روايات

رواية ميثاق الحرب والغفران الفصل الرابع والأربعون 44 بقلم ندى محمود توفيق

رواية ميثاق الحرب والغفران الفصل الرابع والأربعون 44 بقلم ندى محمود توفيق

رواية ميثاق الحرب والغفران البارت الرابع والأربعون

رواية ميثاق الحرب والغفران الجزء الرابع والأربعون

ميثاق الحرب والغفران
ميثاق الحرب والغفران

رواية ميثاق الحرب والغفران الحلقة الرابعة والأربعون

بتمام الساعة الثانية بعد منتصف الليل…
فتحت آسيا عيناها مستيقظة من النوم عندما وضعت يدها بجانبها على الفراش وشعرت بالفراغ، رفعت رأسها عن الوسادة وتلفتت حولها تبحث عنه باستغراب، انتفضت مفزوعة عندما رأته يجلس في الظلام على الأريكة المقابلة للفراش ويراقبها بنظرات مخيفة، باللحظة الأولى ظنته شبح لكن عندما دققت النظر به تنفست الصعداء براحة واعتدلت في نومها وهي تمد يدها لزر الكهرباء تشعل الضوء وهي تهتف له برقة:
_إيه ياعمران قاعد إكده ليه وقفت قلبي من الخضة!
لم يجيبها واستمر في تحديقه المريب لها، مما جعلها تغضن حاجبيها بحيرة وقلق، واستمرت هذه اللحظات المرعبة لوقت حتى سمعته أخيرًا يهتف بغضب:
_كنتي عارفة من امتى؟
ضيقت عيناها بتعجب وراحت تسأله بعدم فهم:
_عارفة إيه؟!
عمران بنظرة مميتة:
_أن أبويا متچوز يا آسيا وأنتي مخبية عني
ازدردت ريقها بتوتر بسيط ثم سألته باستغراب:
_أنت مين قالك؟
أظلمت عيناه وبدأت بشائر غضبه المرعب تظهر حيث صرخ بها منفعلًا:
_أنا سألتك سؤال ومستني إجابة مش بتردي عليا بسؤال
أطرقت رأسها أيضًا وهي تتنهد بقلة حيلة وتجيبه في خفوت:
_من فترة قريبة جدًا لما كنا بنروح للمستشفى للدكتور عرفت هناك
استقام واقفًا واندفع نحوها يسألها بسخط شديد:
_ولما عرفتي حاچة زي دي متقوليش كيف ولا كان في دماغك حاچة عاوزة تعمليها وعشان إكده خبيتي عني
أخذت نفسًا عميقًا محاولة الصمود أمام انفعالاته المرعبة وأجابته بهدوء مزيف:
_أيوة كان عندي أسبابي وعشان إكده مقولتلكش
ضحك ساخرًا في غضب هادر ثم صاح بعصبية:
_وهي إيه أسبابك؟.. أنتي مصممة تهدي كل حاچة بينا.. رغم كل اللي عملتيه وبتعمليه ولساتني بسامحك وبعديلك لكن أنتي مبتتعلميش من غلطك، لما حاچة زي دي متقوليش عليها يبقى إيه تاني
هبت واقفة من الفراش وصرخت به بانفعال مثله:
_وهتفرق بإيه حتى لو قولتلك.. ما أنا ياما قولتلك أن أبوك هو اللي قتل أبوي وأنت مصدقتنيش.. دلوك لما تعرف أنه اتچوز على أمك للمرة التالتة هتصدقني، ولا أنت بتصدق اللي على مزاچك ياعمران
صر على أسنانه مغتاظًا وهو يرد عليها بلهجة حادة:
_وطي حسك وأنتي بتكلميني
هتفت بعناد وقوة تليق بها دون أن تمتثل لأوامره بإخفاض نبرتها المرتفعة:
_مش معنى أنك چوزي وبحبك هبقى هنسى حق أبوي ولا هتنازل عنه.. أبوك قاتل وهياخد جزائه في الدنيا والآخرة
قبض على ذراعها بقوة لكي يمنعها من استرسال حديثها:
_الكلام ده تقوليه لما يكون معاكي دليل لكن أنا مش هروح اتهم أبوي عشان خاطر كلام فارغ كيف اللي بتقوليه ده
ابتسمت له بسخرية ثم دفعت يده بعيدًا عنها بقوة وهي تحدق في عيناه بثقة وتهتف:
_ولو قولتلك أني سمعته بودني وهو بيتكلم مع عفاف وبيقول أن هو اللي قتله ومرته الجديدة سمعته كمان.. ده مش دليل بنسبالك
ارتخت عضلات وجهه المتشنجة وهو يغضن حاجبيه بتعجب امتزج بدهشته وهو يسألها:
_سمعتيه كيف وكان بيقول إيه؟!
عقدت آسيا ذراعيها أسفل صدرها وتطلعت في وجهه بحدة تقول:
_كان بيتكلم مع عفاف اللي هي أصلًا اللي وزته على قتل أبوي وكانوا بيحاولوا يلاقوا حل مع بعض عشان محدش يعرف باللي عمله.. ورغم إكده أنا لما سمعته قولت يمكن أنا اكون فاهمة غلط واستنيت عشان اتأكد ودلوك اتأكدت لما مرته الجديدة قالتلي أنها سمعته وكان بيتكلم مع أمك وبيهددها أنها متقولش لحد يعني حتى أمك عارفة
رأت السكون الغريب يستحوذ عليه وهو يطالعها في دهشة تمتزج بنظرات الاستياء في عيناه، فتابعت هي بقهر وغضب:
_أبوك شيطان ومتمثل في صورة ملاك.. أنا بحبك ياعمران بس لما يكون الموضوع حق أبوي سامحني أنا مش هكون في صفك
أنهت عباراتها وابتعدت عنه تتجه لخارج الغرفة وتتركه بمفرده يفكر فيما قالته.. مازال لم يستوعب حقيقة زواج أبيه للمرة الثالثة حتى اصطدم بجدار صلب عن حقيقة قتله “لخليل صفوان” ، والآن يجد نفسه عالقًا بالمنتصف.. هل يصدق زوجته أم يرفض رؤية والده على حقيقته ويستمر في الإنكار؟!.
***
بعد مرور ساعة تقريبًا عادت آسيا للغرفة مجددًا، لكنه لم يكن موجودًا فضيقت عيناها باستغراب وقبل أن تستدير وتغادر الغرفة بحثًا عنه سقط نظرها على هاتفه وهو فوق الفراش، تجمدت مكانها لبرهة من الوقت تفكر بشجارهم معًا منذ قليل محاولة تخمين هوية الشخص الذي أخبره، ولم يقذف لعقلها سوى شخص واحد فاندفعت بسرعة دون تفكير تلتقط هاتفه تفتش في قائمة الاتصالات فوجدت آخر مكالمة كانت لبشار، هزت رأسها بالنفي فمن المستحيل أن يكون بشار هو من أخبره، راحت تكمل بحث في الهاتف محاولة العثور على أي شيء يساعدها في معرفة هوية الشخص الذي يحاول التفريق بينهم، بمحض الصدفة ضغطت دون وعي على الرسائل وبينما كانت على وشك الخروج منها توقفت مندهشة عندما رأت الرسالة الأولى ثم قامت بفتحها وبدأت تقرأها بنظرات مشتعلة.
تركت هاتفه وجذبت هاتفها بسرعة ثم فتحت قائمة الاتصالات وأخرجت رقم داليا وراحت تقارنه بالرقم الذي ارسل الرسالة لزوجها فوجدته نفس الرقم، أظلمت عيناها وهي تجز على أسنانها مغتاظة وتتوعد لها بعقاب عسير.
اعادت هاتف عمران لمكانه وتركت هاتفها أيضًا ثم خرجت من الغرفة وتحركت باتجاه غرفة مكتبه الخاصة، فتحت الباب ببطء شديد وأدخلت رأسها أولًا تلقي نظرة عليه قرأته جالسًا فوق الأريكة ساكنًا تمامًا ويحدق في الفراغ أمامه بأعين غاضبة، كان ثباته الخارجي يعكس ثورانه الداخلي رغم أنها لا تراه لكن تشعر به جيدًا.
تنهدت الصعداء بعبوس وندم ثم تحركت ودخلت لتقترب منه وتجلس بجواره، لم يلتفت لها أبدًا كأنه لا يراها بينما هي فمدت يدها الناعمة تمسك بكفه تهمس في أسف حقيقي:
_حقك عليا ياعمران يمكن أنت عندك حق وأنا مكنش ينفع أخبي عنك
خرج صوته الرجولي الغليظ وهو يجيبها ساخرًا:
_يمكن!!!
انزوت نظرها أرضًا وهي تزفر بضيق ثم رفعت رأسها له مجددًا وابتسمت بحب لتقترب منها وتطبع قبلة دافئة فوق وجنته وتتعلق بذراعه تضع رأسها فوق كتفه متمتمة:
_أنا آسفة
رمقها بطرف عيناه وهي واضعة رأسها فوق كتفه ومتشبثة به كأنه طوق نجاتها ليتأفف بخنق وقلة حيلة ويسألها بنبرة هدأت حدتها:
_عرفتي كيف وشوفتيها وين مراته؟
أجابته بخفوت دون أن تبتعد عنه:
_في المستشفى البنت الصغيرة اللي كانت قاعدة معايا وكانت تايهة من أمها بنتها
رفعت رأسها قليلًا عن كتفه تنظر لتعبيرات وجهه فرأت الدهشة واستطاعت قراءة أفكاره متوقعة أنه يقول الآن كانت تلك الفتاة الصغيرة أخته وهي رغم ذلك لم تخبره، فهتفت بسرعة تصحح له خطأ أفكاره:
_بس وقتها أنا مكنتش اعرف كنت شاكة بس ولما روحنا المستشفى تاني بعدين وشوفت مرات أبوك اتأكدت لما سمعتها بتكلمه في التلفون
وجدته يرفع يده لوجهه يمسح عليه بقوة وهو يتأفف في غضب شديد ملحوظ عليه، ثم استقام واقفًا وراح يتجه نحو النافذة يقف أمامها وهو مازال يمسح على لحيته ويشدها بعنف محاولًا تمالك انفعالاته قدر الإمكان لكنه لم يستطع حيث صاح منفعلًا:
_ناقصه إيه عشان يتچوز تالت مش مكفيه اتنين!.. مبقتش عارف اشيل هم چوازه ده ولا افكر في أنه ممكن صُح يكون قتل خليل صفوان
هبت آسيا واقفة واقتربت منه لتقف خلفه مباشرة وترفع كفيها تضعهم فوق كتفيه في دفء متمتمة:
_العصبية والتفكير مش هيفيدك بحاچة.. اقف قصاده وواجهه وشوفه هيقول إيه!
التفت لها بجسده وتطلع في عيناها اللامعة بالدموع ثم وجدها تكمل بقهر وصوت مبحوح:
_خناقة ومشكلة هل كانت تستدعي أنه يقتل صاحبه، أبويا كانت بيعتبره أخوه وبيحبه اكتر من منصور، هو ده جزاء الاحسان يقتله بدم بارد، مكنش يستحق ده والله ياعمران
اشاح بوجهه للجهة الأخرى وهو يمسح على شعره ويتأفف بسخط شديد، ثم عاد بوجهه لها وضمها لصدره بحنو فتشبثت به بقوة وتركت العنان لدموعها في الانهمار بصمت فوق صدره حتى سمعته يقول بلهجة صارمة:
_جهزي نفسك هنرچع بكرا البلد
هزت رأسها بالموافقة له فابعدها عنه برفق واتجه للأريكة مجددًا يجلس عليها، لحظات معدودة وانضمت هي أيضًا له تجلس بجواره صامتة لكن دموعها لم تتوقف عن الانهمار، فتنهد وهو يرمقها بطرف عيناه ثم عاد يفرد ذراعه مجددًا ويلفه حول كتفيها ليضمها لحضنه مقبلًا رأسها بحنو، سكنت بين ذراعيه وأغلقت عينيها تترك نفسها تنعم بدفء حضنه وحنانه الجميل، بينما هو فكان عقله شارد بوالده يفكر في ما الذي يفعله بعد معرفته لكل تلك الحقائق.
***
بصباح اليوم التالي داخل منزل جلال بالعين السخنة…..
فتح عيناه بخمول عندما شعر بالألم في ذراعه فانخفض بنظره وجودها نائمة بين احضانه ورأسها فوق ذراعه فابتسم بحب وهو يضحك صامتًا ثم انحنى عليها ولثم جبهتها برقة هامسًا لها في صوت مغرم:
_فريالي
همهمت مجيبة عليه وسط نومها دون أن تبتعد عنه أو تفتح عينها فازدادت بسمته اتساعًا وهو يهتف بخبث:
_لما أنا واحشك للدرچة دي كنتي بتعذبيني وتعذبي روحك ليه
فتحت عيناها دفعة واحدة ورمقته مندهشة لتجيبه في خجل ملحوظ:
_قصدك إيه؟!
لمعت عيناه بوقاحة وغمز لها ضاحكًا:
_أنتي فاهمة قصدي ياحبيبتي
توردت وجنتيها بحمرة شديدة ثم لكمته في كتفه بخفة هاتفة ببسمة تحاول إخفائها:
_بلاش قلة أدب
ثم رفعت رأسها عن ذراعه تهم بالنهوض فوجدته يصدر تأوهًا خفيفًا وهو يحاول تحريك ذراعه من مكانه، فسألته بقلق:
_مالك؟
أجابها ضاحكًا وهو يحرك ذراعه ببطء:
_مش حاسس بدراعي يافريال حرام عليكي
ضيقت عيناها بتعجب وهي تهتف:
_هو أنا أول مرة أنام في حضنك يعني!
اختلس النظر إليها في مكر واجابها بجدية مزيفة متعمدًا إثارة جنونها:
_معرفش شكل الوزن زاد بسبب الحمل
اتسعت عينيها بصدمة وظهر الغضب الممتزج بالحزن وهي ترد:
_أنا تخنت ياچلال!!.. من دلوك مش متحملني وشايفني مبقتش حلوة
فغر شفتيه وعينه مندهشًا، فأمسك بها بسرعة عندما وجدها تهم بالنهوض والمغادرة يقول لها ضاحكًا بحب:
_أنا قولت مش حلوة!!!.. أنتي فسرتي كلامي وچبتيه لده كيف؟!.. بعدين طبيعي وزنك يزيد وأنتي عارف يافريال يعني هو أول حمل ليكي وأنتي في كل الحالات قمر ياروحي
طالعته بطرف عيناها عابسة بعدما لانت ونجح في امتصاص غضبها، وعندما همت بالنهوض مجددًا منعها ثانية وهو يجذبها إليه متمتمًا في خبث ورغبة:
_رايحة وين.. ده أنا ليا شهور محروم منك
ضحكت بخفة ثم رفعت كفها تملس فوق وجنته بلطف متمتمة:
_وهو أنا هروح منك وين يعني ما أنا قاعدة چارك كل يوم.. بس دلوك عاوزة اقوم احضر الفطار عشان العيال
رفع حاجبه بالرفض القاطع وبذراعيه حاوطها بأحكام هاتفًا:
_العيال لساتهم نايمين
تنهدت مغلوبة وهي تبتسم بخجل وتحاول الفرار من بين براثينه متمتمة في دلال:
_چــلال.. وبعدين عاد
رأت عيناه تلمع بعاطفة جيَّاشة وثغره يميل في بسمة مختلفة ثم ينحني عليها ويلثم وجنتها بعدة قبلات متتالية وهو يهمس في صوت مُتيم بالعشق:
_متوحشك قوي
زين وجهها بسمتها الرقيقة معبرة عن سعادتها بتلك المشاعر التي تعود بينهم من جديد، فلفت ذراعيها حول رقبته وعانقته بحرارة متمتمة:
_وأنت كمان ياچلالي
ذاب بين يديها بعدما سمع اسمه المميز من بين شفتيها وأبعدها عنه في لحظة ينحني عليها ينوي إعادة ليلة أمس، لكن صوت الهاتف أفسد اللحظة فتوقف جلال بالمنتصف قبل أن يلمسها وهو يغلق على عيناه مغتاظًا ويشتم بذلك المتصل.
ابتعد عن حبيبته مجبرًا وهو يلتقط الهاتف ينظر لشاشته فيرى اسم جده ينير الشاشة.. غضن حاجبيه باستغراب وأجاب بسرعة في جدية:
_أيوة ياچدي
وصله صوت حمزة الصارم:
_خد مرتك وعيالك ياچلال وارچع البيت
التفت جلال لفريال ثم هب واقفًا من الفراش وابتعد عنها قليلًا يهتف بصوت خشن وقلق:
_خير ياچدي.. في حد حصله حاچة ولا إيه؟!
هتف حمزة بنبرة ممتلئة بالشر والغضب:
_لغاية دلوك لا ياولدي بس هيحُصل
تقوست ملامح جلال للجدية وهو يسأل مجددًا بعدم فهم:
_في إيه ياچدي؟!
أجابه حمزة دون مراوغة ومباشرة:
_ابراهيم الصاوي هو اللي قتل أبوك
لم تصبه الصدمة الحقيقية لكن الغضب ونيران الثأر والوعيد التهبت في ثناياه واستحوذت عليه، سمع جده يكمل باستياء:
_تعالى النهاردة عشان نقعد نفكر ونشوف هنعملوا إيه
لم يجيب جلال على حمزة فقط أنهى الاتصال دون كلام محدقًا أمامه بنظرات نارية وعينان مظلمة، فاستقامت فريال واقتربت منه بخطواتها الهادئة حتى وقفت خلفه وسألته بتعجب:
_إيه اللي حصل ياچلال
سمعت صوته المتحشرج والمريب وهو يلقي عليها تعليمات صارمة:
_لمي الشنط يلا دلوك عشان راچعين البيت
تحركت حتى أصبحت أمامه وتطلعت في قسمات وجهه المخيفة متمتمة بعدم فهم:
_ليه راچعين؟!.. هو احنا لحقنا نقعد عشان نرچع، إيه اللي حُصل قولي حتى؟
صرخ بها منفعلًا دون وعي يأمرها في لهجة غير قابلة للنقاش:
_من غير ليه أنا قولت لمي الشنط وچهزي نفسك أنتي والعيال عشان راچعين دلوك
انتفضت فزعًا على أثر صراخه به، وأخذت تتابعه بقلق وخوف وهي تراه يندفع للخارج ثائرًا، يبدو أن كارثة حدثت فلا تصدق تحوله السريع بلحظة هكذا إلا بسبب شيء خطير…
***
عودة للقاهرة تحديدًا أمام المستشفى….
قادت آسيا خطواتها السريعة والثائرة للداخل وهي عبارة عن جمرة من النيران المشتعلة، تسير بكل قوة وشموخ يليق بها ونظراتها الشريرة ثابتة على هدفها أثناء سيرها في طريقها، هي نزعت رداء الشر والقسوة وأظهرت جانبها الجيد لفترة قصيرة فظنوا أنها ضعيفة لكن الآن حان الوقت لعودة الساحرة الشريرة مرة أخرى وهذه المرة لن تشفق على أحد.
توقفت أخيرًا بالطابق الثاني الذي كانت تقصده ورأت داليا وهي تقف مع الطبيب تتحدث معه عن وضع والدتها الصحي، فابتسمت بعين مرعبة لا تبشر سوى بالجحيم القادم، تقدمت نحوها ووقفت خلفها تتطلعها بشر منتظرة اللحظة التي ستلتفت فيها وتراها، وماهي إلا لحظات معدودة حتى التفتت داليا بتلقائية وشهقت مفزوعة برعب عندما رأت وجه آسيا بتلك النظرات وبسمتها المريبة وهي تسألها بخفوت غريب:
_أخبار الست الوالدة إيه يارب تكون بخير؟
توترت داليا للحظة لكنها أبت أظهاره فوقفت بثبات أمام آسيا تجيبها:
_الحمدلله كويسة.. أنتي جاية هنا ليه؟؛
لمعت عيني آسيا بوميض مخيف ثم قبضت على ذراع داليا بقوة وهي تبتسم لها وتهمس بفحيح أشبه بفحيح الأفعى السامة:
_كل خير.. جاية في الخير، تعالى معايا
جرتها خلفها بقسوة رغم محاولات داليا لإفلات ذراعها من بين قبضتها وانزعاجها وصياحها عليها لكنها لم تعيرها اهتمام حتى وصلا أخيرًا للحمام، تركت آسيا ذراعها وتصنعت الطبيعية عندما رأت أن الحمام به بعض السيدات يقفون إمام المرآة، فابتسمت لهم بلطف حتى رأتهم يتجهون للخارج وفور رحليهم التفتت لداليا تطالعها شزرًا وبحركة مباغتة كانت تدفعها فاصطدمت بالحائط وقبضت على رقبتها تهتف في عينان ملتهبة:
_المرة اللي فاتت كنا إهنه وكنا بنتفق ولو فاكرة إني حذرتك متلعبيش بالنار معايا أنتي لساتك متعرفنيش بس شكلك إكده افتكرتيني برمي كلام واهدد والسلام
احتقن وجه داليا من الدماء بسبب خنقها لها وكانت تحاول التقاط أنفاسها ودفع يد آسيا بعيدًا عنها لكن دون فائدة ولم تتركها إلا بعد وقت وهي تبتسم بعدم رحمة مكملة:
_أنا آسفة بس أنتي اثبتيلي إنك مبتفهميش بالكلام ولازم الفعل عشان يخليكي تدركي أنك وقفتي قصاد الشخص الغلط
صاحت بها داليا منفعلة بارتيعاد وسط سعالها القوي:
_انتي مجنونة عايزة تقتليني.. أنا هنده أمن المستشفى واتصل بالبوليس واسجنك
ضحكت آسيا ساخرة وقبل أن تحاول داليا الهرب جذبتها من ذراعها بعنف وهي تهتف بسخط:
_چيتي لغاية بيتي تطلبي مساعدتي وأنا افتكرت أنك صُح مظلومة وعاوزة تاخدي حقك وكنت ناوية اساعدك.. بس اتضح أن هدفك مكنش بتك ولا حاچة أنتي عاوزة الفلوس وعاوزة تخربي على الكل وتوقعي الكل في بعضه، ومن غبائك أنك بدأتي بيا
صاحت داليا بقلق محلوظ وهي تدفع يد آسيا بعيدًا عنها:
_أنا معملتش حاجة
ابتسمت لها ساخرة وهي تجيبها بثقة:
_معملتيش حاچة بس بعتي رسالة لچوزي هدفك فيها أنك تعملي مشكلة بينا
سكنت داليا ولم تجيب بينما آسيا فاقتربت منها أكثر حتى أصبحت في مواجهة وجهها مباشرة ورمقتها بنظرات مرعبة وصوتها الأنثوي الرقيق تحول ليصبح آخر كله شر ووعيد:
_مكنش في مصلحتك خالص إنك تعاديني، ودلوك السحر انقلب على الساحر واللي حضر الجن يعرف يصرفه وأن معرفش يتحمل أذاه
ألقت عليها نظرة أخيرة قذفت الرعب في قلب داليا ثم تركتها وغادرت وبينما كانت في طريقها لخارج المستشفى سمعت صوت رنين هاتفها، فديت يدها يحقيبتها واخرجته تجيب على زوجها بنبرة طبيعية:
_أيوة ياعمران
عمران بصوت رجولي جاد:
_حضرتي الشنط ولميتي كل حاچة
ابتسمت له بدفء وقالت بإيجاب:
_أيوة ومستنياك كمان أنت وين دلوك
_معايا مشوار سريع هخلصه وهاچي عشان نتحرك علطول
ردت عليه بالموافقة ثم ودعته وأنهت الاتصال لتضع هاتفها في حقيبتها مجددًا وتسرع في خطاها لكي تغادر وتصل للمنزل قبل عودته حتى لا يعرف أنها خرجت دون أذنه…
***
بتمام الساعة العاشرة مساءًا داخل منزل خليل صفوان…….
كان رجال العائلة مجتمعين بغرفة الجلوس الكبيرة يتحدثون، بعكس جلال الذي كان يتابع حديث جده وعمه وهو ساكن بطريقة غريبة.. نظراته كلها غل وشر فصاح بعد برهة من الوقت منفعلًا:
_لا أنا مش هقدر اتحمل اقدر من إكده واسمع حديتكم ده
وثب جلال واقفًا وهم بالاندفاع للخارج ثائرًا لكن منصور لحق به وامسكه قبل أن ينصرف وهو يهتف بعصبية:
_اهدى وفكر زين الأول بلاش تهور تارنا وحق ولدنا هناخده بس مش إكده
صرخ جلال بعمه في عينان مظلمة من فرط الغضب:
_هملني ياعمي أنا مش هرتاح غير لما آخد روحه بيدي
هب حمزة واقفًا وصرخ بجلال منفعلًا:
_چرا إيه ياچلال هو كلامي معدش له لزمة ولا إيه قولت اقعد واهدى اللي خلانا نصبر كل ده على حق ولدي يخلينا نصبر كام يوم كمان لغاية ما نشوف هنتصرف كيف
التفت جلال يتطلع لجده بأعين ساخطة بينما منصور فربت على كتفه وهو يهدأه بنظراته الحازمة، فالتزم جلال الصمت مضطرًا وعاد ليجلس مكانه احترامًا لجده ولكي يكمل سماع حديثه…
بالخارج داخل المطبخ كانت جليلة وفريال معًا وكل منهم ترمق الأخرى بخنق حتى خرج صوت جليلة ساخرة:
_ولدي مبيحبكيش هو رچعلك بس عشان عياله، لو كان بيحبك مكنش اتچوز عليكي
حدقتها فريال بغيظ ملحوظ ثم ردت عليها ببرود مزيف:
_ولو متقوليش أن شيطان لعب في دماغه لغاية ما خلاه يتچوز عليا.. جلال غلط بس أنا عارفة ومتأكدة أن چوزي بيحبني
جليلة بقسوة وكره شديد:
_كان بيحبك متوهميش نفسك بالكلام الفارغ ده يابت ابراهيم
انفعلت فريال بشدة ولم تتمكن من البقاء صامدة أكثر من ذلك أمامها حيث صرخت بها مستاءة:
_أنتي عاوزة إيه بظبط مش ناوية تسيبي ولدك يتهنى مع عياله ويعيش مرتاح.. كان هيروح فيها بسببك انتي والعقربة اللي جوزتهاله ولغاية دلوك لساته معرض للتعب تاني، لكن أنتي مصممة في اللي بتعمليه ومش هامك ولدك ولا بتفكري فيه
رمقتها جليلة بنظرة شيطانية ثم قالت بكل تجبر وغطرسة:
_أنا عشان هاممني ولدي بعمل إكده.. مش هسيبك تاخديه مني كيف ما اخدتوا چوزي وبتي
أغلقت فريال كف يدها وضغطت عليه بغيظ شديد ثم قالت لها مبتسمة بخبث متعمدة إشعال النيران في صدرها:
_اعتبريني اخدته منك خلاص.. قريب قوي هننقل على بيتنا چلال اشتري لينا بيت وهو بنفسه اللي مش عاوز يعيش معاكي بسبب اللي بتعمليه معدش متحملك
ألقت قنبلتها وغادرت لتترك خلفها ضحايا وآثار مدمرة على أثر عباراتها، كانت جليلة تشتعل والدماء تغلي في عروقها حقدًا وغضبًا…
***
داخل منزل ابراهيم الصاوي تحديدًا داخل غرفة الجلوس الخاصة بابراهيم….
كان يجلس على الأريكة وأمامه عمران على الأريكة المقابلة له يطالعه بأعين ملتهبة، مما بعث القلق في نفس ابراهيم وراح يسأله باستغراب:
_إيه ياولدي مالك؟!.. موضوع إيه اللي عاوز تتكلم فيه معايا ومينفعش يصبر للصبح ده حتى تكون ريحت جسمك من السفر شوية
استقرت نظرات عمران المميتة على والده وهو يجيبه:
_أنت اللي هتقولي يابوي في إيه!
طالعه ابراهيم غاضنًا حاجبيه بعدم فهم، هو حتى لم يفهم عبارته ليجيب عليه بينما عمران فتابع بعدما جلس على مقعده بإريحية أكثر:
_لساتني فاكر لغاية دلوك لما اتچوزت عفاف.. مكنتش عيل وكنت واعي وفاهم زين، كنت أنا اللي بواسي أمي كل ليلة وهي بتنام دمعتها على خدها، فريال دي أنا اللي ربيتها وأنت مكنتش فاضيلنا ما بين سفرك للقاهرة وعيشتك هناك ومعاك مرتك الجديدة، ومع الوقت أمي نسيت واتعودت وعاشت مع ضرتها تحت سقف واحد كمان.. بس أنت مشبعتش ومكنش مكفيك اتنين عشان إكده اتچوزت التالتة دلوك
الآن وضحت الرؤية كاملة أمام الذي تنهد الصعداء بقوة وأجاب على عمران بحزم:
_أنت مش هتقولي الصُح من الغلط ياعمران
وثب عمران واقفًا وصرخ منفعلًا بصوت جهوري مخيف:
_أنت معملتش حاچة صُح أصلًا يابوي.. ودلوك مكفكش قهرة أمي عاوزة تقهرها للمرة التانية وتقهر مرتك التانية.. ولادك رچالة وممكن قريب تشيل ولدي وأنت لساتك كيف ما أنت مبتتغيرش
هب ابراهيم واقفًا وصاح بابنه في غضب حقيقي:
_عــمـران متنساش روحك قصادي أنا أبوك
ضحك باستهزاء ثم لمعت عيناها بوميض ملتهب وهو يهتف:
_أبوي اللي قتل خليل.. وكان السبب في تار ليه سنين، استغفلتنا كلنا ومفكرتش في عيالك قبل ما تقتله حتى، بلال كان هيروح فيها في اليوم ده وأنا وچلال كنا هنقتل بعض، وأنت حتى مهنش عليك تقولي وترسيني على عملتك وكنت سايبني على عمايا فاكر أنك مظلوم وملكش يد
استحوذ الذهول على ابراهيم بعدما ضربه ابنه بحقيقته البشعة، انعقد لسانه والتزم الصمت لبرهة من الوقت قبل أن يهتف مدافعًا عن نفسه:
_انا فعلًا مليش يد ياولدي كان بالغلط ومكنش في نيتي أذيه
هز عمران رأسه بعدم اقتناع وهو يقول بغضب:
_لا كنت قاصد يابوي من كتر غلك وحقدك قتلته وفتحت طاقة جهنم فوق راسنا وأنت عارف زين أن مفيش حاچة هتقفلها
اقترب ابراهيم من عمران ورفع يده يمسك بكتفه في قوة هاتفًا:
_ياولدي أنا كنت خايف عليك عشان إكده خبيت عليك وفهمت الكل أني مليش صالح، كنت خايف يأذوك ولا يعملولك حاچة
دفع عمران يده عن كتفه بنفور وهو يصيح:
_وهما لما يعرفوا دلوك هيسكتوا يعني.. الحرب هتقوم من تاني والدم هيرچع يسيل وياعالم الدور المرة دي هيكون على مين
هز ابراهيم رأسه بالنفي وهو يقول بنظرة أبوية وحب:
_مش هيعرفوا ياولدي هيفضل الموضوع ده بينا بس وهما مش هيعرفوا
مسح عمران على وجهه وهو يتأفف محاولًا تمالك انفعالاته حتى لا يفقد التحكم بنفسه ثم هتف لأبيه بغضب وبهجة رجولية صارمة:
_بس أنا مش هسكت يابوي أنت غلطت ولازم تتحمل غلطك.. وافضل حل هو أنك تسلم نفسك للحكومة قبل ما حد يعرف وتقوم حرب محدش هيعرف ينهيها المرة دي
طالعه ابراهيم مندهشًا ثم صاح بسخط شديد:
_وه عاوز تسلم أبوك ياعمران.. وأنا اللي كنت فاكر أنك أول واحد هتقف في ضهري ياولدي
عمران بلهجة صارمة ومستاءة:
_أنا دايمًا في ضهرك يابوي بس اللي عملته ده مش حاچة سهلة أنت قتلت روح بريئة ملهاش ذنب ولو أنت ضميرك مرتاح فأنا مقدرش اتحمل الذنب ده معاك.. ورغم إكده لساتني في ضهرك وبحاول احميك واحمينا وعشان إكده بقولك سلم نفسك لأن ده أفضل حل ليك وللكل
هز رأسه ابراهيم بالرفض القاطع وهو يقول بعصبية:
_في مليون حل غير ده ياعمران.. أنا مش هروح اسلم نفسي على حاچة حُصلت من غير قصد ومكنتش ناوي عليها
ألقى عليه عمران نظرة قاسية وهو يقول برجولية:
_لو مسلمتش نفسك أنا هبلغ عنك يابوي.. بنسبالك السجن ولا الموت ارحم؟
لم يحصل على رد من ابراهيم بعد عبارته الأخيرة فتابع عمران بضيق وخزي:
_أنا خايف من اللي چاي يابوي ورغم كل اللي عملته لساتني خايف عليك عشان إكده بقولك سلم نفسك.. والحق هيرچع والكل ناره هتهدى
انهى عباراته ثم استدار واندفع لخارج الغرفة يترك ابراهيم بمفرده يفكر في كلمات عمران لكن نفسه السيئة مازالت تمنعه من تحقيق العدالة كما طلب منه ابنه للتو…
***
فتح عمران باب غرفته ودخل ثم أوصد الباب خلفه وتحرك نحو الفراش لكن آسيا دخلت من الشرفة وهي تقول بنظرة لامعة:
_عمران
التفت لها ثم قال بخنق وانزعاج محلوظ:
_أنا تعبان وعاوز أنام وارتاح يا آسيا
تقدمت نحوه بخطواتها الناعمة حتى وقفت أمامها ومدت يديها تمسك بكفيه وهي تنظر في وجهه مبتسمة وتقول:
_مش هسألك قولت إيه لأبوك لأني عارفة أنك لا يمكن تسكت على اللي عمله.. عارفة زين أنك مش زيه وعشان إكده أنا حبيتك
ابتسم لها بحب ثم سحب كفه من بين قبضتها ورفع أنامله لوجهها يمررها بحنو على وجنتها، ثم ينحني عليها ويطبع قبلة مطولة بجانب ثغرها هامسًا بصوت محمل بالعشق:
_وأنا بحبك ياغزالي
ارتمت بين ذراعيه تضع رأسها فوق صدره وهي تبتسم بحب حتى سمعته يقول وهو يلثم شعرها:
_ربنا يعدي الأيام الچاية على خير يا آسيا
تنهدت بقوة وقد تبدلت ملامح وجهها للضيق بينما هو فقال بخفوت:
_يلا عشان ننام
أماءت له في ابتسامة دافئة وانتظرته حتى دخل في الفراش ثم انضمت له ووضعت رأسها فوق صدره تنام بين ذراعيه.. لتسمعه يقول بضيق مبتسمًا:
_ملحقناش نتهنى بكام يوم حلوين.. بعد ليلتنا
ابتسمت آسيا بخجل وأجابته برقة:
_الأيام الجاية كلها لينا يامعلم
مال ثغره ببسمة ساحرة ثم انحنى عليها وقبلها بحنو متمتمًا:
_عندك حق ياغزال.. عشان معدتش صابر اكتر من إكده وكمان قريب عاوز ولي العهد يشرف
انزوت نظرها عنه خجلًا ثم قالت في حب ورغبة حقيقة تدعو بها ربها:
_يارب ياعمران
ضمها لصدره أكثر وهو يتنهد مبتسمًا بعشق بينما هي فأغلقت عيناها تنوي النوم، فغدًا لديها يوم حافل لن ينتهي إلا عندما تكون راضية…
***
داخل غرفة جلال وفريال……
كانت جالسة فوق فراشها وتتحسس بيدها فوق ببطنها وهي تبتسم باتساع وتتحدث مع ابنتها بكل عفوية، كما كانت تفعل مع أخوتها أثناء حملها بهم.. تفعل معها، كانت دومًا تتحدث معهم وربما تسرد لهم عن يومها تنقل لهم جميع عواطفها سواء حزن أو سعادة وتشاركهم كل لحظة تعيشيها، تفعل الآن المثل مع شقيقتهم.
كان جلال يقف بجوار الباب منذ وقت طويل قليلًا يراقبها ويستمع لحديثها مع ابنتهم وهو يبتسم، رغم الأجواء المشحونة بالطاقة السلبية والشجار والتي لا تبشر سوى بقدوم طوفان مدمر إلا أنها نجحت في رسم البسمة على ثغره وانتشاله من قوقعة الغضب والوعيد بالثأر لوالده.. يشعر نفسه محاصر بالمنتصف بين النيران ولا يجد مخرج منها، من جهة والده ومن جهة قاتله هو جد أولاده ووالد زوجته، هو يعرف جيدًا أنه لن يتنازل هذه المرة وكل مذنب سينال عقابه لكنه يخشى على أولاده وحبيبته، هو خسر الكثير ولا يريد خسارتهم أيضًا.
تحرك بخطوات بطيئة نحو الفراش حتى جلس بجوارها ومد يده يضعها فوق بطنها أيضًا وهو يبتسم ويتمتم:
_كبرت وبدأت تظهر
فهمت أن يقصد أن بطنها بدأت في الظهور وأن ابنته هاهي تكبر وتنمو داخل رحم أمها، فابتسمت وهزت رأسها بالإيجاب له حتى وجدته ينحني على بطنها بوجهه ويقبلها عدة قبلات متتالية هامسًا:
_كل ما تمر الشهور وبطنك تكبر كل ما شوقي وحبي لولدي اللي چوا بيزيد وببقى مش قادر اصبر لليوم اللي يطلع فيه للدنيا واشوفه واشيله بين يدي واشم ريحته
ملست بكفها الناعم فوق شعره وهي تجربه مبتسمة بمرح وغرام:
_يعني بطني لما بتكبر مش بيبقى شكلي عفش
ضحك بخفة ثم رفع رأسه عن بطنها ونظر لها يقول غامزًا:
_بالعكس بتبقي احلى ومثيرة
رفعت كفها واخفت به وجهها عن نظراته وهي تضحك في خجل شديد، فاقترب هو منها وضمها لصدره يقول بصوت حزين:
_الفترة دي أنا محتاچك قوي يافريال
ابتعدت عنه وهي تضيق عيناها باستغراب ثم سألته بقلق:
_أنت كويس ياچلال.. أنا من ساعة ما رچعنا مشوفتكش ومقولتليش حتى ليه رچعنا بسرعة إكده وچدك قالك إيه
أخذ نفسًا عميقًا مغلوبًا وهو يقول بنظرات قوية:
_هتعرفي يافريال وهقولك بس مش دلوك.. المهم دلوك أنك أنتي وعيالي چاري ومعايا أنا مش عايز اكتر من إكده
طالعته بعين دافئة يغمرها الهوى ثم ضمته هي لصدرها هذه المرة، فهو يعشق هذه الحركة منها عندما تأخذه بين ذراعيها وتتركه ينعم بعشقها وحنان صدرها، وهتفت له بحب:
_احنا دايمًا چارك ياچلال أنت سندنا وضهرنا ومن غيرك ملناش وجود ولا نعرف نعيش أساسًا
اتسعت بسمة ثغره المغرمة وراح يمسك بكفها يرفعه لشفتيه يلثم باطنه بعدة قبلات طويلة وحميمية أثارت رعشة جميلة في جسدها وجعلتها تبتسم له بعشق…
***
بصباح اليوم التالي داخل منزل ابراهيم الصاوي….
قادت آسيا خطواتها الثابتة وهي تبتسم بخبث تجاه غرفة الجلوس حيث يجلس ابراهيم، وكانت تحمل فوق يديها كأس الشاي الصباحي الخاص به كما طلب وأصر على أن تجلبه له زوجة ابنه موضحًا أن يريد التحدث معها حول أمر مهم.
وقفت آسيا أمام باب الغرفة ثم رفعت يدها تطرق عليه بخفة، وانتظرت سماع صوته حتى فتحت الباب ودخلت لتتقدم نحوه وتنحنى على المنضدة المجاورة لمقعده تضع فوقها كأس الشاي، ثم تنتصب في وقفتها وترمقه بابتسامة واثقة متمتمة:
_خير ياحچ ابراهيم كنت عاوز تتكلم معايا في إيه؟
طالعها ابراهيم مطولًا بغيظ قبل أن يهتف وهو يسألها غاضبًا:
_أنتي اللي قولتي لعمران وحطيتي في دماغه موضوع قتل أبوكي ده صُح؟
اتسعت بسمتها لكنها تحولت لتصبح أكثر شيطانية بالأخص وهي تتذكر أن داليا قد عادت من القاهرة هذا الصباح وهي الآن بمنزلها، تصرفت بكل برود أعصاب وهي تهز رأسها بالنفي مجيبة:
_لا مش أنا؟
حدقها ابراهيم ساخرًا وهو يقول بعصبية:
_امال مين هيكون محدش يعرف بالموضوع ده واصل
آسيا وهي مازالت محتفظة ببسمتها المستفزة:
_بس اللي اعرفه أن عفاف وإخلاص عارفين
اتسعت عيني ابراهيم بصدمة أنها تعرف كل هذه المعلومات وبسرعة سألها بانفعال:
_يبقى أكيد إخلاص هي اللي قالتله مع أني حذرتها وهددتها متچيبش سيرة لعمران
لمعت عيني آسيا بوميض شراني مخيف ثم أردف ببسمة مريبة:
_لا مش إخلاص.. داليا مرتك الجديدة هي اللي قالتله وكمان هي اللي قالتله أنك متچوز، وللأسف چات عندي في القاهرة وطلبت مني المساعدة أني اعرفها عنوان البيت عشان تاچي وتفضحك قصاد العيلة كلها وتاخد حقها وكل حاچة منك
رأت الذهول يعتلي ملامحه وتدريجيًا بدأ يتحول لبركان حممه البركانية تغلي وعلى وشك الانفجار، فابتسمت وقالت له بخبث:
_عن أذنك أصل سامعة صوت تلفوني بيرن
استدارت وسارت باتجاه الباب وهي تبتسم بلؤم وفور مغادرتها أسرعت واختبأت عند الدرج خلف الغرفة منتظرة اللحظة المنتظرة.. ولم يدم انتظارها طويلًا حتى رأته يندفع من الغرفة ويتجه نحو باب المنزل ثائرًا فابتسمت ثم استدارت واكملت طريقها للطابق الثاني تتجه للنقطة الثانية في خطتها.
وقفت أمام باب غرفة عفاف وطرقت بهدوء حتى سمعت صوتها وهي تسمح للطارق بالدخول، ففتحت آسيا الباب ودخلت فوجدت عفاف تجلس فوق فراشها وتقوم بحياكة ملابس جديدة لها.
التفتت عفاف نحو الباب وعندما رأت آسيا هتفت بتعجب:
_خير يا آسيا؟!
اقتربت آسيا منها وهي تبتسم ببراءة مزيفة بعد أن أغلقت الباب، ثم جلست على طرف الفراش بجوارها وهي تهمس لها بعبوس:
_خير أن شاء الله ياعفاف.. بيني وبينك أنا مقدرتش اسكت عن اللي عرفته ده واسيبك إكده على عماكي يعني مهما كان في إيه بينا بس دي حاچة صعبة على أي ست
ضيقت عيناها بعدم فهم، ولا تعرف لماذا شعرت بالقلق والخوف من أنها تقصد ابراهيم وستقول شيء يخصه فهتفت بسرعة تسألها في حزم:
_في إيه يا آسيا ما تنطقي وتقولي
تنهدت آسيا الصعداء بأسى وإشفاق مزيف ثم قالت:
_أصل انا عرفت أن الحچ ابراهيم متچوز ومعاه بنت صغيرة.. وكنت بفكر ليا فترة اقولك ولا لا وكنت خايفة على مشاعرك بس مقدرتش اسكت اكتر من إكده الصراحة خصوصًا لما سمعته دلوك وهو بيكلمها ورايح عندها
تحولت عفاف بلحظة وأصبحت كالوحش المفترس وهي تهتف بغضب وعينان نارية:
_رايح عندها كيف يعني ومين دي اللي متچوزها عليا
رفعت آسيا كتفيها بجهل وهي مازالت ترسم الحزن المزيف بينما عفاف فهبت من الفراش واقفة وهي تضرب على فخذيها وتجوب الغرفة إيابًا وذهابًا هاتفة بانفعال وغصب هادر:
_أنا كنت حاسة أنك بتخوني يا ابراهيم.. ولما سألتك كذبت عليا.. آاااه ماشي يا ابراهيم أن مخدتش روحك بيدي أنت وال**** دي مبقاش أنا عفاف
لمعت عين آسيا بتشفي وخبث ثم استقامت واقفة واقتربت من عفاف وهي تمد يدها لها بورقة صغيرة متمتمة:
_الورقة دي فيها عنوان بيتها روحي والحقي چوزك لسا في فرصة ترچعيه ليكي من تاني
انزلت عفاف نظرها للورقة التي بيد آسيا وتمعنتها مطولًا بتفكير، ثم جذبتها من يدها بعنف في نظرات تنضج بالشر والوعيد المخيف، فلمعت عين الأخرى في خبث وابتعدت عن عفاف لتتجه خارج الغرفة وتغلق الباب خلفها بكل هدوء، وتقود خطواتها أخيرًا إلى غرفتها ثم للشرفة تقف فيها تراقب الشارع أو بالمعنى الأدق تنتظر شيء بعينه، وقد ظهر ذلك الشيء أخيرًا بعد وقت قصير حيث رأت عفاف وهي تندفع للخارج تقصد الشارع العام لكي تستقل بسيارة أجرة وتذهب خلف زوجها.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ميثاق الحرب والغفران)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *