روايات

رواية وسولت لي نفسي 2 الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم روان الحاكم

رواية وسولت لي نفسي 2 الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم روان الحاكم

رواية وسولت لي نفسي 2 البارت الرابع والعشرون

رواية وسولت لي نفسي 2 الجزء الرابع والعشرون

وسولت لي نفسي 2
وسولت لي نفسي 2

رواية وسولت لي نفسي 2 الحلقة الرابعة والعشرون

‏وكنت أدعو الناس إلى ترك المعاصي، وأنا أُنادي على نفسي بدمعي
‏- ابن الجوزي رحمه ﷲ
_________________________________
وقع الكوب منها أرضاً مصدراً صوتاً عالياً جعلها تنتفض من مكانها من هول ما سمعت وكأنها انعزلت عن العالم لثونِ ..، هل أختها نفسها من فعلت كل هذا!
أقتربت منها بخطى بطيئة وهي تنظر إليها بصدمة وعدم تصديق ومازال عقلها لا يستوعب ما سمعته منذ قليل حتى توقفت أمامها وهي تسألها بنبرة مرتجفة قائلة:
“اللي سمعته دا يا إيثار صح!؟ انتِ.. انتِ فعلا اللي عملتيلها السحر دا!! يعني هي كانت تعبانة فعلا ومش بتدلع زي ما كنا فاكرين”
صمتت قليلاً تنظر نحوها بشحوب ومازالت كلمات إيثار تتردد داخل عقلها فهي لم تتخيل حتى بأسوء كوابيسها أن تصل أختها لتلك الدرجة من البشاعة فتابعت حديثها ودموعها تتساقط قائلة:
“ليه يا إيثار؟ هي عملتلك اى علشان تعملي فيها كدا
دمرتي بيتها وبوظتيلها حياتها ليه ردي عليا ليه”
أقتربت منها تهزها بعنف مردفة بغضب:
“ردي قولي إن اللي سمعته دا غلط”
“لأ مش غلط اللي سمعتيه صح وانا اللي أذيتها ولو رجع بيا الزمن تاني هأذيها تاني وتالت”
أجابت بعصبية شديدة وحركات جسدها الغير منتظمة بينما جحظت چنة عيناها من المرحلة التي وصلت إليها شقيقتها فتحدثت بغضبِ مماثل لها وهي تهتف:
“كل دا علشان واحد مش فارق معاه وجودك من عدمه اصلا؟ فكرك لما تفرقيهم عن بعض هيتجوزك مثلاً؟ فوقي لنفسك من الوهم اللي انتِ عايشة فيه انتِ لو آخر واحدة زين مش هيبصلك”
طالعتها إيثار بغضب شديد وقد كان صدرها يعلو ويهبط وحالتها مذري لها بل وما ذادها حديث چنة إلا سوءاً فأندفعت نحوها وهي تقول بغل وحقد:
“وميكنش ليا ليه؟ وميبصليش انا ليه وهي أحسن مني ف اى..، انا اللي أستاهله مش هي وانا اللي كنت موجودة الاول مش هي..، وإن مكنش ليا مش هسيبهم يتهنوا سوا طول ما فيا نفس”
توقفت عن الحديث تأخذ أنفاسها بصعوبة وقد ضاق صدرها فأشارت على قلبها وهي تقول بألم:
“دا غصب عني خاني وحبه ومش قادر يشوف غيره
انا بموت كل يوم يا چنة وانا شايفهم سوا ومحدش حاسس بالنار اللي جوايا.. انا كل يوم بيذيد كرهي ليها وانا شايفاها معاه وهي حتى مش مقدرة قيمته..، انا حاولت انساه واشوف حياتي بس مش عارفه حياتي واقفه عليه هو مش قادرة أتخيل نفسي حتى مع حد غيره انا مش وحشه يا چنة انا بحاول أنقذ حبي”
كانت چنة تنظر إليها بذهول ولا تصدق ما تقوله فتراجعت إلى الوراء وهي تهز رأسها بعدم تصديق قائلة:
“انتِ مش طبيعية يا إيثار انتِ واحدة مريضة نفسياً”
أبتعدت عنها حتى خرجت من الغرفة بل من الشقة بأكملها وهي تركض دون تصديق ما سمعته حتى وإن كانت بعض تصرفاتها سيئة ولكنها أبداً لن تقبل أذيه أحد.
بينما دموعها تنهمر وهي تتذكر تلك الحالة التي رأت روان بها عندما زارتها ببيت خالتها يالله كانت أختها هي السبب في أن تصل إلى تلك الحالة! صعدت إلى أعلى العمارة بعيداً عن الجميع ثم جلست أعلى السور تبكي بإنهيار وهي تضع وجهها بين كفيها وتفكر في هذا الذنب الكبير الذي تحمله إيثار على أكتافها.
لا تدري ماذا تفعل هل عليها إخبار أحد ام تكتم ما سمعتها داخلها كي لا تفضح أختها!؟ ولكن ما ذنب تلك المسكينة الأخرى في أن تتدمر حياتها بسبب جنون شقيقتها! الا يكفها موت والدتها ام ستصبح هي والحياة عليها؟.وأيضاً زوجة عمها حكمت التي رفضت تصديق ما حدث معها وكانت السبب في أن تغضب على ابنها الوحيدوكل هذا بسبب شقيقتها.
أنتفضت من مكانها فجأة عندما سمعت صوتاً خلفها يحمحم ثم هتف بتسآل:
“حضرتك كويسة!؟”
وبالأسفل وعند شقة زين بالتحديد سمع صوتها تصرخ فجأة فنهض من مكانه مندفعاً نحوها بخوف وخلفه ياسمين تلحق به وتشعر بالقلق هي الأخرى.
دلف إلى حجرتها فوجدها مازالت نائمة ولكن جسدها يهتز وكأنها تطارد شيئاً ما بينما جبينها متعرق بشدة ووجهها قد أشتد احمراراً من المجهود التي تبذله ويبدو أنها تسارع وحشاً ما.
أقترب منها زين وهو يهزها برفق يحاول إفاقتها ولكنها لا تستجيب له بل يسمع فقط همهماتها وأنينها المكتوم فالتقط جسدها بين يديه يقربها إليه ثم وضع يده على جبينها ثم أخذ يتلو عليها الرقية مجدداً وهو يهتف:
بسم اللهِ أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفسٍ أو عين حاسدٍ، الله يشفيك، بسم الله أرقيك)، (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق).
(بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم).
(اللهم رب الناس أذهب البأس، واشفِ أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يُغادر سقمًا).
(أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عينٍ لامّة).
(اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)
(آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ۝ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)
أخذ يكرر عليها ما قاله وقد كان جسدها يهتز قليلا ثم قرأ الإخلاص والمعوذتين والفاتحة وسورة الزلزلة
ثم بدأت تستقر حركتها تدريجياً حتى هدأت تماماً.
أراحها زين على الفراش برفق ثم أمسك كوب الماء واضعاً فمه أعلى الكوب كي تصل أنفاسه إليه وأخذ يقرأ عليها الرقية مجدداً ويكررها وما إن انتهى حتى سكب البعض منها على وجهها بيده فأنتفضت من مكانها وهي تشهق بعنف فأقترب منها وهو يمسح على رأسها قائلاً:
“بس ياحبيبي اهدي متخافيش…متخافيش انا هنا جنبك اهدي”
فتحت فمها للتحدث ولكنها لم تكن قادرة فتساقطت دموعها بيأس بعدما شعرت بالعجز وقد ظنت بأن كل شيء عاد كما كان ولكن يبدو أن هذا لن ينتهي بعد.
“شغلي الرديو دا على سورة البقرة يا ياسمين لو سمحتي”
انتبهت له ياسمين على ذكر اسمها بعدما كانت تنظر إلى روان بحزن وشفقة بسبب حالتها التي انقلبت رأساً على عقب فقامت من مكانها وقامت بتشغيل سورة البقرة بصوت الحصري حتى أنتشر صوته العذب يعم أرجاء المكان فتنهدت براحه وهي تعود حيث روان مجدداً تجلس جوارها وهي تقول:
“هتكوني كويسه وكل حاجه هترجع زي ما كانت إن شاء الله”
لم تجب عليها روان بل كانت شاردة فيما يحدث بحياتها فستأذنت منهما ياسمين كي تتركه معها ثم خرجت وهي تدعو الله لها، بينما زين جلس جوارها وهو يهتف بحنو:
“حاسه ب اى؟ أتكلمي ياحبيبي وخرجي اللي جواكي”
التفتت إليه تنظر له جيداً وكأنها تتسآل عن معدن هذا الرجل الذي لم يكل ولم يمل وإن كان رجلاً آخر غير زين لكان هجرها منذ زمن ولكنه رحيماً صبوراً يسير على خطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستوصي بها خيراً.
أغمضت عيناها وهي تمسح على وجهها مبتلعة غُصة مريرة بحلقها وهي تقول بألم:
“هو ليه بيحصل كدا يا زين انا مبقتش فاهمه اى حاجه من اللي بتحصل حواليا ليه ماما تموت وتسيبني في أكتر وقت انا محتاجاها فيه وليه حد يأذيني بالشكل دا رغم إني عمري ما أذيت حد ليه أتحرم من بابا من صغري وليه مرات عمي تخاصمك بسببي وليه انت مضطر تتحملني رغم كل اللي انا بعمله وليه انا بقيت وحشة كدا!؟”
لم يتحدث ولم يقاطعها بل تركها تخرج كل ما بجعبتها بينما هي ما إن أنتهت حتى وضعت وجهها بين كفيها وهي تضم ركبتيها إلى صدرها لا تريد أن يرى حالتها تلك
وقد أحترم رغبتها فلم يجبرها على التوقف بل تركها تبكي كي تخرج كل ما يجيش بصدرها فقط أقترب منها حتى ضمها بهدوء وهو يمسح على رأسها بحنان دون أن يتحدث بشيء بل يربت على رأسها وظهرها وهي تبكي حتى مر عدة دقائق وهي على نفس وضعها وقد بدأت أنفاسها تهدأ وجسدها يتراخى.
أحيانا لا يحتاج المرء منا إلى مواساة وقد لا يوجد كلمات تشفي جروحه بل يحتاج إلى من يحتضنه برفقِ.
حضن واحد فقط كفيل لأن يعيد ترميم المرء من جديد.
“بسم الله قلبك حتى يهدأ بسم الله على روحك حتى تطمئن بس الله على أوجاعك حتى تخف بسم الله على أحزانك حتى تزول”
أخذ يمسد على شعرها بحنان ويمسح دموعها بأنامله وهو يهتف بحنو:
“حقك عليا انا من الدنيا كلها.. انا آسف ليكي على كل بالنيابة عن كل حاجه مزعلاكي”
أنهى حديثه ثم وضع يده على بطنها يطمئن على طفله الذي ينبت داخلها بحب وينتظر قدومه على أحرى من الجمر فأبتسم وهو يقول بإشتياق:
“بكرة ابننا ييجي الدنيا بخير ويعرف أد ايه ربنا رزقه بأم زيك جميلة وصبورة وأستحملت كتير وهتستحمل لسه علشانه وعلشاني…، بكره يكون حوالينا أطفال كتير ونربيهم سوا وننسى كل اللي مرينا بيه ونحكيهم اد اى احنا تعبنا علشان نوصل للي احنا فيه”
أغمضت عيناها وهي تأخذ نفساً عميقاً تدخل أكبر قدر من الهواء داخل رئتها وقد بدأت تشعر بالإنتعاش وتحسنت حالتها عن ذي قبل فماذا تحتاج بعد الآن وهو جوارها؟ والعجيب أن شعورها بالخنق منه قد أختفى فهو الآن زينها الحبيب ومعها طفلها الأحب.
وما إن هدأت وشعر بتحسن حالتها حتى حمحم قليلاً ثم أخذ يتلو لها قرآن بصوته العذب ومازال يمسح على شعرها برفق وصوته يقشعر له الأبدان بل جعلها تشرد بصوته وأندمجت حتى أنها تناست كل ما يضيق صدرها
هي لم تعد تحتاج لشيء الآن.
“قَالَا رَبَّنَاۤ إِنَّنَا نَخَافُ أَن یَفۡرُطَ عَلَیۡنَاۤ أَوۡ أَن یَطۡغَىٰ ۝٤٥ قَالَ لَا تَخَافَاۤۖ إِنَّنِی مَعَكُمَاۤ أَسۡمَعُ وَأَرَىٰ ۝٤٦ فَأۡتِیَاهُ فَقُولَاۤ إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرۡسِلۡ مَعَنَا بَنِیۤ إِسۡرَ ٰ⁠ۤءِیلَ وَلَا تُعَذِّبۡهُمۡۖ قَدۡ جِئۡنَـٰكَ بِـَٔایَةࣲ مِّن رَّبِّكَۖ وَٱلسَّلَـٰمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلۡهُدَىٰۤ ۝٤٧ إِنَّا قَدۡ أُوحِیَ إِلَیۡنَاۤ أَنَّ ٱلۡعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ ۝٤٨”
توقف في التلاوة عند تلك الآية بعدما رن هاتفه فأخرجه من جيبه بصعوبة كي لا يحركها ثم أجاب على المتصل بصوت خافت كي لا يزعجها وما إن سمع صوت الطرف الآخر حتى أبتعد عنها قليلاً ثم نهض من مكانه وهو يخبره بأنه آت حتى أغلق المكالمة معه ثم قام بالإتصال على ياسمين وما أجابت على إتصاله حتى أخبرها بعض الكلمات ثم أغلق معها فعاد إلي روان مجدداً وهو يقول بهدوء:
“الآنسه سهير خطيبة أحمد ومعاها أخته جايين علشان يشوفوكي”
ورغم تعجبها من قدوم سهير الآن ومعرفتها بالأمر إلا أنها أومأت له بهدوء وهي تقوم من مكانها بصعوبة فأقترب منها يساعدها على النهوض حتى وقفت وهي تستند عليه فنظرت إلى ملامحها الذابلة في المرآة بحزن فوجهها أصبح شاحب فأردفت وهي تقول ببسمة ممزوجة بألم:
“انا مبقتش جميلة زي زمان يا زين”
أستدار زين نحوها وهو يضم وجهها بين كفيه وهو يقول:
“بس انا لسه شايفك جميلة زي زمان وأجمل كمان وهتفضلي جميلة في عنيا دايماً”
أنهي عبارته ثم أمسك فرشة التمشيط يمشط لها شعرها المشعث بسبب عدم اهتمامها به في الآونة الأخيرة وما سهل عليه الأمر أنه لم يكن طويلا بل مازال قصير منذ أن حلقته فحاول تمشطيه قدر المستطاع وما إن أنتهي حتى وضعه مكانه ثم أقترب منها يقّبل جبينها وهو يقول بحب:
“كدا بقيتي جاهزة يلا نطلع”
نظرت له بتعجب وهي تعود بنظرها إلى المرآه تتأكد من هيئتها وهي تقول بريبة:
“هخرج كدا!؟ هو مش أحمد صاحبك بره؟”
“أحمد طلع يستناني فوق على السطح وياسمين كلمتها تدخل البنات في الصالون وزمانهم دخلوا”
أومأت له بهدوء ثم أمسك يدها وهو يسير معها نحو الخارج بينما هي ورغم ما يحدث معها إلا إنها لاحت منها أبتسامة خافتة وهي تنظر إليه بحب شديد على كل ما يفعله معها حتى وصلت معه نحو حجرة الضيوف فسمعت أصوات تأتي منه فنظر إليها زين وهو يقول:
“أدخلي انتِ ليهم وانا هطلع لأحمد فوق وياسمين هنا معاكي ولو احتاجتي حاجه كلميني ماشي يا حبيبي؟”
هزت رأسها ببسمة صغيرة وهي تقول قبل أن تتجه نحوهم:
“حاضر…”
رحل كي يتركهم على راحتهم وصعد هو لأحمد كما أعتاد أن يجلس معه فهو منذ أن كان بمنزل والديه لا يستقبل أصدقائه بالمنزل لوجود أخته ووالدته فكان يصعد معهم نحو الأعلى والآن معه زوجته فلا يريد أن يجلب لها أصدقائه هنا حتى يتركها تأخذ راحتها بمنزلها.
🌸أستغفر الله العظيم وأتوب إليه🌸
كان جسدها ملقى على الأرض وهي غارقة في دمائها وهي تشعر بالألم الشديد ولا تدري ماذا حدث بعد ذلك فآخر ما تتذكره هو هجوم هذا الذئب عليها عندما انقض على رقبتها ثم فقدت الوعي بعدها.
اخذت تتحسس المكان حولها فمازالت على قيد الحياة ولا تعلم كيف حدث هذا فحاولت النهوض من مكانها ولكنها فشلت وكأن جسدها شُل بالكامل من هول ما تشعر به ولكنها أبتعدت فجأة إلى الوراء وهي تسمع صوت يعوى بألم جوارها فرفعت رأسها تنظر نحو مصدر الصوت فإذا بجسد الذئب مُلقى جوارها وهو ينزف وهناك سهماً داخل جسده لا تعلم كيف أصابه ولكنها تنهدت لأنها أخيراً أنتهت من كل هذا تبقى فقط أن تخرج من هنا وقد أوشكت على الوصول.
وجدت زجاجة مياة جوارها لا تعلم من أين اتت ولكنها لم تهتم بل أخذتها تحاول الإرتشاف منها بصعوبة بالغة ثم قامت بسكب الباقى عليها وما إن أفرغتها حتى ألقتها بإهمال.
أستعادت توازنها قليلاً وبعد عدة محاولات وقفت أخيرا ولكنها كانت تترنح في وقفتها فهي هنا منذ أيام دون طعام بل وما تعرضت له يكفي لأن يقضى عليها حتى خارت قوتها تماماً.
تبقى مسافة صغيرة كي تخرج من تلك الغابة فتقدمت للامام كي تكمل سيرها ولكنها توقفت قليلا وهي تسمع صوت أنينه وهو يعوي بوجع فنظرت له قليلاً ثم أكملت السير ولكنها توقفت ثم إستدرات إليه وروحه تنازع للابقاء ولا تعلم لمَ ولكنها فجأة أخذت تتقدم منه حتى وقفت أمامه وهي ترى هذا السهم الحاد يتوسط جسده بقوة فظلت تبحث حولها عن اى شيء قد يفيدها فدارت في المكان وهي تسير وتجر قدميها بصعوبة حتى تعثرت على تلك القداحة الصغيرة التي هاجمته بها اول مرة وما إن قامت بتشغيلها حتى أخرجت نيران منها مما أثار ريبتها الم تكن تلك القداحة قد نفذت؟!.
أخذتها ثم عادت له ولكن قبل أن تبدأ عليها تثبيته أولاً فبحثت بعينيها ولكنها لم تجد ما تريده فأمسكت جريد النخل تحاول صنع حبال منه وقد أستغرق الأمر منها طويلاً حتى أنتهت فأقتربت منه وقد خارت جميع قوته حتى أنه غير قادر على الحراك ورغم ذلك قيدت حركته بالحبال التي صنعتها ثم أخرجت السكين من حقيبتها ووضعتها على نيران القداحة لفترة حتى أصبحت شديدة السخونة وما إن تيقنت من عدم تحركه حتى سحبت السهم من جسده بقوة فأرتفع صوت عويله دلالة على شدة ألمه فوضعت السكين على جرحه فأخذ يتحرك بقوة وحركات غير منتظمة وصوته يعلو بينما هي مازالت مكملة فيما تفعله حتى قامت بكي جرحه تماما فتوقف النزيف.
نزعت آخر ما تبقى من ملابسها العلوية ثم قامت بربطها جيداً على جسده حتى أنتهت وهي تزفر براحه ثم جثت على ركبتيها أرضاً بإرهاق شديد وتسأل نفسها متى ينتهي كل هذا؟ متى تشعر بالراحة وتصبح حياتها هادئه!
هل عليها أن تصبح شخصاً ضعيفاً كي تجد من يحميها؟ ليتها كانت مثل تلك المدلله روان ما كان ليحدث معها كل هذا.
لم تكمل السير بل لم تعد قادرة حتى قررت أن تستسلم علها تستريح من حياتها البائسة تلك ف على الأقل أنقذت حياة ذئباً رغم أنه كان سيقتلها لولا من أصابه بسهمِ والتي تعلم صاحبه جيداً.
أغمضت عيناها وهي تسترجع ذكرياتها وحياتها التعيسة
فلم تجد شيئاً يجعلها تتمسك بتلك الحياة بل تسأل نفسها عن اى شيء جيد فعلته كي يكون شفيعاً لها عند الله تعالى!؟.
سقطت دمعة حارقة من عينيها وهي تبتسم بألم
تتمنى الآن أن تموت موته هنيه ولكنها لم تفعل ما يستحق فهل ستعيش دنتيها وآخرتها عذاب!.
“يارب يا رحمن يا مغيث أغثني… يارب يا رحمن يا مغيث أغثني”
ظلت تردد تلك الجملة مرات عديدة دون أن تكل أو تمل حتى بدأت تشعر بالإعياء وهذه المرة سوف تكون القاضية فما عادت تشعر بشيء حولها لتغمض عيناها بسلام لتلك الدوامة السوداء التي سحبتها بعيداً وهذه المره بلا عودة او أدنى مقاومة منها فأخيراً سترقد روحها بسلامِ بعد الآن.
🌸أستغفر الله العظيم وأتوب إليه🌸
“حضرتك كويسة!؟”
إستدرات چنة صوبه وهي تنتفض من مكانها بفزع ولكنها تنهدت عندما رأته رغم تعجبها من وجوده هنا فمسحت دموعها سريعاً بينما أحمد تقدم نحوها خطوتين وهو ينظر إلي إنهيارها قائلاً بقلق أخوى:
“فيه حاجه يا آنسه چنة!؟”
قامت من مكانها وهي مازالت تمسح وجهها بتوتر ثم هزأت رأسها بالنفي وهي تقول:
“لأ…مفيش حاجه”
فتح أحمد فمه للحديث كي يسألها عن سبب بكائها ولكنه تراجع فبأي حق يسألها!؟ رغم أن نيته خير إلا أنه لا يجب أن يحادثها لذا هز رأسه لها بتفهم وهو يغض بصره ثم هم ليرحل وينتظر زين أسفل ولكنها أسرعت قبله وهي تقول هاربة:
“خليك انت هنا انا اللي نازلة”
تركته وغادرت سريعاً وهي تركض نحو السلالم في الوقت الذي كان زين يصعد فيه فأصطدمت به ولكن زين تدارك الأمر سريعاً وهو يعود إلى الوراء بقوة فأردف بضيق رغماً عنه وهو يقول:
“ابقي خلي بالك بعد كدا وانتِ ماشية”
كانت تنظر له بغضب وغيظ فهو السبب الأساسي الذي أوصل شقيقتها إلى تلك المرحلة وإن كان هذا رغماً عنه بينما هو رفع رأسه نحوها عندما طال صمتها فوجدها تنظر إليه بنظرات غير مفهومة وقد لاحظ وجهها الباكي ولكنه لم يعلق بل تخطاها ثم أكمل طريقه نحو أحمد الذي أستقبله بالأحضان وقد أشتاق له فجلس جواره وظلا يتحدثا عن أمورهما حتى هتف زين متذكراً:
“صحيح انت لما جيت لقيت حد هنا ولا اى؟”
فهم أحمد ما يرنو إليه زين وأنه يقصد چنة فهز رأسه وهو يقول:
“اه لقيت الآنسة چنة هنا ولما جيت أنزل لقيتها نزلت انت قابلتها على السلم صح؟”
أومأ له زين بينما صمت أحمد قليلاً وهو ينظر إليه حتى هتف بتردد:
“و..وعرفت كانت بتعيط ليه؟”
“وأعرف ليه!”
أجابه زين وهو يهز أكتافه بجهل فقضب أحمد جبينه وهو يقول بتعجب:
“علشان دي بنت عمك مثلا وكنت المفروض تسألها!”
“عندها أخوها وعندها أبوها اولى إنهم ياخدوا بالهم منها
هي أجنبية عني ومليش إني أسالها”
نظر له أحمد قليلاً وهو يراه يبالغ في الأمر فعلى الأقل يسألها عن سبب بكائها ولكنه تجاهل هذا الموضوع ونظر إلى زين بخبث وهو يقول:
“وهي المدام مكنتش بنت عمك الاول برضو وملكش حكم عليها؟ ولا بتاخد اللي على هواك بس!”
انتبه زين إليه وقد أستغرق وقتاً حتى يفهم ما يقوله أحمد وأنه يقصد روان عندما كان يقوم هو من يتولى رعايتها ويحاسبها على الصغيرة والكبيرة ففتح فمه كي يتحدث ولكن أحمد قاطعه مسرعاً وهو يقول:
“متقوليش أصل مكنش فيه حد غيري أعمامها موجودين وعمر ابن خالتها موجود راسه براسك برضو ورغم كدا مكنتش بتسيبه معاها حتى ف متخدش دي حجه”
تنهد زين وهو يمسح على رأسه ثم نظر صوب أحمد يقول بهدوء:
“عايز توصل لاى في الآخر يا أحمد؟”
هز أحمد كتفه وهو يقول:
“انت عارف انا قصدي اى كويس”
تجاهل زين حديثه فهو ليس في مزاج حسن كي يدخل في نقاشات مع أحمد الآن بل غير الموضوع وحادثه بموضوع آخر حتى مر بعض الوقت فستأذن أحمد كي يرحل وهو يتصل بأخته كي تخرج له ومعها سهير.
وفي الأسفل كانت روان تجلس وبجوارها سهير التي كانت تشعر بالحزن بسبب إنطفاء صديقتها هكذا والحزن الذي يخيم وجهها وقد هربت كلمات المواساة منها فلم تدري اي شيء قد يريحها بتلك الحالة فظلت جالسه جوارها تحاول الإطمئنان عليها وهي تخبرها أن كل شيء سيكون بخير حتى رن هاتف أسماء ليخبرها أحمد بميعاد رحيلهم.
خرج الفتاتين فكان أحمد بإنتظارهما في الخارج حتى رحلوا بسلام بينما زين هم ليدخل ولكنه تفآجأ بمصطفى ابن عمه يقطع طريقه وهو يقول:
“السلام عليكم… ازيك يا زين أخبارك اى”
“وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته…اهلاً يا مصطفى بخير الحمد لله”
“يارب دايما تحمده على خير”
“واياك يارب جزاك الله خيراً”
أجابه زين ببسمة مجاملة وهو ينتظره يفرغ عما يريد قوله بينما الآخر وقف أمامه يشعر بالتوتر ولا يدري من أين يبدأ حتى أختصر عليه زين الأمر وهو يقول:
“فيه حاجه يا مصطفى؟”
أبتلع الآخر ريقه وهو يفرك في يده ثم أستجمع شجاعته وهو يردف بتردد:
“كنت جاي أسالك لو تعرف حاجه عن عايدة…، من آخر مهمة ليها مرجعتش”
كان هذا الأمر يشغل زين بالفعل فمنذ أن ذهبت أرسلت له منذ عدة ايام رسالة نصية تخبره أنها بخير ثم وبعدها انغلق هاتفها وكان قد قرر بأنه سوف يذهب إلى مقر عملها فهي لأول مرة تتأخر إلى هذا الحد ومرض زوجته هو من أنساه الذهاب.
فاق من شروده على تحديق مصطفى به وهو ينتظره أن يخبره عنها شيئاً فأردف زين بهدوء ونبره ليست لينة وهو يقول:
“انا من رأيي يا مصطفى تشوف اى اللي مزعل أخواتك البنات وتخلى بالك منهم أكتر من كدا وتسيبك من عايدة”
عقد مصطفى حاجبيه وهو يسأله بقلق:
“ليه مالهم أخواتي… حد منهم حصله حاجه؟”
“بتسألني انا ليه هو انا هعرف أخواتك أكتر منك!؟”
شعر مصطفى بالضيق منه فصمت دون أن يجيبه فاقترب منه زين حتى أصبح أمامه مباشراً ثم ربت على كتفه وهو يقول:
“شوف حياتك يا مصطفى ومضيعش عمرك على حاجه انا وانت عارفين إنها مستحيلة”
رفع مصطفى رأسه ثم نظر صوبه وهو يهتف بإصرار:
“مفيش حاجه مستحيلة على ربنا يا شيخ زين وأظن انت أكتر حد عارف دا كويس وارد تحصل معجزة واللي عايزه يتحقق علشان ربنا موجود وإن شاء الله يستجيب دعائي”
صمت زين في البدايه ولم يتحدث فما يريد قوله لن يعجبه بتاتا ولن يتقبله ورغم ذلك أجاب:
“مفيش حاجه بعيدة على ربنا سبحانه وتعالى بس زمن المعجزات أنتهى يا مصطفى وانت عارف كويس إن اللي عايزه صعب ورغم كدا برضو موقف حياتك عليه
رغم اننا مطالبين ناخد بالاسباب ومنوقفش حياتنا على حد لإن محدش يعرف النصيب فين..، انت عارف ومتأكد إن عايدة مش ليك ورغم كدا بتعلق نفسك باحبال دايبة فمترجعش تلوم نفسك لما تتعب بعدين”
أنهى زين حديثه وهو يهم بالرحيل ولكنه توقف عندما سمع صوت مصطفى يقول مستنكراً:
“معنى كلامك مندعيش ربنا باللي احنا عايزنه علشان مش هيتحقق وهنكون بنعلق نفسنا وخلاص؟”
أخذ زين أنفاسه وهو يزفر ثم تحدث موضحا وهو يقول:
“متجزأتش كلامي يا مصطفى وانت عارف كويس انا أقصد اى..، عن أذنك”
أستئذن منه زين ثم تركه متوجهاً نحو شقته فحمحم بعدما طرق الباب ثم دخل فلم يجدها فتوجه نحو حجرتهما فوجدها جالسه تنظر أمامها بشرود فاقترب منها وهو يقول ببسمة:
“حبيبي عامل اى دلوقتي”
رفعت رأسها تنظر له ببسمة صغيرة وهي تقول:
“تعرف إن بحب كلمة حبيبي منك اوي!”
ضحك زين بخفة وهو يحك ذقنه الطويلة هاتفاً:
“خلاص ياحبيبي بعد كدا مش هقولك غير حبيبي”
توجه نحوها حتى جلس جوارها وهي يمسد على شعرها قائلاً:
“حاسه إنك أحسن دلوقتي مش كدا!”
هزت رأسها بتكلف وهي تقول:
“ايوه الحمد لله حاسه نفسي أحسن”
أبتسم زين براحه ثم ربت على يدها بحنان وهو يقول:
“الحمد لله…، الله يتم شفائك على خير ويبعد عنك كل شر”
ثم رفع يده مشيراً على مشغل الصوت الذي مازال مفتوحاً على سورة البقرة بصوت الحصرى المهدئ للاعصاب ثم أردف:
“سورة البقرة بتحقق المعجزات والرسول صل الله عليه وسلم قال (اقرؤوا البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة السحرة) طول ما سورة البقرة شغالة في البيت إن شاء الله كل حاجه هتكون كويسة وهتطرد اي شيء موجود وانتِ كمان لازم تواظبي عليها وتقرأيها كل يوم او على الأقل ثلاث أيام مع الصلاة والأذكار ومفيش حاجه هتصيبك إن شاء الله”
هزت رأسها بالموافقة وهي تفكر بحديثه في الوقت الذي رن فيه هاتف زين مجيباً على المتصل وهو يرد السلام قائلاً:
“وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته الله يبارك فيك يا يوسف انا بخير الحمد لله…، أخبارك انت اى”
نظرت له روان بجهل ولا تعلم هوية المتصل فأكمل زين حديثه معه وهو يقول:
“فيه حاجه ولا اى!… خلاص تمام إن شاء الله قابلني بعد الصلاة هكون موجود في المسجد… خلاص اتفقنا إن شاء الله… السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ”
أنهى معه المكالمة فوجدها تنظر إليه بفضول ولكنها لم تسأله فوضح عليها الأمر وهو يقول:
“دا يوسف كان طالب عندي في الجامعه قبل ما يتخرج وأتعرفت عليه رن بيقولي إنه عايز يتكلم معايا في موضوع ف قولتله يقابلني في المسجد بعد الصلاة”
أومأت له بتفهم وهي تهز رأسها ببسمة صغيرة دون أن تجيب بينما هو لاحظ صمتها المستمر فأصبحت تستخدم الإشارات فقط دون الكلام…، لا يعلم أنها تبذل مجهوداً كبيراً حتى تخرج بعض الكلمات فقط لذا أصبحت تفضل الصمت وأصبح هو من يحاول الحديث معها رغم طبيعته وأنه قليل الكلام.
وقف من مكانه وهو يعدل ثيابه ثم مشط شعره وهند لحيته وضع من المسك الخاص به وأيضا من عطره حتى أنتشرت رائحته في المكان وما إن أنتهى حتى نظر إلى نفسه في المرآة برضى بل ويجدد نيته أنه ذاهب للقاء ربه وعليه أن يكون في أفضل حالة فأخذ أجران.. أجر العمل وأجر تجديد النية.
كانت تتابعه بعيناها دون أن تصدر اي رد فعل بل تنظر له فقط وحواسها منتبه لكل ما يفعله حتى وصل لأنفها رائحته فأخذت نفس عميق تدخل أكبر قدر من رائحته داخل رئتها حتى رأته يقترب منها مجدداً وهو يقول بنبرته الهادئة:
“هتعوزي حاجه ياحبيبي أجيبهالك وانا جاي؟”
هزت رأسها بالنفي وهي تقول بتكلف:
“لأ شكراً يا زين”
دنى منها يقبل جبينها ثم قبل يدها وهتف قبل أن يخرج:
“أستودعك الله الذي لا يضيع ودائعه… يلا السلام عليكم”
خرج متوجهاً نحو المسجد بينما هي ظلت جالسه مكانها تنتظره حتى يعود.
🌸أستغفر الله العظيم وأتوب إليه🌸
خرجت من الحجرة وهي تحمل شيء ما بيدها ثم أقتربت منه حتى جلست جواره وهي تقدم له ما بيدها قائلة:
“اتفضل يا ليث”
أستدار لها ليث وهو يضيق عنيه وينظر إلي ما بيدها بجهل وهو يقول:
“دا دهبك!”
أومأت له بتأكيد وهي تهتف ببسمة:
“ايوه منا عارفه”
“طب وجايبهم ليه؟”
أبتلعت حور ريقها ولا تعلم كيف تخبره ما تريد وهي مدركة بأنه لن يقبل بتاتا ورغم ذلك أستجمعت شجاعتها
وهي تقول بتلعثم:
“هو يعني… انا اقصد إنك يعني تاخدهم تمش…”
قطعت حديثها عندما هب ليث واقفاً وقد تبدلت ملامح وجهه تماما وأصبح غاضباً حتى هتف بعصيبة شديدة:
“انتِ شايفاني بقيت محتاج للدرجة يعني ياحور ولا شايفاني مش راجل علشان اخد دهب مراتي..، انتِ جايه تعايريني يعني”
هزت حور رأسها سريعاً وهي تقول موضحة بلهفة له:
“لأ يا ليث والله ماقصد حاجه من كل دول انت حتى مسبتنيش أكمل كلامي للاخر انا بس أقصد تاخدهم لحد ما شغلك يظبط ولما ربنا يكرمك انا عارفه انك هتجيبلي أكتر منهم وبعدين ما الدهب دا انت اللي أشترتهولي”
لم يهدأ بل مازال غاضباً ولكنه أردف بنبرة أهدئ عن ذي قبل وهو يقول:
“خدي دهبك يا حور وأنسي الموضوع دا وشيليه من دماغك”
زفرت حور بضجر من تفكيره ومن غضبه السريع فهي تحاول مساعدته وبالأخير يكون هذا رد فعله! تجاهلت المشاعر السلبية التي تشعر بها ثم أقتربت منه وهي تقول بهدوء ونبرة رقيقة:
“ازاي أقبل على نفسي يكون معايا دهب ومش لابساه كمان وجوزي بيمر بفترة عصيبة؟ محدش بيفضل طول عمره يا ليث معاه فلوس طبيعي جدا إن يمر عليك مشاكل في الشغل ومن واجبي كزوجة إني أقف جنب زوجي هعمل اى بدهبي وانا شايفه زوجي مهموم بسبب ضغط الشغل في حين إني معايا دهب وكمان انت اللي جايبهولي؟”
أمسكت ذراعه برفق ثم أكملت بتوسل:
“علشان خاطري يا ليث لو بتحبني فعلا أقبله انت كنت جايبلي دهب كتير يعني هيكون بمبلغ وقدره هنقدر نمشي بيها الشغل وإن شاء الله لما ربنا يكرمك انا واثقة انك هتجيبلي غيره وأحسن كمان”
زفر ليث بحنق وهو يمسح على رأسه بقوة هو بالفعل يحتاج لأموال كثيرة حتى أن ذهبها لن يكفي ورغم ذلك مازال غير قادر على أخذ ذهبها فلاحظت تعبيرات وجهه وهي تهتف:
“انا مش بتجمل عليك يا ليث دا واجبي زي ما انا واثقة إنك لو شوفتني في مشكلة هتعمل كل اللي تقدر عليه ف ازاي عايزني أقبل على نفسي يكون معايا دهب وجوزي في مشكلة!”
تنهد وهو يغمض عينيه قائلاً بضجر:
“دهبك مش هيعمل حاجه للي انا فيه يا حور”
“اهو نوايه تسد الزير يا ليث وإن شاء الله هتلاقيها حل وكل حاجه هترجع زي ما كانت وأحسن حتى لو هتبدأ من الصفر المهم متيأسش واعرف دايما إني معاك”
أبتسم لها ليث ثم أردف بإمتنان:
“كل يوم بتثبتيلي إنك خير الزوجة يا حور”
توسعت بسمتها وهي تقول بحب:
“بجد يا ليث شايفني زوجة صالحة؟ يعني لما بتشوفي بتفرح وبتكون سعيد!”
هز ليث رأسه وهو يقول بصدق:
“مبفرحش غير لما بشوفك ياحور ومبحسش بالراحه غير وانتِ جنبي حتى لو أسلوبي احيانا وحش لكن علشان دا طبعي السيء مش علشان انتِ اللي مقصرة
ورغم كدا بتحتويني وقت عصبيتي وبلاقي غضبي اتبخر في ثواني لدرجة مببقاش فاهم انتِ سحراني ولا اى”
أغروقت عيناها بالدموع ورغم أنها معتادة على المدح من الجميع إلا أن هذا المدح من نوع آخر فمن يمدحها الآن هو زوجها اذا فهو راضي عنها وهذا كفيل لها بل وتجدد نيتها أن ما تفعله من خير مع زوجها ارضاءً لله تعالى ولكي تكون زوجة صالحة.
فاقت من شرودها على صوت ليث الذي أنتبه أخيراً لم ترتديه فهتف بتوجس وهو ينظر إليها من أعلى إلى أسفل:
“اى اللي انتِ لابساه دا يا حور!؟”
نظرت حور إلى نفسها وكأنها تذكرت أخيراً ما ترتديه فعضت على شفتيها بخجل وهي تقول:
“أصل هفهمك من زمان وانا نفسي لما أتجوز البس هدوم جوزي..، طب انت عارف انا واقفت عليك ليك رغم اني كنت رافضاك تماما عارف ليه؟ علشان كنت بتلبس شوية لبس جامدين قولت أوافق عليك علشان ابقى أخمس معاك فيهم”
كان ليث يستمع إليها بفاه فارغ وهو ينظر إلى ما تقوله بدهشة وإلى ثيابه الكبيرة عليها فكانت ترتديه تيشرته الخاص الذي وصل إلى أسفل ركبتها حتى جعلها تبدو مضحكة فاقترب منها يمسكها من طرف الثياب قائلاً:
“ويوم ما تحبي تخمسي تقومي تخمسي في التيشرت الجديد بتاعي اللي لسه ملبستوش؟ لأ وكمان دخلتي بيه المطبخ! انتِ عارفه دا سعره كام!؟”
أبعدت حور يده عنها بحنق ثم هتفت بضجر وهي تلوى فمها:
“مستخسر حته تي شيرت في مراتك؟ أخص عليك يا ليث مكنش العشم لأ وبعدين سعره كام يعني دا كبيره 200 جنية رغم إني مرضيش أشتريه ب 50 بس عارفه انك بتحب تضيع فلوسك وخلاص اهو مجبكش ورا غير التبذير دا ”
نظر إليها بغيظ وهو يهتم بسخرية:
“200 جنية!؟ انا كنت شاريه من فترة ب 2000 جنيه يعني زمانه ذاد الضعف دلوقتي”
فتحت حور عيناها على وسعهما وهي تشهق بخضة ومازالت لا تصدق المبلغ الذي قاله فأردفت بصدمة وهي تقول:
“2000 جنية لييه بيتلبس لوحده ولا جاي بطيارة”
“لأ علشان دا ماركة معروفة”
جلست حور على المقعد بعدما شعرت بدوار يعصف بها
ثم هتفت وهي تضع يدها على صدرها بفزع:
“المبلغ دا في التيشرت دا امال البدلة الكاملة بتجيبها بكام!”
ضحك عليها بقوة على تعبيرات وجهها وصدمتها من معرفة أسعار ملابسه فأردف وهو يجيبها بضحك:
“لأ دي أنصحك متعرفيهاش علشان أخاف تروحي مني ولا حاجه”
ضحكت حور هي الأخرى رغماً عنها رغم انزعاجها من تبذيره لعلى ما يحدث معه الآن كي يعلم قيمة تلك النقود التي يبالغ في تبذيرها دون أن يدرى.
🌸اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد🌸
فتحت عيناها بصعوبة وهي تجد شيئاً ما يجذبها من قدمها وأظافر تنحر وجهها بخفة ولكنها تألمت رغم تلطفه معها فحاولت التململ وهي تزيح هذا الشيء التي لا تعلم هويته حتى بدأت الرؤية تتضح أمامها شيئاً فشيئ فإذا به نفس الذئب الذي أنقذته وقد أسترد عافيته وأصبح بحال أفضل بعدما كان يسارع الموت.
كان يحاول إفاقتها ولكنها فقدت كامل رغبتها في المحاولة بل تقبلت ما يحدث معها وأصبحت مستسلمة تنتظر الموت بصدرِ رحب ولكن يبدو أن له رأي آخر فلن يتركها تموت بتلك السهولة… يالله واي سهولة تموت بها بعد كل ما حدث معها؟ حتى أن جسدها لم يعد به شيئاً سليماً بل كل إنش بها يأن ألما ووجعاً.
كانت مستسلمة لمحاولته رغم أن ضغطه عليها بدأ يؤلمها ولكنها أيضاً لم تبدي أي ردة فعل بل مازالت على نفس وضعيتها تنتظره حتى يمل منها ويتركها ولكنه لم يفعل بل تفآجأت به يسحبها من قدميها يجرها نحو الخارج بصعوبة وهو يضع قدمها أسفل أسنانه داخل فمها.
يبدو أنه يريد رد الجميل لها..
هذا الذئب لم ينسى ما قدمت له رغم أنه حيوان.. والبشر ينسون رغم أن لديهم عقول يفكرون بها… اي ليت لهم من وفاء الحيواناتِ شيء ما كنا لنصبح بهذا السوء.
مازالت مستسلمة لما يفعله وهو يجرها نحو الخارج رغم أنه أيضاً مجروح..، أبتسمت بألم عندما قالت في نفسها بأن هذا ليس ذئب بل الذئاب هم من يعيشون بيننا الآن.
كانت تشعر بالألم أثناء سحبه لها وجرحها يشتد كلما تعثر جسدها بشيء أسفلها حتى أوشكت على الخروج من تلك الغابة المقيتة أخيراً وبدأت الطرق تضح حولها.
أغمضت عيناها وهو مازال مستمراً فيما يفعله فيتوقف قليلاً يأخذ أنفاسه وهو يلهث بشدة ثم يعود بجرها من جديد حتى توقف مرة أخرى فنتظرت حتى يكمل ولكنه لم يفعل ففتح عيناها حتى وجدت نفسها خارج الغابة بل
هي على طريق عام ولكن لسوء حظها لا يوجد أحد.
أخذ الذئب يعوي بصوتِ عالِ وكأنه يستغيث بأحد كي ينقذها ولكن من سوف يأتي على صوتِ ذئب! فإن كان أحد هنا فبمجرد أن يسمع صوت الذئب سوف يفر هارباً دون عودة.
خاب ظنها عندما وجدت سيارة تقترب منها وينزل منها شخصاً ما حاولت رؤية ملامحه ولكن رؤيتها لضوء السيارة جعلت الرؤية أمامها غير واضحة.
رأته يوقف سيارته ثم نزل وهو يقترب منها وعويل الذئب يرتفع حتى حملها دون أن يسالها حتى عن اى شيء.
يالله نفس الموقف يعاد إليها من جديد ولكن هذه المرة يبدو بشخص آخر لم ترغب حتى في معرفة هويته
لقد أصبحت فاقدة لكل معانِ الحياة!.
🌸أستغفر الله العظيم وأتوب إليه🌸
“السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. السلام عليكم ورحمة الله”
أنتهى زين من الصلاة وخلفه يصلي العديد من الناس فتبسم برضى وهو يحمد الله على نعمة الصلاة ونعمة حفظه للقرآن ونعمة أنه يصلي بالناس
كل تلك النعم يجب أن يحمد الله ويشكره فغيره ملهي في شهوات الدنيا ولا يفكر بآخرته قط.
أخذ يقرأ آية الكرسي دبر كل صلاة كما أعتاد ثم رفع يده يسبح عليها بأذكار الصلاة قائلاً سبحان الله 33 مرة والله أكبر 33 والحمد لله 33 مرة ثم أخذ يستغفر حتى قطع هذا اقتراب أحد منه وهو يلقى عليه السلام فرفع رأسه حتى وجده يوسف فأجاب عليه السلام باسماً ثم أردف:
“يعني مشوفكش غير وانت محتاجني كدا طيب يارب تحتاجني على طول علشان أشوفك دايما يا يوسف”
أبتسم يوسف بخجل وهو ينكس رأسه أرضاً احتراما لدكتوره وشيخه الفاضل ثم أجاب بإحترام شديد:
“انا لو عليا نفسي أشوف حضرتك كل يوم والله يا دكتور بس مبحبش أتقل عليك بزياراتي”
ربت زين على كتفه وهو يقول ببسمة:
“متقولش كدا يا يوسف تعالى وقت ما تحب انت عارف معزتك عندي اد اى من وقت ما كنت لسه طالب مابالك دلوقتي ماشاء الله عليك”
سعد بثناء زين عليه حتى احمر وجهه فرحة ثم أردف بإحترام:
“ربنا يجازيك خير يا دكتور ودا من عشمي في حضرتك وعلشان كدا جيت لحضرتك اول حد”
صمت يحاول ترتيب أفكاره وكلامه أولا بينما زين شعر بتشتته لذا حاول تخفيف الموقف وهو يقول بمزاح:
“بلاش حضرتك كتير انا اكبر منك بكام سنة بس متكبرنيش متنساش انك كنت اول دفعة أدرسلها”
أبتسم يوسف وهو ينظر إليه بإمتنان قائلاً:
“حضرتك ليك فضل عليا كبير يادكتور واحترام كبير وبعتبر حضرتك أخ كبير ليا ف هتكلم مع حضرتك بوضوح.. الحقيقة يعني”
صمت وهو يشعر بالحياء من استكمال ما يريد قوله بينما زين التزم الصمت كي يترك له المساحة في قول ما يريده فأكمل يوسف حديثه وهو يقول:
“انا حلمت حلم غريب شوية مش فاهم تفسيره اوي
حلمت إني يعني… حلمت بشخص معين انا وهي عند الحرم المكي والغريب إن دا بالنسبالي مكنش حلم انا كنت حاسس إن دا بيحصل حقيقي وفاكر كل تفاصيل الحلم بالظبط لدرجة مش مستوعب إنه حلم ف انا مش فاهم تفسيره اى وهل دا مجرد حلم عادي ولا ممكن تكون رؤية من عند ربنا! ”
“تعرف اللي كانت معاك في الحلم دي؟”
سأله زين بهدوء فهز يوسف رأسه وأنه يعرفها فأجاب زين وهو يقول ببسمة:
“ممكن تكون رؤية أو إشارة من ربنا الرسول صل الله عليه وسلم حلم بالسيدة عائشة قبل ما يتزوجها ثلاث مرات وعلشان كدا اتقدملها… يمكن هي حد كويس ومن نصيبك انت خد بالأسباب لو انت مستعد انك تتزوج وروح أتقدملها..”
أبتلع يوسف ريقه وهو يقول بتوتر:
“لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه… وهي مخطوبة لحد تاني ودا اللي محيرني”
بُهت وجه زين للحظات عندما أخبره يوسف بأمر خطبتها فهم ليجيبه ولكن رن هاتفه فجأة فأستئذن منه كي يجيب وما إن فتح الهاتف وسمع صوت الطرف الآخر حتى برزت عروق وجهه وأسودت ملامحه تماماً من هول ما سمع.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية وسولت لي نفسي 2)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *