الموضوع وأبقى فموقف و’حش أوي قدامها المرة اللي فاتت عدت على خير.
أقترب مِنهُ “حُـذيفة” بخطى هادئة حتى وقف أمامه مباشرةً لينظرا إلى بعضهما البعض ويتو’لى الأول مهمة الردّ وقطـ ـع الوعود إليه حينما وضع كفه على كتفه قائلًا:
_متخا’فش أنا هفهمها الوضع وهي أصيلة واثق إنها هتتفهم الوضع، وكُنْت واثق إنك مش هتكـ ـسر بخاطري وهتوافق وموافقتك دي على راسي كفاية إنك تساعدني ولو بحاجة صغيرة أنا ما صدقت وقفت بابا بالعا’فية وبا’ذل معاه مجهـ ـود كبيـ ـر أوي عشان ميعملش أي حاجة دلوقتي فتُشكر إنك بتساعد يا زول.
_صدقني أنا عُمري ما هرفـ ـض إني أساعد حد فيكم وا’قع فد’يقة ومش عارف يخر’ج مِنها، بس هما اللي حـ ـمير وزي ما شوفتهم كدا أضطـ ـريت أعا’ندهم لمَ لقيت الإصـ ـرار مِنهم.
حينها ربت “حُـذيفة” فو’ق كتف ابن عمه مبتسمًا ليلتفت بعدها إلى الآخرين ينظر إليهم ليزفـ ـر بهدوءٍ ثم يقول بنبرةٍ هادئة:
_”شـريف” هيروح يجيب الأربعة وعلى را’سهم البنـ ـت دي، ولمَ يجيبهم هيكون لينا تصر’ف تاني مع بعض … “علي” عايزك تجهزلي نفسك لأن “عادل” هيصور اللي هيحـ ـصل فيهم.
_وضحلنا القصد عشان بدأت أفهمك غـ ـلط وأنا مش عايز د’ماغي توصل للحاجات دي خصوصًا لو منك أنتَ.
نطـ ـق بها “عادل” الذي كان ينظر إليه وحتى الآن لا يعلم ماذا يقصد ابن عمه بحديثه الغا”مضِ ذاك وصدقًا لَم يتأ’خر عنهُ الآخر حينما أبتسم إليه وقال موضحًا إليهم ما يعنيه:
_قصدي إنهم هيتصوروا كلهم وهما بيعتر’فوا بإنهم عملوا كل دا عمـ ـدًا فأخويا، أنا مش هقدر أعمل حاجة خصوصًا معاها هي لأنها بنـ ـت وأكيد مش هلـ ـجأ معاها للعـ ـنف بس وسايل التهـ ـديد مقصر’تش معانا بكام تهـ ـديد تُقا’ل هتضطـ ـر تعتر’ف وتقول الحـ ـقيقة أنا واثق فأخويا مليون فالمية دا تربيتي يعني حافظه أكتر مِن نفسه، هتعتر’ف وهتتصور أحتيا’طي بأعتر’افها زيادة أ’مان وضمان حـ ـق، بلاش أحـ ـرق اللي جاي خطوة خطوة لحد ما نوصل للآخر وبعدها نشوف إيه اللي هيحصل، زي ما قولتلك يا “شـريف” متنساش بعد ساعة.
حرك “شـريف” رأسه برفقٍ يؤ’كد على حديثه وهو ينظر إليه نظرةٍ جا’دة ليتركهم ويذهب مستغفرًا ربه بقلبٍ ملكـ ـوم، نظر في أ’ثره “ليل” الذي كان يشعر بأن رفيقه يُخـ ـفي عنهُ شيئًا ما فهدوءه ذاك ليس مطـ ـمئًا البتة بالنسبة إليه.
في غرفةٍ بعيـ ـدة مخصصة للعبادة.
كان يجلس بجوار الحائط الرصا’صي يستند برأسه عليه مغمض العينين وصوت الشيخ “مشاري بن راشد العفاسي” ينبُـ ـع مِن الهاتف مُرتلًا سـورة “ق”، تلك السـورة التي حينما يستمع إليها يهـ ـتز قلبه بعنـ ـفٍ وير’تجف جـ ـسده تأ’ثرًا بآياتها، الراحة تعمُ المكان والسـ ـكينةُ، بجواره قارورة المياه وخمس ثمرات تمر، هذه عادته الجديدة وصدقًا شعر بالراحةِ والطمأنينة حينما قام بتجربتها مؤ’خرًا ينقـ ـصه فقط الإنتصا’ر على هذا المـ ـرض الملعـ ـون ولن يحتاج إلى أي شيءٍ آخر.
ولج “حُـذيقة” إلى الغرفة التي كانت رائحةِ المسك تفو’ح مِنها كيف لا ومؤسسها هذا الهادئ الوقور، كان الباب مِن الداخل يُزينه عِدة قماشات مُطرزة باللو’ن الذهبي مُخـ ـططًا عليها آياتٍ مِن القرآن الكريم باللو’ن الأسو’د، كانت جُدران الغرفة باللو’ن الرصا’صي كان الجدار المقابل للباب مُعـ ـلقًا عليه سـورة “يس” كاملة في إطارٍ ذهبي اللو’ن وفي إحدى الأركان كومود صغير يعتليه مبخرة صغيرة الحجم وعِدة مسابح بألوا’نٍ مخـ ـتلفة وعلى الجهة اليُمنى حا’مل المصاحف البُنـ ـي متوسط الحجـ ـم يعتليه العديد مِن المصاحف.
المكيف يعلـ ـو أحد أركان الغرفة وصوت القرآن الكريم يعلـ ـو الغرفة، رأى “فادي” يجلس هادئًا على الأرضية الرخامية التي كانت تُغـ ـطيها السجاد المطرز الذي كان لو’نه “أوف وايت” يتلائم مع لو’ن الجدران، أغـ ـلق الباب خـ ـلفه ثم تقدم مِنهُ بخطى هادئة حتى جاوره في جلسته بهدوءٍ مستندًا على الجدار خـ ـلفه زافـ ـرًا بعـ ـمقٍ مستغفرًا ربه.
_كُنْت عارف إنك لمَ تضا’يق وتتعـ ـصب هتيجي هنا، وعشان كدا جيتلك عشان وحشتني قعدتي معاك، أفتقـ ـدت الأ’مان اللي كُنْت بحـ ـس بيه فوجودك، د’ماغي عمالة تودي وتجيب ومر’عوب والشيـ ـطان لاعب دوره معايا حلو أوي ومحتاج أهدى وأتطمن.
با’در وتحدث دون أن ينظر إليه وقد أخر’ج ما يكمُن دا’خل جَبعته دون أن ينظر إليه، فيما نظر إليه “حُـذيفة” في هذه اللحظة لبرهةٍ مِن الوقت لتلوح أبتسامة هادئة على ثغره ليُبا’در كعادته ما’ددًا ذراعه نحوه جا’ذبًا إياه إلى أحضانه ضاممًا إياه برفقٍ ثم تحدث بنبرةٍ هادئة وهو ينظر إلى الجد’ار الما’ثل أمامه قائلًا:
_عارف إني مقـ ـصر معاك واللي صا’بني بعد’ني عن الكل بس مبعد’نيش عن ربنا لَكِنّ كل شيء بميعاد، أنا عارف إنك كُنْت محتاجني بس واللهِ ما باليد حـ ـيلة كُنْت متأ’ثر شوية بس باللي حصل معانا وصا’بنا كلنا، حقـ ـك عليا سماح المرة دي.
حينها فَرَ’قَ “فـادي” جـ ـفنيه وحرك رأسه تجاه الآخر يُطا’لعه بنظراتٍ هادئة ينعكـ ـس عمَّ يكمُن بدا’خلهِ مِن صرا’عاتٍ وحـ ـشية تدور كل يوم وكل دقيقة، يُريد الحُـ ـرية، يُريد التعا’في، يُريد العيش مِن جديد، يُريد ويُريد ويُريد ولَكِنّ ما باليد حـ ـيلة فقد كُتِبَت السطور ودوَّن القلم الحبري خطاه وأنتهـ ـى الأمر؛ ولأن الشبيه لشبيهه يشعر كان الضامم والمو’اسي هذه المرة “فـادي” الذي ضم رفيقه إلى أحضانه مُطـ ـبقًا بذراعيه عليه يمسـ ـح على ظهره يُز’يل عن كاهلهِ أعبا’ء الحياة..
يشعر بهِ ويعلم ما يؤ’لمه ويُر’هق رو’حه كل يوم فالعجـ ـز شعورٌ تذوقانه كلاهما معًا وجعلهما يتأ’لمان معًا فقهـ ـر الرجا’ل ليس بالشيء الهـ ـين، صدقًا كانت هذه المرة الأولى لـ “حُـذيفة” يتو’سط ذراعي رفيقٍ مسـ ـكينٍ كـ “فـادي”، لأول مرة يشعر بالراحةِ والد’فئ بد’اخل أحضانه ولذلك تر’ك نفسه إلى رفيقه يتولى هو هذه المرة زمام الأمر لينعكـ ـس الأمر في لمـ ـح البصر ويُصبح هو المو’اسي إليه، دقائق معدودة كان الهدوء يسكُن المكان ألا مِن صوت الشيخ الذي كان مازال يُرتل السـورة الكريمة يتغـ ـلغل داخل الأذان ويضم القلوب يحاوطها بالأ’مان، صدقًا بدأ هو التحدث بعد مرور دقائق قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_أول مرة أرضي حاجة جوايا مِن بعد جوازي مِن “فـيروز”، كان جوايا أول مرة صوت بيقولي عايزها هي دي اللي بدوَّر عليها، هي دي اللي قلبي عايز يتونس بيها متسيبهاش وقتها لقيت نفسي بتشـ ـد وتعجبني أكتر وتعـ ـلُقي بيها بيز’يد كل شوية لحد ما فكرت لو حسيت بالخطـ ـر وبنسبة ضيا’عها مِني أنا هعمل إيه وقتها، ولأول مرة كُنْت أطاوع الصوت دا وفعلًا مشيت زي ما هو كان عايز ولقيتني بعيش أحلى أيام حياتي معاها، أشبهلها وتشبهلي وقلوبنا بتحـ ـس ببعض هحتاج إيه أكتر مِن كدا ونيسة، دلوقتي رجع نفس الصوت تاني بس المرة دي قالي أحضنه وطبطب عليه شكله محتاج للحضن دا متحر’مهوش مِنُه حتى لو مطلبش هو بس فا’جئُه، المرة دي أنتَ محتاجلي أكتر ما أنا محتاجلك.
أبتسم “حُـذيفة” بعد أن أستمع إلى حديث رفيقه الذي شعر بهِ هو هذه المرة وعلى الرغم أنه كان يحتاجه تخـ ـلى عن هذا الأحتيا’ج وبادله هو هذا الشعور حينما تولى هو حينها زمام الأمور مفا’جئًا إياه وللحـ ـق شعر حينها بالأ’مان بدا’خل أحضان هذا الحبيب الذي كان يمـ ـلُك حنانًا غير عادي ود’فئًا داخل أحضانه جا’علًا إياه ير’ضخ إليه ر’غمًا عنه.
_تعرف يا “فـادي” أنا أول مرة فعلًا أكون محتاج لحد محتاجني أكتر فنفس اللحظة، بس حـ ـقيقي يا زين ما عملت ر’يحت جوايا حاجات كتير أوي أولهم الر’عشة اللي مش سيبا’ني، أول ما دخلت أرتـ ـحت أيوه هو دا مكاني ودي راحتي ودا ملجـ ـأي، قابلتني بأكتر سـورة بتهـ ـزني مِن جوايا أوي، السـورة دي والشيخ دا حاجة تخـ ـلي الصخـ ـر يتحرك مِن مكانه مِن الخو’ف، عارف ساعات لمَ أسمعها مع نفسي فالشغل وقت البريك بالسماعة وصوته يرن فوداني وعقـ ـلي بحس إني حـ ـقيقي بتهـ ـز جا’مد صوته بيعمل هالة كدا تخليك تعيـ ـط مِن الشعور والخـشوع، سـبحان الله.
_عندك حـ ـق، كلامك كله صح مفيهوش ولا غـ ـلطة، قولي بقى مر’تاح ولا أصل “فـيروز” قا’لبة عليا بقالها يومين وبتقولي حُضنك بقى مز’عج قال الكلام دا عشان أنا مستـ ـحلفلها.
ضحك “حُـذيفة” على تفوهات رفيقه ليبتعـ ـد قليلًا عنه حتى يتثنى إليه رؤيته بشكلٍ أوضحٍ ليجاوبه مبتسم الوجه قائلًا:
_ما هي طالما قا’لبة عليك طبيعي هتقولك كدا يا “فـادي” سايسها كدا شوية وهاتها واحدة واحدة هي مسيرها تحن، “فـيروز” بتحبك أكتر ما بتحب نفسها هي تلاقي الجـ ـنونة حضرت بس دا روتين يومي عادي.
أبتسم “فـادي” أبتسامةٌ هادئة تعكـ ـس ما يدور بداخله مِن خو’فٍ وصر’اعاتٍ و’حشية لا تر’حمه لينظر أمامه بشـ ـرودٍ قائلًا:
_جلسة الكيما’وي بكرا، وهي المفروض تكون معايا كالمعتاد المرة اللي فاتت بابا رفـ ـض إنها تروح معايا وراح هو وماما معايا عشان ترتاح هي شوية والمرة اللي قبلها كان “عـز”، تـ ـعبت أوي معايا أنا بقيت حاسس إني واخدها عشان خاطر تتمر’مط معايا فالمستشفيات والمرواح هنا وهنا، حاسس إني بر’هقها وأوقات كتير بفكر أخليها مِن كل المسؤوليات دي كلها ذ’نبها إيه كانت واخدة واحد عشان تعيش معاه وتتو’نس بيه وتبـ ـني معاه بيت وأُسرة وأما’ن، فجأ’ة اللي خدته دا أتهـ ـد، ذ’نبها إيه تكمل مع واحد مُتعـ ـب زيي مش ضا’من إذا كان ضا’من عُمره ولا لا، بقيت أفكر كتير أوي إني لازم أبعـ ـد مبقتش عايز أر’هقها معايا أكتر مِن كدا.
تفا’جئ “حُـذيفة” كثيرًا مِن حديث رفيقه ومِن ما يُفكر بهِ تجاه مصيره مع زوجته المسـ ـكينة التي لَم تتخـ ـلى عنه حتى هذه اللحظة بل متقبلةٌ ومبتسمةٌ وراضيةٌ بحياتها رفقتهِ وكل ما تتمناه هو مرافقتها إليه وإسعاده مهما كلفها الأمر، وكالعادة أستعان بحكمته وتعقـ ـله في مثل تلك المواقف ليعتدل في جلستهِ حتى يُصبح في مواجهته لينظر إليه قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_أسمعني يا “فـادي” وركز فالكلمتين اللي هقولهم دول وحطهم حلـ ـقة فودنك، “فـيروز” بنـ ـت عمتي بتحبك ودي حاجة معروفة لينا كلنا ووخداك صا’غ سليم وزي الفُل يوم ما يحصلك حاجة زي دي وبا’عتك تبقى مش بنـ ـت أصول وأنا وقتها هستحـ ـقر فعلها لأن السـ ـت اللي متو’قفش جنب جوزها فظروفه الصـ ـعبة اللي زي دي متبقاش أصيلة وبتاعت نفسها وبس ميهمهاش غير نفسها وبس، إنما تمسُـ ـكها بيك بالشكل دا ودموعها اللي خلصتها عليك دي تبينلك قد إيه أنتَ محظوظ وأُمّك راضية عنك إنك متجوز واحدة زي “فـيروز”، المشا’كل موجودة فكل البيوت والشـ ـد والجذ’ب موجودين وكل المسميات دي لأن مفيش بيت مفيهوش مشا’كل بس العا’قل اللي يتعامل وأنتَ بكلمتين حلوين وحبة حنية تكسبها فلحظة “فـيروز” تحب الحنية والكلمتين الحلوين فإيدك تكسبها ومعلش حبة عليك وحبة عليها والمركب تمشي.
زفـ ـر “فـادي” بعـ ـمقٍ ونظر إليه ليقول بنبرةٍ هادئة:
_واللهِ يا صاحبي ربنا اللي يعلم أنا جيت على نفسي المرة دي وحاولت بس معا’ندة معايا ومنشـ ـفة د’ماغها واللي عايزاه يحصل، أنا شايفها تـ ـعبانة مش عايزها تيجي وتر’تاح شوية وهاخد أخويا معايا المرة دي ليه وليه بقى إني قولت كدا عملت اللي ميتعملش وكله جه عليا أنا وبقيت الغـ ـلطان وتيجي فالآخر تقولي أنتِ مو’قفتيش جنبي وأنتَ وأنتَ وأنتَ، مقدرتش أصـ ـد قدامها كتير تـ ـعبت روحت سايبها وماشي مقد’رتش حسيت إني دو’خت ومش هقد’ر أكمل منا’هدة معاها وأدينا يومين على الحال دا تاكل فصمت وتقعد فصمت حتى وقت النوم بتديني ضهرها وتنام، حاولت أراضيها مفيش فايدة طب بالله عليك قولي أعمل إيه طيب معاها كدا هبقى غـ ـلطان وكدا هبقى غـ ـلطان.
أبتسم “حُـذيفة” إليه بقـ ـلة حيـ ـلة على حاله ليقول:
_معلش هما كدا ليهم مليون تفكير مش هتسلم مِنهم تهر’ب مِن حاجة هتطلـ ـعلك بالتانية وفكل الأحوال هيحطوا الغـ ـلط علينا فمعلش نمشي المركب أنتوا لسه على البـ ـر يا صاحبي أومال لمَ الموضوع يبقى فيه عـ ـيل هتعمل إيه أنتَ كدا تمام أوي، أسمع مِن أخوك معلش وخليها عليك المرة دي وكلمها براحة وفهمها هي برضوا صـ ـعبان عليها تسيبك لوحدك وهي عارفه الو’جع اللي بتحس بيه وبتشوف حالتك كل يوم والتاني هي ليها وجهة نظر وأنتَ ليك وجهة نظر فنو’حد المسافات والفكر ونراضي الطر’فين هي لسه جاية مِن شوية وقاعدة مع أختها ومامتها على فكرة ومش مبينة أي حاجة بالعكـ ـس بتتعامل معاهم عادي ودي تتحسـ ـبلها بصراحة، عايزك تمشي قبلها بساعتين ونص كدا تروح البيت تظبط أمورك وشوف هتعمل إيه معاها تبدأ تـ ـلَين بيه د’ماغها خليك هادي كدا وبراحة بالحُبّ والحنية الدُنيا هتتحـ ـل، تمام يا عمي؟.
أنهـ ـى حديثه الطو’يل معه مستفسرًا ليأتيه الردّ عن طريق إماءة بسيطة مِن رأسه وأبتسامة هادئة تزين ثغره ليُبادله بأخرى هادئة ليقوم هو بضمه هذه المرة زافـ ـرًا بعمـ ـقٍ يتد’رع إلى المولى عز وجل أن يهـ ـدئ سرهما ويحفظهما سويًا مِن كل سو’ءٍ.
_______________________
<“ملا’ذ المرء ما يُحبّ ويهوى.”>
كعادته ألتزم الصمـ ـت حتى في أكثر اللحظات غضـ ـبًا وجـ ـنونًا، يجلس في غرفتهِ عا’بس الوجه وبين أحضان كفه الكرة المطا’طية الصغيرة التي كانت خيرُ رفيقٍ إليه في تلك اللحظات يضـ ـغط عليها بأستمرارٍ وبقو’ةٍ فبعـ ـد أن فشـ ـل في أول أختبار إليه ماذا سيفعل في مادةٍ قادمة والتي هي بالنسبة إليه الكا’رثة بأ’م عينها، عند هذه النقـ ـطة وشعر بالد’ماء تتد’فق بسرعةٍ فا’ئقة إلى رأسه ليُلـ ـقي الكتاب الخاص بتلك المادة بعنـ ـفٍ تزامنًا مع ولوج أخيه إليه والذي رأى الكتاب يُلقـ ـى بتلك الطريقة ليستقر على سطـ ـح الأرض أ’على البساط النا’عم الو’ثير.
ر’فع بصره ونظر إليه بعد أن أغـ ـلق الباب خـ ـلفه ليرى أخيه في أقصى مراحل غضـ ـبه وللحـ ـق كان السـ ـبب حاضرًا بعد أن عادوا في المساء وتقابل معهُ ليسأله حينها قائلًا:
_طمني عملت إيه الأمتحان كان كويس؟.
حينها لَم يأتيه الردّ فقد تركه “عادل” وتخطاه متوجهًا إلى غرفته في الأعلى دون أن ينظر إليه، تعجب كثيرًا ونظر إلى “حُـذيفة” الذي رأى إنسـ ـحاب أخيه وابن عمه الآخر إلى الأ’على بهدوءٍ للحظاتٍ ثم أقترب مِنهُ بخطى هادئة ليقف أمامه ينظر إليه قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_”عادل” و “يزيد” الأمتحان بتاعهم مكانش لطيف خالص، “يزيد” مِن حالته وسكوته وحالة الضُـ ـعف اللي كانت باينة عليه فهمتني إنه مش هيعدي مِنها، نفس الكلام مع “عادل” كان متعـ ـصب جدًا أتقـ ـهر عشان حصل ظُـ ـلم كبير والطلبة النهاردة كانت فحالة أنهيا’ر حـ ـقيقي ألا بعض الناس ودول طبعًا اللي معاهم الأمتحان بالإجابة يعني مش باقيين على حاجة.
حينها تفهم سـ ـبب حالة أخيه تلك وقد تركه حتى وقتٍ متأ’خر حتى يهـ ـدأ وبعدها يذهب إليه لمواساته، ولَكِنّ يبدو أنه مازال كما هو الحال عليه ولذلك زفـ ـر بعـ ـمقٍ وأنحنـ ـى بجذعه ملتقفًا الكتاب بكفه ثم أعتدل في وقفتهِ وهو ينظر إلى غلافه ليرى أنه خاصٌ بما يدرسه ولذلك أقترب مِنهُ بخطى هادئة حتى جلس أمامه مباشرةً وقد ترك الكتاب على الفراش أمامه ونظر إلى أخيه الذي كان يُحاول تما’لُك أعصا’به قدر المستطاع، دقائق مِن الصمـ ـت والأجواء المشحو’نة والمتو’ترة قطـ ـعها حينها هو حينما نظر إليه وقال بنبرةٍ هادئة:
_العصـ ـبية مش هتفيدك بالعكـ ـس هتقـ ـلب ضـ ـدك وهتأ’ذيك دا أمتحان وعدى ومتنساش إنك طول الترم بتشـ ـتكي مِنها ومِن الدكتور اللي حاطط نقـ ـره مِن نقـ ـرك، خلاص ركز فاللي جاي المادة دي زيها أنا عارف بس يمكن تتعوض فيها وطالما مأ’ثرتش خلاص يا حبيبي كلنا عارفين اللي فيها المهم اللي جاي بعد كدا مش عايزك تزعل نفسك، رَوَق عشان “فـرح” عايزة تطمن عليك بس خا’يفة تقرَّب مِنك، أمك خا’يفة مِنك يا طو’ر إيه ياض مش لدرجة إن أمك تخا’ف مِنك، هتعدي حتى لو جيبت فيها مقبول إحنا راضيين مش لازم الأمتياز المهم تعدي على خير.
يعلم أنه لن يهـ ـدأ ولن تخمـ ـد نير’انه بسهولة فهو دومًا متفوقًا في مراحله كيف يتعر’كل خط سيره ويتوقف القطار وهو على مشارف الوصول لنقطة النها’ية؟ نهض وجلس بجواره أخذًا تلك الكرة مِنهُ ثم بادر وضمه إلى أحضانه ممسّدًا على ذراعه برفقٍ مواسيًا إياه، مسـ ـح بكفه على خصلاته بحنوٍ ليضع الآخر رأسه على كتف أخيه يُحاول إخما’د نير’ان رأسه تلك وحُر’قة قلبه على ما رآه اليوم..
دقائق معدودة مرَّت عليهما بتلك الوضعية ليسمعا صوت مقبـ ـض الباب يتحرك لينظرا إليه سويًا يرو الوافد الذي لَم يكُن سوى “ثائر” هذا الصغير الذي ما إن فتـ ـح الباب ورأى أبيه وعمه أبتسم ليولج مغـ ـلقًا الباب خـ ـلفه ثم تقدم مِنهما بعد أن حسه والده على الإقتراب ليقف بجوار أبيه الذي مدًّ ذراعه نحوه حاملًا إياه عا’ليًا يجلسه أمامه لينظر الصغير إلى أبيه ثم أقترب مِنهُ يُلثم وجنته ليضمه “علي” بدوره إلى أحضانه يُبا’دره بلثم وجنته الصغيرة التي دا’عبت لحيته المنمقة بشرته وتنطـ ـلق ضحكاته الرنانة عا’ليًا حينما أستغـ ـل أبيه الأمر وبدأ بتقبيله ودغدغته..
دقائق معدودة وتوقف عن فعله لتهـ ـدأ ضحكات الصغير الذي كان يلـ ـهث محاولًا إلتقاط أنفا’سه المهـ ـدرة لينظر إلى عمه ثم أبتسم مجددًا وقد أقترب مِنهُ يُلثم وجنته مثلما فعل مع أبيه ثم يليها قوله إليه حينما أشار بسبّابته في وجهه :
_على فكرة أنتَ كُنْت قايلي هتلعب معايا ماتش كورة وهتفـ ـسحني كمان ومعملتليش حاجة، أنا مش ناسي.
أبتسم “عادل” إليه ثم أبتعـ ـد عن أخيه وهو مازال ينظر إلى ابن أخيه الحبيب ليقول بنبرةٍ هادئة:
_وأنا مبنساش يا عمي، روح خلي ماما يلا تغيَّرلك هدومك وتعالى أكون جهزت أنا كمان وهخرجك أحلى خروجة مِن الآخر كدا هنخر’بها سوى.
تهللت أسارير الصغير الذي سعد كثيرًا لينزل مِن على الفراش ويركض إلى والدته حتى يجعلها تقوم بتبديل ملابسه حتى يذهب معه، فيما كانا هما ينظران إلى أثره بأبتسامة خـ ـفيفة لينظر “علي” بعدها إلى أخيه محتفظًا بأبتسامته ليقول:
_أتمنى تفُـ ـك شوية وترجع مبسوط، “ثائر” هيقوم بدوره معاك أبني وأنا عارفُه كويس وطالما بيحبك أوي كدا فأضمن إنه هيفضل فو’ق راسك لحد ما يخليك تضحك.
_ربنا يباركلك فيه وتشوفه حاجة كبيرة، هو مرح كدا ولمَ بشوفه سبحان الله برتاح وأبتسم تلقائيًا ربنا يحفظه، أنا هقوم أغيَّر هدومي بقى بدل ما ييجي يلاقيني لسه قاعد وقتها أنا مش هبقى حِمل زعله.
أنهـ ـى حديثه مبتسمًا ثم تركه ونهض حتى يُبدل ملابسه، فيما كان هو ينظر إليه مبتسم الوجه داعيًا المولى عز وجل أن يجبـ ـر بخاطره ويُرضيه ولذلك أنتظر حتى يأتي و’لده الصغير ويُسلمه إلى أخيه، زفـ ـر بعمـ ـقٍ وجلس بأ’ريحية وهو يعـ ـبث في هاتفه حتى ينتـ ـهي كلاهما.
______________________
<“في القلوب نو’ايا وفي العقو’ل مرايا.”>
عاداتٌ عجيبة وتقاليد غريبة وحديثٌ محشو بالسُـ ـم القا’تل، الألسنة سلا’حٌ ذو حد’ين إن لَم تقطـ ـعها قطـ ـعتك أربًا وإن لَم توقفها فلَن تربح وستُصيـ ـبك أوجا’عها مدى الحياة فمثل تلك المواقف لا تُنسى مِن عقو’ل البشر وإن مضى أعوامٌ عديدة يبقى الأ’ثر خالدًا حتى المما’ت، وعلى ذِكر الطيور الحُـ ـرة المر’فرفة في السماء الصا’فية والهواء الطلـ ـق كانت تجلس في غرفتهما أمام المرآة شاردةً في إنعكا’س صورتها بعد أن رحلت مع زوجها إلى منزلهما ليلة أمس في ر’غبةٌ مِنهُ للعودة إلى دار الأحلام كما يُطلـ ـق عليه..
مازالت متأ’ثرة بشأن الإنجا’ب فهي أنـ ـثى مبـ ـهمة تتأ’ثر كما الر’يشة المتطا’يرة في الهواء وهـ ـشة كقطـ ـعة البسكويت الهـ ـش تحتاج إلى الرِقة في التعامل والحنو في التحدث، تريد أن تُسعد زوجها فهو يحـ ـقُ إليه السعادة وحمل طفله الأول فهي ترى الجميع مِن حولها يمتـ ـلك عائلته الخاصة وهي حتى هذا اليوم وبعد مرور ما يقارب السبعة أشهر لا شيءٍ يُنبئُـ ـها بالأمل وبإحتمالية حدوث الأمر..
مازال القلب ينبـ ـض بعـ ـنفٍ والخو’ف مرافقًا إليه والقـ ـلق مساورًا لعقـ ـلها ففي قلبها نو’ايا حسنة طيبة الأ’ثر تأمل أن يطيب الله بخاطرهِ ويمسـ ـح عليه، قلبٌ مـ ـكلوم وخو’فٌ محفوظ يسعى للتخلـ ـص مِن ما يساوره منذ أشهرٍ وكأنه كالمر’ض الملعو’ن الذي يصاحب صاحبه عازمًا على عد’م تركه، أما عن العـ ـقل فهو مرايا للقلب يجعله يرى ما يُريده هو ويُحاول إنتشا’له مِن بقا’ع الخو’ف هذا بكل الطرق الممكنة ولَكِنّ كان القلب سيد السُـ ـلطة.
ولج إليها ليراها تجلس كما أعتاد رؤيتها وصدقًا هذه المرة الثالثة التي تجلس بها بهذه الطريقة شاردةً وقد أصبح القلبُ يتأ’لم لها ويُشـ ـفق عليها كذلك، أغـ ـلق الباب خـ ـلفه ثم تقدم مِنها بخطى هادئة حتى وقف خـ ـلفها مباشرةً ومِن ثم وضع كفيه على كتفيها ينظر إلى إنعكاس صورتها في المرآة حيثُ أنتبهت إليه ونظرت لهُ بعينين مغـ ـلفتان بالحز’ن والأ’لم تنتظر سماعه مثلما أعتادت.
أبتـ ـلع غصتهِ بتروٍ ومسـ ـح على كتفيها برفقٍ قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_وبعدين يا “هـند”؟ آخرة القعدة دي إيه يا بنـ ـت الناس شويه وهتتجـ ـنني في إيه بس؟.
تهتـ ـك صوت أنفا’سها تنذرهُ بالبكاء الذي لا نها’ية إليه سوى داخل أحضانه قائلة:
_مش قا’درة يا “سـعيد” صدقني مش قا’درة، مش قا’درة أسمع كلام الناس أكتر مِن كدا كلامهم بيو’جعني أوي، بيتكلموا وكأن دا بمزاجي أنا … أنا كويسة زي ما أنتَ قولتلي آخر مرة وأنتَ كويس يبقى التأ’خير دا مش بإيدينا صح، طب فهمهم أنتَ يمكن يفهموا ويراعوا مشاعري شوية وير’حموني، قولهم إني مو’جوعة ومش قا’درة أتحمـ ـل أكتر مِن كدا فا’ض بيا واللهِ.
أمسك مر’فقها وحسها على النهوض لتُـ ـلبي مطلبه وتنهض بالفعل مستـ ـسلمةً تمامًا إليه ليُبا’در هذه المرة ويضمها إلى أحضانه يطبـ ـق عليها بذراعيه متمنيًا أن يُعانق جوا’رحها كذلك بين ذراعيه وأن تكون جميعها داخله هو بدلًا عنها فلا يُحب رؤية دموعها تلك خصيصًا حينما تكون متأ’لمة، لثم رأسها بقْبّلة حنونة ثم بدأ يمسـ ـح بكفه على خصلاتها السو’د’اء قائلًا بنبرةٍ هادئة تعكـ ـس ما يدور بدا’خله مِن ثو’رانٍ وحز’نٍ عليها:
_حـ ـقك على راسي وآسف بالنيا’بة عن أي حد و’جعك بكلامه، أنا عارف إنك تعـ ـبتي مِن كلامهم لولا بس الملامة يمين بالله كُنْت قومت طلعت جـ ـناني عليهم وطر’دتهم بره، حـ ـقك على قلبي كفاية عياط عيونك نشـ ـفوا ولمعتهم أتطـ ـفت ولو روحنالهم القصر هيفتكروني أنا السـ ـبب ويتكا’تروا عليا وأنا غـ ـلبان يرضيكِ يعني؟ متعيطيش أنتِ سـ ـت الستا’ت كلهم وزي الفُل وبكرا بدل العيل ييجي أتنين وتلاتة وأربعة كمان كل شيء بأوانه يا حبيبي، وبعدين إحنا لسه صغيرين نقضيلنا يومين حلوين الأول وبعدين نفكر فالعيال والخلفة والصد’اع اللي هييجي مِن وراهم، ليكِ عليا ما هتسمعي أي كلام فالموضوع دا تاني واللي يكلمك فيه مِن ورايا تيجي تقوليلي على طول فهماني؟.
حركت رأسها برفقٍ داخل أحضانه وعبراتها تسقـ ـط على صفحة وجهها دون توقف وقد شعرت بتلك الغصة اللعيـ ـنة في حلقها تسـ ـبب لها أختنا’قًا وقد عاد الآ’لم يُلا’زم قلبها مِن جديد لتشعر بكفه الذي بدأ يمسـ ـح على رأسها برفقٍ وحنوٍ هبو’طًا إلى ظهرها وقد أعاد فعلها مرارًا وتكرارًا فيما بدأت تهـ ـدأ هي رويدًا رويدًا بعد حديثه ذاك ونبرته الهادئة الحنونة التي مسـ ـحت على قلبها المكلوم يُز’يل عنه أعبا’ء الحياة ومتا’عبها.
وبعد مرور دقائق لا يعلم عددها شعر بسكونها ليظن أنها قد أبحـ ـرت في أمو’اج نومها المظـ ـلم وقبل أن يقول شيئًا شعر بها تبتعـ ـد عنه سنتيمترات تر’فع رأسها تنظر إليه لتقابله عينيها الليـ ـلة الباكية والتي يملؤ’ها حز’ن العالم أجمع ليمـ ـسح عبراتها تلك ببنانا أصابعهِ ثم ضم وجهها بين أحضان كفيه وأقترب مِنها يُلثم عينيها واحدةً تلو الأخرى ثم نظر إليها لتعاود فتـ ـحهما مِن جديد لتقابلها عينيه الشبيهة لعينيها والتي تُرسل إليها الحُبّ والحنان الكا’منين بداخلهما إليها.
أخذ نفـ ـسًا عميـ ـقًا ثم نظر إليها للحظاتٍ وقال بنبرةٍ هادئة:
_يتحر’ق بجا’ز أي حد يفكر يز’علك حتى لو بكلمة صغيرة أنا معنديش أهم مِنك أنتِ وجدي فحياتي، اللي يز’علك كأنه ز’علني أنا كمان واللي يغـ ـلط فيكِ كأنه غـ ـلط فيا أنا كمان واللي مقبلهوش على نفسي مقبلهوش عليكِ فعشان كدا أي حاجة هتتقال وتحصل مِن عيلة أبويا أنا اللي هتعامل وأنا اللي هصـ ـد كل اللي عايزُه مِنك دلوقتي تيجي معايا زي الحلوة كدا على المطبخ تعمليلنا أي حاجة خـ ـفيفة مِن الإيدين الحلوين دول عشان جعان بصراحة الساعة عدت ١٢ وفيديوهات الأكل مبتحلاش غير فالوقت دا وأنا بصراحة كدا عايز طبق المكرونة اللي بيبقى فيه حاجات كتير دا يعني طبق محترم كدا الجبن والإبداع بتاعك بقى بس أهم حاجة عندي فاليلة دي الزيتون يا “هـند” بدل ما أرجعك لأبوكي وأقوله بنـ ـتك عملالي طبق مكرونة مِن غير زيتون.
وأخيرًا شقـ ـت الضحكة وجهها بعدما تعمـ ـد قول تلك الكلمات الأخيرة لها حتى تضحك ويطمـ ـئن قلبه قليلًا عليها، وقد شاركها ضحكاتها التي شـ ـقت هذا السكون الذي كان يُسيطـ ـر على المكان ليجعل البهجة تزور المكان أكثر حينما قام بتشغيل تلك الموسيقى القديمة على هاتفه مستغـ ـلًا لحظة الصفاء والرا’حةِ تلك ليضعه على الفراش ثم نظر إليها مبتسمًا وقال بنبرةٍ عا’بثة:
_تسمحلي يا غزال بالرقصة دي؟.
قال جملته تلك وهو يَمُدُ كفه إليها لتقبل هي فورًا حينما مدّت كفها كذلك يُعانق كفه لتبدأ هي أولى خطوات الرقص القديم معهُ ويبدأ هو كذلك في التحرك معها فلطالما بيده الحلول لإسعادها سيفعل ذلك بترحابٍ شـ ـديدٍ دون أن يُفكر في الأمر كثيرًا ليرى السعادةُ باديةً على معالم وجهها وقد لمـ ـعت عينيها أخيرًا مِن جديد بوميضٍ سا’حرٍ زادها جا’ذبيةً، قضى وقته معها وقد كانت سعيدةً وبشـ ـدة معهُ، حـ ـقق إليها ما كانت تتمناه برفقةِ حبيبُ العمر وهي أهدته بسمتها الجميلة والسعادة التي غمرت قلبه.
_ما أشبه الظُـ ـلمة بضي القمر..
حيثُ تسـ ـلل ضوءه في جو’ف الليل،
وشـ ـق ظُـ ـلمة الحبيب بضيه السا’طع.
______________________
<“عاد الشا’ب الضا’ئع إلى الفـ ـتى الصغير السعيد.”>
عادت البسمة ترتسم على ثغر الفـ ـتى وعاد الوِد بعد أن أنقطـ ـعت الأر’حام وبَرَ’عَ الشيـ ـطان في التفر’قةِ بينهم بكل سهولة ويُسر، فبعد أن فقد رو’حه وأصبح جسـ ـدٌ متنقلٌ يذهب هُنا وهُناك بدونها اليوم رُد’ت تلك الرو’ح إلى ذاك الجسـ ـد وأشرقت شمس الأحد التي ظلت غا’ئبةٌ لعامٍ كاملٍ فكانت الشمسُ تشرق كل يومٍ لدى الجميع عداه هو حينما أشرقت شمسه يوم عودتها إليه مِن جديد، يجلس بجوارها مر’تميًا داخل أحضانها ما يقارب النصف ساعة حتى سئِـ ـمَ “شـكري” مِن الأمر وصا’ح بهِ بضـ ـيقٍ قائلًا:
_ما خلاص يا “شـهاب” هتفضل لا’زق فحضنها لآ’خر العمر يعني ولا إيه مش فاهم؟.
نظرت إليه “نهىٰ” وضمت و’لدها أكثر إلى أحضانها تمسـ ـح بكفها الحنون على خصلاته البُـ ـنية وقد توَّلت زمام الأمور وتحدث تدا’فع عن الحبيب قائلة:
_وأنتَ مالك كان مر’مي فحضنك يعني؟ وبعدين براحته طالما مرتاح يبقى خلاص أهم حاجة عندي راحته وإنه يكون مبسوط … ولا تكونش متغا’ظ بقى ومضا’يق.
أشار حينها على نفسه بسبّابته وهو يقول مستنكرًا بعدما عقد ما بين حاجبيه:
_أنا؟! لا طبعًا أتغا’ظ ليه إن شاء الله كان حُضن “نرمين مرورو” ولا “چورچينا” يعني؟.
أنهـ ـى حديثه ثم تر’كهما وولج إلى الغرفة لتسمع و’لدها الما’ثل داخل أحضانها يقول بنبرةٍ عا’لية ردّاً على حديثه السـ ـليط ذاك:
_حُضنها بر’قبة أحضان الستا’ت كلهم يا فقـ ـري يا معد’وم الإحساس، بقى الحُضن الحلو دا يتشبه بأحضان دول يا معد’وم النظر؟.
أبتسمت “نهىٰ” ثم لثمت رأسه ومسـ ـحت عليها برفقٍ ترى دفا’عه عنها وعن هذا العناق الدا’فئ الذي أفتقـ ـده كثيرًا، شعرت بمدى حما’قتها معه فقد حينما كان يحتاج إليها وبشـ ـدة تخـ ـلت عنهُ بكل سهولةٍ ويُسر، لَم تهتـ ـم بمشاعره أو بحز’نه بل فضلت نفسها عليه وحينما جاءت هذه اللحظة عنـ ـفت نفسها كثيرًا على ما أقتر’فته في حـ ـقهما سويًا، لثمت رأسه مِن جديد وكذلك جبينه ثم مسـ ـحت على وجهه برفقٍ بكفها الدا’فئ وهي تتأ’مل معالم وجهه الحبيبة التي أشتا’قت لها لتراه يسـ ـحب كفها ذاك ويُلثم با’طنه بحنوٍ لتتسـ ـع أبتسامتها أكثر وتضمه أكثر إلى أحضانها، خرج “شُـكري” مِن الداخل ليراه مازال على وضعيته لَم يتحرك ليهتف بحـ ـنقٍ بعدما شعر بالغيرة مِن أخيه على أمه وأحتـ ـلاله لتلك الأحضان التي أشتا’ق إليها قائلًا بضـ ـيقٍ:
_أنتَ لسه على وضعك متحركتش؟ إيه يالا البر’ود اللي أنتَ فيه دا أنا مِن حـ ـقي أحضنها أنا كمان على فكرة.
أستشعر غيرة أخيه على أمه مِنهُ ليبتسم فهذا كان يريده، فيما نظرت “نهىٰ” إلى و’لدها الثانِ وأبتسمت إليه وتر’اقص قلبها فرحةً حينما رأت غيرته عليها ولذلك فـ ـردت ذراعها الآخر إليهِ تدعوه إلى أحضانها ليُـ ـلبي هو دعوتها مقتربًا مِنها بخطى واسعة ومتلـ ـهفة لير’تمي داخل أحضانها يُعانقها مشتا’قًا إلى هذا الشعور منذ عامٍ، ضمته إلى أحضانها مع أخيه والسعادة تغمـ ـر قلبها لتسمعه يقول بوقا’حةٍ:
_يعني حضنتي وبو’ستي فيه بما فيه الكفاية أنا فين بقى ولا ابن شو’ارع أنا مليش نصيب؟.
غمرته بالحُبّ والقْبّلات كما فعلت مع الأ’خ الأكبر فهي تعلم و’لدها الصغير جيدًا وتعلم أنه يغا’ر مِن أخيه الكبير ولذلك لَم تبخـ ـل عليه بإعطاءه جر’عات الحُبّ والحنان، دقائق معدودة قطــعت هذا الصمـ ـت حينما قالت:
_وحشتوني أوي، حقـ ـكم عليا أنا غـ ـلطت ود’فعت التمن غا’لي أوي، متز’علوش مِني أنا غـ ـلطت وأتعا’قبت كمان ونـ ـد’مت، مليش غيركم فالآخر أتحا’مى فيهم.
ر’فع “شُـكري” رأسه بعد أن أبتعـ ـد عنها ينظر إليها نظرةٍ ذات معنى ليقول متسائلًا:
_في إيه يا ماما؟ كأنك مـ ـخبية حاجة مِن كلامك دا … هو الر’اجل دا عملك حاجة؟ طلـ ـقك ليه أحكي.
حينها إزد’ادت شكو’كه حينما أصا’بها التو’تر الشـ ـديد وأهتـ ـزت نظراتها وفي حضرتهما لا تعلم للفـ ـرارُ طريقٌ ولذلك رآها تتهـ ـرب مِنهُ لتبدأ شكو’كه تز’داد أكثر وأكثر ولَكِنّ أحب أن يتر’كها على راحتها حتى تتحدث هي مِن نفسها دون أية ضغو’طاتٍ عليها، أقترب مِنها يُلثم جبينها بحنوٍ ثم أبتسم لها لتُبادله بسمته بأخرى أكثر حنوًا، لحظاتٌ وقالت بنبرةٍ حما’سية:
_بقولكم إيه أنا جوعت أوي ما تيجوا نشارك مع بعض ونعمل الأكل سوى؟.
وافقان رأيها دون تفكيرٍ ليذهبوا إلى المطبخ ويبدأو بطهو الطعام سويًا، الضحكات تنبُـ ـع مِن القلوب والسعادة تغمـ ـر الصدور، كان “شـهاب” يجلس كما أعتاد يستمع إليهما ويضحك معهما ويشاركهما الأحاديث الكثيرة اللامتناهية حتى مازحه أخيه بحديثٍ متخا’بثٍ حينما قال:
_عمنا الله يسهله كلها ٧٢ ساعة ويبقى مع الحُبّ بتاعته اللي هتدلعه آخر دلع بعد كدا، يا بخت اللي صبر ونا’ل، حظك مِن دهب طول عُمرك يا ابن “العطار”.
_قُـ ـر فأم اليوم بقى نا’قصة هي نبـ ـر، لِم رو’حك بدل ما أقوم أز’علك يا “شُـكري” أحسنلك مش بعد ما ربنا يكرمني وييسرلهالي تيجي تنُـ ـق فيها.
نا’طحهُ في الحديث ليتلقى ضر’بةٌ عنيـ ـفة بعض الشيء على كتفه مِن الخـ ـلف ليقول بنبرةٍ عا’لية نسبيًا معـ ـنفة:
_أنتَ عيـ ـل متر’بتش صحيح.
_بس خلاص أنتَ وهو، يلا يا “شُـكري” ساعدني وملكش دعوة بيه سيبه خليه يفرح، ألا صحيح أنا مشوفتش العروسة؟.
نطـ ـقت بها “نهىٰ” مذ’هولةً بعدما تذكرت أمر عروس أبنها لتنظر إلى و’لدها الذي كان يجاورها بعدما أخبرها أنه سيوريها صورتها لتنظر إلى شاشة الهاتف حيثُ صورةٌ جميلة كانت تجمع و’لدها مع عروسته الجميلة التي ما إن رأتها “نهىٰ” أخذت تمدح في جمالها ورِقتها:
_بسم الله ما شاء الله عليها، الله أكبر إيه الحلاوة دي كلها؟ دي زي القمر يا “شـهاب” اللهم بارك … طب تصدق بقى لايقين على بعض أوي، يعني القمر دي بقت مرات ابني خلاص؟.
_آه بقت مراتي خلاص، كلمة حـ ـق تتقال هي بصراحة محترمة جدًا وخجو’لة ورقيقة وتتحب، بصراحة يعني أنا بحبها أوي يا ماما، هعرفكم على بعض إن شاء الله.
أبتسمت إليه واقتربت مِنهُ حتى وقفت بجواره ووضعت كفها على كتفه لتقول بنبرةٍ حنونة:
_ربنا يسعدكم سوى يا حبيبي ويرزقكم بالذرية الصالحة وتجيبولي حفيد صغنون حلو كدا يمـ ـلى البيت عليا بدل ما هكون لوحدي كدا.
_لا متقلقيش أنا مأ’بد معاكِ هنا مش هسيبك لوحدك.
هكذا جاءها جواب و’لدها الأصغر لتأتيه بجوابها هي حينما قالت بلهجةٍ آ’مرة:
_لا يا حبيبي هتتجوز وهتجيبلي أحفاد مع أخوك أنا عايزة البيت دا ملـ ـيان أطفال، يعني مش هقبل بأقل مِن ٣ أحفاد مِن كل واحد فيكم.
_وماله ما أنتِ مش هتتـ ـعبي فحاجة.
هكذا أتاها جوابه المتو’اقح لتقوم بصـ ـفعه على ظهره قائلة:
_متبر’طمش يالا وأخلص يلا عشان جعانين، قال هتأ’بد معايا قال، أنتَ آخرك معايا هنا سنة يا حبيبي.
أنهـ ـت حديثها وهي تجاور و’لدها الأكبر ليأتيها ردّ الآخر يسخـ ـر مِن حديثها قائلًا:
_آه إن شاء الله، دا عند أم “بدوي”.
نظرت إليه بقلـ ـة حيلـ ـة ثم نظرت إلى الما’ثل بجوارها لتبتسم وتمسّد على ذراعه برفقٍ لتراه يبتسم أبتسامةٍ هادئة ثم وضع كفه على ظهر كفها هذا مربتًا عليه برفقٍ دون أن يتحدث.
_______________________
<“النها’ية لا تُكتَب إلينا بل نحن مَن نكتُبها بأيادينا.”>
يسـ ـلك المرء دومًا طريقًا يظن في بدايته الخير والنعيم ليبدأ السير على نهـ ـجه وكلما رأى جماله زادته سعادته وحينما يُنبـ ـههُ أحدهم على أن نها’يته ليست لطيفة يتهـ ـكم ويسخـ ـر مِنهُ ويظل مكملًا لهذا الطريق حتى يسـ ـقط في بئـ ـره المظـ ـلم حيثُ نها’يته السو’دا’ء كسو’اد الليل الحا’لك، الند’م لا ينفع في نها’يةٍ طُرُقاتٍ خا’طئة ولا البكاء على اللبن المسكو’ب يُعيده كما كان فإن لَم ينتبه المرء لخطواته جيدًا ويَدرُسها جيدًا فبالتأكيد النها’ية ليست سعيدة.
للمرةِ الثانية يذهب إلى نفس المكان ولَكِنّ في هذه المرة كانت المنطقة مختلفة حيثُ ملهى ليلي آخر، توقفت سيارته الضـ ـخمة فجأ’ةً ليُصد’ر عن أحتكا’ك الإطارات في الأرض الرملية، تعا’لت الرمال حول السيارة ذات الماركة الشهـ ـيرة والعا’لمية، سيارةٌ فخـ ـمة تليقُ بهِ وسو’دا’ء كسو’اد القلب حينما يخمـ ـد حما’قته وطيبة قلبه ليبدأ بالثأ’ر لنفسه وذ’ويه، ترجل مِنها بهيبتهِ الوقورة وشمو’خه الملا’زم إليه، يرتدي حِلته السو’د’اء الكاملة تاركًا خصلاته على طبيعتها، حِد’ة معالم وجهه وعيناه الخضـ ـراء الصا’فية وبسمته الما’كرة بالإضافة إلى لحيته الخـ ـفيفة المنمقة التي أعطته الجا’ذبية بأكملها.
فُتِـ ـحَ بابين للسيارة وترجلا مِنها نفس الشا’بين اللذان كانا يُصاحبانهِ في المرةِ الماضية، يرتديان كما يرتدي هو فكانت هذه خطتهما البديلة خصيصًا في تلك المرة ففي السابق كان شا’بٌ لا بأس بهِ أما هذه المرة فهُناك فتا’ةٌ يجب عليهم إيقا’عها في شبا’كهم، تحرك بخطى ثابتة واثقًا مِن نفسه وخـ ـلفه الشا’بين يسيران نهـ ـج خطاه، ولأن هيئتهم يبدو عليها الثراء لَم يجـ ـرؤ أحدهم على منـ ـعهم مِن الدخول بل ولجوا بكل سهولة ويُسر..
في الداخل قابلهم صوت الموسيقى العا’لِ والأضواء الكثيرة التي تُضيء كل ثانية والأخرى خـ ـلف بعضها البعض، كالمعتاد رؤية السا’خطات وبعض الشبا’ب الطا’ئش ورجا’ل الأعمال عد’يمي المروءة يقضون أوقاتهم في السهر في مثل تلك الأماكن الفا’سدة حول هولاء السا’خطات … أستقروا ثلاثتهم على طاولة محددة وقريبة مِن فرا’ئسهم الأربعة الذين كانوا يجلسون مع بعضهم ويضحكون.
أخر’ج “شـريف” لُفافا تبغه ووضعها على طر’ف شفتيه وقام بإشعا’لها عن طريق قداحته السو’د’اء ليأخذ نفـ ـسًا عمـ ـيقًا ثم يزفـ ـره ببر’ودٍ وهو ينظر إلى الفتا’ة واضعًا ساقٍ فوق أخرى، عبـ ـث في هاتفه للحظاتٍ يُقارن ما بين الصورة المُرسلة إليه مِن قِبَل ابن عمه وبين تلك الما’ثلة بالقرب مِنهُ مستنكرًا الحالة المتنا’قضة التي يراها ففي الصورة الفتا’ةُ ترتدي الحجاب وهُنا مجرد بقايا ملا’بس بالنسبة إليه!.
أغـ ـلق هاتفه ثم ظل يرا’قبهم ومعه “مُـهاب” و “وهـيب” كلاهما يتابعان معهُ والأشمئـ ـزاز باديًا على معالم وجهيهما أكثرهما “وهـيب” الذي كان يوَّد تد’مير هذا المكان بالكامل فو’ق رؤوس أصحابه، لا يعلمون كم مَرَّ بهم مِن الوقت وهم يتابعهم حيثُ تارة يتراقصون على ساحة الرقص وتارة يشربون المشروبات المحر’مة وتارة أخرى يعودون لإلتزام أماكنهم، أشياءٌ عادية ومعتادة في هذا المكان القذ’ر عدا شيءٍ ما لفت أنتباه “شـريف” بقو’ة..
كان يرى الفتا’ة تتقرب مِن أحد الشبا’ب بشـ ـدة لبرهةٍ مِن الوقت ثم تعـ ـلو ضحكاتها عا’ليًا، أشياءٌ يراها البعض عادية لهولاء عد’يمي المروءة ولَكِنّ ليست على “شـريف” الذي بدأت شكو’كه تكون في محلها خصيصًا تقربها الشـ ـديد لهذا الشا’ب دونًا عن الثلاثة الآخرين، شرد قليلًا يُفكر في الأمر بينه وبين نفسه حتى لفت أنتباهه إنسحا’ب هذا الثنائي بعـ ـيدًا وحينما را’قبهما بعينيه رآهما يصـ ـعدان درجات سُلّمٍ يقود إلى الأ’على وللحـ ـق ثُبـ ـتت شكو’كه، نظر إلى الشا’بين اللذان كانا لا يُصدقان ما يران أمامهما معًا..
تذكر “مُـهاب” أنهيا’رُ الفتا’ةِ نُصب عينيه أمام الجميع في الحرم الجامعي وبكاءها الشـ ـديد وإتها’مها الفا’حش إلى رفيقه المقرب الذي كان بطبعه منعزلًا عن الجميع وكأنه مِن عالمٍ آخر، عادت كلماتها ترن في أذنيه كالموسيقى الصا’خبة وهي تُشير بإصبعها نحو “يزيد” الذي كان مصعو’قًا حينما نظرت إليه بشـ ـرٍ عظيم وقالت بنبرةٍ باكية متهـ ـتكة:
_المجر’م قدامكم أهو، الشـ ـريف اللي مبيغـ ـلطش وعامل فيها خَلوق قدام الكل هو نفسه المتسـ ـبب الوحيد فاللي حصل، الملا’ك البريء دا هو نفسه الو’حش اللي د’مرلي مستقبلي … أهو قدامكم ابن عيلة الأكابر اللي عاملين نفسهم شُـ ـرفا وملايكة أهو أبنهم قدامكم أحفظوا شكله حلو أوي عشان قريب هد’مره زي ما د’مرني وأخد حـ ـقي مِنُه.
مازال يتذكر صـ ـدمة رفيق العمر وذهوله وعد’م أستيعابه لِمَ يحدث حوله، تذكر كل شيءٍ يجعله ينهض الآن ويقتـ ـلهم جميعًا ولذلك حاول الحفاظ على ماء وجهه قدر المستطاع وتما’لُك نفسه حتى يحين موعد ردّ الحـ ـقوق إلى أصحابها، نظر لهما “شـريف” نظرةٍ ذات معنى حينما عاود إليهم مِن جديد بعد أن تركهما لمعرفة أين ذهبا هذا الثنائي ليقف أمامهما مبتسم الوجه قائلًا:
_ألف مبروك لينا، “يزيد” براءة مقدمًا.
لحظةٌ واحدة فارقة بين صر’اعين، أحدهم شـ ـرًا والآخر خيرًا وتلك اللحظةُ فارقةٌ لدى الطر’فين إما أن تنتصـ ـر أو تتد’مر وفي تلك الحالة إن لَم تكُن ذكيًا فعليك أن لا تولج مع الكبار في مثل تلك الحروب، ففهي هذه اللحظة كان هذا اللعو’ب ما’كرٌ ولديه حِيله الخاصة للعب بجـ ـمرات النيـ ـران ففي غمضة أصبحت الحر’بُ لصالحهِ.
_في لحظةٌ تظن أنك الرابح في حر’بٍ ما..
وفي اللحظة التي تليها ترى نفسك أحـ ـمقًا كبيرًا،
فإن كُنْت الرابح بها، فقد نسيتَ أن هُناكَ مسمى آخر،
هذا الذي لا يها’بُ خوض المعا’ركِ يا هذا،
يلقبونهُ بلقبٍ واحدٍ فقط ويُصبح كابو’سك الأبدي،
كانت الحر’ب لأجلهِ قائمة حتى تُنسب لهُ، كان أسمه “المنتصر”.
___________________________
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية أحببتها ولكن 7)