رواية سهم الهوى (امرأة الجاسر) الفصل السادس عشر 16 بقلم سعاد محمد سلامة
رواية سهم الهوى (امرأة الجاسر) الفصل السادس عشر 16 بقلم سعاد محمد سلامة
رواية سهم الهوى (امرأة الجاسر) البارت السادس عشر
رواية سهم الهوى (امرأة الجاسر) الجزء السادس عشر
رواية سهم الهوى (امرأة الجاسر) الحلقة السادسة عشر
عبرالهاتف
تضايقت فايا من حديث ذلك الحارس لها ، أغلقت الهاتف وسُرعان ما قامت بإتصال آخر وتحدثت سريعًا بإستهجان:
صحيح معدات الحفر إتكسرت.
شعر من نبرة إندفاعها أنها غاضبه فحاول تهدئتها قائلًا:
صباح الخير يا فايا.
بإندفاع عاودت سؤالها:
بقولك إيه اللى حصب لمعدات الحفر كمان إزاي يحصل هجوم عالموقع وأنا معرفش بيه.
تنهد بهدوء محاولًا امتصاص غضبها، قائلًا بصوت ثابت:
فايا، لو سمحتي ادي نفسك لحظة تهدي الأول. كل حاجة تحت السيطرة، والهجوم تم في وقت متأخر وإحنا بلغنا الجهات المختصة.
قاطعته بتسرُع وتهكم :
إيه اللى تحت السيطرة؟ المعدات اتحطمت، يعني تأخير كبير في الشغل! أنت متخيل حجم الخسائر دي؟.
رد بنبرة جادة:
أنا مقدر غضبك، بس دلوقتي الأهم نحل المشكلة بدل ما نلوم بعض فريق الصيانة شغال على تقييم الوضع، وأنا على اتصال دايم بالموقع أول ما أوصل لأي مستجدات، هبلغك.
صمتت قليلًا، تحاول استجماع نفسها، ثم قالت بنبرة أخف حدة:
ماشي، بس عايزة يوصلني تقرير كامل النهارده، وفاهمني لو في حاجة محتاجة قرارات فورية.
أجاب بحزم:
أكيد، هبعتلك التقرير قبل نهاية اليوم. بس فايا، خلي بالك إن الشغل ده مليان تحديات، محتاجين نكون أقوى من أي أزمة.
أغلقت المكالمة دون رد، لكنها جلست تفكر في كلماته، تحاول أن تهدئ من روعها وتبحث عن حلول بدلاً من الغضب الذي سيطر عليها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بمكتب فراس شعر بشئ ناقص، كآن غياب تلك الحمقاء ومشاغبتها آثر على طاقته، فكر قليلًا ثم تبسم فلا مانع من بعض المشاغبات من بعيد فتح الهاتف وقام بالأتصال تفوه بمرح لكن ذو نبرة جادة:
الاستاذة مجتش الشُغل النهاردة ليه،ا إعملي حسابك كده الشغل هيضاعف عليكِ.
على الطرف الآخر، جاء صوتها مترددًا لكنه يحمل نفحة من السخرية والغضب:
حضرتك عارف إني مريضة.
إبتسم بمرح قائلًا:
وليه مقدمتيش عذر، وقولتي إنك مش جايه، كده إتسببتي فى تأخير العمل.
تضايقت بضحر مستهزأة:
آخرت العمل إزاي،انا مجرد إدارية!.
ضحك فراس بخفة وهو يتكئ على مكتبه، يعبث بقلم بين أصابعه:
أيوة إدارية بس كمان الادارة لها مهام لازم تخلص كمان حسيت إن المكتب ناقص شوية ناقص إزعاجك المعتاد.
تضايقت وردت بنبرة جريئة :
لو على الإزعاج سهل، أجي مخصوص أزعجك وأرجع.
ابتسم فراس، يدرك أنها تحاول كبح كسلها المعتادة:
لا، كده هتبذلي مجهود زيادة عليكِ.. خليكِ مرتاحة، عشان تخفي بسرعة بس بعد كده مفيش غياي من غير عذر… وتبلغيني بيه من قبلها.
تنهدت بضجر قائله:
حاضر لما أتعب بعد كده هستأذن منك الأول.
ضحك قائلًا:
تمام مش فاضي للرغي، بس ده آخر تحذير لكِ.
تفوهت ببعض الغضب بصوت هامس لم يسمعه، لكن ضحك من تلك الهمسات
وأنهى المكالمة مبتسمًا، ينظر إلى شاشة الهاتف قبل أن يضعه جانبًا. في داخله، أدرك أن تلك المشاغبة التي كان يتظاهر بالضيق منها، أصبحت جزءًا لا يتجزأ من يومه… ظلت الإبتسامة معلقة على شفتيه… أسند ظهره على المقعد ينظر إلى الأوراق المبعثرة على مكتبه،تنهد وهو يحاول نفض التفكير فى تلك الحمقاء والتركز في عمله، لكن ذهنه كان يهرب دومًا إليها يتذكر حُنقها ونبرتها الغاضبة الكسولة… تنهد وهو يجذب حاسوبه، لكن
فجأة، إستقام برأسه ونظر نحو باب المكتب الذي فُتح ودخلت فايا بإندفاع ، فنهض سريعًا يسأل:
فايا خير فى ايه؟.
أجابته بتسرُع:
مش خير،المشروع الجديد ده واضح مشاكله هتبقي كتير،الحارس اللى على الموقع بلغني إنهم لقوا المعدات بتاع الحفر متكسرة وأماكن كانت محفورة اتردمت،وطبعًا معروف مين اللى عمل كده.
تعجب فراس قائلًا:
وحارس الموقع كان فين وإزاي مبلغش الشرطة فى وقتها.
أجابته فايا:
الحارس أكيد خاف،هو قال إن اللى حصل ده تم وقت صلاة الفجر وهو كان بيصلي في جامع قريب من الموقع ولما رجع شاف عربية نص نقل وعليها رجالة وهربت بسرعة، وبلغ المهندس فى وقتها وإتصلوا بالشرطة بس إنت عارف إن المنطقة قريبه من البدو والشرطة نفسها بتخاف تعمل معاهم مناوشات، وواضح إن اللى عمل كده عنده ثقة إن الموضوع مش هيبقي فية عقاب قانوني.
صمت فراس قليلًا يُفكر ثم تحدث:
بس ده معناه إن الشغل كله هيتأخر والميزانية هتزيد، ولو البدو هم فعلًا ورا الموضوع، يبقى لازم نتكلم معاهم بشكل مباشر.
اومات فايا بآسف:
إنت عارف إن التعامل معاهم مش سهل، وده غالبًا،إستغلال تصفية حسابات بينهم وبين بعض وإحنا واقعين فى النص.
نظر فراس إليها بحسم قائلًا:
ماينفعش نسكت أول خطوة، لازم نتأكد إن المعدات الجديدة هيبقى عليها حراسة كويسة، ومش هنسيب الموقع من غير أمن.. ثانيًا، لازم نعرف البدو عايزين إيه بالظبط. يمكن لما نتحاور معاهم نحل المشكلة
ردت فايا بتردد:
أنا مش واثقة إنهم هيقبلوا يتكلموا، بس لازم نحاول.
إقترب فراس من فايا وضع يده على كتفها قائلًا:
المشروع ده مش مجرد بناء،ده حِلم تاج، مستقبلنا ومستقبل ناس كتير، مش هنسمح لحد يوقفنا.
اومأت فايا قائله:
أنا فكرت حد فينا يروح لهناك، كمان تاج أكيد هتتصل علينا وهتسأل عالشغل، بلاش نقولها غير لما نشوف حل.
اومأ فراس بموافقة:
تمام أنا هسافر الموقع، وفعلًا تاج مش لازم تعرف سبيها تتفسح مع جاسر تاخد هدنة شوية تفصل وتستمتع بحياتها.
وافقت فايا فراس لكن إعترضت قائله:
لاء أنا اللى هسافر للموقع وهاخد معايا أونكل خليل هو بيعرف يتصرف مع المشاكل دي بطريقة أفضل.
وافق فراس قائلًا:
تمام بس بلاش تتعصبي وتندفعي زي عادتك وأنا هباشر الشركة هنا،طبعًا الاستاذ آسر منفض دماغه وقارفنا بالغبية ميسون والله عندي يقين إنه طرف فى مشاكل المشروع.
أجابته فايا:
وأنا كمان عندي نفس الشك عشان كده مبلغتش آسر وقتها هتنفرد علينا وتهز من الثقة،خلينا نحل المشكلة فى هدوء بعيد عنهم.
اومأ لها متفاهمً،كذالك هي،لكن صمت الإثتين بعد أن سمعا صوت طرق على الباب من ثم دخول تلك السمجة…نظر لبعضهما وأخفيا بسمتهما بصعوبه بينما تضايقت ميسون من نظراتهم وسألت:
روحت مكتب تاج ملقتهاش فيه،قولت يمكن هنا عند فراس فى الحسابات.
تفوهت فايا بعناد:
تاج مش هنا ولا فى مصر،تاج سافرت مع جاسر فى رحلة إستجمام،أظن من حقها،الفترة اللى فاتت هي اللى كانت شايلة الادارة كلها،وبعدين كنتِ عاوزاها فى إيه.
شعرت ميسون بغضب ساحق وتوترت قائلة:
طبعًا لازم تاخد إستجمام،مش مهم الموضوع اللى كنت عاوزاها فيه،لما ترجع هبقي أكلمها،واضح إني قطعت عليكم كلامكم مع بعض هستأذن عندي شغل مهم هروح مكتبي أخلصه.
أومأ لها الإثنين بصمت،حتى غادرت إنفجر الإثنين بالضحك.
بينما غادرت ميسون بغضب يطحن عقلها، تاج دائمًا تفوز بالمُقدمة حتى مع ذلك الجاسر الذي أخطأت حين ضغطت على آسر وباع له نصف المزرعة وبعض الأسهُم، يبدوا أنه كان إتفاق مُسبق بينهم وهي سهلت له ذلك… لكن لن تتخذ مقعد المُتفرجين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أسبانيا
صدمة قوية انعكست على ملامح جاسر، التي غدت شاحبة ومنهكة. عقله يثور بلا هوادة، مستنكرًا فعل هالة. كيف لأخته أن تفعل ذلك؟ كيف لها أن تُخبر روزالينا، وهي تعلم جيدًا أنها ستأتي فقط لإفساد كل شيء؟
لطالما عرف مدى مقت هالة لتاج، لكن لم يتخيل أبدًا أن تصل بها الكراهية لهذا الحد.
الأمر يتجاوز الحقد على تاج؛ إنها لا تبالي بسعادته أيضًا. جاسر يدرك ذلك جيدًا. هي تعرف أن فعلتها لن تفسد تلك الرحلة فحسب، بل قد تُدمِّر زواجهما بالكامل.
قلبه يمتلئ بالغضب، بالحزن، وبعجز لم يعهده من قبل. لم يكن قادرًا على استيعاب الكراهية التي باتت هالة تكنها له ولتاج معًا، وكأنها تقف أمامه حاجزًا يحجب عنه الأمان والسعادة…
صمت جاسر كان فرصة روزالينا حين رفعت رأسها ورأت تاج تقف خلف زجاج تلك الشُرفة… بقصد منها إقتربت من جاسر وكادت تُقبله لكن هو عاد للخلف بغضب ونهرها ثم قال بأمر:
غادري المزرعة روزالينا ويكفي سبق وقولت كل شئ بيننا إنتهي،حتى العمل إنتهي،…ولا تحاولي تجاوز الحدود بيننا.
صوته كان حادًا وكلماته مثل السهام.
تراجعت روزالينا بخطوة، لكنها لم تستسلم بسهولة، نظرت إليه بنظرة مغرورة وقالت بنبرة متسلطة:
أنت تعرف جيدًا أنني لا أستسلم بسهولة، جاسر. وما بيننا لن ينتهي بمجرد كلمات.
قبل أن يرد عليها، خطف بصره ظل تاج خلف الزجاج، وجهها متجمد وصامت، وكأنها لوحة تعكس خليطًا من الصدمة والغضب
شعر جاسر بغصة في حلقه، لكنه تشبث بقراره، فاستدار نحو روزالينا وأشار نحو بوابة المزرعة بحزم:
قلت غادري الآن، ولا تعودي مجددًا.
ارتفع حاجباها في تحدٍ، لكنها أدركت أنه لا جدوى من العناد، فاستدارت وغادرت بخطوات بطيئة متعمدة، كما لو أنها تريد ترك أثرها في المكان.
وقف جاسر للحظة يحاول التقاط أنفاسه، ثم نظر نحو الشرفة حيث كانت تاج، لكنه وجدها قد اختفت أسرع إلى الداخل بحثًا عنها، وهو يشعر بالذنب وكأنه يحمل جبلاً فوق صدره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شعرت تاج بغضب وغِيرة ولم تستطيع تحمل رؤية ذلك، فكرت للحظات ثم إتخذت القرار ستعود لـ مصر، بالفعل جذبت هاتفها وبحثت عن بين ارقام شركات الطيران وقامت بالاتصال على إحداها وطلبت تذكرة سفر للقاهرة.
بذلك الوقت دخل جاسر وسمع نهاية حديثها
أغلقت الهاتف ولم تُبالي بدخول جاسر الى الغرفة وذهبت نحو خزانة الثياب وجذبت تلك الحقيبة بدأت بجذب بعض الثياب وضعتها بالحقيبة، إستغرب جاسر ذلك وإقترب منها
حين إستدارت كان بوجهها سائلًا:
بتعملي إيه يا تاج؟.
حاولت أن تُحايده لكن لف يده حول خصرها رفعت نظرها ونظرت الى عيناه بلا مبالاة:
زي ما أنت شايف برجع هدومي للشنطة تاني وأكيد سمعت كلامي وبتفهم أسباني كويس.
تنهد جاسر بعمق وهو ينظر إليها بعينين مترددتين بين الحزن والغضب، وحاول تهدئة صوته وهو يقول:
تاج… روزالينا مشيت من هنا، هنكمل رحلتنا زي ما كنا متفقين.
لكن تاج لم تمنحه الفرصة لتوضيح موقفه، نفضت يده عن خصرها وقاطعته بعصبية وإستهزاء يفضح ألمها المكبوت:
آه، ما أنا شوفتك بتبوسها من شوية! يمكن كانت قُبلة الوداع.
ذهبت نحو الحقيبة وضعت الثياب ثم شدت سحابها بعنف وهي تحاول التماسك، لكنها شعرت بأن كلماتها ارتدت على قلبها كما ارتدت على وجهه لمح جاسر لمعة الدموع في عينيها، تلك الدموع التي كانت تحاول بكل الطرق ألا تسقط.
تقدم خطوة نحوها، واضعًا يده بلطف على ذراعها، لكن صوتها انفجر كالبركان:
“متقربش مني يا جاسر! متفكرش إني هصدق أي حاجة هتقولها بعد اللي شوفته، كفاية إنت أكيد مش جايبنا هنا وصدفه تجي كمان مراتك الاولانيه، أكيد زي ليلة زفافنا لما سافرنا وبعدها أكتشف إنها رحلة عمل فى المقام الأول طبعًا، أنا نازلة مصر و…
حاول أن يحتفظ بثباته، لكن الغضب بدأ يتسرب إلى صوته وقاطعها :
أنتِ اللي مفكرة إنك فاهمة كل حاجة، لكن الحقيقة إنك ما بتديش نفسك فرصة تسمعي…
تراجعت تاج خطوة للخلف، ورفعت يدها أمامه كأنها تحاول منعه من الاقتراب أكثر:
أسمع إيه؟ مبررات ايه؟
رفع جاسر يده في الهواء وكأنه يريد أن يضرب الجدار غضبًا، لكنه في النهاية أطلق زفرة ثقيلة وتحدث بصوت هادئ:
لو ده اللي شايفاه، لو شايفاني متعمد أجيبك هنا غيظ تبقي غلطانه
صمت للحظه ثم نظر إليها حاول الهدوء عكس ثورة أحساسه قائلًا بصدق :
لو عاوز أغيظك تفتكري كان صعب أجيبها مصر.
نظرت له بصمت سُرعان ما تحول لإصرار قائله بأستبياع:
طبعًا مش صعب،بس اللقاء هنا أفضل،عالعموم
مش هتفرق يا جاسر إعمل اللى إنت عاوزه أنا راجعة مصر النهاردة.
تعصب جاسر وجذبها من يدها بقوة لتقبع بين يديه ليشدد قبضة يديه على عضديها ينظر لها بغضب إصطكت أسنانه شرزًا وهو يحاول تبرير ما حدث لكن هي تصم أذنيها وتصر على ما برأسها، قوتها بهذه اللحظة واهية يبدوا أن قسوة الغضب آثرت بقوتها البدنية حين قبض جاسر على عضديها وجذبها له بقوة شعرت بدوخة
رغم محاولته تبرير موقفه، كآن كلماته تتطاير في الهواء بلا أي تأثير على جدار عنادها رفضت أن تنصت، أن تصدق، وأغلقت أذنيها عن كل تبرير. لكن حين إشتدت قبضة يديه أكثر، شعرت بشيء مختلف.. ليس فقط الألم النفسي بل دوخة غريبة تسللت إلى رأسها
عينيها تراجعتا قليلًا، وشفتيها نطقتا همسًا قبل أن تخور قوتها:
جاسر… كفاية…
شعر بانهيار جسدها بين يديه، وسرعان ما تحول غضبه إلى صدمة وقلق.. حين ترنحت بين يديه، نبض قلبه بجنون وهو يراقب شحوب وجهها. لم يكن يتوقع أن تنهار بهذه الطريقة.. تلك الفتاة التي عرفها دومًا قوية وعنيدة، تبدو الآن ضعيفة وهشة كريشة عصفور يتلاعب بها الريح. همس اسمها بخوف واضح:
تاج
ترك عضديها بسرعة ليمسك بكتفيها برفق، يهزها قليلاً وهو ينادي اسمها:
تاج! مالك افتحي عينيكِ.
لكنها كانت قد استسلمت للدوار، تاركة جاسر في قلق وهلع ماذا أصابها فجأة.. أحاط خصرها بذراعيه ليمنعها من السقوط، بينما استقرت رأسها على صدره.. حاول أن يخفف قبضته،
رفع يده المرتجفة وربت على وجنتها برفق محاولًا إفاقتها
لكنها لم تستجب، ظلت عيناها مغمضتين،دفعه خوفه إلى النظر حوله بقلق، كأنما يبحث عن حل لا يمكنه أن يتحمل فكرة أنها قد تتأذى
حملها بين ذراعيه وضعها فوق الفراش برفق، ثم انحنى أمامها، يُبعد خصلات شعرها عن وجهها وهو يهمس باسمها
راقبها للحظة، ثم هرع لإحضار قنينة العطر ثم عاد، يحاول إفاقتها الى أن بدأت تستجيب له وفتحّت عينيها بصعوبة، نظرتها كانت مشوشة وضعيفة، لكن شيئًا من العتاب ظهر وخوار عيون بينهم… تتسائل بعتاب:
ليه يا جاسر ليه بتضغط عليا بالشكل ده.
تراجع قليلًا،يشعر بآسف حاول أن يجيب، لكن صوت عقله اختنق. أخذ نفسًا عميقًا، ثم جلس بجانبها على الفراش
وأجابها بصوت ممتلئ بالألم:
أنا مش عارف أتعامل معاكِ إزاي يا تاج مش عارف أسيبك أو أقرّب منك. عنادك بيقتلني، وأنتِ… إنتِ دايمًا شايفاني الغلطان.
رغم تعبها، لم تتحمل تلك النظرة من عينيه حاولت أن تقاوم الضعف في جسدها ورفعت رأسها قليلًا لتنهض لكن منعها جاسر قائلًا بأمر:
تاج إنت…
قبل أن يسترسل حديثه شعرت بغثيان رغم وهن جسدها لكن تحملت ونهضت حسب قوة جسدها لكن كاد جاسر أن يمنعها، وضعت يدها فوق فمها تقول برجاء:
سيبني يا جاسر.
لاحظ وضعها ليدها على فمها فإستغرب ذلك ولم يتركها، لكنها إبتعدت مُسرعة نحو حمام الغرفة، تردد جاسر فى الدخول خلفها
لكنه لم يستطع تجاهل قلقه وقف أمام باب الحمام يناديها بقلق:
تاج… إنتِ كويسة؟
لم تُجبه، واستمر صوت الماء المنسكب في الحوض يُخفي صوتها، فازداد توتره ورفع صوته قليلاً وكاد يدخل لكن طرق على الباب قائلًا:
تاج، لو مش قادرة افتحي الباب وقوليلي.
بعد لحظات خرجت تاج وهي تُمسك بمنشفه بيدها، ملامحها شاحبة لكنها حاولت الابتسام لتطمئنه:
أنا كويسة… يمكن تعب مفاجئ بس.
اقترب منها بخطوات سريعة يُمسك بكتفيها برفق، يُحدّق في عينيها بقلق:
تعب مفاجئ إيه؟ شكلك مش طبيعي هخلي مانويل يجيبلك دكتور.
هزت رأسها بإصرار وهي تقول بنبرة ضعيفة:
لا… ما فيش داعي، مجرد دوخة… أنا هرتاح وهبقى تمام.
لكن نظراته المُصرّة كانت كفيلة أن تُخبرها بأنه لن يقتنع بسهولة، فأمسكت بيده وهي تقول برجاء:
صدقني يا جاسر، أنا بس محتاجة شوية راحة… مش أكتر.
ظل ينظر لثوانٍ، وكأنه يحاول قراءة الحقيقة خلف كلماتها، لكنه أخيراً تنهد وقال بهدوء مشوب بالقلق:
طيب تعالى أرتاحي عالسرير، لو حسيتِ بأي حاجة تانية تقوليلي فورًا.
أومأت بصمت، وذهبت معه نحو الفراش تمدد لجوارها يُزيح خصلات شعرها عن جبينها بينما هي أغمضت عينيها تشعر بحِيرة وعذاب مازال مُستمر منذ سنوات، يعود الى رأسها الذكريات
[بالعودة بعد أن إتفقت مع قاسم على الطلاق]
كانت تظن أن تعود السعادة لحياتها،قررت ولن تنتظر سوف تسترد جاسر مرة أخري،تبسمت لـ خليل وهو يقف معها بالمطار يشعر بالقلق قائلًا:
أنا مش واثق من قاسم المفروض گان يطلقك زي الإتفاق لكن ده مر كام يوم ولسه منفذش وعده.
تنهدت تاج قائله:
فعلًا انا كمان معنديش ثقة فيه بس هو مستحيل يلعب معايا بدناءة مرة تانيه،خلاص قاسم بالنسبة لى إنتهي ومتأكدة أنه بتلاعب بالوقت كنوع من الكيد أو لإثبات أنه ما زال يقدر يتحكم في حياتي، بس لا هو ولا غيره هيقدروا يخلوني أضعف أو أرجع خطوة لورا. أنا خلاص فهمت لعبته، وعرفت حجمه الحقيقي.
توقفت تاج للحظات ثم إستطرد وحديثها بثقة :
دلوقتي قاسم ملوش مكان في حياتي، ولا حتى في تفكيري. أنا اللي هتحكم في مصيري، ومش هسمح لأي حد يحاول يوقعني تاني…وأنا اللى وأنا اللي هكتب بدايتي بإيدي، مش بإيد حد تاني هبدأ من جديد، وهفضل أقوى من أي تحدي قاسم خلاص انتهى دوره في حياتي دلوقتي، أنا اللي هبني مستقبلي على طريقتي، وهواجه الدنيا من غير خوف ولا ضعف.
إبتسم لها خليل بمؤازة، بنفس الوقت سمعا النداء الداخلي بالمطار وتنبية بذهاب الركاب الي الطائرة إبتسمت لـ خليل الذي عانقها قائلًا:
لما توصلي لـ جاسر إبقي كلميني.
إبتسمت له بشُكر قائله:
شكرًا لك يا أونكل إنت اللى حبت لى عنوان صاحب المزرعة اللي بيشتغل فيها جاسر.
أومأ لها مُبتسمّا مُتمنيًا لها العثور على سعادتها المفقودة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على الجانب الآخر بـ أسبانيا
شهور مضت وأضحت تجارة مانويل تعود وتزدهر والفضل يعود الى ذلك الفارس الذي كان مُحطم القلب يواسي حاله بالعمل لمدة طويلة فيعود وهو يشعر بالإنهاك كي لا يُفكر لكن تظل “تاج” مستحوذة على قلبه وعقله اللذان لا ينسان أبدًا سبب مآساتهم… لكن فكر بعد نصائح من مانويل كذالك خاصرته روزالينا وظلت تُطارده ليس من أجل العمل فقط، بل أيضًا هنالك مشاعر بداخلها ربما رفضه يُثير بداخلها التحدي والعناد، أقنعته بالعمل كعارض بالإعلانات وافق بعد نُصحه مانويل أن ذلك عمل مؤقت جوار عمله بالخيول، يُدر عليه مال أكثر، تطورت علاقته مع روزالينا التي ظنت أنه بدأ يتجاوب معها ويميل لها،وهو ظن ذلك أيضًا بعدما كان يصل له أن تاج تعيش بسعادة ورخاء كما كانت سابقًا،لم ييأس قلبه لخظة من عشقها لكن ربما أراد مُسكن أن يُهدئ آلم ذلك السهم المغروس بقلبه،اصبح هنالك تآلف بينه وبين روزالينا التى تقترب منه بغية قضاء ولو ليلة واحدة بين يديه تتذوق الغرام معه، بالفعل بدأ يلين، لكن هو لن يفعل شئ مخالف لمبادئه، بخطأ منه طلب الزواج من روزالينا وهي بسعادة بالغة وافقت،بدا التجهيز لـ عُرسهما الذى كان مفاجأة
تزينت حديقة منزل مانويل لإستقبال حفل إشهار زواج جاسر وروزالينا، بعدما وثقا عقد زواج مدني
بنفس الوقت ترجلت تاج من سيارة الأجرة نظرت الى ذلك المنزل الكبير،وتلك الزينة لم تُفكر،وهي تدخل الى الحديقة كان هنالك حضورًا لحشد لا بآس به كذالك عدسات مصورين…فكرت ربما مناسبة خاصة بصاحب المنزل،دلفت بقلب ينبض بتسارع،وعقلها مشغول كيف ستُخبر جاسر أنها آتت من أجله وانها شبة أصبحت حُره وتحكي له عن سبب زواجها المقيت من قاسم،كذالك تخبره أنها إحتفظت بنفسها ومازالت عذراء وأنها لم تخون عهد العشق…لكن وقفت مصدومة
تشعر كآنها صنمًا فقط دموع عينيها هي ما تدُل على انها مازالت تحيا
صدمة أخري وهي ترا جاسر يقوم بتقبيل تلك الفتاة ربما ليس هو من بدأ بالقبلة لكنه لم يرفضها،قُبلة علانية تُعلن زواج
جاسر من أخري وهي تشعر بآلاف الرماح تخترق كل خلية من جسدها…
شعر جاسر بالنفور من تلك القُبلة بعدما فاق من وهم عاشه أن من يُقبلها هي تاج، إبتعد عنها ورفع وجهه إنصدم بوجود تاج، فى البداية ظن أنه وهمًا، لكن أغمض عيناه وفتحها وتيقن أنها ليست وهمًا بل حقيقة أمامه، لم تنتظر حين شعرت أنها لو ظلت للحظة قد تنهار أمام عيناه
فرت هاربه تحمل مآساة قلبها لم تنتبه الى من إنصدمت بها أثناء هرولتها، كذالك لم تهتم بنداء جاسر وهي تركض بلا هوادة.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية سهم الهوى (امرأة الجاسر))