روايات

رواية وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2) الفصل السادس 6 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2) الفصل السادس 6 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2) البارت السادس

رواية وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2) الجزء السادس

وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2)
وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2)

رواية وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2) الحلقة السادسة

طرقت بخفة على باب غرفة المكتب الخاصة به، وقد كان منشغلًا كالعادة على حاسوبه في اعماله التي لا حصر لها، ولا تنتهي أبدًا، سمع وارتفعت أنظاره نحوها وقد كانت واقفة امامه بهيئتها التي تخطف الأنفاس، ف ابتسم لها ابتسامة رائقة مرحبًا بها بقوله:
– النجمة بذات نفسها عندي! دا إيه الحلاوة والنور ده؟
قالها وعينيه تجول على ما ترتديه بجرأة مداعبة أنوثتها، فقد كانت ترتدي منامة شفافة تظهر ما أسفلها بسخاء، وفوقها كان مئزرًا مفتوح بنفس اللون الوردي، والذي زاد على بشرتها البيضاء بإغواء، مع ابتسامة تكمل سحرها، وهي تدلف إليه بدلال متصنعة العتب:
– لا نجمة إيه بقى ولا فنانة، دي اللي يسيبها جوزها ملطوعة كدة في أوضتها من غير ما يعبرها.
نزع النظارة من على عينيه ليدفعها على سطح المكتب يتابعها بصمت حتى جلست على المقعد أمامه، فقال مشاكسًا:
– يا نهار أبيض انا عملت كدة فعلا، دا انا ابقى راجل معنديش دم بقى؟
تبسمت تقارعه:
– والله انا مقولتش، إنت اللي بتقول على نفسك.
ظل وجهه على الإبتسامة الساحرة وهو يناظرها بصمت، فتابعت :
– هو دا اللي انا واخداه منك.
ردد خلفها:
– ايه بقى اللي انتي واخده مني؟
ردت بارتباك اختلط بمرحها:
– بتلغبطني، نظراتك الخبيثة دي دايمًا بتخليني انسى انا جاية في إيه؟ ولا رايحة فين؟
توسعت ابتسامته حتى ظهرت اسنانه وقال بمغزى:
– طب والله دي شهادة نعتز بيها بقى؟ لما يبقى العبد لله بيأثر في النجمة بالشكل ده، لا دا انا ابقى جامد بقى.
تنهدت بصوت عالي تستند بمرفقها على سطح المكتب امامه قائلة:
– مش بقولك دايمًا كدة ملخبطني، يالا بقى المهم، هو انت مش ناوي تخلص كدة وتفضى، ولا انا هفضل كدة لوحدي لحد اما انام؟
ضيق عينيه قليلًا بتفكير يزوم بفمه قبل ان يقول:
– مش عارف ليه حاسك كدة، وكأنك عايزة تقولي حاجة.
اومأت برأسها بابتسامة صامتة، فقال بتشجيع:
– طب وساكتة ليه؟ اتكلمي يا ستي وقولي، هتستني إيه؟
بدا على ملامح وجهها التوتر، وهي تضغط بأسناناها على شفتها السفلى ثم قالت بتردد:
– بصراحة انا كنت عايزة اكلمك على موضوعنا يا مصطفى.
ناظرها باستفهام لتستطرد على الفور:
– عايزة اكلمك على موضوع الخلفة.
تجعدت ملامحه أمامها بإحباط، فهتفت بتذمر:
– يا مصطفى بلاش رد فعلك ده وحياتي عندك، مينفعش إن الحياة ما بينا تستمر كدة، لازم يكون في أطفال.
هتف بها بضيق:
– وانا اعترضت، ما انا روحت معاكي كذا مرة لكذا دكتور، وكل كلامهم واحد، أن انا وانتي طبيعين ومفيش حاجة تمنع، اعمل إيه بقى في رزق ربنا، هجيبه بالعافية مثلًا؟
– استغفر الله العظيم من قال كدة بس؟
قالتها ثم تابعت بنبرة باكية:
– انا اقصد اننا نحاول تاني وتالت ورابع، ولو منفعش ده، ينفع غيره، اكيد في مشكلة، امال إيه اللي مانع بس؟ لما نقعد بالسبع سنين كدة؟
تنفس بعمق يضغط بالسبابة والإبهام على أعلى عظمة أنفه بتعب أثر بها، لما تعلمه مما يمثله هذا الأمر من حساسية بالنسبة إليه؟ فقد يأس من كثرة المحاولات حتى أصبح يكره التحدث به، كما تعب أكثر من تسلط والدته وكلماتها السامة في عدة مواقف حدثت معهما وكان رده الدائم بالدفاع المستميت عن زو جته والاكتفاء بها أن لم يكن هناك رزق في الأطفال، فقالت بنبرة معتذرة:
– انا اسفة يا مصطفى لو بضايقك، بس انا والله…..
قطعت مجبرة بتأثر حتى دمعت عينيها، فنهض هو من محله، ليرفعها ويضمها بقوة بين ذراعيه، ليمتص خوفها وقلقها وحزنها، فقال مهدهدًا وهو يمسح بكفه على شعرها الناعم:
– إيه رأيك بقى الجمعة الجاية نروح عند جاسر وزهرة، نقعد في جلسة عائلية كدة وبالمرة تجربي شقاوة التوأم اللي بيخلوكي تصرخي مع مامتهم انتي كمان؟
استطاع بقوله ان يجعلها تبتسم بتذكر لمواقف التوأم رامي ورنا معها، وجمال ظافر الصغير، والرجولة المبكرة لمجد أكبرهم رغم صغر سنة في تعامله مع فريدة ابنة كاميليا وطارق، فقالت وهي تقابل عينيه برجاء خاصتيها:
– متفقة اروح معاك، بس كمان انت توافق على مشوار الدكتور اللي قالت عليه والدتك.
قلب عينيه بسأم ثم أومأ برأسه بمهادنة جعلتها تعود لاحتضانه بقوة مرددة بكلمات الشكر والإمتنان، وتريح رأسها عليه، ولكن عقلها لا يرتاح أبدًا فهي تضع السبب الرئيسي به، بأن ما يحدث معها هو العقاب الذي تستحقه، وان عذابها الحقيقي، أن يتحمل هو ذنب شيء لم يقم به!
❈-❈-❈
في صالة المنزل التي ضمت ابراهيم ووالدته سميرة وز وجها، الحاج عابد الورداني، بضيافة نرجس، وشهد التي كانت أمامهم، وكأنها رجل البيت، ترحب بهم:
– يا أهلا وسهلا يا حج عابد نورت وشرفت
رد الرجل يوميء بكف يــ ده على صــ دره بتحية اولاد البلد مرددًا:
– الله يخليكي ويحفظك، البيت منور بناسه طبعًا، تشكري يا ست شهد على زوقك.
بادلته التحية بابتسامة مرحبة، ثم التفت نحو المرأة التي تبستم الاَن بعرض وجهها وهي ترتشف من كوب العصير، مرددة:
– اه امال إيه، دي شهد دي ست البنات والله، وربنا بس اللي يعلم، بمعزتها عندي.
رفعت شهد حاجبًا مستغربًا لفعل المرأة والمبالغة في إظهار الحب، متناسية عن قصد نظرات الحقد التي كانت ترمقها بها بالأمس في المشفى، ازاحت عينيها عنها لتلتف نحو العريس والذي كان متأنقًا بملابس عصرية تثير استفزازها بالفعل، البنطال الضيق والذي يرتفع في الجلسة ليظهر عظام القدم البارزة، وقميص في الأعلى محكم على جسده النحيف، وقصة الشعر الغريبة والتي تشبهها بعرف الديك، اما عن وجهه فلم يبخل عليه بالاهتمام، بالحلاقة وتنسيق الحاجبين، يناظرها بابتسامة فهمتها شهد، لتبادله بابتسامة متوسعة:
– منور يا عريس.
وكان رده:
– دا نورك يا شهد، عقبالك يارب لما نفرح بيكي انتي كمان، قولي اَمين.
– امين .
رددتها شهد خلفه بابتسامة غير مبالية بسوء قصده، قبل أن ترتفع انظارها على تهليل سميرة بقدوم ابنة شقيقتها العروس:
– بسم الله ماشاء الله، دا إيه الحلاوة دي يا بنت اختي؟ تعالي يا قمر ونورينا تعالي.
بنظرة ساخرة كتمت شهد غيظها، وهي ترى اللطف المبالغ فيه من شقيقتها وهي تصافح الضيوف وترحب بهم بأدب غريب عنها، وخالتها المستفزة تقبلها بصوت عالي ومزعج، مرددة:
– يا ختي عليكي وعلى حلاوتك، قمر يا ناس قمر
ظلت شهد بصبر وصمت تتابع فقرة المداهنة من أهل العريس ، وتصنع الخجل من شقيقتها مع ابتسامات ونظرات مائعة بينها وبين هذا المدعو إبراهيم، حتى إذا جلست المذكورة، قالت شهد على الفور مخاطبة الرجل الكبير بعدم احتمال:
– ندخل بقى في المهم يا حج.
استجاب لها الرجل ليرد بحماس:
– ندخل في المهم، قولي اللي انتي عايزاه يا ست الكل، انا ابني شقته جاهزة في الدور التاني، ناقصها بس شوية تفاصيل وعفش العروسة، وكله يبقى تمام .
سمعت شهد لتجيبه بهدوء:
– بسم الله ماشاء الله، طلبات إيه وكلام فارغ إيه بس؟ دا احنا أهل في بعضينا يا عمنا واحنا مش هنختلف ولا هنزود ع اللي ماشي في السوق……. قصدي يعني في الجوزات اللي حوالينا…
قطعت فجأة على صوت جرس المنزل وانتظرت حتى فتحت رؤى للطارق، ف هتفت شهد لرؤية الرجل الذي دلف بابتسامته المعتادة:
– وادي عمنا ابو ليلة وصل اهو.
تطلع الجالسين باستغراب للهفتها وهي تنهض لتجلس الرجل على المقعد المجاور لها، ثم قامت بتقديمه لهم:
– دا عمي مسعود ابو ليلة، صاحب ابويا المرحوم يا عم الحج، ويعتبر زي عمي شقيق ابويا وأكتر، يعني هو اللي هتحط إيدك في إيده، لما ربنا يتمها على خير ان شاءالله.
تمتم الرجل بالتحية لمسعود أمام نظرات الذهول التي لجمت سميرة وشقيقتها والعروس، أما ابراهيم فخرجت تحيته على مضض، وتابعت شهد تشدد على كلماتها:
-انا صحيح بميت راجل بس برضوا، لازم اعمل حساب لبكرة، الراجل بيقدر الراجل، ولا إيه يا حج عابد ؟
قالت الأخيرة مفاجأة للرجل، والذي انتبه ليرد سريعًا:
– طبعًا يا بنتي كلامك موزون، والحج ابو لية مقامه فوق الراس، مع ان يعني مش مستاهلة، وانتي بنفسك قولتي ان احنا اهل .
تدخل ابو ليلة للرد نيابة عنها:
– طبعا اهل، وشهد متجصدتش غير كل خير، بس متأخذنيش يعني يا عم الحج، اصل انا صعيدي والحاجات دي مرت علي كتير جوي، وشوفت ياما رجالة جليلة الأصل في نفس الظرف، يوم ما تحصل مشكلة بينه وبين مرته، بيجولها إيه، ياللي واخدك من يد مــ رة…
صعق اربعتهم، وهتف ابراهيم بانفعال وقد تغيرت ملامح المرح لأخرى غاضبة:
– ما تخلي بالك من كلامك يا عمنا، هو انتي شايفني قلة.
اخفت شهد ابتسامتها، لتتابع ابو ليلة وهو يرد بابتسامته متلاعبة:
– لا سمح الله يا راجل، مين بس جال الكلام ده؟ انا بتكلم ع الناجصين، هو انت ناقص؟
جحظت عيني ابراهيم الذي افحمته كلمات الآخر، وقال الحج عابد بلطف:
– خلاص يا جماعة سيبكم من الكلام ده، وخلونا نرجع للمهم، كملي يا شهد كلامك، انتي قولتي انك عايز تمشي زي باقي الجوزات اللي حوالينا، تقصدي إيه بقى وضحي؟
بكف يدها التي رفعتها أمامهم، قالت بحسم:
– قبل كل حاجة يا عم الحج، انا ليا شرط، هيتقال قدامك دلوقتي، وهيشهد عليه ابو ليلة.
– إيه هو الشرط؟
سألها عابد بتوجس، لتجيبه بنظرة متنقلة على فراد اسرته واسرتها:
– شرطي يا عم الحج، إن مهما طالت مدة الخطوبة أو قصرت، معلش يعني، ابراهيم ملوش دخلة عندنا إلا في حضورك وبميعاد سابق مني….
توقفت على شهقات المرأتين ونظرة نارية من أمنية قبل أن تلتف على صيحة ابراهيم :
– نننعم! ليه بقى ان شاءالله؟ دي هتبقى خطيبتي، في حد ميشوفش ولا يتقابل مع خطيبته، في شرع مين دا بقى؟
بنظرة حازمة اشار له مسعود ليهدأ، وردت شهد بصرامة:
– دا ملهوش دعوة بشرع، البيت كله نسوان، وانت مهما كانت قاربتك، انا مش هبديك عن الأصول، ونفس اللي حصل مع جوز اختها الكبيرة، هيحصل معاك.
هتف ابراهيم يجادل:
– دا راجل كان مسافر وجه خطبها ع السريع في ظرف اسبوعين ومشي بيها بعد الفرح، لكن انا ابن خالتها ولسة عايز فترة خطوبة.
مطت بشفتيها تقول ببساطة:
– والله انت حر، تقصر الخطوبة او تمدها، براحتك، الأصول متزعلش حد، ولا انت زعلان يا عم الحج؟.
وجهت الأخيرة لوالد ابراهيم، والذي رد يفاجأ زو جته وأمنية الساخطة هي ووالدتها:
– لا طبعًا متزعلش حد، وانا معاكي في كل اللي تقوليه، عندك طلبات تانية يا ست البنات؟
زفر ابراهيم ينفث دخان من انفه، بهذا الاستسلام السريع من والده، وتبادل مع والدته وأمنية النظرات المحتقنة، وقال ليسبق رد شهد:
– طب مدام كدة بقى يبقى احنا هنعجل بكل حاجة، واولها الخطوبة، يعني بكرة ننزل نجيب الشبكة الصبح، وبالليل نعمل الليلة .
– بكرة فين؟ هو سلق بيض؟
هتفت بها شهد ليرد الآخر على الفور:
– ليه بقى يا ست شهد؟ احنا جاين وجاهزين بتمن الشبكة، ولا انتي معندكيش مقدرة لليلة الخطوبة؟ احنا ممكن تشيل على فكرة، دي بنت خالتي واتقالها بالدهب.
قالها وافتر ثغر أمنية ببلاهة ضاحكة، كظمت شهد غيظها ورد مسعود بحمائية عنها:
– عيب الكلام ده يا عم ابراهيم، إنت بتتكلم مع المقاول شهد على سن ورمح.
رد الحج عابد بلهجة لينة ماكرة:
– هو قاصده انهم حبايب، وأهل، يعني مفيش فرق، واحنا نقدر…..
– انا موافقة.
هتفت بها شهد مقاطعة تتابع:
– انا موافقة على الخطوبة بكرة وهعمل ليلة ع الواسع كمان، في حاجة تاني يا عم إبراهيم؟
❈-❈-❈
في اليوم التالي
بعد ان تجهزت على الميعاد، خرجت صبا من منزلها صباحًا، كي تلتحق بهذه الوظيفة الجديدة بالفندق الذي ذكرت اسمه لها رحمة بالأمس والتي تصادفت برؤيتها فور أن خرجت من باب منزلهم:
– إيه ده؟ هو انت لسة يا بت مروحتيش على شغلك؟
هتفت بها المذكورة ممازحة وقد كانت خارجة من المصعد في طريقها نحو شقة والدتها وشقيقها.
ردت صبا بقلق وهي تنظر بالساعة الصغيرة التي تزين رسغها:
– ليه بجى؟ دي الساعة لسة مجتش تمانية، ولا عايزة تفهميني انهم بيفتحوا على سبعة ؟
قهقهت رحمة بضحكتها الرنانة قبل أن ترد وهي تتوقف أمامها وتوقفها:
– يا مجنونة بهزر معاكي، هو إنتي أي كلام كدة تصدقيه؟
استجابت لها صبا بابتسامة، ولكنها هتفت بالانفعال:
– مش حكاية اي كلام اصدجه، انا بس متوترة وبصراحة اخوكي مجالش على ميعاد محدد اروح فيه.
قطبت رحمة لتسألها بدهشة:
– هو مقالش، يبقى انتي تسألي يا ماما.
رفعت صبا طرف شفتها لترد بعفوية:
– أسأل مين؟ هو انتي اخوكي دا بيديني فرصة اتكلم حتى، دا معجزة وحصلت امبارح انه كلمني اساسًا.
سمعت رحمة لتناكفها:
– طب خليكي قد كلامك بقى، عشان هو ممكن يخرج دلوقتي ويقفشك، وساعتها تروح عليكي الوظيفة.
همست صبا تشير بسبابتها نحو باب المنزل
– هو لسة ما رحش الشغل.
– لأ لسة ما رحش.
همست بها رحمة هي الأخرى كإجابة لتبرق عيني صبا بإجفال، وزمت شفتيها بابتسامة تلملمها قائلة وهي تحرك أقدامها للهرب سريعًا:
– طب اطير انا بجى، قبل ما اخربها .
تابعتها رحمة ضاحكة حتى اختفت بداخل المصعد الذي هبط بها، تتمتم:
– يا مجنونة يا ام مخ طاقق.
– هي مين المجنونة ومخها طاقق؟
رددها شادي وهو يغلق باب الشقة التي خرج منه، ف ردت رحمة:
– دي صبا يا سيدي، اصلها كانت خايفة لتكون اتأخرت.
ابتلع ريقه الذي جف لمجرد سماع اسمها، بتوتر يكتنفه بشدة، ولا يدري إن كان ما فعله لعملها معه في مكان واحد خطأ هو أم صواب؟
❈-❈-❈
خرجت مودة من المبنى الذي تقطن به بخطوات مسرعة حتى وصلت لاهثة إلى صبا التي كانت تنتظرها بجوار مدخل المبنى مكتفة ذراعيها بغيظ:
– أديني وصلت اهو، إيه رأيك بقى؟
قالتها مودة لتهتف بها بصبا بحنق:
– اخلصي اتحركى وخلينا نمشي، هو احنا لسة هناخد رأي بعض في اللبس كمان؟
قالتها وأسرعت بخطواتها، والأخرى تلحق بها مرددة:
– طب قولي رأيك وبعد كدة اجري براحتك، هو الشغل هيطير يعني على الدقيقة دي؟
-التفت برأسها إليها تقول بحدة:
– بجالك ساعة بتلبسي جدام المراية، ولسة كمان عايزة تاخدي رأيي وتشوفي وتقارني، مدي رجلك يا مودة الله يخليكي، انا على اخري.
التوى ثغر المذكورة بإحباط ازداد وهي ترى نظرات المارة والشباب في المنطقة والمصوبة جميعها نحو صبا التي تتقدمها بخطوات عسكرية متجاهلة بثقة ومستمرة في طريقها، تصل إلى اسماعها
الهمهمات المتغزلة بها:
– يا بطل، إيه الحلاوة اللي هلت علينا ونورت الشارع دي؟
غغمغت مودة بداخلها:
– طبعًا عندك حق تبقى عصبية وميهمكيش، مدام بتسرقي النظرة ليكي من غير مجهود ولا تعب، حتى لو كنتي لابسة شوال.
❈-❈-❈
في موقع العمل الذي وصل إليه باكرًا هذا اليوم، ولا يعلم السبب الذي دفعه لذلك، رغم عمله بموقع اَخر أشد اهمية، ويحتاج تركيز أكبر، ولكن قدميه هي من قادته، لمح بعينيه طيفها، فور أن ترجل من سيارته، وسط العمال تلقي خطتها حول أمر ما قبل أن ينصرفوا وظل عبد الرحيم مساعدها فقط، والذي انتبه عليه ليردف مهللًا فور أن رأه:
– بشمهندس حسن، صباح الفل يا باشا.
ردد حسن له التحية قبل أن يوجه خطابه نحو شهد:
– عاملة إيه النهاردة يا سيادة المقاول؟ يارب تكوني كويسة.
– حمد لله احسن بكتير.
قالتها وهي توميء له برأسها قبل أن تصرف مساعدها:
– طب روح انت دلوقتي يا عبد الرحيم، بالمكنة بتاعتك، وهات الفطار للعمال.
– هوا
قالها الاَخير وتحرك سريعًا نحو دراجته البخارية، ثم التفت هي نحو حسن تخاطبه بحرج شديد وعينيها تهرب من مواجهته:
– انا كنت عايزة اشكرك، على موقفك معايا…
– موقف إيه؟
سألها مقاطعًا ليزيد من حرجها في الرد:
– يا بشمهندس انا قصدي ع التوصيلة، دا غير اني نمت معاك في العربية وو….
تبسم بتسلية وهو يشاهد هذا الجانب الانثوي منها في الخجل، والدماء التي ضخت فجأة بوجنتيها، وقد زاد عليها ضياء الشمس، بشكل فضح توترها، فقال مستمتعًا بمناكفتها:
– قصدك يعني لما نمتي بمجرد ما حطيتي رأسك ع الكرسي، ومن قبل حتى ما نوصل لعنوان صاحبتك ولا تكملي ربع الساعة في المشوار؟
توقفت الكلمات بحلقها وتحول الخجل للغيظ الشديد:
– اه زي ما انتي بتقول كدة، بس انا في يوميها كنت تعبانة جدًا على فكرة، ولا انت مخدتش بالك ساعة ما اتكرمت عشان تسوق بدالي؟
رد بمكر:
– لا طبعًا خدت بالي، ولا انتي فاكراني بتريق مثلًا؟ انا بس كنت بطمن.
ردت بابتسامة صفراء:
– لا اطمن.
– يعني دا السبب اللي خلاكي غيبتي امبارح؟
اومأت برأسها دون صوت، فتابع يسألها:
– طب واختك بقى اللي حاولت تنتنحر دي…
قاطعته مصححة:
– مكنش انتحار، دا مجرد جرح عادي وحمد لله عدت.
– عدت.
– اَه عدت.
– أممم، اصل عبد الرحيم كان بيقول……
– عبد الرحيم دا مخه ضارب وكان فاهم غلط على فكرة.
قالتها مقاطعة للمرة الثانية، وزادت في محاولة تصديقها:
– دي حتى النهاردة خطوبتها.
– خطوبتها!!
– والله زي ما بقولك كدة، دا لولا اني خفت ع التأخير، مكنت جيت بنفسي النهاردة وانا ورايا هم ما يتلم في التجهيزات لليلة الشبكة.
قال اَخيرًا يريحها:
– الف مبروك، ربنا يتمم بخير.
– الله يبارك فيك .
قالتها ثم تابعت تساله:
– طب انت دلوقتي عندك تفسير ولا أي ملحوظة تقولي عنها، قبل ما امشي واسيب الموقع؟
القى بنظرة سريعة نحو المبني الذي اتم العمال نصفه، قبل أن يعود إليها مجيبًا بابتسامة رائعة:
– لا يا ستي مش محتاج حاجة، بس انتي مش ملاحظة حاجة؟
ناظرته باستفهام يجيبها:
– قصدي انك جيبتي سيرة الفرح، ومعزمتنيش يا سيادة المقاول.
ردت بابتسامة صادقة يشملها الحرج، قبل أن تتحرك من جواره لتذهب :
– أكيد حضرتك مش محتاج عزومة، يعني لو حبيت تيجي، عبد الرحيم يجيبك بكل سهولة.
ظل محله يراقبها وهي تنصرف مغادرة في الذهاب نحو سيارتها التي اصطفتها بجوار عدة سيارات أخرى في المكان المخصص لها، رغم ارتدائها الملابس الرجالية الواسعة، والهيئة العصبية لها دائمًا في التعامل مع البشر، إنما هي أنثى غصب عن أنفها بخطواتها وطريقة سيرها، احمرار وجنتيها التي فضحت خجلها منذ قليل، رقتها المدفونة تحت خشونة الطبع الذي تدعيه زورًا.
انتفض فجأة على دوي صوت الهاتف بجيب بنطاله، بنغمة مخصصة لوالدته الحبيبة، والتي اجابها على الفور بقلق:
– ايوة يا أمي في حاجة؟
جاءه صوتها الهاديء:
– لا اسم الله عليك يا حبيبي، مفيش حاجة، دا انا بتصل بس عشان اطمن عليك
رد يجيبها باستغراب وهو يتحرك نحو الجزء الذي أتم بناءه العمال حديثًا، ليرى مطابقته للمواصفات والتصميم بالفعل أم لا:
– تطمني عليا وانا خارج من عندك في اقل من ساعة! في إيه يا ست الكل؟ دي مش عوايدك!
دوى صوت ضحكتها على أسماعه قبل ان تقول بكذب مكشوف:
– خلاص يا سيدي، انا بس لقيت نفسي فاضية وقولت اتصل الاغيك شوية، فيها حاجة دي؟
– لا يا ست الكل مفيهاش حاجة، ارغي براحتك .
اتاها ترحيبه، كإشارة مشجعة لتنطق:
– كدة طب قولي، هو انت قاعد فين دلوقتي؟ عند المقاول ابو كرش التخين، ولا المقاول الست شهد اللي عاملة نفسها راجل؟
– يا نهار اسود .
تمتم منتفضًا وهو يلتفت نحو العمال القريبين منه بقلق، يخشى ان يصل إليهم الصوت
فقال هامسًا، بعد ان ابتعد عنهم بمسافة كافية:
– إيه اللي بتقوليه دا يا ماما؟ انتي عايزة تشبكيني مع عمالها ورجالتها:
– يعني انت موجود هناك!
قالتها وجلجلت بضحكة رنانة في أذنه، زادت من توتره، قبل ان تقول بتسلية:
– طب أوصفلي شكلها بقى، وهي لابسة إيه؟ نفس اللبس الواسع برضو ولا غيرته؟
عض على قبضة يده بعد ان أعطى ظهره للعمال، ليقول من تحت أسنانه:.
– يا ماما الكلام ده مينفعش، انا محبش اركز مع حد من الأساس خصوصًا لو ست، وعلى فكرة بقى وعشان تريحي مخك، هي اساسًا مش موجودة عشان النهاردة عندها خطوبة وشبكة اختها.
– شبكة اختها !
تمتمت بها قبل أن تهتف باستدراك:
– مدام قالتلك، يبقى اكيد عزمتك يا بشمهندس!… حلو اوي وقالتلك امتى بقى؟
ضرب بكفه على جبهته يغمغم بقلة حيلة:
– انا اللي استاهل، انا اللي جيبته لنفسي يوم ما قولتلك يا مجيدة.
وكان الرد منها هو ضحكة مجلجلة أخرى، وتصميم على معرفة كل شيء بحديث متواصل.
❈-❈-❈
في بهو الفندق الضخم، والذي كان يضج بحركة الرواد والمقيمين به والموظفين، بواقع لحياة مستمرة ولا تتوقف، كان هو واقفًا بتحفز، يتنقل بالنظر من الساعة إلى المدخل الزجاجي، يزفر بتأفف وضيق، لقد خرجت قبل أن يخرج هو، وصل وأكمل لقرابة الساعة، وهي لم تصل، إذن ماذا حدث؟ هكذا من اول يوم تاخير وقلق عليها، ألا يكفي تقبله لحمل توظيفها للعمل في الفندق، حتى يذوب قلبه من الخوف الاَن لمسافة الطريق أيضًا.
– استغفر الله العظيم يارب
تمتم بها يمسح بأنامله على طرف فكه بتوتر يشل تفكيره.
توقف وارتفعت عينيه فجأة على دخولها بعد أن ولجت بصحبة الفتاة جارتهم والتي ذكرت إسمها إليه بالأمس، تجمد بغيظ وتسمر محله يناظرهن بأعين غاضبة، انتبهت عليها فور أن وقعت عينيها عليه، لتقترب منه بخطوات مثقلة تردف التحية:
– صباح الخير .
– صباح الخير يا أستاذ شادي.
رددت من خلفها مودة ولكنه لم ينتبه لها، وخرج قوله بجمود نحو صبا:
– صباح النور إتأخرتي ليه؟
ارتكبت لتجيب مطرقة براسها باضطراب وصوتها الهامس الذي يزلزل كيانه في كل مرة:
– المواصلات، ما انت عارف الفندق هنا بعيد عن المنطقة بتاعتنا، واضطرينا ناخد كذا مواصلة.
تدخلت مودة هي الأخرى مرددة تفيقه:
– اَه والله يا استاذ شادي، كذا مواصلة.
التفت انظاره نحو مودة بحدة أجفلتها قبل أن يتحمحم، يخاطبهن بخشونة:
– طب خلاص، ع العموم المشكلة دي هتتحل إن شاء، بأتوبيس الفندق.
– صحيح يا استاذ شادي، يعني احنا كدة اتوظفنا؟
هتفت بها مودة بلهفة، فقال يجيبها بامتعاض:
– قولي ان شاء الله، وتعالوا ورايا عند المدير المسؤول
قالها وتحرك يسبقهن بخطواته الواسعة، وهن خلفه يجاهدن للحاق به .
❈-❈-❈
أمام المدير المسؤول الذي امسك بالملفات يتطلع بها وإلى الفتيات، فتركزت أنظاره على صبا، ليقول بإعجاب:.
– ما شاء الله يا صبا، دا انتي تنفعي استقبال بقى..
قبل أن ترد سبقها الآخر بلهجة حازمة:
– انا قايل من الأول انها هتبقى معايا في قسم التموين، يعني امضي يا حمدي من غير مناكفة.
اجفل الرجل من حدته حتى تعقد حاجبيه باستغراب، قطعته مودة بقولها:
– خلاص يبقى وظفني أنا يا باشا، في الاستقبال .
طالعها الرجل بنظرة مقيمة سريعة، من منبت شعرها البني وحتى ملابسها المتواضعة، على قدها الرشيق وقصر قامتها، فبدا الرد جليًا على ملامح وجهه الممتعضة وهو يقول لها:
– لا خلاص بقى، انتي هتبقى في خدمة الغرف…
– خدمة الغرف!
قالتها مودة بصدمة أصابت صبا ايضَا، ورد الرجل:
– يا اخونا دي شهادة متوسطة، عايزنها تتوظف في إيه بس؟ مش زي صبا، تجارة انجلش، دا غير انها…..
قطع باقي جملته وقد انتبه على النظرة النارية التي حدجه بها شادي والذي قال بعصبية ونفاد صبر:
– خلاص يا حمدي خلصنا بقى .
ارتبك يجيبه:
– حاضر خلاص والله، بس اعرف الرأي الأخير للاَنسة، هاي رسيتي على إيه؟
توجه بالاَخيرة نحو مودة والتي ابتلعت خيبة أملها، لترد بإحباط:
– خلاص موافقة، ما انت قولت بنفسك، مؤهل متوسط…
سمع منها الرجل ليتمتم وهو يتناول القلم حتى يخط على قرار تعينهم :
– تمام اوي، يبقى كدة صبا هتروح مع شادي وانتي بقى هتروحي على غرفة الملابس وتلبسي اليونيفورم بتاعك، على ما ابلغ انا الريسة بتاعتك واللي هتوجهك للعمل بتاعك…. وادي الإمضة.
❈-❈-❈
في جناحه الخاص في الطابق الثاني من الفندق، وقفت أمام المرأة بعد ان أنتهت من ارتداء ملابسها، بقلم الحمرة كانت تزيد على شفتــ يها، بمبالغة اعتادت عليها، ثم استقامت لتعدل على الجيبة الضيقة، والسترة المفتوحة لتغلق ازرارها حتى تقارب هيئتها ولو قليلًا النظام السائد لعاملات الفندق، شعرها العسلي بفعل الصبغة، كانت تنثر في خصلاته الطويلة..
– كل ده وانتي لسة مخلصتيش يا ميرنا؟
هتف بها عدي وهو خارج من حمام الجناح بالمئزر القطني الأبيض، يجفف بالمنشفة على شعر رأسه المبلل، والتفت له هي قائلة بلهفة وميوعة:
– الله يا باشا، مش لازم برضوا اطلع كدة بهيئة تشرف، ولا انت عايز الخوجات يقولوا إن بنات الفندق هنا سكة وأي كلام؟
ضحك بصوته العالي، ليتناول فرشاة الشعر خاصته، كي يمشط بها وهو يقول بمرح غامزًا بعينيه:
– أكتر من كدة، يا شيخة دا انتي مش عاتقة بريطاني ولا سويدي حتى، بتجيبي الوقت والصحة منين بس؟
ردت بضحكة مائعة:
– العملة الصعبة، العملة الصعبة تحيي النفس وتدي طاقة.. بس إيه بقى؟ مفيش في القلب غيرك يا باشا.
مال برأسه إليها بابتسامة ساخرة ونظرة كاشفة يرد بلهجة حازمة:
– ماشي يا ميرنا، نعديها دي، اطلعي وشوفي شغلك، انتي متأخرة يجي ساعة دلوقتي.
استجابت لتتحرك سريعًا نحو باب الغرفة، وفور أن تمسكت بمقبض الباب، القت إليه بقبلة على الهواء من فوق كفها المفرود، ثم غادرت.
واستدار هو ليتناول هاتفه، كي يتصل بشريكه، والذي لم يننظر كثيرًا حتى أجابه:
– عدي باشا، انتي فين يا عم؟ مش باين من الصبح؟ ضحك المذكور وهو يجلس على طرف التخت، ليرد :
– اطمن يا كارم، مسافرتش ولا سيبتك زي المرة اللي فاتت، انا بس اتخقنت من القنعرة التركي، روحت سيبتها وجيت ع الفندق، في الجناح بتاعي ونمت فيه.
– وروقت نفسك.
قالها كارم بفراسته المعتادة، وضحك الاَخر مرددًا:
– وروقت نفسي يا سيدي، ما انت عارفني مطيقش النكد.
هتف كارم من الجهة الأخرى :
– يا حبيبي، طب شد حيلك وتعالى بسرعة، خلينا نشوف أمر المناقصة اللي كلمتك عنها امبارح، عايزين نسبق.
– أوكي تمام، مش هتأخر، بس اشوف مصطفى الأول، واشوف جدولي معاه في المجموعة.
انهى المكالمة، ليلقي نظرة على سجل الاتصالات، فوجد عدد من مكالمات أخيه، ولم يجد واحدًا من زو جته، غمغم بالسباب وهو يتطلع لصورتها يخاطبها:
– ماشي يا بنت ال…. خلي القنعرة اللي رسماها عليا تنفعك، ولا تفتكرى اني هعبرك اصلًا، بلا قرف.
❈-❈-❈
على مكتبها الجديد، وعلى الحاسوب المخصص لها، كانت تراجع على الميزانية والخطط المعدة لبعض الأنشطة، والمصروفات وعدة اشياء أخرى لا حصر لها، لا تصدق انها سوف تنتهي منها في هذا اليوم، وقد تركها بعد أن أعطى لها المهام، وقد تركتها صديقتها مودة هي الأخرى ولا تعلم عنها شيء الآن في عملها الجديد.
حركت برأسها يمينًا ويسارًا لتدلك بكفها على رقبتها.
-إيه تعبتي؟
قالها شادي وهو يلج لداخل الغرفة بخطواته المسرعة كالعادة، انتظرته حتى جلس على مكتبه لترد بحرج:
– مش لدرجة التعب يعني، بس هي رقبتي، حاجة مش مستاهلة يعني.
ضيق عينيه باستدراك فجأة ليسألها:
– هو انت بتتكلمي صعيدي ولا بحري يا صبا؟
– بحري، انا بتكلم بلغة البلد هنا .
قالتها بعفوية لتجده يقارعها بقوله:
– بس انا سمعتك امبارح بتتكلمي مع رحمة وتاخدي وتدي معاها بالصعيدي، بالظبط زي ما سمعنك قبل كدة بتتكلمي مع والدتك.
خجلت بشدة وخرج صوتها الهامس بتقطع تقول:
– لا ما انا… مش بتكلم صعيدي غير… مع الناس اللي اعرفهم واخد عليهم،… هي بتيجي معايا كدة.
قالها لترفع عينيها إليه فتقابلت مع سوداوتيه، وقد تجمد بالنظر إليها، كالمسحور، يجذبه كل شيء منها، خجلها، البراءة التي تشع منها، الجمال الرباني وهذه العينان التي اختلط لونها ما بين الأخضر والبندقي، ليزيد على هالتها انجذابًا.
– هي مودة شغالة فين دلوقتي؟ اصل بصراحة عايزة اطمن عليها.
قالتها لينتبه إليها، فقد بدا لها كالتمثال، شعر بنفسه وتحمحم ليُجيبها، وهو يلقي نظرة سريعًا في الملف الذي أمامه قبل ان يدون على شاشة الحاسوب بعض المعلومات به:
– الريسة بتاعة مودة ست راقية ومحترمة، اطمني
– طب كويس.
تمتمت بها قبل ان تجيب على هاتفها الذي دوى باتصال من والدتها:
– ايوة يا أمي…….. انتي وابويا؟…….. طب مش كنتي تستنيني جبل ما تمشي…
بدون إرادته، توقف عما يفعله واسترق السمع لتلفظها
بلهجة الجنوب وطريقة نطقها بصوتها الرقيق في الحديث مع والدتها، حمد ربه انها تخفيها للأقرباء فقط،
حتى لا تزيد على سحرها بالصوت أيضًا، وهو لا ينفصه.
استغفر ليعود لعمله، ولكنها أجفلته بقولها:
– هو ميعاد الانصراف امتى؟
ميعاد الإنصراف مش باقي عليه كتير، كلها ساعة ولا ساعتين وتروحي، بتسألي ليه؟
تبسمت تجيبه وهي تعود لحاسوبها:
– اصل طلع عندنا خطوبة، فجأة كدة.
توقف ليلتفت لها ويسألها بحدة هاتفًا:
– خطوبة مين؟
تعقد جبينها بدهشة من هيئته:
– خطوبة اخت شهد، بنت صاحب ابويا وفي مقام بنته.
اومأ رأسه يتنهد بارتياح نسبي، ليشيح رأسه عنها باضطراب اصابه لمجرد الفكرة، وهو الأعلم باستحالة ما يتمناه، إذن لما هذا العذاب الذي يعيشه بقربها وهو يعلم بالنهاية المحتومة؟
تنهد من عمق ما يشعر به من يأس ليتمتم داخله ببؤس:
– صبرني يارب.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *