روايات

رواية وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2) الفصل الثاني 2 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2) الفصل الثاني 2 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2) البارت الثاني

رواية وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2) الجزء الثاني

وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2)
وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2)

رواية وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2) الحلقة الثانية

 إنتي….. المقاول المسؤل؟!
هتف بها ثم ناظرها من علو لفرق الطول الواضح بينها وبينه، تمسح عينيه على قبعة رأسها في الأعلى ( الكاب) الذي تخفي به شعرها، ثم هبطت على القميص الرجالي، بتفصيلته الواسعة للغاية مع بنطال من الجينز باهت اللون ثم هذا الحذاء الأبيض في الأسفل، ليرفع عيناه اخيرًا إلى وجهها المستدير ببشرة خمرية أو ربما كانت بيضاء قبل ذلك، ثم أكتسبت هذا اللون بفعل الشمس، بملامح تختلف تمامًا عن هذا المظهر الرجولي، الشيء الوحيد الذي جعله يتأكد أنها أنثى، ثم زو ج العيون الواسعة للغاية وأهدابها الكثيفة والكحيلة، بمقلتين شديدتي السواد، أعجبه صفاءها لدرجة جعلته يتوقف عليها قبل أن يجفل على صيحتها بوجهه:
-أيوة أنا المقاول المسؤل، يعني لو كنت اخدتها بالزوق من الأول وسألت عني، كنت عرفت إني قريبة منك هنا، بدل ما تحط غلبك في العمال الغلابة، وتسمعهم كلام هما في غنى عنه.
ردها العنيف وجرأتها في مقارعته أمام العمال دون تقدير لوضعها هي أمام مركزه وسلطته بما قد يستطيع فعله، جعله يزبهل أمامها للحظات قبل أن يردد بعدم استيعاب يشير بسبابته نحوه:
-إنتي بتكلميني انا كدة؟
-أه بكلمك إنت كدة!
قالتها ببساطة ادهشته قبل أن تهتف بأمر نحو مساعدها:
-اصرف العمال يا عبد الرحيم وخليهم يكملوا يومهم، واما نشوف إحنا بعدها لينا أكل عيش في المخروبة بعد كدة ولا لأ.
التف حسن نحو العمال الذين كانوا ينصرفوا أمامه مع هتاف هذا المدعو عبد الرحيم عليهم، ليعودوا لعملهم، فتذكر صورته أمامهم بصياح هذه المرأة عليه، وعدم تقديرها له، ف هتف بها مستشيطًا من الغضب:
-أقسم بالله لولا انك ست، أنا كان هيبقالي وضع تاني معاكي، يعني مش كفاية التأخير في تسليم الوحدة والإهمال اللي شهدت عليه أنا بنفسي، عشان تزودي عليهم بجليطك في الرد معايا دلوقتي؟
واجهته شهد بتحد وقوة تعقب على كلماته:
-جليطة إيه بالظبط اللي انت بتتكلم عليها؟ ما تشوف نفسك الأول يا أستاذ، جاي حامي وفارد نفسك علينا، وبتتكلم عن اهمال وتأخير، هو مين بالظبط اللي متسبب في الإهمال والتأخير ده؟ ولا أنت عشان استلمت في نص السكة، مفكرتش تسأل عن اللي عمله المهندس اللي قبلك، ووقف الحال…
صمتت برهة لتضيف بعصبية:
– انا بصرف ع العمال أكل وشرب وأجرة من جيبي، عشان العك والروتين الزفت اللي معطل مستخلصاتي عندكم.
صاح بها مستنكرًا:
-عشان عارفة أن كل فلوسك راجعالك، يعني مش بتفعلي لوجه الله، يبقى لزومو ايه انا عايز افهم التأخير والتسيب اللي انا شوفته من شوية ده؟
برقت عينيها بغضب تحاول بصعوبة تحجيمه حتى لا تلقن هذا الأرعن ما يستحقه من سباب، فضغطت ترد كازة على أسنانها وهي تعبر بيدها بعادة اعتادت عليها في الحديث:
– تاني برضوا هتقول تسيب وتأخير؟ ودا معناه إن حضرتك مخدتش بالك من كل اللي رغيت وحكيت فيه، بقولك ايه يا بشمهندس، ما تروح تراجع المصلحة وتشوف المشروع دا من امتى احنا بدأين فيه، دا غير المشاكل اللي وقفت الحال شهور، وبالمرة كمان تعرف ان الأسعار زادت الضعف، وان اللي أنت بتقوله عن الفلوس اللي هعوضها كله فشنك، عشان الغلا اللي هب علينا هيخسرني كل مكسب هيجي من الشغلانة النحس دي.
حركة يداها الناعمة وهي تؤدي مع كلمة معها بهذا الأنسيال الصغير المتلف حول رسغها بدلاية من حرفين ملتصقين او كلمة محفورة، لا يعلم ولكنها افقدته تركيزه، وشتته عن الرد عليها لعدة لحظات، قبل أن يستدرك بخشونة قائلًا:
– تمام يا سيادة المقاول، أنا بقى هشوف شغلي مع الرؤساء، وهما بقى اللي يشوفولي صرفة مع الوضع ده.
قالها ثم التف ذاهبًا يغمغم بصوت عالي:
– مش كفاية إني قبلت اشيل مسئولية الشغلانة دي من نصها وشربت المقلب، وهي من امتى أساسَا في شغلانة بتعمر بإيد ست، دول يفلحوا بس في الخراب.
تمتمت شهد هي الأخرى بحنق من خلفه، تضرب كفًا بالاَخر:
-لا حول ولا قوة ألا بالله، روح يا خويا اعمل ما بدالك، يعني هتخرجنا من الجنة يا خي، بلا نيلة
❈-❈-❈
بداخل مقر الشركة التي يتم بها عقد المقابلات لاختيار الموظفين الجدد، كانت صبا مع صديقتها الجديدة مودة، مازلن في انتظار دورهن في الإختبار، الذي يجريه رئيس العمل حتى يتم استلام الوظيفة، ف قالت بريبة تتسرب داخلها:
– أنتي مش ملاحظة إن كل اللي بيدخلوا بنات او ستات بس؟
ردت مودة وعينيها تناظر الجالسات حولها بهيئات مختلفة، من منتقبة بملابس واسعة للغاية، لمحجبة بملابس عصرية، إلى أخرى منفتحة ترتدي جيبة قصيرة وملابس ضيقة وزينة صارخة، عدة أنواع مختلفة من البشر كلهن نساء
– عندك حق طبعًا، القعدة هنا كلها طرية بشكل مستفز والواحد نفسه جزعت وبقى حلمه يشوف حاجة خشنة، بشنبات أو عضلات او حتى عادي المهم يبقى فيه تغير، بدل ما حاسة كدة اني قاعدة في كوكب النساء، هههه.
صدر صوت ضحكتها بشكل لفت الأنظار نحوها، فتبسمت لهن صبا تردد بحرج:
-أسفين يا بنات معلش.
أومأت برأسها مودة تدعي الحرج هي الأخرى، بابتسامة مستترة، لتجفل على لكزة قوية من مرفق صبا تلقتها على خصرها وهي تزجرها بنظرة محذرة:
-إمسكي نفسك بجى واعملي حساب الجعدة الزفت اللي احنا فيه دي، ولا عايزاهم ياخدوا فكرة عفشة عنك
دلكت مودة بكفها على موضع اللكزة تردد بتأوه خفيض:
-اه إيه ده؟ ايدك تقيلة اوي يا بنت ابو ليلة، وأيه الغل ده في الضرب؟ زي ما يكون في ما بيني وما بينك طار يا شيخة، اه .
زفرت صبا بضيق حقيقي، ولم تستجيب لمزاحها، فحالة من عدم الإرتياح كانت تتنابها بشدة، ولا تعلم سببها، جعلتها تفرك بكفيها وتزفر بضيق، ف خاطبتها مودة ملطفة:
-يا بنتي خفي شوية الفرك بتاعك ده؟ انا مش عارفة إيه اللي قالقك بالظبط، عشان مفيش رجالة معانا يعني، مش يمكن الراجل رئيس العمل قسم الأيام، ما بين الرجالة والستات، عشان الزحمة، واديكي شايفة بنفسك اهو.
التفت صبا نحو الغرفة الواسعة والممتلئة بالنساء، فبدا على ملامحها بعض الإقتناع، وتسائلت:
– طب ليه موضوحوش؟ مش يمكن كنا جينا احنا كمان في يوم الرجالة؟
حركت مودة رأسها بسأم تردف بمهادنة:
– يا صبا، متبقيش شكاكة كدة ودقاقة في كل حاجة، ما هو مش معقول يعني هيكون كل الهيلمان ده، معمول عشان النصب او مقلب كاميرا خفية، كبري شوية يا ماما، كبري.
قالت الاَخيرة وهي تشير بسبابتها على جانب رأسها، سمعت منها الأخرى وتجسرت تهدأ نفسها وتطمئنها أن كل شيء سيكون خيرًا بإذن الله.
حتى انتبهت على نداء الموظفة المسؤلة بإسمها، ف انتفضت محلها تجيب الفتاة:
– ايوة انا صبا مسعد .
رمقتها السيدة بنظرة مقيمة من رأسها حتى حذائها في الأسفل، لتزيد من توتر الأخرى، قبل أن تردف:
-اتفضلي يا صبا، مستر حلمي مستنيكي في المكتب جوا
سمعت منها لتقف، وتهندم في ملابسها بقلق شعرت به مودة التي وقفت هي الأخرى، ولكن لتؤازرها:
-إهدي يا صبا وخدي نفس طويل وخرجيه، عشان تبقي واثقة في نفسك كدة مع الراجل اللي جوا ده، وتعرفي تجاوبي صح على كل سؤال يتوجهلك.
أومأت لها تهز برأسها، ثم تحركت تذهب وهي تعيد برأسها كل ما ذاكرته بالأمس من معلومات عن قواعد وأساسيات هذه المقابلات وما قد يوجه لها من رئيس العمل، وكيف يكون رد فعلها كفتاة تليق بالوظيفة .
❈-❈-❈
القت التحية وهي تلج لداخل غرفة مدير العمل والذي كان منتبهًا لها وكأنه ينتظرها:
-السلام عليكم .
– وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
قالها الرجل وهو ينهض عن مكتبه ليصافحها بكفه، استغربت صبا في البداية، ثم رصخت مضطرة لتبادله المصافحة، لتفاجأ بحرارة الترحاب بابتسامة لم تعجبها وكفه تطبق على كفها:
– اهلا اهلا يا صبا، نورتي وشرفتي، دا ايه الجمال ده؟
على الفور نزعت كفها صبا لترتد بأقدامها للخلف قائلة بعملية:
– اهلا وسهلًا يا فندم.
شملها الرجل الأربعيني بنظرة مقيمة هو الاَخر ليقول بإعجاب صريح:
– ما شاء الله يا صبا، انتي جميلة اوي .
– جميلة أوي!
تمتمت بها بعدم استيعاب، ف على حسب معلوماتها هذه العبارات لا تقال بهذه الصراحة أبدًا من رئيس العمل!
– اتفضلي اقعدي يا صبا.
قالها الرجل وهو يشير بكفه أمامها، اذعنت لتجلس على الكرسي المقابل لمكتبه مرددة با عتيادية:
– شكرًا يا فندم.
جلس هو الاَخر يقول بلزاجة لم تعجبها:
– قوليلي يا مستر حلمي، بلاش يا فندم دي، انا راجل بسيط ومحبش الرسميات، خصوصًا من الموظفين اللي عندي، ما انا خلاص قررت اقبلك.
عقبت صبا باستغراب:
– على طول كدة يا فندم، من غير اختبارات؟
طالعها حلمي بابتسامته المستفزة والتي لا تغادر وجهه:
– لا طبعا هختبرك، ما انا خدت فكرة خلاص عن الشكل الخارجي، فاضل بقى اعرف إمكانياتك في العمل، ها مؤهلاتك إيه بقى؟
اتخذت صبا وجه جدي وهي تردف له:
– حضرتك انا بكالوريوس تجارة انجلش، دا غير اني واخدة كورسات كتير في الإدارة والحاسب الاَلي، حضرتك انا درجاتي في المحاسبة كلها جيد جدًا.
لوح حلمي بكفه قائلًا بعدم اهتمام:
– لا لا سيبك من المحاسبة والكلام الفارغ ده، انتي اهم حاجة تعرفي تتعاملي مع الكمبيوتر ومكتبة الطباعة والباقي انا اقدر افهموهلك بسهولة وعلى راحتك كمان، انا ممكن اصبر عليكي.
صاحت صبا باستهجان وعدم تقبل:
– باقي إيه اللي تصبر عليا فيه حضرتك؟ وازاي يعني اسيبني من المحاسبة؟ هو انا هشتغل إيه بالظبط عندك ؟
– سكرتيرة.
– نعم!
– بقولك سكرتيرة يا صبا، وانتي فيكي كل المؤهلات ما شاء الله عليكي،
سمعت منه لتنتفض من محلها تهتف باعتراض:
– يا نهار اسود، لا طبعا مينفعش يا فندم، انا جاية هنا على أساس اللي انتو نشرتوه امبارح طالبين فيه محاسبين ووظايف تانية، وانا عايزة اشتغل محاسبة .
نهض حلمي يرواغها بسماجة أدهشتها:
– وتشتعلي محاسبة ليه بس؟ دا شغل يهد الحيل ويوجع قلب، انا رئيس الشركة وشايفك تنفعي واجهة للمكتب بهيئتك الأنيقة دي، دا غير إن هزودلك المرتب للضعف، وانتي بشطارتك بقى، ممكن اخليهم أضعاف.
زاد الإحتقان داخلها حتى كاد أن يفقدها صوابها، لتهدر غير أبهة بسلطته أو سنوات عمره التي تفوقها بالضعف، فخرج صوتها بلكنتها الجنوبية:
– شطارة مين؟ وأضعاف إيه دي اللي انا هبصلها دي؟ انا بت ابو ليلة، يعني تحت رجلي الفلوس.
على عكس ما توقعت غضب الرجل أو انفاعله نحوها، وجدته يناظرها بابتسامة بلهاء تعلو ثغره يقول لها:
-الله، دا انتي طلعتي صعيدية كمان يا صبا، طب ما تتجوزيني يا بت وانا اخليكي هانم، بلا شغل بلا مرمطة.
– اتجوزك دا إيه يا خرفان يا……
قطعت تقضم شفتها السفلى عن إكمال الباقي وتحجم نفسها عن الإمساك بأقرب ألة ثقيلة او حادة تجدها أمامها، حتى تُخرج غليلها بشج رأسهِ، مع تذكرها للعواقب التي تنتظرها من أبيها الذي سيمنعها عن العمل نهائيًا بعد ذلك ، هذا إن لم يزوجها لفرد من أبناء عمومتها في الصعيد غصبًا، لذلك لم تجد أمامها سوى أن تتناول حقيبتها وتخرج على الفور، مغمغمة بغيظ:
-نفدت من تحت يدي يا بن الفرطوس .
❈-❈-❈
بوجه مكفهر دلفت لمكتب المهندس مجدي، بعد أن هاتفها لتأتي على عجالة لحل هذه المعضلة الجديدة بحضور المهندس الجديد، الذي كان حاضرًا هو أيضًا في انتظارها ع الإتفاق هو الاخر، القت شهد بالتحية متعمدة عدم النظر إليه:
– مساء الخير.
– اهلا مساء الخير أستاذة شهد.
تفوه بها الرجل مرحبًا بعد ان نهض عن مكتبهِ ليصافحها بمودة صادقة:
– نورتي مكتبي المتواضع.
تبسمت له شهد متخلية عن عبوسها وهي تتخذ مكانها مقابل هذا المدعو حسن والذي كان يناظرها من طرف أجفانه بجسلته وهو مستند بمرفقه على سطح المكتب قبضته أسفل ذقنه بعجرفة، تجاهلته لترد على الاَخر بزوق:
– المكتب منور باصحابه يا بشمهندس ربنا يحفظك…. ها خير بقى؟
اطلق ضحكة سريعة الرجل ليقول:
– كدة على طول برضوا؟ مش تستني طيب على ما نقوم بالواجب.
قالها وهو يلتقط هاتفه من سطح المكتب أمامه، ولكن شهد أوقفته معترضة:
– لا الله يخليك بلاش مضايفة ولا تطلب أي حاجة، انا سايبة الشغل متلتل فوق راسي.
تحمحم الرجل يجلي حلقه في البداية ثم تفوه يبدأ حديثه
– حيث كدة بقى أنا مضطر ادخل في المفيد على طول، وأكيد يعني بوجود المهندس حسن، انتي دلوقتي خدتي فكرة لوحدك.
سمعت منه شهد لتنقل بعينيها نحو المذكور فقالت بتهكم مقصود:
– طبعُا يا فندم الجواب باين من عنوانه، أكيد بقى البشمهندس حكالك عن اللقاء الجميل اللي جمع ما بينا من شوية.
إلتف حسن هو أيضًا متفاجئًا من جرأتها في الحديث؛ التي استفزته ليرد بسخرية هو الاَخر:
– اَه امال إيه؟ واسأليه حضرتك انا وصفت في زوقك واحترامك أد إيه، إسأليه؟
ابتسامة جميلة اعتلت ثغرها اربكته، قبل أن تفيقه بقولها:
– مفيش داعي إنه يحكي ولا يقول، أنا عارفة ان انت مقصرتش.
ضرب حسن بكفه فوق سطح المكتب يزفر بغضب، مرددًا :
-اللهم طولك يا روح .
تدخل المهندس مجدي يقول بمهادنة:
– صلو ع النبي يا جماعة، لازم نتفاهم عشان نوصل لحل، جو التشاحن ده مينفعش، واحنا عايزين نخلص من ام الشغلانة الصعبة دي.
مطت شهد بشفتيها وهي تلتف نحو الرجل وقالت تحرك يداها كفعلتها في الصباح، لتسرق أنظاره في التركيز على هذه الجملة الصغيرة المتدلية من الإنسيال، وهي تقول غير منتبهة له:
الكلام دا يا سيادة البشمهندس تقوله لحد غيري، انت أكتر واحد عارف بالمرار اللي شربته انا في المصلحة دي، وعارف بالخساير اللي بتحملها مضطرة عشان موقفش الحال ونخلص بقى ع الموعد.
انتبه حسن على الأخيرة ليرد مقارعًا:
– حلو اوي البداية دي يا أستاذ مجدي، الأستاذة دي اللي بتقولك انها عايزة تخلص في الموعد كانت سايبة الشغل النهاردة يضرب يقلب والعمال مع نفسهم.
زفرت شهد لتهدر كازة على أسنانها:
– تاني برضوا هيقول إهمال، هو حضرتك عايزة إيه بالظبط؟ ربع ساعة وخدوها العمال عشان يفطروا، اموتهم انا من الجوع بقى عشان خاطرك، وخاطر العمل، إيه؟ هي عبودية؟
تدخل مجدي مرة أخرى يقول ملطفًا:
– هو مكانش قصدوا كدة يا شهد، طبعًا انتي عندي حق في كل اللي قولتيه، وهو كمان عنده حق، عشان الوقت اللي محكوم بيه، بعد المصلحة ما جابته يمسك بدال المهندس محمدي اللي سابها من النص وشافله شغلانة غيرها.
-طب وبعدين؟ إيه المطلوب دلوقتي؟
سألت بتحفز وهي تهز بأقدامها في الأسفل بعصبية، فقال الرجل:
-المطوب هو إنك تتعاوني مع المهندس حسن يا شهد، لا انتي عايزة تخسري بعد ما قطعتي نص السكة، ولا هو كمان يرضى بوقف الحال مرة تانية على ما نجيب مقاول تاني بقى والعك اللي انتي عارفاه ده.
اطرقت رأسها بتفكير عميق، تركز في كلمات الرجل فهي بالفعل في أشد الحاجة لاستئناف هذه العملية لسداد الديون المتبقية من زواج شقيقتها فريال بعد ان تكلفت وتحملت تجهيزها في الزواج منذ عدة أشهر، وبرغم استفزاز هذه المهندس لها، إلا أنها لا تملك إلا الرضوخ، حتى لو ادعت غير ذلك .
