روايات

رواية وبالعشق أهتدي (ميثاق الحرب والغفران 2) الفصل الثاني 2 بقلم ندى محمود توفيق

رواية وبالعشق أهتدي (ميثاق الحرب والغفران 2) الفصل الثاني 2 بقلم ندى محمود توفيق

رواية وبالعشق أهتدي (ميثاق الحرب والغفران 2) البارت الثاني

رواية وبالعشق أهتدي (ميثاق الحرب والغفران 2) الجزء الثاني

وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2)
وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2)

رواية وبالعشق أهتدي (ميثاق الحرب والغفران 2) الحلقة الثانية

شعورها وكأن الطريق ولا ينتهي كان نابع من اضطرابها الملحوظة رغم أنها لم تشعر به أثناء قدومها لكن الآن وهي معه وبطريقهم للمنزل كان الوقت يمر ببطء شديد، تستمر في اختلاس النظرات السريعة محاولة اختراق عقله ومعرفة ما يدور داخله وما سبب سكونه المريب هذا، هو لم يتفوه معها ببنت شفة منذ أن استقلت بالسيارة وهذا لا يزيد من فضولها إلا الارتباك، لكنها حاولت الثبات كعادتها وكأنها لا تبالي بحالته المخيفة وراحت تسأله بصوت خافت:
_أنت ساكت إكده ليه؟
تجاهل سؤاله كأنه لم يسمعها ولم يرفع نظره عن الطريق أمامه للحظة واحدة مما جعلها تلوي فمها بضيق من تجاهله لها وعادت تهتف بنبرة أكثر وضوحًا هذه المرة:
_عمران أنا بكلمك!!
التفت لها هذه المرة ورمقها بأعين بثت التوتر في صدرها جعلت من تعابير وجهها التي كانت متشبعة بالثقة تتخبط وسط انفعالات توترها المختلفة من نظراته ونبرته المتوعدة وهو يقول:
_وأنا سامعك.. يستحسن مسمعش حسك واصل لغاية ما نوصل وفي البيت لينا حساب ووقتها هعرف ارد عليكي زين
ابتلعت في جوفها أي كلمة أخرى كانت تنوي قولها بعد عباراته وامتثلت الصمت كما أمرها، فهذا ليس الوقت ولا المكان المناسب لجدالهم.
دقائق أخرى مرت في صمت مريب بينهم حتى وصلوا للمنزل وسبقته هي بالخروج من السيارة والإسراع للداخل وكان هو يلحق بها لكن اوقف آسيا صوت إخلاص وهي تبتسم بسخرية وتردف في حقد:
_على أخر الزمن بقى عندينا حريم بتطلع وتدخل على هواها من غير علم ولا أذن چوزها وكمان بتكدب وتقول أنا چوزي عارف
صرت آسيا على أسنانها بغيظ واستدارت نحو إخلاص تطالعها بنارية هاتفة:
_الكدب ده صح يتقالي لما اكدب على حد ليه حكم عليا.. لكن أنتي ملكيش حق يا حچة إخلاص
خرج صوت عمران من خلفها وهو يصيح بها منفعلًا بحدة:
_لمي لسانك وردي زين وبأدب
لمعت عيني إخلاص بنصر وراحت تنظر لابنها وهي تبتسم بخزي وتقول:
_شايف بترد عليا كيف أنا مش قولتلك ياولدي دي هملت ومعدتش بتعمل حساب لحد
اشتعلت عيني آسيا وهي تحدق بإخلاص في وعيد، ثم سمعتها وهى تهمس بضيق:
_وفوق ده كله رايح تجيب منها عيل ياولدي اه ياني
يبدو أن عمران لم يسمع كلمات أمه حيث وجه حديثه الغاضب لزوجته يقول:
_يلا قصادي على فوق
ألقت نظرة أخيرة حاقدة على حماتها قبل أن تندفع ثائرة باتجاه الدرج تصعد للطابق الثاني وهي كجمرة من النيران، بينما عمران فهم بالصعود خلفها لكن أوقفته إخلاص وهي تمسك بذراعه متمتمة في خوف واهتمام مزيفين:
_براحة عليها ياولدي متنساش أنها حامل بردك
ربت عمران على كفها في لطف وهو يهز رأسها بالموافقة ثم ازاحه من فوق ذراعه واتجه للأعلى حيث غرفته، فور دخوله رأى آسيا وهي تجوب الغرفة إيابًا وذهابًا وتأفف بقوة في عصبية شديدة، وتحولت فجأة لأخرى بعد أن كانت منذ قليل في السيارة مطيعة وخائفة عادت لطبيعتها الشريرة والشرسة وهي تنظر له بقوة وتهتف:
_قالتلك إيه خليتك توصل للحالة دي، أمك قالت إيه ياعمران وولعت الدنيا
هتف بنبرة تحذيرية:
_وطي حسك وأنتي بتكلميني
صرخت بانفعال شديد متعمدة رفع نبرتها أكثر غير مبالية لتحذيره:
_ أمك اللي كانت من يومين بتتوعدلي وتقولي أنها هتخليك تطلقني وتچوزك لبت عمتك، وليه تستني ما يمكن تچوزهالك وأنا لساتني مرتك، بس حط في دماغك زين يا معلم أنا مش أختك اللي هتسكت وتسيب بيتها، كيف ما قدرت اعملها قبل إكده وكنت هقتلك لو فكرت تعملها ياعمران أنت وهي هاخد روحكم
أثارت جنونه بعد أن كان ينوي الجدال معها بهدوء قليلًا مراعاة منه أنها حامل، لكنها لن تترك يومها يمر مرار الكرام حيث اقترب منها وقبض على ذراعها بعنف يهتف بصوت اشبه بفحيح الأفعى المرعب:
_وتستني ليه لما اتچوز عليكي.. طالما لساتك مندمتيش على اللي عملتيه معايا رغم أني نسيته وعندك استعداد تكرريه يلا وريني هتعمليه كيف بس خليكي فاكرة أن اللي قصادك مش عمران القديم اللي هيسامح ويعدي الموضوع
شعرت أن الدموع تسير في طريقها لعينيها فردت عليه بغضب:
_أنا مش هقعد في بيت واحد مع أمك يا أما نرجع القاهرة يا تتشتريلي شقة إهنه بعيد عن البيت ده
ابتسم لها بسخرية ورد بقسوة صابت أعماق قلبها:
_مفيش رچوع القاهرة ولا في بيوت وهتقعدي إهنه ورچلك فوق رقبتك ولو حسك طلع وفتحتي موضوع البيت ده تاني أنتي حرة
ترك ذراعها وقال بأعين لا تحمل أي حنو أو شفقة:
_وممنوع الخروج من البيت لغاية ما تتعلمي تردي باحترام على امي وعليا وتعملي حساب لچوزك اللي بتطلعي وتدخلي من غير علمه
ثم استطرد بعد لحظة من متابعته لتعابير وجهه الملتهبة وعيناها اللامعة بالعبرات:
_ولو عرفت أنك بس اتواصلتي مجرد تواصل مع خلود يا آسيا مش هعمل حساب لأي حاچة بينا وهتشوفي اللي عمرك ما شوفتيه مني، روحتك بيت الـ**** ده النهاردة عشان تشوفي بت عمك ومن غير أذني خلصت رصيدك عندي وهعديهالك بمزاچي
استدار بعدما أنهى عباراته واتجه لخارج الغرفة ليتركها لكنه بعد أن تمسك بمقبض الباب وجذبه عليه ليفتحه توقف والتفت لها وقال بجفاء:
_احمدي ربك أنك حامل في ولدي وهو اللي منعني عنك لولاه كنتي شوفتي أنا هعمل فيكي إيه على روحتك بيت ال*** ده وكدبك عليا
انهارت قواها وسقطت دموعها المتحجرة فوق وجنتيها دون أن تجيب عليه بكلمة، كانت أذنها تتلقى السهوم المسمومة التي تخرج من بين شفتيه دون رحمة لتصيب وجدانها بلا هوادة، وتستمر عبارته الأخيرة في التردد على مسامعها كالشريط الذي يعيد نفسه وهو يخبرها أن لولا ابنه لكان فعل وسوى بها، وسؤال واحد تطرحه على عقلها ماذا كان سيفعل لي لولا حملي؟.. هل أصبح لا يهتم لأمري لهذه الدرجة التي تجعله مستعد لفعل أي شيء لي!.
***
توقف بلال بسيارته مضطرًا بسبب إشارة المرور وكانت سيارة “علي” متخفية بين السيارات أمامه وبالكاد يراها بصعوبة، ثواني معدودة وانفتحت الإشارة وبدأت السيارات كلها بالانطلاق ولسوء حظ بلال أن السيارة التي كانت أمامه يبدو أنها عطلت وكان صاحبها يحاول التحرك لكن دون فائدة، فتأفف بلال بخنق وبسرعة حول الانحراف على الجانب للمرور وخلال ذلك الوقت كانت سيارة “علي” اختفت من أمامه وفقد أثرها فراح يضرب المقود بيده بقوة وهو يصرخ بعصبية:
_اوووووف
ارتفع صوت رنين هاتفه الصاخب وتجاهله لكن الرنين استمر في أزعاجه أكثر بجذب الهاتف ورد منفعلًا دون أن يتفقد اسم المتصل أولًا:
_خير!!!
اتسعت عيني حور بفزع من صياحه بها وراحت تغضن حاجبيها وهي تجيبه بضيق بسيط:
_إيه يابلال بتزعقلي كدا ليه؟!
هدأت حدة ملامحه فور سماعه للصوت الأنثوي الذي يحفظه عن ظهر قلب وبسرعة رفع سماعة الهاتف عن أذنه وهو يمسح على وجهه متأففًا وفي ظرف ثواني حدث كل هذا قبل أن يعود بالهاتف لأذنه ويجيب عليه بحنو يختلف كليًا عن نبرته منذ قليل:
_آسف ياحبيبتي مخدتش بالي أنه انتي.. اصل كان في رقم قارفني فرديت على التلفون أول ما رن وافتكرته هو
صك سمعها كلمة ” حبيبتي ” التي يلفظها لأول مرة وهو ينعتها بحبيبته فتوردت وجنتيها بخجل وارتفعت البسمة السعيدة لثغرها وهي ترد متنحنحة باستحياء:
_احم.. طيب أنت فين بقى أنا ليا وقت طويل مستنياك زهقت
ضيق عينيه بدهشة وهو يردد في عدم فهم:
_مستنياني!
لحظات من الصمت مرت بينهم على الهاتف حتى صدح صوت حور الغاضب عندما توقعت ما حدث:
_بلال متقولش أنك نسيتني وأنا قاعدة كل ده مستنياك في الكافيه!
سكت لثواني وهو يحاول تذكر أي كافيه وبالحظة التالية كان يرفع يده ويضرب على وجهه فور تذكره أنهم كانوا على اتفاق حول مقابلتهم في ذلك الكافية ليتحدثوا في بعض الأمور المهمة الخاصة بخطبتهم التي بعد يومين، كيف نسى الأمر وتركها تنتظره كل هذه الوقت فقد مر ساعة تقريبًا على الموعد المتفقين عليه.
اسرع وحاول تفادي الموقف بالكذب عليها وهو يقول:
_لا نسيت إيه بس أنا كنت في شغل ومعرفتش اطلع وجايلك دلوك، حتى أنا في الطريق أهو
صاحت حور بعصبية وحزن:
_متكذبش عليا يابلال أنت نسيتني ومتجيش انا اصلا خلاص همشي يعني لو جيت مش هتلاقيني
هتف مسرعًا يحاول تدارك الأمر حتى لا يزداد سوءًا:
_حور استنى والله اااا…..
لم تمهله الفرصة ليعتذر أو حتى يحاول تبرير موقفه حيث أغلقت الاتصال في وجهه قبل أن ينهي عبارته، فتوقف هو عن الحديث عندما سمع صافرة إنهاء الاتصال وانزل الهاتف من على أذنه وهو يزفر بخنق ويتأفف متمتمًا:
_غبي يابلال.. ورينا هتصالحها دلوك كيف عاد
حاول الاتصال بها مجددًا لأكثر من مرة وكل مرة كان ينتهي الرنين بنفس النتيجة وهي عدم الرد فتنهد الصعداء بيأس مردفًا:
_حقها متردش عليا هترد على واحد حلوف مشاعر ليه.. سايبها ملطوعة بالساعة مستنياه وهو ناسيها اصلا.. شيل شيلتك يلا يابرنس
***
داخل منزل خليل صفوان…..
كان جلال يجلس مع الجد حمزة بغرفة الجلوس ويتحدثون ببعض الأمور الهامة، حتى قطع حديثهم الجاد اقتحام أولاده الاثنين الغرفة وهم يهتفون مع بعضهم في نفس واحد:
_الحق يابوي
التفت كل من جلال والجد مفزوعين على أثر صوت الأولاد وهتف جلال مسرعًا بقلق:
_في إيه؟!
رد عمار الصغير بوجه مزعور وعابس:
_أمي تعبانة وبتبكي چامد
هب جلال واقفًا بتلهف واسرع باتجاه أولاده ينوي الذهاب لزوجته وهو يسألهم:
_تعبانة كيف يعني إيه اللي حُصلها؟!
هزوا هما الاثنين كتفهم بجهل بنما جلال فكان في طريقها لغرفته بالأعلى وهم خلفه يبادلوه نفس التلهف على أمهم، فور وصوله رأى فريال تجلس فوق فراشها وغارقة في بكائها الشديد فهرول نحوها مفزوعًا وجلس بجوارها ليلتقط كفها يتحضنه بين كفيه بدفء متمتمًا:
_مالك ياحبيبتي أنتي زينة؟!
رمقت فريال أولادها الذين يقفون على بضع سنتي مترات من فراشها بكل غضب وصاحت:
_بتندهوا أبوكم ليه أنا مش قولتلكم متندهوش وأنا زينة
لوى الأولاد فمهم بحزن بينما جلال فهتف باستغراب من انفعالها الغير مبرر على الأولاد:
_في إيه يافريال العيال قلقوا عليكي وچم يندهوني چرا إيه يعني!
رمقت زوجها بنارية وقالت بغيظ:
_چرا كتير.. قومي من چاري وهملني لحالي أنا كويسة
ارتفع حاجب جلال بدهشة من أسلوبها الفظ في الحديث معه وأمام أطفالهم فقال بلهجة تحذيرية:
_بلاش الجنان ده يافريال قصاد العيال واعقلي
طالعته بشراسة وهي تجيب ساخرة دون مبالاة:
_هو أنت خليت فيا عقل ما أنت اللي جننتني بعمايلك
مسح جلال على وجهه وهو يتأفف مستغفرًا ربه ثم التفت نحو أولاده وحدثهم بلهجة آمرة:
_يلا يامعاذ أنت وعمار اطلعوا كملوا واچبكم في اوضتكم
دامت نظرات الأولاد المتفحصة لأمهم وأبيهم لثواني قبل أن يزموا شفتيهم وبيأس ويمتثلوا لأمر والدهم ويغادروا الغرفة ليتركوهم على انفراد وبمجرد رحيلهم توقف عمار وقال محدثًا أخيه بخنق:
_هما هيتخانقوا تاني يامعاذ صُح؟
هز معاذ رأسه بالإيجاب في عبوس ردًا على سؤال أخيه الصغير الذي تابع بخوف:
_تفتكر أمي ممكن تمشي وتهملنا وتهمل البيت تاني
اتسعت عيني معاذ هو الآخر بدهشة ورعب لمجرد تخيل الفكرة وراح يهز رأسه بالرفض في ثقة:
_لا لا أمي مش هتهمل البيت تاني خلاص منيرة معدتش قاعدة
رفع عمار أنامله وهو يحك ذقنه الذي لم تنبت بعد ويرد بتفكير شيطاني لا يناسب عمره أبدًا:
_واحنا ايه اللي يضملنا أنها متهملش البيت وتسيبنا احنا وأبوي تاني
مط معاذ شفتيه بجهل متمتمًا بتفكير:
_مش عارف.. نعمل ايه يعني؟
ابتسم عمار بخبث وأشار لأخيه الأكبر أن ينحني عليه بسبب فرق الطول بينهم لكي يهمس في أذنه:
_قرب هقولك في ودنك هنعمل إيه!
انحنى عليه معاذ يصدر له أذنه ليبدأ عمار بسرد خطته على أخيه الذي ارتفعت ابتسامة الماكرة على ثغره وهو بتسمع لأخيه الصغير اللئيم ويبدو أن الخطة قد نالت استحسانه.

بالداخل عودة لجلال وفريال كان يهتف هو منزعجًا:
_چرالك إيه يافريال إيه اللي حُصل!
فريال بغيظ وهي تعقد ذراعيها أسفل صدرها وتقول:
_وهو إنت عاوز يحُصل حاچة چديدة يعني.. لساتنا في اللي حصل الصبح في المعرض
رد جلال بنفاذ صبر:
_ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. هو احنا مش قفلنا الموضوع ده خلاص يابنت الناس وانتي قولتي اللي في نفسك ومنيرة دي خدت نصيبها مني وراحت لحالها
التفتت له فريال ورمقته شزرًا صائحة بغيرة حارقة وانفعال:
_أنا مقفلتش حاچة، وبعدين ايه خدت نصيبها دي.. آه ماهي خدت نصيبها صُح وكانت متبتة في يدك إكده وبتترجاك عشان تردها
أنهت عبارتها الأخيرة وهي تمسك بكفيه بنفس الطريقة التي كانت تمسكهم بها منيرة لكن هي فعلت بقوة وغل، فسحب هو كفيه من قبضتها متمتمًا بضيق:
_وبعدين عاد يافريال اعملك إيه عشان نقفل على السيرة الغم دي.. انتي شيفاني مبسوط باللي حُصل يعني!
اقتربت بوجهها من وجهه وتطلعت في عينيه بتدقيق وكأنها تضعه تحت الضغط حتى يعترف دون مرواغة وهتفت باستياء:
_ولما أنت كنت مضايق ومش مبسوط سبتها تمسك يدك ليه وكمان مش عاچبك لما چبتها من شعرها وزعقتلي
جلال مبررًا موقفه بانزعاج حقيقي:
_زعقتلك عشان اللي عملتيه ده فضايح وفي مكان شغلي، لو كان إهنه في البيت مكنش هيهمني حتى لو حطتيها تحت رچلك وطلعتي كل غلك فيها مش چبتيها من شعرها بس ومكنتش هفتح خشمي
اشاحت بوجهها عنه للجهة الأخرى ترد بتذمر:
_بردك مش مبرر
تنهد الصعداء بقلة حيلة ورد عليها في ازدراء:
_طب أنتي عاوزة إيه دلوك عشان ترتاحي!
التزمت الصمت ولم تجيبه لكن عدم إجابتها لم تكن غضبًا بل كانت لأنه لا يوجد إجابة من الأساس لديها، وعندما لم يجد رد منها على سؤاله قال معتاظًا منها:
_شوفتي أنتي حتى معندكيش رد يعني كل اللي بتعمليه ده لمچرد النكد وخلاص
التفتت نحوه وردت بعناد تتحداه:
_لا عندي رد
تطلع في عينيها بترقب ينتظر ردها الذي تتدعي أن لديها، طال سكوتها وهي تحاول إيجاد رد أو شيء يرضيها لكنها حقًا كما وصفها ما تفعله نكد لا أكثر نابع من غيرتها المفرطة عليه، فزفر مغلوبًا منها واستقام واقفًا وهو يمسح على شعرها بلطف متمتمًا:
_نامي يافريال وارتاحي ربنا يهديكي ياحبيبتي
تابعته بنظره العابس وهو يغادر الغرفة مجددًا ليتركها بمفردها تشتعل وهي تنعت نفسها الحمقاء وتهتف مغتاظة:
_كيف يعني انا معنديش رد لحاچة زي إكده كنت طلبت منه أي حاچة.. اديني طلعت أنا اللي نكدية دلوك
***
بتمام الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل داخل منزل سمير……..
بينما كانت خلود تقف بالمطبخ تقوم بتنضيف بعض الصحون سمعت صوت رنين هاتف زوجها النائم، استمر الرنين للحظات وانتهي دون أن يجيب عليه فقد كان غارق في النوم بسبب عمله الجديد الذي يستهلك طاقته كلها وربما هذا كان في صالحها لأنه بهذا الشكل سترتاح قليلًا من جلسات التعذيب التي تتلقاها يوميًا على يده.
صك سمعها صوت وصول رسالة على هاتفها ولا تعرف لماذا قادها فضولها الذهاب ورؤية تلك الرسالة ومعرفة من من جاءت، فتحركت باتجاه غرفته ودخلت كان هو نائم في فراشه، اقتربت منه وانحنت على هاتفه لتجذبه وتقرأ الرسالة التي كانت من تلك الفتاة التي تأتي معه للمنزل دومًا تكتب له بكل وقاحة(أنت فينك ياحبيبي مش بترد عليا ليه أنت وحشتني أوي وأنا كنت مجهزالك ليلة حلوة النهاردة، لو مش فاضي أو تعبان رد عليا وقولي وأنا اجيلك اهون عنك شوية)
تقوست معالم وجه خلود للاشمئزاز والنفور من نفسها وهي تتساءل كيف كانت تحب ذلك الوغد وخسرت كل شيء بسببه، ليت أهلها قتلوها ولم يزوجها له.
لم تنتبه له عندما فتح عينيه ولمحها تقف بجوار فراشه ممكسة بهاتفه فاشتعلت نظراته وجذب الهاتف من يدها وهو يصيح بها:
_بتعملي إيه؟!
نظرت له ولأول تتطلعه بقرف دون خوف، حتى الأمس هي كانت تأمل أن ينصلح حاله يومًا ما ويعود ذلك الرجل الذي أحبته لكنها أدركت أنها كانت تعيش على سراب ووهم لن يحدث حتى في أحلامها، فمن اتصف بالقذارة لن تنظفه الحياة مهما فعلت به.
هتفت ساخرة باشمئزاز واضح على معالمها:
_حبيبة القلب كانت بتتصل بيك شوفها شكلها محتچاك قوي وانت اتوحشتها
هب سمير واقفًا من فراشه وهو يصرخ بها جاذبًا إياها من ذراعها بعنف:
_أنتي بتقلبي في تلفوني كمان يا****
لم ترد على إهانته الصريحة لها بلفظ دنيء مثله ورغم علامات الألم البادية على وجهها من قبضته فوق ذراعها إلا أنها ظلت واقفة بشموخ وكأنها هذه المرة تستعد لجلستها اليومية بكل حفاوة، متيقنة أنه عقابها على أفعالها وعلى الأنغماس في المحرمات مع ذلك السافل وهي الآن تنال العقاب الذي تستحقه، وبالفعل لم يتأخر كثير قبل أن ينزل بكفه على وجنتها يصفعها بكل عنف ويجذبها من شعرها صارخًا بها:
_انتي شكلك بنت عمك قوة قلبك وخليتك تنسي نفسك بس أنا هفكرك أنتي مين كويس يا****
ردت عليه بغضب وقد سالت دموعها من فرط الألم:
_أنت بني آدم مريض وانا معرفش حبيتك كيف وضيعت نفسي واهلي عشانك ياخي حسبي الله ونعم الوكيل فيك
نزل بصفعة أخرى على وجنتها اسقطتها ارضًا وهو يصرخ بها:
_كمان بتحسبني فيا.. طب أنا هربيكي من أول وجديد
ارتفع صراخها وهي تحاول دفعه بعيدًا عنها والفرار من بين براثينه عندما وجدته يحاول الاعتداء عليها جنسيًا، لكن قوتها الضعيفة كانت لا تقارن بقوته الجسمانية الرجولية والقوية التي أخمدت مقاومتها وأخرست صوتها رغمًا عنها حتى لو استمر قلبها في الصراخ من الداخل لكن صوتها لم يعد يستطيع الخروج بعد الآن وعيناها فقط التي كانت تملك حرية ذرف الدموع.
***
داخل منزل ابراهيم الصاوي تحديدًا بغرفة عمران…
كانت تجلس فوق الفراش وتضم ساقيها لصدرها وتحتضن قدميها بذراعيها، وعيناها تدور في أرجاء الغرفة الفارغة بعبوس، وجهها يملأه الحزن والندم على شجارهم معًا بالصباح وماتفوهت به من طيش رغم معرفتها أنها على خطأ ولا يحق لها قول شيء سوى الاعتذار منه، لكنها استمرت في الكبر ورفضت الخنوع أمام خطأها.
ربما لو لم يتركها لتقضي هذه الليلة بمفردها في الغرفة.. لم تكن لتندم على فعلتها، ورغم ندمها ألا أن كلماته القاسية لا تزال عالقة بذاكرتها وتألم قلبها، وهذا ما يجعلها حتى الآن ترفض الاعتذار ففكرة أنه أيضًا جرحها بما قاله تعزز من شعور الاحتجاج عن أخذ الخطوة اللازمة لتصحيح خطأها، وأصبحت تنتظر منه هو أن يرضيها.
لكن ذلك لم ينجح في كبح ذلك الصوت العاشق الذي في قلبها ويلح عليها بالذهاب له، فوجودها بمفردها في تلك الغرفة دونه كان يثير في نفسها مشاعرًا متضاربة ما بين الخنق والملل والشوق، استجابت لصوت قلبها واستقامت واقفة وارتدت ملابسها الفضاضة وحجابها وخرجت من غرفتها متجهة نحو الدرج المؤدي للطابق الثالث حيث تكمن غرفته الصغيرة المفضلة والتي بالتأكيد يقضي ليلته فيها.
وصلت ووقفت أمام الباب لثواني مترددة ثم حسمت قرارها في النهاية وفتحته بكل بطء، لتدخل رأسها أولًا تلقي نظرة فاحصة في الغرفة باحثة عنه فوجدته نائم على الأريكة الصغيرة مقارنة بحجم جسده وبالتأكيد ليست مريحة كفراشه، أصدرت تنهيدة حارة في أسر ودخلت على أطراف أصابعها وبكل حذر أغلقت الباب خلفها، وتقدمت نحوه حتى أصبحت أمام الأريكة مباشرة فانحنت عليه ودثرته بالغطاء جيدًا ثم أخذت نفسًا عميقًا وراحت تجثى على الأرض بجوار الأريكة مستندة بساعديها على طرفها وعيناها عالقة عليه تتأمل ملامحه الرجولية المهيبة، للحظة فقدت سيطرتها على نفسها وتأملها له ولوجهه أثرها وأصبحت كالمغيبة للدرجة التي لو فاق الآن لتوسلته أن يغفر لها ذلتها ولا يوليها ظهره ويحرمها من دفء صدره وحبه.
ظلت جالسة بجوار رأسه لدقائق طويلة وعندما هبت واقفة واستدارت كانت تنوي الرحيل سمعت صوته الناعس يسألها بعدما فتح عينيه ورآها:
_بتعملي إيه إهنه؟
لوت فمها بحزن والتفتت له تجيب بنظرة ثاقبة:
_چيت أشوفك إذا كنت نايم إهنه ولا سيبت البيت واصل
وضع ذراعه فوق عينيه وشاح بوجهه عنها وهو بجيبها بعدم اكتراث مكملًا نومه:
_واديكي شوفتي انزلي يلا على اوضتك
كانت سترحل لكنها سرعان ما غيرت خطتها وردت عليه بوجه مرهق:
_مش عايزة اقعد في الأوضة
رد عليها ساخرًا غير متوقعًا للرد الذي سيسمعه منها:
_امال عايزة تقعدي وين؟
ردت بثقة تامة دون أي تردد:
_معاك
رفع ذراعه عن عينيه والتفت لها يرمقها رافعًا حاجبه بنظرة قوية لتتابع هي مفسرة رغبتها في وجودها بجواره حتى لو كانت كذب ولا تقول السبب الحقيقي وهو شوقها له:
_مش عارفة أنام وبحلم بكوابيس عفشة عملالي قلق ورعب
اعتدل في نومته جالسًا وهو يطالعها بحدة مدركًا غايتها من ذلك الحديث كله، فقرر أن يقصر عليها الطريق ويسأله بوضوح:
_وانتي عاوزة إيه دلوك؟
تنحنحت باستحياء بسيط بعدما أدركت أنه يفهم جيدًا ما تحاول الوصول إليه، وردت عليه بخفوت دون أن تنظر في وجهه:
_عاوزاك تنزل تقعد چاري في الأوضة عشان خايفة اقعد وحدي
لم يدهشه ردها فكان هذا هو المتوقع بالنسبة له، ليستقيم واقفًا من الأريكة ويتقدم منها بخطى متريثة حتى يقف أمامها مباشرة ويجيبها بسخرية عاقدًا ذراعيه أمام صدره:
_يعني أنتي عاملة المسرحية دي كلها عشان تخليني أفضل چارك وتحاولي تليني قلبي عليكي وتجري كلام ما بينا ومش هاين عليكي تعترفي بغلطك ولا تعتذري وتقولي حقك عليا أنا أسفة وكنت غلطانة
اغتاظت بشدة من كلماته وليس لأنه وصفها بأنها تتدعي الخوف بل كان غيظها الأكبر نابع من أنه يقرأها كالكتاب المفتوح وبكل سهولة، فردت عليه بعصبية:
_أنا مش عاملة مسرحية ياعمران وبراحتك لو مش عاوز تنزل خلاص خليك إهنه أنا هقعد وحدي تحت
أنهت عباراتها واندفعت للخارج تتركه يقف بثبات تام يتابعها، كانت تتمنى أن تسمع صوته وهو يوقفها ليخربها بأنه سيأتي معها لكنه لم يفعل وحطم آمالها، فعادت لغرفتها مجددًا وهي عابسة أكثر من الأول، وراحت تجلس فوق الفراش وقدميها تهتز بعنف على الأرض وعيونها بدأت في ذرف الدموع الحارقة، لكن لم يمر الكثير من الوقت حتى وجدت الباب ينفتح فاشاحت بوجهها بسرعة وكفكفت دموعها حتى لا يراها وبلحظة تحول عبوسها بفرحة عندما رأته يدخل من الباب وبيده وسادته وغطاءه الذي أخذهم معه للأعلى، يبدو أن قلبه لم يطاوعه وقرر تلبية رغبتها في بقائه معها.
تابعته بنظراتها المتلهفة وكانت تنتظره أن يقترب من الفراش ليشاركها إياه لكن وجدته يتمدد على الأريكة أيضًا، لتجد لسانها يتفوه دون وعي منها:
_أنت هتنام على الكنبة!!!
طالعها بطرف عينيه ليجيبها بلهجة مستنكرة سؤالها الساذج:
_أنتي شايفة إيه! .. ولا عاوزاني أنام چارك كمان عشان الكوابيس متكبسش على نفسك
تمتمت بصوت منخفض في أسى:
_ياريت
هتف محاولًا التقاط ما تفوهت به للتو:
_بتقولي حاچة؟!
هزت رأسها بالنفي في يأس وردت:
_لا مبقولش تصبح على خير يامعلم
تعمدت قول ” معلم ” وهي تنتظر منه ردًا مميزًا اعتادت عليه لكنها سمعته يرد ببرود مستفز:
_وإنتي من أهله
للمرة الثانية يدمر توقعاتها وآمالها فراحت ترمقه مندهشة بضيق وحزن قبل أن تهمس بتلقائية جميلة:
_مقولتش ليه وانتي من أهله ياغزالي.. للدرچادي شايل مني
تململ في الأريكة ليوليها ظهره وهو يرد عليها بجفاء في عدم مبالاة:
_آه للدرچادي ونامي يلا عشان أنا عاوز أنام
عبس ثغرها ومالت شفتيها للأسفل في حزن ثم تأففت بخنق شديد وراحت تتدثر في الغطاء على الفراش بمفردها وهي تتوعد لكل من كان السبب في تلك الفجوة التي بينهم.
***
بصباح اليوم التالي بمنزل خليل صفوان…..
استيقظ جلال من النوم مفزوعًا على أثر صوت طرق الباب القوي، وبسرعة هب واقفًا من فراشه يسرع ليفتح الباب فيجد ابنه الأكبر أمامه حدقه بحدة وهتف غاضبًا:
_إيه الخبيط ده وإيه اللي مصحيك من دلوك
اضطرب معاذ وخاف أبيه من غضبه وصياحه وبلحظة كاد يفسد خطته هو وأخيه، لكنه تحلى بالشجاعة ورد على أبيه بقلق متصنع:
_عمار تعبان قوي يابوي وبيكح چامد من الصبح
كانت فريال في تلك اللحظات قد استيقظت وفور التقاط أذنها كلمات ابنها هبت مفزوعة وهي تسأله وتهرول نحوه:
_ماله اخوك يامعاذ؟!
هز كتفيه بجهل يجيب على أمه في خوف:
_معرفش ياما تعالي شوفيه
أسرعت فريال وارتدت حجابها ولحقت بجلال الذي سبقها مع معاذ لغرفة أولاده حتى يطمئن على ابنه الصغير، بينما عمار غفور رؤيته لأبيه أخذ يسعل بقوة فاقترب منه جلال ومسح على شعر يسأله بقلق:
_مالك ياعمار إيه اللي تاعبك
وصلت فريال وبلهفة جلست بجانب ابنها وراحت تتحسس جبينه ووجهه كله تقيس درجة حرارته لكنها وجدت جسده بارد فردت بحيرة:
_ما أنت جسمك مش سخن ياحبيبي أمال بتكح إكده ليه؟
التفتت باتجاه معاذ وسألته بغضب:
_انتوا كنتوا نايمين على المروحة امبارح وهي عالية يا معاذ؟
احتار فيما يجيب على أمه وتعلثم ليهز رأسه في النهاية بالإيجاب، راحت فريال توبخهم بعصبية من فرط قلقها عليهم:
_أنا مش نبهت مليون مرة متفتحوش المروحة بليل
مسح جلال على وجهه متأففًا وقال بصوت رجولي غليظ:
_جهزيه وخليه يلبس وأنتي كمان البسي عشان نوديه للدكتور
تبادلوا الأثنين النظرات المرتعدة فيما بينهم فور سماعهم لرغبة والدهم في أخذ عمار للطبيب، وبسرعة رد الصغير معترضًا حتى لا يتم كشف مخططه:
_لا أنا مش عاوز اروح للدكتور مش بحبه
ردت عليه فريال بحدة ترفض الموافقة على اعتراضه الطفولي:
_مينفعش ياعمار لازم تروح للدكتور
ارتمى عمار بين ذراعيين أمه وراح يهتف معترضًا أكثر بطفولية:
_لا مش عاوز اروح ياما أنتي خليكي چاري وأنا هخف من غير دكتور
ضيقت عينيها بتعجب وردت في حنو:
_ما أنا چارك أهو ياعمار يعني هو أنا هروح وين ياولدي
لمعت عيني الاثنين بفرحة وابتعد عمار بسرعة عنها ليسألها:
_يعني أنتي مش هتهملينا وتمشي كيف ما عملتي قبل إكده عشان امبارح أنتي وأبوي اتخانقتوا
انعقد لسان فريال وفرت الكلمات من بين شفتيها أما جلال فقد اشتدت حدة نظراته وراح يتطلع لابنه بقوة بعدما فهم حيلته وقال:
_أه وأنت طبعًا بتمثل المرض عشان أمك متمشيش
اجفل عمار نظره أيضًا خوفًا وخجلًا من أبيه الذي تابع بعصبية وهو يوجه حديثه لمعاذ أيضًا:
_أي حاجة تحصل بيني أنا وأمكم ملكمش صالح بيها واصل مفهوم ولا لا، ولو اللي حصل ده اتكرر تاني عقابكم عسير معايا فاهمين
هزوا رأسهم بالموافقة خوفًا دون أن يتجرأوا على رفع رأسهم أو النظر في وجه والدهم الذي استقام واقفًا بغضب وصاح في معلش موبخًا إياه:
_وأنت بدل ما توعي أخوك الصغير وتقوله ده غلط بتشاركه في الكذب واللي بيعمله، وتصحينا أنا وأمك مفزوعين من النوم، ماشي يامعاذ حسابك معايا بعدين
كانت فريال تتابع توبيخ جلال لهم وانفعاله عليهم بصمت فهم يستحقوا العقاب وعندما غادر الغرفة استقامت هي أيضًا ورمقتهم بضيق بعدما رأت العبرات قد تجمعت في عيونهم بسبب التوبيخ والصياح الذي تلقوه للتو، لتقول لهم بحزم:
_يلا روحوا اغسلوا وشكم والبسوا واجهزوا عشان متتأخروش على المدرسة
دخلت فريال غرفتها خلف جلال واغلقت الباب، لتضيق عيناها بتعجب عندما رأته يجلس فوق الفراش وهو ثائرًا من فرط الغضب فتقدمت إليه وجلست بجواره تقول في رقة محاولة امتصاص غضبه:
_خلاص اهدى ياجلال هما العيال فعلًا غلطوا وأنت عرفتهم غلطهم وزعقتلهم، ملوش داعي العصبية دي كلها
طالعها منفعلًا وهتف:
_وهما غلطوا بسبب مين يعني
لم تفهم تلمحيه وما يرمي إليه فتابع هو بعصبية:
_بسبب خناقك معايا كل يوم والتاني العيال خافوا لترچعي تهمليهم تاني كيف ما عملتي سابق ومهتمتيش بيهم، طبيعي لما يسمعوا ويشوفوا خناقنا دايمًا هيعملوا إكده
ردت بصدمة وهي تشير بسبابتها على نفسها:
_أنا هملتهم ومهتمش بعيالي!!.. أنا عمري ما اسيب عيالي ياچلال ولو في حد سبته فهو أنت بسبب چوازك عليا، ولما طلبت منهم يچوا معايا هما اللي اختاروا يفضلوا چارك
ابتسم بمرارة وقال ساخرًا بعدما اشاح بوجهه بعيدًا عنها:
_زين أن عيالي اختاروني على الأقل وفضلوا چار أبوهم مش كيف أمهم اللي لغاية دلوك عندها استعداد تهملنا تاني
تلألأت العبرات في عيون فريال التي صاحت به بانهيار وخزي:
_ليه وهو أنا مختارتكش ياچلال لما سامحتك ورچعلتك أنا كنت بقف قصاد ناسي عشانك لكن أنت اللي ضيعت كل حاچة باللي عملته، اه وأنا منعديش استعداد اسيبك أنت وعيالي تاني لكن لو أنت عاوز فالكلام هيختلف وقتها
استقام واقفًا وهو يجيبها بنفاذ صبر وخنق:
_اه أنا دايمًا اللي عفش وظالم وانتي الملاك
كان يتفوه بتلك الكلمات وهو متجه للحمام تاركًا إياها غارقة في دموع عيونها التي سالت بغزارة فوق وجنتيها، فراحت تصيح عليه بقهر وصوت باكي:
_أنا كنت متأكدة أن أنت معدتش بتحبني كيف الأول
سمع كلماتها من الداخل وهو يقف أمام حوض غسل الوجه وراح يهز رأسه مغلوبًا في تعابير وجهه تدل على استنكاره وخنقه من تلك السخافة التي تتفوه بها، فستظل كما هي لن تتغير ابدًا.
***
فتح بشار عينيه بخمول وهو يتأفف بسبب رنين الهاتف الذي لا يتوقف ازعاج نومه، مد يده والتقط الهاتف ليفتح ويجيب بخنق:
_مين؟
وصله الرد أنثوي ناعم يقول بدهشة:
_أنت لسا نايم يا بشار!!
أدرك أنها خطيبته فأجابها بنعاس مؤكدًا على كلامها:
_أيوة نايم يامريم حرام عليكي مصيحاني من الساعة سبعة ليه
ضحكت برقة وأجابته في برود تام تحثه على النهوض والاستيقاظ:
_هو مش أنت اللي قولتيلي امبارح صحيني الصبح بدري
مسح على وجه وهو يزفر بنفاذ صبر ويجيبها مغتاظًا:
_قولتلك بدري بس مش من الساعة سبعة يابنت الناس
كتمت ضحكتها بصعوبة وهتفت في حدة مزيفة لا تليق بصوتها الهاديء:
_ايوة يدوب عشان تلحق تجهز لمشوارك قوم يلا بلاش كسل
بشار بخمول وخنق:
_طيب خلاص هقوم اقفلي انتي عشان اقوم البس
هتفت بحدة ضاحكة:
_بشار اوعي تنام تاني
ضرب على وجهه بغيظ منها وهو يجيبها مغلوبًا منها:
_ياستي ملكيش صالح بيا عاد انتي خلصتي مهمتك لغاية إهنه، لو نمت تاني هبقى أنا اللي هشيل شيلتي
ردت بكل ثقة ولؤم:
_وأنت فاكر إني هسيبك تنام تاني أصلا
ابتسم لا إراديًا ورد بلطف هذه المرة في نبرة جادة:
_خلاص عاد يامريم قولتلك فوقت ومش هنام يلا سلام
هتفت بنعومة وهي تودعه:
_ماشي سلام ومتتأخرش النهاردة عليا هستناك لما تخلص شغلك وترن عليا تمام
_حاضر من عيوني
ابتسمت بساحرية بعد سماع رده ثم أنهت الاتصال لتتركه يتجهز لعمله.
***
بتمام الساعة الثانية عشر ظهرًا داخل الجامعة…
كانت حور قد انتهت من محاضراتها وفي طريقها للرحيل، ولم تنتبه لذلك الجالس في الكافتيريا ينتظرها، هي حتى لم تقذف في عقلها فكرة احتمالية وجوده فبعدما انتهي من امتحانات سنته الدراسية الأخيرة، لا يأتي للجامعة إلا لو كان لأجلها فقط لكي يأخذها معه أما للمنزل أو لمكان آخر.
لمحها وهي تعبر من أمام الكافتيريا وفي طريقها للخارج فترك كوب الشاي الذي بيده فوق الطاولة وهب واقفًا يسرع خلفها وبينما كان يسير خلفها همس بصوت لا يسمعه سواهم:
_هو الحلو مش ناوي يحن ولا إيه!
انتفضت بفزع وبسرعة التفتت له تسأله في صدمة:
_أنت بتعمل إيه هنا؟!
رد عليها بلال مازحًا مستنكرًا سؤالها:
_مفيش أنا لقيت نفسي زهقان فقولت أما آچي اسيق الحمامات مع عمال النضافة شوية.. هكون چاي ليه يعني ياحور!!.. چاي عشانك
كانت ستضحك على مزحته لكنها حافظت على موقفها وتصنعت البرود وهي توليه ظهرها وتكمل طريقها هاتفة:
_وأنا مش عايزاك تيجي عشاني امشي يلا
استمر في ملاحقتها وهو يهتف بمرح محاولًا كسر حاجز التوتر الذي بينهم:
_لا مهو أنا النهاردة فاضي وقاعدلك فهمشي اروح وين
ردت مغتاظة وهي ترمي بتلمحياتها المشتعلة:
_آه وامبارح مكنتش فاضيلي وعشان كدا نسيتني أو طنشتني
أصبح يسير بجوارها مباشرًا وأكمل محاولاته الجميلة في نيل رضاها:
_أنا انسى الدنيا كلها ومقدرش انساكي والله ياحبيبتي
رمقته بطرف عينيها بسخرية ثم أسرعت في خطواتها لتبتعد عنه وهي ترد بصوت تعمدت أن يصل بأذنه:
_منافق
ردد كلمتها بصدمة:
_أنا منافق!!.. ماشي ياحور
وصلوا لخارج أسوار الجامعة ومرت من جانب سيارته وعبرتها دون اهتمام فسمعته يقول ساخرًا وهو يقف مستندًا بساعديه فوق السيارة:
_أيه ناوية تخديها مشي على رچلك
ردت عليه بعناد وغضب:
_ملكش دعوة بيا أنا قولتلك امشي
ظل واقفًا وهو يراقبها وعلى ثغره ابتسامة ثقة أنها لن تجد سيارة فاليوم تكون المواصلات قليلة جدًا، كانت هي بين كل ثانية وأخرى تختبئ النظر إليه بطرف عينيها فتجده كما هو على حاله يقف ينتظرها ويرمقها بكل ثقة أنها ستعود له مجددًا.
مر تقريبًا خمسة عشر دقيقة وهم بانتظار أي سيارة وسط الشمس الحارقة التي بدأت تزعجها بشدة وتتعبها، فا استقل هو بسيارته أخيرًا وظنت أنه سيرحل ويتركها لكن وجدته يتحرك ويدور بالسيارة ليصبح أمامها مباشرة وينظر لها من النافذة يقول مبتسمًا بمكر:
_أنتي إكده فاضلك خمس دقايق كمان وتوصلي لدرچة التحميص المطلوبة، يعني أنتي دلوك وشك كله قلب وبقى كيف الطماطم.. الله اعلم كمان شوية اللون الأحمر ده هيقلب على إيه، لو حابة تفضلي واقفة وتشاهدي الحدث مباشر خليكي
جزت على أسنانها بغيظ منه وكما توقع استسلمت والتفت حول السيارة لتستقل بالمقعد المجاور له وهي تشتعل ليس فقط من حرارة الشمس بل أيضًا من نيران صدرها، فجذب هو زجاجة المياه الباردة التي بجواره ومدها لها يقول مازحًا:
_خدي اشربي ياقمر، ماله بس لو نسمع الكلام من الأول شوفتي أخرى العناد مش حلوة كيف
جذبت زجاجة المياه من يده واخذت تروي عطشها حتى أوشكت على أنهاء الزجاجة وبعدما إعادته له شرب هو أيضًا وراح يكمل مازحه ومحاولاته اللطيفة متمتمًا:
_بصي أنا عندي فكرة حلوة إيه رأيك نعيد الاتفاق تاني والمرة دي اوعدك مش هنسى
طالعته شزرًا وصاحت منفعلة:
_بلال أنت عايز تعصبني وتجنني اكتر يعني ولا إيه!
هتف بنفاذ صبر وضيق:
_لا عاوزك تضحكي ياحور.. كفاية عاد ميبقاش قلبك أسود إكده، مش معقول خطوبتنا بكرا وهنبقى متخانقين
ردت عليه بتمنع أنثوي جميل:
_بكرا أن شاء الله هبقى افكر اسامحك ولا لا، دلوقتي يلا بقى وديني البيت بسرعة عشان ورايا تجهيزات وحجات كتير عايزة اعملها
رفع حاجبه مستنكرًا حماسها الشديد في التجهيز لخطبتهم غدًا وهي تتشاجر معه الآن ولا تريد التحدث معه، فراح يلوح بكفه مندهشًا وهو يستغفر ربه ويتمتم مغلوبًا:
_على رأي ابو الليف.. اللي فاهمهم راسه تعبانة صح والله
***
داخل منزل ابراهيم الصاوي…..
كانت آسيا في طريقها للدرج حتى تذهب للطابق الأرضي حيث المطبخ لكنها توقفت عندما رأت إخلاص تقف أمام السلم وتتحدث في الهاتف وعندما استمعت لحديثها بتركيز فهمت أنها تتحدث مع منى وتتفق معها على الموعد الذي ستعود فيه للمنزل لكي يبدأوا مخططهم الثاني في سرق زوجها منها، فاشتعلت نيران غيرتها وتحولت لوحش كاسر حيث اندفعت مسرعة نحو حماتها تصيح بها:
_لساتك مصممة أن البت دي هتدخل البيت إهنه تاني
ردت عليها إخلاص ببرود مستفز:
_حسك ميعلاش عليا يابت چليلة وده بيتي أچيب فيه اللي أنا عاوزاه مش هاخد الأذن منك
اقتربت منها آسيا أكثر وتطلعت في عينيها بوعيد شيطاني ونظرات لا تحمل الشفقة:
_وأنا سبق وحذرتك أنك لو فكرتي تخربي بيني وبين چوزي والبت دي عتبت عتبة البيت تاني سعتها هخليكي تخسري ولدك واصل، وأنتي عارفة زين أني اقدر اعمل إكده واكتر كمان ياحماتي
ابتسمت إخلاص باستهزاء منها وراحت تتقدم بخطواتها إليها وآسيا تتراجع للخلف وتقول إخلاص بتشفي:
_ولدي اللي امبارح قلبها فوق راسك عشان بس عليتي حسك على أمه واتكلمتي معاها بعدم احترام هتخليني اخسره
كان آسيا تستمر في التقهقهر للخلف وهي لا تحيد بنظرها الملتهب عن أخلاص وغير منتبهة لحافة الدرج التي تقترب منها كلما تقهقهرت للخلف، أما أخلاص فتابعت بغل وهي تقبض على ذراعها:
_أنتي لولا العيل اللي في بطنك ده كنت خليت ولدي طلقك من زمان يعني احمدي ربك على العيل ده
حاولت آسيا نزع ذراعها من قبضة أخلاص وهي تصرخ بها بعصبية:
_سيبي يدي
وسط جادالهم وشجارهم ومحاولات آسيا لدفع إخلاص عنها وجذب ذراعها من قبضتها انزلقت قدمها على حين غرة دون أن تنتبه وسقطت من فوق الدرج الطويل….

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *