رواية سيد القصر الجنوبي الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم رحاب ابراهيم حسن
رواية سيد القصر الجنوبي الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم رحاب ابراهيم حسن
رواية سيد القصر الجنوبي البارت التاسع والعشرون
رواية سيد القصر الجنوبي الجزء التاسع والعشرون
رواية سيد القصر الجنوبي الحلقة التاسعة والعشرون
فهمت سمر ما سيفعله وأخفت ابتسامتها وذهبت خلفه حينما خرج من مكتبه وتوجه نحو غرفة أمجد مباشرةً..
وحينما فتح وجيه باب الغرفة صدم عندما وجد أمجد يحاول النهوض من سريره الطبي وعلى وجهه مرتسمة علامات الغضب والأستياء الشديد مع عذاب صارخ بعينيه.
ذهلت سمر وسرعان ما هرعت إليه لتمنعه من الحركة حتى لا يتأذى وجسده ما زال تملأه الإصابات والكسور العميقة .. فقالت وهي تمسك ذراعه بقوة لتمنعه:
_ أنت بتعمل ايه وأزاي تتحرك كده من غير أذن الدكتور أو حد يكون جانبك ؟!
توجه أمجد بنظرة نارية وجبينه يتصبب حبيبات العرق من المجهود الثقيل أثناء تحريكه لجسده وصرخ بوجهها :
_ عايزة مني إيه سيبيني وأمشي ، أنا مش هقعد هنا تاني .. !
وهنا انفطر قلبها حزنا على ما وصل اليه بعدما كان طبيبا نشيطأ تملأ حياته الحركة وصخب الشباب فقالت بألم :
_ مش همشي وأسيبك مهما عملت.
تنهدت وجيه بعمق وهو يحاول قراءة حالة أمجد خلال تلك الثواني، ثم قال وهو يخطو اليه ويسانده من ذراعه الآخر لكي يتمدد على الفراش مرةً أخرى وقال بأمر :
_ طب أقعد الأول نتكلم يا أمجد .. واللي أنت عايزه هعمله.
نظر أمجد لوجيه بنظرات يملأها العذاب والالم رغم عصبية صوته حينما قال :
_ عايز أمشي من هنا من فضلك يا دكتور .. عايز أبقى لوحدي.
وبعدما قال ذلك هاجمه موجة ألم قاسية بساقه المصابة والمجبرة بالجبيرة البيضاء وتأوه ألما .. وحينها وضعت سمر يدها على فمها وهي تبك كأنها هي من تتألم .. واستطاع وجيه أن يجعل أمجد يتمدد مرة أخرى على الفراش مستجيبا بضعف لآلامه .. ثم جلس بقرب الفراش وقال بثبات :
_ شوفت أقل حركة تعبتك أزاي ؟! .. ماينفعش تخرج من المستشفى دلوقتي خالص.
جاهد أمجد ليخفي دموعه من سطوة الألم الذي يكتسح ساقه بالكامل ، ثم قال :
_ بقالي أكتر من شهر بتنقل من مستشفى لمستشفى ولسه المفروض هقعد تاني ! .. أنا أعصابي تعبت ومابقتش مستحمل.
تفهم وجيه حالته وقال بلطف :
_ أنا مقدر حالتك ، لكن لازم تشكر ربنا كل لحظة أنه نجاك ، الحادثة كانت صعبة والعمليات اللي أنت عملتها كانت أصعب وقليل أوي اللي خرج منها .. اللي أنت فيه دلوقتي ده نعمة كبيرة أوي يا أمجد ولطف من ربنا بيك وباللي حواليك.
وتسحبت نظرة وجيه لسمر التي انهمرت دموعها وجعا على أمجد ولا زالت ناظرةً له بأسى .. ثم عاد وجيه قائلًا لأمجد :
_ أوعدك أن قريب أوي هكتبلك خروج عشان تكمل علاجك في البيت ، لكن ده مش قبل أسبوعين على الأقل .. لحد ما تبقاش محتاج غير الدوا اللي بس هيتاخد في مواعيد محددة وجلسات علاج طبيعي .. وأن كنت أفضل أن ده كله يتم وأنت هنا وسطينا .. لكن كل اللي يهمني دلوقتي صحتك ونفسيتك والأصلح ليك.
تنهد أمجد بعمق وهو يغمض عيناه بألم مريع ثم قال :
_ بمجرد ما أبعد عن هنا نفسيتي هترتاح ..
تعجب وجيه من مدى الإصرار الذي يلازم أمجد في الابتعاد عن هنا لتلك الدرجة، فنهض قائلًا :
_ وسواء كنت هنا أو رجعت البيت هتفضل تحت رعايتي ومراقبتي يا أمجد .. أنت هتفضل بالنسبالي أبني اللي مخلفتهوش ومش محتاج منك موافقة في بعض القرارات ..
ونظر وجيه مرة أخرى لسمر وقال بجدية:
_ انتي يا سمر هترجعي هنا عشان هدير محتاجينها ضروري للعناية .. أنتي فاهمة حالة دكتور أمجد أكتر من أي ممرضة ومعاه من الأول.
نطق أمجد بحدة وقال برفض شديد :
_ بعد أذنك يا دكتور وجيه .. أنا بطلب منك ممرضة تانية .. لو سمحت.
ابتسم وجيه له وقال برزانة :
_ مش هينفع يا أمجد .. وعلى فكرة منى حكيتلي على اللي حصل وفهمت سبب طلبك .. بس عايز أقولك حاجة مهمة.. أعذر سمر ، هي برضه كانت في مشكلة كبيرة من فترة قريبة ونفسيا وصحيا اتأثرت كتير ، لكن هي مش مهملة أبدًا في شغلها .. سمر معانا بقالها سنين ومافيش أي حد أشتكى منها غيرك ..
نظر أمجد لها بعصبية ويبدو أنه لم يقتنع بما سمعه ، حتى أضاف وجيه :
_ بس أنا عندي اقتراح كويس .. سمر هتجيلك نبطشية النهار ، وبليل هبعتلك ممرضة تانية.
وهنا تدخلت سمر وقالت وهي تمسح دموعها :
_ خليني أنا بليل يا دكتور ، أنا متعودة على نبطشيات الليل ..
وافق وجيه على الفور وقال :
_ اللي يريحك … وأظن كده الكل مرضي ؟
اومأت له سمر بنظرة امتنان شديدة ، بينما أمجد تنهد طويلًا ثم قال :
_ تمام يا دكتور وجيه .
ابتسم لهما وجيه ثم انصرف من الغرفة ، وبعدها نظرت سمر لأمجد بنظرات عاتبة وقالت وهي تجلس على المقعد الفارغ بجانب فراشه :
_ مش هحاول أضايقك أبدًا تاني .. بس ارجوك خلي بالك من نفسك.
ارتبك أمجد وابتلع ريقه بتوتر وهو يبعد عينيه عنها بكل مقاومته، حتى قالت سمر والدموع تتلألأ بعينيها مرةً أخرى :
_ يمكن كنت بتشوفني بنام كتير وقت شغلي رغم أنك كنت بتاخد الدوا في ميعاده بالدقيقة .. لكن والله أنا مكنتش كده ، أنا بقالي أكتر من شهر مدوقتش طعم النوم .. ده غير السهر والوجع وكتر البكا والضعف اللي حسيت بيهم الفترة اللي فاتت ..
أطرف امجد عينيه بحيرة ونظر لها مرة أخرى باهتمام واضح وكأنه يريد معرفة المزيد .. فمسحت سمر عينيها وقالت محاولة رسم ابتسامة على ثغرها :
_ بس الحمد لله .. ربنا قدر ولطف، يمكن عشان كده كنت كل ما تشتكيني لحد يعذرني ، لأن الكل هنا عارفني وعارف مدى انضباطي في شغلي.
للحظة ظهر تعاطفه معها، ولكنه خيّب ظنها عندما قال بعصبية :
_ انضباطك ! … وهو من ضمن أنضباطك برضه كتر الهزار والضحك مع الدكاترة !
ضيقت سمر عينيها عليه وخبأت ابتسامتها من غيرته الواضحة، وقالت وهي تتظاهر بالثبات والجدية :
_ أنا ما هزرتش مع حد وتعاملي عمره ما تعدى التعامل العادي والذوق لكل اللي حواليا … وبعدين يا دكتور أنت بتتكلم على الهزار والضحك بس للأسف ناسي أنت كنت بتتكلم معايا أزاي زمان ..
اتسعت عينان أمجد وقال بدهشة :
_ تقصدي إيه ؟! .. أني كنت بهزر معاكي ! .. مستحيل !!
ابتسمت بنظرة ماكرة والتزمت الصمت عمدًا، بينما هتف بها بغيظ وصاح :
_ ما تردي !!
ضحكت بخفة ثم قالت :
_ أرد أقول إيه بس ! .. هو أنا مخي دفتر !!
ضيق عينيه وفهم أنها تتلاعب عليه فهتف بحدة :
_ بتستغلي أني تايه ومش فاكر حاجة يعني !.
تجمدت للحظة من تفسيره وسوء ظنه الدائم بها، ثم نظرت له وقالت بنظرة عاشقة :
_ بعد الشر عليك من التوهة .. ولا عمري أقصد أتوهك أو أضايقك .. أنت بالذات ، غالي عندي أوي .. أغلى مما تتخيل.
وتشاركت نظراتهما للحظات طويلة، نظرات استفسار وحيرة وشيء غامض يجذبه بجنون لتلك الفتاة، ونظرات عاشقة منها تعترف بالحب في خشوع الصمت .. وأهدته أرق ابتسامتها، ثم أرخت جسدها على المقعد انتظارًا لموعد الدواء التالي ومتابعة المحلول الطبي ..
أغمض امجد عينيه محاولًا الهروب من نظراتها المحدقة به في جرأة، ولكنه مع الوقت خلد للنوم بالفعل.
_______________________________
ظلت جيهان تتململ في فراشها وجفى النوم عينيها، حتى اعتدلت بالفراش وجلست مسترخية وقالت لنفسها بتعجب :
_ هو أنا هخسر ايه لو وافقت .. هخسر ايه أكتر من اللي ممكن اخسره لو رفضت ؟!
لو رفضت هرجع وحيدة ، لا حب ولا ونس .
لكن لو وافقت يمكن أحتمال كبير يكون صادق وبيحبني بجد .. وساعتها هكون أسعد أنسانة في الدنيا .. هو قالي أن اللي قالهولها كان لعبة عشان يرجع حقه .. طب ما هو فعلا سابها أهو بعد ما رجع حقه وحق أخوه … يبقى فعلًا صادق .
تنفست جيهان بحدة وحيرة ثم عادت تقول لنفسها بعذاب ويأس :
_ افرحيلك ولو يومين يا جيهان .. أنتي لأول مرة تحبي بجد ، سيبي بكرا لبكرا .. يمكن بكرا اللي أنتي خايفة منه ده يكون شايلك الفرحة اللي طول عمرك بتتمنيها … وكفاية أنه اصلا مش محتاج فلوسي يعني مش طمعان فيا .. يبقى ايه اللي ممكن يخليه متمسك بيا غير أنه بيحبني زي ما بحبه ؟
وهنا أخذت جيهان القرار وقالت بابتسامة سعيدة :
_ أنا هوافق .. وهخطفلي من الفرحة ولو يومين .. ويمكن اليومين دول يبقوا طول العمر .
وحينها شعرت بالفرحة تتسرب لأعماق روحها، ونهضت من الفراش وارتدت ذلك الفستان الذي أهدتها به أشهاد سابقا وخرجت من الغرفة متوجهة للمطبخ ..
وبالصباح الباكر ..
استيقظ أكرم بعدما غفا تلك الليلة بالكاد على رائحة حلوى شهية .. وحينما خرج من غرفته يتفقد مصدر الرائحة .. وجدها ناحية المطبخ، فابتسم بشك وهو يخطو له.. حتى صدق حدسه حينما وجد جيهان تقريبًا قضت على مخزون الاسبوع كاملًا في إعداد أطباق متنوعة من الحلوى الشهية .. وذلك بجانب أطباق وجبة الأفطار ، فابتسم وهو يسألها بدهشة :
_ عملتي ده كله أمتى ؟
وعلى غير المتوقع من طيلة السهر بالساعات الفائتة، فقد بدا وجهها مشرقا لامعا ومبتسما ببهجة شديدة حينما ضحكت وقالت :
_ من الفجر تقريبًا، لقيت نفسي مش جايلي نوم قولت أعوض الولاد غيابي ..
امتلأت ابتسامة أكرم بالدفء وسألها بمكر :
_ معرفتيش تنامي ليه ؟ ايه اللي شاغل بالك ؟
اخفت ابتسامتها بحياء ثم أجابته بمراوغة :
_ في ناموس كتير أوي هنا .. مخلنيش عارفة أنام.
اغتاظ منها للحظات، ولكنه ضحك من قلبه على خروجها من فخه بذكاء، ثم قالت جيهان بمحبة :
_ الولاد هيفرحوا أوي بالحلويات دي كلها ..
رد عليها أكرم بابتسامة خبيثة :
_ وأنا كمان فرحان أوي بالحلويات .. بموت فيها أكتر من الولاد والله.
ابتعدت عنه وتظاهرت أنها ترتب الأطباق وحررت ابتسامتها بعيدة عنه بعدما فهمت مغزى الحديث، ثم قالت بجدية :
_ نبطل كلام ونفضى لترتيب السفرة قبل ما يصحوا ، عايزة اعملهم مفاجأة ..
وافقها أكرم بسعادة فائقة وساعدها حتى تم أعداد مائدة الطعام بأطباق كثيرة ومتنوعة من الحلوى والأطعمة اللذيذة، وعندما التف الصغار حول المائدة هتف بعضهم بحماس وسعادة والبعض الآخر كان يلتهم الحلوى بنهم .. وتولت جيهان أطعام الصغيرة أشهاد بيدها، حتى قالت أشهاد برجاء وهي تضم جيهان بمحبة شديدة :
_ عشان خاطري يا ماما جيهان ماتسبيناش تاني.
ضمتها جيهان وشعرت أنها فرصة مناسبة لتخبره قرارها دون خجل منها ، فقالت وهي تنظر له نظرة جانبية مبتسمة :
_ ما تقلقيش يا حبيبتي .. أنا خلاص قررت أفضل هنا معاكم على طول.
صرخ جميع الصغار بسعادة وبعضهم قفز ببهجة من مقعده وبين كل هذا المرح كانت عينان أكرم غارق بنظرات العشق المصوبة نحوها مباشرة وابتسامة شديدة الدفء على شفتيه .. كان وجهه خاليًا من الزيف ، عينيه أصدرت بهجة لا غبار فيها ولا شك .. وابتسمت له جيهان بسعادة ردًا على نظراته ..
وحالما أنتهى الأفطار وحمل الصغار الأطباق للمطبخ بسلاسة .. أتى الصغير عصفور قائلًا لجيهان :
_ الزعامة عايز يتكلم معاكي في مكتبه يا هريسة
ابتسمت جيهان للصغير وربتت على رأسه بمزاح، ثم عدلت هندامها وتوجهت لمكتب السيد المخيف .. وللغرابة وجدت البا مفتوحا على مصراعيه كأنه انتظر مجيئها بكل شوق … دخلت جيهان للمكتب وتركت الباب مفتوحا كما هو .. لتجد أكرم واقفا ومستندا بثبات بجانب حائط المدفئة الخشبية .. وحينما رآها تحرك بهدوء نحوها في خطوات متزنة ثم قال بابتسامة :
_ كتب كتابنا الأسبوع الجاي .. وياريت ما تعترضيش ، مافيش داعي للتأخير .
دهشت جيهان من استعجاله ، وقالت بتفكير :
_ طب على الأقل أسبوعين ! .. على ما ارتب شوية حاجات ..
اومأ أكرم رأسه برفض ثم قال :
_ أسبوع زي أسبوعين .. تقدري تعزمي كل أصحابك ومعارفك في ساعة زمن ، وأقدر النهاردة أخدك وأوديكي لأشهر برندات تختاري منهم كل فساتينك وهدومك .. والنهاردة برضه هخلص شوية ترتيبات بخصوص القصر .. أنما ترميم القصر أو هده حتى ده محتاج شهور ووقت طويل أوي مش هينفع أصبر المدة دي كلها .. بس طبعا بعد الجواز هتختاري اللي يريحك .. واللي يريحك هعمله.
اجابت جيهان سريعا وقالت :
_ لأ مش عايزة القصر يتهد .. أنا حباه كده وموافقة أعيش فيه كده ، هو بس محتاجة نضافة وشوية ترتيب .. لكن مستحيل أوافق على هده ، احنا بس ممكن نبني للولاد مبنى جديد يكفيهم كلهم في أي مكان جنب القصر .. ممكن نعمل كمان أي مشروع ينفعهم بعدين .. والأراضي الفاضية اللي حوالين القصر دي كلها حرام تتساب بور كده .. لازم نجيب ليها مزارعين .. بس القصر ياريت محدش يجي جنبه خالص.
ابتسم أكرم لها وقال بصوت ونظرة مليئة بالعاطفة :
_ أنا خيرتك .. بس في الحقيقة كان نفسي تختاري أن القصر يفضل زي ما هو .. هيفضل فيه أغلى وأحلى ذكريات على قلبي .. كل ركن فيه بيفكرني بموقف كنا فيه سوا ..
ابتسمت جيهان بسعادة وحياء، ثم قالت وهي تهم بالخروج من الغرفة :
_ طب ممكن توصلني لبيتي في القاهرة اجيب منه شوية حاجات وبالمرة أعزم المقربين ليا .. مش هيبقوا كتير ، بس دول اللي حابة يفرحوا معايا ..
نظر لها أكرم بعشق وقال :
_ جهزي نفسك عشان هاخدك بالعربية وهنمشي دلوقتي ..
خرجت جيهان من الغرفة والسعادة تملأ كل ركن بروحها وسارت كالفراشة تطير وتحلق بمرح وح..
________________________________
فتح زايد عينيه بكسل شديد … وانتبه لنور الصباح بالنافذة ، اتسعت عينيه بذهول ونظر لساعة معصمه سريعا ليجدها التاسعة صباحا .. انتفض من الفراش ببعض الضيق وهو يردد :
_ أنا نمت كل ده معقول ؟!
وبتلك اللحظة دخلت فرحة بكوب لبن دافئ وعلى وجهها ابتسامة مشرقة وقالت بمزاح :
_ أنت بقالك قد ايه ما نمتش ؟ .. ده أنت نايم من امبارح العصر !!
تثاءب زايد ثم ابتسم بمرح وقال :
_ ما أنتوا اللي بيتكم فيه غيبوبة !! .. بس بصراحة فوقت.
اقتربت له وجذبته ليقف ثم قالت :
_ روح اغسل وشك يلا والفطار جاهز .. حسام أخويا لسه فاطر ونزل للشغل ..
تعجب زايد وسألها :
_ شغل ! .. مش النهاردة الجمعة ؟!
أجابت فرحة بتوضيح :
_ هو بيشتغل وقت أضافي ..
رد زايد وقال بعتاب :
_ طب ما بدل البهدلة دي يجي وهشغله في الشركة معانا !!
ردت فرحة بابتسامة :
_ مش هيرضى .. هو بيحب يعتمد على نفسه أوي بعيد عن أي حد .. ده أخويا وأنا عرفاه.
وبينما هي تتحدث كان زايد ينظر لها بابتسامة ماكرة جعلتها تضحك وابتعدت عنه سريعا وقالت :
_ يلا عشان بعد الفطار هنرجع الفيلا ..
هربت الابتسامة من وجه زايد وقال بغيظ :
_ تقصدي هنرجع للهم والخنقة .. تصدقي الفيلا بتاعتنا بكل فخامتها بالعز اللي فيها في كل ناحية ما تسواش في نظري قرش واحدة .. عمري ما حسيت براحة البال والدفا من سنين طويلة أوي غير في الكام ساعة اللي فاتوا ..
تفهمت فرحة ما قاله تماما، فأقتربت له وقالت بابتسامة رقيقة :
_ أنا فاهمة اللي أنت بتقوله ومستوعباه كويس أوي ، بس عشان خاطري استحمل الفترة دي لحد ما والدك يخرج بالسلامة وصحته تتحسن ، وبعدها أنا معاك في أي قرار تاخده ..
أخذها زايد لصدره وقال بعدما تنهد بأطمئنان وابتسامة :
_ والله ما في حاجة مصبراني غيرك أنتي .. الأول كنت صابر لحد ما أخلص المشروع بتاعي .. دلوقتي أنا مش باقي على حاجة غيرك .. في داهية أي حاجة تانية ..
نظرت له مبتسمة بتصميم وقالت :
_ أنا معاك وهفضل معاك .. ومش هتنازل عن حلمك بمشروعك وشركتك الخاصة بعيد عن مرات ابوك وابنها وبلاويهم ..
طبع زايد قبلة على جبينها حتى قالت فرحة بسعادة :
_ أفطر بسرعة عشان النهاردة بأذن الله هنروح نصلي صلاة الجمعة في المسجد .. هحضرلك قفطان من بتوع حسام ،هيجي على مقاسك انتوا نفس الطول .. ايه رأيك ؟ ولا هتروح لوحدك وتسيبني !!
ابتسم لها بعشق :
_ لا طبعا .. هنروح سوا ، موافق جدًا ..
______________________________
شعر أمجد بضغطة ناعمة على يده، وحينما فتح عيناه وجد سمر تضم يده بين قبضتيها بحنان وتناديه بصوت خافت كي يستيقظ .. وهنا ادرك انه كان يرى كابوسا في منامه وتمتم أثناء نومه .. ولكن ما اربكه بشدة هو اقتراب تلك الفتاة لهذه الدرجة الحميمية منه !
وهنا قالت سمر بتوتر:
_ أنت كنت بتحلم ..
ابتلع أمجد ريقه الحاف تقريبًا وصمت للحظات قبل أن يجيبها قائلًا :
_ كابوس .. كل ما أنام أشوفه .. ولما بصحى برجع أشوفه .
لم تفهم سمر مقصده فسألته :
_ أزاي ؟!
تنفس أمجد بعمق ثم أجاب :
_ بحلم أني بجري وتايه وخايف ومش عارف من ايه .. ولما بصحى .. بصحى على توهة وخوف من بكرا اللي مش عارف هيحصل فيه ايه ..
ربتت سمر على يده برقة متناهية وقالت بصدق :
_ اللي نجاك من الموت هينجيك من التوهة دي .. قوم بس على رجليك وأبدأ من أول وجديد.
نظر لها أمجد بكسرة وحزن ثم قال :
_ مش عايز ..
ردت بعصبية وحدثته كما كانت تحدثه بالسابق :
_ بس أنا عايزة .. عايزاك بخير ، مش عايزة أشوفك بالضعف ده انا متعودتش عليك كده يا أمجد !
ضيق أمجد عينيه عليها بغرابة وتعجب كيف تحدثه هكذا !! .. وبدأ يشك أن علاقته بتلك الفتاة كانت أكثر من علاقة روتينية بين طبيب وممرضة !!
وادركت سمر أنها تحدثت أكثر من اللازم ، ولم تجد مفرًا مما قالته ، فابتعدت عنه وبلحظة واحدة كانت خرجت من الغرفة تمامًا وتركته يتخبط في ظنونه وأفكاره وتيهته!!.
وبعدما استجمعت هدوئها تمامًا مسحت عينيها وعادت لغرفته الطبية ومعها بعض الأطعمة .. ورسمت ابتسامة على وجهها قائلة :
_ دكتور وجيه سمح ليك بأكل معين بعيد عن المحاليل .. هفطرك عشان تاخد الدوا ..
كان ينظر لها بصمت وبعينيه عشرات الأسئلة، وجلست سمر أمامه وبدأت تطعمه وهو بحالة صمت مريبة ولم يبد أي أعتراض !!
وعندما مر بعض الوقت ابتلع أمجد ما بفمه وسألها فجأة :
_ هو أحنا كان في بينا حاجة !
صدمت سمر من السؤال المفاجئ ووقعت ملعقة الطعام من يدها ، فنظر أمجد ليدها المرتعشة للحظات ثم نظر لعيناها مباشرة وقد بدأ يتأكد بأن هناك شيء بالفعل .. حتى أجابت سمر بكلمات متقطعة من فرط التوتر :
_ حاجة ؟! .. حاجة زي .. إيه ؟!
رد عليها وبدا في حديثه بعض الفجاجة والعصبية :
_ تصرفاتك وكلامك ونظرات ليا مش طبيعية .. من أول ما فتحت عينيا بعد الحادثة ولاحظت أنك بتتصرفي معايا بطريقة يعني ..
وصمت وهو متردد في متابعة الحديث ، فنظرت له سمر بنظرة طويلة ثم قالت :
_ كمل فطارك يا دكتور أمجد
أستفزه ردها وقال بعصبية خارج النطاق :
_ ما حتى لو كان في .. اكيد خلاص صرفتي نظر ، كل تصرفاتك وتلميحاتك بتقول ان كان في بينا حاجة .. واقصد بالحاجة هنا وجود حب ومشاعر بينا .. بس اكيد صرفتي نظر بعد اللي حصلي ، واستغليتي نسياني لكل شيء عشان ما احسسكيش بالذنب .. بس الغريب أنك لسه متمسكة تفضل هنا جانبي رغم أني طلبت تغييرك.
وذهلت من جراءته وقوله هذا ، وهنا نهضت سمر وقالت شيء جمده وصدمه وجعل قلبه يكاد أن يتوقف من سرعة الخفق:
_ أنا ….
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية سيد القصر الجنوبي)