– لدرجادي المهمة صعبة؟
تفوه بها حسن ساخرًا بابتسامة غير مفهومة ليزيد من غضبها، ولحق مجدي قائلًا بعملية، قبل أن ينفلت لسان شهد بالرفض معاندة:
– خلاص يا شهد مفيش داعي للتفكير، عديها بقى.
تنهدت لتوميء برأسها بقنوط، وقبل أن تهم بالتحدث وجدت الاَخر يسبقها:
-بس انا عندي شرط يا بشمهندس.
ناظرته شهد رافعة حاجبها بتساؤل، تكلف به مجدي:
– إيه هو شرطك يا حسن؟
رفع سبابته يجيب محذرًا بحزم:
– مدام مصلحتنا واحدة في إنهاء العمل في اقرب وقت، يبقى الأستاذة تنفذ اللي هقوله من غير اعتراض عشان نخلص، واظن بقى إن دا حقي .
-طبعًا حقك.
تفوه بها مجدي سريعًا قبل أن يتجه لشهد، التي كانت تناظرهم بشر:
– وانتي ليكي عليا يا شهد، هعمل كل جهدي عشان تاخدي كل مستحقاتك من المصلحة في اقرب وقت.
❈-❈-❈
في طريق عودتهن إلى منازلهن بعد فشل المقابلة الكارثية للعمل، تمتمت مودة بكلمات حانقة بعد ترجلها من سيارة الأجرة التي ضمتها هي وصبا:
– يا كش بس تكوني مرتاحة دلوقتي بعد ما ضيعتي علينا الشغلانة؟
توقفت صبا تواجهها باحتقان ما يجيش بصــ درها وما اختبرته في هذه الساعات القليلة:
-بجولك إيه يا مودة، من الاَخر كدة يا بنت الناس، تجفلي ع السيرة دي خالص عشان انا فيا اللي مكفيني، انا مجبرتش عليكي تمشي وتسيبي الشعلانة اللي انتي ندمانة عليها دي، عايزة تشتغلي مع واحد مش تمام زي ده، انتي حرة.
شعرت بالحرج مودة والعيون في الشارع منصبة جميعها عليهن بهذه الوقفة الغريبة لهن والنبرة المحتدة من الأخرى إليها، فهمست متمتمة:
– طب براحة طيب، الناس كلها بتبص علينا، مستغربين الوقفة بتاعتنا دي في وسط الشارع اساسًا، اهدي بقى انا بهزر.
سمعت منها صبا واستدارت عنها تسبق في الخطوات بغيظ لتكمل طريقها بصمت، وخلفها كانت مودة تنتبه على النظرات المصوبة نحو الأخرى، رغم سيرها العسكري، والذي قد يظنه البعض تكبر، ولكنها تتمتع بجاذبية غير عادية، صديقتها التي تعرفت عليها منذ سنة تقريبًا، بعد مجيئها من الجنوب لتسكن هنا مع والديها، تعرف أنها مدللة أبيها، ولكنها أيضًا ذات شخصية فريدة تتمنى أن تصل لنصف حظها .
عادت صبا لتلتف برأسها نحوها وتسألها:
– هتيجي معايا بيتنا تتغذي؟
– ها .
تفوهت بها مودة تستفيق من شرودها، لتشدد عليها صبا في قولها:
-بقولك هتكملي الشارع وتيجي معايا على بيتنا؟ ولا هتختصري وتروحي على بيتكم؟
التفت مودة نحو ما تشير صبا، لتجد نفسها أمام بنايتهم بالفعل، فتبسمت تجيبها باضطراب:
-لا لا مش هينفع، انا هروح اعلق ع الغسالة بقى مدام رجعت بدري عشان الغسيل اللي متكوم في سبت الغسيل، روحي انتي وعلى اتصال بقى .
أومأت لها برأسها وذهبت لتكمل الباقي نحو البناية التي تقطن بها، متجاهلة كلمات الإعجاب والغزل التي يتفوه بها الشباب والمارة من جوارها، تعلم أنها جميلة ولكنها لا تعطي لهذه الصفة أكبر من حجمها، حتى لا تصبح عبدة لشيء زائل كما يقول لها والدها دائمًا.
❈-❈-❈
دلفت صبا لداخل المصعد بخطوات ثقيلة، محبطة، تجر اقدامها جرًا بيأس أصابها، وقد ضاعت عليها فرصة وحلم خططت له منذ شهور، كانت تود تحقيقه كي تحقق ذاتها بعيدًا عن العادات التي تقيدها وتقيد حريتها، بالزواج والإنجاب وإلغاء كينونتها خلف زوج يتحكم ويأمر وينهي حتى على اتفه الأمور الخاصة بها، هي اصغر أشقائها وقد شهدت بعينيها ما يعاني منه شقيقاتها المتزوجات في الجنوب من العائلة، أبناء عمومتهن الذين تزوجن منهن بشهادات تعليم متوسط، يملكن حق تقرير مصير شقيقاتها الجامعيات، والتقليل أو السباب حتى، وهي أبدًا لن تكون مثلهن، ولو حتى ظلت هكذا بدون زواج كما يفعل ويهددها والدها دائمًا، كي تيأس وترصخ، ولا يعلم بأنها سعيدة بذلك، وقد تمكنت بصعوبة شديدة بالحصول على موافقته على العمل وكأنها انتزعت قطعة لحم من فم الأسد.
توقف المصعد فجأة على أحد الطابق فدلفت لتنضم إليها هذه السيدة الرقيقة بعباءة منزليه واسعة تلقي التحية بابتسامة رائعة:
– صباح الفل يا صبا.
ردت تبادلها الابتسامة ببعض الإضطراب:
– اهلًا صباح الفل يااا… رحمة.
ضحكت الأخيرة قائلة:
– ياه يا صبا، ساعة عشان تفتكري إسمي؟ بس اقول إيه؟ ما انتي قافلة دايمًا، ومستخبية في بيتكم، هتعرفي جيرانك إزاي بس؟
توقف المصعد فجأة ليخرجن الإثنان بنفس الطابق، وقالت صبا ترد على المرأة:
– مش حكاية محبوسة والله، بس انا مبطلعش غير ع الضرورة، لكن طبعًا عارفة انك جيرانا وساكنة في الشقة اللي تحت.
ردت رحمة وهي تتوقف بالقرب من الشقة المجاورة للمصعد:
– دوكها شقتي اللي متجوزة فيها يا صبا، أما دي بقى تبقى شقة اهلي وانا بطلع كل يوم اشوف طلبات والدتي عشان هي تعبانة اوي بقالها فترة؟
ظهر على ملامح صبا التأثر فقالت بشفقة:
-الف سلامة عليها مكنتش اعرف والله.
ردت رحمة بابتسامة، وعتب مبطن:
– ما انا قولتلك هتعرفي ازاي يا صبا؟ ع العموم احنا فيها، تعالي ادخلي معايا وسلمي عليها ، دي بتفرح أوي بأي حد يدخل لها.
انسحبت الدماء من وجهها، وجف حلقها، مع تخليها لرؤية هذا الرجل الغريب لها بداخل منزله! هذا المدعو شادي، يكفيها موقفه معها في الصباح.
تحركت رأسها لتخلتق حجة للرفض، ولكن رحمة كان لها السبق:
– اوعي تكوني مكسوفة، او خايفة ليكون البيت فيه شباب، اخويا شادي النهاردة اساسًا في مأمورية برا العاصمة وهيقعد فيها كان يوم كمان، ولا انتي مش عايزة؟ براحتك.
أحرجتها بزوقها وكلماتها اللطيفة، فلم تملك صبا سوى انها توافق، وتتحرك معها، وتناولت الهاتف تتصل بوالدتها تخبرها بعودتها وزيارتها الاَن لجيرانها في الشقة المقابلة لشقتهم.
❈-❈-❈
داخل الفندق الشهير دلفت رباب تتأبط ذراع زو جها والذي كان يرتدي حلة رائعة تخطف الأنفاس، أما هي فكانت على التوقع كالعادة، مثيرة حد الفتنة، تسرق الأنظار نحوها بفستان أسود عاري الكتفين، بقصة كلاسيكية، منسدل على جســ دها بنعومة، يصل حتى كاحليها، بفتحة على ساقها حتى أعلى ألركبة، توزع الابتسامة بروتينة نحو كل من يحيها، استقبلهما عدي عزام مرحبا بتهليل:
-كارم حبيبي.
– عدي باشا، إيه الأخبار؟
رددها كارم بمصافحة رجولية متبسمًا بابتهاج:
– فل.
تفوه بها عدي غامزًا، قبل ان يرحب مصافحًا رباب هي الأخرى:
– نورتي فندقنا المتواضع يا رباب هانم.
اومأت له بابتسامة يشملها الزهو:
– يا خبر ابيض، اكبر فندق في البلد وبتقول عليه متواضع؟
– دا من زوقك يا هانم.
رددها عدي بابتسامة هو الاَخر قبل أن يشير بكفهِ للأمام قائلًا:
– معايا بقى على قاعة كبار الزوار، بهيرة هانم والدتي مع زو جتنا الفاضلة ميسون هناك مع ضيوفنا المُهمين.
بعد قليل
كانت رباب مندمجة في الحديث الجانبي مع السيدة بهيرة شوكت، وز جة ابنها المتعالية مثلها ذات الأصول التركية، مع عدد من النساء اخريات صديقات للمرأة الكبيرة او زو جات لبعض الشركاء.
أما كارم وعدي فقد اتخذا جانبًا لهما وحدهما للأنفراد بالحديث، فقال كارم وهو يرتشف من كأس مشروبه:
– مكنتش أتصور إن اخوك ميبقاش معانا في مناسبة زي دي؟
فهم عدي على تلميحه ورد بابتسامة:
– ومين قالك بقى إن مصطفى مجاش؟ دا وصل مع بداية الحفل عشر دقايق سلم ع الشركا ورحب بيهم، وبعدها مشي على طول .
– أممم.
زام بفمه يتمتم بابتسامة خبيثة:
– يعني الباشا قصد يجي مع البداية ويمشي قبل ما يشوفني، رغم اني الشريك الرئيسي في الحفل.
لوى عدي ثغره بابتسامة مستترة وارتفعا حاجبيه وانخفضا سريعًا بمغزى فهمه كارم فتابع مردفًا:
– واخد موقف مني، عشان جاسر الريان وطارق اصحابه، انا كنت عارف من الأول على فكرة، ودا اللي خلاني اشك في جديتك للشراكة معايا في البداية.
خطف عدي نظرة نحو امرأة اجنبية مرت أمامه، قبل أن يعود لكارم قائلًا بثقة:
– واديك اتأكدت اني مش لعبة في إيد مصطفى، وبعرف اشتغل من غيره، بدليل شركتنا اللي بقت تنافس الشركات الكبيرة في اقل من سنة.
تصلب وجه كارم واشتدت ملامحه، ليردف بتصميم وقوة:
– ولسة، انا مش هستريح غير لما تبقى شركتنا من اكبر الشركات في مصر كلها والشرق الأوسط كمان.
– حلو اوي، وانا معاك يا سيطرة
تفوه بها عدي بابتسامة متسعة قبل أن ينتبه على الصوت الناعم من خلفه:
– طب انا كدة خلصت ورديتي يا عدي باشا، عايز حاجة تاني مني؟
قالتها الفتاة بميوعة ومغزى صريح بعينيها فهمه كارم، ليرمقها من اعلى للأسفل بتذكر، مع قول عدي:
– لا روحي انتي يا ميرنا، واما اعوزك هبقى اطلبك.
انصرفت الفتاة تتمايل بخطواتها، وملابسها الضيقة والقصيرة فوق ركبتيها، حتى جعلت انظار الرجال تتعلق بها حتى اختفت، فقال كارم بدهشة:
– يخرب عقلك، مش دي برضوا البت اللي عاكست جاسر الريان قدام مراته يوم الاحتفال اللي عمله مصطفى للشراكة معاه؟
اومأ له الاخر يهز رأسهِ بشيطنة وقال بتسلية وهو ينثر رماد سيجارته:
– اه هي، ما انت متعرفش بقى ان جاسر الريان قضى معاها ليلة قبل ما يتجوز مراته التانية، ف البنت بقى سلمت عشان العشرة.
استجاب له كارم ضاحكًا يردد خلفه غامزًا بمكر وقد فهم وحده ما بينهما:
– وانت بقى اللي صاين العشرة، عشان كدة مشغل رفيقتك في الفندق، يا جبروتك يا أخي.
قالها كارم وانطلق عدي بضحكة مجلجة بمرح وإعجاب لفراسة الاَخر، في كشفه بهذه السرعة.
❈-❈-❈
هتفت لينا مرددة وهي تتقدم بداخل غرفتها بصنية لكوبين من العصير:
– قومي يا حلوة قومي يا قمورة، كفاية نوم بقى يا خم النوم.
وضعت الصنية على الكمود المجاور لتختها لتنضم تحت تحت الغطاء مع الأخرى تتابع وهي تهزهزها بكفها بخفة وتدعي الحزم:
– يا بت قومي بقى، هو انتي عجبك السرير ولا إيه؟
رفرفت شهد بأهدابها لتتبسم من بين استفاقتها من النوم، فقالت لينا مغازلة بتفكه:
– ايوة يا ختي بربرشيلي بعنيكي الحلوة دي، يا كحيلة العينين إنتي، على رأي رمزي الله يرحمه.
– الله يرحمه.
تمتمت بها شهد وهي تعتدل بجذعها حتى جلست بنصف نومة، مع استفاقتها لتتمطع بدلال لا تشعر به سوى في هذا المنزل، تاركة الهموم والمسؤلية بمنزل والدها مع شقيقاتها ووالدتهن، فقالت حين انتهت:
– فكرتيتي بسنين الدلع يا لينا، ربنا ياخدك.
شهقت الأخيرة مستنكرة، بصورة فكاهي، اضحك شهد، لتصيح بوجهها:
– بقى هو ده رد الجميل؟ نيمتك في سريري وجاية اصحيكي بكوبايتين عصير منجة، دافعة تمنهم بالشيء الفلاني، دا غير الغدا اللي راكز في معدتك ولسة متهضمش، يا ناكرة زي القطط انتي .
ضحكت شهد تغيظها، ودلفت أنيسة لتدخل في الحديث معهن:
– وزودي عليهم كمان كيكة سويسرول، بالشوكولاته والمربي إنما عجب.
شهقة أخرى خرجت هذه المرة إنما بفرح وتهليل من شهد التي نهضت على الفور تتناول الصنية من المرأة، لتتزوق منها القطع الملفوفة بتأوه حارق:
– ياه يا خالتي، دي حلوة اوي.
تبسمت لها أنيسة بمودة وهي تجلس على المقعد المجاور للسرير مرددة:
– بألف هنا وشفا يا حبيبتي، مطرح ما يسري يمري.
اردفت شهد بحالة من الهيام التي تتملكها بالطعم الذي تعشقة:
-لحقتي امتى تعمليها دي؟
انيسة وهي تلوح بكفها بعدم اكتراث:
– عملتها يا ستي وانتو نايمين، ما انت عارفاني، شغل الحلويات دا غية عندي، بعملها واسيبها في التلاجة، وناكل فيها بمزاجنا انا والبت دي او لما يجي حد من الحبايب، زيك كدة أو زي طارق ومراته او جاسر لما يهفه الشوق مع زهرة وعيالها جوز المصايب الصغيرين، دول بيبهدلوا الدنيا، عكس اخوهم مجد، اسم النبي حارسه.
اشرق وجه شهد براحة شديدة؛ تجدها مع هذه المرأة المضيافة والحنونة، وتمتمت بمحبة:
ربنا يبارك في صحتك يارب، ويفضل بيتك كدة مفتوح وعامر دايمًا…. ابويا كان كريم زيك كدة.
– ربنا يرحمه يارب
تمتمت بها لينا سريعًا، لتغير دفة الحديث، حتى لا تنجرف صديقتها للذكريات المؤلمة:
– كنا بنتكلم قبل ما تيجي يا ماما، عن كحيلة العينين، فاكراها؟
فمهت أنيسة ما تلمح به ابنتها، فتطلعت بابتسامة مستترة تطلعت نحو شهد التي أخفت وجهها بين كفيها مرددة كلماتها بتذمر نحو الأخرى:
– روحي يا بعيدة، اعمل فيكي إيه بس؟ دايمًا فضحاني كدة، وانتي بتفكريني بخيبتي.
ضحكت لينا بشقاوة تغيظها، وعقبت أنيسة على قولها باستنكار:
-خيبة إيه يا بت اللي بتقولي عليها؟ انتي كنتي عيلة ودي مشاعر اطفال، يعني شيء عادي لما قلبك الصغير يتعلق ويحب.
زمت شفتيها شهد بابتسامة رائقة، تقول بهيام في لحظات صفو نادرًا ما تشعر به وسط جبل الهموم المعلقة على كاهلها:
– عندك حق، كانت مشاعر طفولة، وانا كمان كان ليا عذري يا خالتي، الله يرحمه كان دايمًا يدلعني، ويتغزل في عيوني الكحيلة ويبين قرفة من اللون الفيروزي لون البت دي .
قالتها بإشارة نحو لينا التي عبست تدعي الضيق، رغم ابتهاجها من الداخل لتذكرها أيام جميلة مع شقيقها ومناكفته لها، وقالت أنيسة هي الأخرى:
– كان دايمًا يضحكني انا كمان ويقول دي عروستي، تكمل ١٨ سنة يا ماما وهتجوزها معاكي هنا في البيت، مش هستني ادور على شقق، الله يرحمه بقى
تمتمت خلفها شهد تردف بجرح قلبها:
– الله يرحمه، وكأن بموته وهو ابويا خدوا معاهم الفرح والهنا من دنيتي.
اصدرت أنيسة بفمها صوت استهجان، وهتفت بها لينا بغضب:
– إيه يا بت ما تخلي بالك من كلامك، انتي هتسخطي على أمر ربنا؟
تمتمت شهد بالاستغفار بندم وتراجع، وخاطبتها أنيسة هي أيضًا:
– متخليش الظروف القاسية اللي اتحطيتي فيها، تنسيكي رحمة ربنا، وجمدي قلبك كدة وشوفي نفسك،
متزعليش مني بصراحة، بس انا مش عاجبني الأسلوب ده.
تنهدت شهد بقنوط تعقب على كلمات المرأة:
– ولا انا والله عاجبني، بس اعمل ايه؟ ابويا سابهم في رقبتي، وانا عمر عشرين سنة، ومراته بقى كانت عايزة تبيع شركته وتعبه وشقاه وتروح بلدها، انا بقى كنت هروح فين؟ ولا اقدر اسيب خواتي ازاي مع اهل امهم لما ياخدوا الورث منها زي ما كانوا مخططين.
تدخلت لينا:
– حصل يا شهد وانا معاكي وشوفت بنفسي، بس يا حبيبتي دول زادوا فيها اوي، كتر الدلع خلاهم جبلات، يعني مش كفاية الكبيرة فيهم اللي اتجوزت ومفكرتش تساعدك، او حتى تشيل المسؤلية معاكي، عشان تطلعلك الزفت أمنية ده دي كمان، وعايزة تقلدها؟
أطرقت برأسها وقد اَلمها صدق الحديث وصدق المنطق منهن ولكن ما الفائدة؟
رفعت رأسها فجأة متهربة لتتناول قطعة من الكيك قائلة:
-بس انتي نفسك حلو في الأكل يا خالتي، ما تقوليلي ع الطريقة.
تبسمت لها أنيسة تجاريها حتى لا تزيد عليها، كذلك فعلت لينا ليندمجا بالتسامر والضحكات المشاكسة، قبل ان تجفل على صوت المكالمة التي وردت للهاتف، واستجابت شهد لترد على رقم شقيقتها:
– ايوة يا رؤى…… إيه بتقولي إيه؟….. مالها أمنية؟

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *