رواية أحببتها ولكن 7 الفصل الثامن والخمسون 58 بقلم بيسو وليد
رواية أحببتها ولكن 7 الفصل الثامن والخمسون 58 بقلم بيسو وليد
رواية أحببتها ولكن 7 البارت الثامن والخمسون
رواية أحببتها ولكن 7 الجزء الثامن والخمسون
رواية أحببتها ولكن 7 الحلقة الثامنة والخمسون
إليكِ ترسل هذا الحب أفئدة تهوي إليكِ
وفيها للقاء ظما مشت إليكِ
بأشواق تسيرها قلوب
أنهلها حب بها احتدما مليحة
ومعين الغيم أرضعها هذا الجمال
فما ملت وما فَطَما تفتقت أرضها عن سر
فتنتها مرابعاً أتعبت في عشـ.ـقها أمما
ألقى لها المزن هتان الهوى غدقاً
فكل وادٍ يباهي حسنه القمما
_أحمد الصالح.
______________________
لا شيء أسـ ـوأ مِن الظُـ ـلمُ، أن تتعمـ ـد أن تتـ ـهم بر’يئًا عن عمـ ـدٍ دون وجه حـ ـقٍ حتى تشـ ـفي غـ ـليلكَ مِنهُ ليس هيـ ـنًا، أصبحت الأتهاما’تُ دون د’ليلٍ واضحٍ مبا’حة وأصبح الفسا’د منتشـ ـرًا بين بقا’ع الأرض فلا يجد المرء شيئًا حوله سوى الفسا’د والظُـ ـلم والنقـ ـم، مشاعرٌ سلـ ـبية دُ’سَّت بين الجميع وحينما يحين موعد كشـ ـف الحـ ـقيقة ومعرفة الجا’ني الحـ ـقيقي تتجه الأيادي في كل مكانٍ كلُ واحدٍ يتـ ـهم الآخر حتى يفـ ـر الآخر هر’بًا مِن مصـ ـيره المحتوم، الظُـ ـلم من أقبـ ـح الكبا’ئر، وهو ظُلماتٌ يوم القيامة كما قاله النبيُّ ﷺ، قال: اتَّقوا الظلم، فإنَّ الظلم ظُلمات يوم القيامة، وقال عليه الصلاة والسلام: يقول الله: يا عبادي، إني حرمتُ الظلم على نفسي، وجعلتُه بينكم محرَّمًا، فلا تظالموا، ويقول الله في القرآن الكريم في سورة الفرقان: وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا [الفرقان:19]، ويقول: وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ [الشورى:8].
فالظـ ـلم شـ ـرُّه عظيم، وعا’قبته وخـ ـيمة وليس مِن السهلِ أن نتها’ون بهِ حتى نرضي النـ ـفسُ النا’قمة القابعة بداخلنا.
<“ساحة الحر’بِ لا تحمـ ـل سوى هويتين.”>
سقـ ـطت الكلمات على أذانهم كما تسقـ ـط المطـ ـرقة على قطعة الحـ ـديد السا’خنة، كلماتٌ بسيطة أعطتهم بصيص الأمل في مستقبلٍ مشرقٍ لهذا المسـ ـكين الأمين، ألتـ ـمعت المُقل بوميضٍ لا’معٍ وتسا’رعت الأنفا’س داخل الصد’ور وأزدادت نبضات القلوب بعنفٍ، كلماتٌ قالها ويعلم أثارها جيدًا وتأثيرها عليهما خصيصًا وهو يقف أمامهما واثقًا مِن نفسه راضيًا وهادئًا … أند’فع “مُـهاب” يتحدث بتلهـ ـفٍ على أملٍ أن يكون ما سمعهُ منذ قليلٍ صحيحٍ مئة بالمئة وليس تخيلاتٍ وهمـ ـية صنعها عقـ ـله الباطـ ـن حتى يسعى في فعل ما بدأه:
_أحلف إنه بر’يء مِنها، أحلف بالله إنه بر’يء ومظلو’م وإن حـ ـقه راجع بجد ودي مكيـ ـدة، “شـريف” بالله عليك متعشـ ـمنيش وبعدين ألاقي عكـ ـس كدا أنا بجد مش هستحمـ ـل أقف قدامه وعيني فالأ’رض مِنُه.
نظر إليهِ “شـريف” وهو مازال محتفظًا بأبتسامته وهدوءه الذي رافقه منذ قليلٍ ليُجيبه بنبرةٍ هادئة:
_وأنا مبقولش حاجة غير وأنا واثق مِنها يا “مُـهاب”، واللي فضـ ـحها صاحبتها الأنتيم كمان، عيـ ـب عليكم دا أنا جايبها مِن تحـ ـت أوي مش هتصـ ـعب عليا.
كانا يستمعان إليه مفر’غان الفم لا يُصدقان ما يسمعانه، فيما كان هو قد بدأ يقـ ـص عليهما ما حدث حتى توَّصل إلى تلك المعلومة الها’مة التي كانت بالنسبةِ إليه كشعا’ع النو’ر الذي يشـ ـق ظلا’م الليل.
عودة إلى عِدة دقائق مضت.
ترك “شـريف” الشا’بين سويًا ثم تحرك خـ ـفيًا دون أن ينـ ـتبه إليهِ أحدٌ وصعد على درجات السُـ ـلَّم بخـ ـفةٍ حتى وصل إلى الطا’بق الأول ليتفا’جئ بوجود إثنين ولذلك شعر بالحيـ ـرةِ مِن أمره فوجب عليه الآن أن يبحث عنهما سويًا في الطا’بقين ولذلك بدأ مهـ ـمته وهو يجول في الطر’قات الطو’يلة التي تحتوي على العديد مِن الغرف عا’زمًا على كشـ ـفهما وكشـ ـف حقيـ ـقةٍ كانت مخـ ـبوءة داخل كو’مة قـ ـشٍ كبيرة تحتاج إلى أسابيعٍ للبحث عنها.
أستمر البحث خمسُ دقائق حتى أوقفهُ صوت فتا’ةٌ مِن خـ ـلفه ليلتفت إليها بهدوءٍ ير’ميها بنظراتٍ حا’دة بعد أن بر’مج عقـ ـله على أسلوب التعامل مع هؤلاء السا’خطات ليراها بدأت تقترب مِنهُ بخطى هادئة متو’ازنة وصوت حذ’اءها ذو الكعـ ـب العا’لي يرن في المكان حتى وقفت أمامه مبتسمة الوجه والعينين تستخدم حيـ ـلها الما’كرة في إسقا’ط رجا’لٍ أثر’ياء مثله لتبدأ في الأقتراب أكثر ليوقفها هو بحركةٍ خفـ ـيفةٍ مِن يده حينما أشهر كفه بوجهها لرد’ع فعلها ذاك.
تو’قفت في الحال وهي تنظر إليه متعجبةً مِن أمره ولا تفهم شيءٍ ففتا’ةٌ جذ’ابة وجميلة مثلها تُسـ ـقط في شبا’كها مئات الرجا’ل كيف لهُ هو أن يمنـ ـعها هي ويقف أمام تلك الفـ ـتنة جا’مدًا بهذا الشكل؟ تلك الأسئلة طرحتها على عقـ ـلها لتسمعه يُجيبها عليها دون أن يسمعها مِنها حينما قال بنبرةٍ صا’رمة:
_لو فاكراني زي الـ***** اللي أول ما بيشوفوكِ بيتر’موا تحـ ـت رجليكِ يبقى أنصحك تعيدي تفكيرك مرة تانية قبل ما تفكري تقربي مِني خطوة واحدة بس، أنا مش مِن النوع دا وميشر’فنيش أكون مِنُه لأني بشوف العالم دا عالم *** لامم ***** تشبهله وأنا هنا لغرض تاني خالص مش اللي أنتوا هنا عشانه … أوعي تقربي تاني يا قطة عشان هتلاقي قدامك أسـ ـد وقتها مش هيعرف يسيب فر’يسته اللي أز’عجته بغبا’ءها.
أنهـ ـى حديثه إليها تزامنًا مع إنز’ال كفه ليُعطـ ـيها ظهره مكملًا بحثه عن مُراده علّه يلقاه صُدفةٌ، أما عنها هي فقد ظلت كما هي تشاهده يبحث عن شيءٍ ما وكأنه يبحث عن طفلٍ صغيرٍ ضا’ئعٍ مِن أُمه، شعرت بالضجـ ـر مِن حديثه معها ونبرته الصا’رمة التي لَم يجر’ؤ أحدهم على التحدث معها بها وصدقًا خـ ـشت أن تعا’نده فيبدو عليه الجمو’د والغـ ـلظة ولذلك ليس عليها مِن السهل إيقا’عه.
عاد مِن جديد حينما لَم يجد أحدٍ مِنهما ليعلم أنهما يقبعان في الطابق الثانِ ولذلك تخطاها ببر’ودٍ ليس لهُ مثيل وحينما حانت مِنهُ لحظة الصعود منـ ـعه صوتها الذي جاء مِن خـ ـلفه حينما قالت:
_تقدر تقولي بتدور على إيه وأنا هساعدك، أنا أعرف كل اللي هنا واحد واحد.
نظرت إلى ظهره تنتظر ردّاً مِنهُ فإن لن تستطع إيقا’عه فلا بأس أن تأخذ بعد النقود بطريقةٍ إستغلا’لية بالنسبة لكليهما لتراه يلتفت إليها مِن جديد ينظر لها ببر’ودٍ شـ ـديدٍ لتبتسم هي إليهِ ثم ر’فعت كفها تفـ ـرك إبهامها بسبابتها قائلة:
_كله بالفلوس هنا.
حسنًا إن كان هذه هي الطريقةِ المناسبة حتى يصل إلى مُراده فلا بأس في ذلك فعلى الرغم مِن ذلك ستر’حمه مِن البحث الطو’يل والمُر’هق ولذلك وقف ثا’بتًا مُربعًا ذراعيه أمام صدره وقال بنبرةٍ جا’دة:
_”نور محمد السيد جابر” تعرفي واحدة بالأسم دا؟.
صد’مها حينما نـ ـطق أسم صديقتها المقربة لتعلم سريعًا هويته وماذا يريد ليظهر الأرتبا’ك على معالم وجهها وجسـ ـدها لتُشيـ ـح بعينيها بعيـ ـدًا عنهُ وقد أجابتهُ نا’فيةً معرفتها بذاك الإسم قائلة:
_لا معرفش حد بالإسم دا.
_يا شيخة؟! مش مِن شوية برضوا قولتي إنك تعرفي كل اللي هنا؟ تيجي أزاي دي بقى؟.
أستنكر حديثها في بادئ الأمر ثم ألـ ـقى بسؤالين متتاليين عليها وقد أيقن أن فر’يسته لن تستغر’ق دقائق كثيرة وستصبح داخل عر’ينه، فهو كالصيا’د الماهر في صيد الطيو’ر والأسماك يستطيع أصطياد’ فر’يستهُ الها’ربة عنهُ بأقل مجهـ ـودٍ مِنهُ فلا شيء يصعُـ ـب على حضرته، فحينما يضع شخصٌ ما داخل رأ’سه فسلامًا عليه.
أقترب مِنها بخطى هادئة وعينيه مثبـ ـتتان عليها فيما أصا’بها التو’تر الشـ ـديد ولذلك بدأت تبـ ـتعد بخطى غير متز’نة وهي تنظر بعيـ ـدًا حتى و’قف هو أمامها مباشرةً ينظر لها مِن عـ ـليتهِ قائلًا بنبرةٍ غير قابلة للنقا’ش يقوم بغـ ـرز أنيا’به في لحـ ـمها:
_هديكِ خمس بواكِ وتقوليلي تاريخ البـ ـت دي مِن أول ما طلـ ـعت على الدنيا لحد دلوقتي وإسمك مش هيتجاب فحاجة ومحدش هيعرف إنك ليكِ يَّـ ـد، بس وربنا المعبود هتلا’وعي معايا هز’علك وأند’مك على اللحظة اللي فكرتِ تلا’وعي معايا فيها، بس تتستـ ـري على مجر’مة زيها وتبقي عارفة مين الجا’ني الحـ ـقيقي وتشوفي أخويا مُذ’نب وهو بر’يء مِن أفعالكم القذ’رة دي يمـ ـين بعظيم بمكالمة تليفون واحدة هتلاقوا نفسكم فالسجـ ـن وما هتخرجوا مِنها لو حتى جبتوا أجد’عها محا’مي فيكِ يا مصر، ها؟ تحبي تعتر’في وتاخد الخمس بواكِ ولا تشر’في معاهم فالسجـ ـن وتونسوا بعض جوه؟.
ألقـ ـى الكرة في ملعبها وتركها تركلها كيفما تريد فإما أن تركلها داخل المرمى وتُنقـ ـذ نفسها وتلو’ذُ بالفـ ـرار إما أن تركلها خارج المرمى وتلـ ـقى حد’فها وتنتظر مصيـ ـرها الأ’بدي والذي يتسم بوشا’حه الأسو’د، فكرت قليلًا مع نفسها بخو’فٍ فوجدت أن تسـ ـدد الكرة داخل المرمى وتبـ ـيع صديقة عمرها مِن أجل الفـ ـرار هر’بًا مِن شيءٍ لَم تكتر’فه هي وتأخذ النقود فعرضه كان مغر’يًا ومخـ ـيفًا بالنسبةِ لها وكأنه يُخيرها أي الدروبِ يجب أن تسـ ـلُك؟ الجنة أم النا’ر؟ الراحة أم العذ’اب؟ الحُـ ـرية أم الإحتبا’س؟ وكانت قد قررت أخيرًا تُقر عليه بكل الحـ ـقيقة التي كانت بمثابة تعمـ ـير السلا’ح والأستعداد والتأ’هب للضـ ـغط على الز’ناد.
_بُص أنا هقولك كل حاجة عشان أنا مليش علا’قة بالموضوع دا كله، “نور” بـ ـت مش سهلـ ـة وخبيـ ـثة لو حبت تأ’ذي حد هتأ’ذي ميفر’قش معاها أسلوب الأ’ذية إيه قد ما هيكون فرحة ليها هي، بصراحة هي كانت بتحب “يزيد” أو بمعنى أصح بتعـ ـشقه وحاولت كتير تتقر’ب مِنُه عشان يشوفها وينتـ ـبهلها وكدا وأنا واللهِ حذ’رتها وقولتلها إنه مش بتاع السـ ـكك دي وشا’ب فحاله ملهوش دعوة بأي حد بس هي مسمعتش الكلام، لحد ما فمرة لقت دبلة فإيده اليمـ ـين وقتها أتجـ ـننت بجد ومبقتش مصدقة وأنا حاولت كتير أوي أو’عيها إنه خطب وأكيد واخد واحدة بيحبها ومر’تاح معاها بس هي كانت بتعا’ند وتكا’بر وعلى رأيها.
صمتت تأخذ أنفا’سها قليلًا فيما أنتـ ـبه هو إليها بكامل حو’اسه منتظرًا سماع المزيد والمزيد مِنها ولذلك أكملت حينما رأت الفضو’ل مِنهُ قائلة:
_حاولت تتقر’ب تاني مرة تغـ ـبطه عن عمـ ـد وتقول مكانش قصدها ومرة تطلب مِنُه محاضرات حاجات كتير مكانتش بتغـ ـلب لحد ما بدأت تفقـ ـد الأمل فيه بعد ما لقت التجا’هل مِنُه، وقتها قالتلي أنها عايزة تأ’ذيه وبصراحة صِـ ـعِب عليا أوي هو شخص كويس ومحترم ومشوفتش مِنُه أي حاجة و’حشة حاولت كتير أمنـ ـعها بس هي أصـ ـرت على اللي عايزاه ولمَ أستفسرت مِنها قالتلي إنها هتتهـ ـمه إنه أعتـ ـدى عليها ود’مرلها مستـ ـقبلها وقتها حسيت إن في حاجة مش صح ولمَ قولتلها محدش هيصدق وأهله هيكد’بوكِ قالتلي لا معايا د’ليل ووقتها كانت معاها صور سونار وتحاليل الد’م بإسمها اللي بتؤ’كد حـ ـملها بجد وقتها أنا مصدقتش قولت أكيد مز’وراها.
_بس لمَ خدتني معاها للدكتورة أ’كدتلي دا بجد وكانت فعلًا حا’مل ومحدش يعرف حاجة أنا أول واحدة كُنْت أعرف، بصراحة كُنْت خا’يفة أوي وجوايا صوت بيقولي أعملي أي حاجة مقد’رش أشوف “يزيد” بيتأ’ذي مِن شيـ ـطانة زيها بالمنظر دا لمجرد إنه معملهاش اللي هي عايزاه ويعلم ربنا النـ ـية كانت حاضرة إني أو’قفها أو أقول لـ “يزيد” على الأقل بس هي فا’جئتني وعملت هو’ليلة كبيرة فالجامعة وكله مبقاش يتكلم غير عليه هو وأنا مِن وقتها مش قا’درة أنسىٰ شكله ولا صد’مته ولا الدموع اللي كانت فعنيه وهو بيبُصلها ومش مصدق، صدقني “يزيد” بر’يء مِنها وملهوش دعوة دا طيب أوي ومحترم وخلو’ق مستحـ ـيل يعمل كدا هو بر’يء مِن اللي فبـ ـطنها دا.
حسنًا خمـ ـدت نيـ ـرانه وأُخمـ ـدت إنصها’رها وهـ ـدأت رو’حه وضـ ـجيج رأسه العا’لِ الذي لا يتركه منذ ذلك الوقت، فكل ما كان يُريد إثبا’ته إظهار برا’ءة هذا الشا’ب المسـ ـكين وتسـ ـليط الأضواء على مَن هم بمجر’مين الذين كانوا يرتدون ثوب الإختفا’ء كل هذا الوقت، زفـ ـر بعمـ ـقٍ وشعر بالراحة الشـ ـديدة وكأن كانت هُناك صخـ ـرةٌ كبيرة الحجـ ـم موضو’عة على قلبه وجاء ميعاد إبعا’دها عن مكانها، نظر إليها نظرةٍ ذات معنى بعدما أستطاع تما’لُك نفسه وقال متر’قبًا:
_مين أبو اللي فبـ ـطنها دا؟.
سؤالٌ مُبا’غتٍ توقعته هي حينما أخبرته الحـ ـقيقة كاملة ولذلك لَم تبخـ ـل عليه وأعطته جوابها حينما قالت:
_اللي شوفته طا’لع معاها وبتتقر’ب مِنُه بطريقة أوڤر، هو دا الجا’ني الو’حيد اللي فالقصة دي واللي ر’مى كل قذ’ارته على “يزيد”.
أشتعـ ـلت النيـ ـران مرةٍ أخرى داخل صد’ره وأحتـ ـدت نظرة عينيه ففي لحظةٍ غا’ضبة كان سيصعد ويقـ ـتله ويتخلـ ـص مِنهُ ولَكِنّ حينما تما’لك نفسه وفكر في الأمر جيدًا أحكـ ـم إنفعا’لاته وغضـ ـبه وألتزم بالثبـ ـات أمامها، أما عن رأسه فكانت تملؤها الضـ ـجيج والأصوات العا’لية بداخلها والمتضا’ربة فليس بسهلٍ عليه إسكاتها بسهولةٍ.
عودة إلى الوقت الحالي.
كانا مصد’ومان وبشـ ـدة لا يُصدقان ما يسمعانه للتو وأخذا ينظران إلى بعضهما البعض بأفواهٍ فر’غة، فيما أبتسم “شـريف” وهو يضع كفيه في جيب بِنطاله وقال:
_وعشان أضمن نفسي أكتر سجلتلها مِن غير ما تعرف، عشان واثق إنهم هينكـ ـروا أول ما نبدأ نستجو’بهم وعشان كدا أول ما ألاقي الإنكا’ر أحطه فعـ ـنيهم مع بعض، “يزيد” لازم يروح معاكم بعد بكرة راسه مرفو’عة محدش يستجر’ى يقوله حرف.
_طب ودلوقتي إيه اللي المفروض نعمله؟.
هكذا ألـ ـقى “مُـهاب” سؤاله عليه ليتلقى جوابه قائلًا:
_في رقا’صة المفروض هتدخل دلوقتي، الرقا’صة دي أجنبـ ـية في وسيط بينا متفق معاها إنها مطلوب مِنها تشغل الكل بيها ومحدش ينـ ـتبه لحاجة غيرها هتكون صوت الأغنية عا’لية هنتسـ ـحب بين المقر’فين دول وهنصـ ـطاد الأتنين السكر’انين دول مِن غير ما حد يحـ ـس بينا ضـ ـربتين فالو’ش ميقولوش معلش هنر’ميهم فالعربية التانية ونرجع نجيب الـ***** اللي فوق واحد هيتجاب بالعـ ـنف … والتانية بالحُبّ.
أنهـ ـى حديثه وهو ينظر نحو الدرج نظرة الذ’ئب المفتر’س الذي يشـ ـتهي لفر’يسته، فيما نظر “وهـيب” إلى رفيقه مبتسم الوجه مُبديًا إعجابه بهذا الشا’ب الما’كر، وبعد مرور ما يُقارب الخمس دقائق بدأت صوت الموسيقى تعلـ ـو والإضاءات تُغـ ـلق وأخرى تُنير أستقبالًا لتلك الرا’قصة التي بدأت تظهر أمامهم لتسر’ق الأنظار سريعًا إليها وبدأت عملها كما كان الأتفاق بينها وبين ذاك الوسيط لينتـ ـبه إليها الجميع لا يكترثون إلى ما يحدث حولهم وقد كانت تلك ساعة الصـ ـفر بالنسبة إليهم.
تحركوا ثلاثتهم متفر’قين في ذاك الإزد’حام والصيحا’ت العا’لية تحيةً لها، نظر “مُـهاب” حوله يبحث عن أول فر’يسة حتى رآه بالقرب مِنهُ مندمجًا مع الرا’قصة ليتحرك تجاهه والنظرات تنطـ ـق بالحـ ـقد والإشتعا’ل ليقوم بالقبـ ـض على قميصه مِن الخـ ـلف بقبـ ـضته ثم سحـ ـبه إليه عائدًا إلى الخـ ـلف وقد تذ’مر الآخر وحاول تحر’ير نفسه ولَكِنّ باتت محاولاته تبو’ء بالفشـ ـل.
وعلى الجهة الأخرى كانا يرافقان بعضهما البعض ليرى كلاهما الفر’يسة الثانية تقبع أمامهما ولذلك تقدم “وهـيب” بعدما أولاه “شـريف” مـ ـهمته ليقوم بلـ ـف ذراعه حول عنـ ـق الآخر مِن الخـ ـلف ثم سـ ـحبه عائدًا بهِ وإنفـ ـعال جسـ ـده باديًا فكيف لا وهو يسعى للأنتقا’م مِن مَن تجر’أ وقام بأذ’ية صديقه الحبيب دون وجه حـ ـق.
نظر “شـريف” إلى الفتا’ة التي نظرت إليهم ليُشير إليها ثم ذهب خـ ـلف “وهـيب” إلى مكانٍ بعـ ـيدٍ في الملهـ ـى ليرى كلاهما يجاوران بعضهما البعض على الأرض وهما ينظران إليهم والسـ ـكر باديًا على وجهيهما ليقوم “مُـهاب” بإلتقاط صورةٍ لهما وإلى المكان ثم نظر إلى “شـريف” الذي باد’ر ور’كل أحدهما بعنـ ـفٍ في معدته ليتأ’وه الآخر صا’رخًا بأ’لمٍ واضعًا يديه على موضع الأ’لم ولَكِنّ صوت الموسيقى العا’لِ كان يُغـ ـطي كل شيءٍ فلا يوجد شيءٍ يُنجـ ـدهما مِن مصيـ ـرهما المنتظر.
العديد مِن الضـ ـربات واللـ ـكمات التي حاولت أن تشـ ـفي غـ ـليلهم عددًا لا بأس بهِ، غـ ـلهم وغضـ ـبهم خرجا بهما ثأ’رًا لذاك الشا’ب الحبيب الذي كان كالضما’د الذي يُضع على الجر’وح فيحتويه، اللعب معهم ليس هـ ـينًا وعو’اقبه وخـ ـيمة فجميعهم يجتمعون في رد الحـ ـق والثأ’ر لأنفسهم مهما كان الخصـ ـم، وحينما فعلوا المطلوب أخذوهما إلى السيارة الأخرى التي أتت وكان الحاضر “أحـمد” الذي قابلهم مبتسم الوجه قائلًا:
_يفـ ـتح الله يا رجا’لة، شغل عا’ل العا’ل.
أنهـ ـى حديثه وفتـ ـح باب السيارة الخـ ـلفي ليقوموا بإلقا’ءهم داخلها ينز’فان لا يستطيعان الحراك، أغـ ـلق “أحـمد” الباب خـ ـلفهما ونظر إلى ابن عمه الذي مسـ ـح بكفه على خصلاته البُنـ ـية إلى الخـ ـلف وقال:
_لسه في را’سين جوه، عايز تخـ ـلع أنتَ ميضر’ش مش هياخدوا مِننا خمس دقايق على بعض أساسًا.
وقف “أحـمد” أمامه مُربعًا ذراعيه أمام صد’ره ينظر إليه نظرةٍ با’ردة ليقول:
_كان بوِ’دي أفضل مستنيكم، بس هيتشـ ـك فينا رسمي.
_لا ولا أي حاجة دول عارفين كل حاجة، خليك ونروح سوى عشان إحسا’س إنك تدخل بالبضا’عة د’فعة واحدة بعد ما سعيت عشان تاخدها يفرح، آه صحيح نسيت أقولك حاجة … “يزيد” برا’ءة مقدمًا.
تهـ ـللت أسارير الآخر حينما أستمع إلى حديث الآخر لترتسم الأبتسامة على ثغره فرحًا ليقول بسعادةٍ لَم يستطع التحـ ـكم بها:
_قول واللهِ العظيم، “شـريف” أنتَ أكيد بتهزر صح؟ “يزيد” برا’ءة بجد؟.
_برا’ءة وفُل الفُل، دي لعبة **** مِنهم عشان ينسبوا قذ’ارتهم لواحد نـ ـقي زيه كل ذ’نبه إنه فحاله، خليك هندخل نجيب الرا’سين التانيين ونجيلك.
أنهـ ـى حديثه مبتسم الوجه ثم تركه وتحرك أخذًا معه الشا’بين الآخرين عائدًا لأصطـ ـياد الفـ ـريستين اللتان تقبعان في الداخل تاركًا “أحـمد” مكانه يضحك بسعادةٍ طا’غية لا يُصدق أن العد’الة سوف تتـ ـحقق الآن ويعود الحـ ـق لأصحاب الحـ ـق مِن جديد.
_________________________
<“قولٌ واحدٌ بمثابة الضـ ـغط على الز’ناد لتحديد المصير.”>
الأقاويل كثيرة وتز’ييف الحقا’ئق منتـ ـشرة..
فقولٌ واحدٌ يكون بمثابة الضـ ـغط على الز’ناد لتحديد المصير، قولٌ واحدٌ يعني إما الحياة أو المو’ت حيًـ ـا وفي كل الأحوال الفعل نوعان، إما المو’ت وتلقي المصير المحتوم وهو موا’جهة المصير، إما النفا’د مِن المو’ت والإعتر’اف بالحـ ـق والفـ ـرار مِن سـ ـلسال المو’ت.
كان “سانتـو” يجلس مع الأخين يستمع لهما يرى الإنتقـ ـام في عينين “إيثان” تارة وأخرى يرى الخو’ف في عينين “إيدن” فهو أكثرهم معرفةً بأخيه، حينما يضع شيئًا ما بر’أسه يسعى لتحـ ـقيقه حتى وإن كانت الأضـ ـرار قد تُصـ ـيبه فلا بأس حتى يسعى إلى الوصول لغا’يته، زفـ ـر بعمـ ـقٍ شا’بكًا أصابعه ببعضهما البعض يُفكر في حلٍ يُرضي الجميع وأولهم “إيثان” ولذلك نظر إليه وقال:
_أنصت لي إيثان، أنا أٌقدر خو’فك الشـ ـديد على زوجتك وطفلتك وأرى ر’جلٌ يسعى لحما’ية عائلته حتى وإن كانت حياته ثـ ـمن حما’يته ولَكِنّ في الجهة الأخرى أيضًا القتـ ـل خطـ ـأٌ كبير عقو’بته الإعد’ام شـ ـنقًا يا رفيق هل ستسعد زوجتك هكذا؟ وهل سيسعد أخيك كذلك بالطبع لا، ولَكِنّ دعني أقول لكَ شيئًا ما إن وافقت عليه سأقوم بتنفـ ـيذه في الحال.
أنتبه إليه “إيثان” ولِمَ سيقوله ومعه أخيه الذي يتمنى أن يخـ ـضع أخيه إليه ولا يُنفـ ـذ تلك الفكرة المجـ ـنونة ففي أكثر حالاته جـ ـنونًا يفتعل كوا’رث عو’اقبها وخـ ـيمة ماذا إن وصل بهِ الأمر كذلك إلى القـ ـتل؟..
_أستمع لي يا رفيق، سنقوم بوضع عسا’كر حول المنزل هُنا وهُناك لتأ’مين زوجاتكما وستقوم بسحـ ـب شـ ـكواك أو بمعنى أد’ق سنقوم بإخفا’ءها في سجلاتنا الخاصة فهي ستستعلم ولَن تصمـ ـت حتى تتأ’كد بنفسها وحينها ستعود لإخباركم بضر’ورة ترك الفيلا وستنصت إليها سوا’ء كان أنت يا “إيثان” أو أخيك سنلعب معها اللُعبة ونكون نحن المتحـ ـكمين بها حتى نجمع جميع الأد’لة التي تُثبـ ـت حقو’قكما الشـ ـرعية ونرى القا’نون على ماذا ينُص في تلك الحالات ونطبقه فقط يجب أن نُضـ ـحي حتى نشعر بالراحة فيما بعد، وحينما نفعل ذلك سنُلـ ـقي القـ ـبض عليها هي وو’لدها الآخر الذي يعاونها على ذاك لأنها الآن في وضعٍ ليس هيـ ـنًا وشريكةٌ كذلك في قتـ ـل و’لدها وزوجته، تحملا قليلًا فحسب.
أنهـ ـى حديثه وهو ينظر إلى كليهما، فيما كان “إيدن” ينظر إلى أخيه ينتظر رؤية رده على حديث صديقهما، كان “إيثان” يُفكر في حديثه وهو لا يعلم ماذا عليه أن يفعل ولا يعلم مِن أين أتت تلك العجوز الشـ ـمطاء حتى تُعـ ـكر حياتهما مِن جديد ليسمع أخيه يقول:
_وأين يجب علينا أن نذهب الآن؟ ستقوم بتشر’يدنا في الشارع، وهذه غايتها يا “سانتـو” وفي نفس الوقت زوجة أخي حبلة ستمر’ض كثيرًا هي في الأشهر الأخيرة الآن.
_لا تقلـ ـق يا أخي أمـ ـلُك عقارًا يحتوي على خمسة عشر طا’بقًا وبكل طا’بق يوجد بهِ شقةٌ كبيرة ما تبقى بها خمسة شُقق فقط سأُعطيكما أثنتين وإن كان الأمر يكمُن في النقود فلا بأس في ذلك سنتناقش عنهُ فيما بعد أما الآن يجب أن تفكران فيما قتله منذ قليلٍ لكما.
أنهـ ـى حديثه وهو ينظر لهما ليرى “إيدن” ينظر إلى أخيه الذي شعر بالضيـ ـق ولذلك أستأذن مِنهما وصعد إلى زوجته حيثُ الصد’ر الحنون الذي يحتويه مِن بقا’عه السو’د’اء وضـ ـجيج رأسه الذي لا ير’حمه ووحدها مَن تستطع إحتو’اءه وإسكات هذا الضـ ـجيج.
ولج إلى غرفته ليراها تُحادث أبيها مكالمة فيديو وتضحك وهو يُبادلها الضحكات حتى رأته يقف مكانه دون أن يتحدث وفورًا عَلِمَت أنه ليس على ما يُرام ولذلك أغـ ـلقت المكالمة مع أبيها بعدما ودعته مبتسمة الوجه قا’طعةً إليه وعدًا أنها ستحا’دثه مرةٍ أخرى.
أقترب مِنها بخطى هادئة دون أن يتحدث ثم أستلقى على الفراش واضعًا رأسه على قدميها علّ هذا الضـ ـجيج يصمت ويرتاح قليلًا، أما عنها فقد تركت كفها يتسـ ـلل إلى رأسه ثم بدأت أناملها الحنونة تد’اعب فروة رأسه برفقٍ وهي تنظر إلى معالم وجهه المتجهـ ـمة تعلم أنه لا يستطيع تما’لُك نفسه في هذه اللحظات ولذلك حاولت تلطيف الأجواء قليلًا لتتر’ك كفها يتسـ ـلل نحو وجهه لتقوم بالقبـ ـض على وجنته بإبهامها وسبابتها قائلة بنبرةٍ مرحة:
_ولِمَ هذا الوجه العا’بس يا ر’جُل الآن؟ أخبرني ما الذي عكـ ـر صفوك هكذا وسأتشارك معكَ غضـ ـبك ذاك.
دام الصمـ ـت بينهما قليلًا هي تنتظر سماعه وهو يلتزم الصمـ ـت فلا يعلم كيف يبدأ فقد عادت رو’حه تنزُ’ف مِن جديد والجر’وح الغا’ئرة عادت تد’مي مرةٍ أخرى، أمسك بكفها ذاك وقربه مِن فمهِ يُلثم با’طنهِ ثم ضمه إلى أحضانه دون أن يتحدث، هي أنتظرت وهو لَم يتحدث ولذلك أيقنت أنه لن يتحدث ولذلك ألتزمت الصمـ ـت هي أيضًا حتى يتحدث هو ويُخبرها ما يُعكـ ـر صفوه هكذا.
_________________________
<“أُر’هِقَت رو’حٍ كانت تظن أنها عادت تحيا مِن جديد.”>
كان يسير في حديقةٍ عامة يحمل قطهُ “مشمش” بين أحضانه حتى جلس على المقعد الخشـ ـبي بهِ ممسّدًا بكفه على رأسه وجسـ ـده الذي يغطيه فر’وه الكثيف، ر’فع القط رأسه عا’ليًا ينظر إلى رفيقهِ الذي أبتسم إليه ثم لثم رأسه بحنوٍ وطا’ف بعدها بعينيه في أركان المكان بهدوءٍ بعدما حاول إخر’اج صورتها مِن عقـ ـله بشتى الطرق حتى يستطيع إكمال حياته كما كان قبل رؤيته إليها.
شرد قليلًا مع نفسه ليبدأ بمحادثة قطهُ الحبيب قائلًا:
_تفتكر يا “مشمش” بتحبني ولا لا، أو بمعنى أد’ق هي شيفاني أصلًا؟ أنا ساعات بتعـ ـمد أروح عندهم بحجة إني عايز أقعد معاهم وكدا عشان أشوفها بس، بس هي أساسًا مبتدنيش و’ش وكأنها مش شيفاني أصلًا … تفتكر هي فالأصل شيفاني وجواها مشاعر زيي ليا ولا أنا اللي و’اهم نفسي على الفاضي؟ بصراحة مخـ ـبيش عليك أنا مبحبش اللي أسمها “صافيناز” دي ولا بقبلها أساسًا.
تملـ ـص القط بين أحضان رفيقه وقام بالمواء لينظر إليه “حـسام” برهةٍ مِن الوقت ليقول:
_ليك حـ ـق واللهِ أنا نفسي مبقبلهاش هتقبلها أنتَ؟! بس أنا مشـ ـدود ليها أوي برضوا ومش عارف أعمل إيه خا’يف أروح أطلبها تاني تحصل كار’ثة زي المرة اللي فاتت، وخا’يف برضوا لو محصلتش الكار’ثة هي تر’فضني أساسًا وأبقى شكلي ز’فت وساعتها هتكسـ ـر بجد عشان حبيتها مِن قلبي الشهور اللي فاتت دي، جايز تقول زيهم إعجاب وهير’وح ومش هحس بأي حاجة مِن دي تاني بس أنا بحبّها بجد وشوفت جواها حاجات كتير أوي حتى لو مظهرتش بس هي دي اللي قلبي عايزها ومش هيقبل غير بيها هي، أعمل إيه يا “مشمش” رسيني أروح تاني ولا لا هو وقتها الرا’جل مأ’ثرش وقالي هيشو’ر مراته وبـ ـنته بس مجاليش ردّ بقالي كام شهر وأنا بدأت أخا’ف كدا أنا مرفو’ض و’ش.
أنهـ ـى حديثه إلى “مشمش” يا’ئسًا مخذ’ولًا فحتى الآن لَم يتلقى الردّ مِن “سـيف” وقد بدأ يشعر بالخو’ف الشـ ـديد ولذلك شـ ـدد مِن عناقه إلى هذا القط الهادئ الذي كان رفيقه منذ زمنٍ، فيما كان القط ينظر حوله يرى كرة كبيرة بعض الشيء يتم ركلها بين طفلين وركضات هُنا وهُناك مِن عِدة شبا’بٍ في سن المر’اهقة يمرحون مع بعضهم البعض والعديد والعديد حتى أشتـ ـم رائحة مُحببة إليه وللكثير مِن القطط.
تملـ ـص مِن بين ذراعي رفيقه حتى تحـ ـرر مِن قبـ ـضته وبدأ يسير بخطى سريعة متتبعًا الرائحة، فيما نظر إليه “حـسام” ونهض متحركًا خـ ـلفه يتبعه متعجبًا قرابة الدقيقتين حتى رآه يذهب سريعًا نحو عُلبة معد’نية دائرية الشكل مرتسمًا عليها سمكة كرتونية مبتسمة الوجه وها هو طعامه المفضل أمامه، جاء كي يقترب رأى قططًا ضا’لة تتصا’رع على العُلبة ليشعر بالخو’ف ويبتعد إلى الخلف.
جلس “حـسام” القرفصاء ووضع كفه أسفـ ـل بطنه والآخر يسير بهِ على رأسه وجـ ـسده قائلًا:
_أنتَ جعان يا “مشمش”؟ هي أُمي نسيت تأكلك ولا أنتَ اللي بقيت مفجو’ع اليومين دول؟.
شعر بظـ ـلٍ أمامه يحجُب عليه ثم أشـ ـتم رائحةً مألوفةٌ إليه وكأنه أشتـ ـمها مِن قبل وكيف للحبيب أن ينسىٰ عطر محبوبه المُميز؟ رآها تقوم بفتـ ـح عُلبةٌ أخرى مشابهة للأُخرىٰ ثم وضعتها أمام قطهِ الحبيب الذي بدأ يتناولها بتلهفٍ شـ ـديدٍ وكأنه لَم يتناول الطعام منذ زمنٍ، ر’فع رأسه برفقٍ إليها ينظر لها مذهولًا حينما رآها هي أمامه تبتسم إلى القط وتمسـ ـح بكفها على رأسه بحنوٍ، كان متفا’جئًا وبشـ ـدة حتى أنه لَم يستطع التحدث بحرفٍ واحدٍ أو شُكرها على ما فعلته إلى قطهِ.
أما عنها فكانت سعيدةً برؤية قطٍ كهذا القط ذو اللو’ن الر’مادي والعينين المختلفتين وكثا’فة فروه النا’عم المرتب الذي جعله جاذ’بًا للأنظار، وجهت حديثها إليه دون أن تنظر لهُ قائلة بأبتسامة هادئة:
_القط بتاعك حلو أوي ما شاء الله عليه شكلك بتهـ ـتم بيه أوي عشان كدا طا’لع قمور، أنا حبيته جدًا.
كان ينظر لها دون أن يتحدث فقد شعر بجسـ ـده متجمـ ـدًا وفمهِ يعجـ ـز عن قول شيءٍ وكأن الأحرف عجـ ـزت عن الخروج والنطـ ـق بها، وحينما لَم تتلـ ـقى مِنهُ ردّاً ر’فعت بصرها نحوه تنظر إليه متعجبةً لتجـ ـحظ عينيها قليلًا حينما رأته هو أمامها، لَم تكُن تصدق ما تراه عينيها حتى شعرت أن عقـ ـلها يتهـ ـيئ إليها بهِ وسريعًا تذكرت الكافيه وورود التوليب الصـ ـفراء التي كان يرعاها ويُسـ ـقيها كل يومٍ بشكلٍ مستمر لتعجـ ـز الأ’لسنة عن الأحاديث ويتوقف العـ ـقل عن التفكير ويبدأ القلب بالصر’اخ مناديًا لشـ ـبيهه.
نظرةٍ سا’فرة ليست عا’برة أخر’جت ما يكمُـ ـن بداخل قلوب العشا’ق وشرودٌ أخذ صاحبهِ بعـ ـيدًا راكضًا لأكتشا’ف تلك المعالم الجميلة والفا’تنة التي سيـ ـطرت على عـ ـقله منذ أن رآها أول مرة، حالة شـ ـرودٍ دامت بينهما كلاهما لا يُصدقان أن القدر قد جمعهما مرةٍ أخرى معًا، فحينما رأته آخر مرة ورأت تو’تره تجاهها عَلِمَت ما يشعر بهِ وما يريد الأعتر’اف بهِ، رأت في عينيه الد’فء والحنان واللـ ـين، رأت الحُبّ الذي يكمنه قلبه إليها ورأت ما لَم تكُن تتو’قع رؤيته لها يومًا.
_وقدر ما أبعـ ـدت المسافات القلوب..
وفقـ ـدت الرو’ح أملها في الحياة،
فرب السماوات السبع قا’درٌ على إجما’عهما مِن جديد،
مرةٍ تكون بألف سنةٍ حينما تجتمع القلوب بمَن تشبـ ـهها.
_________________________
<“وما بين قسو’ة الحياة وهيا’غب الريا’ح البا’ردة، كانت هي أ’ليفة رو’حه ومسـ ـكنًا لقلبه.”>
تأتي لحظةٌ دون أن يعلمها المرء على حين غرّ’ة تطيـ ـح بالمرء..
وما بين تلك اللحظة يقف حا’ئرًا مِن أمره خا’ئفًا مِن دربه مر’تعبًا مِن أ’لمه، ينتظر تلقـ ـي ضر’بته القا’سية التي لَم تر’حمه يومًا، وحينما تأتي ضر’بته وتقـ ـسو الحياةُ عليهِ وتُلـ ـقيه هيا’غب الريا’ح بعـ ـيدًا كما الر’يشة التي أر’هقتها ريا’ح الخريف تأتي هي إليه كشعا’ع النو’ر وسط ظُـ ـلمة الليل ووحـ ـشيته تلتـ ـقفه بين ذراعيها تضمه إلى أحضانه تطمئنهُ أن كل شيءٍ سيكون بخيرٍ، كانت أليـ ـفةً لـرو’حه ومسـ ـكنًا لقلبٍ تا’ئهٍ يبحث عن شـ ـبيهه ليضمه إلى د’فئ عناقه وكانت هي خيرُ رفيقٍ إليه.
أنهـ ـى أداء فريضة العشاء مستغفرًا ربه لينهض ملتقـ ـطًا سجادة الصلاة البُنـ ـية واضعًا إياها على يـ ـد المقعد ثم تقدم مِنها بخطى هادئة جالسًا بجوارها على الفراش مُسبحًا لربه على أصا’بعهِ، فيما كانت هي تنظر إليه مبتسمة الوجه تُشبـ ـع عينيها مِن النظر بهِ والتأمل بمعالم وجهه الهادئة حتى مرَّت دقيقتين وهي مازالت تنظر إليه ليُنهـ ـي هو فـ ـعله وينظر لها متعجبًا بعدما أطا’لت النظر إليه بتلك الطريقة المُر’يبة ليقول متعجبًا:
_في إيه يا “أيسل” مالك متنـ ـحة فيا كدا ليه!.
أنتظر ردّاً مِنها فلَم يتلقى شيئًا سوى أنها وضعت رأسها على كتفه وأغـ ـلقت جـ ـفنيها بهدوءٍ تُجيبه قائلة:
_مفيش حاجة سرحت فيك شوية، أصل شكلك حلو أوي النهاردة عن كل يوم.
أبتسم هو ثم أبـ ـعد ذراعه ذاك عنها ثم ر’فعه ضاممًا إياها إلى أحضانه قائلًا بمرحٍ:
_لا يا شيخة دا على أساس إني مش حلو يعني والنهاردة اللي أحلويت عن كل يوم.
ر’فعت رأسها حتى تتثنى إليها رؤيته لتبتسم إليهِ قائلة:
_لا أنتَ حلو وقمور، بس النهاردة مش عارفة حساك محلو أكتر … تكونش أتجوزت علـ ـيا مِن ورايا وأنا معرفش؟.
كانت مستفسرة أكثر مِن كونها متسائلة وهي تنظر إليه نظرةٍ ذات معنى ليضحك هو على تفوهاتها ثم نظر إليها وقال مبتسم الوجه:
_ودا يبقى أسمه كلام برضوا؟ معايا قمر هروح أبُص لغيره هلاقي إيه بقى نجوم؟ مبحبهاش إن ما كان القمر منوَّ’ر كدا فالسما يبقى يـ ـغني عن النجوم كلهم، وبعدين بالعقـ ـل كدا يبقى معايا بونبوناية متـ ـغطية كلها على بعضها عشان مفيش حاجة تلمـ ـسها ولا تشوف شكلها مِن جوه أقوم أنا بقى سايبها ورايح للمكشو’فة طب دا برضوا يبقى أسمه كلام؟ … أنتِ عندي بالدنيا وما فيها يا حبيبة قلبي ومهما لفـ ـيت ودوَّ’رت مش هلاقي زيك يا أم “عدنان”، يا أصيـ ـلة يا اللي وقت تـ ـعبي وشـ ـدتي كُنْتِ سنـ ـداني ومقو’ياني وشا’يلة كل حاجة على را’سك، أنتِ حتت ألما’ظ مقدرش أفرَّ’ط فيها ولا أو’قعها مِني تتكـ ـسر.
وفي حالتها تلك كانت أكثر مِن سعيدة فهو دومًا يُجيد إغرا’قها بكلماته المعسو’لة تلك وأفعاله التي تُثبـ ـت إليها كل يومٍ صحة حُبّهِ لها وصدقه إليها وخو’فه الشـ ـديد عليها، هي التي كانت حبيبة الطفولة وصديقة المرا’هقة وحبيبة مرحلة الشبا’ب واليوم زوجة الشا’ب الذي تحد’ى الصعا’ب وتذ’وَّق مر’ارة الحياة حتى تكون هي ملا’ذه في نها’ية طريق الكفا’ح.
دومًا صدوقًا معها وحنونًا عليها ومُحبًّا لها ومُـ ـخلصًا لأجلها، هذا الذي تمنته وظلت تدعو بهِ المولى عز وجل أن يرزقها بهِ، تمنت زوجًا صا’لحًا وقد كان هو نصيبها في الدنيا وسيكون رفيقًا إليها في الجنة، تبدلت الأدوار لتقوم هي بمعانقتهِ إلى أحضانها بسعادةٍ كبيرة، أما عنهُ فقد وضع رأسه على صد’رها وشعر بكفها الذي بدأ يمسـ ـح على خصلاته برفقٍ ليبتسم قائلًا:
_تعرفي، يوم ما فكرت أدعي لربنا بيكِ خو’فت، خو’فت لو طلبتك مِن ربنا أنتِ بالذات وأتجوزنا وبعد الجواز زي دلوقتي معرفناش نكمل مع بعض هيكون مصيرنا الطلا’ق، رغم إن قلبي كان عايزك وبيتمناكِ صبح وليل بس دعيت ربنا إنه يرزقني بالزوجة الصا’لحة اللي أشبـ ـهلها وتشـ ـبهلي، كانت وقتها نصيحة عملت بيها مِن صديق قديم ليا وكُنْت خا’يف أوي قولت بيني وبين نفسي لو مطلـ ـعتش هي هعمل إيه قلبي وعـ ـقلي أزاي هيكونوا مع واحدة ورو’حي مع حد تاني، بس ساعتها أول ما لقيت إن أنتِ خلاص هتبقي مراتي مِن أول الخطوبة لحد الجواز وأنا مش قا’در أستو’عب حاجة، معقو’لة طلـ ـعتِ أنتِ وبقيتي معايا خلاص وعلى ذمتي؟ مازلت مِن وقتها لحد دلوقتي مبسوط ومش مصدق وسبحان الله الطـ ـيبين للطـ ـيبات فعلًا.
أتسـ ـعت أبتسامتها أكثر وشـ ـددت مِن ضمتها إليه ليقوم هو كذلك بمعانقتها مبتسم الوجه لبرهةٍ مِن الوقت ليبتعـ ـد عنها ناظرًا إليها للحظاتٍ ليقول:
_هو أنا بقالي قد إيه مقولتلكيش بحبك؟.
_أسأل نفسك، مش هقولك.
قالتها وهي تشـ ـيح ببصرها بعيـ ـدًا عنهُ ليبتسم هو محاو’طًا إياها بذراعه وهو مازال ينظر لها ليقول:
_ومالك يا عمنا قلبت على الو’ش الخـ ـشب مرة واحدة كدا ليه؟ ما أنا مبقولهاش وبنفـ ـذها فعـ ـل إيه اللي يز’عل بقى ولا هو كلام بس؟.
لَم تُجيبه وألتزمت الصمـ ـت إجابة ليقترب هو مِنها يُلثم وجنتها قْبّلة حنونة ليقول بعدها:
_إيه يا سـ ـت الكل ما تحنِ عليا دا أنا لسه قايل مو’اويل فيكِ يعني مش أقل مِن ست شهور أجازة نكـ ـد.
ور’غمًا عنها أبتسمت لتعا’ود النظر إليه لتتسـ ـع أبتسامته أكثر ويُعا’ود القول:
_بذمتك مش معايا حـ ـق؟ طب بذمتك أستا’هل النكـ ـد؟.
حركت رأسها تنفـ ـي حديثه ذاك ليقول هو:
_طب إيه بقى خلينا حلوين كدا وأنتِ محلوة أوي النهاردة يخر’بيت جمال أبو’كِ، إيه دا كله جايبة الحلاوة دي كلها منين؟.
_مِنك طبعًا يا حبيبي.
أبتسم هو إليها ثم ضمها إلى أحضانهِ ممسّدًا على رأسها برفقٍ والآخر ممسّدًا على ظهرها قائلًا:
_يا ختي وأنا هجيبه منين يعني مش مِنك، ربنا يباركلي فيكِ وفـ “عدنان” وفالباشا الصغير اللي فالطريق، ربنا يحفظكم ليا يارب.
عانقته واضعةً رأسها على صد’ره تنعم بد’فئ أحضانه التي كانت ملـ ـجًأ إليها دومًا مِن نفسها ومِن قسو’ة الحياة وقد وو’لدت بينهما رو’ح المودة والأُ’لفة والمحبة، فقد تمناها مِن ربه ورزقه بها زوجةٌ حنونة وصا’لحة تشبهه وتشبه نقا’ء قلبه لتكتمل اللوحة بالشبيـ ـهين.
_______________________
<“والرو’ح لا تهـ ـدأ إلا بوجود سا’كنها، وكان هو خيرُ رفيقٍ.”>
أحبها ووصل حُبّها إليها إلى العشـ ـق..
كان عا’شقًا وليس مُحبًا، كان المعشو’ق وليس مجرد حبيبٍ لها فقد كان يريد أن يفعل إليها المستحـ ـيلات حتى ترضى واليوم قد غفـ ـرت إليه وطوَّت الصفحة وبدأت قصةٍ جديدةٍ معه مِن أول السـ ـطر، قصة جديدة تُكتَب وحُبٌّ جديدٍ يُزر’ع وعشـ ـقًا آخر ينبُـ ـت وها هي بدايةٌ جديدة مع الحبيبين بعد أن عا’نا سويًا حتى وصلا أخيرًا إلى بـ ـر الأ’مان..
ولج إلى منزلهِ في وقتٍ متأ’خرٍ على غير العادة مُر’هق الجـ ـسدِ، رأى الأضواء مغـ ـلقة ألا المصابيح الخا’فتة تعمل ليلًا ولذلك تعجب كثيرًا وقد نز’ع حذاءه وولج إلى الداخل بخطى هادئة مستشعرًا د’فئ المكان مِن حوله فقد كان الطقس في الخارج حا’رًا بعض الشيء، نظر إلى يساره حيثُ غرفةٌ معيشية أخرى ينتصفها طاولة الطعام التي كانت يعـ ـلوها الطعام وبعض الشموع الحـ ـمراء ليقف مكانه دقائق معدودة يُحاول أستيعا’ب الأمر فلَم يُسبق ورآها تُعد إليه عشاءً رومانسي.
ترك چاكيت حِلته السو’د’اء وتقدم مِن الطاولة بخطى هادئة ينظر إلى الطعام والأجواء التي يعـ ـيشها لأول مرة منذ زواجهما ويبدو أنها بدأت صفحتهما الجديدة بتلك البداية الرومانسية، رأى طعامه المفضل أمامه ورائحتهُ تمـ ـلئ المكان ليشعر بالجو’ع وقبل أن يأخذ شيئًا جاءهُ صوتها مِن خـ ـلفه بنبرةٍ هادئة تقول:
_حمدلله على سلامتك يا حبيبي أتأ’خرت أوي النهاردة.
ألتفت إليها ينظر لها متفا’جئًا فقد كانت ترتدي فستانًا أحـ ـمر اللو’ن تنتصف أكمامه الشفا’فة إلى مرفقيها والسلـ ـسال الفـ ـضي اللا’مع يُعانق عنـ ـقها وخصلاتها الممو’جة البُنـ ـية الفا’تحة مفرودةً خـ ـلف ظهرها وتضع القليل مِن الزينة النا’عمة وعطرها المفضل بالنسبة إليهما وأخيرًا تبتسم إليه أبتسامةٌ هادئة.
نظر إليها قليلًا متفا’جئًا لا يعلم ماذا يقول في حـ ـقها فقد كانت جميلة للغاية لا يعلم ماذا فعلت بنفسها ولَكِنّها أستطاعت جذ’ب أنظاره وإستحو’اذ قـ ـلبه وعقـ ـله، معالم وجهها وحدها جميلة فماذا حينما تتزين ببعض الزينة النا’عمة فبالتأكيد ستطـ ـيح بعـ ـقله بعـ ـيدًا، أتسـ ـعت أبتسامتها ثم تقدمت الخطوات الفا’صلة بينهما لتقف أمامه مباشرةً قائلة:
_أنا وعدتك إننا نبدأ صفحة جديدة مِن أول وجديد، وأنا بدأت أهو كفاية اللي ضا’ع وعيشناه مش كدا؟.
أستفا’ق هو مِن حالة الشرود التي أطا’حت بعـ ـقله بعـ ـيدًا لينظر إلى عينيها الر’مادية قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_صح، أنتِ عندك حـ ـق بس أنا أتفا’جئت بصراحة يعني الشغل النهاردة كان كتير أ’وي وخلصت متأ’خر وراجع مُر’هق جدًا فمتوقعتش بصراحة الجَو الحلو دا، تسلم إيدك ومبسوط إننا بنبدأ مع بعض مِن أول وجديد يارب تكون كلها حُبّ وسعادة وراحة بال ونقدر نبـ ـني سوى بيت هادي ومستقر وسوي نفـ ـسيًا، وتسلمي على المجهو’د دا يعني تلاقيكِ مِن الصبح فالمطبخ عشان الأكل الحلو دا.
أبتسمت إليه بسمةٍ هادئةٍ وصا’فية لتقول بنبرةٍ هادئة وهي تنظر إليه:
_بإذن الله، وبعدين هو الأكل دا عشان مين يعني؟ عشانك وأنتَ كتر خيرك طول اليوم فالشغل وبتتـ ـعب وأنا هنا فالبيت بعملك أكلة حلوة كمكافئة يعني على اليوم الصـ ـعب دا … يلا روح أغسل إيديك ووشك وتعالى عشان ناكل سوى أنا مكالتش ومستنياك تيجي عشان مسيبكش تاكل لوحدك.
أبتسم هو هذه المرة ليقوم بلثم جبينها بحنوٍ تقديرًا لها ثم تركها وذهب حتى يقوم بغسل يديه ووجهه ليعود ويتناول طعامه معها، فيما كانت هي تقوم بسكـ ـب الماء في الكوب والتأكد مِن سخو’نة الطعام لتراه مازال سا’خنًا لتشعر بالرضا، عاد هو إليها ليجلس وتجاوره هي ليبدأ تناول الطعام بعدما قام بالتسمية وهي بجواره تنتظر إثناءه على الطعام ومد’يحه بها بفرا’غ الصبر وقلبها ينبـ ـض خو’فًا في نفس اللحظة.
أما عنهُ فكان يتناول الطعام بشـ ـراهةٍ فأخر مرة تناول بها الطعام كانت صبيحة اليوم ولأن العمل كان كثيرًا اليوم أضطـ ـر توفير الوقت الذي سيتناول بهِ الطعام وأعطاه إلى عمله، شعر بنظراتها نحوه ولذلك نظر إليها متعجبًا وقال متسائلًا:
_مالك يا “حنين” مبتاكليش ليه؟.
_مستنية تقولي رأيك بصراحة فالأكل قعدة وحاطة إيدي على قلبي مِن الخو’ف.
أبتسم إليها ثم مدَّ كفه نحوها ممسكًا بكفها مقربًا إياه مِن فمهِ يُلثمه بحنوٍ ثم قال مبتسم الوجه:
_تسلم إيدك يا رو’حي، طو’ل عُمرك نَفَـ ـسك فالأكل حلو يا “حنين” إيه اللي مخو’فك أوي كدا بس، وبعدين يا حبيبتي أنتِ مش بتقولي مكالتيش حاجة ومستنياني يلا كُلي ولا أقولك.
أنهـ ـى حديثه وهو يأخذ قطعة دجاجة لينظر إليها مبتسم الوجه مقربًا إياها مِن فمها لتتناولها هي سريعًا مِنهُ مبتسمة الوجه وقد شعرت بالسعادة تغمـ ـرها في هذه اللحظة ليتر’قرق الدمع في عينها وهي تنظر إليه ترى حنانه الذي دومًا يرافقه ويغد’قها بهِ دومًا ليشعر بها ويُبا’در هو معانقًا إياها إلى د’فئ أحضانه يُلثم جبينها بحنوٍ.
فيما حاوطته بذراعيها واضعةً رأسها على كتفه لتشـ ـتم رائحة عطره المُحبب لها مازال أ’ثره عا’لقًا في ملابسه، أبتسمت وأغـ ـلقت جـ ـفنيها بهدوءٍ لدقائق معدودة لتشعر بهِ بدأ يتحرك مِن جديد إلى الأمام لتفرق بينهما وهي تنظر إليه لتراه عاد لتناول الطعام مِن جديد وحينما شعر بها نظر إليها قائلًا مبتسم الوجه:
_لمؤا’خذة بس أنا جعا’ن أوي واللهِ وحاسس بهبو’ط فأستني عليا رُبعاية كدا أكُل وهقعد معاكِ شوية.
أبتعـ ـدت عنهُ مبتسمة الوجه وقد شعرت بالقليل مِن الخجـ ـل لتشعر بهِ يجذ’ب مقعدها نحوه بحركةٍ خا’طفة ثم نظر إليها وقال مبتسم الوجه:
_مش هتشاركيني ولا إيه يا “حنون” ميصحش كدا.
أبتسمت مِن جديد وعادت تشاركه تناول الطعام قائلةً:
_ودا يصح برضوا يا سي “زين”، طب محدش فينا قايم غير والأكل دا كله خلصا’ن إيه رأيك بقى.
_بدأنا نؤ’مر ونمشي كلمتنا بس حـ ـقك المرة دي، ولو على الأكل يا ستي أعتبريه خلصا’ن سهلة أهي.
خطوةٌ واحدةٌ كان يجب على كلاهما أخذها حتى يمـ ـضيا معًا قُدُمًا، خطوةٌ واحدةٌ كانت فيْـ ـصلية في علا’قتهما سويًا وخطوةٌ مبكرة خيرٌ مِن ألف خطوةٌ متأ’خرة ولذلك حينما أتخـ ـذانها معًا باكرًا أصبحت الآن حياتهما تسير على النهـ ـج الصحيح والراحة والهدوء عادا يسيطـ ـران على علا’قتهما سويًا ليتعهـ ـد لها على الحفاظ بهذا النهـ ـج وبهذه العلا’قة حتى يوم مما’ته وهو كان خيرُ الوا’فين بوعودهم.
_________________________
<“إنه يوم المُنى، فقد عاد حـ ـق الفـ ـتى.”>
كان يجلس في غرفته سا’كنًا يُذاكر للمادة المقبل عليها ومازال أ’ثر اليوم الأول عا’لقًا في ذ’هنه، مازال خا’ئفًا مِن ما هو مقبلٌ عليه وقلبه ينبـ ـض بعـ ـنفٍ، زفـ ـر بعـ ـمقٍ مستغفرًا ربه ثم مسـ ـح بكفيه على وجهه ليترك كتابه ويأخذ هاتفه يعبـ ـث بهِ قليلًا بمـ ـللٍ أ’كله حـ ـيًا، وما دام سوى دقائق معدودة في صمتٍ قطـ ـعه صوت أبواق سيارتين يرنان بنغمةٍ متناسقة وكأن هُناك عروسٌ تُز’ف، تعجب كثيرًا ونهض متجهًا إلى شرفته حينما سَمِعَ الأصوات تقترب مِن المكان ليقف في شرفتهِ ينظر إليهما ليرى سيارتان لأبناء عمومته، تعجب كثيرًا وأنتظر رؤية ما يحدث ليرى السيارتين تصفان بجوار بعضهما البعض.
ترجل “شـريف” أولًا مِن سيارته ويليه “أحـمد” ليتعجب كثيرًا مِن أمرهما ليرى “شـريف” يُشير إليه بيده وقد قال بنبرةٍ عا’لية:
_أفتـ ـح “الواتساب” عندي ليك مفاجأة حلوة هتحبها أوي.
شعر “يزيد” بالحـ ـيرةِ مِن أمره ولَكِنّ أطا’عه وقام بفـ ـتح التطبيق الشهير “واتساب” منتظرًا رسالة ابن عمه إليه، فيما عبـ ـث الآخر بعِدة أحرفٍ كانت بالنسبة إلى “يزيد” طو’ق النجا’ة وبصيص الأمل وشعا’ع النور مِن بعد ضُـ ـلمة الليل حينما رآه أرسل إليه تلك الرسالة التي قد دوَّن بها كلماته:
_مبروك عليك البرا’ءة يا ابن عمي، جبتلك أبو’هم ود’ليل برا’ءتك معايا يعني مفيش أي بني آدم هيستجر’ى ييجي جنبك ولا يقولك تلت التلاتة كام.
كان “يزيد” مصد’ومًا بشـ ـدة ولا يُصدق ما تراه عيناه بالفعل هل ما يراه صحيحًا أم ماذا أصبح يشعر أنه مخـ ـتلًا في الآونة الأ’خيرة بسـ ـبب هذا الموضوع الذي كان بالنسبةِ إليه يؤ’ثر وبشكلٍ كبيرٍ على حا’لته النفسية بالإضافة إلى نظرات الجميع مِن حوله وهم يتهـ ـموه بالجُر’م المشهو’د فقط لسماعهم ما قيل فلَم يشاهدوا شيئًا كهذا يحدث أمام أعينهم وقد أصبح كالعلكة التي تمد’غ في الأفو’اه يتحدثون بكثرة ليس وكأن ما يتحدثون عنه هذا هو شـ ـرف عائلة وشا’بٌ يتباهى بهِ الجميع.
نظر إليه ومقلتيه تلتمع بهما العبرات غير مصدقًا ما قرأه منذ لحظاتٍ ليرى أبتسامة “شـريف” تزين ثغره ثم نظر إلى “أحـمد” الذي قام بفتـ ـح الباب الخـ ـلفي للسيارة وأخرج مِنها شا’بًا مِن الشا’بين وأ’لقاه أرضًا لتجـ ـحظ عينين “يزيد” بصد’مةٍ وهو ينظر إلى السا’قط أرضًا دو’ن حراك فتأ’ثير الكحو’ل كان كبيرًا على عقـ ـله.
بينما “شـريف” فقد فعل المثل وأشار إلى الفتا’ة بالخروج بحـ ـدةٍ، فيما هي شعرت بالخو’ف الشـ ـديد وهى ترى المكان حولها مكد’سًا بالرجا’ل ذوي البِنْية القو’ية والمتوسطة، البعض مِنهم صار’مًا كهذا الذي أشار إليها بالخروج والبعض يبدو أنه لينًا، شعرت بالخو’ف يز’داد بداخلها أكثر حينما رأت “يزيد” يقف في الأ’على منتظرًا ولذلك أبتـ ـلعت غصتها بخو’فٍ فلَن يغفـ ـر لها ما فعلته بهِ حتى وإن توَّ’سلت إليه وتر’جته حتى يسا’محها.
_أخـ ـلصي مش معنى إني مجيتش جنبك تفتكري الدُنيا سهلة.
أخا’فها بنبرته الرجو’لية الشا’مخة وحِد’ته في الحديث معها ولذلك لَبـ ـت إليه مطلبه وترجلت مِن السيارة بهدوءٍ وخو’فٍ شـ ـديدٍ مِمَّ هي مقبلةٌ عليه لتظهر أمام “يزيد” الذي ما إن رآها أصا’بته الصد’مة وجحظت عينيه قليلًا بعد’م أستيعا’ب، إنها هي؟ هي نفسها التي أتـ ـهمته بهذا الجُر’م الفـ ـج أمام الجميع ولَم تعـ ـبئ لشيءٍ، ألقـ ـت فعلها الشنـ ـيع وفعل غيرها على مسـ ـكينٍ طيب القلب مثله دون أن تكترث إلى مشاعره وصورته وصورة عائلته أمام الجميع.
مازال صوتها ير’ن في أذنيه حتى هذه اللحظة حينما أتهـ ـمته وهو كان كما المضـ ـروب بالمطر’قة على رأسه لا يستمع ولا يفهم شيئًا، أشار إليه أخيه مِن الأسـ ـفل يأ’مره بالنز’ول ليشعر بالتيـ ـهةِ لبرهةٍ مِن الوقت قبل أن يُلبي مطلبه ذاك ويدلف إلى الداخل، فيما كانت “روان” تقف في شرفتها تنتظر رؤية ما سيحدث وهي ترشـ ـق الأخرى بنظراتها التي كانت كالسها’م الحا’دة التي تختر’ق صد’ر العد’و.
لحظاتٍ وظهر “يزيد” معهم على السا’حة وهو ينظر إلى أخيه الذي جاوره ثم نظر بعدها إلى ابن عمه “شـريف” الذي ر’مقها نظرةٍ حا’دة وقال بصوتٍ غـ ـليظٍ:
_أنطـ ـقي يا رو’ح أمك بدل ما أخليكِ تنطـ ـقي بالعا’فية، أنطـ ـقي يا بـ ـت.
أرتعـ ـدت خو’فًا مِنهُ وقد غر’قت العبرات وجهها وهي تنظر إلى “يزيد” الذي رافقه على الجهة الأخرى “عـبدالله” الذي أنتظر سماع ورؤية ما سيحدث وفي الأ’على أنتظرت “نـوران” على أحـ ـر مِن الجمـ ـر وهي تدعو المولى عز وجل أن يتم تبر’يء و’لدها الحبيب مِن تلك التـ ـهمة الفـ ـجة بأية طريقة والخو’ف كان حليفها.
فيما كانت “نور” تنظر إلى “يزيد” بعد أن رأت “روان” تنظر إلى “يزيد” بحز’نٍ لتشعر بالحقـ ـد يز’داد بداخلها نحوها فهي أستطاعت خـ ـطفه بكل سهولةٍ أما عنها فقد حاولت مئات المرات وكان الحظ حليفها بالفشـ ـل ولذلك تحدثت تُنسـ ـب التُـ ـهمةِ مجددًا إليه معا’ندةً الجميع قائلة:
_”يزيد” المذ’نب الو’حيد والمسؤول عن اللي حصل وتد’ميره ليا وأنا مش ند’مانة إني عملت كدا.
_لا يا رو’ح أمك أظبُـ ـطي بدل ما أتهـ ـف فعـ ـقلي وأعمـ ـلها معاكِ.
نطـ ـق بها “شـريف” منفـ ـعلًا واضعًا مِد’يته على نحـ ـرها بحركةٍ خا’طفة والغضـ ـب هو المسـ ـيطر عليه فلَن يستـ ـسلم إلا حينما تقول الحـ ـقيقة وتُثبَـ ـت بر’اءته، أما عنهم فكانوا مصد’ومين وبشـ ـدة مِن فعل “شـريف” المتهو’ر ذاك ولذلك وبـ ـخه أخيه “فاروق” قائلًا بنبرةٍ صا’رمة:
_”شـريف” بطل جـ ـنان وأبعـ ـد مطو’تك عنها كدا غـ ـلط ودا مش أسلوبنا ولا تفكيرنا، نز’لها بقولك.
_وحين أن يبدأ المرء لإستعادة حـ ـقه المسلو’ب..
فسلامٌ على الحبيب والغريب والقريب.
______________________________
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية أحببتها ولكن 7)