روايات

رواية نيران الغجرية الفصل الثالث والستون 63 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية الفصل الثالث والستون 63 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية البارت الثالث والستون

رواية نيران الغجرية الجزء الثالث والستون

نيران الغجرية
نيران الغجرية

رواية نيران الغجرية الحلقة الثالثة والستون

بوصلة ذات إتجاه واحد
____________________
الصدمة ، الذهول و الغيرة ، كل هذه الأحاسيس تكالبت عليها في تلك اللحظة وهي ترى زوجها يعانق امرأة أخرى بود و كأنها حبيبته و يضحك معها أيضا ، لقد جاءت مع صديقتها و زميلاتها في العمل لإحدى المطاعم ثم جلسن في الحديقة لكي يرفهن عن أنفسهن ولكنها لم تتوقع بأن سترى زوجها في هذه الوضعية … و مع إمرأة جميلة بعينين ساحرتين !

شعرت بنفسها يضيق و النار تندلع من داخلها و أحست بالخيانة و الإهانة الشديدة خاصة أنها أمام زميلاتها اللواتي لا يفوتن فرصة للإستهانة بغيرهن لذلك قررت كبت دواخلها مؤقتا لئلا تعطي لإحداهن فرصة الاستمتاع على حسابها فعادت ترسم الجمود على وجهها و اِستدارت تسير بأناقة ناحية الفتيات وهي تردد :
– Girls مش يلا بقى نمشي.

همهمت واحدة منهن متسائلة بمكر :
– ليه ما احنا قاعدين.

ابتسمت مريم و قالت :
– صراحة اختيارك للمكان ده معجبنيش ممل اوي انا عاملة program أحلى و عازماكم ع مكان افضل من ده بكتير و متقلقيش هخلي المصاريف ع حسابي.
– ايه سر الكرم ده كله.

– مش انا كسبتكم في اخر مهمة و مستر يوسف كافأني قدامكم اعتبروها احتفال صغير.
أجابتهم بثقة و نظرت لهالة التي رمقتها بذهول ممتزج بالإعجاب ثم للفتيات اللواتي حدجنها بخنق أخفينه سريعا ليغادرن أخيرا ، ولم تغفل مريم في هذه الأثناء عن رشق عمار بنظرة غاضبة متوعدة …

عادت مريم من شرودها و تذكرها لأحداث صباح اليوم فزفرت بعصبية و أسندت يداها على شرفة غرفتها مهمهمة :
– ديه تاني مرة اشوفه بيحضن واحدة في مكان عام من غير كسوف لسه امبارح كان معايا و قضى الليل بطوله وهو بيقولي بحبك و بموت فيكي … حب ايه ده وانت مش عاتق أنثى معدية من قدامك.

ضربت قدمها على الأرض كاتمة صرخة لو خرجت منها لأجفلت الطيور المزقزقة فرحا بفصل الربيع لتسمع بعد دقائق صوت الباب يفتح و يظهر عمار من خلفها مغمغما :
– انا كام مرة قولتلك تردي عليا لما اتصل بيكي.

لم يجد جوابا منها فإقترب و لفها ناحيته متهدجا :
– مريم !

أزاحت يده عنها و دخلت لغرفتها هاتفة ببرود :
– محبتش أعطلك عن أشغالك وانا كمان كنت مشغولة مش هفضل فاضية و مستنياك تتصل يعني.

اندهش عمار من رد فعلها المفاجئ بعدما توقع أن تتهجم عليه في الحديقة أو تصرخ و تبكي متهمة إياه بالخيانة غير أنه لم يتوقع هدوءها و برودها هذا ، فزم شفته بغيظ و اقترب منها مرددا بجدية :
– انا عارف انتي بتفكري ف ايه دلوقتي بس صدقيني انتي فاهمة غلط و الموضوع ا…
– مبيهمنيش انا تعبانة و عايزة ارتاح فياريت تمشي.

زفر عمار و غمغم محذرا :
– مريم بقولك انا …

في هذه اللحظة فقدت أعصابها فنظرت اليه بحدة صارخة :
– انت ايه ها انت ايه و هتقول ايه يبررلي المنظر اللي شوفته ديه المرة الكام يا عمار اللي بتحطني فيها فموقف محرج ! و جاي متنرفز وكمان و بتعاتبني عشان مردتش علي مكالماتك انت مجنون !

ضيق عيناه بإستنكار من كلامها فكاد يحذرها من إطالة لسانها لكن مريم قاطعته :
– انا سمعتك بتقولها يا ريماس يعني ديه نفس البنت اللي كنت بتقوم من جنبي وبتروح تكلمها صح ؟ نفسها اللي قلت عليها عميلة ومابينكم علاقة شغل مش اكتر بس كل مرة بسمعك بتكلمها.

وجد عمار نفسه محاصرا بأسئلتها ليرضخ في الأخير و يومئ بإيجاب :
– ايوة هي ديه ريماس.

تراجعت مريم الى الخلف رامقة إياه بذهول و خذلان و تمنع غشاوة الدموع من التسلل لعينيها لكنها لم تستطع درء حشرجة صوتها وهي تتمتم :
– انت ازاي كده … ليه مصمم تقهرني و تحسسني كل مرة اني رخيصة و مليش قيمة عندك ليه بتخليني اصدقك وكل لما احاول اثق فيك من تاني انت بترجع تؤذيني و تأكدلي اني غلطانة.
– يا مريم صدقيني انتي فاهمة غلط اا…
– طيب رد عليا ريماس ديه بجد عميلة ولا انت كنت بتكدب عليا ؟

سألته مباشرة فأغمض عمار عيناه مجيبا إياها بصراحة :
– لأ مش عميلة … انا بعرفها من سنين طويلة بتقدري تقولي عليها صديقة طفولتي يعني انا لسه عارف الحقيقة ديه من شويا بس.
– انت بتقول ايه مش فاهمة.

صمت مرغما وهو يجد نفسه واقعا في حيرة بين الصمت أو الإعتراف لها بكل شيء لكن مريم اعتبرت سكوته تجاهلا و إستهانة بمشاعرها فضربت صدره وهي تصيح بجنون :
– انا كنت عارفة انك مخبي عني حاجات كتير بس متوقعتش توصل بيك الأمور لأنك تخونني بكل وقاحة كده و بتقول اني فاهمة غلط هو ايه اللي فاهماه غلط انا كنت بشوف رسايلكم بعينيا و اسمعكم بتتكلمو بعدين بتجي وتقولي انك بتحبني ده حتى … حتى ليلة وفاة عمك انت روحت اتصلت بيها و دلوقتي بتاخدها في حضنك كأنها حبيبتك انت ازاي بتبقى عارف تضحك عليا اكتر من مرة و بتعاملني زي الهبلة !

ضربته ثانية وهي تتابع بحرقة و قهر :
– ليه مصمم تعيشني في الوجع ده مرتين و ليه بتجيلي مادامك بتحب غيري حرام عليك.

– ريماس ديه بتبقى psychologist و انا بتعالج عندها.
لفظ عمار جملته دفعة واحدة فإنطفأت ثورتها فجأة و توقفت الحروف في حلقها تنظر له بصدمة و عدم استيعاب حتى همست :
– بتبقى ايه ؟

أخذ نفسا عميقا و حمحم يجلي صوته ليقول بهدوء :
– دكتور ريماس انا بتابع معاها في جلسات من شهور طويلة لما جيت في ليلة كنت هنتحرف و ارمي نفسي من البلكونة لولا بابا لحقني في اخر لحظة.

شهقت برعب و أمسكت يده بتلقائية فنظر اليها مكملا :
– ساعتها عرفت ان حالتي متدهورة و مينفعش أأجل العلاج اكتر من كده خاصة ان الأدوية مبقتش تفيدني.

هزت مريم رأسها بتعب و توهان :
– أدوية ايه … انا مش فاهمة حاجة.

نعم لقد كانت تراه يتجرع بعض الحبوب من حين لآخر وحتى أن هالة رأته في المطعم منذ سنتين و أخبرتها بأنه كان يبدو بحالة غير متوازنة لكنها لم تركز في هذا كثيرا و انشغلت بمشاكلها الأخرى ، أدرك عمار ما تفكر هي به الآن وكم كان صعبا عليه أن يفشي أسراره و يعرض ضعفه على الآخرين و خاصة المرأة التي يحبها لكنه لو لم يفعل سيخسرها ولن يكسب ثقتها مرة أخرى لهذا هو مضطر وربما سيكون أفضل من أجله كما أخبرته ريماس منذ قليل.
ضغط على يده و تشنج صوته بينما يتنفس بحدة هاتفا :
– مريم انا مكنتش طبيعي و عانيت من الاكتئاب و نوبات عصبية و اضطرابات كتيرة من قبل لما كنت بنتكس ببقى مش شايف حاجة قدامي و ممكن اعمل اي حاجة.
يعني لما كنت بتعامل معاكي وحش كنت ببقى تحت تأثير واحدة من النوبات بتوعي ومش واعي علشان كده بضطر ابعد عنك فترة عشان مأذكيش … و بالمناسبة يوم حطيت ايديا على رقبتك و خنقتك كنت قاصد اعمل كده ولولا اغمى عليا كنت قتلتك من غير ما احس.
__________________

طالعها وهي تسند رأسها على الأريكة و عيناها مشخصتان في الفراغ بدون أي تعبير عليها فتنهد بحيرة متذكرا كيف جاءته منذ ساعات في حالة يرثى لها و انهارت بين ذراعيه مرددة بأنها لا تود العودة الى القصر ثانية حينها صُعق و خاف عليها خاصة انها كانت تنوي قضاء أسبوعين هناك بجوار أمها لكنها جاءت الآن بوضع لا يفسر ، و حين اتصل بشقيقتها اضطرت هي لإخباره بكل شيء فنال نصيبه من الصدمة ووجد نفسه يحتضنها و يهدئها حتى صمتت و منذ ذلك الحين وهي بهذه الحال.

تنهد يوسف و نظر للخادمة التي أحضرت كوبا من الماء فأخذه منها و همس بطيبته المعتادة :
– ندى حبيبتي خدي اشربي شويا.

ارتشفت منه بعض القطرات ثم وضع هو رأسها على كتفه و عانقها بحمية لم تكف لمواساتها بسبب الصدمات التي توالت عليها فهمست بصوت مبحوح :
– انا كنت معتبراه قدوتي و افضل راجل في الدنيا … كنت عارفة انه عايز يجوزني لإبن عمي عشان الورث و الفلوس بس متوقعتش يوصل بيه الطمع ل أنه يؤذي ست حامل و يتسبب في انها تخسر ابنها و يؤذي اخوه و ابنه و شركته و يقتل مساعدينه وكل ده علشان الفلوس.
معقول الطمع بيخلي الانسان وحش للدرجة ديه ؟ تعرف انا دلوقتي اتأكدت من ان اللي عملته مريم كان قليل في حقنا والدي غلط معاها وهي انتقمت و خدت حق البيبي اللي ملحقش يشوف الدنيا … انا مصدومة في بابي بجد يا يوسف و مكسوفة اقول اني بنته.

– هو مهما عمل فده مش غلطك يا ندى ايوة صحيح عادل بيه ارتكب حاجات كتيرة غلط بس مننكرش أنه كان أب كويس ليكي و قدر يربي ملاك زيك مبتقدرش تضر غيرها.
– بس الملاك ديه اكتشفت ان كل اللي اتربت عليه طلع مزيف ومش حقيقي … انا حاسة نفسي مكسورة ووحيدة.

اعتدل يوسف في جلسته ورفع رأسها اليه متشدقا بجدية :
– طول ما انا موجود معاكي مش عايزك تقولي ع نفسك كده وحتى لو مكنتش جمبك اوعى اسمعك بتقولي انك مكسورة و وحيدة يا ندى … انتي قوية و زي ما قدرتي تتجاوزي اللي حصلك من كام شهر و كملتي حياتك هتقدري تتجاوزي دلوقتي ماشي.

ابتسمت ندى بخفوت و أماءت برأسها وهي تشعر بالأمان و السكون بين يديه ثم نهضت و دخلت للجناح الخاص بهما و منه لحجرة تبديل الملابس كي تغير ثوبها و أثناء ذلك رأت ساعة يده ملقاة على الأرض و يبدو أن يوسف لم ينتبه لها فاِلتقطتها و فتحت الدرج الخاص بساعات اليد الفاخرة لحي تضعها داخله إلا أنها لاحظت في أقصى طرفه قطعة تلمع ومن الواضح أنها فضة فسحبتها بيدها لتتفاجأ وهي ترى قرطا نسائيا.
عقدت ندى حاجبيها مركزة في هذا القرط الذي يظهر عليه أنه تصميم قديم رأته سابقا ، وشحب وجهها وهي تدرك بأنه مثل الأقراط التي كانت ترتديها مريم يوم التقت بها في المطعم و حفلة عقد قرانها من عمار !
شهقت بذهول و ارتجفت يدها محاولة التفكير في سبب مقنع يجعل يوسف يحتفظ بذكراها سوى لأنه يحبها و مع الأسف لم تجد فلماذا سيحتفظ رجل متزوج بغرض فتاة نسيها كما كان يقول … ما هذا الذي تواجهه هي الآن هل أصبحت ندى البحيري عرضة لهذه المواقف ايضا وهل كُتب عليها أن تحب و ترتبط بالرجال المغرمين بمريم دائما !

ارتجفت شفتاها و عصفت عيناها بالدموع المريرة لترى يوسف يدخل و يسألها عن سبب تأخرها لكنه توقف عند رؤية ما تحمله فأصابته الدهشة و تسمر مكانه ينتظر رد فعلها حتى نظرت هي اليه و ألقت القرط بقوة على الأرض ثم اتجهت لرف الحقائب وسحبت واحدة منها تجمع فيها ملابسها بهستيرية وكأنها أصيبت بمس من الجنون ، انتفض يوسف و ردد بتشنج محاولا ثنيها عما تفعله :
– انتي بتعملي ايه.

أزاحت ندى يده عنها صارخة :
– ابعد عني من النهارده انا مش عايزة اشوف وشك ابدا.
– يا ندى حصل ايه لكل ده اهدي شويا مش كده.

نظرت له بغضب و استهجان :
ن- حصل ايه ؟ انا لقيت جوزي محتفظ بالearring بتاع البنت اللي كان بيحكيلي قد ايه هو بيحبها مفروض اعمل ايه افرح و اغني مثلا ؟ مادامك لسه بتحبها اتجوزتني ليه !
– بس انا نسيت مريم و بالنسبالي صفحتها اتقلبت خلاص.

– اللي بينسى حد مبيفضلش محتفظ بحاجة تخصه.
صاحت بحدة فأمسك يوسف كتفيها يسيطر على حركتها محاولا تهدئتها و الشرح لها :
– انا مكنتش ناوي من الاول احتفظ بيه اساسا حاولت اكتر من مرة اديهولها بس خفت هي او عمار يفهموني غلط عشان كده سبته معايا وبعدين نسيت وجوده و مفتكرتوش غير دلوقتي.

ضيقت ندى عيناها مطالعة إياه جيدا ولكن كان يظهر على وجه يوسف الصدق المطلق و الخوف من ردة فعلها فوقفت مكانها محتارة و غاضبة … إحساس الغيرة ينهشها من الداخل خاصة وهي تتذكر كلامه من قبل عن حبه لمريم صحيح أنه تجاوزه سريعا ولم يجعلها تشعر يوما بأنه يحب غيرها بل على العكس كان يوسف يعاملها بكل رقة و احترام و يغازلها ترى الحب في عينيه لها لكن كل هذا لا يكفي من أجل نزع الغيرة من قلبها.
هي تغار عليه مثل المجنونة لدرجة أنها خلعت ثوب الزوجة المتحضرة و أصبحت تلتصق به ولا تسمح لأي إمرأة بأن تتواجد معه في مكان واحد بمفردهما حتى لو كانت مجرد موظفة أو زميلة في العمل.

لاحظ هو حيرتها فاِستغل ذلك كي يقنعها بحديثه خوفا من أن تكذبه و تتركه ليضم وجهها اليه هاتفا بلوعة :
– ندى حبيبتي انا نسيت مريم واللي قبلها من لما عرضت الجواز عليكي و حطيت دبلتي في ايدك لو كان قلبي مشغول بغيرك مكنتش هعرف اتجوزك أساسا … انا بحبك انتي وبس.

أجفلت ندى و اتسعت عيناها بدهشة من اعترافه فنظرت له مهمهمة :
– انت ايه ؟

ابتسم عليها فأومأ بلهفة :
– اتعلقت بيكي من قبل خطوبتنا حتى ، بقيت بصحى وانا منتظر اتصالك عشان نروح لدور الايتام ونقضي يومنا معاهم او نقعد ع النيل وتحكيلي عملتي ايه في يومك اتعلقت بتفاصيلك اللي مكنتيش بتظهريها للناس إلا أنا وبعد جوازنا اتقربت منك اكتر و اتقبلتك بمميزاتك و سلبياتك لو كان كل ده حب ف أنا بحبك يا ندى.

ترقرقت عيناها بالدموع و انتابتها قشعريرة سرت في أوصالها فأسندت وجنتها على يده و إبتسمت هامسة :
– وانا كمان بحبك يا يوسف … I love you.
– انا عارف و شوفت ده فعينيكي اكتر من مرة.

أنهى كلامه وهو ينحني عليها يقبلها بروية فاِستسلمت له و أحاطت عنقه بيديها تستقبل إندفاعه و ترحب به ….

___________________
عند أول ساعات الفجر.
أسند رأسه على مرفقه يراقبها وهي تتوسد كفيها بجانبه في صمت تواري عنه حدقتيها خلف جفنين منسدلين بوداعة ، ثم أزاح عن وجهها خصلة من شعرها و طفق يتأمل ملامحها مفكرا … لقد اعترف لها بكل شيء ، أفرغ لها ما بجعبته من أسرار و أخبرها بالذي ظل يثقل روحه لسنوات.
ما يزال يتذكر كيف شل لسانها من الصدمة و انقطعت أنفاسها وهي تستمع لخيانة والدته مع عمه ، و انقلب وجهها بإشمئزاز لحظي دارته سريعا لكي لا تزيده وجعا ثم انقضت عليه تحتضنه وتقبل دموعه التي تسربت من عينيه بدون شعور منه متمتمة بلهفة بأنها بجواره الآن ولن تتركه ، ليبادلها العناق و يتمسك بها مقنعا نفسه بأنه فعل الشيء الصحيح و استمات لكي لا يشعر بالذنب فهي زوجته ولا ضير من أن تعرف أوجاعه …
و انتهت لحظاتهما بليلة سرمدية بينهما بعدما تحول ألمه إلى رغبة و اِحتياج فلم تمتنع مريم و استسلمت له تستقبل حبه … و وجعه.

تنهد عمار بعمق وهو يملس على شعرها بخشونة زائدة نتج عنها استيقاظ مريم التي تململت وهي ترفع الغطاء على جسدها الملحف بقميص خفيف لا يناسب برودة الجو ثم نظرت له هامسة بصوت مبحوح :
– انت لسه منمتش.

اكتفى بنفي صامت ثم مرر أنامله على كتفها نزولا لذراعها بوجه جامد و نسق أنفاس بطيء يشبه الركود مابعد الثورة ، لتغمض هي عيناها مجددا مستشعرة لمساته التي لم تكن كافية لتنسيها آثار صدمة الليلة الماضية.
ما تزال في عقلها صورته وهو يخفض عيناه عنها بخزي مخبرا إياها بأنه كان شاهدا على خيانة أمه من رجل نسي ملامحه بسبب صدمة تعرض لها وقد نتجت عن ترهيبه و دفعه من أعلى السلم ، لكنه لم يكن حظه جيدا لدرجة أن ينسى كل شيء فلقد ظل يعاني من الكوابيس و الهلوسات سنوات طويلة دون أن يجد مؤنسا له حتى أوشك على الإنتحار !

إضطرب حلقها بغصة وهمية و فترت ملامحها بشكل تنبهت له حواسه ، فأمسك عمار ذقنها و مال عليها يتحقق من غشاوة الدموع التي غطت مقلتيها فضيق حاجباه يهتف بنبرته الهادئة :
– مالك يا مريم.

وكأن كلماته الحانية كانت القطرة التي أفاضت الكأس فاِرتجفت شفتها و أجهشت في بكاء هستيري أذهل عمار وجعله يصاب بالذعر فإعتدل جالسا لكن قبل أن يسألها عن سبب بكائها تفاجأ بها تحضنه و تضع رأسها على صدره العاري مرددة بتقطع :
– انا … انا اسفة … انا مبستاهلش … انك تحبني.

صعق من تصرفها و تجهم وجهه بحيرة فهمس بينما يحاوطها بذراعه :
– مش فاهم انتي بتقولي ايه.

تعلقت به مريم أكثر و هتفت من بين انتفاضاتها الخفيفة :
– انت كنت بتتوجع و بتعاني قدامي بس انا مفهمتش ومعرفتش مالك … كنت بشوفك بتصحى من نومك وانت عرقان و باين عليك مخنوق ومش كويس بس اخترت اني مركزش معاك و التهيت بمشاكلي و زعلي.
مع انك انت اول واحد كنت بتاخد بالك من تفاصيلي سواء فرحانة او زعلانة ولا مريضة حتى عمي كان تعبان وانت عالجته لانك شوفت قد ايه انا خايفة عليه بس والله العظيم يا عمار انا كنت بخاف اسألك عن حاجة تخصك و بقول ممكن يضايق لو حبيت اطمن عليه.

أبعدها عمار عنه و أمسك وجهها بين كفيه يمسح دموعها و يكلمها بجدية :
– ده مش غلطك لاني كنت قاصد اخفي حالتي عنك واكيد انتي مش هتعرفي انا مالي من غير ما انا اتكلم و ايوة انا كنت بلاحظ حيرتك و تساؤلاتك في عينيكي لما بتلاقيني تعبان و خوفك من انك تسأليني علشان كده انتي ملكيش ذنب في حاجة.
– طيب ليه محكتليش ليه روحت لغيري هو انت مكنتش بتثق فيا اوي كده.
– مش مسألة ثقة يا مريم انا حتى عيلتي و صحابي اقرب اتنين ليا محكيتلهمش كنت بلاقي صعوبة في الموضوع ده لأنه حساس جدا علشان كده اخترت اتكلم مع واحد غريب عني وبيقدر يساعدني بموضوعية من غير ما اشوف نظرة الشفقة في عيونه.

أوضح لها عمار وجهة نظره كي يخفف عليها ذنبها الذي ظهر من الاشيء فهدأت شهقات مريم قليلا و همست بتحشرج :
– انت بتتكلم بجد ؟

ابتسم بيأس مجيبا عليها :
– ايوة بجد.

مسحت دموعها بإرتجاف ثم طالعته بنظرات حانقة :
– مع واحد غريب قولتلي … ماهي الغريبة ديه انت كنت بتتصل بيها في كل وقت و شوفتك واخدها في حضنك كمان.

عض شفته بإرتباك و سارع يتصرف قبل أن تفتح نفس الموضوع مجددا :
– يا حبيبتي قولتلك اني اتفاجأت لما عرفت ان ريماس هي نفسها صديقة طفولتي و تصرفي كان تلقائي يعني لأني متعود على كده بس هو حضن بريء.

رمقته مريم بإستهجان مستنكرة تبريره :
– حضن بريء و متعود على كده طب ايه رايك ابقى انا زيك و احضن ابن خالتي او واحد زميلي حضن بريء.

شاهدت ملامحه المسترخية تتحول لأخرى متشنجة فتوجست قليلا وهي تلاحظ أنه زيتونيتاه أصبحتا كاللهيب بينما نفث عمار أنفاسه و إبتسم بشكل إجرامي قابضا على ذراعها :
-مش عايز اسمع الكلام ده تاني اوعى تجيبي السيرة ديه تاني فاهمة.
– اتضايقت ليه وانا قولت حضن بريء يعني انت عندك حق تغير وأنا لأ ؟

– مريم متنرفزنيش !
هدر عمار بحدة و شدد عليها مغمغما بتحذير :
– متخلنيش اغلط و اعمل حاجة تزعلك قولتلك اني متعود ع كده و كان تصرف تلقائي مني و مادامك اتعصبتي خلاص مش هعمل كده تاني تمام ؟

تملصت مريم منه و لمعت عيناها بالتحدي بينما تحدق فيه غير عابئة بغضبه :
– لمصلحتك انك متعملش كده تاني انسى حياتك الكلاس واللي متعود عليه لأني مش هقبل بالحركات ديه المرة ديه انا سامحتك بس صدقني المرة الجاية هولع فيك و في البنت اللي حطيت ايدك عليها.

لسبب ما أعجبته طريقتها و غيرتها الشرسة عليه فأماء مسايرا إياها ثم طبع قبلة على جبينها و عانقها لتغيب ابتسامته بمجرد ابتعاد وجهه عن مرمى نظرها متذكرا الإتصال الذي راوده قبل مجيئه للشقة وقد بدأ يفكر جديا في الموضوع الذي طرحه عليه المتصل !

___________________
في صباح اليوم التالي.
اخترق ضوء الشمس أنحاء الغرفة فقطب حاجباه بإنزعاج و تململ مستيقظا من غفوته التي حصل عليها منذ ساعتين فقط ، فتح عيناه و نهض يغتسل ثم اِرتدى ملابسه و خرج ليجد مريم قد حضرت الفطور و عند رؤيته ابتسمت مرددة :
– صباح الخير انا جهزت الفطار خلينا نفطر بسرعة عشان نروح للشغل.

جلس عمار بجوارها بهدوء لتقول بإهتمام :
– انت كويس مش حاسس نفسك تعبان ولا حاجة ؟
– أيوة أنا كويس.
– طب مش قولتلي انك متعود تشرب الدوا أول ما تصحى انت خدته ولا…

تنهد عمار بتجهم مردفا :
– ايوة خدته يا مريم متقلقيش.

أمسكت الأخرى يده و ضغطت عليها قائلة بهدوء :
– بص انا عارفة انك معتبر اهتمامي شفقة و عبء عليك لانك فاكر انك كده هتبقى ضعيف بس ممكن تبطل تشوف الموضوع من الناحية ديه و تحط في بالك اني بحبك و أسئلتي ديه لاني بهتم بيك ؟ مش كنت بتقول اننا واحد و بنكمل بعض معقول غيرت رأيك بسرعة.

نفى سريعا وقبل يدها متمتما :
– لأ مغيرتش رأيي بس يعني حاسس بغرابة لأني مش متعود يسألني حد ع حاجات حساسة بالنسبالي انتي فهماني صح.
– فاهماك طبعا بس حاول تتقبل فكرة ان مش عيب نحاول نطمن عليك ماشي.
– هحاول.

شرعا في تناول الفطور وسط صمت منهما حتى تنحنح عمار و قال :
– اتصلت ماري بيا امبارح و قالت اننا هنبدأ ننفذ المشروع اللي وقعنا عليه من شهر … و زي ماانتي عارفة لازم أسافر لباريس و اقضي هناك فترة التنفيذ.

انتبهت لحديثه و شطحت مخيلتها بالأفكار التي لا توجد واحدة منها لصالحها فوضعت الشوكة و نظرت اليه مهمهمة بحذر :
– و الفترة ديه اسبوعين يعني ولا … اكتر.

ازدرد عمار ريقه و حاول انتقاء أكثر كلمات مناسبة هاتفا :
– المشروع كبير ولو نجح هيبقى مسار جديد للشركة فهو محتاج وقت طويل … شهور ع الأغلب.

شهقت مريم و شحب وجهها من وطأة ثقل جملته فاِرتجف صوتها متسائلة :
– كام شهر يعني طب … طب انا اقدر اجي معاك بصفتي مترجمة صح لأني من أفضل المتدربين و هبقى موظفة رسمية بعد كام يوم بس.

أخذ عمار نفسا عميقا وقد وجد صعوبة أكبر في الأمر لأن ردة فعلها لا تساعده ، لكنه تمالك نفسه و أجابها بثبات :
– صحيح هتبقي موظفة بس معندكيش الخبرة الكافية اللي تخليكي تسافري معانا احنا اخترنا فريق و ….

– اخترتو ؟
قاطعته بتعجب تدرس قصده حتى نضحت ملامحها بالإدراك فهزت رأسها مستطردة :
– ده انت مخطط ليها من زمان بقى … عايز تبعد عن هنا قصدا مش كده و المشروع حجة مش اكتر.

نهضت من على المائدة فأمسك يدها يمنعها لكنها أفلتت منه هاتفة :
– انت خدت قرارك من غير ما تفكر بيا و بمشاعري اخترت تبعد عني تاني بحجة انك محتاج تفضل لوحدك ومش مهتم سواء انا زعلت ولا لأ.
– انتي فاهمة غلط انا اول حد بفكر فيه هو انتي بس بما اني المدير التنفيذي للمشروع لازم اسافر.
– متضحكش عليا يا عمار انت عندك اكتر من نائب في الشركة بيقدر يروح مكانك.
– محدش بيقدر يشتغل نفس شغلي بس مش هكدب عليكي انا كمان محتاج ابعد عن هنا يا مريم اللي حصل معايا مش قليل وانتي عارفة.

هزت رأسها بنفي تكتم دموعها بإستماتة إلا أنها لم تستطع منعها من النزول على وجهها وهي تقول :
– محتاج تبعد طب وانا ؟ انا كمان عايز تبعد عني يا عمار.

تنهد بإرهاق و أمسك كتفيها موضحا :
– مريم افهميني … اللي حصل كان صعب عليا اوي انا بقالي سنين بكتم اللي جوايا بس بعد اخر صدمة اتعرضتلها مبقتش طايق نفسي و المكان اللي انا فيه حاسس نفسي مخنوق علشان كده محتاج اصفي دماغي … عشاني وعشان اقدر افتح صفحة جديدة معاكي من غير ما اسمح للماضي يأثر عليا.

– بس انا مش هستحمل انك تبعد عني ليه مصر تعذبني كده.
صاحت بإنهيار و أبعدته عنها مرددة بتماسك مهزوز :
– انت أناني و بتنفذ اللي في بالك دايما ومبتديش أهمية لمشاعري لازم تعرف يا عمار انك لو روحت مش هتلاقيني لما ترجع فاهم !

اِلتقطت حقيبة يدها و غادرت الشقة سريعا تاركة عمار واقفا مكانه يدلك عنقه و يتأفف بسخط وهو لا يعرف كيف سيقنعها …
___________________
– انا اتشرفت بمعرفتك يا مدام مريم … بس مع الأسف مش هقدر أفيدك لأني مستحيل اطلع أسرار مريض عندي حتى لو كان جوزك.
هدرت ريماس بعملية مطلقة وهي تنظر للمرأة التي تفاجأت بقدومها إليها … نفس المرأة التي كانت بطلة جميع أحاديث عمار و شهدت على تطور علاقتها بزوجها بدون ان تعرف هي حتى !

و الآن ها هي تجلس أمامها بعدما رأتها لأول مرة في الحديقة وصدقا كانت تتمنى لو أن الأرض انشقت و اِبتلعتها أفضل من أن تتعرف عليها بتلك الطريقة ، لكن رغم هذا لم تستطع منع فضولها و رغبتها في معرفتها أكثر ، ربما لأن عمار حكى لها عن شخصياتها المتقلبة و ردودها المختلفة ، من ضعيفة مكسورة لا تجيد سوى كلمتي “نعم” و “حاضر” إلى إمرأة قوية و شرسة كعنقاء بزغت بجناحيها محلقة بين ألهبة النيران.
أما مريم فكانت هي الأخرى تتأملها بتركيز وهي تتذكر كيف قضت ساعات البارحة داخل المكتب مفكرة في أمر عمار الذي صدمها ، ربما لم تكن حزينة من سفرية العمل لأنها تعلم جيدا بأن منصبه يتطلب السفر بشكل دوري بقدر ما كانت غاضبة من قراره للإبتعاد عن الجميع حتى عنها هي و لكنها شردت في قوله بأنه يحتاج للبقاء بمفرده و فكرت في حالته النفسية المتضررة فلم تجد نفسها سوى وهي تبحث عن عنوان عيادة هذه الطبيبة لتجدها بعد مدة معتبرة لذلك اِتصلت و أخذت موعدا دون أن تفصح عن هويتها و هاهي تقابلها الآن و تسألها عن عمار … زوجها الذي رأته يحتض هذه المرأة الجميلة !

تنحنحت تطرد عنها شعورها بالغيرة و قالت موضحة :
– عارفة ان ممنوع تطلعي أسرار مريضك بس انا بسأل بشكل عام عن حالته يعني اذا اتحسن ولا لسه فاضل كتير عشان يخلص علاجه و ازاي لازم اتعامل معاه لو جتله نوبة.

همهمت ريماس بتفهم و ردت عليها :
– أولا عمار قطع شوط كبير في العلاج و اكيد ملاحظة ان شخصيته اتغيرت و التعامل معاه بقى أسهل من الأول يعني حالته اتحسنت بس مع ذلك مش هقدر احدد المدة الفاضلة من العلاج ثانيا نوبات عمار قلت كتير عن الاول و مبقاش يتعرض لأي health setback يعني بالمجمل هو بقى أفضل بكتير من الأول … مش هقدر أقولك اكتر من كده.

أماءت مريم بإيجاب وهي تشعر بالراحة النفسية لإدراكها بأنه أصبح أفضل و في نفس الوقت تحزن لأنها لم تكن معه في هذه المرحلة فبينما كان هو منشغلا بمرضه و يتعرض لنوبات و هلوسات كانت هي تفعل المستحيل من أجل أن تضايقه حتى أنه كاد ينتحر تحت وطأة الضغط الذي تسببت به هي.
تنهدت و سألتها بخفوت :
– عمار قالي ع كل حاجة يعني حكالي عن والدته و عمه وباقي مشاكله بس هو دلوقتي عايز يسافر وبيقول أنه ده أفضل ليه و ليا و عايزني اتقبل الفكرة ديه واني مش هشوفه شهور طويلة … لو سمحتي قوليلي بجد عمار هيستفاد يعني لما يبعد ولا مفيش داعي للموضوع من أصله.

جاهدت ريماس لكبت إبتسامتها و عدم إظهارها الى مريم التي لا يبدو عليها وكأنها ستتقبل فكرة سفر عمار بسهولة ثم حمحمت قائلة بجدية :
– طبعا هو مش ضروري بس انا من رأيي كدكتور مشرفة على حالته ديه فرصة ليه عشان يصفي دماغه ويعرف نفسه عايز ايه و في انهي نقطة هو واقف.
– مش هيعرف يصفي دماغه وهو هنا يعني.
– في حاجات كتيرة هنا بتضغط عليه و ذكرياته مليانة اي مكان هو بيروحله من الأحسن يبعد عن أي ضغط ممكن يأثر على تفكيره.

– ازاي شغله و عيلته و انا ممكن نضغط عليه و نأثر فتفكيره يا دكتور ؟ مش المفروض وجود الناس اللي بتحبه بيساعده طيب وبعد ما يسافر ممكن … يعني يلاقي نفسه أحسن وهو بعيد عن هنا و يسيبنا.
تساءلت بتوجس مدعية التكلم بصيغة الجمع لكي لا تظهر خوفها من أن يختار عمار أن يبتعد عنها للأبد لكن ريماس فهمتها فقالت :
– انا معرفش بخصوص البقية بس اللي اعرفه ان انتي بالذات يستحيل عمار يلاقي راحته في بعده عنك.
– اشمعنا.
– لأنك كنتي أكبر دافع ليه عشان يتعالج حتى لو مش عارفة … و طول ماهو وسط الجلسة بيجيب سيرتك في كل تفصيل و على طول بيفكر ازاي يحسن علاقتكم.

لمعت عيناها و شعرت بالفراشات تحوم داخل معدتها من كلام الطبيبة و ابتسمت تلقائيا مفكرة في أن عمار كان يحاول من أجلها وصدقا نجحت محاولاته لذلك قررت الآن ألا تقف في طريقه بل ستقف معه في كل ما يجده هو مناسبا حتى لو كان الثمن هو تحمل ألم الفراق !
_________________
و كان له ما يريد.
اِستمع لنداء الموظفة من أجل الإلتحاق بالطائرة التي ستقلع في دقائق فتجهم وجهه بضيق ممررا عيناه في أنحاء المطار لعله يلمحها لكنه لم يرها ، لقد رفض السفر في طائرة العائلة الخاصة من أجل أن تكون له فرصة توديعها في المطار بعدما ودعته عائلته و أصدقاؤه حتى فريق العمل التحق بالرحلة التي أقلعت قبل ساعات قليلة و بقي هو بمفرده ينتظر على أمل مجيئها.
سمع آخر نداء للطائرة المقلعة بعد ربع ساعة فزفر بوجوم و همس بينما ينهض و يسحب معه حقيبته :
– قال يعني هموت و اشوفها بنت دماغها ناشفة عايزة تمشي عمار البحيري على هواها انا مالي بيها اصلا هي كده كده مش هتوحشني.

و في اللحظة الموالية وحين كاد يستدير لمحها قادمة من بعيد وهي تركض وعندما رأته زادت من سرعتها فتهلل وجهه و نزع نظاراته الشمسية يشاهدها و يملي عيناه من مرآها ثم مد يديه يلتقفها و يحيط جسدها بذراعيه منبها اياها :
– متجريش كده هتقعي.

توقفت مريم تلتقط أنفاسها المسحوبة منها و طالعته بعتاب :
– انت بجد كنت هتمشي قبل ما تشوفني ؟

– بقالي ساعتين وانا مستنيكي و ع الاغلب كنت هكنسل في اخر لحظة و ابطل اسافر لو مجيتيش.
رد عليها عمار ببساطة ممررا يده على وجهها ينهل من طلتها الجميلة و يشبع نظره منها أما مريم ففتحت حقيبة يدها و رددت بينما تخرج شيئا ما :
– انا كنت بجيب حاجة عشان كده اتأخرت.
– جبتي ايه مكنش في داعي.

– انت دايما بتديلي هدية وبتقولي ديه عشان تفتكريني بيها انا بقى جبتلك هدية المرة ديه علشان تفتكرني و متنسنيش.
هتفت بحنين شابته غصة احتكمت حلقها بدون رغبة فتمالكت نفسها سريعا و أرته ما بيدها ليقطب حاجبيه بحيرة وهو يجد غرضا مستديرا لامعا فتفطنت خلاياه مدركا بأنها بوصلة … ولم تكن كأي بوصلة !

التقطها من يدها و فتحها فغامت عيناه ملتهما تفاصيل تلك البوصلة الإستثنائية التي كانت باللون البرونزي المتوهج ، لم تحوِ إلا على عقرب واحد يسبح في دائرة بيضاء فارغة تماما سوى من إسمها المحفور بخط إنجليزي أنيق أبهر عيناه و سلب لُبّه ، نطق إسمها الذي كان العقرب موجها له بنبرة ولهة و اِبتسم بينما يسمع مريم تردد برقة :
– خليني الاتجاه اللي بتروحله دايما في فرحك و زعلك و ضحكتك و عياطك و مشاكلك و انا هكون ليك المنارة اللي مبتخيبش.

تأوه عمار بجذل و ضمها إليه بلوعة :
– أنا بحبك … مندمتش لحظة على حبي ليكي ومش هندم لأن قلبك اختارك انتي.

لفت مريم يديها حوله بلهفة و ترقرقت عيناها بدموع الشوق من الآن فسارعت تمسحها لكي لا تضايقه و طفقت تشبع عينيها منه هامسة :
– و أنا بموت فيك يا عمار و هستناك … خد بالك من نفسك.

سقطت دمعتها في هذه اللحظة فسارع عمار يحتويها مغمغما بصوته الرجولي :
– هتوحشيني.

طبع قبلة عميقة على وجنتها و دفن رأسه في شعرها ينهل من عطره قبل أن يستجمع نفسه و يخبئ البوصلة متابعا :
– انتي هتكوني في نهاية كل طريق انا بمشي فيه يا مريم.

كانت هذه آخر كلمات قالها ثم ألقى عليها نظرة أخيرة و غادر مبتعدا حتى اختفى عن مرأى نظرها ، و هنا ضغطت على صدرها موضع قلبها معترفة لنفسها بأنها لا تستطيع العيش بدون رؤيته أو سماع صوته ، فكيف ستتحمل بعده ، لكنها ستفعل ، من أجله و من أجلها ، و من أجل مستقبلهما معا !

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية نيران الغجرية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *