رواية في قبضة الأقدار الفصل الحادي والستون 61 بقلم نورهان آل عشري
رواية في قبضة الأقدار الفصل الحادي والستون 61 بقلم نورهان آل عشري
رواية في قبضة الأقدار البارت الحادي والستون
رواية في قبضة الأقدار الجزء الحادي والستون
رواية في قبضة الأقدار الحلقة الحادية والستون
بسم الله الرحمن الرحيم
الأنشودة الحادية عشر 💗🎼
الصدمة التي لا تقتُلك ستجعلك أقوى بكل تأكيد ! مقولة أشبعتني ضحكًا حد البكاء ! فبساطة كلماتها تتنافى تمامًا مع ذلك الدمار الهائل الذي يتلو صدمتك فـ يقودك إلى حافة الموت لـ تتجرع سكراته كامله و حين توشك على إغماض عينيك طالبًا الراحة يعود بك إلى واقع مرير فتجد نفسك مُجبرًا على مُجابهته بقوة نابعة من جرح عميق حفرته تلك الصدمة التي بالنهاية لم تقتُلك !
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
تبلور العشق بنظراتها وهي تطالعه بهيام بينما يديه تلهو فوق شعيرات ذقنه القصيرة و داخلها قلب يُردد
” الحمد لله الذي رزقني هذا من غير حول لي ولا قوة ”
كان وجوده بحياتها نعمة كبيرة تستحق الحمد الذي لا تتوقف شفاهها عن ترديده فقد كان بمثابة عوض من الله على سنوات الشقاء التي قضتها سابقًا ليُرمم بشهد العشق تصدعات وشقوق روحها التي التئمت وكأنها نُفخت من جديد بفضله .
زينت جبهته بورود عشقها الذي تجاوز حدود القلب فتغلغل بين ثنايا الروح التي كانت في هيامه مُولهه .
رفعت رأسها لترتوي من مطالعة ملامحه التي انطبعت فوق جدران قلبها فلاحظت تلك الحركة البسيطة بجانب زاوية فمه و كأنه يمنع نفسه من الابتسام بصعوبة فلوم الخبث ملامحها من ذلك الماكر الذي يخدعها لذا تدحرجت أناملها بتمهل قاتل و كأنها ريشة فنان ترسم ما يروق لها فأخذت تتلمس تلك الخطوط السُداسية فوق بطنه و تداعب مقدمة صدره و كأنها تتحدى ثباته الذي كان في النزع الأخير ولم يعُد في مقدوره المقاومة أكثر خاصةً حين اقتربت بأنفاسها المحرورة تنثر ورودها بجانب فمه فامتدت يديه أسفل عنقها تجذبها بعُنف لتضع ضفتي التوت خاصتها في مكانها الصحيح تُعانق خاصته فأخذ يُعاقبها على ما أحدثته أفعالها العابثة و يسكب نيران شوقه في جوفها و يتمزز بشهد ريقها و حلاوة قربها و يديه تلهو و تمارس طقوس العشق بوقاحة فوق ساحة جسدها اللَيِّن و الذي استجاب لأفعاله العابثة فأصبحت تُعطيه من العشق أكثر ما يتمنى و ألذ مما يشتهي لتخرج منه تنهيدة حارقة ألهبت بشرتها الرهيفة كما دغدغتها كلماته العابثة
_ ابقي نشني صح المرة الجاية .
انتزعت نفسها من تلك الغيمة الوردية التي تحملها و قالت بهزل
_ امممم . يعني حضرتك صاحي و بتضحك عليا !
لونت ثغره ابتسامة عابثة تشبه نبرته حين قال
_ بصراحة اه .
_ اقدر افهم ليه ؟
داعبها قائلًا
_ عجبتني محاولات التحرش دي .
صاحت باستنكار
_ تحرش ! انا بتحرش يا سالم ؟!
“سالم” بجدية زائفة
_ اتحرشي يا فرح انا اللي بقولك اتحرشي ..
شقت ثغرها ضحكة مُجلجلة جعلت الشمس تُشرِق على قلبه الذي وقع أسيرًا لضحكاتها العذبة ليهمس بخشونة
_ صباح الفرح .
تدللت في جلستها لتستريح بين طيات صدره وهي تهمس بعذوبة
_ صباح السكر .
انتزعهم من عالمهم الوردي صوت طرقات قوية على باب الغرفة مما جعلها تنتفض بين ذراعيه فهتف بغضب
_ صباح الزفت . مين ؟
جاءهم صوت “مروان” الذي قال بصياح
_ الحقنا يا كبير في مصيبة ..
زفر “سالم” حانقًا وهو يهب من مكانه ليرتدي تيشرته المُلقى أرضًا وهو يتمتم بغضب
_ جلاب المصايب .
تحركت “فرح” من مكانها وهي تحاول ارتداء المئزر الخاص بها فإذا بكلمات سالم الصارمة
_ خليكِ عندك لحد ما أجيلك .
تسمرت بمكانها وهي تراه يقوم بفتح باب الغرفة لتستمع إلى صوت “مروان” العالي وهو يقول
_ المخفي أجله طارق بايت في القسم من امبارح .
زمجر “سالم” غاضبًا
_ بتقول ايه ؟ بايت في القسم ازاي ؟ حصل ايه ؟
“مروان” بغضب
_ انا ايش عرفني . انا لقيته بيتصل عليا مصحيني من أحلى نومه وبيقولي كدا .
زفر “سالم” حانقًا قبل انا يقول بحزم
_ هلبس هدومي على ما تغير هدومك عشان نروحله .
“مروان” باندفاع
_ لا بقولك ايه اخلعني من المشوار دا . انا عندي ظروف !
“سالم” بعدم فهم
_ ظروف ايه معلش ؟
تحمحم “مروان” قبل أن يقول مُصححًا
_ اقصد يعني ضهري واجعني شويه . و مش قادر اخرج .
“سالم” بتقريع
_ تقريبًا اللي محبوس دا أخوك !
“مروان” بامتعاض
_ للأسف أه . محبكش عليه يتحبس غير و أنا مضحضح كدا .
“سالم” بجفاء
_ انشف كدا يا مروان و روح غير هدومك .
“مروان” بنبرة يشوبها البكاء
_ ادعي عليه بأيه وهو فيه كل العبر . هروح ازاي وانا بعرج كدا ؟ ربنا يهدك يا عمتي أنتِ و مجاهد في ساعه واحدة ..
_ حصل اي يا سالم ؟
“سالم” بجفاء
_ معرفش طارق مهبب أيه مقبوض عليه من امبارح و بايت في القسم .
شهقت “فرح” بصدمة و سرعان ما اندفعت لتحضر له ملابسه وهي تغدقه من بحر كلماتها التي أخمدت نيرانه كثيرًا
_ متقلقش يا حبيبي . إن شاء الله خير .
“سالم” بجفاء
_ ربنا يسترها .
أنهى ارتداء ملابسه و التفت واضعًا قبلة بسيطه على جبهتها قبل أن يقول بخشونة
_ افطري و خدي دواكي يا فرح . اوعي تستنيني انا معرفش هرجع امتى .
أصبحت تعرف حدوده و كل الطرق التي تؤدي إلى قلبه لذا لم تُعانده بل اكتفت بطمأنته فقد كان هذا أكثر ما يحتاجه
_ حاضر يا حبيبي متقلقش .
نظرات مُشبعة بالإمتنان الذي تجلى في قبلة طويلة فوق راحة يدها قبل أن ينطلق إلى الأسفل وهو يُزمجر بصوت جهوري
_ سليم .
لم يأتيه رد فقابل “نعمة” التي بادرها قائلًا
_ دادة نعمه شوفتي سليم ؟
_ لا والله مشفتوش انا صاحية من بدري و محدش منهم نزل .
اومأ برأسه قبل أن يُنادي على “مروان” الذي تقدم بقدمه العرجاء والامتعاض يلون ملامحه فزوى ما بين حاجبيه وهو يقول باستفهام
_ مالها رجلك ؟
“مروان” بجفاء
_ وقعت عليها .
“سالم” بفظاظة
_ وقعت ازاي ؟
“مروان” بحنق
_ مش بيقولك قليل البخت يعضه الكلب في المولد ؟ اهو انا بقى الكلب هب في وشي جابلي صرع هوب وقعت على جدور رقبتي فرجلي اتكسرت أو اتجزعت مش عارف الحقيقة ..
“سالم” نفاذ صبر
_ انا رايح اشوف حصل ايه لطارق وانت متجبش سيرة لحد باللي حصل لحد ما اعرف في ايه
زفر حانقًا من حديث ذلك المعتوه و التفت محاولًا مُهاتفة “سليم” الذي لم يكُن يُجيب على اتصالاته فانطلق هو في وجهته وهو يتمتم بغضب من كل ما يحدُث حوله .
★★★★★★★★
أن يتحطم قلبك و تتناثر أشلائه أمام عينيك ، و تتمزق أوتار روحك دون أن يكُن لك القدرة على لملمت فُتاتها هذا هو حال كل أُنثى تعرضت للخيانة التي لا يُضاهي ألمها أي ألم في هذا العالم !
توقف الزمن بها للحظة وهي تراه عاري الصدر في فراش امرأة غيرها !
هربت الحروف من فرط الألم و جف حلقها جراء تلك الغصة التي تشعبت بجوفها إضافة إلى صفعات الوجع المُتأجج بقلبها مما جعل أنفاسها تعلق بصدرها المُشتعِل بنيران القهر الذي كان أقوى من قدرتها على التحمل فاستندت على الباب بجانبها وهي تهمس بنبرة فاقدة لكل معاني الحياة
_ سليم …
جامدًا لا يتحرك كتمثال قُد من حجر إلا من تلك العينين التي تتأجج بها نيران الألم فتبدو كبُحيرة من الدماء التي شعر بها للحظات تتجمد بأوردته حين رآها على باب الغرفة ولكن جاء همسها القاتل ليخترق جموده الظاهري فهب من مكانه ولكن هاجمه دوار قوي فتوقف بمكانه يُحارب تلك الهوة السوداء التي تُهدِد بابتلاعه فلم يشاهِد تبدُل ملامحها التي اسودت من فرط الغضب الذي تجلى بصوتها حين صرخت بقهر
_ خاين ….
بشق الأنفس استطاعت خلع نفسها و جر قدميها لتأخذها سريعًا من ذلك المكان الذي شهد على أصعب لحظات حياتها فلم تستمع لنداءات مروة ولا لذلك الذي كان يتخبط بالجدران يحاول اللحاق بها ليسقط أمام باب المنزل فتتلقفه يد “مروة “التي قالت بلهفه
_ سليم . حاسب ..
دفعها “سليم” بقوة وحاول تمالك نفسه وهو يقاوم وهن جسده و آلامه مُهرولًا خلف تلك التي كانت تهرب من هذا الألم القاتل الذي كان منبعه قلبها المطعون بخنجر الغدر فكيف يهرب الإنسان من قلبه ؟ و كيف ينجو من بين براثن ألم قاتل لا تملك أدنى قدرة على مُجابهته .
_ جنة . استني .
لم تكن نبرته قوية كقبضته التي أحكمت الطوق فوق رسغها ليوقفها عن الركض و يديرها إليه فإذا بها تدفعه في صدره بكل ما يعتمل بداخلها من قهر تجلى في نبرتها حين صاحت
_ ابعد عني يا خاين . انا بكرهك .
اخذت يديها تضربه بعنف و تلاحقت لكماتها فوق صدره الخافق بجنون وهي تُردد بألم من بين عبراتها المتناثرة بغزارة
_ خاين . غشاش . حقير .
حاول استجماع قواه بصعوبة ليقبض على ذراعيها التي كانت لكماتها تُضيف ألمًا آخر إلى حقيبة آلامه الهائلة
_ اهدي يا جنة خلينا نتكلم .
صعقها حديثه فتوقفت تناظره بصدمة تجلت في نبرتها حين قالت
_ نتكلم ! هو في كلام يتقال بعد اللي شوفته ؟
بلل حلقه قبل أن يجيب بجفاء
_ اه فيه . الموضوع مش زي ما أنتِ شوفتي .
“جنة” بذهول
_ نعم ! موضوع ايه اللي مش زي ما أنا شوفته . انت كنت قالع في اوضة نومها ؟
قالت جملتها الأخيرة بصراخ اهتز له جسده الواهن فصاح بها بغضب
_ بطلي تزعقي من غير ما تفهمي .
شر البلية ما يُضحِك وقد كان بلائها أعظم مما تحتمل لذا تناثرت ضحكاتها الخالية من المرح فلم يعُد يُسعفها البُكاء و لم تعُد لها القدرة على التحكم في انفعالاتها
هدأ صخب ضحكاتها الجافة و باغتته حين قالت بهدوء ظاهري
_ تصدق صح . انا فعلًا غلطانه لازم افهم منك الأول ايه اللي قلعك هدومك و بيتك عند خطيبتك الأولانية ؟ يا ترى عندك رد مقنع يا سليم ؟
قالت جملتها الأخيرة بنبرة مهزوزة يشوبها التوسل ألا يكسِر قلبها أكثر فصدمها ذلك الضياع بعينيه و التشتت الذي لون ملامحه وأخيرًا لهجته التي تخللها الارتباك حين قال
_ انا . امبارح . مكنتش . مكنتش في وعيي . معرفش حصل ايه ؟ أو . أو جيت هنا ازاي ؟
أخذ يدور حول نفسه بضياع أطاح بقلبها إلى الهاوية فاقتربت تمسكه من مقدمة قميصه المتناثرة ازراره توحي بآثار جُرمه و أخذت تهزه بعنف وهي تقول بقهر تساقط من عينيها أولًا
_ يعني ايه مش عارف ؟ قولي انك مكنتش طول الليل بايت في حضنها . قولي انك ملمستهاش . قولي انك مخونتنيش يا سليم . قولي وريح قلبي انا هموت من الوجع .
كان وجعها أضعافه بقلبه الذي يرى تمزقها و انهيارها ولا يقدر على بتر ألمها حتى و إن لجأ للخديعة فهل ينجو من بطش ضميره الذي أخذ يُعنفه حتى تقاذف الدمع من مُقلتيه فكان كوقود على نيرانها المُشتعِلة فصاحت بعنف
_ رد عليا . حصل ايه بينك و بينها ؟
_ مش فااااكر .
هكذا صرخ بعنف اهتز له جسدها فتراجعت خطوتين إلى الخلف وهي ترتجف لتضم كفوفها فوق وجهها تحاول قمع عبراتها التي شوشت الرؤية حولها ليأتيها صوته المُمزق حين قال
_ مش فاكر . معرفش حصل ايه ؟ ولا جيت هنا ازاي ؟
أخذ جسدها يرتجف وهي تتراجع بظهرها إلى الخلف ورأسها يدور في كلا الاتجاهات بمعنى لا . لا اصدقك . بينما شيعته عينيها بنظرات الخِسة قبل أن تستدير لتهرُب من هذا لمكان الذي كان شاهدًا على تشييع جثمان عشقها إلى مثواه الأخير.
★★★★★★★★
_ مكنش يومك يا طارق . هنسيب بنتك لمين بس ؟
كان هذا صوت “مروان” الذي أخذ يولول ليجتمع كل من بالمنزل إثر كلماته التي جعلت الغضب يتشعب إلى صدر “فرح” فهبت قائلة بانزعاج
_ بطل تعدد عليه . إن شاء الله هتكون حاجه بسيطة .
“مروان” بتذمر
_ لو مش هعدد عليه هعدد على مين ؟ هو انا عندي أعز منه !
عاد إلى عويلة مرة أخرى وهو يقول
_ حتة العيلة الغلبانه دي تعمل ايه بس يا ربي في الدنيا لوحدها ؟
صمت لثوان قبل أن يُضيف بجدية
_ طبعًا أنا مش فاضي اربي عيال حد . انا مش عارف اربي نفسي اصلًا .
_ قاعد تعدد على مين عالصبح كده يا بتاع الشعبطة ع البلكونات ؟
انتفض “مروان” في جلسته وهو يحاول اسكاتها قائلًا بغل
_ بدعي ع الظالم والمفتري اللي بيسرع الناس و يقطع خلفهم ..
تدخلت “فرح” بعدم فهم
_ ايه انت تقصد مين؟ هو انت مش بتتكلم على طارق ؟
_ ماله طارق في ايه ؟
كان هذا صوت “شيرين” القلق حين سمعت استفهام “فرح” فجاءهم صوت “مروان” الذي أخذ يولول مرة أخرى
_ اه طارق . طارق اخويا اللي كان زي الوردة زمانه بقى فجلة من النوم ع البورش ..
_ حصل ايه لطارق يا معتوه انت ما تفهمنا ؟ ماله طارق يا فرح ؟
هكذا تحدثت “همت” بقلق فألقت “فرح” نظرة غاضبة على “مروان” الذي التفت إلى “سما” قائلًا بنبرة رقيقة
_ تعالي يا سما أما احكيلك حصل ايه بس دا سر بينا .
التفت عينيه بعين “همت” وهو يُضيف قاصدًا اغاظتها
_ اوعي تقولي لحد .
لم تكد “همت” تُجيبه حتى اخترق آذانهم صوت “نعمة” التي صاحت بذُعر
_ ست جنة .
هرول الجميع و أولهم “فرح” التي صدمها مظهر “جنة” المُبعثر و عينيها التي تتخللها شعيرات حمراء من فرط عبراتها المُشتعلة و آلامها المُبرحة والتي لم يعُد يحتملها جسدها الواهِن فخارت قواها و أوشكت على الإرتطام بالأرض لولا ذراعي “فرح” التي حالت دون ذلك والتي أصابها الذُعر و تخلل لهجتها حين صاحت
_ جنة .
تعالت شهقاتها وهي تستند بثقلها فوق صدر شقيقتها التي شاطرتها البكاء تأثرًا بحالتها فاقتربت منهم “همت” قائلة بلهفة
_ حصل ايه يا جنة ؟
و كذلك اندفعت “شيرين” تحاوط كتفها وهي تقول بذُعر
_ مالك يا جنة في ايه؟
و كأن أستفهاماتهم خناجر توجه إلى قلبها الذي لا يعرف كيف يسرد وجعه و خيبته الفادحة فتعالى صوت بُكائها حتى صار نحيبًا فاقترب “مروان” الذي نهش القلق داخله
فصاح بصوت جهوري
_ حد ضايقك يا بت أنتِ ؟ ما تقولي حصل ايه ؟ نشفتي دمنا .
احتوت “فرح” وجهها بحنو وهي تقول بلوعة
_ جنة حبيبتي حصل ايه طمنيني انا هموت من القلق ..
_ قتلني يا فرح . سليم قتلني .
صاح “مروان” غاضبًا
_ عمل ايه هباب الطين دا ؟
لم تُبارِح عينيها عين “فرح” التي شعرت و كأن أحدهم وجه سهم مُشتعِل إلى قلبها حين أكملت “جنة” قائلة بقهر
_ سليم خاني يا فرح . شوفته بعيني عندها في أوضة نومها .
_ هي مين ؟
هكذا استفهمت “سما” فصرخت “جنة” بلوعة
_ مروة
أنهت كلماتها و اندفعت في نوبة بكاء مريرة تخللتها شهقاتهم المذعورة بينما تجمدت خطوات ذلك الذي كان الوجع يتساقط من بين عينيه و يكاد يُحطم ضلوعه التي لم تعد قادرة على احتمال جنون دقاته الهادرة والتي تطالبه بجذبها ليحتويها بين طيات صدره عل وجودها يُهدئ من هذا الوجع المُميت الذي يفتك به ولكن أصبح قربها مُحرمًا عليه و قد كان هذا أقسى ما يُمكن احتماله
_ سليم . فهمنا في ايه ؟ و كلام ايه اللي جنة بتقوله دا ؟
كان هذا صوت “همت” التي ما أن شاهدته يقف عند باب القصر حتى اندفعت لتعرف منه حقيقة ما حدث ولكنه لسوء حظه لم يكُم يملِك أية إجابة من شأنها أن تُريحهم .
ما أن سمعت اسمه حتى انتفضت بين أحضان شقيقتها التي شددت من احتضانها وهي تُطالعه بغضب و يديها تُشدد من احتواء “جنة” التي تقاذف الدمع من مقلتيها على هيئة أنهار حفرت وديان من الألم فوق خديها فقامت بدفن رأسها بين أحضان شقيقتها لا تُريد رؤيته ابدًا فجاءها صوت “مروان” القاسي حين قال بغضب
_ ما تتكلم يا سليم هتفضل ساكت كدا كتير !
يُريد الصُراخ بهم جميعًا ألا يواصلوا الضغط عليه أكثر ولكنه اكتفى بالقول بنبرة جافة
_ عايز اتكلم مع جنة لوحدنا .
عند هذا الحد لم تعُد تحتمل وقاحته فرفعت رأسها تطالع شقيقتها وهي تقول بتوسل كان كالسكين البارت الذي نحر قلبه
_ ابعديه عني يا فرح . ابوس ايدك مش عايزة اشوفه ولا اسمع صوته . ابعديه عني ارجوكِ.
تحولت نظرات “فرح” إلى الصقيع الذي تجلى في نبرتها حين قالت موجهة أنظارها ل”شيرين”
_ شيرين . خدي جنة طلعيها على اوضتها ..
امتثلت “شيرين” لكلمات “فرح” و توجهت نحو “جنة” مما أثار جنونه فصاح هادرًا بعنف
_ عايز اتكلم مع مراتي يا فرح .
قابلة عنفه بجفاء و حدة لم يكن يتوقعها مُطلقًا
_ مراتك ليها أهل لما تيجي عليها هتلاقيهم واقفينلك يا سليم يا وزان .
كان صوتها يدوي أرجاء القصر حتى أنه وصل إلى مسامع “سالم” الذي وصل للتو وبجانبه “طارق” فتجمد الجميع بمكانه أثر حديث “سليم” الغاضب حد الجحيم الذي أطل من عينيه و نبرته حين قال
_ محدش يدخل بيني وبين مراتي ..
_ انت فعلا كنت عند مروة ؟
هكذا استفهمت “فرح” التي كانت ملامحها مشدودة بقوة و قست نظراتها حتى احترقت غاباتها الزيتونية فمن يراها يظنها تعتزم على إرتكاب جريمة قتل ، فصرخ “سليم” بنفاذ صبر
_ ايوا كنت عندها ..
_ سليم …
كان هذا الصوت القاسي ل”سالم” الذي جن جنونه حين سمع كلمات شقيقه و قد كان مظهره يوحي بأن هناك حربًا ضاريه على وشك أن تندلع لذا التفتت “فرح” تنظر إلى “شيرين” بنظرات فهمتها الأخيرة على الفور فأحتوت “جنة* المنهارة بين ذراعيها و توجهت إلى الأعلى وكان آخر ما وصل إلى مسامعها صوت “سالم” القاسي حين قال
_ قدامي عالمكتب .
لم يحتاج لأكثر من ذلك ليتبع شقيقه إلى حيث اشار بينما كانت “فرح” تتابع شقيقتها حتى أختفت في غرفتها لتندفع إلى غرفة المكتب التي اقتحمتها بقوة توازي قوتها حين قالت
_ سليم .
التفت الجميع إليها ولكنها لم تكُن ترى أمامها سوى صورة شقيقتها المذبوحة فقامت بلكمه في كتفه وهي تقول بعنف
_ انت فعلًا عملت كدا ؟ خونت جنة يا سليم ؟
قالت جملتها الأخيرة بعتب يشوبه الغضب الذي لم يعُد يحتمله فاوشكت قدماه على أن تخونه لولا توجه إلى أحد المقاعد و قام بإلقاء جسده فوقه وهو يقول بمرارة و كأن صبار نبت في جوفه
_ والله ما فاكر يا فرح . انا مش فاكر حاجه . بس انا متأكد اني لا يمكن اخونها.
تعلم جيدًا حقيقة ما يقوله وهذا ما يمنعها من إزهاق روحه الآن ولكن تلك التُرهات التي يتحدث بها لا تُساعده أبدًا
_ يبقى تفتكر . لازم تفتكر حصل ايه ؟
هكذا صرخت “فرح” فتدخل “سالم” قائلًا بجفاء
_ اهدي يا فرح .
التفتت تناظره بحنق تناثر من بين جفونها على هيئة عبرات غزيرة وهي تصيح بقهر
_ اهدى ازاي وانا شايفه اختي بتموت بسببه !
أنهت كلماتها وتوجهت بنظراتها إلى “سليم” قائلة بحنق
_ قدامك خمس دقائق تقولي حصل ايه و إلا ورحمة ابويا ل هطلقها منك و ما هتلمح طيفها تاني يا سليم يا وزان .
_ متقدريش يا فرح .
هكذا صاح “سليم” الذي لا يحتمل فكرة أن تغادره أبدًا فهبت “فرح” بغضب
_ اقدر يا سليم و هتشوف .
_ بس انت وهي .
أرعدهم صوت “سالم” الذي اشتدت ملامحه فباتت مُرعبة للحد الذي جعل أنفاسها تتسارع حتى آلمتها ولكنها لم تستطِع منع نظرات العتب التي أطلت من عينيها فجاءتها كلماته القاسية لتُجهِز على ما تبقى من ثباتها
_ قالك مش فاكر . هتقعدي تهري في الفاضي ؟
لم تستطِع تصديق كلماته فخيم الذهول على ملامحها و سرعان ما تحول لخيبة أمل قطعتها لهجته الحادة حين قال
_ و بدل البية مش فاكر يبقى هي أكيد فاكره .
أضاءت كلماته النور بعقلها فقالت بلهفة
_ أيوا صح . عندك حق . هي أكيد فاكره .
ألقت عليه نظرات متوسلة فهمها على الفور فتخطاها بعينيه وهو ينظر إلى “مروان” قائلًا بصرامة
_ مع فرح . متسبهاش .
اومأ “مروان” برأسه بينما اندفعت “فرح ” إلى الخارج و ما كادت أن تخرج من باب القصر حتى تفاجئت ب”مروة” أمامها
_ و كمان ليكِ عين تيجي هنا؟
هكذا تحدثت “فرح” بغضب قابلته “مروة” بالسخرية حين قالت
_ وليه ماليش عين اجي هنا ؟ و بعدين انا قولت اوفر عليكِ المشوار مش بردو كنتِ جيالي ؟
صاح “مروان” بتهكم
_ اوفر دوز بجاحه يا مروة . ايه يا بت الثبات دا ؟ دانا مخضوضلك سلف !
استنكرت حديثه بشدة ولكنها لم تسمح للغضب أن يمنعها عن ما أتت من أجله لذا قالت بهدوء ظاهري
_ لا متتخضش ولا حاجه يا مروان . الموضوع مفهوش حاجه تخض.
تدخلت “فرح” قائلة بنفاذ صبر
_ كلميني أنا . بدل أنتِ عارفة أن انا كنت جيالك يبقى عارفه انا كنت جيالك ليه ؟
_ عارفه .
_ يبقى جاوبيني من غير لف ولا دوران لو سمحتي .
و افتكري أن في بيت ممكن يتهدم بكلمة منك .
“مروة” بهدوء
_ وانا مش خرابة بيوت يا فرح . انا هقول اللي حصل بالظبط.
_ تمام اتفضلي جوا
دلفت معها “مروة” إلى الداخل و منها إلى غرفة المكتب و خلفها كلًا من “فرح” و “مروان” فهب “سليم” حين رآها قائلًا باندفاع
_ أنتِ ايه اللي جابك هنا ؟
_ اسكت خالص . تعالي يا مروة اقعدي .
كان هذا صوت “سالم” الصارم فأطاعته “مروة” و جلست في أحد المقاعد أمام مكتبه و جلست “فرح” في المقعد المقابل لتقول بنبرة حادة
_ سمعاكِ.
عودة إلى وقت سابق
_ مروة احنا هنا تعالي .
هكذا أشارت “كارمن” صديقة “مروة” لتأتي إليهم فتوجهت الأخيرة وهي تتهادى في مشيتها لتعانق صديقاتها بشوق فقامت “كارمن” بالهمس بجانب أذنها قائلة
_ رحلة أوروبا فادتك كتير يا بيبي .
“مروة” بلامبالاة
_ عادي اهو تغيرر
_ و ياترى التغيير كان من جوا و من برا ولا من برا بس؟
هكذا تحدثت “كارمن” بخبث قابلته “مروة” بامتعاض فقد فطنت إلى ما تقصده فقالت بجفاء
_ لا من جوا و بره متقلقيش
_ طب ولو قولتلك أن حبيب القلب قاعد قدامنا عالبار و شكله سكران طينة هتعملي ايه ؟
_ ايه سليم سكران ؟
تلقائيًا رفعت رأسها إلى البار لتُصدم حين رأت “سليم” الذي كان يستند برأسه فوق البار فهتفت بذهول
_ مش مصدقة عنيا .
قادتها قدماها إلى حيث يجلس متجاهلة نداء صديقتها فتوقفت أمامه تطالعه بحزن ممزوج بالصدمة من رؤيته في هذا المكان بتلك الحالة المُبعثرة
_ سليم ؟
ارتفع رأسه ليرى تلك التي كانت تناظره بعينين تكاد تحتويه بسياجهم من فرط الشوق ولكن حالته لم تكن تساعده على فهم ما يدور حوله فأخفض رأسه وهو يهمس باسمها فقالت بلهفة
_ انت بتعمل ايه هنا ؟
أجابها بتيه
_ هربان .
استنكرت كلماته قائلة
_ هربان ! هربان من ايه ؟
لم يُجيبها انما أسند رأسه على ذراعه و قد بدت عينيه كلوحة مُريعة لرجل هزمه العشق و أجهز عليه لتقارب منه تشتم رائحة فمه فإذا به يتراجع عنها بطريقة جعلت معدته تثور فإذا به يتقيأ ما بجوفه فكاد أن يسقُط أرضًا لولا ذراعيها التي حالت دون ذلك فقامت بإسناده ريثما انتهت ثورة معدته فقالت بجزع
_ انت شكلك تعبان اوي . تعالى معايا اوديك مستشفى .
سليم” بنبرة خافتة و كلمات متقطعه من فرط الألم الذي كان يعصف بمعدته
_ لا. انا . هروح .
لم يستطِع إكمال حديثه فإذا بمعدته تثور مرة أخرى فقامت “مروة” بإسناده حتى خرجت من المكان بأكمله لتأخذه إلى شقتها ثم قامت بإستدعاء الطبيب الذي أخبرها بأنه تعاطى مادة مخدرة وهو ليس مُعتاد على ذلك و قام بتدوين عدة أدوية من ضمنها محاليل في الوريد لتظل ساهرة بجانبه طوال الليل حتى انتهى المحلول الوريدي .
عودة للوقت الحالي
_ لما وصلت جنة كنت لسه يدوب شيلاله الكانيولا من أيده . و طبعًا حصل اللي حصل و هي مشيت و ملحقتش افهمها حاجه .
صاح “مروان” بذهول
_ يعني معملش حاجة خالص ؟ يخربيتك انت جبلة ياله .
انهالت عليه نظراتهم المعنفة فالتزم الصمت ليأتيها صوت “سالم” الفظ حين قال
_ بس على حسب كلام جنة أن سليم مكنش لابس هدومه ايه تفسيرك للي حصل ؟
إجابته “مروه” بثبات
_ هو كان قالع القميص بس . انا اللي قلعتهوله عشان لما . يعني . لما رجع بهدل نفسه و مكنش ينفع ينام بيه كدا و على فكرة دا رقم الدكتور تقدروا تسألوه أو تخلوا جنة تسألو و دي كمان الروشتة بتاعته و اعتقد ان الحاجات دي سهل تتعرف تحليل بسيط هيوضح كل حاجه .
اومأ “سالم” برأسه قبل أن يقول بامتنان
_ شكرًا يا مروة انك قولتي الحقيقة و انك جيتي لحد هنا عشان تحلي سوء التفاهم اللي حصل .
“مروة” بشموخ
_ العفو على ايه يا سالم ؟ انا معملتش غير اللي لازم يتعمل و بعدين انا بنت و بخاف على سُمعتي . و كان لازم أوضح اللي حصل عشان ميبقاش في اي لبس ..
تهكم “مروان” بنبرة خافته
_ والله يا مروة انا محقوقلك . بدل ما يغتصبك مقعدك طول الليل تمرضيه ! بني آدم حلوف صحيح .
التفتت تناظره قائلة بهدوء
_ عرفت الثبات جاي منين يا مروان
اندفع “مروان” قائلًا بمغازلة
_ عرفت يا قمر . والله حقك عليا . بهدلناكي و منمتيش طول الليل قاعدة جنب البيه . ما تيجي تطلعي تريحي فوق شويه ..
ابتسمت “مروة” قبل أن تهب من مقعدها وهي تقول بمزاح
_ لا انا دوري انتهى لحد هنا و هروح انام في بيتنا ..
تدخلت “فرح” وهي تلكز “مروان” في كتفه ثم التفتت الى “مروة” قائلة بامتنان
_ ميرسي يا مروة . انا حقيقي مش عارفه اشكرك ازاي ؟
تدخل “مروان” قائلًا
_ سبيني أنا أشكرها طيب .
رمقته “فرح” بحنق فناظرها بامتعاض بينما كان “سليم” في عالم آخر لا يُصدِق ما حدث هل خرج من ذلك المأزق بالفعل ؟ نعم يعلم بأنه حتمًا لا يقدر على خيانتها ولكن عقله كان مشوش للحد الذي جعله لا يستطيع تذكر أي شيء
زفرة حارة خرجت من جوفه و أراد أن يطير إليها للإعتذار منها و إخبارها كم يعشقها وأنه لا يجرؤ على لمس أنثى غيرها ولكن جاءته كلمات “فرح” لتُحبِط مُخططاته حين قالت بتقريع
_ متفكرش أن كلام مروة دا هيخلص الموضوع . او هينفي عنك الغلط . انا طالعة اشوف جنة .
ألقت كلماتها ونظراتها تتفرق بينهم ثم توجهت للخارج تتجاهل حديثه حين زمجر غاضبًا
_ تقصدي ايه ؟ انا معملتش حاجه ؟
تدخل “مروان” قائلًا بتحسر
_ ماهي دي المصيبة . انك معملتش حاجه . انت جبلة ياله؟ دانا قعدت معاها عشر دقايق و كنت عايز اتهجم عليها و أنت ايه ؟
“سليم* بحنق
_ اخرس يا حيوان
“مروان* باستنكار
_ والله الحيوان بيحس عنك . بقى يوم ما تتنصف و تقضي ليلة مع موزة زي دي تقعدها تمرضك ؟ ياخي عيب عليك مرمطت شرف العيلة في الوحل .
_ كلمة كمان و هفجر دماغك .
كان هذا صوت “سالم” القاسي فالتزم “مروان” الصمت أمام صراخه الذي هز أرجاء الغرفة
_ والله عال يا ولاد الوزان ! واحد يتقبض عليه محشش في الطريق العام و التاني مراته تظبطه عند واحدة ! ناقص ايه تاني تعملوه ؟
لم يستطِع “مروان” الصمت فحديث “سالم” اصابه بالذهول الذي سرعان ما تخطاه وهو يقول بصياح
_ حشيش ! اتقفشت بتحشش يا طارق بيه ؟ مفكرتش في سمعة العيلة ؟ طب سمعتي أنا ؟ اودي وشي من الناس فين ؟
زمجر “طارق” غاضبًا
_ اكتم ياد بدل ما اقوم اكتمك .
نهره “سالم” بقسوة
_ ويكتم ليه ؟ إذا كان العيل الصغير عاقل عنكم . اتنين رجاله كل واحد فيهم طول الحيطة سهرانين يحششوا و بالنهار كل واحد يتمسك بفضيحه .
“مروان” بشماته
_ حشيش يا صيع ؟ طب كنتوا خدوني معاكوا ؟ دانا طافح الكوتة مع المخفية عمتكوا .
قال جملته الأخيرة بخفوت فجاءهم الطرق على الباب و الذي كان ل”مجاهد” الذي تقدم الى داخل الغرفة وجسده يملئه الضماد بدءً من عنقه إلى يديه و صدره فهب سالم قائلًا باهتمام
_ في ايه يا عم مجاهد ؟ حصلك ايه و أيه اللى خرشمك كدا ؟
أخذ “مروان” يرسل إليه النظرات المتوعدة فتحدث “مجاهد” بارتباك
_ م . متاخدش . في . بالك يا سالم بيه . دي واجعة . بسيطة .
“سالم” بتعب
_ الف سلامه عليك . خير كنت جاي عايز ايه ؟
“مجاهد” باندفاع
_ كنت چاي اطمنكوا على السباكة بتاعت الجصر اني چبت السباك وتمم عالأوض كلها .
كان “مروان” يُرسِل نظرات تحذيرية إلى “مجاهد” الذي لم يفهم شيء فجاءه صوت “سالم” الذي قال بعدم فهم
_ سباكة ايه ؟ مالها السباكة عندنا ؟
“مجاهد” باندفاع
_ اصل مروان بيه امبارح كان بيقول ان مواسير الحمام بتاع اوضة الست سما فيها مشكلة و كان طالع يصلحها ..
“سالم” بصدمة سُرعان ما تحولت لغضب كبير خاصةً وهو يرى وجه “مروان” الذي امتقع ونظراته التحذيرية ل”مجاهد” الذي لم يفهم شيء منها فحاول قمع غضبه قائلًا
_ اه و انت شفت مروان وهو طالع يصلح المواسير ؟
“مجاهد” بسلاسة كاد أن تُصيب “مروان” بجلطة دماغية
_ ايوا اومال ايه ؟ أصله ليلة امبارح لم كل ملايات السراير و ربطهم في بعض عشان يطلع عليهم و يصلح مواسير اوضة الست سما . قوم اني شوفته فجالي يا مچاهد حداك عدة سباكة جولتله ايوا جالي طب روح هاتها فروحت أچيبها جوم اني يدوب وصلت لچيته بيجع من فوق جوم اني لحجته و اتدشدشت زي ما انت شايف ..
كانت نظرات الشماتة تطِل من أعين كلا من “سليم” و “طارق” على “مروان” الذي كان يضع يده فوق وجهه هربًا من نظرات “سالم” التي تبلور بها الجنون فتقدم بخطٍ وئيدة حتى توقف بجانب “مروان” ليهوي على كتفه بقبضته القوية وهو يقول بنبرة متوعدة
_ بقى مروان كان لامم ملايات السرير و متشعبط على بلكونة بنت سما عشان يصلح مواسير الحمام ؟
“مجاهد” باندفاع
_ ايوا يا سعادة البيه ..
تمالك نفسه بصعوبة وهو يقول آمرًا
_ طب روح شوف شغلك انت..
ما أن خرج “مجاهد” حتى امسك “سالم” قميص “مروان” من الخلف وهو يجذبه بعنف قائلًا بصياح
_ بقى سيادتك عاملي فيها روميو و متشعبط في ملايات السرير عشان تطلع اوضة بنت عمتك في نص الليل ؟
صاح “مروان” باندفاع
_ اه بس وربنا ماشربت حشيش .
★★★★★★★★
_ حصل ايه بينك و بين سليم خلاه يعمل في نفسه كدا يا جنة ؟
هكذا تحدثت “فرح” بعدما اقتحمت غرفة “جنة” الغارقة في آلامها و أوجاعها حتى كادت أن تقضي عليها
_ بتقولي ايه يافرح ؟
تذكرت “فرح” كلمات “مروه” قبل أن تغادر
_ سليم كانت حالته وحشة اوي امبارح يا فرح . طول الليل عمال يهلوس بكلام غريب
“فرح* باستفهام
_ كلام زي ايه ؟
_ يعني مرة يقول انا بحبك ياجنة. متسبنيش . مش هطلقك .
اخذت تسترجع باقي كلماته المُعذبة
_ ارحميني . دا اخويا . كلام كدا
تحدثت “فرح” بصرامة
_ بقول اللي سمعتيه و ياريت تجاوبيني على طول معنديش وقت اناهد معاكِ
“جنة” باستنكار
_ بتسأليني عن ايه يا فرح ؟ بعد خيانته ليا في ايه مهم ؟
“فرح” بجفاء
_ سليم مخانكيش يا جنة .
_ بتقولي ايه ؟
” فرح” بجمود
_ بقول اللي سمعتيه . سليم مش خاين
قصت عليها ما قالته “مروة” في الأسفل بينما كانت “جنة” صامتة تاركه العنان لملامحها أن تعكس شعورها الذي كان للوهلة الأولى ارتياح كونه لم يمس إمرأة سواها فقد كان هذا الأمر كارثي بالنسبة لقلبها الذي كاد أن يُجن في الدقائق المُنصرِمة
_ ها يا جنة مش هتحكيلي حصل ايه خلى سليم اللي بيصلي و عارف ربنا يشرب حشيش عشان ينسى ! طبعًا هو مش عُذر بس احنا بشر ولما حد يحملنا فوق طاقتنا و يضغط علينا طبيعي أننا نخرج عن شعورنا زي ما حصل معاه .
صاحت “جنة” باندفاع
_ بتلوميني على ايه يا فرح مش كفاية العذاب اللي انا فيه ؟
“فرح” بجفاء
_ قصدك اللي راميه نفسك فيه و سايبه شيطانك يتحكم فيكِ .
_ يا فرح افهميني..
.قاطعتها “فرح” بحدة
_ افهميني أنتِ . اللي أنتِ فيه دا غلط . كل اللي حصلك دا كان سبب عشان نكتشف موضوع مرضك بدري و عشان تخلفي محمود اللي يستحق تتحملي أضعاف ما اتحملتي . و عشان تقابلي سليم . سليم يا جنة اللي بيعشق التراب اللي بتمشي عليه .
قالت جملتها الأخيرة بعتب كبير تجلى في نبرتها حين قالت
_ قوليلي يا جنة كل دي مش نعم من ربنا عليكِ ؟ كل دي مش حاجات حلوة تستحق تحمدي ربنا عليها و تنسي كل اللي حصل قبل كدا ؟
أخفضت رأسها بألم تعلم كم شقيقتها مُحقة ولكن ماذا تفعل بتلك النيران التي تجيش بصدرها تجاة ذلك الشاب ؟
_ تخيلي كدا يا جنة تاخدي انتقامك من حازم بس تخسري سليم و محمود . او تخسري حد فيهم هتقدري
رفعت رأسها بحدة وداخلها ينفي ذلك الحديث و ايدته شفاهها حين قالت بلهفة
_ لا طبعًا مقدرش اخسر حد فيهم .
“فرح” بحزم
_ طب خلي بالك انك كدا بتخسريهم. و متتكيش اوي على حب سليم ليكِ . عشان سليم راجل عنده كرامة و عزة نفس و مش هيقدر يتحمل عمايلك دي كتير .
أنهت كلماتها ثم اندفعت إلى خارج الغرفة لتتركها تتخبط في حيرتها و عذابها و نيران انتقامها ..
★★★★★★★
_ بعد اذنك يا دكتور كنت عايزة حضرتك تعيد شرح الميتافيزيقا عند أرسطو ؟
زوى ما بين حاجبيه و قال بجفاء
_ مع انها سهلة مش محتاجه شرح .
شعرت الفتاة بالإحراج لتقول بتلعثم
_ اص . أصل انا مكنتش موجودة لما حضرتك شرحتها . فكنت بستأذنك تشرحها تاني لو مكنش يضايقك ؟
ابتسم بهدوء قائلًا
_ طب و مالك مخضوضة كدا ليه؟ وماله نشرحها تاني و تالت ايه المشكله ؟
تبلور الأعجاب بنظرات الفتاة التي قالت بلهجة حالمة
_ بجد يا دكتور ياسين انت مفيش منك .
اومأ “ياسين” برأسه ليتفاجئ بتلك التي تدخلت قائلة بسخرية يشوبها الغضب
_ بعد اذنك يا دكتور ياسين ياللي مفيش منك ممكن نبدأ المحاضرة؟
رفع أحدى حاجبيه باندهاش من تدخلها في الحديث ولكنه كان مستمتعًا بغيرتها الواضحة وب الرغم من ذلك تجاهل شعوره و غيرتها وقال بفظاظة
_ هو أنتِ هتعرفيني شغلي ولا حاجة ؟
جن جنونها حين استمعت إلة كلماته الفظة و نبرته الغليظة فقالت من بين أسنانها
_ معلش يا دكتور بقى اصل مش كل الناس فاضية و مورهاش حاجه تعملها غير اللت و العجن .
“ياسين” بصدمة
_ لت و عجن ؟ و مين بقى اللي بيلت و يعجن ؟
قال جملته الأخيرة بتوعد قابلته بالسخرية
_ كل واحد عارف نفسه .
اهتاج غضبه من طريقتها و خاصةً أمام إحدى طالباتها التي كانت مذهولة في طريقتها في الحديث معه لذا تحدث بجفاء
_ اتفضلي على مكانك .. مش هتعرفيني شغلي
تستحق ذلك هكذا أخبره عقله فما يحدُث بسبب رجاءها الأحمق ألا يعرف أحد بزواجهم و ها هي لم تحتمل موقف عابر مثل هذا بينما هي كانت تحترق بقهر من كلماته و نبرته و لكن هناك نيرانًا أخرى ولدتها غيرتها الهوجاء فلم تلحظ نظرات ذلك الشاب الذي اقترب يجلس بجانبها قائلًا بمُزاح
_ اهدي يا بنتي شويه في عينك بتطق شرار ليه كدا ؟
تفاجئت من ذلك المُتطفل الذي كان يُشبه “مروان” كثيرًا فلوهله شعرت بالحنين إليه و إلى عائلتها فلاحت ابتسامة حزينة على محياها فكان المشهد من بعيد يعكس شيئًا آخر عن الحقيقة خاصةً بالنسبة لذلك الذي أرسلت عينيه سهام مُشتعلة نحو ذلك الشاب الذي تفاجئ به يقوم بإعطاءها قنينة المياة التي اخذتها منه بعد أن اعطته إحدى ابتساماتها الرائعة ليجن جنونه فلم يمنع نفسه من الصراخ قائلًا
_ حلاااا..
★★★★★★★★★
تقف أمام شرفتها شاردة بما يحدُث و كيف باغتتهم ضربات القدر فبعد أن رست سفينتهم على بر الأمان تعود و تُلقي بها الرياح في منتصف بحر هائج تتقاذفهم أمواجه العاتية التي لا تعرف أن كان بمقدورها مواجهتها ام لا ؟
لا تملك سوى الدعاء بأن تهدأ الرياح وتستقر سفينتهم على بر الأمان فهمست بخفوت
_ وأفوض أمري إلى الله والله بصير بالعباد .
لا يرُد الله عبدًا لجأ إليه و تلك اليد الممدودة إلى السماء حاشاه أن تعود خائبة
يد حانية تسللت لتحتوي وجعها الذي لا يُمكِنها الإفصاح عنه لتستند بثقلها فوق صدره الذي كان ولايزال ملجأها الآمن و كتفها الذي لا يميل فأطلقت تنهيدة حارة تحمل ما يجيش يصدرها من أوجاع فاشتد طوقه حول خصرها قبل أن ينثر ورود عشقه فوق عنقها الذي يظهر بإغواء أمام عينيه العاشقة و جاءت نبرته محروره حين قال
_ التنهيدة دي معناها انك شايلة كتير .
همست بألم
_ كتير أوي يا سالم .
أدارها لتصبح في مواجهته ليحتوي وجهها بين كفوفه الحانية وهو يقول بنبرة خشنة
_ الحزن اللي في عيونك دا بيقتلني يا فرح . كل مشكلة وليها حل .
لثمت إحدى كفوفه بقبلة اعتذار دافئة اتبعتها بهمساتها العاشقة
_ بعد الشر عنك من اي حاجه وحشة . متقلقش عليا . هتعدي . زي ما كل حاجه قبل كدا عدت .
ارتج قلبها حين سمعت لهجته المُلتاعة حين قال
_ بس انا مش متحمل أشوفك كدا .
رقت نبرته كثيرًا حين هسهس بخفوت
_ إلا أنتِ يا فرح . مش مسموحلك لا تتعبي ولا تزعلي .
حنانه و رقته كانا شيئًا عظيمًا بالنسبة إليها فلم تستطِع التحكم في عبراتها التي تدفقت بغذارة وهي تقول بنبرة متقطعة
_ مفيش . حاجه . انا . كويسه .
احتواها بضمة قويه كان كلاهما بحاجة إليها لتخفف من وطأة ذلك الحزن الكامن بصدورهم و الذي تبدد إثر همساته العاشقه و يديه التي أخذت تهدهدها كطفلة صغيرة بين ذراعي أبيها إلى أن استكانت بين يديه فرفعت رأسها تطالعه بامتنان فامتدت اناملة تمحو آثار عبراتها وهو يهمس بنبرة مُعذبة قلما تسمعها منه
_ انا بحس بالذنب لما اشوف دموعك دي ..
هتفت بلهفه
_ وانت ذنبك ايه بس ؟
“سالم” بخشونة
_ ذنبي اني مقدرتش احميكِ من الحزن والوجع
“فرح” بخفوت
_ متحملش نفسك فوق طاقتها يا سالم .
_ قولي الكلام دا لنفسك .
اخفضت رأسها وقالت بحزن
_ متلومنيش غصب عني .
_ و أنتِ كمان متلومنيش . ماهو أنتِ مش بتحبيني اكتر مانا بحبك .
رفعت رأسها وقد التمعت عينيها بوميض الشغف الذي تجلى في نبرتها حين قالت و كأنها تتحداه
_ لا طبعًا أنا بحبك اكتر ما أنت بتحبني بكتير اوي ..
لونت ثغره ابتسامة رائعة و التمعت نجوم الحب بسماء عينيه و رقت نبرته حين قال
_ حبي ليكِ اكبر من أنه يتوصف . عامل زي الكون دا بالظبط صعب تجيبي آخره.
أرادت محو جميع الحزن العالم بسماء عينيه فيكفيه ما يحمله من أعباء لذا قالت تشاكسه
_ طب ما تثبتلي كدا ؟
ضيق عينيه قبل أن يقول بمزاح
_ أيه رأيك انزل ادور الضرب فيهم كلهم ؟
“فرح” بلهفة
_ ياريت والله كلهم عايزين الحرق مش الضرب بس ..
لونت السخرية معالمه و تجلت في نبرته حين قال
_ شوفتي الكارثة اللي انا فيها؟ الرجالة اللي مفروض اعتمد عليها و يقفوا معايا في كل المصايب اللي انا فيها واحد يتقفش في الطريق محشش و التاني يتقفش عند واحدة محشش و التالت يتقفش وهو بيحاول يطلع اوضة بنت عمته في نص الليل بعد ما لم كل مفارش السرير عشان يعرف يطلع من البلكونة لا ويقولي بس انا مكنتش محشش ..
لون الذهول تقاسيمها و نبرتها حين قالت
_ لا متقولش . مروان كان بيحاول يطلع اوضة سما لا و مشبك ملايات السرير في بعض ؟
“سالم” بتهكم
_ تخيلي ! و من حظه الفقر أنه يقع تحت ايد مجاهد اللي مبيسترش على حد أبدًا
_ بقى عم مجاهد اللي فتن عليه ؟
“سالم” بسخرية
_ ماهو اللي أنقذه . البيه كانت عمته مرقداله و لما طلع البلكونة لقاها في وشه اتسرع طبعًا و وقع فوق الراجل الغلبان اللي تقريبًا مفيش حاجه في عضمه سليمه ..
لم تتماسك نفسها فأخذت تقهقه بصخب أطرب آذانه و أسعد قلبه كثيرًا فأخذ يناظرها بابتسامة عاشقة فقالت من بين ضحكاتها
_ سامحني يا سالم مش قادرة ابطل ضحك بصراحة .
“سالم” بخشونة أذابتها
_ مين قالك انك عايزك تبطلي ؟ اضحكي خلي دنيتي تنور من تاني ..
★★★★★★★★★
انتصف الليل و لم يأتي فقد كانت تتوقع أن يُحاول مُراضاتها بعد ما أُثبتت براءته ولكنه لم يأتي و قد أثار هذا حنقها فقد كانت تتلهف لتُقر عينيها برؤيته فقد اشتاقته حتى ولو كانت لاتزال حزينة من ما حدث ولم تنسى تلك الصفعة التي لازال قلبها يتألم بسببها .
اخترق ضجيج افكارها رنين هاتفها فتوجهت بخطٍ مُتلهفة وقلب يتوسل لخالقه أن يكون هو المتصل ولكن كان أكثر شخص في العالم لا تود سماع صوته
_ بتتصل تاني ليه ؟
“ناجي” بسخرية
_ عشان كنتِ مستنياني اتصل !
_ انت تقريبًا شارب حاجة أو اتجننت !
“ناجي” بفظاظة
_ ليه الغلط بس ؟ مش حلو عشانك و عشان أنا راجل مبعرفش انسى و باخد حقي و أنتِ عارفه كدا كويس !
تجاهلت التهديد الذي يقطر من بين كلماته وقالت بجفاء
_ متتصلش عليا تاني !
“ناجي” بتخابث
_ ولما أنتِ مش عيزاني اتصل بتردي عليا ليه ؟
أخذ استفهامه يتردد بداخل عقلها الذي انتفض من غيبوبته و نفض تلك السموم التي كانت تلوثه فصاحت باحتقار
_ انت عندك حق . انا غلطانه اني برد على واحد حقير زيك وووو
_ بتكلمي مين يا جنة ؟؟؟
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية في قبضة الأقدار)