روايات

رواية ميثاق الحرب والغفران الفصل الخامس والثلاثون 35 بقلم ندى محمود توفيق

رواية ميثاق الحرب والغفران الفصل الخامس والثلاثون 35 بقلم ندى محمود توفيق

رواية ميثاق الحرب والغفران البارت الخامس والثلاثون

رواية ميثاق الحرب والغفران الجزء الخامس والثلاثون

ميثاق الحرب والغفران
ميثاق الحرب والغفران

رواية ميثاق الحرب والغفران الحلقة الخامسة والثلاثون

التفتت برأسها للجانب فور سماعها لصوت الباب، وعندما انفتح وظهر هو من خلفه أشاحت بوجهها فورًا للجهة الأخرى، فجدالهم هذه المرة سيكون مختلف تمامًا وربما سترى جانب منه لم تراه من قبل.
اقترب جلال بخطوات متريثة حتى وصل لفراشها فوقف لثواني ينظر لها بعيناه المظلمة قبل أن يجذب المقعد ويجلس بجانب الفراش وهو مستمر في التحديق بها، وجهه تعلوه قسمات السخط والخزي، وهي كانت تتفادى النظر إليه ربما خوفًا وربما خجل من ذنبها.
طال صمتهم للحظات قبل أن يسألها بصوت محتقن من فرط الاستياء:
_ ياترى كنتي ناوية تقوليلي أمتى؟.. لما تولدي ولا لما ميبقاش في عيل واصل!
رفعت رأسها ورمقته شزرًا بعدما فهمت تملحيه بكلماته الأخيرة وقالت له في عناد:
_مكنتش هقولك
ابتسم ساخرًا منها وهو يحاول تمالك أنفعالاته حتى لا يفقد السيطرة عليها:
_وده كنتي هتخبيه عني كيف عاد!
فريال بغضب وأعين تحمل الشجاعة:
_مكنتش هقولك ياچلال غير بعد ما تطلقني
تقوست ملامح وجهه بشكل مرعب وفجأة انتفضت زعرًا على أثر صرخته المدوية بها:
_قولت مليون مرة الطلاق ده شليه من راسك.. عيالي مش هيتربوا بعيد عني
صاحت به في عصبية:
_وأنا مكنتش هقولك بحملي عشان إكده، عشان عارفة زين أنك هتصمم على عدم الطلاق بعد ما تعرف
ارتفعت نبرته الرجولية المخيفة أكثر وهو يصيح بها:
_اللي في بطنك ده ولدي وملكيش حق أنك تخبي عني لشهور كمان، كل اللي چرا بينا حاچة وده حاچة تاني واصل، لكن أنتي شكلك قويتي قوي ومعدتيش عارفة بتعملي إيه ولا بتطيحي في مين
اعتدلت في نومها وهبت جالسة تصرخ به في قسوة:
_وأنا قولتلك مية مرة مش عاوزاك وعاوزة اتطلق منك
جمود الملامح كان رده عليها وعلى نفورها، بل ولأول مرة ترى الجمود يتحول لجفاء مماثل لقسوتها حتى يقول لها بعدم اكتراث وبرود:
_للأسف مضطرة تستحمليني، أنا قولتلك في المكتب تحت مفيش حاچة هتخليكي ترچعي تحبيني تاني وأنا لولا عيالي الاتنين والتالت اللي چاي مكنتش كملت اكتر من إكده مع واحدة معاوزنيش ولا طايقة تبص في وشي وكنت طلقتك، لكن في بينا تلات عيال وأنا مش هبعد عيالي عني واصل يعني أنتي مجبورة تعيشي مع راجل مبتحبهوش، كيف ما أنتي عندك كرامة أنا كمان عندي رغم أني دست عليها مية مرة عليها عشانك لأني غلطت وحاولت بكل الطرق اخليكي تسامحيني لكن أنتي كل مرة كنتي بتثبتيلي كرهك ليا ونفورك مني وأنا معدتش مستحمل، لكن هستحمل عشان عيالي كيف ما أنتي مجبورة تستحملي عشانهم، لو الحب إكده معاوزهوش يافريال
كانت تستمع لذلك الرجل الغريب بذهول، تريد تكذيب سمعها لكنها لا تستطيع تكذيب نظرها وهي ترى البرود وانعدام الحب في عينيه تجاهه، وهو يضربها يسهام الهجر أنه لولا أبنائه لما استمر معها، وأنه لم يعد يريد حبها ولا يريدها،
اغروقت عيناها بالدموع وسقطت عبراتها غزيرة فوق وجنتيه، بينما هو فاستقام واقفًا وألقى عليها نظرة قاسية وهو يهتف محذرًا إياها:
_ولو شيطانك وزك عشان تنزلي العيل يافريال متلوميش غير روحك على اللي هتشوفيه مني
هل يظنها حقًا قد ترتكب ذنب كهذا وتقتل طفلها بسبب غضبها منه، وجدت شلال من الدموع يسيل على وجهها بعدما تلقت تحذيراته الأقرب إلى تهديد، وتابعته بنظراتها المنكسرة وهو ينصرف ويتركها وحيدة وسط انهيارها.
مدت يدها للمنضدة الصغيرة المجاورة للفراش حتى تلتقط الممسحة الورقية التي فوقها، لكنها انزلقت من يدها وسقطت على الأرض، تأففت بخنق ثم انتصبت جالسة ونزلت من الفراش وعندما انحنت على الأرض بجانب الفراش لكي تلتقط الممسحة الورقية، لمحت شيء غريب يظهر طرفه من أسفل مرتبة الفراش فضيقت عيناها باستغراب ودون تفكير راحت ترفع طرف المرتبة فرأت أسفلها كيس أسود صغير وتفوح منه رائحة نتنة، رفعت أناملها تغلق أنفها من الاشمئزاز، فقد عرفت الآن مصدر الرائحة التي كانت تخنقها منذ أيام وهي نائمة، التقطت الكيس ثم القته على الأرض، وبدأت تفتحه لترى ما الذي يحتويه ذلك الكيس بداخله حتى يخرج تلك الرائحة البشعة، استغرق فتحها له وقت طويل فقد كان محكم الغلق بطريقة غريبة وعندما فتحته انفجرت منه الرائحة كلها وكانت لا تحتمل فراحت بسرعة تسد أنفها بأي شيء وهي تسعل من اختناق أنفاسها، لكن ما رأته بداخله جعلها تنتفض وتلقي بالكيس بعيدًا وهي ترتد للخلف خوفًا وصدمة، فقد رأت طيور مازالت لم تنضج حتى وكأنها خرجت من بيضتها قبل اكتمال نضجها وماتت ومعهم أجزاء أخرى غريبة مخيفة مع خصلات شعر وقطعة صغيرة من ملابسها وملابس زوجها وبعض الطلاسم والكلمات الغريبة المكتوبة على قطع الملابس.
كتمت على فمها بيدها حتى لا يخرج صوت بكائها وصراخها المكتوم، وبقت هكذا لوقت طويل نسبيًا وهي منكشمة على نفسها في الأرض وتبكي بقهر، ثم رفعت أناملها تجفف دموعها لتستعيد قوتها وصمودها بعدما أدركت أن ذلك السحر لا يخرج سوى من أفعال تلك الشيطانة الكامنة بالأعلى، هبت واقفة وانتصبت في وقفتها ثم دفعت الكيس أسفل الفراش مؤقتًا الآن حتى يراه أحد، وجذبت حجابها وارتدته ثم اندفعت لخارج الغرفة كأنثى من نار على أتم الاستعداد لإحراق الجميع بنيرانها الملتهبة.
***
بالقاهرة تحديدًا داخل الشقة المقابلة لشقة عمران…..
فتحت سندس الباب ودخلت فوجدت شقيقها جالسًا فوق الأريكة يشاهد التلفاز، لكنه هتف لها بحزم فور دخولها:
_ليه اتأخرتي كدا؟!
اقتربت منه وجلست بجواره وهي تزم شفتيها بحزن متمتمة:
_قعدت شوية مع آسيا يا سليم كل ما أشوفها بزعل جدًا عليها، ربنا يشفيها يارب وترچع زي الأول في اسرع وقت
أجابها بنبرة عادية دون أن يشيح بنظره عن التلفاز:
_ليه هي إيه اللي حصلها؟!
ضيقت عيناها بتعجب وردت عليها في قوة:
_أنا مش قولتلك ياسليم كانت في المستشفى!
أماء بالإيجاب وتمتم:
_أيوة قولتيلي هي مش كانت تعبانة شوية ورجعت وخلاص ولا إيه!
تأففت سندس وردت على أخيها بجدية:
_تقريبًا جوزها ليه أعداء وكانوا عايزين يأذوه لكن جات فيها هي والطلقة أثرت عليها وعملت معاها شلل مؤقت
التفت لها فورًا بصدمة وقال باهتمام:
_وممسكوش اللي عمل كدا!
هزت سندس رأسها بالنفي، وسرعان ما ظهر العبوس على حال صديقتها وهي تتمتم بعدم وعي:
_حظها قليل آسيا دي والله مش كفاية اللي حصل فيها وطريقة اللي اتجوزت بيها ودلوقتي كمان تقعد في السرير ومتقومش منه
غضن حاجبيه باستغراب ثم سألها في حيرة وعدم فهم:
_طريقة أي!
تنهدت سندس الصعداء ونظرت لأخيها بقلة حيلة تقول محذرة إياه بحزم:
_هحكيلك بس إياك تجيب سيرة لحد خالص بالكلام ده
هز رأسه لها بالموافقة وبدأ يستمع لشقيقته باهتمام وتركيز شديد وهي تسرد له ما حدث مع صديقتها وكيف انتهى بها المطاف الآن وأن زوجها لا يحبها للأسف وأنه محاولاتها للهرب والتخلص منه كلها باتت بالفشل والآن تقبلت الأمر الواقع وتعايشت معه.
***
تحركت آسيا بمقعدها المتحرك داخل المنزل وكانت تحركه باتجاه غرفة عمران الصغيرة الخاصة بالعمل، توقفت أمام باب الغرفة ورفعت يدها لتفتحه ببطء ثم دخلت فوجدته نائم فوق الأريكة على ظهره ويضع ذراعه على عيناه، تنهدت الصعداء وتحركت نحوه بمقعده في هدوء وحرص شديد حتى لا تصدر ضجة وتوقظه.
أخذت تتأمله بسكون وهو نائم وعقلها يستمر في تكرار عباراته دون توقف “الحقيقة صُح اللي أنتي مفكرتيش فيها أن مش يمكن أكون بعمل إكده عشان بحبك!.. لو مش عارفة تفرقي بين حبي وشفقتي يبقى متسمميش سمعي بكلامك الماسخ ده تاني”، لا تستطيع ترك العنان لروحها بالرقص والاحتفال بذلك الاعتراف، فهناك جزء يكمن بأعماقها لا يُصدقه، ومازال يعتقد بأنه تفوه بتلك الكلمات فقط بدافع شعوره بالشفقة أو حزنه عليها، أو ربما لم يقصد الحب كما تفهمه هي.. ومفهومه عن العشق يختلف عنها، ومشاعره تجاهها ليست أكثر من مجرد اعتياد أو حتى صداقة!!.
انتفضت من عمق تفكيرها بجروحها النازفة على صوت رنين هاتفه، فألقت نظرة على شاشته وقرأت اسم المتصل” بشار” ، فتنهد بحرارة واستدارت بالمقعد تتجه لخارج الغرفة قبل أن يستيقظ لكنه فتح عيناه شبه مفزوعًا وعندما سقط نظره عليها أولًا هتف:
_آسيا!!
توقفت مجبرة بينما هو فاعتدل في نومته والتقط هاتفه ليجيب على بشار بصوت غليظ، دامت محادتثهم لدقيقتين بالضبط وفور انتهائه نظر لها وهب جالسًا يسألها باهتمام:
_مالك أنتي كويسة؟
ردت عليه بخفوت والعبوس يلوح على صفحة وجهها:
_زينة.. جيت اشوفك لما اخدت وقت طويل قاعد إهنه فلقيتك نايم
دقق النظر في ملامحها المريبة ليقول بجدية:
_قربي عاوز اتكلم معاكي رايحة وين!
استدارت بالمقعد واقتربت منه مجددًا فأصبحت على مسافة قريبة منه، مد ذراعيه للمقعد وجذبه إليه حتى أصبح أمامه مباشرة، ثم ثبت نظره في عينيها وهو بعيد سؤاله لكن بأسلوب وكلمات مختلفة:
_بتفكري في إيه المرة دي؟!!
رمقته مندهشة من سؤاله ومعرفته أن سبب ضيقها هو تفكيرها المفرط في شيء ما، فهتفت بحيرة:
_عرفت كيف؟!
قرب مقعدها منه أكثر حتى أصبح بين قدميه وهو يحاصرها من الجهتين بذراعيه ويردف بصوت رجولي قوي:
_مش محتاچ اسمعك عشان افهم أو اعرف بتفكري كيف ولا إيه اللي مضايقك، بقيت فاهمك وعارفك زين
ابتسمت له برقة وقالت ساخرة:
_متأكد أنك فاهمني للدرچة دي يعني
بادلها الابتسامة وتمتم بثقة وخبث:
_تحبي اثبتلك وأقولك إيه اللي بتفكري فيه!
رمقته بطرف عيناها مستنكرة ثقته وهي تضحك لثقتها التامة بأنه لن يستطيع تخمين سبب ضيقها، فوجدته ينحني عليها ويهمس في أذنها بخبث:
_بتفكري في اللي قولته ليكي امبارح الصبح، صُح ولا لا؟
اتسعت عيناها بصدمة وللحظة شعرت بضربات قلبها تتسارع وتضرب بصدرها في عنف من فرط التوتر، بينما هو فابتعد برأسه عنها وتمعنها مبتسمًا بمكر عندما رأى الاضطراب والذهول يستحوذان على ملامحها.
تماسكت وردت عليه بالنفي في خنق:
_لا مش صُح
حاولت الابتعاد عنها وتحريك مقعدها حتى تنصرف لكنه احكم قبضته عليه وطالت نظراته الحائرة لها، ليقول لها بانزعاج ملحوظ:
_مش مصدقاني!!
فهمت أنه يقصد اعترافه لها فاشتعلت نظراتها بالسخط وقالت بحدة:
_أيوة مش مصدقاك ياعمران
رأت الغضب الممتزج بعيظه منها تظهر بشائره على وجهه، وكأن نظراته تقسم لها أنها ستجعلها تصدقه والآن، توترت وتسارعت أنفاسها فهي لا تثق بخطوته القادمة وتخشاها، وبلحظة واحدة دون أن تدرك الموقف لكي تحاول تفاديه حتى وجدت ذراعه يلتف خلف ظهرها ويجذبها نحوه ليلتقوا معًا للحظات في نقطة العشق المشتركة قبل أن يرتفع رنين الهاتف الصاخب مجددًا ليجعلها تنتفض زعرًا وتدفعه بعيدًا عنها في قسمات وجه مندهشة ومفزوعة، رجعت بمقعدها للخلف وبسرعة استدارت وغادرت الغرفة تتركه مكانه دون حركة يحدق في الفراغ الذي تركته أمامه، وبجانبه صوت الهاتف الذي لا يتوقف فمسح على وجهه مستغفرًا والتقط الهاتف يجيب على المتصل بصوت مختنق:
_خير يابشار في إيه تاني!!
***
داخل منزل ابراهيم الصاوي…….
كانت إخلاص في طريقها لزوجها حتى تتحدث معه في أمر مهم، وقبل أن تنزل درجات السلم رأت عبد العزيز وهو يصعد الدرج عكسها فسألته إخلاص بجدية:
_ابراهيم في أوضة الجلوس تحت يا حچ ولا لا؟
زم شفتيه بجهل ورد عليها بإيجاز:
_معرفش يا إخلاص آخر مرة سابني وطلع فوق
سكتت لثواني وقد أدركت أنه مع زوجته الأخرى، بينما عبد العزيز فتركها وأكمل طريقه نحو غرفته، اندفعت إخلاص نحو غرفة عفاف وهي كجمرة من نيران وعندما وصلت وكانت على وشك طرق الباب اخترق سمعها حديثهم معًا في الداخل.
عفاف بغضب:
_أنا معاوزكش تقرب من ناس خليل صفوان قوي يا ابراهيم
هتف ابراهيم ساخرًا بنفاذ صبر:
_ياولية خليكي ناصحة وواعية، طول ما في عداوة بينا هيفضلوا حاطين في دماغهم أن اللي قتل خليل منينا لكن لما ننهي المشاكل دي هنقطع الشك من راسهم واصل
قالت بعدم اكتراث وضيق:
_خليهم يحطوا في دماغهم ومش هيعرفوا يثبتوا حاچة
صاح ابراهيم بها منفعلًا:
_لو عرفوا أن أنا اللي قتلته الدم هيرچع من تاني
رفعت إخلاص يدها وراحت تلطم على وجنتيها بصدمة وهي تهتف بصوت منخفض:
_يامري يامري
لكنها انتفضت مزعورة على صوت بلال الغليظ وهو يهتف:
_مرت ابوي
انتصبت في وقفتها واعتدلت بسرعة والتفتت له بوجه مضطرب ومصدوم بينما هو فسألها بانزعاج بعدما رآها تستمع لوالديه من خلف الباب:
_بتعملي إيه؟!
التفتت إخلاص للخلف وعادت لبلال برأسها بسرعة ثم اندفعت نحوه وحاولت إبعاده عن الباب حتى لا يسمع شيء وهي تهتف له مبتسمة:
_ولا حاچة ياولدي كنت چاية اشوف أبوك عاوزة اتكلم معاه بس خلاص ابقى أكلمه في وقت تاني
رفع حاجبه بنظرة قوية وتظهر أنه لم يصدق ما تفوهت به للتو، بينما إخلاص فكان خوفها من أن يسمع حديث أمه وأبيه أكثر من أي شيء حيث قبضت على ذراعه وجذبته معها بعيدًا وهو تقول مبتسمة رغم اضطراب صوتها:
_تعالى عاوزة اتكلم معاك شوية يابلال.. صحيح قولي عملت إيه في موضوع البت اللي عاوز تتقدملها دي
ضيق عينيه بتعجب وهو يسألها:
_أنتي عرفتي كيف؟
إخلاص مبتسمة بلطف:
_أبوك قالي يعني هكون عرفت كيف
سار معها مرغمًا رغم شعوره بأن هناك شيء غريب يحدث إلا أنه أكمل في طريقه معها وهو يتحدث معها ويجيب على اسألتها.
***
فتح علي باب غرفة شقيقته ودخل فوجدها جالسة فوق المقعد وبيدها كتاب القرآن الكريم تقرأ به بصمت، ابتسم ساخرًا منها ثم أغلق الباب واقترب نحوها وهو يتمتم:
_زين افتكرتي أن في رب قريب هتقابليه وتقفي قصاده ويسألك عن أعمالك ال*** اللي عملتيها، فكرتي هتردي تقوليلوا إيه ولا لا!
رفعت خلود نظرها لشقيقها وحدقته بعين عاجزة وضائعة قبل أن تسأله:
_أبوي كيفه يا علي.. مبيدخلش عندي واصل ولا بشوفه
رمقها علي بقرف وهتف بقسوة:
_مطايقش يشوف خلقتك كيف ما أنا مطايقش دلوك بس مچبور اشوفك
أجفلت نظرها أرضًا عن أخيها تترك العنان لدموعها الموجوعة بالسقوط، حتى لو طلبت العفو منهم فذنبها لا غفران له، هي ماتت في نظرهم وابنتهم لم تعد موجودة.
استطرد علي بغضب وجفاء:
_بليل المأذون چاي، أنتي وال**** التاني ده هيكتب عليكي وياخدك ويغور وتنسي أن ليكي ناس واصل
استقامت واقفة واسرعت نحو أخيها تجثي أمامه على الأرض ممسكة بقدمه وهي تتوسله باكية:
_أنا موافقة اتچوزه ياعلي بس أبوك يدك ما ترموني كيف ما عملتوا مع آسيا سامحوني أنا غلطت وندمانة والله العظيم
دفعها بعيدًا عنه وهو يصيح بها ساخرًا وينحني ليجذبها من خصلات شعرها :
_لازم توافقي متوافقيش ليه مش ده حبيب القلب اللي جبتيلنا العار معاه برضاكي، بس اللي متعرفهوش إننا غصبناه على الچواز منه ومكنش موافق وكان بيقول أنا كنت بتسلى معاها وبضحك عليها مش ناوي الچواز ولا حاچة
استقامت خلود واقفة وتقهقهرت للخلف وسط ملامح وجهها المندهشة وهي تهز رأسها بالرفض وتهتف بدموع تملأ وجنتيها:
_ لا سمير بيحبني وميقولش إكده أنت أكيد بتكذب عليا
أظلمت نظرات علي ووجهه احتقن بالدماء فأصبح مرعبًا وبلحظة غار على شقيقته يجذبها من شعرها وهو يقبض على فكها صارخًا بها منفعلًا:
_اقفلي خشمك واصل بدل ما اخد روحكم أنتوا الاتنين بيدي وبدل ما تطلعي من البيت سليمة اخليكي تطلعي على المدافن طوالي
انهارت باكية بين يدي أخيها بصوت مرتفع وهي تصرخ من الألم بينما هو فتركها ودفعها بعنف لتسقط على الأرض وهي تبكي بحرقة……
***
داخل منزل خليل صفوان….
كانت فريال تجلس على أحد المقاعد بالصالة وبجوارها ابنها الكبير، منذ وقت طويل وهي تجلس هكذا بانتظار نزول منيرة من الأعلى.
نظر معاذ لأمه وسألها بعدم فهم:
_أما هو احنا قاعدين إكده لينا وقت طويل ليه؟!
نظرت له فريال وقالت بجدية في أعين متوعدة لمنيرة:
_لما تنزل مرت أبوك يامعاذ هتطلب منها تذاكرلك تقولها إني تعبانة ومش قادرة اذاكرلك وأنت في درس مش فاهمه
زم شفتيه بقرف وقال رافضًا:
_لا أنا مش بحبها ياما أنتي عارفة إكده
فريال بحزم وهي تلقي تعليماته الماكرة على ابنها:
_وأنا مش بقولك حبها ولا أعمل إكده حبًا فيها، افهم أنا عاوزاك تلهيها ومتخلهاش تطلع فوق اوضتها واصل غير لما انزل، أبوك هيطلقها ويرميها في الشارع بعد اللي هعمله النهاردة بس أهم حاچة أن تعمل كيف ما قولتلك
أدرك أن أمه لديها خطة للتخلص من زوجة أبيه فابتسم بخبث وأماء لها بالموافقة، بتلك اللحظة ظهرت منيرة أخيرة وعندما رأت فريال ابتسمت بمكر وهي تقول لها:
_إيه اللي مقعدك إكده ولا مستنية چلال ياچي وتطلبي منه السماح
ضحكت فريال وقالت في لهجة مخيفة:
_ماشاء الله مفيش حاچة بتخفى عليكي في البيت يامنيرة، ده أنتي لو مسخرة چن مش هتعرفي كل كبيرة وصغيرة إكده
انكمش وجهه منيرة وقالت لها بارتباك:
_قصدك إيه؟
ردت فريال مبتسمة بثقة على اضطرابها الواضح:
_مش قصدي حاچة بقولك على سبيل المثال يعني
بتلك اللحظة استقام معاذ واتجه نحو زوجة أبيه ينظر لها بكل رقة ويطلب منها بأدب تام:
_يا أبلة منيرة ممكن تذاكريلي عشان أمي تعبانة ومش قادرة تذاكرلي وأنا في درس مش فاهمه
رفعت منيرة نظرها لفريال التي كانت ترمقها بقرف وتقول:
_لولا أني تعبانة مكنتش خليتك تذاكري ولا تقربي من ولدي واصل
ضحكت منيرة بخبث وانزلت نظرها لمعاذ تقول له بحنو قاصدة إثارة جنون فريال:
_طبعًا ممكن يامعاذ.. أنا مقدرش ارفضلك طلب أنت وأخوك أبدًا
ابتسم معاذ لمنيرة بحب ثم التفت لأمه وهو يبتسم لها بمكر، وسرعان ما عاد برأسه لزوجة والده مجددًا يقول لها:
_طيب تعالي عشان أنا كتبي چوا في أوضة الجلوس كنت بذاكر هناك
أماءت له منيرة بالموافقة وهي تلقي نظراتها اللئيمة على فريال التي كانت تنظر لها متصنعة الغيظ، وفور اختفائها مع ابنها داخل غرفة الجلوس ضحكت فريال وهي تقول متوعدة:
_ليلتك الأخيرة أن شاء الله في البيت ده يا شيطان
وبسرعة هبت واقفة واسرعت للدرج تقصد الطابق الثالث حيث غرفة منيرة وكانت كلما تخطو خطوة تتلفت حولها حتى تتأكد أن لا أحد يراها…….
***
بالقاهرة داخل غرفة آسيا…..
مازالت حتى الآن لا تستطيع التحكم بأنفاسها ولا حتى هوج مشاعرها وتلك الفراشات المحلقة في بطنها كلما تتذكر ما حدث منذ قليل، والابتسامة لا تغادر شفتيها تشعر بقلبها يتراقص فرحًا، مع أن ما فعله لم يكن إثبات قوي على صدق مشاعره لكن يكفيها سعادة بقربه منها وأنه لو لم يكن يحبها بالفعل لكن محاولاته للاقتراب منها تكفي.
انتفض قلبها في صدرها عندما انفتح الباب فجأة وظهر هو من خلفه، فأطرقت رأسها أرضًا دون أن تنظر له منفرط خجلها بينما هو فتصرف بطبيعية تامة واتجه نحو الخزانة لكي يبدل ملابسه غير مباليًا بوجودها!.
رفعت هي نظرها بعفوية له وعندما رأته يبدل ملابسه أشاحت بوجهها بسرعة للجانب الآخر وهي تتأفف بغيظ منه، فهو يتصرف هكذا عنادًا بها حتى يثير جنونها كما تفعل به، لكنها التزمت الصمت ولم تظهر أي ردة فعل حتى انتهى من ارتداء ملابسه فوجدته يستدير ويقترب منها، عاد قلبها يدق بعنف تصدرها يعلو ويهبط، بينما هو فكان يدرك أن قربه هو سبب بعثرة مشاعرها واضطراب أنفاسها، فرغب في التلذذ بها قليلًا حيث انحنى عليها وأصبح وجهه مقابل لوجهها مباشرة وهو يثبت نظره على عيناها بنفس النظرة التي كان يرمقها منذ قليل بغرفة عمله، أزدردت آسيا ريقها بتوتر بعدما ظنته سيكرر فعلته مجددًا فهمست له بخفوت وتعلثم:
_عـمـران ممكن تبعد حسيت نفسي كتم مرة واحدة
ضحك رغمًا عنه وقال لها بكل برود هو يمد يده على الفراش يجذب مفاتيحه:
_مالك متخافيش مش هعمل حاچة، أنا كنت هاخد دول بس
رفع المفاتيح أمام نظرها وعندما رأته وأدركت حيلته اللئيمة استشاطت غيظًا ورمقته شزرًا بينما هو فاعتدل واقفًا وهو مازال يحتفظ بابتسامته والقى عليها نظرة أخيرة وهو يغمز لها بخبث ثم يستدير وينصرف، فيتركها تضحك خجلًا رغمًا عنها وبنفس اللحظة تتوعد له على ما موقفه السخيف للتو معها.
***
داخل غرفة منيرة ……
دخلت فريال وأغلقت الباب خلفها ثم اندفعت نحو كل ركن بالغرفة تبحث فيه عن أي دليل على شر أعمالها، أسرعت نحو خزانة جلال بالتأكيد لن تتركه دون أن تزقيه شرها، أخذت فريال تفتش بين ملابس زوجها وتدخل يدها بين كل طبقة تبحث عن شر تدفنه له تلك الشيطان.. وبالفعل أسفل الملابس بنهاية الخزانة تمامًا وجدت شيء صغير ملفوف على شكل مثلث وحوله خيوط كثيرة بألوان مختلفة، التقطته فريال والقته على الأرض وهي لا تصدق ما تراه عيناها ودموعها بدأت تجتمع في مقلتيها، هي حتى خافت من أن تفتحه فيصيبها أذى هي وابنها الذي لم يولد بعد، لكنها لم تتوقف وتابعت بحثها بالغرفة وانتقلت بعدما انتهت من خزانة زوجها إلى خزانتها فوجدت نفس الشيء موجود اسفل ملابسها بنفس المكان.
للحظة أحست نفسها ستصاب بالجنون وستفقد عقلها، واستمرت تبحث بالغرفة بانهيار وعصبية وعندما رفعت مرتبة الفراش وجدت نفس الشيء أيضًا أسفلها، فقدت فريال السيطرة على نفسها وراحت تنزع ملاءة الفراش وتلقيها على الأرض وهي تصرخ بغضب، كانت تخشي أن تبحث بمكان آخر فتجد المزيد من السحر.
تلك الشيطان التفت حولهم كالأفعى وسممت حياتهم بشرها وسحرها، دمرت زواجها وعلاقتها بزوجها والآن تأذيه بالسحر، جثت فريال على الأرض وصمت قدميها لصدرها وهي تبكي بقهر لكن فجأة رأت بين ملابس زوجها الملقية على الأرض شيء يخرج من وسطها فاستقامت واقفة وعندما فتشت بين الملابس رأت نفس الكيس الأسود الذي وجدته بغرفتها، وقفت أمامه تنظر له بتردد وخوف، فضولها يدفعها لفتحه لكن خوفها يمنعها وبالنهاية أثرت السماع لصوت الخوف الذي بقلبها واستقامت واقفة تخرج كيس من جيب ملابسها وتجمع به تلك الأشياء التي وجدتها حتى تضعها أمام الجميع عند عودة جلال من الخارج.
***
بتمام الساعة الثامنة مساءًا بالقاهرة…
كانت آسيا قد انتهت من تبديل ملابسها ورغم الصعوبة التي واجهتها في البداية لكنها نجحت بالنهاية، ارتدت ثوب أسود قصير بالكاد يصل لركبتيها بأكمام عريضة تغطي كتفيها فقط وبفتحة دائرية واسعة عند الصدر، كان ذلك الفستان من ضمن الملابس التي قامت بشرائها في يوم الحادثة.
تركت العنان لشعرها الطويل أن ينسدل على كتفيها وظهرها بانسيابية تامة وأخيرًا خرجت من الغرفة وتحركت بمقعدها للصالة وقامت بتشغيل التلفاز على قناة الأفلام المفضلة لديها واستمعت لأحد الأفلام المحببة لها باستمتاع.
دقائق طويلة نسبيًا وسمعت صوت باب المنزل فابتسمت بلؤم وتصنعت التركيز على التلفاز وكأنها لم تنتبه لوصوله، بينما هو فور دخول وتقدمه للداخل حيث الصالة ورآها بذلك المظهر الجديد.. ثوب أسود قصير وشعر أسود طويل وغزير، تسمر بأرضه منذهلًا، لم يخطأ عندما وصفها بالساحرة الشريرة، لكنه الآن سيضفي بعض التعديلات لتصبح ساحرته المثيرة، يبدو أنها اليوم قطعت الوعود على نفسها بأن تسلبه عقله وتصيبه بالجنون كنوع من أنواع الانتقام المميزة مثلها.
كانت تتجاهله عمدًا وتشاهد التلفاز دون أن تنظر لها كأنها لا تراه، بينما هو فلا يمكنه رفع نظره عن كتلة الجمال الصارخ الذي أمامه، في ذلك الثوب الذي يبرز جمالها الأنثوي أكثر، ساقيها المكشوفة وذراعيها وجسدها الممشوق، تلك الماكرة جعلته يعاني من تسارع نبضات قلبه وأنفاسه وبات يشعر بنقص الأكسجين لديه وكأنه لا يمكن التقاط أنفاسه، تنتقم منه بنفس الطريقة، وللأسف سيسلمها راية انتصارها عليه بكل طواعية فهو لن يستطيع المقاومة.
اقترب منها بخطى بطيئة فالتفتت هي له أخيرًا تتمتم بهدوء ماكر:
_كنت وين ده كله؟!
غمز لها بخبث وهو يبتسم متغزلًا بها:
_قصدك كنا وين وبقينا وين يا غزال!
رغم توترها البسيط وخجلها من ملابسها ونظراته إلا أنها تصرفت بثبات وقالت له في برود:
_قصدك إيه؟!
وقف أمامها ومد يده لها يهمس بهيام:
_هاتي يدك الأول، اسندي عليه واقفي وأنا هقولك قصدي إيه
رمقته بطرف عيناها في ابتسامة متغطرسة قبل أن تضع كفها بين كفه العريض وترفع يدها الأرض تضعها فوق كتفه، وهو يلف ذراعه حول خصرها يساعدها على الوقوف، عندما وقفت رجع خطوة للخلف دون أن يتركها حتى يتمكن من تفحصها بوضوح أكثر وهو يهمس وسط نظراته الجريئة والمعجبة:
_ايه الحلاوة دي بس
اتسعت عيناها بصدمة والحمرة صعدت لوجنتيها فأصبح وجهها بلون الدماء من فرط الخجل، وبسرعة أبعدت ذراعه عنه وجلست مرة أخرى على مقعدها تقول له بصوت مرتبك:
_بعد من قصادي عاوزة أكمل الفيلم
ابتسم وجلس على المقعد المقابل لها يهمس بخبث وهو يعيد ذراعه مرة أخرى حول خصرها:
_هو مش النهاردة في جلسة مفروض وأنتي معملتهاش، تعالي يلا دلوك عشان نعملها مينفعش نهمل في العلاج
توترت من لمسة يده وأمسكت بذراعه تبعده عن جسدها ببطء متمتمة في برود وهي تبتسم بلؤم بعدما فهمت أنه يبحث عن أي فرصة لكي يستغلها ويقترب منها:
_الدكتور قال الجلسة يوم ويوم وأنا عملتها امبارح يعني مفيش النهاردة
عمران ببساطة وعينان لامعة بالرغبة:
_مش هتضر بحاچة لو عملناها النهاردة كمان
رسمت ابتسامة صفراء على وجهها وهي تجيبه محاولة كتم ضحكتها وأخفاء تلذذها بتلهفه عليها:
_بس أنا تعبانة ومش قادرة النهاردة وعاوزة أكمل الفيلم كمان
اختفت ابتسامته واستحوذ السخط والغيظ على ملامحه فجذب جهاز التحكم الخاص بالتلفاز واطفأه وهو يهتف بعصبية:
_أهو الفيلم اللي واكل دماغك ده، بلا فيلم بلا قرف دلوك.. قومي يلا عشان تعملي الجلسة
كان الفزع والريبة من عصبيته الغريبة يهيمن على قسماتها حتى عبارته الأخيرة التي جعلتها تنفجر ضاحكة وتجيبه من بين ضحكها:
_بقولك الجلسة معادها بكرا مش النهاردة ياعمران، مالك!!!
عمران بانزعاج تام:
_وأنا هبت في دماغي تبقى النهاردة
كانت لا تستطيع التوقف عن الضحك القوي، وكلما حاولت التوقف ونظرت في ملامح وجهه تنفجر من جديد في الضحك، بينما هو فلوى فمه مغتاظًا وقال لها بلهجة آمرة وحادة:
_طالما تعبانة أنا هدخل الحمام آخد دش واطلع الاقيكي غيرتي اللي لابساه ده مفهوم
هزت رأسها له بالموافقة وهي مازالت تضحك دون توقف، فتوقف وابتعد عنها متجه نحو الحمام وهو يتأفف ويزفر بانفعال متمتمًا بصوت منخفض لكنه وصل لمسامعها:
_لابسالي قميص نوم وتقولي عاوزة اسمع الفيلم!!!
استمرت تضحك لوقت طويل رغم أنه يستحقها لكنها اشفقت عليه فقد أثارت جنونه بشدة…..
***
داخل أحد المقاهي الصغيرة كانت حور تجلس على طاولة مكونة من مقعدين بانتظار صديقتها، وبينما كانت تتلفت حولها في وجوه الجميع، الطاولات ممتلئة أما بعائلات أو أصدقاء أو ربما عشاق ولم يكن سوى طاولتها هي فقط الفردية، وطاولة أخرى!!.
كان ذلك الشاب الذي يجلس على تلك الطاولة يوليها ظهره وينظر للبحر أمامه، دققت النظر به وراحت تهتف بتعجب بعدما رأت وشاحها حول رقبته:
_ده الشال بتاعي!
آخر ما تذكره أن ذلك الوشاح أعطته لبلال، فاتسعت عيناها بدهشة عندما قفذت بعقلها فكرة أنه هو من يرتديه، وراحت تحاول رؤية وجهه ومن حظها الجيد أنه التفت للجانب لكي يلتقط كوب القهوة خاصته فتأكدت أنه هو بالفعل عندما رأت وجهه من الجانب.
ابتسمت بحب وسعادة ودون تردد توقفت وقادت خطواتها نحوه، ثم جذبت المقعد المقابل له وجلست مثله توجه نظرها نحو البحر وهي تهمس مبتسمة برقة:
_ممكن اعطلك شوية؟
التفت لها بصدمة لكن سرعان ما أدرك عبارتها وضحك وهو يتمتم:
_لسا فاكرة!
لمعت عيناها بوميض جميل وهو تطيل النظر إليه وتقول بنعومة وهي تشير إلي وشاحها الذي حول رقبته:
_زي ما أنت لسا فاكر ومنسيتش
نزل بنظره إلي الوشاح وابتسم بحب وهو يتذكر ذلك اليوم، بعدما أعاده لها وغادر فاكتشف أنه نسي حقيبة الأدوات الهندسية الخاصة به وعندما عاد ليأخذها وجد الوشاح بداخلها ولم يجدها.
فاق من شرودها وهو يبتسم باتساع ثم نظر لها وقال وهو يمسك الوشاح:
_هنسى تميمة الحظ بتاعتي كيف!!
ابتسمت له بخجل وتمتمت ضاحكة:
_أنا عرفتك منه
ضحك وقال بمكر:
_ومقولتيش ليه أنه ممكن يكون واحد شبه بتاعي ومش هو
هزت رأسها بالنفي وقالت مبتسمة بثقة ونظرات ثاقبة:
_مستحيل عشان الشال ده أنا عملاه بإيدي ومفيش شبهه
طالت نظراتهم اللامعة لبعضهم حتى أشاحت هي بوجهه في توتر فالتفت هو للخلف يسألها:
_أنتي معاكي حد؟!!
حور بإيجاب:
_آه صحبتي بس لسا جاية في الطريق
هز رأسه بتفهم وعاد بنظره لها مجددًا يرمقها مطولًا بحب وهو يهمس:
_من حسن ظني أني شوفتك النهاردة ياحور
همست رقة امتزجت بخجلها الجميل:
_اشمعنى؟
ابتسم لها بوجه عابس وتمتم:
_أنا مش من عادتي واصل أني اقعد في كافيهات أو أماكن عامة إكده وحدي، بس النهاردة كنت مخنوق قوي ولقيت رچلي بتاخدني للمكان ده من غير ما احس
أجفلت نظرها للأسفل وهي تبتسم برقة وتجيبه:
_صُدفة
تمتم بنظرة عميقة تحمل معاني جمة:
_تؤتؤ نصيب مش صدفة
رمقته مطولًا بسكون في أعين تتحدث بدلًا من الألسن، ولم يقطع حديثهم الغرامي سوى وصول صديقة حور التي توقفت بسرعة وقالت لبلال بابتسامة مرتبكة:
_صحبني وصلت معلش مضطرة امشي
أماء لها بالموافقة في ابتسامة دافئة فاستدارت هي وهمت بالرحيل لكنها توقفت والتفتت له مجددًا برأسها تهمس في خجل:
_أنا كمان فرحت أني شفتك
لم تمهل نفسها اللحظة لتسمع رده أو حتى ترى ردة فعله على ملامحه، واسرعت نحو طاولتها بجانب صديقتها وكانت بين كل آن وآن تخطف النظرات السريعة إليه فتجده ينظر لها أيضًا…
***
كانت فريال بغرفتها تقف في الشرفة منذ وقت طويل بانتظار وصول جلال، رغم أن موعد وصوله مر منذ أكثر من ساعة لكنها قالت أنه ربما ظهر له عمل طاريء ولهذا تأخر، التفتت للخلف تلقي بنظرها داخل الغرفة عندما سمعت صوت رنين هاتفه وبسرعة دخلت تتجه له لتلتقطه وتجيب على المتصل بعدما قرأت اسمه فوق الشاشة ” علي” :
_الو ياعلي
أتاها صوت علي المريب وهو يقول:
_فريال البسي وتعالي على مستشفى (……)
شعرت بانقباضة قلبها ثم هتفت مفزوعة فهي كانت تشعر أن ذلك اليوم المشؤوم لن يمر مرور الكرام بعد كل ما اكتشفته بالصباح:
_مستشفى ليه ياعلي مين تعبان.. چلال حصله حاچة صُح؟
تنهد علي بضيق وأجابها في صوت عابس:
_چلال تعب شوية بس متقلقيش.. المهم تعالي أنتي دلوك ومتقوليش لحد في البيت واصل
***
وقف ابراهيم أمام باب شقة بالطابق الخامس داخل أحد المباني الكبيرة.. وطرق الباب ثلاث مرات متتالية ليسمع صوت الطفلة الصغيرة من الداخل وهي تصيح بفرحة:
_جه ياماما جه
لحظات معدودة وانفتح الباب لتظهر من خلفه امرأة شابة جميلة الوجه حسناء وطفلة صغيرة تشبهها، نزل برأسه ضاحكًا بحب لتلك الصغيرة التي ركضت عليه تتعلق به وتهتف بسعادة:
_بابا

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ميثاق الحرب والغفران)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *