رواية حان الوصال الفصل السادس والعشرون 26 بقلم أمل نصر
رواية حان الوصال الفصل السادس والعشرون 26 بقلم أمل نصر
رواية حان الوصال البارت السادس والعشرون
رواية حان الوصال الجزء السادس والعشرون
رواية حان الوصال الحلقة السادسة والعشرون
أخطأت، نعم أخطأت
حين سلمتك قلبي وأنا اعلم بمكانتي عندك.
حين ضعفت فازداد تملكك
حين ارتخت حصوني وسمحت لك باقتحام اسواري
حين قبلت خوض معركة……… كنت أنا لست أهلًا لها.
لأرفع لك الراية البيضاء الاَن؛ اعترافًا بهزيمتي
#بهجة
#بنت_الجنوب
❈-❈-❈
طوال طريق عودتهم، لم يحيد بعينيه عنها، داخله غليل مستمر، من وقت التقاءهم بهذا ال……. المدعو هشام وتباسطها مع حديثه ومزاحه على اتفه الأشياء، مستغلًا الدفاع المستميت من والدته عنه، وتمسكها به، مع وجود المرأتين في زيادة للضغط عليه، ومراعاة صورته امامهم، ليظل على حالته من الغضب المكتوم، يصبر نفسه، حتى سمح لهم الطبيب المتابع لحالتها بالخروج من المشفى.
ليأتي بها الاَن وتصعد هي معها حتى دثرتها في الفراش واطمئنت عليها حتى استسلمت لسلطان النوم بفعل الأدوية المهدئة ونامت.
وجاء وقت انصرافها، لتجده في انتظارها في الاسفل، بهيئة متجهمة تعلمها جيدًا، كما انها لم تكن بغافلة عن احتراقه طوال الساعات الماضية.
– خلاص اطمنتي عليها ونيمتيها؟
خرج السؤال بحدة واضحة، تغاضت عنها لتجيبه بنبرة عادية وهي تكمل سيرها للخارج:
– اه الحمد لله، العلاج المهدئ جاب مفعوله معاها، ياللا بقى خليها ترتاح وانا اروح اشوف اللي ورايا .
كانت على وشك ان تتخطاه ذاهبة ولكنها سبق ليجذبها من ذراعها بعنف ما يعتمل بصدره:
– استني هنا هتروحي فين وتسبيني؟
شهقت بخضة جراء فعلته، لتجد ظهرها التصق بالجدار من خلفها، وهو امامها بهذا القرب، وبصدر يصعد ويهبط بعنف، جراء تسارع الانفاس بداخله، وبصوت بدى كالفحيح:
– بتهزري وتضحكي مع دكتور الغبرة يا بهجة، وانتي عارفة كويس اني لا بطيقه ولا بطيق انك تردي عليه من الاساس .
تمالكت الشجاعة امام هجومه لترد بالمثل:
– وايه اللي يخليك مطيقهوش؟ ولا هو عمل ايه اساسًا عشان انا مردش عليه لو كلمني ولا هزر باحترام معايا ؟
– بلاش تستفزيني يا بهجة.
صاح بها بانفعال أشد، حتى خشت هي المواصلة لتصمت امام ثورته:
– يعمل ما يعملش انتي لا تردي ولا تستجيبي لهزاره، واللي عليكي تسمعي الكلام ومن غير مناقشة…..
ليه عايزة توصليلي انك مش فاهمة ولا حاسة بالنار اللي بتقيد جوايا امام اي حد يبصلك ولا يكلمك لغرض انا عارفه كويس بنفسه…… مية مرة اقولك اني راجل ، وافهم في نظرة الراجل اللي قدامي كويس اوي.
تبسمت بسخرية حين التمست الضعف في كلماته الاخيرة ، لتقارعه بالمنطق:
– لا واصلني اللي انت حاسه كويس اوي على فكرة، بس انا للي عايز افهمك، ان من حق الدكتور اي حاجة من اللي قولت عليهم ، مدام في إطار الاحترام والادب….. طول ما هو شايفني متاحة ومش مرتبطة، مش يمكن قصده شريف….
قاطعها ضاغطًا بكفه التي حطت على رقبتها، وقد كان فاقد السيطرة:
– اخرسي يا بهجة بدل ما اخلص عليكي، انا على اخري.
توقفت برهة امام عنفه لتردد بعد ذلك بصوت تهدج بألم :
– وانا قولت ايه غير الحقيقية، عايزه لو سأل عن حاجة تخص الهانم اعمل نفسي معرفش وانا اقرب واحدة ليها، انا الجليسة لنجوان هوانم لو تاخد بالك يعني؟
– خلاص يبقى بلاها.
نزلت ذراعيه لتضمها هذه المرة مردفًا برجاء:
– بلاها الشغل هنا ولا هناك يا بهجة، انتي تفضلي في مكانك ملكة وانا مستعد اعوضك باللي انتي تطلبيه.
– بس انا مقدرش ابعد عن نجوان.
– يعني ايه؟
جاء تساؤله بصدمة، لتجيبه هي:
– يعني انا خدته عهد على نفسي افضل مراعياها الفترة دي لحد اما يجي ميعاد البعد الحقيقي، ساعتها امشي ع الاقل وانا شبعانة من حنيتها ومطمنة عليها.
– البعد الحقيقي بتاع ايه؟
بدا امامها متناسيًا تمامًا لما يؤرق نومها ويمنع عنها الراحة، لتفيقه من غفلته، تنزع ذراعيه عنها مرددة:
– الافتراق المنتظر ما بينا يا باشا، ولا انت نسيت ان جوازنا مرتبط بمدة معينه ومش جواز طبيعي.
قال الاخيرة بحدة تقصدها، حتى اثارت شياطين رأسه، ترا الجنون يتراقص داخل عيناه، متوقعة رد فعل عنيف منه، على الرغم من انها قالت الحقيقة، ولم تخطيء بشيء، لتأتي النجدة من مدخل الباب، حيث صدح صوت دخول احد الأشخاص، لتظهر امامهم الدادة نبوية بخطواتها اللاهثة من أجل الاطمئنان على رفيقتها، فتقع عينيها عليهما، وتفاجأ بهذا الوضع المريب، بهجة ملتصقة بالحائط وهو الذي كان قريبًا بوقفته منها ، تراجع على الفور بخطوتين يبادر المرأة بأسئلته:
– مدام تعبانة، جيتي ليه بس يا دادة؟
– ما انا مجيتش وراها المستشفي، قلبي واكلني عايزة اشوفها بعيني.
رددت بها المرأة ولكنها لم تغفل عن لمحة الارتباك التي طغت عليه، ولكنه تدارك سريعًا يعود لطبيعته الباردة، أما بهجة والتي بدت بثبات التي لا يعنيها شيء، فقد تحدثت بنبرة واثقة:
– كويس انك جيتي يا دادة، هي كدة ساعة وهتصحى بعد ما ينتهي مفعول المهديء ان شاء الله، ياريت تتعشي معاها وتفتحي نفسها ع الأكل، هي أكيد هتقوم جعانة.
اومأت المرأة تجيبها بابتسامة مودة، تظهر ثقتها بها:
– من عيوني يا حبيبتي، روحي انتي ارتاحي، أكيد تعبتي اليوم كله.
– فعلا يا دادة…. تعبت اوي .
قالت الأخيرة بنظرة خاطفة بطرف عينيها نحوه، لتتخذ طريقها الى الذهاب مباشرةً، وظل هو ثابتًا محله، يراقب انصرافها بتجهم، وبداخله شيء لا يستطيع تفسيره، شعور يبدو…. وكأنه تلقى صفعة منها
❈-❈-❈
عاد من عمله يتجه بخطواته السريعة مباشرة نحو الطابق الاعلى حيث جنته ومصدر الراحة في حضن زوجته وصغيره؛ الذي اشتاق الى مداعبته بشدة، لكن وقبل ان يصل إلى الدرج استوقفه الاضاءة الخافتة داخل الردهة القريبة من غرفة والدته ، ليتفاجأ بشبحها على احد المقاعد التي كانت جالسة عليها، بصمت تام دون أدنى حركة وكأنها تمثال شمعي فاقدًا للحياة.
على الفور غير اتجاهه نحوها يحادثها بقلق:
– مساء الخير، مالك يا ماما قاعدة هنا في الضلمة لوحدك ؟
سمعت بهيرة ولم ترفع رأسها اليه إلا بعد برهة من الوقت، بملامح ازدادت تجعدا وعينان ذابلتان، يطل منها ضعف ابعد ما يكون عن شخصية والدته القوية دائمًا، والمتعجرفة في بعض الأحيان.
اهاله مشهدها، ليسقط على الكرسي المجاور لها يتابع استفساره عن السبب الذي أدى بها الى ذلك:
– ماما انتي ايه اللي جرالك؟ في حاجة تعباكي طيب ولا حد زعلك؟
خرج صوتها اخيرًا بنبرة خافتة يتخللها الحزن الشديد
– خالتك كانت عندي النهاردة يا مصطفي.
سألها بعدم تركيز
– خالتي مين؟
ابتسامة غريبة لاحت بثغرها وهي تخبره:
– خالتك نجوان يا مصطفى، ما هي فاقت ورجعت لعقلها من تاني ، متعرفش انت المعلومة دي؟
– انتي بتتكلمي جد؟ خالتي رجعت لعقلها من تاني! انا مش مصدق، معقول دا حصل وانا معرفش، معقول يا يا ماما انتي مش بتهزري معايا صح؟
ردد بها يظهر حماسه الشديد، لتعقب هي بشيء من ضيق:
– ايوة يا مصطفى خالتك اللي كنت بتحبها اكتر من أمك رجعت من تاني.
– ايه اللي بتقوليه دا يا ماما بس؟ اينعم انا بحب خالتو نجوان، بس مهما كانت معزتها يعني، عمرها ما هتبقى أغلى منك طبعا
لم تقتنع بإنكاره، فتاريخ الأخرى معه ومع كل من أحبتهم هي يثبت العكس، لقد كانت مستحوزة على حب الجميع، كل من يراها يقع بعشقها حتى الرجل الوحيد الذي اردته هي وكان من نصيبها، اولادها منه ، حتى الخائن زوجها، ايضًا كان يعشقها ولولا لحظة ضعف امام امرأة بجمال ناريمان لكانت استمرت زيجتها به وسعادتها معه، اما هي فقد كانت الخاسرة دائمًا امامها.
ضربت بالعصا على الارض بعنف تأتي باللوم عليه:
– خالتك اول ما فاقت للدنيا، فاقت عليا ، جاية تحاسبني على ترميم القصر ومضايقة اني عايزة احوله لجمعية خيرية، ما هو انت لو كنت اشتريت نصيبها من ابنها كنت قدرت اواجهها بقلب مليان، لكنك فضلت تماطلني وادي النتيجة.
اهتزت رأسه بعدم استيعاب، معبرا عن استيائه:
– ماما انتي بتقولي ايه؟ زعلانة عشان خالتو رجعت لعقلها من تاني وبتدور على حقها…. لا وبتأنبيني كمان ان منفذتش رغبتك، هو انتي مش فرحانة لرجعتها؟ معقول لقاءك بيها بعد السنين دي كلها وهي مغيبة عن الواقع كان كلام ع القصر وخناق على تحويله لجمعية……
صمت برهة يحدق بالملامح المغضنة بشيء غير مفهوم، ان كان غضب شديد او حزن، ليسترسل بعاطفة الاشتياق الشديد لها:
– مغلبكيش الحنين تحضنيها يا ماما؟ تسمعي لكلامها اللي بقالنا سنين محرومين منه؟
لا تنكر في قرارة نفسها انها بالفعل تاقت لكل ذلك وبشدة، ولكن شيئا ما منعها، ذلك الشيء الذي يجعلها دائمة التحفز امامها، فيسيطر على انفعالاتها معها، ولكنها ايضًا تشعر بالغيرة في كل يتفوه به ابنها الاَن.
– خلاص يا مصطفى، اديك عرفت ان والدتك قلبها قاسي حتى على اختها الوحيدة، استريحت دلوقتى.
قالتها تشيح بوجهها عنه الى الجهة الأخرى، وبكبرياء لا تتخلى عنه،
فنهض عن مقعده يردد بأسف من خلفها:
– مش مهم انا، المهم انتي يا ماما اللي تستريحي.
قالها وتحرك متابعًا طريقه، ليذهب من امامها، ويتركها في تلك الحالة التي ترفضها من داخلها ولكنها لا تستطيع السيطرة عليها، الحزن!
❈-❈-❈
في قسم الشرطة وداخل غرفة رئيسه، كان يتلقى الاَن التوبيخ منه بعد الخطأ الذي اوقع نفسه به:
– دي عملة تعملها يا عصام، كان لازم تنبهني من البداية وابقى على علم، بتنفذ وتخطط مع نفسك، فاكرني نايم على وداني ومش عارف بعيونك هناك، طب اهو بتسرعك دا كان سبب لهروبه، استريحت كدة بقى؟
غلبه الحماس يردد بتصميم ووعيد:
– لا طبعا مستريحتش ولا هستريح غير لما اجيبه واحطه في الحجز بإيدي، دا عهد عليا يا فندم ولا يمكن هتخلى عن تنفيذه.
عض امين على نواجزه، يكتنفه الغضب الشديد من أفعال تلميذه، رغم تقديره للحالة التي يمر بها ، ولكنه لا يستطيع التهاون مع شيء قد يضره ، ولن يسمح، ليصمت برهة يدور حول مكتبه حتى جلس على المقعد، يضع قدما فوق الاخرى يأمره:
– طب وان قولتلك شيل ايدك وسلم القضية لظابط تاني غيرك.
رد بالرفض سريعًا:
– اسف يا فندم مش هقدر ، القضية قضيتي وحقي وحق مراتي مش هتنازل عنه، حتى لو اضطريت اخلع البدلة الميري والبس مدني.
بانفعال شديد وقد اخرجه عن طوره المتماسك، ضرب على سطح المكتب بهدر به:
– وتضيع مستقبلك يا غبي، انت بتفكر ازاي يا بني آدم انت؟
تنهد بعنف يُقر غير ابهًا بأي شيء:
– تقدر تعتبرني كدة بالفعل يا فندم، غبي… لكن برضو مش هتخلى عن طريقة تفكيري اللي مش عجباك، وع العموم القرار في إيدك تقدر تعاقبني باللي سيادتك تشوفه صح، وانا مش هعترض.
لقد حسمها ولا سبيل لإقناعه، يُقدر ان معه الحق، ولكنه ايضًا يخشى اندفاعه، وصفة الانتقام التي تغلغلت به، لن يستطيع السيطرة عليها بعد ما حدث، سوى بالنيل من هذا الفاسد. ليعض على شفته السفلى بغيظ شديد يأمره.
– امشي غور من وشي يا عصام، امشي ياللا .
بابتسامة مسترة قام الاخير بتأدية التحية يجيبه بطاعة:
– تمام يا فندم.
قالها وتحرك ذاهبًا على الفور من امامه، يتركه في تخبطه والبحث في خطة بديلة للقبض على الفاسد الاخر الان .
❈-❈-❈
بداخل المنزل الصفيحي، صار يضرب بقدميه كل ما تقع عليه عيناه
– ابن الكلب كان قاعد مستنيني ومتربصلي ، وديني ما هحله من دماغي، دا انا ابقي مرا لو سيبته، بقى انا، انا ابراهيم ابن الورداني انط من ع الحيطة زي الحرامية، ولولا كوم الرمل كانت رجلي راحت فيها، وكل ده بسبب مين؟ بسبب الواد الطري ده
توجه بالاخيرة نحو هذا المدعو عزوز والذي كان متكئًا على الجدار بهدوء منقطع النظير ، يمسح بأظافره على سترته الجلدية المهترئة، ليرد بشيء من السخرية:
– طب براحة يا عم الجامد، حتتين العفش اللي عمال تكسر فيهم دول معنديش غيرهم، انا ابويا مش عطار كبير زي جنابك، انا ابويا معرفش طريقه اصلا.
كز على اسنانه ليهجم عليه بقبضتيه ممسكًا بياقتي سترته، وبفحيح ووعيد يعبر عما طرأ برأسه:
– ما هو انا لازم احط غلبي في حد دلوقتي، ومقدميش غيرك، ليه بقى؟ عشان حركة النهاردة تثبت ان الظابط ده عنده عيون هنا، في محمية الزفت بتاعتكم، الخيانة عند مين يا عزوز؟
صاح الاخير يدفع ذراعيه عنه، يظهر وجهه الحازم امامه:
– لا يا حبيي اصحي وفوق لنفسك، مش عاجبك العيشة هنا ولا شاكك في حد فينا، يبقى مع السلامة وطريقك أخضر، ما انا مش هتحمل تهزيقك ولا عنطزتك دي واسكتلك، دا انا ادب صباعي في عينك، انت مش كاسر عيني بحاجة، لا عنيا دا العكس، هنا مش امك اللي مدلعاك ولا ابوك اللي رمى طوبتك.
بذهول شديد ردد بعنجهية يسبه:
– انتي بتعلي صوتك عليا يا ابن الكلب.
– كلب ياكل مصارينك.
صاح بها عزوز ليتجه نحو الباب يفتح على مصراعيه يطرده بطول ذراعه:
– والباب اهو يفوت جمل، ياللا غور كدة ووريني عرض قفاك.
شرع ابراهيم بالتحرك والخروج بالفعل، ولكن الاخر استرسل يذكره:
– بس خليك فاكر، اللي بيخرج من هنا ملهوش راجعة، والمعلم الكبير معندوش ياما ارحميني في اللي يخرج عن طوعه بعد ما خلاص عرف سره.
ابتلع ريقه بخوف حتى برزت تفاحة ادم بحلقه، ليردد بدفاعية:
– بس انا مش هتكلم ولا اطلع سره، ولا انت ناوي تقلبه عليا يا عزوز ، ما انا عارفك واطي.
ضحك المذكور باستخفاف:
– ماشي انا واطي يا بن الأصول وسيبتلك انت التربية العالية، ع العموم الباب اهو مفتوح قدامك لو عايز تمشي، وانا جيبتلك الناهية، اما بقى لو هتعقل وتشغل عقلك كله برضو لمصلحتك، انا ماشي بقى عشان خلتني حرقت معاك كتير، عن اذنك بقى يا بن الورداني.
سحب نفسه وخرج على الفور، بعدما القى بالتهديد الذي يكبله ويقيده عن الاعتراض، وقد غرزت اقدامه في منطقة ألا رجوع .
❈-❈-❈
دلفت المحل الذي اصبح مزدحمًا بعدد الرواد مما اثبت لديها نجاح الفكرة ، بروح الحماس التي صارت تجدها من اشقائها في ممارسة العمل المحبب به، لتطفو السعادة على ملامحها وهي تتابع حركتهم بنشاط في مخاطبة الزبائن او الاشراف على العاملين معهم، لتلوح بكفها نحو شقيقتها جنات والتي كانت تدون طلبات احدى الطاولات، ثم واصلت نحو شقيقها الذي كان مندمجًا مع احد اصدقائه في مناقشة امر ما، لتقترب وتجلس بالقرب منه، حتى اذا انتهى التف اليها يعطيها انتباهه:
– اهلا بالبرنسيس، اتأخرتي يعني يا بيبة، هي نجوان هانم لسة تعبانة؟
أومأت بهز رأسها:
– لا الحمد لله اتحسنت طبعًا، بدليل ان الدكتور كتبلها على تصريح خروج، بس طبعا عايزة متابعة لان الانفعال مش كويس عشانها، وهي النهاردة اتعصبت اوي .
– ليه حصل ايه؟
سألها باستفسار فجاء ردها بإرهاق:
– يا عم سيبك بقى، اللي حصل حصل، حمد لله ربنا سترها وان شاء الله ياخد بإيدها، المهم دلوقتي البت عائشة فين؟ مش شايفاها يعني معاكم؟
تبسم يلتف بجذعه للخلف، ليشير بذقنه الى أحد الزاويا البعيدة يجيبها:
– اهي قاعدة هناك مع ابن عمتك شادي .
– شادي.
انتبهت بالفعل لوجود المذكور، لتستقيم بجسدها عن المقعد الذي كانت تجلس عليه في استعداد للتحرك نحوه:
– ودا من امتى هنا؟
– من يجي نص ساعة، سأل عليكي ولما عرف انك مش موجودة اضطر يستناكي.
– يا نهار ابيض طب مش تقول من الصبح .
قالتها بحرج لتتوجه نحوه مباشرة، والذي ما ان انتبه اليه نهض يستقبل مصافحتها:
– شادي باشا مشرفنا، المحل نور بحضورك. يا عم.
تبسم يتلقى مجاملتها بمودة:
– المحل نور بأصحابه، ربنا يجعلها عتبة خير ، انا شايف ان البداية مبشرة.
– بجد عجبك؟
سألته بلهفة، ليسارع بطمأنتها وعيناه تدور في الأجواء:
– بسم الله ماشاء الله، حاجة تفرح، وانا مش بقول كدة مجاملة على فكرة.
– ربنا يطمن قلبك
تمتمت بها بارتياح، لتنضم للجلوس معه ومع عائشة التي سارعت بسؤالها
– طمنيني على نوجة، عاملة ايه دلوقتى؟ انا كان نفسي اجي المستشفى، بس محدش فيهم رضي يوصلني من اخواتك.
قالتها بحنق طفولي اثار ابتسامة بثغر شقيقتها، وانتباه شادي الذي ضاقت عيناه بتساؤول:
– نوجة دي….. الهانم اللى حضرت الافتتاح، صح ولا انا غلطان؟
اومأت رأسها بموافقة ليتابع باستدراك:
– ووالدة…..!
توقف بمغزى فهمت عليه، لتتوجه نحو شقيقتها تخاطبها:
– نجوان هانم روحت بيتها وهي زي الفل دلوقتي، استني بس على ما تصحى من نومها وليكي عليا اتصلك بيها تكلميها بنفسك، مبسوطة يا ستي؟
– مبسوطة اوي.
تلقفت عائشة ردها بحماس، لتصرفها شقيقتها بعد ذلك وتختلي هي بالجلوس مع ابن عمتها، حتى يتمكن من الحديث معها براحة.
– انا قومت عائشة عشان عارفاك، وحاسة ان عندك كلام عايز تقوله.
تنهد بضيق يستجيب لمصارحتها:
– صح يا بهجة مع اني كنت جايلك في موضوع تاني يخصني بس بصراحة في حاجات تجبر الواحد انه يعترض، انا مش فاهم انتي ازاي قابلة تشتغلي عند والدته جليسة وفي نفس الوقت تبقي مراته، هو قابلها ، انتي راضية ازاي؟
تقبلت نقده بصدر رحب، لتجيبه؟
– هو مش قابل، انا اللي مُصرة، لأني بحبها، بحبها اوي، بالظبط زي عائشة كدة اللي متعلقة بيها .
زفر بتعب سائلًا لها:
– طب وبعدين؟ اخرتها ايه يا بهجة؟ الوضع ده لا يمكن يستمر على كدة.
– ما هو مش هيستمر اصلاً
كادت ان تبوح بها امامه ولكن امسكت لسانها لتجيد الرد عليه بالتهرب وبابتسامة تتصنعها:
– يا سيدي سيبها على الله، محدش عارف بكرة كاتب ايه؟ المهم خلينا في موضوعك انت؟ هي مراتك عاملة ايه الاول؟
تبسم معجبًا بمراوغتها:
– وبقيتي تعرفي تحوري كمان يا بهجة، ع العموم ماشي يا ستي مش هزنق عليكي، ولو ع الموضوع اللي عايزك فيه، فهو مرتبط بسؤالك عن مراتي .
– مالها مراتك؟
اعتلى تعابيره اضطراب واضح ليحسم بقوله:
– عايزة اكلمك عن حاجة حساسة يا بهجة، يمكن الاقي عندك حل، بس قبل ما انطق بحرف طالب السرية منك.
رددت على الفور بقلق انتقل اليها:
– سرك في بير طبعا يا بن عمتي، اتكلم وانا اكيد هفهمك ان شاء الله.
❈-❈-❈
– انا جيت يا عم الشيخ
صدح صوتها في داخل الغرفة التي تمتليء برائحة البخور الكثيفة، بعدما لبت دعوته وأتت بالفعل في ذلك اليوم الذي كانت تظنه إجازة، ولكنها اكتشفت غير ذلك ، حينما رأت عدد قليل جدا من الزبائن، يبدو ان لهم وضع خاص مع الرجل ليستثنيهم في هذا اليوم مثلها.
حتى انها انتظرت دورها لتدخل اليه الاَن وتلقي التحية، فيلتف اليه برزانته المعهودة يشير الى المقعد المقابل له كي تجلس عليه دون صوت،
أذعنت بطاعة تجلس مكان ما اشار اليها، بلهفة اعتلت ملامحها، تطالبه على الفور بعدم الصبر الذي يميزها به:
– هاا يا شيخ، حضرتلي المطلوب، انا مش عايزة اعوق عشان بقوا يزنقو عليها .
تبسم يمسح بأصابعه على اللحية الطويلة مرددًا:
– يا سلام عليكي يا سامية، مفيش فايدة فيكي، الاستعجال عندك حاجة غريبة
ابتلعت ريقها بيأس مرددة:
– خلاص يا سيدنا مش هستعجل، هسكت واستنى اهو .
عاد لابتسامته الغريبة لينهض مسمتعًا بطاعتها، فيغير جلسته، منتقلا الى الكرسي الاقرب اليها، ثم فتح كفه يده نحوها يأمرها:
– هاتي ايدك كدة يا سامية.
اذعنت بتردد تعطيها كفها ليقبض عليها داخل يده ثم رفع الأخرى ممسكًا بقلم ليدون بها على ظهر كفها عدد من العلامات التي لم تفهمها لتسأل بعدم فهم :
– اي ده يا سيدنا؟
رفع رأسه اليها قائلًا:
– مش انتي نفذتي كل اللي المكتوب في الورقة اللي عطيتهالك مبروكة المرة اللي فاتت ولا نقصتي منها حاجة؟
اجابت على الفور:
– كل والله يا سيدنا، ما نقصت ولا حاجة منهم.
بابتسامة جانبية ردد خلفها :
– خلاص يا سامية، يبقى الدور عليا انا دلوقتي، سيبني اكمل، ولا انتي عايزة توقفي؟
ورغم تعجبها الشديد لهذه العلامات الغير مفهومة، إلا ان الإجابة صدرت منها بالموافقة وبدون ان تشعر:
– كمل يا سيدنا.
❈-❈-❈
– يا نهار اسود عمل.
تمتمت بها بجزع وبصوت واضح خرج على غير ارداتها، ليسارع هو الى تنبيهها:
– وطي صوتك يا بهجة، انا كنت منبه عليكي من الاول بإيه بس؟
ابتعلت تتذكر تحذيره، لتخفض صوتها في التعبير عن صدمتها:
– متأخذنيش يا شادي، بس انا اتخضيت والله.
ردد بسخرية من خلفها:
– انتي اتخضيتي من مجرد السمع، امال انا ومراتي نعمل ايه؟ دا احنا شوفنا الويل يا بهجة، من اول ما العمل الشيطاني اشتغل علينا، ولحد ما لقيناه بالصدفة، اقسم بالله مسكته في ايدي ومكنتش مصدق، ولا مستوعب ان حاجة زي دي تحصل معايا انا واهل بيتي ، انا راجل ماشي في حالي اذيت مين عشان يردلي كدة؟ حسبي الله ونعم الوكيل.
ردد بها بحرقة شعرت بها لتسأله بفضول:
– طب وعرفتو تتصرفو ازاي بعد ما اكتشفتوه؟
– جيبنا شيخ ازهر يا بهجة، راجل مشهور عنه السمعة الكويسة والقوة، هو اللي ادانا التعليمات نتصرف ازاي معاه وساهم في علاج مراتي بالقرآن.
– طب وصبا عاملة ايه دلوقتي؟
– لو هنقارنيها بحالتها من اسبوع ، يبقى فرق السما من الارض، الحمد لله على كل حال، بس انا مش هسكت يا بهجة عن اللي عمل معايا كدة، ولازم اكشفه واخليه عبرة، المهم اعرفه، وعشان كدة شددت على الجماعة محدش فيهم ينطق بحرف؛
– طب انت شاكك في حد؟
ظهرت الإجابة بوضوح تعتلي ملامحه، في الرد عليها:
– بصراحة اه، اصلها واحدة بس اللي كانت بتدخل في غيابي انا ومراتي عن البيت غير اختي رحمة، ودي طبعًا بعيدة عن الشك.
– مين؟
– سامية بنت عمك.
توقع المفاجأة، توقع اعتراض منها، توقع دفاع عنها، اي شيء غير هذا البرود في تلقيها الشك منه في اقرب الناس اليها بصلة الدم، مما زاد من شكه:
– بهجة هو انتي كنتي عارفة ان البنت دي ماشية في الكلام ده؟
رغم عدم رغبتها في البوح، إلا ان اضطرت للإجابة تفصح عن السر الذي تحفظه بقلبها، علًه يأخذ احتياطه كما فعلت.
– انا معرفش سامية تعمل كدة ولا لأ يا شادي، لكني مستبعدتش عشان والدتها هي السبب الرئيسيي لتطفيشنا من البيت، بعد ما اتأكدت، وشوفت بنفسي الدليل، زي اللي انت مسكته في ايدك.
سمع منها ليردد بحرقة:
– يا ولاد ال…….. استغفر الله العظيم يارب، هي الناس دي متتعرفش ربنا، وانتي ازاي متقوليليش؟
– ويعني لو كنت قولتلك كنت هتعمل ايه يا شادي؟ المهم خليك انت في نفسك دلوقتي، والله انا لو بإيدي لاحبس مرات عمي وشيح الشوم اللي بينفذلها، قادر ربنا ينتقم منه.
– هو انتي تعرفيه؟
سألها بتحفز وانتباه شديد، ليجدها تجيبه ببساطة كادت ان تتسب له بأزمة قلبية:
– ما هو مفيش غيره يا شادي، الزفت اللي ساكن في الشارع اللي ورانا، دا راجل مربي سمعته ع النصب والدجل ولاقي من امثال مرات عمي كتيرر.
ظل لمدة من الوقت يطالعها بصمت وفقط، يكبح لسانه ع الانفعال عليها، لا يصدق الهدوء الذي تتحدث به في امر كهذا، شيء بمثل تلك الإهمية لا يقبل ابدا التهاون به، ليعود لعقله مقررًا بداخله التصرف بعمليه، ممسكا بهاتفه:
– قوليلي اسمه بالكامل يا بهجة بدل ما اتشل منك
طالعته يأتي بأحد الارقام يتصل عليها، لتسأله بعدم تركيز:
– طب وانت مالك بإسمه، وبتتصل بمين اساسا؟
لوح بقبضته امامها يضغط عليها بشدة، ثم يخبرها حتى تكف عن الجدال:
– هتصل بواحد معرفة في الداخلية، يخلص تاري بالقبض ع الراجل النصاب دا وفورًا، اما عن مرات خالي وبنتها فدول ملهمش دخلة عندي تاني، اللي يمشي في الكلام ده، حتى الكلام معايا متحرم عليه .
❈-❈-❈
مسطحة على الارض امامه، مستسلمة استسلام تام اليه، وهو يتابع بكتابة الأحرف الشيطانية على بشرتها ، والتي غيبتها عن الواقع واصبحت في عالم اخر لا تعلمه
كان قد انتهى من ذراعيها والجزء الاعلى من جيدها، يواصل على ساقها بتركيز تام، رغم تشتيته احيانا من أفعالها،
وقد اشتعلت بها الرغبة تمسح بكفيها وتناظره باستجداء، ليتبسم لها بتسلية:
– حاضر يا سامية هريحك خالص، بس نخلص بقى عشان منبوظش الشغل، ويبقى ارتباطنا للأبد .
وهذا ما كان برأسه ان تصبح ملك طاعته، حتى لو نفذ اليها رغبتها، يساعده جهلها على ذلك، هي وغيرها، هو لم يذهب اليهم، هم من أتو اليه، إذن فعليهم بدفع الثمن ، بوعيهم او بدون، في كل الحالات واحد، الم يعرفون من البداية هو مع من يتعامل؟!
وصل لأسماعه فجأة بعض الاصوات الغريبة من خارج الغرفة، وقبل ان ينهض ليستكشف الامر وجد الباب يدفع بعنف للداخل، ويدلف عدد من رجال الامن، فصدر التعليق باستغراب من اولهم:
– انت بتهبب ايه يا بني أدم انت؟
❈-❈-❈
مساءً
وحينما وضعت رأسها على الوسادة من اجل النوم، نظرت بهاتفها الذي اهملته عن عمد منذ عودتها من هناك، حتى لا تشغل بالها، او يحركها احساس الذنب كما حدث الاَن وقد رق قلبها لسماع صوته عبر الهاتف، تبًا.
اصبحت تعرف بنوبة غضبه ساعة التجاهل، ولكنها ايضًا لم تغفر له حتى الاَن موقف الصباح، إهدار كرامتها من قبل هذه المرأة المتعجرقة واهانتها امامه.
تعرف انها لا تملك الحق في عتابه بفضل هذا الاتفاق اللعين ولكنها ايضًا لا تستطيع التجاهل او التغاضي، نفسها العزيزة والتي كانت سبب بلاءها في الماضي، حينما وقفت امام عمها والمدعو زوجها على الورق، للقبول بربع حقها من ميراث والدها .
هي ايضًا ما تمنعها الاَن من الرد عليه، او ادعاء شيء من المصالحة لا تستطيع الشعور به، أذن فليحدث ما يحدث.
عند خاطرها الاخيرة، ابعدت الهاتف الصامت منذ ساعات، لتضعه على الكمود في الناحية البعيدة عن نومها، تغطي عليه بإحدى الوسادات الصغيرة حتى لا يزعجها اضاءة الهاتف بورود المكالمات التي لا تتوقف.
فتعتدل بجانبها بعيدًا عن جهته وتشد الغطاء حتى رأسها، ولتنعم بنوم هانئ قريرة العينين
❈-❈-❈
وفي الجهة الأخرى، كان هو كالموقد سريع الاشتعال، لا يكف عن محاولات الاتصال بها للمرة التي لم يعد يذكرها بعد ، بغيظ شديد، يضغط على الشاشة التي تأذت بعض الشيء لعنفه، وهو يردد بالسباب، وبرغبة قوية لتعنيفها ردًا على هذا التجاهل، من هي لتتحداه؟ لابد ان يعاقبها حتى لا تفعلها مرة اخرى، ولكن كيف يفعل وهي لا تستجيب حتى على رد الرسائل .
زمجر بغضبه يلقي الهاتف بطول ذراعه، ثم ينهض عن التخت الذي يتقلب عليه منذ اكثر من ساعة بدون أدنى فائدة للنوم، وقد طار منه النوم والراحة بسببها.
كم ود لو يملك السلطة الاَن لدفع باب منزلهم وسحبها من شعرها وبداخل غرفتها، لتذعن بالاسف امامه قبل ان يقرر بعقابها، ولكن كيف يفعل؟
شد بأصابعه على شعر رأسه للخلف حتى كاد ان يخلعه من منبته، هذه اول مرة يقابل بهذا التجاهل، لقد كان غرضه من البداية استرضائها، ولكن بفعلها ذلك حولت كل طاقته نحوها للعكس،
ليضرب بكفه على ذراع المقعد متمتمًا بوعيد:
– ماشي يا بهجة ماشي، انا ان ما كنت اربيكي ع الحركة دي ما بقاش انا .
اغمض عينياه قليلًا يتذكر معناته منذ قليل مع النوم ، بفضل التفكير بها وقد احتلت رأسه، ليدفع تلك الاباجورة ذات الاضاءة الخافتة بيده على الارض بعنف مردفًا بحديث نفسه :
– لكن انام ازاي دلوقتي انا؟ انام ازاي؟
❈-❈-❈
في اليوم التالي صباحًا
وقد استيقظ مؤخرًا عن ميعاده اليومي، بفضل التفكير الذي استولى على معظم ليلته بالأمس، حتى انه حاول استغلال الوقت بالعمل، ولكن بفضل ضياع التركيز منه، لم يستفيد بشيء
فلم يطال النوم سوى قرابة الفجر لينال منه تعب السهر ، فيأتي الاَن الى مقر عمله متأخرًا في سابقة لا تحدث ابدا سوى بالانشغال بأعمال اخرى،
بملامح مكفهرة، اَثار السهر وضحت جليًا عليها، ليدفع باب المصعد بعنف، ثم يغادر بخطواته السريعة منه نحو الجهة التي لم يمر بها إلا نادرًا، فيتحرك متوجها مباشرة نحو مكتب الأرشيف والذي ما ان طل بمدخله حتى اثار الرهبة بقلب الرجل العجوز والذي كان اولهم في الانتباه عليه، ثم ردد يستقبله، امام دهشة الجميع وزهولهم:
– رياض بيه! اهلا اهلا يا فندم نورت المكتب.
دلف بخطوتين داخل الغرفة، موزعًا ابصاره على الجميع ثم توقفت عليها بنظرة واضحة، لتستدرك لجلوسها وحيدة خلف مكتبها الصغير، وقد وقف الثلاثة الباقين احترامًا له ورهبة، فتضطر بارتباك شديد، تجبر اقدامها التي تيبست من الصدمة للوقوف مطرقة رأسها امامه، شاعرة بنصل سهام عينيه تخترقها، رغم محاولات الثبات التي يدعيها مخاطبًا الرجل:
– اهلا يا عبد الفضيل، ايه الاخبار؟
جاء رد الرجل سريعًا بقلق:
– الاخبار فل وعال العال يا فندم، والشغل ماشي زي الساعة، بس دي اول مرة تشرفنا حضرتك، في حاجة.
تبسم بخفة يجيبه باقتضاب لم يريح الرجل:
– مفيش أي حاجة يا عبد الفضيل اطمن.
توقف ينقل بطرف عيناه نحوها يلقي امره اليها :
– تعالي ورايا يا بهجة عايزك .
قالها ثم التف بقدميه للخارج، بدون أدنى تفسير مما اجبر الجميع على التساؤول حتى عبد الفضيل الرجل المسالم:
– بهجة، هو انتي عملتي ايه؟ عشان الراجل يجي يطلبك بنفسه؟
– ودا يعرف اسمها منين اساسًا ولا صفتها؟
قالتها احد المرأتين من زميلاتها، لتضيف عليها الأخرى بقلق:
– دا شكله ميطمنش يا بهجة، اوعي تكوني غلطتي يا منيلة تخسري وظيفتك
كتمت زفرتها تسارع في التوضيح لهم وهي تتحرك للذهاب:
– يا جماعة لا كدة ولا كدة، انا بشتغل عند الست والدته اصلا، تلاقيه بس هيسألني عنها.
قالتها وهي تسارع بخطواتها للخروج حتى تتجنب المزيد من الاسئلة والتي ازدادت اشتعالا بخروجها.
❈-❈-❈
أما عنها، فقد اصطدمت ابصارها به فور خروجها من الغرفة، تتفاجأ بوقفته متحفزًا وهذه الحدة التي تطل من عينيه نحوها، غير ابهًا بفضول الموظفين بالنظر اليه، ولا بهيئته المتجهمة
ليغمرها التوتر الشديد وهي تقترب منه، قائلة بأدب جم :
– افندم حضرتك.
عض على شفته بغيظ شديد، يحجم نفسه عن افعال كثيرة يود التعبير بها عما يكتنفه نحوها، حتى وصلها صوت انفاسه الخشنة ليأمرها كازًا على اسنانه:
– ورايا ع المكتب حالًا.
تمتم بها ثم استدار بقدميه يسبقها بتغطرس وكبرياء، جعلها تغمغم بسخرية من خلفه:
– وكان لزمتها ايه الوقفة بقى؟ فاكر نفسه هيخوفني؟
سحبت شهقيًا طويلا تتبعه، ثم تجسر نفسها بالدعاء.:
– انت المعين يارب.
❈-❈-❈
انتبهت لورا على قدومه لتنتفض واققة باحترام في استقباله:
– صباح الخير يا رياض باشا.
– صباح النور، بهجة جاية دلوقتي حالًا، خليها تدخل ورايا على طول.
قالها على عجالة قبل ان يفتح باب مكتبه، ويختفي بداخله، فتتسمر هي بعدم استيعاب:
– بهجة مين؟ هو انا سمعت صح؟
– بهجة انا.
انتبهت لورا لصاحبة الصوت، تجدها امامها، وبابتسامة صفراء لها:
– معلش يا لورا مضطرة ادخل على طول ، اصل رياض باشا طالبني حالًا.
بذهول تام، تطلعت الاخيرة في اثرها، غير قادرة على منعها، لتتركها، تتجه نحو الغرفة وتفتح بابها، وكأنها داخل منزلها، ثم تدلف اليه، لتسقط هي على كرسيها بقهر تشعر به:
– يا بت ال…….
❈-❈-❈
أما بداخل الغرفة
وفور ان ولجت اليه، ذهبت الشجاعة ادراج الرياح، وذلك الاستخفاف الذي اتخذته منهجًا منذ الأمس في التعامل معه، ليحل محلهم الخوف والرهبة.
وقد تمثل امامها كطاقة من الشر لابد من الحرص والحذر التام في التعامل معها، العروق النافرة ، وهذه الملامح المشتدة، وعيناه….. تبًا، منذ متى كانت حمراء؟
ليقترب نحوها ببطء فهد بري في التعامل مع فريسته ، قائلا بهدوء ما يسبق العاصفة:
– بتصل عليكي من امبارح فوق المية مرة، وانتي تتجاهليني يا بهجة ومتعبرينيش.
حاولت ابتلاع رمقها الذي جف في حضرته، لتدعي زيفًا برأئتها:
– انااا يا رياض؟ ازاي بس؟
حينما برقت عينيه بخطر نحوها، وازدادت ملامحه قتامة، استدركت على الفور لضعف موقفها، لتسارع على الفور بالتوضيح:
– انا اصلي ما شوفتش الرنات، روحت ع البيت وكنت هلكانه من تعب، يدوب أكلت لقمة سريعة مع اخواتي في الكافيه،… وبعدها مشيت ع البيت على طول، حتى نسيت التليفون في الكافيه، والصبح قومت ع الشغل، ما شوفتش الرنات غير قبل ما تدخل عليا تناديني بالظبط.
مواصلا تحقيقه، يجاري كذبتها؛
– والتليفون بقى فضل قاعد في الكافيه؟ وانتي مسألتيش تاني عنه؟ ولا حد من اخواتك نبهك على اتصالي بيكي يجي خمسمية مرة .
– هما مش كانو مية من شوية
قالتها بداخلها قبل ان تلحق بباقي تبريرها:
– التليفون كان معمول صامت ، دا غير اني مسجلالك من غير اسم، هيعرفوا ازاي ان انت اللي بتتصل؟……
شهقت بصرخة كتمتها على الفور حتى لا يخرج صوتها ، وقد باغتها فجأة يقبض على ساعديها، ضاغطًا:
– بلاش تحوري وتلعبى معايا يا بهجة، الحركة اللي اتعلمت امبارح دي لا يمكن اعديهالك، سمعاني؟
اصابها الفزع حتى ندمت بداخلها على الاستهتار بغضبه، ولكنها كانت معذورة، لينهار تماسكها امام حدته:
– براحة يا رياض، دراعي هيتخلع منك .
رق قلبه لضعفها ولكن حريق صدره كان اقوى من أي شيء، ليستمر بضغطه، حتى سالت دموعها امام عينيه، لترتخي ذراعيه عنها، وتتلف حولها في ضمة قوية يهددها بصوت خشن، يدعي الحزم:
– بس بقى بلاش عياط ، عشان انتي اللي استفزتيني أصلًا:
ظلت على وضعها للحظات، يمسح على ظهرها وراسها حتى استكانت قليلًا، وقد شدد ذراعه حولها، ونسي الوضع والمكان، عكسها هي، وقد استدركت سريعًا،
لتسحب نفسها من ضمته اليها بهدوء، وتبعد ذراعيه عنها، فعقب هو باندهاش:
– في ايه؟
جاء ردها برسمية تذكره:
– ميصحش حضرتك، لو حد دخل علينا المكتب كدة فجأة هيقول ايه؟ انا لازم احسب حساب لسمعتي برضو.
– سمعتك!
– ايوة سمعتي، مش كفاية اسئلة الزملا ليا في المكتب قبل ما اجيلك، اللحق بقى اخلقلهم قصة يمكن يقتنعوا، عن اذنك بقى.
قالتها وتحركت ذاهبة ليوقفها بحدته:
– استني هنا هتبرري لمين؟ وهما مالهم اصلا، ثم انا كمان ملحقتش اقعد معاكي.
ردت بوداعة ويدها حطت على مقبض الباب:
– الكلام دا تقولو انت حضرتك، لكن انا ملزمة اني اخاف على صورتي قدام الناس، عن اذنك بقى عشان لو اتأخرت اكتر من كدة كمان، برضو الكلام هيكتر اكتر. سلام .
❈-❈-❈
انتهت اسراء من اعداد عبوة الحليب لاطعام طفلها ، واتجهت نحو الشرفة، حيث تركته مع والده، لتتوقف امام مشهدهم.
زوجها الذي كانت تعده فاقد الاحساس والشعور، يضم طفله اليه بحنو، يهدده برقة بالغة، ربما تأثرا بمرضه، ولكنه يفعل، ليتها لمست هذا الجزء به منذ البداية، تعرف انه لم يكن سيئًا، ولكنه كان ضعيف الشخصية امام والديه، وحين اراد التمرد؛ بدأ بها ، ولكنه عاد الاَن وهذا هو المهم.
– نام الواد؟
توجهت بالسؤال كي يلتف اليها، ليؤميء لها بعيناه كي لا يصدر صوتًا ويزعجه،
– وانا اللي حضرتله الرضعة، ياللا بقى .
تمتمت بها، لتضع عبوة الحليب على الطاولة، ثم تتقدم بهدوء وتتناوله منه بخفة، فاقترب وجهها منه حتى كادت ان تصطدم انفها بذقنه، لولا انتباهها،
لتلتقي عيناها بخاصتيه، يطالعها بنظرة ما لاول مرة تجدها منه، حتى نزلت عيناه على باقي تفاصيل وجهها ، ثم تتوقف على ثغرها، وقد اختلطت انفاسه بأنفاسها، بلحظة لم تكن متعمدة منها او منه.
ولكن يبدو أنها قد أتت بأثرها عليه، ليقترب منها، ودنى امام صمتها وربما توقها لذلك، وما كادت ان تعانق شفتيه شفتيها، حتى انتفضا الاثنان على صوت صراخ يأتي من الأسفل، بالتحديد من منزل والديه.
نهض كي يرهف السمع من الشرفة ليتأكد من صح ظنه ، فيردد بجزع:
– الصوت جاي من تحت ، شكل البت سامية والواد سامر شابطين في بعض، بس دي بتصرخ صريخ جامد ، دا هيخلص عليها دا ولا ايه؟
– انا رايح اشوفهم الحيوانات دول هيجبولنا الفضايح.
قالها وتحرك ذاهبًا من امامها، لتتابع اثره حتى خرج يصفق الباب من خلفه، ثم يصلها صوت ركضه على الدرج، فيخرج صوتها اخيرا بإحباط:
– يعني هما حبكت يتخانقوا دلوقتي؟ …. جات الحزينة تفرح.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية حان الوصال)